بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید اذ الاحـتـيـاط كـل الاحتياط هو ان يحث الخليفة امثال هؤلاء على التحديث والتناقل بكل ما سمعوه وتـلـقـوه عـن النبي (ص ) لكي لا تبقى بعض سنة النبي مجهولة للناس , ولكي لا يبقى المسلمون في دوامة من الجهل بالاحكام .وامـا الاحـتياط بمعنى احتمال خطا الراوي او سهوه او نسيانه او... فهذايردفي كلام عمر نفسه , ولا يمكنه الزام الاخرين دون الزام نفسه .ولا نكاد نقضي العجب ممن زعم ان نهي الخليفة لا يتناول من تيقن مايحدث به ويعرف فقهه وحكمه , مـع انـه قـد سـجن ابا ذر وابن مسعودوابامسعود وابا الدرداء, ونهى عمارا وابا موسى الاشعري وامثالهم مع كون اغلبهم من عيون الصحابة والرعيل الاول في الاسلام .وابـعـد شـي ء يقال هنا: هو ان النهي والحبس والضرب والمنع لا يتناغم ولايتلاءم مع نفسية عمر, باعتباره خليفة وصحابيا كبيرا, فلا بد ان نربا به عن ارتكاب مثل تلك الاعمال .الا ان الـواقـع الـذي لا يـمـكن دفعه هو ان عمر كان معروفا منذ زمن رسول اللّه بالشدة والغلظة , وكذلك في خلافة ابي بكر, ولما انبسطت يده في خلافته راح يحمل الدرة فيضرب هذا ويعاقب ذاك ويـسـجـن ثـالـثـا ويـنـفـي رابعاويغرب خامسا لاتفه الاسباب وابسطها مما يمكن علاجه بدون ذلك من التهذيب والارشاد وقد نقل لنا المؤرخون صورا متعددة من اسلوب الخليفة , حتى جاءفي شرح النهج الجديد انه كان في اخلاق عمر والفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة ((221)) . وانه كان شديد الغلظة , وعر الجانب , خشن الملمس , دائم العبوس ,وكان يعتقد ان ذلك هو الفضيلة , وان خلافه نقص ((222)) .هذا وكم من حامل اسقطت حملها خوفا منه انفاسه خوفا على نفسه فلا غرابة ولا بدع اذا اتخذ الخليفة ذلك الموقف الصارم المتشدد من مخالفيه في التحديث , خصوصا من بعد ردعه من قبل النبي لاستنساخه كتب اليهود, كل ذلك مع لحاظ الروح القبلية التي كانت طافحة عليه , مضافاالى مساس هذا التحديث باصل مشروعية وخلافته .والاغـرب من كل هذا ان نرى الخليفة يسجن ابا الدرداء الذي خالفه في عدة مفردات فقهية , وابا ذر وابـن مسعود اللذين كانا لا يتفقان معه في تحريمه للمتعة , وهكذا الحال بالنسبة للاخرين الذين امر بـهـم ان يـسـجـنـوا. فيبدوان الخليفة اشتد عليهم لتحديثهم بما لا يحلو ولا يروق له , والا لماذا يـسجن هؤلاء ويترك ابا هريرة صاحب الـ (5374) حديثا مطلق العنان دون حبس ولاضرب ولا تعزير, بل اكتفى بتهديده وابعاده ثم جوز له التحديث دون غيره ؟ ان المبررات المختلقة التي قيلت او قد تقال في الدفاع عن الخليفة لانراها تصمد امام النقد ولا تقوم امام التحقيق العلمي كما اثبتنا ذلك .فلذا ترى محور الاستبعاد يبتني على ما رسموه من هالة لشخص الخليفة في نفوسهم , كالملاحظ في قـول ابـن حـزم وهـذا مـا لا يـحل لمسلم ان يظنه بمن دون عمر من عامة المسلمين , فكيف بعمر (رض ) المقدمة الثانية الثابت عند المسلمين هو لزوم امتلاك الخليفة قدرتين : 1 - قدرته السياسية وحنكته في ادارة شؤون الامة في الحرب والسلم ,وبراعته في تحصين ثغور الـمـسـلمين , ومجاهدته اعداء الدين حتى يرضخوا للدعوة الاسلامية واحكامها, وما اليها من امور الـدولـة , كـجـبـايـة الـفـي ء,والـصـدقـات , وتـقدير العطاء, والخراج , وسد عوز المحتاجين , وسواهامن مستلزمات الادارة وشؤون الدولة .2 - قـدرتـه العلمية لتصدي امر الافتاء بما نزل به القران , وجاء به الرسول (ص ) , اذ ان الناس قد الفوا في عهد رسول اللّه (ص ) اخذ الاحكام عنه (ص ) والرجوع اليه فيما يستجد من قضايا الحياة , امـا اليوم فانهم يرجعون الى الخليفة , ليقفوا على الاحكام الشرعية والامور المستجدة عندهم ,وليقف مـن بـعـد عن المشرع - اعني النبي (ص ) - على تفاصيل الاحكام , لان الكثير منهم لم يتوطن مكة والـمـدينة , وكذلك لياخذ التابعون -الذين لم يروا النبي - معالم الدين من الصحابة , كل اولئك كانوا بحاجة الى اخذ الاحكام من الخليفة بالدرجة الاولى ومن يحيط به بالدرجة الثانية , مع لحاظالفارق بين الخليفة والنبي (ص ) فـالـناس كانوا ينظرون الى رسول اللّه (ص ) على انه مشرع (لا ينطق عن الهوى ) فحكمه (ص ) يكون نافذا عندهم , لا يجوز مخالفته والترددفيه ,لانه صدر عن الوحي .امـا الـخـلـيـفـة الـيـوم فليست له هذه السمة التي كانت للنبي (ص ) ولم يعطوه دورا تشريعيا في الاحكام ((223)) , بل ينظرون اليه كمحدث عن الرسول لاغير .وقـد ادرك ابـو بـكر وعمر هذه الحقيقة , فتراهم ينقلون حكم الشرع من خلال القران الحكيم او السنة المطهرة .ولـو خفي عليهم امر ما, خرجوا الى وجوه الصحابة يستفتونهم فيمايقضي به رسول اللّه (ص ) في مثل هذا الامر, ليقفوا وليوقفوا السائل على حكم اللّه ورسوله .ا - روى مـيـمون في حديث , جاء فيه ... وكان ابو بكر اذا ورد عليه حكم نظر في كتاب اللّه , فان وجـد فيه ما يقضي به قضى به , وان لم يجد في كتاب اللّه نظر في سنة رسول اللّه , فان وجد فيها ما يقضي به فقضى به , فان اعياه ذلك سال الناس : هل علمتم ان رسول اللّه (ص ) قضى فيه بقضاء؟فربما قام اليه القوم , فيقولون : قضى فيه بكذا وكذا.فان لم يجد سنة سنها النبي (ص ) جمع رؤساء الناس فاستشارهم ,فاذااجتمع رايهم على شي ء قضى به ((224)) .ب - اخـرج مـالـك , وابـوداود, وابـن مـاجة والدارمي وغيرهم : ان جدة جاءت الى الصديق تساله مـيراثها, فقال لها ابو بكر: مالك في كتاب اللّه شي ء,وماعلمت لك في سنة رسول اللّه شيئا, فارجعي حتى اسال الناس ؟ فسال الناس , فقال المغيرة : حضرت رسول اللّه (ص ) اعطاها السدس .فقال ابو بكر: هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الانصاري , فقال مثل ما قاله المغيرة .فانفذه لها ابو بكر الصديق ((225)) .وقـد كـانـت سـيرة عمر مثل سيرة ابي بكر, فكان يسال الصحابة عما لايعرفه ليستثبته منهم كي يثبته .ج - - روى البيهقي بسنده عن السلمي , قال : اتي عمر بن الخطاب بامراة جهدها العطش , فمرت على راع فاستسقت , فابى ان يسقيها الا ان تمكنه من نفسها ففعلت , فشاور الناس في رجمها.فقال علي (رض ): هذه مضطرة , ارى ان تخلي سبيلها, ففعل ((226)) .د - سال عمر بن الخطاب ابا واقد الليثي : عما كان يقرؤه رسول اللّه في صلاة العيدين ؟ فقال : بـ قاف واقتربت ((227)) .هــ - اخرج الحاكم عن سعيد بن المسيب : ان عمر بن الخطاب اتى على هذه الاية (الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ) فاتى ابي بن كعب فساله : اينا لم يظلم ؟ فقال له : يا امير المؤمنين انما ذاك الشرك , اما سمعت قول لقمان لابنه : يابني لاتشرك باللّه ان الشرك لظلم عظيم ((228)) .و - اتـي بـرجـل مـن المهاجرين الاولين وقد كان شرب , فامر به ان يجلدفقال : لم تجلدني , بيني وبينك كتاب اللّه عز وجل .فقال عمر: في اي كتاب اللّه تجد اني لا اجلدك ؟ فـقـال : ان اللّه تعالى يقول في كتابه (ليس على الذين امنوا وعملواالصالحات جناح فيما طعموا)....الاية , فانا من الذين امنوا وعملواالصالحات ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا واحسنوا, شهدت مع رسول اللّه بدراوالحديبية والخندق والمشاهد.فقال عمر: الا تردون عليه ما يقول ؟ فقال ابن عباس : ان هذه الايات انزلت عذرا للماضين , وحجة للباقين ,لان اللّه عز وجل يقول : (يا ايها الـذيـن امـنوا انما الخمر والميسروالانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان ) ثم قرا حتى انفذ الاية الاخرى : (ومن الذين امنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وامنوا ثم اتقواواحسنوا) فان اللّه عز وجل قد نهى ان يشرب الخمر.فقال عمر: صدقت , فماذا ترون ؟ فـقـال علي (رض ): نرى انه اذا شرب سكر, واذا سكر هذى , واذا هذى افترى , وعلى المفتري ثمانون جلدة .فامر عمر فجلد ثمانين ((229)) .اتضح لنا من خلال هذه النصوص وغيرها - مما تركنا سرده مخالفة الاطالة - ان الشيخين لم يدعيا انـهما يعرفان جميع الاحكام الصادرة عن رسول اللّه (ص ), او انهما قد اختصا باحاديثه (ص ) دون غيرهما, انما مثلهم مثل كثير من الصحابة الذين خفيت عليهم الكثير من مسائل التشريع .وامـا مـا بولغ فيه من احاطتهم بجميع الاحكام والعلوم وانهما كانااخص من غيرهما بالرسول (ص ) فـقـد صـدر عن موقف عاطفي متطرف ,بعيدعن الواقع التاريخي . ذلك لان اغلب المنقولات في هذا السياق عرضة للشك والترديد, ومن هذه النقول ما نسب فيها الى علي بن ابي طالب انه قال :كنانتحدث ((230)) ومـنها: ما روي عن ابن مسعود انه قال : لو وضع علم عمر في كفة ميزان وعلم اهل الارض في كفة ((231)) وقـبـل هـذيـن الـنـقـلـين ما نسب الى رسول اللّه انه قال : لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب ((232)) ((233)) وما سواها الكثير من المبالغات التي كانت وراءها شتى الدوافع والاسباب .ومـن بينات المسائل - في هذا الصدد - ان الشيخين لو كانا قد اختصابشي ء لبادرا الى بيان الاحكام , ولـما سالا الصحابة عما خفي عليهما, ولماحدث الاختلاف بين منقولاتهما وارائهما, ولما رجعا عن فـتـاواهما ازاءنقولات واراء الصحابة الاخرين ولما وصل الامر بالخليفة عمر بن الخطاب ان يقول كل الناس اعلم من عمر ((234)) وفي اخر: حتى ربات الحجال ((235)) .اذا الـتعبد بحكم اللّه ورسوله كان هو الضابط في معرفة الاحكام , في الصدر الاول والجميع كانوا يـعـرفـون ذلـك ولـم يـخف هذا على احد في تلك الفترة من تاريخ الاسلام , ولم يكن للشيخين ولا لـغـيـرهـمـا حـق الاجتهاد قبال النص . وان كانا قد تخطيا في بعض الامور اوامر الرسول (ص ) واجتهداقبال النص .ونـحـن نـعـلم بالضرورة ان النبي لم يكن اذا افتى بالفتيا, او اذا حكم بالحكم جمع لذلك جميع من بـالـمدينة , ولكنه (ع ) كان يقتصر على من بحضرته , ويرى ان الحجة بمن يحضره قائمة على من غـاب . وهـذا مـالا يـقـدرعـلـى دفـعـه ذو حـس سليم ((236)) . فالنبي كان يجمع من حضره ليبلغ الحكم ,بخلاف الشيخين اللذين يجمعان الصحابة للاهتداء الى وجه الصواب والحكم .واضاف ابن حزم بعد قوله السابق : ووجدنا الصاحب من الصحابة رضي اللّه عنهم يبلغه الحديث فيتاول فـيـه تـاويلا يخرجه به عن ظاهره ,ووجدناهم رضي اللّه عنهم يقرون ويعترفون بانهم لم يبلغهم كثير من السنن ,وهكذا الحديث المشهور عن ابي هريرة : ان اخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق , وان اخواني من الانصار كان يشغلهم القيام على اموالهم ((237)) .ومـن هـذا يتجلى ان رسم صورة للخليفة تهبه تلك المنزلة الخاصة في علوها وغلوها انما هي نتاج عـاطفة مغالية لا يرتضيها الخليفة نفسه , ويبرامنها,واليك نصوص بعض الصحابة التي تزيد الامر جلاء.الصحابة وفقه عمر. 1 - معاذ بن جبل : ا - جـاء رجل الى عمر بن الخطاب , فقال : يا امير المؤمنين اني غبت عن امراتي سنتين , فجئت وهي حبلى .فشاور عمر ناسا في رجمها.فـقال معاذ بن جبل : يا امير المؤمنين , ان كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل , فاتركها حتى تضع .فتركها, فولدت غلاما قد خرجت ثناياه , فعرف الرجل الشبه فيه .فقال : ابني ورب الكعبة .فقال عمر: عجزت النساء ان يلدن مثل معاذ, لولا معاذ لهلك عمر ((238)) .ب - ان رجلا شج رجلا من اهل الذمة , فهم عمر بن الخطاب ان يقيده منه .فقال معاذ بن جبل : قد علمت ان ليس ذلك لك , واثر ذلك عن النبي (ص ) , فاعطاه عمر بن الخطاب في شجته دينارا, فرضي به ((239)) .2 - زيد بن ثابت : ا - عن مجاهد قال : قدم عمر بن الخطاب الشام , فوجد رجلا من المسلمين قتل رجلا من اهل الذمة , فهم ان يقيده , فقال له زيد بن ثابت :اتقيدعبدك من اخيك ؟ فجعله عمر دية ((240)) .ب - عـن مـكـحـول : ان عبادة بن الصامت دعا نبطيا يمسك له دابتة عندبيت المقدس , فابى , فضربه فشجه , فاستعدى عليه عمر بن الخطاب فقال له : ما دعاك الى ما صنعت بهذا؟ فقال : يا امير المؤمنين امرته ان يمسك دابتي فابى , وانا رجل في حدة فضربته .فقال : اجلس للقصاص .فقال زيد بن ثابت : اتقيد عبدك من اخيك ؟ فترك عمر عنه القيود, وقضى عليه بالدية ((241)) .ج - - عـن زيـد بـن ثـابـت : ان عمر بن الخطاب استاذن عليه يوما, فاذن له وراسه في يد جارية له ترجله , فنزع راسه .فقال له عمر: دعها ترجلك .فقال : يا امير المؤمنين , لو ارسلت الي جئتك .فقال عمر: انما الحاجة لي اني , جئتك لتنظر في امر الجد.فقال زيد: لا, واللّه ما يقول فيه .فـقـال عمر: ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص منه , انما هو شي ءنراه ,فان رايته وافقني تبعته , والا لم يكن عليك فيه شي ء.فابى زيد, فخرج مغضبا, قال :قد جئتك وانا اظنك ستفرغ من حاجتي .ثم اتاه مرة اخرى في الساعة التي اتاه في المرة الاولى , فلم يزل به حتى قال : فـسـاكتب لك فيه , فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثلا: انما مثله مثل شجرة نبتت على ساق واحد فخرج فيها غصن , ثم خرج في الغصن غصن اخر,فالساق يسقي الغصن , فان قطع الغصن الاول رجع الماء الى الغصن [يعني الثاني ] وان قطعت الثاني رجع الماء الى الاول .فـاتى به فخطب الناس عمر, ثم قرا قطعة القتب عليهم , ثم قال : ان زيدبن ثابت قد قال في الجد قولا وقد امضيته .قـال : وقـد كان اول جد كان , فاراد ان ياخذ المال كله ابن ابنه دون اخوته ,فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب ((242)) .3 - ابو عبيدة بن الجراح : عـن عمر بن عبدالعزيز: ان رجلا من اهل الذمة قتل بالشام عمدا, وعمربن الخطاب اذ ذاك بالشام , فلما بلغه ذلك , قال عمر: قد وقعتم باهل الذمة ؟ فقال ابو عبيدة بن الجراح : ليس ذلك لك .فصلى , ثم دعا ابا عبيدة فقال : لم زعمت لااقتله به ؟ فقال ابو عبيدة : ارايت لو قتل عبدا له , اكنت قاتله به ؟ فصمت عمر, ثم قضى عليه بالف دينار مغلظا عليه ((243)) .4 - حذيفة بن اليمان : عن حذيفة بن اليمان : انه لقي عمر بن الخطاب , فقال له عمر: كيف اصبحت يابن اليمان ؟ فقال : كيف تريدني اصبح ؟ المخلوق , واصلي على غير وضوء, ولي في الارض ما ليس للّه في السماء.فـغضب عمر لقوله وانصرف من فوره , وقد اعجله امر, وعزم على اذى حذيفة بقوله ذلك , فبينا هو في الطريق اذ مر بعلي بن ابي طالب ,فراى الغضب في وجهه فقال : ما اغضبك يا عمر؟ فقال : لقيت حذيفة بن اليمان , فسالته : كيف اصبحت ؟ فقال : اصبحت اكره الحق ؟ فقال : صدق , يكره الموت وهو حق .فقال , يقول : واحب الفتنة قال : صدق , يحب المال , والولد, وقد قال اللّه تعالى (انمااموالكم واولادكم فتنة ).فقال : يا علي , يقول : واشهد بما لم اره ؟ فـقـال : صدق , يشهد للّه بالوحدانية , والموت , والبعث , والقيامة ,والجنة ,والنار , والصراط, ولم ير ذلك كله .فقال : يا علي , وقد قال : اني احفظ غير المخلوق قال : صدق , يحفظ كتاب اللّه تعالى , القران , وهو غير مخلوق .قال : ويقول : اصلي على غير وضوء.قال : صدق , يصلي على ابن عمي رسول اللّه (ص ) على غيروضوء,والصلاة عليه جائزة .فقال : يا ابا الحسن , قد قال اكبر من ذلك .فقال : وما هو؟ قال : قال ان لي في الارض ما ليس للّه في السماء قال : صدق , له زوجة وولد, وتعالى اللّه عن الزوجة والولد.قال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب , لولا علي بن ابي طالب ((244)) .5 - عبداللّه بن مسعود: ا - عـن ابـراهـيـم الـنخعي : ان عمر بن الخطاب افتى برجل قد قتل عمدا,فامر بقتله , فعفا بعض الاولياء, فامر بقتله .فـقـال ابن مسعود: كانت النفس لهم جميعا, فلما عفا هذا احيى النفس ,فلايستطيع ان ياخذ حقه حتى ياخذ غيره . قال : فما ترى .قال : ارى ان تجعل الدية عليه في ماله , وترفع حصة الذي عفا, قال عمر:وانا ارى ذلك ((245)) .ب - عن ابراهيم : ان رجلا عرف اختا له سبيت في الجاهلية ,فوجدهاومعها ابن لها لا يدري من ابوه فـاشـتراهما ثم اعتقهما, واصاب الغلام موئلا , ثم مات , فاتوا ابن مسعود فذكروا له ذلك , فقال : ائت امير المؤمنين عمر فسله عن ذلك , ثم ارجع فاخبرني بما يقول لك فاتى عمر فذكر ذلك له , فقال : ما اراك عصبة , ولا بذي فريضة .فـرجـع الـى ابـن مـسعود فاخبره , فانطلق ابن مسعود حتى دخل على عمر,فقال : كيف افتيت بهذا الرجل ؟ فقال : لم اره عصبة ولا بذي فريضة .فقال عبداللّه : هذا لم تورثه من قبل الرحم , ولا ورثته من قبل الولاء.قال : ما ترى ؟ قال : اراه ذا رحم , وولي النعمة , وارى ان تورثه .قال : فورثه ((246)) .6 - ابي بن كعب : عن الحسن : ان عمر بن الخطاب قال : لقد هممت ان لا ادع في الكعبة صفراء ولا بيضاء الا قسمتها فقال له ابي بن كعب : واللّه , ما ذاك لك .فقال عمر: ولم ؟ قال : ان اللّه قد بين موضع كل مال واقره عن رسول اللّه (ص ).قال عمر: صدقت ((247)) .ذكـر ابن قيم الجوزية : ان عمر اراد ان ياخذ مال الكعبة , وقال : الكعبة غنية عن ذلك المال . واراد ان ينهى اهل اليمن ان يصبغوا بالبول ((248)) , وارادان ينهي عن متعة الحج .فـقـال ابـي بـن كـعب : قد راى رسول اللّه (ص ) واصحابه هذا المال به وباصحابه الحاجة اليه فلم ياخذه , وانت فلا تاخذه .وقـد كـان رسـول اللّه (ص ) واصـحابه يلبسون الثياب اليمانية , فلم ينه عنها,وقد علم انها تصبغ بالبول .وقد تمتعنا مع رسول اللّه (ص ) فلم ينه عنها, ولم ينزل اللّه تعالى فيهانهيا ((249)) .7 - الضحاك بن سفيان الكلابي : عـن سـعيد بن المسيب : ان عمر بن الخطاب كان يقول الدية للعاقلة ولاترث المراه من دية زوجها شيئا.حتى اخبره الضحاك بن سفيان ان النبي (ص ) كتب اليه ان يورث امراة اشيم الضبابي من ديته , فرجع اليه عمر ((250)) .8 - شيبة بن عثمان : عـن شـقيق عن شيبة بن عثمان , قال : قعد عمر بن الخطاب في مقعدك الذي انت فيه , فقال : لا اخرج حتى اقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين .قال : قلت : ما انت بفاعل قال : بلى لافعلن قال : قلت : ما انت بفاعل قال : لم ؟ قلت : لان رسول اللّه (ص ) قد راى مكانه , وابو بكر, وهما احوج منك الى المال فلم يخرجاه .فقام فخرج ((251)) .9 - عبداللّه بن عباس : عن نافع بن جبير: ان ابن عباس اخبره قال : اني لصاحب المراة التي اتي بها عمر وضعت لستة اشهر, فانكرالناس ذلك , فقلت لعمر: لا تظلم , قال : كيف ؟ قلت : اقرا: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا), (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين ).كم الحول ؟ قال : سنة .قلت : كم السنة ؟ قال : اثنا عشر شهرا.قلت : فاربعة وعشرين حولان كاملان , ويؤخر اللّه من الحمل ماشاء,ويقدم . قال : فاستراح عمر الى قولي ((252)) .10 - علي بن ابي طالب : ا - عن ابن عباس , قال : اتي عمر بمجنونة قد زنت , فاستشار فيهااناسا,فامر بها ان ترجم , فمر علي (رض ) فقال : ما شان هذه ؟ فقالوا: مجنونة بني فلان زنت , فامر بها عمر ان ترجم فقال : ارجعوا بها.ثـم اتـاه , فـقال : يا امير المؤمنين , اما علمت ان رسول اللّه قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يـبـلـغ , والنائم حتى يستيقط, والمعتوه حتى يبرا؟ وهي في بلائها, فخلى سبيلها,وجعل عمر يكبر ((253)) .ب - عـن مـسروق قال : بلغ عمر ان امراة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها, فارسل اليهما ففرق بينهما وعاقبهما. وقال : لا ينكحهاابدا,وجعل الصداق في بيت المال , وفشا ذلك بين الناس , فبلغ عـلـيا كرم اللّه وجهه فقال يا امير المؤمنين يردهما الى السنة .قيل : فما تقول انت فيها؟ قـال : لـهـا الصداق بما استحل من فرجها, ويفرق بينهما, ولا جلدعليهما,وتكمل عدتها من الاول ثم تـكـمـل الـعـدة مـن الاخـر, ثم يكون خاطبا.فبلغ ذلك عمر فقال : يا ايها الناس ردوا الجهالات الى السنة ((254)) .ج - - اتي عمر بن الخطاب بامراة قد تعلقت بشاب من الانصار,وكانت تهواه , فلما لم يساعدها احتالت عـلـيـه , فـاخـذت بيضة فالقت صفرتها,وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها, ثم جاءت الى عمر صارخة ,فقالت :هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في اهلي وهذا اثر فعاله فـسال عمر النساء فقلن له : ان ببدنها وثوبها اثر المني , فهم بعقوبة الشاب ,فجعل يستغيث ويقول : يا امـيـر الـمـؤمـنـيـن فاعتصمت .فقال عمر: يا ابا الحسن ما ترى في امرهما؟ فـنظر علي الى ما على الثوب , ثم دعا بماء حار شديد الغليان , فصب على الثوب , فجمد ذلك البياض , ثم اخذه واشتمه وذاقه , فعرف طعم البيض ,وزجر المراة , فاعترفت ((255)) .11 - عبدالرحمن بن عوف : ا - عن ابن عباس , انه قال له عمر: يا غلام , هل سمعت من رسول اللّه (ص ) او من احد من الصحابة اذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع ؟ قال : فبينما هو كذلك , اذ اقبل عبدالرحمن بن عوف .فقال : فيم انتما؟ فـقال عمر: سالت هذا الغلام : هل سمعت من رسول اللّه (ص ) او احدمن اصحابه اذا شك الرجل في صـلاته ماذا يصنع ؟ قال عبدالرحمن : سمعت من رسول اللّه (ص ) يقول : اذا شك احدكم ... الى اخر الحديث ((256)) .ب ـ عن قتادة , قال : سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلق امراته في الجاهلية تطليقتين وفي الاسلام تطليقة .قال : لا امرك ولا انهاك .فقال عبدالرحمن : لكني امرك , ليس طلاقك في الشرك بشي ء ((257)) .12ـ وامراة خطاته فيما ذهب اليه من عدم جواز الغلاء في المهور ((258)) .كانت هذه نصوص نقلناها عن اكثر من عشرة من الصحابة والتابعين ,من بينهم كبار الصحابة , امثال .1 ـ معاذ بن جبل .2 ـ زيد بن ثابت .3 ـ ابو عبيدة بن الجراح .4 ـ حذيفة بن اليمان .5 ـ عبداللّه بن مسعود.6 ـ ابي بن كعب .7 ـ الضحاك بن سفيان الكلابي .8 ـ شيبة بن عثمان .9 ـ عبداللّه بن عباس .10 ـ علي بن ابي طالب .11 ـ عبد الرحمن بن عوف .12 ـ امراة من نساء المسلمين .وقـد رايـنـا هـؤلاء يـصـححون ما افتى به الخليفة , مستدلين تارة بالقران العزيز واخرى بالسنة المطهرة . وهذه الوقائع تؤكد ان الخليفة لا يدعي انه قداختص بمعرفة الاحكام جميعا او انه كان يـتفرد بتكوين عقلي خاص به ,وبلغ من النضج حد العبقرية بدليل موافقات الوحي له , وشهادة رسول اللّه بان الحق يدور مع عمر حيث دار ((259)) .منشا تبني عمر وبعض الصحابة للراي والاجتهاد.مـن الـطـبـيـعـي ان استمرار ظاهرة تخطئة الخليفة ستؤدي الى تضعيف مركزه وتقلل من مكانته الاجـتـمـاعية عند المسلمين , وستؤثر مالا على قوام الخلافة الاسلامية , لانه قد راى الصحابة ـ وخـصـوصـا المحدثين منهم ـ قدجدوافي تخطئته مرة بعد مرة , وان المواقف المخطئة في بعض الاحيان ,والمشككة في احيان اخرى لو كتب لها ان تستمر لاسفرت عن تجرؤالصحابة على الوقوف امام شخصية الخليفة نفسه .فكان من المحتم عليه ـ والحالة هذه ـ ان يطرح نهجا جديدا يتلافى فيه ظاهره التخطئة والتصحيح التي يقوم بها الصحابة , ويغلق امامها المنافذ,ولتكون من بعد المبرر لاعماله , والمصحح لاجتهاداته , اذ ان مـقـايـسـة فـتـاوى الـخـلـيـفـة بما في القران واحاديث رسول اللّه , ثم بيان وجوه الخلاف بـيـنـهماوبين اصول التشريع سيسوق الناس للتعريض به , والوقوف امام ارائه ومايشرعه من راي , وهـو يـعـني تضعيف مكانته عندهم , ويجعله في موضع المستسلم لقبول ما سيطرحه المخالفون له , فـراى مـن الـضرورة تقوية ما كان يذهب اليه في تعرف المصلحة على عهد الرسول , وتقوية فكرة الاجـتهادوتعميمها للصحابة , كي يعذر في فتاواه , ومن هنا ظهرت رؤيتان عندالخليفة ,ومن ثم عند المسلمين .الاول : القول بالمصلحة .الثاني : القول بحجية اجتهاد الصحابي .وستقف لاحقا على السير التاريخي لهاتين الرؤيتين وعلى مدى قربهمااو بعدهما عن الواقع . قبل ذلك نـنـقل كلام الامام محمد عبدة عن المصلحة عند الصحابة وانهم كانوا اذا راوا المصلحة في شي ء يحكمون به وان خالف السنة , كانهم يرون ان الاصل هو الاخذ بما فيه المصلحة لابجزئيات الاحكام وفروعها ((260)) .وقال الشيخ عبدالوهاب خلاف : وكانوا اذا لم يجدوا نصا في القران اوالسنة يدل على حكم ما عرض لـهـم من الوقائع استنبطوا حكمه , وكانوافي اجتهادهم يعتمدون على ملكتهم التشريعية التي تكونت لهم من مشافهة الرسول , ووقوفهم على اسرار التشريع ومبادئه العامة .فـتـارة كانوا يقيسون ما لا نص فيه على ما فيه نص , وتارة كانوايشرعون ماتقضي به المصلحة او دفـع المفسدة ولم يتقيدوا بقيد في المصلحة الواجب مراعاتها, وبهذا كان اجتهادهم فيما لا نص فيه فسيحا مجاله ,وفيه متسع لحاجات الناس ومصالحهم ((261)) .ومـمـا يدل على صحة قول عبدة وخلاف هو فتاوى عمر نفسه والتي مرقسم منها, والقارى ء يعرف مدى نسبة اجتهاد الخليفة التي اصطدمت مع واقع التشريع .فمن المحتمل ان تكون هذه المواقف المخطئة للخليفة من قبل الصحابة هي سبب اخر من اسباب منع عمر بن الخطاب من التحديث عن رسول اللّه .وبذلك تكون قد وقفت على امتداد الاتجاهين في الشريعة عندالمسلمين حتى بعد وفاة رسول اللّه : الاول : ياخذ بالنصوص ويتعبد بها, والذي سميناه (التعبد المحض ).الـثـانـي : يـاخذ بقول الرجال ويذهب الى حجية اجتهادات الصحابة المدركين لروح التشريع , ولم تختص اجتهاداتهم فيما فيه نص , فقد تكون فيمالا نص فيه , والذي اسميناهم (الاجتهاد بالراي ).قال الدكتور محمد سلام مدكور:... وهكذا من تتبع تصرفات الصحابة وعلى راسهم عمر الذي طالما بدل بعض الاحكام الى ما يرى انه مصلحة , مع تفسيره للنصوص تفسيرا يتفق مع المصلحة , وقد درج الـتـابعون على ذلك فافتوا بجواز تسعير السلع مع نهي الرسول عن ذلك , وقالوا: ان الناس قد فجروا بما اصابهم من الجشع ((262)) .قال الشيخ عبدالوهاب خلاف : ... في عهد الصحابة لما تعدد رجال التشريع منهم , وقع بينهم اختلاف في بعض الاحكام وصدرت عنهم في الواقعة الواحدة فتاوى مختلفة , وان هذا الاختلاف كان لا بد ان يـقع بينهم ,لان فهم المراد من النصوص يختلف باختلاف العقول ووجهات النظر,ولان السنة لم يكن عـلمهم بها وحفظهم لها على السواء, وربما وقف بعضهم على مالا يقف عليه الاخر,لان المصالح التي تـسـتـنـبـط لاجلها الاحكام يختلف تقديرها باختلاف البيئات التي يعيش فيها رجال التشريع , فلهذه الاسباب اختلفت فتاواهم واحكامهم في بعض الوقائع والقضايا.ولـمـا الـت الـسلطة التشريعية في القرن الثاني الهجري الى طبقة الائمة المجتهدين اتسعت مسافة الـخلاف بين رجال التشريع , ولم تقف اسباب اختلافهم عند الاسباب الثلاثة التي بني عليها اختلاف الـصـحـابـة , بـل جـاوزتـهـاالـى اسباب تتصل بمصادر التشريع وبالنزعة التشريعية وبالمبادى اللغوية التي تطبق في فهم النصوص .وبـهـذا لـم يـكـن اختلافهم في الفتاوى والفروع فقط بل كان الاختلاف ايضا في اسس التشريع وخـطـطـه , وصار لكل فريق منهم مذهب خاص يتكون من احكام فرعية استنبطت بخطة تشريعية خاصة ((263)) .بهذا اتضح ان تعدد مراكز الافتاء قد ادى ويؤدي الى الاختلاف في الراي والاجتهاد, وقد يكون هذا الاختلاف عند الصحابة , فيما بينهم , او بينهم وبين الخليفة .وقـد وضـح الدكتور مدكور هذه الحقيقة بعبارة اخرى فقال :...واجتهادالصحابة لم يقف عند القياس وانما شمل كل وجوه الراي , عمدتهم في ذلك البديهة والفطرة وما لمسوه من روح التشريع , مع وعي كـامـل لـلاسـاس الـعـقلي الذي يقوم عليه الراي , والدور الذي يؤديه في اظهارالاحكام الشرعية , فاجتهدوا وهم على بينة من امرهم .وكانت اجتهاداتهم متنوعة , فمنها ما يعتمد على القياس , ومنها مايعتمدعلى المصلحة , وهكذا بالنسبة للمصادر العقلية التي عرفت فيما بعدباسماء اصطلاحية .ثم يقول :... ومن الطبيعي ان الاجتهاد بالراي يترتب عليه اختلاف وجهة النظر , والتفاوت في الفتاوى والاحـكـام , ولـمـا تـفرق الفقهاء مع هذافي الاقاليم كانوا نواة الاتجاهات المختلفة التي نشات عنها مدرسة الحديث ومدرسة الراي ((264)) .وقد ذكر الدكتور ديب البغا وجها اخر من وجوه ادلة النافين لحجية قول الصحابي فقال : ان الـصحابة قد اختلفوا في مسائل , وذهب كل واحد خلاف مذهب الاخر, كما في مسائل (الجد مع الاخوة ) وقول القائل (انت علي حرام ) وغيرها,فلو كان مذهب الصحابي حجة على التابعين , لكانت حجج اللّه متناقضة مختلفة ولم يكن اتباع التابعي للبعض اولى من البعض الاخر ((265)) .فالذهاب الى مشروعية الاجتهاد, يعني شرعية تعدد الاراء, وكذااختلافها فـعـمـر بن الخطاب حينما راى ضرورة استخدام الاجتهاد كمنطلق في فهم الشريعة , كان عليه ان يـسـمح للاخرين في الافتاء كذلك , حتى يصح اجتهاده , وكي يجد في كلام الاخرين ما يؤيد كلامه ويفسره .ان امـره قـرظة بالاقلال في الحديث ثم تجويز الاجتهاد للصحابة , ممايبرهن على ان الخليفة كان يريد نقل مدار التشريع وتعديته من النصوص الشرعية الى الاخذ باراء الرجال وقد اشار الامام علي الـى خطا هذه الفكرة والى ان الحق لا يعرف بالرجال فجاء عنه : انك لملبوس عليك , ان الحق والباطل لايعرفان باقدار الرجال , اعرف الحق تعرف اهله .فالخليفة ـ وبتوسيع دائرة الاجتهاد ـ كان يريد ان يعطي لنفسه مكانة في التشريع , من خلال السماح بالاجتهاد لغيره .اذ يعلم ان المدبر السياسي لا يمكنه ان يطبق ما يريده لو جرد عن الدورالتشريعي , ومما لا محيص عـنـه ان يـجـعل الحق لنفسه اكثر من غيره ,لانه الاجدر بمزاولة التشريع لكونه متصديا لمنصب الخلافة .فـجـاء لـيـحدد ما رسمه في الاجتهاد سابقا كي يجعل النصيب الاوفرله ,فتراه يجيب عن المسائل بـمفرده ـ دون ان يستشير احدا من الصحابة آولم يرتض قبول راي اخر يعارض رايه , وصار داعيا الـى اتـبـاع رايـه وسيرته بعدان كان سائلا وباحثا عن سنة رسول اللّه , واصر على الاخذ برايه وان خـالف سنة رسول اللّه والذكر الحكيم , لانه اعلم منهم باحكام اللّه وسنة رسوله ـعلى حد قوله لمن جمعهم من الصحابة ـ فقال لهم : لا تفارقوني , فاني اعلم منكم , اخذ منكم وارد عليكم .وانـه لـم يـكـتف بهذا, بل تراه لا يسمح لعمار بن ياسر وغيره من الصحابة ان يذكراه بما فعله ايام رسول اللّه .اخرج النسائي : ان رجلا اتى عمر, فقال : اني اجنبت فلم اجد ماء؟ فقال : لا تصل .فقال له عمار: اما تذكر, انا كنا في سرية فاجنبنا, فاما انت فلم تصل , واماانافاني تمعكت فصليت , ثم اتـيـت النبي (ص ) فذكرت ذلك له , فقال : انمايكفيك ,وضرب شعبة بكفه ضربة ونفخ فيها, ثم دلك احداهما بالاخرى ثم مسح بهماوجهه .فقال عمر شيئا لا ادري ما هو.فقال : ان شئت , لا حدثته ((266)) .وفي رواية اخرى : كنا عند عمر فاتاه رجل فقال : يا امير المؤمنين ,انمانمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء فقال عمر: اما انا فلم اكن لاصلي حتى اجد الماء.فقال عمار: يا امير المؤمنين , تذكر حيث كنا بمكان كذا, ونحن نرعى الابل , فتعلم انا اجنبنا؟ قال : نعم .قال : فاني تمرغت في التراب , فاتيت النبي (ص ) فحدثته فضحك وقال :كان الصعيد كافيك , وضرب بكفيه الارض ثم نفخ فيها ثم مسح بهماوجهه وبعض ذراعيه .قال : اتق اللّه يا عمار.قال : يا امير المؤمنين ان شئت لم اذكره ما عشت , او حييت .قال : كلا واللّه , ولكن نوليك من ذلك ما توليت ((267)) .يوضح هذا النص ان الخليفة لم يكن يرى التيمم للجنب , بل يسمح له بترك الصلاة اذا تعذر الماء قـال العيني : فيه [يعني الحديث ] ان عمر (رض ) لم يكن يرى للجنب التيمم , لقول عمار له : فاما انت فلم تصل وقال : انه جعل اية التيمم مختصة بالحدث الاصغر, وادى اجتهاده الى ان الجنب لا يتيمم ((268)) .قال ابن حجر: هذا مذهب مشهور عن عمر ((269)) .واخرج البخاري , عن الاعمش , عن شقيق , قال : كـنت جالسا مع عبداللّه , وابي موسى الاشعري , فقال له ابو موسى : لوان رجلا اجنب فلم يجد الماء شـهـرا اما كان يتيمم ويصلي ؟ فكيف تصنعون بهذه الاية في سورة المائدة : (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)؟ فقال عبداللّه : لو رخص لهم في هذا لاوشكوا اذا يرد عليهم الماء ان يتيمموا الصعيد.قلت : وانما كرهتم هذا لذا؟ قال : نعم .فـقـال : ابـو مـوسى : الم تسمع قول عمار لعمر؟ ((270)) .النصوص الـسابقة اكدت على ان الخليفة كان وراء هذا الحكم الشرعي وغيره من الاحكام , وانت ترى مخالفته الـواضـحـة لما نزل به القران وبينه رسول اللّه , ولذلك احتج عمار, وابو موسى , واستغرب فقهاء الـمـسلمين هذاالحكم الذي اسسه عمر. ومن هنا يعلم انه لا يصح القول بان مثل هذه الفتاوى والاراء مـقـررة مـن قـبل الشرع وان للصحابة حق الاجتهاد المطلق ,ولهم الافتاء طبق ما عرفوه من روح التشريع واعتبار ذلك هو الدين لا غير فـلـو صـح هـذا الـفرض لما صح لعمر ان يلزم عمارا السكوت ويواجهه بلهجة فيها شي ء من العنف والـتحذير, اذ حسب هذا القول يقتضي ان يكون عمار قد عرف الحكم الشرعي من النص ومن روح الـتـشـريـع مـضـافـا الـى ماسمعه من النبي (ص ), ولا يجوز لعمر بعد هذا الاعتراض عليه , بل يلزمه عليه احترام رايه كصحابي يدرك روح التشريع , وان تخويفه وعدم السماح له بالتحديث لحري بالوقوف عنده ؟ ونـفـس الامر يقال عن الصحابة : فلو جاز اجتهاد الجميع , لما صح لعماران ينكر على عمر يوافقوا ذلك , وكذا ابو موسى الاشعري وغيرهما من الصحابة الذين لم يوافقوا بالفتوى عمر.وليتني اعرف : هل خفي على عمر ما رواه الصحابي الجليل عمران بن الحصين : ان رسـول اللّه (ص ) راى رجلا معتزلا لم يصل في القوم , فقال (ص ):يافلان ما منعك ان تصلي في القوم ؟ فقال : يا رسول اللّه , اصابتني جنابة , ولا ماء.فقال (ص ): عليك بالصعيد, فانه يكفيك ((271)) .وقوله (ص ) في مورد اخر: عليك بالتراب ((272)) .وفي حديث ثالث : اعلمك التيمم , مثل ما علمني جبرئيل , فاتيته ... ((273)) .ام هل خفي عليه ما رواه ابو هريرة وابو ذر وغيرهم في التيمم ؟ وما وصل الينا من اخبار المحافظة على الصلاة وانها لا تترك بحال ؟ كل هذه النصوص تحكم بخطا ما ذهب اليه الخليفة وانه لم يكن اعرف من غيره بالاحكام الشرعية ـ كما ادعى ذلك لنفسه متاخرا ـ.مـع الـعـلـم ان راي عـمر لم يقتصر على الفاقد للماء حتى يمكن القول بالاستثناء وقبول ما يعلله به الاخرون , فالخليفة يؤكد على لزوم اتباع ارائه وان حصل بينها الاختلاف في الواقعة الواحدة .فعن مسعود الثقفي انه قال : شهدت عمر بن الخطاب (رض )... اشرك الاخوة من الاب والام مع الاخوة من الام في الثلث .فقال له رجل : قضيت في هذا عام اول بغير هذا قال : كيف قضيت ؟ قال : جعلته للاخوة من الام ولم تجعل للاخوة من الاب والام شيئا.قال : تلك على ما قضينا, وهذا على ما قضينا ((274)) .وفي لفظ اخر: تلك على ما قضينا يومئذ, وهذه على ما قضينا اليوم ((275)) .فهذه النصوص تؤكد عـلـى ان الـخليفة يجد في رسم اصول فقهه واعتبارها المقياس الاول والاخير في الاخذ به . وهي رؤية املتها الظروف عليه ودعته الى القول بها, ثم امتدت بعده حتى بلغ الامر ببعض المسلمين ان يقول : ان قول الصحابي وفعله يخصص كلام اللّه قـال الـدكـتـور مـدكـور: وايا ما كان فمن الثابت انه لا يوجد حكم تشريعي في هذا العهد [اي عهد الرسالة ] الا ومصدره الوحي , ولم يقل احد غيرذلك سوى من اجازوا للرسول الاجتهاد ((276)) .ثـم نقل عن المدخل الى علم اصول الفقه , للدواليبي : ان الرسول قدجعل الاجتهاد اصلا ثالثا للاحكام فـي عصره ((277)) , ثم نفى الدكتور سلام هذاالراي , وذهب الى عدم كونه مصدرا للتشريع في عهده (ص ) ((278)) .