بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید نـعـم , قـد عـلـل اتباع الخلافة وانصارها ما ذهب اليه عمر بن الخطاب من اجتهادات تخالف القران والـسـنـة المطهرة , وذكروا وجوها في ذلك , منهاماقاله الدكتور سلام :.... ولم ينهض عنده [اي المستشكل القادح ] حجة لقادح خفي راه فيه [اي عند عمر] حتى استفاض الحديث في الطبقة الثانية مـن طـرق كثيرة , واضمحل وهم القادح فاخذا به ((279)) وغيرها من وجوه التعليل التي ذكرها المؤرخون والفقهاء.هـذا وانـك ستقف لاحقا على سر منع الخليفة الثاني من تدوين الحديث ,ولم جمع المحدثين عنده في اواخر عهده وقوله لهم : لا تفارقوني .ان دعـوة الـخـليفة المسلمين الى اتباع قوله , كانت حاجة سياسية فرضهاالواقع الاجتماعي عليه , وكـذا مـنـعه للتدوين , اذ لم يصدر نص شرعي عن رسول اللّه فيه . ولو ثبت ذلك عنه (ص ) لذكر عمر المسلمين به واستعان بقوله (ص ) ـ في منعه للحديث والتدوين ـ ولم ينسب المنع لنفسه وحده لئلايتحمل وزره .ان عمر وبتقويته لفكرة الراي لم يكن قصده مخالفة سنة رسول اللّه وتخطئتها, بل ان الظروف هي الـتـي الزمت الخليفة ان يقول بالراي وان خالف النص , انطلاقا من طباعه الشخصية , ويمكن ان نعد مـواقفه السابقة مع رسول اللّه كانت من هذا الباب , اذ كان في الجاهلية على شي ء من الجفوة مشهود, فكان يريد تطبيق ممارسة صلاحياته ـ التي يرتايها لنفسه ـ باوسع نطاق في الاسلام ومع رسول اللّه , ولكن الفرق بين العصرين واضح بين .عمر بن الخطاب والتعبد. نـعم , ان البعض قد نفى ان يكون اجتهاد الخليفة من هذا القبيل , حيث انه كان من الذين قد تعبدوا بسنة الرسول , ثم مثلوا لذلك ببعض النصوص , منها:قوله وهو واقف على الركن : اني لاعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولم ارحبيبي (ص ) قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك ((280)) .وقال يعلى بن امية : طفت مع عمر بن الخطاب , فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر, اخذت بيده ليستلم , فقال : اما طفت مع رسول اللّه (ص )؟ قلت : بلى .قال : فهل رايته (ص ) يستلمه ؟ قلت : لا.قال : فانفذ عنك فان لك في رسول اللّه اسوة حسنة ((281)) .وهذان النصان وامثالهما واضحة الدلالة على ان الخليفة لا يعني برايه وباجتهاده مخالفة النص , فاذا لحظت هذا واقواله في ضرورة التمسك بالاحاديث ونبذ الاجتهاد, ثم لحظت اجتهاداته وتوسعه في الاسـتنباط حتى مع وجود النص , اذا لحظت هاتين المسالتين علمت ان الظروف هي التي حدت به ان يتخذ موقفا انجر في نهاية المطاف الى مخالفة السنة النبوية , من حيث يشعر او لا يشعر بذلك .ان استمرار ظاهرة التخطئة عند المسلمين ستؤدي لا محالة الى انفصال القيادتين السياسية والعلمية احداهما عن الاخرى , وهذا يعني خروج المسلمين عما اعتادوا عليه في عهد رسول اللّه من الاخذ عـن شخص واحد,ونظرا للمصلحة العامة ـ كما يقولون ـ ذهبوا الى القول بالمصلحة وحجية الراي واجتهاد الصحابة وخصوصا اجتهادات الشيخين , لانهم قدعرفواملاكات الاحكام وروح التشريع , كـما طرحها المبررون لاراءواجتهادات الشيخين زاعمين ان اجتهادات امثال هؤلاء جديرة بالامتثال ثم رووااحاديث عن رسول اللّه في ذلك .ثـم ان الـمسلمين كانوا قد عرفوا ان الاحكام المستجدة يلزم ان يستنبطوهامن النصوص الشرعية ومـا جـاء عن رسول اللّه , ولا يجوز لاحد القول فيها بالراي والاجتهاد, وحيث ان الخليفة لم يحفظ جميع تلك النصوص او لا يعرف تفسيرها, فتراه يشرع القياس ليكون المبرر لما يذهب اليه وليقال ان كلامه ماخوذ من الاصل الفلاني والاية الفلانية .وبـذلك صار الاجتهاد امرا مالوفا عند المسلمين ولا يختص بالخليفة لانه قد عم جميع الصحابة , مع الاخذ بنظر الاعتبار ان البعض منهم : من كان يفتي طبق الراي والاجتهاد, والاخر: طبق النص ولا يـرضـى بـالـتـحـديـث الاعـن كـتـاب اللّه وسنة رسوله , وان اجتهد اجتهد في اطار الاستنباط الصحيح المتين من الكتاب والسنة , وهذا ليس من الراي بشي ء.بـلـى , انـها كانت خطوة سياسية اتخذها لكي لا يجرؤ احد على مخالفة فتاواه , بل ليسلم الجميع لما يذهب اليه .عـن ابي موسى الاشعري : انه كان يفتي بالمتعة , فقال له رجل :رويدك ببعض فتياك , فانك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعدك ,حتى يفتيه , فسالته .فقال عمر: قد علمت ان النبي قد فعله واصحابه , ولكني كرهت ان يظلوامعرسين بهن في الاراك , ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم ((282)) .ان هـذا الـنـص وما سبقه ليؤكدان على ان الاحكام الشرعية كانت تخضع لراي الخليفة , اذ ترى ابا مـوسـى الاشعري ـ وهو من كبار الصحابة آلايمكنه ان يفتي بالمتعة , لانه لا يدري ما احدث امير المؤمنين في النسك ونـحـن , بـعـد وقـوفنا على ملابسات التشريع , يمكننا القول : ان الذهاب الى حجية كلام الصحابي , واستغلال مفهوم اجتهاد النبي وانه قد اخطا في فداءاسرى بدر, والصلاة على المنافق , وقوله : انما انـا بـشـر اذا امـرتـكـم بـشـي ءمـن ديـنـكـم فـخـذوا به , واذا امرتكم بشي ء من رايي فانما انا بشراخطى واصيب ((283)) وغيرها .... كلها رؤى قد رسمت لتصحيح اجتهادات الخليفة ,ولرسم المبرر لما يذهب اليه .فـسـؤال الصحابة الخليفة عن الحكم الشرعي وبالعكس , يعني طلب الجميع الوقوف على ما حكم به اللّه ورسـولـه , فلو كان اجتهاد عمر عندهم حجة ,لاخذوا به ولما ذكروه بما قاله الرسول (ص ) ومـا فعله , ولما تراجع هوعما افتى به في كثير من المواطن تـكـن حـجة عندالمسلمين في الصدر الاسلامي الاول ـ وعلى التحديد قبل تاسيس الشورى آحيث وقفت على تخطئة الصحابة لعمر, وتخطئة الواحد منهم للاخر.فـلو صح ما نسب الى رسول اللّه من انه اكد لزوم اتباع سنة الشيخين فيمابعد بقوله : (اقتدوا بالذين مـن بعدي ابي بكر وعمر..), فلم نرى الصحابة لاياخذون بامر الرسول حيث خالفوا راي الشيخين من بعده ؟ قـال الـدكـتور ديب البغا, وهو بصدد بيان ادلة النافين لحجية مذهب الصحابي : ... اجمعت الصحابة عـلـى جـواز مـخـالـفـة كـل واحـد مـن احـاد الـصحابة المجتهدين للاخر, فلم ينكر ابو بكر وعـمر ((284)) رضي اللّه عنهما على مخالفيهمابالاجتهاد , بل اوجبوا على كل مجتهد في مسائل الاجـتـهـاد ان يـتبع اجتهاد نفسه , ولو كان مذهب الصحابي حجة لما كان كذلك , ولكان يجب على كل واحد منهم اتباع الاخر, وهو محال ((285)) .ان الـناس كانوا يريدون الوقوف على سنة رسول اللّه لا سنة الشيخين ,والخليفة ـ كما عرفت ـ لا يعرفها جميعا, ومن هنا بدا يواجه مشكلة جدية ينبغي له ان يضع الحل لها, لان المحدثين من الصحابة وبنقلهم الاحاديث عن رسول اللّه سيوقفون الناس على وهن راي الخليفة وبعده عن الشريعة , وان هذه الـظاهرة والتوعية ـ بطبيعة الحال وحسب نظر الخليفة ـ ستمس كيان الخلافة والدولة الاسلامية الـفـتـيـة , وتؤدي الى انفصال القيادتين السياسية والعلمية احداهما عن الاخرى , وهو مما لا يخدم الوضع العام قرار الخليفة .فلا بد له والحال هذه من رسم خطة واتخاذ نهج للخروج مما هو فيه ,فذهب اولا الى القول بحجية الـراي والقياس , بعد ان كان معارضا لهما,لانه راى فيها ما يطيب النفس ويقنع السائل . وقد وقفت على نصوص للصحابة يتخذون فيها التمثيل والقياس اسلوبا لاقناع عمر وفقا لرايه وفهمه ,منها: ما قاله ابو عبيدة بن الجراح للخليفة في قتل المسلم بالذمي :ارايت لو قتل عبدا له اكنت قاتله ؟ تمثيل زيد بن ثابت في الارث بالشجرة , وغيرها.فـالقياس هو المنفذ العقلي الذي اتخذه البعض نهجا في معرفة الاحكام ,والصحابة قد اتخذوه لاقناع عمر, واتخذه من بعدهم عمر لاقناع الناس برايه .جاء في كتاب عمر بن الخطاب الى شريح .اذا وجـدت شـيـئا فـي كتاب اللّه فاقض به , ولا تلتفت الى غيره , وان اتاك شي ء ليس في كتاب اللّه فاقض بما سن رسول اللّه , فان اتاك ما ليس في كتاب اللّه ولم يسن رسول اللّه (ص ) فاقض بما اجمع عـلـيـه الـنـاس , وان اتـاك مـاليس في كتاب اللّه ولا سنة رسول اللّه ولم يتكلم فيه احد قبل , فان شئت ان تجتهد برايك فتقدم , وان شئت ان تتاخر فتاخر, وما ارى التاخر الاخيرالك ((286)) .وفي كتاب عمر لابي موسى الاشعري : فاعرف الاشباه والامثال ثم قس الامور بعضها ببعض , اقربها الى اللّه واشبهها بالحق فاتبعه , واعمد اليه ((287)) .هذا وقد شك ابن حزم في صدور هذه الرسالة من عمر الى واليه ابي موسى الاشعري ,وخدش فيها سندا ودلالة , لكنه قبل صدور الرسالة لشريح وان كان له فيها بعض الكلام ((288)) .قـالت الدكتورة نادية شريف العمري : وقد استعمل عمر بن الخطاب مصطلح القياس في رسالته الى ابي موسى الا شعري , الا ان تلك الاصطلاحات والقواعد لم تكن شائعة بمسمياتها تلك ((289)) .والذي اشكلناه على منهجية الشيخين ومن حذا حذوهما من الصحابة في التفكير, لم يكن ليخفى على جم غفير من الصحابة , فقد تصدى الكثيرمنهم في موارد عدة للاجتهادات والاقيسة والاستحسانات التي بدلت وغيرت على اساسها الاحكام , او منع من تطبيق بعضها او زيد فيها احكام اخرى .وهـنـاك من عيون الصحابة من لم يكتف بالمخالفة والتغليطوالتصحيح في مورد او اكثر, بل اطلقوا قـاعـدة عـامـة نص عليها الكتاب وجاءت بها سنة النبي , مفادها عدم جواز اعمال الراي في الاحكام , لان الاتـيـان بـحـكـم جديد لم يستق من القران والسنة يعني نقص الشريعة وعدم ابلاغ النبي (ص ) لـلـرسـالـة , وهذا ما لا يقول به مسلم , القول بمعرفة الصحابة حكما عاما خفي على المشرع وجهه , وهـذا يـعـني كذلك اختصاص بعضهم بطائفة ببعض الاحكام اخفوها عن الاخرين , ومعناه : ان النبي (ص ) لـم يـبلغها للاخرين ـ والعياذ باللّه ـ, او ان بعض الصحابة قد وقف على وجه تشريع الحكم وغايته من قبل اللّه تعالى , في حين ان رسول اللّه لم يبينها لهم ـ وهوالمبين لاحكام اللّه .ان الـقـول بـمعرفة الصحابة لغايات الاحكام ومصالحها ومفاسدها المبتناة عليها,كانت من النقاط التي رسمت لتصحيح الراي والاجتهاد.لـكنا نعلم ان العقول الناقصة من الرجال لا تستطيع الاحاطة بجميع مصالح ومفاسد الاحكام , ومن هنا لـم يـجـعـل سـبـحانه وتعالى لاحد حق الجعل والتشريع , واختص ذلك بذاته المقدسة , لانه العالم المحيطبالمصالح والمفاسد .اذا لم يبق الا ان يقال : ان الشريعة المحمدية متكاملة الاحكام , دقيقة الاحكام , ليس فيها حكم الا وقد اسـتبان بنحو من انحاء الدلالة التي ارشد اليهاالنبي من اختصه بالعلم , فكان على الراسخين في العلم ان يـبـيـنـوه لـلـنـاس ويـسـتـنـبـطوه من الكتاب والسنة وفق ما اراده اللّه , لا بما تريد الاهواء والعقول الناقصة .وهـذه الـحقيقة صرح بها الكثير من لامعي الصحابة , فخذ على سبيل المثال : الامام علي بن ابي طالب وابـن مـسـعـود, فانهما قد اوضحا هذه الحقيقة واشارا الى ان فهم الرجال يعجز عن ادراك الحكم الالهي وغايته , لا ان الحكم ليس موجودا في الكتاب .جاء عن علي بن ابي طالب : ما من شي ء الا وعلمه في القران , ولكن راي الرجال يعجز عنه ((290)) .وعـن عـبداللّه بن مسعود: ما من شي ء الا [بين ] لنا في القران حكمه ولكن فهمنا يقصر عن ادراكه , فلذلك قال تعالى (لتبينن للناس ما نزل اليهم ) ((291)) .ان قـول عـلـي بن ابي طالب وابن مسعود صريح الدلالة على ان الاحكام موجودة في كتاب اللّه وان رسـوله (ص ) مكلف بتبيين ذلك للناس , وقدامر سبحانه المؤمنين بالرجوع اليه (ص ), بقوله (فان تنازعتم في شي ء فردوه الى اللّه والرسول ) ((292)) .نـعـم , ان الايـة تـؤكد بصراحة ووضوح ان حكم كل ما تنازع فيه المؤمنون موجود في كتاب رب الـعـالمين وسنة سيد المرسلين , فلو لم يكن كذلك لما امر سبحانه الناس بالرد اليهما, اذ من الممتنع عقلا ان يامر اللّه بالردعند النزاع الى من لا يوجد عنده فصل النزاع بـيد اننا لا نريد ان نذهب الى ما ذهب اليه اسماعيل ادهم واحمدتوفيق شوقي وغيرهما من الداعين الى الاقتصار على القران ومنكري السنة الامرين بلزوم اتباع القران وحده لـكـنـا نريد التنويه الى ان الصحابي الذكي الذي عايش النبي (ص )يمكنه ان يقف على حكم اللّه في كـتابه ويهتدي الى الصواب فيه , واذا اعياه رجع الى السنة , وليس هناك حكم لا يمكن استنباطه من الكتاب والسنة حتى يصل الامر الى القياس والقول بحجية الراي .ان عدم وقوف الصحابي على الدليل ليس دليلا على العدم , اذ قديمكن وجود الحكم المتنازع فيه عند الاخرين , وقد وقفت على نماذج من ذلك , فكيف يقول الخليفة : ولم يسن رسول اللّه فاقض بما اجمع عليه الناس ؟ وهـل ان مـا لا نـعرفه من حكم اللّه ورسوله هو مما لم يسن , حتى يقول :فان شئت ان تجتهد برايك فتقدم , وان شئت ان تتاخر فتاخر؟ الم يكن ذلك هو الراي المنهي عنه في الروايات ؟ اما خالف ذلك ما قاله الخليفة نفسه في نص اخر: ايـهـا الـناس , اتهموا الراي في الدين , فلقد رايتني واني لارد امر رسول اللّه براي فاجتهد ولا الو وذلك ... ((293)) .الا ترى ان يكون القائل بالراي هو ممن تنقصه المعرفة بالسنة , لقول عمر:اصبح اهل الراي اعداء السنن , اعيتهم ان يعوها وتفلتت منهم ان يردوها,فاستبقوها بالراي ((294)) .مـا يعني هذا التخالف بين نصوص الصحابة ؟ فتارة نراه يحمي الراي ويشرعه امام كلام رسول اللّه ويقف امام اتيان الصحابة بالدواة اليه (ص )ويقول : انه ليهجر, واخرى نسمعه يقول بما مر اعلاه ؟ اتكون هذه النصوص معبرة عن مرحلتين مر بهما الخليفة , فتارة يتخذالراي وثانية يخالفه ؟ وماذا سيفعل القائس ـ على راي عمر ـ اذا اشتبهت عليه الوجوه ولايدري ايها احب الى اللّه .ولو صح القياس في شريعة السماء فلم لا يوجب الشرع جلد القاذف بالكفر دون القاذف بالزنا؟ ولـمـاذا نراهم يفرقون بين حكم خروج المني ودم الحيض في اعادة الصلاة , وكلاهما مما يوجب الغسل فيه , وكذا تفريقهم بين المذي والبول والمني في الغسل ومخرجها واحد؟ وحـرمـوا الـنظر الى شعر المراة واباحوا النظر الى وجهها, وسووا بين قاتل الصيد عمدا وخطا, وفرقوا بينهما في قاتل النفس ((295)) .الا يـكـون القياس مبتنيا على الظن , والشارع قد نهى عنه اتباعه لقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم )؟ واليس القياس مبتنيا على اختلاف الانظار في تعليل الاحكام , والشرع لاتناقض بين احكامه ؟ قـال الـوافـي الـمهدي : وقد استعمل الصحابة رضي اللّه عنهم القياس ,فقدقاسوا خلافة ابي بكر لـرسـول اللّه بـعد موته على انابته في الصلاة حين مرض الرسول مرضه الاخير, قائلين : رضيه رسـول اللّه لامـر ديـنـنا, افلا يرضاه لامر دنيانا؟ لاقـاتـلـن مـن فرق بين الصلاة والزكاة , وقاس ابو بكر كذلك العهد على العقد حينما عهد الى عمر بالخلافة من بعده ...) ((296)) .ان التفصيل في مثل هذه الامور يستدعي مزيدا من الوقوف عندها,لكنانكتفي بهذا القدر ليكون القارى عـلى صورة من الاتجاهات الفكرية السائدة في الصدر الاسلامي الاول , وليتعرف على جذور بعض الاصول .هذا وان الامام الصادق كان قد بين سبب لجوء الشيخين ـ ومن حذاحذوهما الى الراي والقياس , فقد وردت عنه عدة روايات في هذاالسياق ,منها: ما حكاه القاضي نعمان بن محمد بن منصور المغربي ـ قاضي مصر ـ: (ان سـائلا سـالـه فـقـال : يـا ابن رسول اللّه , من اين اختلفت هذه الامة فيمااختلفت فيه من القضايا والاحكام [من الاحلال والاحرام ] ودينهم واحد,ونبيهم واحد؟ فقال عليه السلام : هل علمت انهم اختلفوا في ذلك ايام حياة رسول اللّه (ص )؟ فقال : لا, وكيف يختلفون وهم يردون اليه ما جهلوه واختلفوا فيه ؟ فـقـال : وكذلك , لو اقاموا فيه بعده من امرهم بالاخذ عنه لم يختلفوا,ولكنهم اقاموا فيه من لم يعرف كـل ما ورد عليه , فردوه الى الصحابة ,يسالونهم عنه , فاختلفوا في الجواب , فكان سبب الاختلاف .ولـو كـان الـجـواب عن واحد والقصد في السؤال عن واحد كما كان ذلك لرسول اللّه (ص )لم يكن الاختلاف ) ((297)) .مـا جـاء فـي تفسير العياشي , والخبر طويل نقتطف منه هذا المقطع :(فظن هؤلاء الذي يدعون انهم فقهاء علماء, قد اثبتوا جميع الفقه والدين مماتحتاج اليه الامة وليس كل علم رسول اللّه علموه , ولا صار اليهم من رسول اللّه (ص )ولاعرفوه .وذلـك ان الشي ء من الحلال والحرام والاحكام , يرد عليهم فيسالون عنه ,ولا يكون عندهم فيه اثر مـن رسـول اللّه (ص ), ويستحيون ان ينسبهم الناس الى الجهل , ويكرهون ان يسالوا فلا يجيبون , فـيـطلب العلم من معدنه .فلذلك استعملوا الراي والقياس في دين اللّه , وتركوا الاثار ودانوا بالبدع , وقـد قـال رسول اللّه : (كل بدعة ضلالة ), فلو انهم اذا سئلوا عن الشي ء من دين اللّه فلم يكن عندهم مـنه اثر عن رسول اللّه ردوه الى اللّه والى الرسول والى اولي الامرمنهم , لعلمه الذين يستنبطونه منهم من ال محمد...) ((298)) .واخرج القاضي نعمان بسنده عن محمد بن قيس , عن ابيه قال : كناعندالاعمش فتذاكرنا الاختلاف , فقال : انا اعلم من اين وقع الاختلاف .قلت : من اين وقع ؟ قال : ليس هذا موضع ذكر ذلك .قال : فاتيته بعد ذلك فخلوت به , فقلت : ذكرنا الاختلاف الواقع ,وذكرت انك تعلم من اين وقع , فسالتك عن ذلك , فقلت : ليس هذا موضع ذلك , وقد جئتك خاليا, فاخبرني من اين وقع الاختلاف .قـال : نعم , ولي امر هذه الامة من لم يكن عنده علم , فسئل فسال الناس فاختلفوا , فلو ردوا هذا الامر في موضعه ما كان اختلاف .قلت : الى من ؟... ((299)) .كان هذا بعضا النصوص , ولا نريد مزيدا من التفصيل , لان فيها كفاية لمن تدبر.اشـار ابن حزم وغيره من الاعلام الى ان الحياة وضنك العيش كانا لايسمحان للصحابة بالاستزادة من علم الرسول , فقال : (وقد علم كل احد ان الصحابة رضوان اللّه عليهم كانوا حوالي رسول اللّه بالمدينة مجتمعين , وكانوا ذوي مـعايش يطلبونها, وفي ضنك من القوت شديدقد جاء ذلك منصوصا ـ وان النبي وابا بكر وعمر اخـرجـهم الجوع من بيوتهم فكانوا بين متحرف في الاسواق , وبين من هو قائم على نخله ,ويحضر رسـول اللّه في كل وقت منهم الطائفة , اذا وجدوا ادنى فراغ مماهم بسبيله . هذا مالا يستطيع احد ان يـنكره , وقد ذكر ذلك ابو هريرة , فقال : ان اخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق , وان اخـوانـي من الانصاركان يشغلهم القيام على نخلهم , وكنت امرءا مسكينا اصحب رسول اللّه على مـل ءبـطـنـي , وقـد اقـر بـذلـك عـمـر فـقـال : فاتني هذا من حديث رسول اللّه الهاني الصفق في الاسواق ...) ((300)) .وجاء عنه انه كان يتناوب النزول الى رسول اللّه للاستزادة منه مع اخ له نزاري , فيوم كان هو ينزل لاخذ الاحكام , اما اليوم الاخر فكان حصة الاخرالنزاري .وبـهـذا عرفت ان النصوص وضحت امرا اخر غير ما هو في مخيلتنا,وهوان الشيخين كانا يهتمان بـامـر الـتجارة اكثر من الاستزادة من علم الرسول ,اماعلي بن ابي طالب فقد نص في اكثر من مرة عـلـى انـه عـرف جـمـيـع عـلم الرسول واختص به , وانه كان يخلو برسول اللّه في اليوم مرتين صباحاومساء ((301)) وكان يناجيه , حتى جاء عنه : سلوني عن كتاب اللّه , فانه ليس من اية الا وقد عرفت بليل نزلت ام بنهار, في سهل ام في جبل .ولتاكيد الموضوع خذ اليك نصوصا اخرى : اخـرج الـبـخـاري , عن عبيد بن عمير: ان ابا موسى استاذن على عمرثلاثا,فكانه وجده مشغولا, فـرجـع , فـقال عمر: الم تسمع صوت عبداللّه ابن قيس ـ يعني به ابا موسى ـ؟ ائذنوا له , فدعي به فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : انا كنا نؤمر بهذا.قـال : لـتقيمن على هذا بينة او لافعلن ـ وفي لفظ اخر: لاوجعن ظهرك وبطنك فخرج , فانطلق على مجلس من الانصار, فقالوا: لا يشهد لك على هذا الا اصغرنا.فقام ابو سعيد: فقال : كنا نؤمر بهذا.فقال عمر: خفي علي هذا من امر رسول اللّه (ص ), الهاني عنه الصفق بالاسواق ((302)) .وعـلـق الـنـووي عـلى كلام ابي سعيد بقوله : فمعناه ان هذا الحديث مشهوربيننا , معروف لكبارنا وصغارنا, حتى ان اصغرنا يحفظه وسمعه من رسول اللّه .وقد انزل سبحانه ايات في ذلك منها قوله تعالى : (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ) ((303)) و(الا ان يؤذن ) ((304)) و(لا يؤذن لهم فيعتذرون ) ((305)) .وان الاستئذان قبل ان يكون امرا الهيا فهو خلق انساني .وليتني اعرف سبب تهديد ابي موسى بالضرب , وهل التثبت في الحديث يستوجب ذلك ؟ فـلو لم يشهد ابو سعيد الخدري بنهي النبي (ص ), وانه لم يدخل عليه الابعد الاستئذان , فماذا كان يفعل بابي موسى ؟ الا يشكك هذا الموقف من عمر, فيما قيل عن عدالة الصحابة ؟ فلو كان ابو موسى صحابيا عدلا, فما معنى التثبت ؟ ولماذا لا يتانى الخليفة في اصدار احكامه على الصحابة ولا يتثبت فيمايقول ؟ ولو تنزلنا وقبلنا ان الخليفة كان يريد التثبت في هذا الخبر, فاي معنى للخبر الاتي ؟ نـقل الدواليبي في المدخل الى علم اصول الفقه , عن ابي عبيد بن سلام في كتاب الاموال فقال : اتى اعـرابـي عـمر, فقال : يا امير المؤمنين , بلادناقاتلناعليها في الجاهلية واسلمنا عليها في الاسلام , علام تحميها؟ قـال : فاطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه , وكان اذا كربه امر فتل شاربه ونفخ ((306)) , فلما راى الاعرابي ما به جعل يردد ذلك عليه .فـقال عمر ـ متمسكا في ذلك بفكرة المصلحة وحدها, من غير بحث عن سندمن نص قراني او سنة نبوية ـ: المال مال اللّه والعباد عباد اللّه , واللّه لولاما احمل عليه في سبيل اللّه ... ((307)) .واخـرج الـحـاكـم في المستدرك والبيهقي في السنن والقرطبي في تفسيره عن بجالة : ان عمر بن الـخطاب مر بغلام وهو يقرا في المصحف :النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم , وهو اب لهم .فقال : يا غلام حكها.فقال : هذا مصحف ابي .فذهب اليه فساله .فقال له ابي : انه كان يلهيني القران , ويلهيك الصفق بالاسواق , واغلظلعمر ((308)) .وفـي كنز العمال : قرا ابي بن كعب (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتاوساء سبيلا, الا من تاب فان اللّه كان غفورا رحيما), فذكر لعمر فاتاه , فساله عنها فقال : اخذتها من في رسول اللّه , وليس لك عمل الاالصفق بالبقيع ((309)) .وفي نص ثالث : ان عمر سمع رجلا يقرا بالواو, فقال : من اقراك ؟ قال ابي .فدعاه , فقال ابي : اقرانيه رسول اللّه , وانك لتبيع القرظ بالبقيع .فقال : صدقت , وان شئت قلت : شهدنا ((310)) .وعـن ابـي ادريـس الـخـولاني , قال : كان ابي يقرا: (اذ جعل الذين كفروافي قلوبهم الحمية حمية الـجـاهلية , ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ,فانزل اللّه سكينته على رسوله ) فبلغ ذلك عـمـر, فـاشـتد, فبعث اليه , فدخل عليه ,فدعا ناسا من اصحابه , فيهم : زيد بن ثابت , فقال : من يقرا منكم سورة الفتح ؟ فقرا زيد على قراءتنا اليوم , فغلظ له عمر.فقال ابي : ااتكلم ؟ قال : تكلم .قـال : لـقد علمت اني كنت ادخل على النبي ويقرئني وانت بالباب , فاذااحببت ان اقري الناس على ما اقراني اقرات , والا لم اقرا حرفا ما حييت قال : بل اقرى ء الناس ((311)) .وفي لفظ اخر: قال ابي : واللّه يا عمر انك تعلم اني كنت احضروتغيبون ,وادعى وتحجبون ويصنع لي , واللّه لئن احببت لالزمن بيتي , فلااحدث احدا بشي ء ((312)) .قد يتصور القارى ـ عند وقوفه على الاخبار السابقة ـ ان ابي بن كعب هوممن يقول بتحريف القران , لان قـراءتـه تـخـالف قراءتنا اليوم , وان عمرابن الخطاب جاء ليصحح له قراءته , لكن حقيقة الامر لـيست كذلك , وان توضيحنا لمثله قد يخرجنا عن ما نريد الاستشهاد به وهو: ان علم الخليفة لم يكن كـما حاول البعض تصويره , اذ كان يقضي اغلب اوقاته في السوق والبقيع , ولم يختص بالنبي بل كان يتناوب النزول اليه (ص ) يوما فيوما, وثبت عنه القول : (وكان يلهيني الصفق بالاسواق ) او قول ابي له (وكان يلهيك الصفق في الاسواق ), وفي ثالث (انك تبع القرظ بالبقيع ).ان الـتـصـريـح بـهـذا الراي لا يعني الازراء بالخليفة , بل هو تبيان للحالة التي كان يعيشها الخليفة والمسلمون في الصدر الاول بعيدا عما رسم لهم متاخرامن هالة , والكلام عن ابي وقراءته , له مجال اخر.ان الاشادة بالفتوحات وبيان حنكة الخليفة سياسيا شي ء, وبيان دوره في منع تدوين حديث رسول اللّه وامره بحرق المدونات شي ء اخر ((313)) .ونـحن في الوقت الذي نشيد بفتوحات الخليفة لا نرتضي ما اصدره من اوامر في الاقلال من الحديث او منع تدوينه نـعم , قد خلط الكثير من الاعلام بين هاتين الناحيتين , فانك اعترضت على دوره في الافتاء اجابوك بفتوحاته , ان هذا ليدل على تفكير غائم تنقصه الدقة والتمييز.ان اللياقة الشخصية في الادارة العسكرية , لا تعني بالضرورة القدرة على امتلاك ناصية الافتاء.والدفاع عن حياض الدولة وتوسيع رقعة الخلافة , هي مما يطلبه الخليفة ومما يعود عليه بالنفع كما يعود على المسلمين ولا علاقة لهذابالتكوين الثقافي للشخصية , فقد اطبق التاريخ على سمو ورفعة مـوقـف الـمـعتصم حين استغاثت باسمه امراة من المسلمين , لكن ذلك لم يمنع التاريخ من ان يشهد بان المعتصم كان قليل الثقافة لا يملك رصيدا من العلم والفقه .الى هنا برزت اسماء اخرين من الذين خالفوا فقه عمر واراءه في الصدرالاول الاسلامي , هم .13 ـ عمار بن ياسر.14 ـ ابو سعيد الخدري والانصار.15 ـ ابي بن كعب .ترك النصوص لمصلحة قال الاستاذ خالد محمد خالد: لـقد ترك عمر بن الخطاب النصوص الدينية المقدسة من القران والسنة عندما دعته المصلحة لذلك , فـبـيـنما يقسم القران للمؤلفة قلوبهم حظافي الزكاة ويؤديه الرسول ويلتزمه ابو بكر, ياتي عمر فيقول (انا لا نعطي على الاسلام شيئا, فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).وبينا يجيز الرسول وابو بكر بيع امهات الاولاد, ياتي عمر فيحرم بيعهن ,وبينا الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحدا بحكم السنة والاجماع , جاءعمر فترك السنة وحطم الاجماع ((314)) .قـال ابـن قدامة : ولنا كتاب اللّه وسنة رسوله , فان اللّه تعالى سمى المؤلفة في الاصناف الذين سمى الـصدقة لهم , والنبي (ص ) قال (ان اللّه تعالى حكم فيها,فجزاها ثمانية اجزاء). وكان النبي (ص ) يعطي المؤلفة كثيرا في اخبار مشهورة ,ولم يزل كذلك حتى مات .ولا يجوز ترك كتاب اللّه وسنة رسوله الا بنسخ , والنسخ لا يثبت بالاحتمال , ثم ان النسخ انما يكون فـي حـياة النبي (ص ), لان النسخ انمايكون بنص , ولا يكون النص بعد موت النبي (ص ) وانقراض زمـن الوحي ,ثم ان القران لا ينسخ الا بقران , وليس في القران نسخ كذلك ولا في السنة , فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الاراء والتحكم ؟ فكيف يتركون به الكتاب والسنة ((315)) ؟ وقال صاحب المنار, كما في فقه السنة : اننا نجد دول الاستعمارالطامعة في استعباد جميع المسلمين وفـي ردهـم عـن ديـنـهم يخصصون من اموال دولهم سهما للمؤلفة قلوبهم من المسلمين , فمنهم من يـؤلـفـونـه لاجـل الـدخـول فـي حـمايتهم ومشاقة الدول الاسلامية والوحدة الاسلامية , افليس ((316)) ؟ ان مـنطق عمر بن الخطاب ليوحي بان سهم المؤلفة قلوبهم ينحصربالذين اعتنقوا الاسلام منهم , او هـو مـعـنى اخر لمنطق المبشرين الذين ينطلقون من سياسة اعطاء الغذاء والدواء للناس كي يعتنقوا النصرانية , فالنبي لايريد بعمله هذا دعوتهم الى الاسلام بالمال , بل يريد ان يهيى قلوبهم ليستقبلوامنه الدعوة , وا ن يومنوا ايمان قلب وعقيده , فهو (ص ) يتالفهم مرة بوضعهم على راس سرية من السرايا.واخرى يتالفهم بمشاورتهم في بعض الامور,وثالثة يتالفهم بالمال , وهكذا.ولـم تـخـتـص هـذه الـمسالة بضعف الاسلام وعزته , بل انه (ص ) كان يريدان يهيئهم كي يقبلوا الاسلام , قبول ايمان وعقيدة لا لقلقة لسان .وهـنـا اتساءل : لو صح تعليل الخليفة في سهم المؤلفة قلوبهم , وان الاسلام قد قوي فلا حاجة اليهم اذن , فما معنى كلام الدكتور محمد عجاج الخطيب في النص الاتي : كـان رسول اللّه قد امر الصحابة ومن معه يوم الفتح بان يكشفوا عن مناكبهم ويهرولوا في الطواف , لـيـرى المشركون قوتهم وجلدهم , وقوة دولة الاسلام , وراى عمر ان هذا الامر قد ذهبت علته , ولكنه قال : فيم الرملان الان والكشف عن المناكب , وقد اطا اللّه الاسلام ونفى الكفر واهله ؟ ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول اللّه ((317)) .فالخليفة اما من المتعبدين ـ كما يوحي هذا النص ـ واما من المجتهدين الذين قد تعرفوا المصالح , فلو كـان مـن المتعبدين فلم لا ياخذبفعل الرسول في سهم المؤلفة قلوبهم ؟ الذي يرجح في اجتهاده هذا على ذاك ؟ هـذا, وقـد افردت الدكتورة نادية العمري للطلاق ثلاثا بحثا في (امثلة من اختلافهم في الاجتهاد بالراي ) من كتابها اجتهاد الرسول , فقالت : الاصـل في الطلاق ان يكون متفرقا, مرة بعد مرة , قال اللّه تعالى :(الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تـسريح باحسان ), والحكمة في تفريق الطلقات ان يكون للزوج فرصة يراجع فيها نفسه في امر هـذه الـعلاقة التي يحرص الشارع على استمرارها, وبعد المرتين يقول اللّه تعالى (فان طلقها,فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ).هـذا هو الطلاق كما شرعه اللّه في القران , مفرقا واحدة بعد واحدة , لكن ماالحكم اذا ضيع الزوج على نفسه هذه الفرصة المتكررة , وتعجل الفراق النهائي ,فجمع الثلاث في لفظ واحد.انـنـا لا نجد في القران الكريم كلاما عن جمع الثلاث في لفظ واحد اومجلس واحد, لكنا نجد في الـسـنة ان ركانة بن عبد يزيد طلق امراته ثلاثافي مجلس واحد, فحزن عليها حزنا شديدا, فساله الرسول : كيف طلقتها؟ قال : ثلاثا.قال (ص ): في مجلس واحد.قال : نعم .قال الرسول : فانما تملك واحدة , فارجعها ان شئت , فراجعها ((318)) .ولكن الناس في عهد عمر بن الخطاب استهانوا بامر الطلاق , وكثرمنهم ايقاعه جملة واحدة , فراى من المصلحة عقوبتهم بامضائه عليهم ... ((319)) .الى ان تقول .ولـكن هل افتى العلماء بمقتضى ما فعله عمر (رض ) على مرالعصور؟وافق كثير من العلماء عمر (رض ) وخالفه اخرون ((320)) .واعتقد ان مصالح الناس هي الحكم في ذلك , فاذا راى اولو الامرـ كما راى عمر ـ ان امضاءها ثلاثا يـحـقـق المصلحة امضوها, وان راواالمصلحة العامة في ايقاعها واحدة فهي واحدة كما كانت حتى سنتين من خلافة عمر .ذهـب ابـن القيم : الى ان ايقاعها واحدة في العصور المتاخرة اكثر مراعاة للمصلحة , وقطع لذريعة فـسـاد اجتماعي وهو انتشار التحلل حين كان يفتي بوقوعها ثلاثا, فيلجا الزوجان الى ما كان عليه في زمن النبي (ص ) وخليفته من الافتاء بما يعطل سوق التحليل او يقللها او يخفف شرها ((321)) .ويـقـارن ابـن الـقـيم بين العصور المختلفة واختلاف المصلحة باختلاف ظروف الناس , فيقول : ان الـثـلاث مـجموعة على عهد رسول اللّه وابي بكركانت تقع واحدة , وكان التحليل محرما وممنوعا مـنـه , ثـم صـارت فـي بـقـيـة خـلافـة عمر ثلاثا, والتحليل ممنوع منه , ثم صار التحليل كثيرا مـنـتـشـراومـشهوراوالثلاث ثلاث والعقوبة اذا تركت مفسدة اكثر من الفعل المعاقب عليه وجب تركها ((322)) .وقد اثر اجتهاد الخليفة عمر بن الخطاب في فقه المسلمين لا محالة .فذهبت المالكية والحنابلة الى ان فاعل هذا [اي الطلاق ثلاثا] اثم يفوت الغرض الذي من اجله شرع التعدد, ويرى الشافعي وابن حزم ان ذلك خلاف الاولى وليس محظورا لعموم النص , ويرى الحنفية انه طلاق بدعي اذا كان بلفظ واحد او بالفاظ متفرقة في طهر واحد ((323)) .وقال الدكتور مصطفى البغا, بعد نقله راي عمر في الطلاق : فهذا مماتغيرت به الفتوى لتغير الزمان , وعـلـم الـصحابة حسن سياسة عمر وتاديبه لرعيتة في ذلك فوافقوه على ما الزم به وصرحوا لمن استفتاهم بذلك ((324)) .والان اتـسـاءل : كيف يعرف عمر المصلحة ويقف على روح التشريع في المؤلفه قلوبهم , وقد وقفت على اجوبة ابني قدامة وصاحب المنار له ؟ وهل يصح ان يعرف الخليفة المصلحة ولا يعرفها النبي والصديق ؟ ام هـل يـعـقل جهلهما بالمصالح , خصوصا بعد ملاحظة ان النبي متصل بالوحي ؟ غير المعصوم ـ الافتاء بتغير الزمان والمكان فالى اين ستصل فتاواه ؟ نعم اننا لا ننفي تغير بعض الاحكام الجرئية اذا زاحم امر اخر اهم منه .وكذا لا ننكر ـ بنحو الاطلاق ـ تبدل الاحكام لتبدل موضوعاتها, لكن سؤالنا: كيف يمكن الاطمئنان يـقول من يدعي ان هذا الحكم قد تغير لتبدل موضوعه , مع علمنا مبادى الاحكام وغاياتها من عند اللّه ولا يعرفها الاالمعصوم ؟ بـلى ؟ لو عرفنا المعصوم تبدل موضوع حكم , فانا ناخذ به وعلى الراس والعين , باعتباره صادرا عن اللّه ومـا الـمـعـصـوم الا مبلغ مامون , واما احتمالناذلك وعن طريق الحدس والتخمين فلا يوجب الاطمئنان , وكذا الحال بالنسبة الى اعتبار العلل في الاحكام , فانها في الغالب حكمة وليست بعلة فمثلا قـولـنـافـي تـحـريم الزنا انه جاء لاجل عدم اختلاط المياه , فهذ القول ليس بعلة الحكم فيه بل تفي الحكمة .والـحـكـمة في العدة , هي عدم اختلاط المياه كذلك , وقد وردت هذه في روايات كثيرة , ولكن ماذا نقول : لو رفع رحم المراة بعملية جراحية , او علمنايقينا انها عقيم , هل يجب عليها الاعتداد ام لا؟ نـعـم يـجـب عليها ذلك , لان اللّه فرض ذلك لمصلحة في اللوح المحفوظلم يطلع عليها البشر, فمن الـمـجـازفة والتساهل باحكام اللّه القول بعدم لزوم العدة , بدليل ان العلة المتخية ـ هي عدم اختلاط المياه ـ قد انقضت في الفرض المذكور.ولا يفوتنا القول بوجود علل منصوصة في التشريع كالاسكار في الخمرمثلا فمتى وجدت فيه علة الاسـكـار حرم ومتى ارتفعت حل , لكن اين هذامما كان يقدم عليه الشيخان , من اطلاق احكام ليس لها وجـود او تـتـعارض مع احكام موجودة ثابتة في الذكر الحكيم , فنراه يضيق دائرة حكم اويوسعه بـتصوروجود مصلحة في جعل الحكم الفلاني او مفسدة في الغاءالحكم الفلاني في حين نعلم ان هذا لا يمكن ان يصدر الا ممن له احاطة تامة بكل مبادى الاحكام وغاياتها ومن اختصه اللّه بعلمه .فالخليفة بتشريعه الطلاق ثلاثا او رفعه سهم المؤلفة قلوبهم او المنع من المتعة , كان يريد منعها الى الابـد لـمـا راى فـيـها المصلحة الوقتية , ولم يكن منعه وقتيا ليقال انه بالعنوان الثانوي وان ذلك من صلاحيات الخليفة .ولـو سـلـمنا ان الاحكام تتغير بتغير المصالح .. فاين المصلحة في مثل هذه الاحكام ؟ ومن هو الذي يحددها؟ وهل جاءت الاحكام طبق الهوى والراي , ام طبق التعبد والدليل ؟ فلو كان فيه نص ودليل , فما هو هذاالنص والدليل ؟ قال الشيخ خلاف في (علم اصول الفقه ) عند ذكره شروط المصالح المرسلة , وهي ثلاثة : اولـها: ان تكون مصلحة حقيقية وليست مصلحة وهمية . والمراد بهذا ان يتحقق من ان تشريع الحكم في الواقعة يجلب نفعا او يدفع ضررا, وامامجردتوهم ان التشريع يجلب نفعا من غير موازنة بين ما يجلبه من ضررفهذابناء على مصلحة وهمية .ثـانـيها: ان تكون مصلحة عامة وليست مصلحة شخصية . والمراد بهذاان يتحقق من ان تشريع الحكم فـي الـواقـعة يجلب نفعا لاكبر عدد من الناس ,اويدفع ضررا عنهم , وليس لمصلحة فرد او افراد قـلائل مـنـهـم , فـلا يـشـرع الحكم لانه يحقق مصلحة خاصة بامير او عظيم , بصرف النظر عن جمهورالناس ومصالحهم , فلا بد من ان تكون لمنفعة جمهور الناس .ثالثها: ان لا يعارض التشريع لهذه المصلحة حكما او مبدا ثبت بالنص اوالاجماع ((325)) .بـعـد هـذا نقول : هل ان ما قاله عمر كان يجلب النفع لاكبر عدد من الناس اويدفع الضرر عنهم , مع معرفتنا بملابسات الحياة ومشاكلها ومافيها من ضغوطتوفر امكان تخطي المرء ما كان يالفه ؟ فلو ضيع الزوج على نفسه هذه الفرصة المذكورة , وتعجل الفراق النهائي , فجمع الثلاث بلفظ واحد ـ حـسـب قول الدكتورة نادية ـ فهل يجب عليه ان يرضخ لحكم عمر وتبين زوجته معه ؟ مع انا قد عـرفـنـا بـان الـدكـتـورة قـدصـرحـت : بـان الـحـكمة في تفريق الطلقات انما هو من اجل ان يـراجـع الـزوج نـفـسـه , وقـولـهـا: هـذا هو الطلاق كما شرعه اللّه في القران , مفرقا واحدة بعدواحده ((326)) ..