کنز الفوائد جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کنز الفوائد - جلد 2

ابو الفتح الکراجکی؛ مصحح: عبدالله نعمه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


. ((455)) قال : اردتم ان تجعلوه قرانا؟! لا, ولكن خذوا عنا كما اخذنا عن رسول اللّه وعن ابي موسى الاشعري قال : ان بني اسرائيل كتبوا كتابا واتبعوه ,وتركواالتوراة ((456)) .

فـلاحـظ اشـتـراك الـتعليل في جميع هذه النصوص وان النهي قد انحصرعندهم في التشبه ببني
اسـرائيـل الـذين اتبعوا كتب علمائهم وتركوا التوراة وانـهـم قـد اوردوا نـفـس التعليل عن علي بن ابي طالب وابن عباس , مما يؤكد على ان هناك اتجاها
يتبنى راي الخليفة ويدعمه , في حين بسطنا القول سابقا في تعليل الخليفة للمنع واكدنا على انه عليل .

وعـلى هذا فلا معنى لتعارض احاديث الاذن مع احاديث النهي حتى نقوم بموازنة بينهما ((457)) ,
لـمـا اكـدنـا على ان المنع شرع لتاصيل كلام الخليفة الذي لم يكن شرعيا بل هو قرار شخصي من
الـخليفة , اذ لو صح قوله (ص ): (لاتكتبواعني ) او (ومن كتب عني غير القران فليمحه ) وصدور
ذلـك فـي عـهـده الـشـريـف لـعلمه الاصحاب , وللزم ان يكون هو الدليل الاول للشيخين في منعهما
عن الحديث النبي عن التدوين .

لو صح الحديث السابق فلماذا دون ابو بكر احاديثه الخمسمائة ,خلافالامره (ص )؟ عمر الصحابة في امر التدوين , اذا كان قدوردالنهي فيه ؟ يـشـيـرون عـلـيـه بالتدوين ؟ (ص )؟ الا يعني قول عمر: (من كان عنده شي ء فليمحه ) او (لا يبقين احدعنده كتابا الا اتاني ) على وجود
مصاحف وكتب قد دونت قبل عهده ؟
عـلـى ان الـتعليل الوارد في كلماتهم لا يقوم دليلا على مدعاتهم , لان الامم السابقة انما ضلوا لانهم
عـكفوا على كتب احبارهم ورهبانهم وتركواالتوراة والانجيل , ولم يكن سبب ضلالهم العكوف على
اقـوال وكـتابات انبيائهم ,وشتان بين كتب الاحبار والرهبان والاساقفة وبين كلمات وسنن واقوال
تكتب عن سيد الخلائق محمد, اذ المدون او المطلوب تدوينه هو احاديث النبي وسنته لا غير, مع ان
علماء الامم السابقة كانوا قد انحرفوا فغيروانصوص ومفاهيم كتبهم , وهذا بعكس علماء امة محمد
(ص ) المحافظين على الدين المفسرين للقران المدونين لاثار النبي (ص ) واحكامه .

نـعـم , يـصـح هـذا التعليل للمنع عن تدوين ارائهم الخاصة وفتاواهم الشخصية وماتوصلوا اليه من
اجـتـهادات مختلفة , فان المنع عن تاليف مثل هذه الكتب قد يكون فيه المبرر المعقول , باعتبار ان مثل
هـذه الـكـتـب فيهاالصحيح والخطا والغث والسمين وربما الف كتاب من شخص منحرف عن الدين ,
وبـذلك تختلط الاحكام على الاجيال القادمة من المسلمين , واماتدوين المسموعات عن النبي والاثار
النبوية المباركة فلا يتلائم منعه مع التعليل المذكور .

ولعل هذا الامر فات على بعض المغفلين - كابي موسى - وحديثي الصحبة , فسروا المنع بسبب كتب
الـعـلـمـاء, الـى الـمنع عن كتابة السنة المباركة ,غفلة منهم عن ان الدليل لا يفي ولا يقوم بالمدعى ,
وصادف ذلك منع الخليفة عمر بن الخطاب , فاستقر الامر في نفوسهم , وظل المنع يسري الى الاجيال
الاتية حتى ارتفع ذلك المنع في زمن عمر بن عبد العزيز.

وعـلـى كـل حـال , فان الادلة تخبر عن مشروعية التدوين في عهده (ص )وتخبر عن ان المنع جاء
مـتـاخـرا وتحت ظروف خاصة . وقدتاكدكذلك ان من الصحابة والتابعين من كان يريد ترسيخ نهي
الخليفة في قلوب المسلمين , حتى صار التدوين عندهم مكروها لكراهية الخليفة عمربن الخطاب له ,
ثم صار هذا المكروه عندهم حسنا لما ندب الخليفة عمر بن عبدالعزيز اليه قـال الـزهـري : كـنـا نـكـره كتابة العلم , حتى اكرهنا هؤلاء الامراء, فراينا ان لانمنعه احدا من
المسلمين ((458)) .

وفي سنن الدارمي : حتى اكرهنا السلطان على ذلك ((459)) .

وفـي اخـر: اسـتـكـتـبـنـي الـمـلـوك فـاكـتـبـتهم , فاستحييت اللّه اذ كتبتها للملوك ولااكتبها
لغيرهم ((460)) .

قال ابو مليح : كنا لا نطمع ان نكتب عند الزهري حتى اكره هشام الزهري ,فكتب لبنيه , فكتب الناس
الحديث ((461)) .

وقد بسطنا الكلام على هذا في كتابنا وضوء النبي / المدخل , ووضحنادور الحكام في تدوين السنة
الشريفة , وبينا سر عنايتهم بهذا الجانب , واكدناعلى ان العوز العلمي الذي كانوا يعانون منه هو الذي
دعـاهم الى المنع ثم دعاهم الى التدوين , لان الصحابة كانوا يعارضونهم بالاحاديث , فما لامحيص عنه
هـو مـنـع الـتـحديث والتدوين لسد هذا الفراغ ولكي لا يظهر الضعف العلمي امام تيار فكري قوي
يعارض اراء الحكومة بما يرويه عن النبي (ص ).

وتـطور الامر وتوسع حتى قنن خط الاجتهاد حجية الا جماع - كي يلزمواالناس بما اجمعت عليه
الامـة بامر الخليفة - وقرروا ان افتاء اللجنة الخاصة التي وضعها الخلفاء يقوم مقام جميع الصحابة ,
ويعتبر ذلك اجماعالايجوز تخطيه ولا خرقه ,
قـال الدكتور الوافي المهدي عن عصر الصحابة : ... وفي هذا العصر ظهرمصدر جديد من مصادر
الـتشريع الاسلامي لم يعرف في العهد التاسيسي للتشريع الا وهو الاجماع , فان ابا بكر كان يشرع
فـيما لا نص فيه من كتاب ولاسنة عن طريق جمعية تشريعية . وكذلك الامر بالنسبة لاول خلافة
عمر,وكان ما يصدر عن تلك الجمعية التشريعية من احكام يعتبر صادرا عنهم جميعا ((462)) .

وقـد شـكل بالفعل عمر لجنة علمية لادارة شؤون المسلمين ولسداحتياجاتهم وطلباتهم الشرعية ,
واناط بمن يثق به منصب الافتاء حتى يتفرغ لامور اخرى ,
روى علي بن رباح اللخمي , قال : ان عمر خطب الناس , فقال : من اراد ان يسال عن القران فليات ابي بن
كـعـب , ومـن اراد ان يسال عن الحلال والحرام فليات معاذ بن جبل , ومن اراد ان يسال عن الفرائض
فليات زيد بن ثابت , ومن اراد ان يسال عن المال فلياتني , فاني له خازن ((463)) .

هـذا النص يؤكد على ان الخليفة احتاج الى تاسيس مركز لدرء الخطرعن نفسه , ولتاصيل ما يذهب
اليه من راي واستحسان .

ومن المفيد التذكير هنا بان اتخاذ الراي كمنهج في الاحكام لم يكن عمرهو اول من اعتمده , بل سبقه
الـى ذلـك الخليفة ابو بكر, اذ عرفت تخطيه عن قتل ذي الثدية لما راى من خشوع ذي الثدية وعلم
اعـلانـه عـن مـبـدالـراي والاجتهاد في اول حكومته حين قال :وليت عليكم ولست بخيركم , فان
اصبت فاعينوني , وان اخطات فقوموني , وكذا قوله عن فعل خالد: انه تاول فاخطا ((464)) .

وكذا اعتذار خالد لابي بكر: ياخليفة رسول اللّه , اني تاولت واخطات ((465)) .

موقف اهل البيت من المد الاجتهادي
هـذه النصوص تؤكد - من جهة اخرى - على ان مصطلح الراي والتاويل راح ياخذ مجاله بين اقوال الصحابة وافعالهم . ولذلك كان الامام علي (ع ) ايام خلافته المباركة يحاول معالجة وسد هذه الثغرة
الـتـي فـتـحـت على الفقه والتاريخ والدين الاسلامي , ويبين سبب ذلك , ويصنف الناس المختلفين في
الاحـكـام , ويبرهن على بطلان منهجهم ودعاواهم المطلقة العنان ,واليك بعض النصوص عنه (ع )
الراي , توضح المسالة بمزيد من الجلاء. قال من كلام له في ذم اختلاف العلماء في الفتيا:
تـرد عـلـى احدهم القضية في حكم من الاحكام , فيحكم فيها برايه , ثم تردتلك القضية بعينها على
غيره فيحكم فيها بخلافه , ثم يجتمع القضاة بذلك عندالامام الذي استقضاهم فيصوب اراءهم جميعا,
والههم واحد افامرهم اللّه تعالى بالاختلاف , فاطاعوه ؟ ام نهاهم عنه فعصوه ؟ ام انزل اللّه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه ؟ ام كانوا شركاءه فلهم ان يقولوا وعليه ان يرضى ؟ ام انـزل اللّه سـبـحـانه دينا تاما فقصر الرسول (ص ) عن تبليغه وادائه ؟ فـرطنا في الكتاب من شي ء) وقال : (فيه تبيان كل شي ء ), وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا, وانه
لا اخـتـلاف فـيـه , فـقـال سبحانه : (ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا), وان
القران ظاهره انيق , وباطنه عميق , لا تفنى عجائبه , ولا تكشف الظلمات الابه ((466)) .

ومن كلام له (ع ) في صفة من يتصدى للحكم الامة وهو ليس له باهل : ..ورجل قمش جهلا, موضع
فـي جـهال الامة , عاد في اغباش الفتنة , عم بمافي عقد الهدنة , قد سماه اشباه الناس عالما وليس به ,
بـكـر فـاسـتـكـثـر من جمع ,ماقل منه خير مما كثر حتى اذا ارتوى من ماء اجن واكتثر من غير
طـائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره , فان نزلت به احدى المبهمات هيا لها
حشوا رثا من رايه , ثم قطع به , فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت : لا يدري اصاب ام اخطا:
فـان اصـاب خـاف ان يـكون قداخطا, وان اخطا رجا ان يكون قد اصاب . جاهل خباط جهالات ,عاش
ركاب عشوات , لم يعض على العلم بضرس قاطع , يذروالروايات ذرو الريح الهشيم ,لا ملي - واللّه
- بـاصدار ما ورد عليه , ولا اهل لما قرظ به , لا يحسب العلم في شي ء مما انكره , ولا يرى ان من
وراء ما بلغ مذهبا لغيره , وان اظلم عليه امراكتتم به لما يعلم من جهل نفسه , تصرخ من جور قضائه
الدماء, وتعج منه المواريث . الى اللّه اشكو من معشريعيشون جهالا, ويموتون ضلالا ((467)) .

وقـوله : انما بدء وقوع الفتن اهواء تتبع , واحكام تبتدع , يخالف فيها كتاب اللّه ,ويتولى عليها رجال
رجـالا على غير دين اللّه . فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين , ولو ان الحق
خـلـص مـن لـبـس الـبـاطل انقطعت عنه السن المعاندين , ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث
فـيـمـخـرجـان اللّه الحسنى ((468)) .

نـعـم , ان الراي والتاويل كانا المفردتين الاوليين اللتين دخلتا في الشريعة وقد حدث الخلط بينهما,
فعنوا بالراي : التاويل , وبهما (الراي والتاويل ):الاجتهاد. اما مصطلح القياس والاستحسان والمصالح
وغـيـرهـا فـانما هي مصطلحات حادثة لم يرد ذكرها في نهج البلاغة ولا غيره من المصادرالتي
ترجع الى الصدر الاول .

حـتـى بلغ الامر بالتابعين ان يفسروا لفظ التاويل بالتغيير, ولا يتحرجون عما لهذه الكلمة من مفهوم
ومـعـنى , حتى صارت سائدة مقبولة , الى حد انهم قدطلبوا من الامام الحسين والحوا عليه لكي يؤول
قـضـاء اللّه , وعـنوا بكلامهم ان يغيره بانصرافه عن الذهاب الى العراق . فقد جاء عن عمر بن علي
انـه قـال للحسين (ع ): (فلولا تاولت وبايعت )؟ ((469)) .

فـمصطلح الاجتهاد معادل للتاويل وهذا المفهوم اخذيتغيرمفهومه يوما بعد يوم حتى وصل الى اوسع
دوائره في العهد الاموي .

ولـم يكن ابن عوف - فيما طرحه يوم الشورى من تقييد عثمان والمسلمين بسيرة الشيخين - قادرا
عـلـى ايـقـاف مـد الراي والتاويل الذي كان قدانتشر واتسع بعد تاصيله من قبل الشيخين . ولم تكن
محاولته حصر الاجتهادفيما فعله الخليفتان وخطره على سواهما من الصحابة بالتي تلقى اذناصاغية
,لان باب الراي والتاول كان قد انفتح على مصراعيه وتعذر على من يريد اغلاقه ان يغلقه .. وغدا كل
يريد لرايه واجتهاده ان يقابل بالقبول كمافعل الشيخان من قبل .

ان ابـن عـوف - فـي اشـتراطه هذا - قد اراد ان يسلب عثمان حق التشريع والاجتهاد بالراي على
الرغم من سابقته في الاسلام وكونه صهرالرسول (ص ) وخليفة المسلمين القادم , فتراه ياخذ العهد
منه -امام المسلمين -على الالتزام بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين على السواء.

الـمـهـم هو: ان التخطيط السياسي الديني الذي رسمه الشيخان في حصردائرة الشرعية بهما دون
سواهما قد اريد له ان يجعل اقوالهما في عدادشرعية السنة . بيد ان الواقع ما كان ترى وجها مقبولا
لهذا الحصروالتخصيص , وهذا هو الذي جعل الامر على غير ما اريد له ان يكون .

ومـن الـذيـن كانوا يدركون سياسة الشيخين وابن عوف في الشريعة ,ويعرفون ما كان يريد هؤلاء
يـفـعلهما وتاكيدهما على الراي الذي يدور في اطارتصحيح ما افتى به عمر وابو بكر.. هو الامام
عـلـي بن ابي طالب الذي رفض تسلم الخلافة بالشرط المذكور - لكي لا يصحح بفعله اجتهاداتهما
المخالفة في بعض الاحيان للكتاب والسنة - ذلك ان قبول هذا الشرط يعني اضفاء الشرعية على هذه
الفكرة المستحدثة وهو ما لا يريده علي بن ابي طالب ولا يرتضيه .

ان رفـض عـلـي للشرط المذكور, وامتناع ابن عوف تسليم الخلافة له ,ليؤكدان على ان في سيرة
الـشـيـخـين واجتهادهما ما يخالف الكتاب والسنة ,لان ايمان علي بن ابي طالب وفهمه وفقهه مما لا
يـرتـاب فـيـه احـد, بـعـد ان تـواتـرعـن رسول اللّه (ص ) في علي انه اعلم الصحابة وافقههم
واقـضاهم وان الحق يدور معه حيثما دار. ويوضح موقف الشورى هذا ارتسام معالم الخطين بوضوح
وجلاء, فاولئك يدعون عليا - او الخليفة الجديد - الى الالتزام والتمسك بالتعبد المحض بكتاب اللّه
وسنة النبي (ص ) وان ابتعدبفعله هذا عن خلافة المسلمين .

تاويلات واراء
صـرح الـخـليفة ابو بكر على انه يعتمد الراي والتاويل في تفسير معنى الكلالة , مع وجود اية في الـذكر الحكيم يبين الحكم في الكلالة , فقال لماسئل عن الكلالة : (ساقول فيها براي , فان يك صوابا
فمن اللّه وان يك خطافمني ومن الشيطان , واللّه ورسوله بريئان منه , اراه ما خلا الولد والوالد.

وانـت تـرى مـخالفة هذا الراي لصريح القران في قوله : (يستفتونك ,قل اللّه يفتيكم في الكلالة ان
امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلهمانصف ماترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما
الـثـلثان مماترك وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين اللّه لكم ان تضلوا واللّه
بكل شي ء عليم ) ((470)) .

وقوله : (وان كان رجل يورث كلالة ...) ((471)) .

نـعم , انهم عللوا استعمال الراي عند الصحابة بانه تفسير للنصوص ,واضاف الدكتور مدكور الى ما
قاله سابقا وهو يشير الى مراحل الراي :
ثـم اطـلـقـت كـلمة راي بعد ذلك على ما يقابل النصوص التي اختصت بكلمة علم . ثم نجد من
الاصـولـيـيـن مـن يفسر الراي بالقياس وحده , ومنهم من يجعله شاملا كافة ما يقابل الكتاب والسنة
والاجماع .

والـراي بـهـذا الـمـفـهوم الاخير يكون اخص من الاجتهاد اذ هو نوع منه ,وهوما قلنا انهم سموه
الاجـتـهـاد بـالـراي في مقابلة الاجتهاد في دائرة تفسير النص .ويكون المراد بالراي : التعقل
والـتفكير بوسيلة من الوسائل التي ارشد الشرع الى الاهتداء بها في استنباط حكم ما لا نص فيه . اما
الاجـتـهـادفـيـشـمـل استنباط الحكم من النص الظني , كما يشمل الاجتهاد للتوفيق بين النصوص
المتعارضة في الظاهر, كما يشمل الاجتهاد بالراي الذي قلناه .

ولما كان الراي يعتمد على ان الشريعة معقولة المعنى كان مجاله الغالب في الامور العادية التي يقصد
مـنـهـا تحقيق مصالح دنيوية , اما ما لا يدرك لهامعنى خاص كاصول العبادات فان الشان فيها الاتباع لا
اعمال الراي ((472)) .

وقال الدكتور الرديني في المناهج الاصولية :
وقـد رايـنـا الصحابي الجليل ا مام اهل الراي عمر بن الخطاب , يخصص عموم الاية الكريمة في
سـورة الانـفال من قوله تعالى (واعلموا انما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه وللرسول ولذي القربى ,
واليتامى , والمساكين , وابن السبيل ).

- فـالايـة الـكـريمة تقرر ان خمس الغنائم لمن ذكروافيها, واربعة اخماس الغنيمة عملا بمفهوم
الاية .

- وقـد تايد هذا بعمل الرسول (ص ) في خيبر, اذ قسم اربعة اخماس الغنيمة من منقول وعقار بين
الغانمين .

- وهكذا كان حق الغانمين في كل ما يغنم ثابتابالقران والسنة العملية .

- لـكـن عـمـر بـن الـخـطاب اجتهد برايه في الاية ,وخالف ما تفيده بظاهرها وعمومها من شمول
حـق الـغـانـمين لكل ما يغنم من عقار او منقول , فخصص عموم الاية وجعله قاصرا على المنقول دون
الـعـقـار, كـما علمت . ودليل التخصيص هو (المصلحة العامة ) كما يشهدبذلك استدلاله وحواره مع
مخالفيه من الصحابة .

- بـل قـد حـمل عمر بن الخطاب مخالفيه على ان يفهموا نصوص الشريعة كلها في ضوء المصلحة
العامة .

- ولم يكن من دليل لعمر بن الخطاب - 2 - في اجتهاده برايه , يستند اليه في تخصيص عموم الاية
الاالمصلحة العامة اوروح الشريعة , اذ لم يثبت انه استندالى دليل خاص في المسالة بعينها.

والـواقـع ا ن تـطـبيق النص روعي فيه ظروف الدلالة ومصلحتها العامة انذاك . وللظروف اثر في
تـكـييف هذاالتطبيق المنبثق عن فهم الاية الكريمة , وتحديد مرادالشارع منها في ظل ذاك الظرف ,
لـسـبـب بـسيط هو ان مال هذاالتطبيق في مثل تلك الظروف ذو اثر بالغ على المصلحة العامة نفسها,
فـوجـب اذا تـحـديـد مـراد الـشارع من نص الاية لاعلى اساس منطقها اللغوي فحسب , بل وعلى
اساس ماتقتضيه الاصول العامة في التشريع , والا فما معنى قول عمر وهو يصر على هذا الفهم بقوله :
هذا (رايي )؟ - ثم يعلل هذا (الراي ) بما يسنده من مقصداساسي في الشريعة وهو (المصلحة العامة ), يقول : وقد
رايـت ان احـبـس الارضـيـن بعلوجها, واضع عليها فيها الخراج , وفي رقابهم الجزية يؤدونها فيئا
للمسلمين المقاتلة والذرية , ولمن ياتي بعدهم .

ثم قال :
(فـالـتاويل عند الصحابة اذا من صلب الراي , لانه استند الى (المصلحة العامة ) في صرف الاية عن
عـمومهاالواضح , والمستفاد من ذات الصيغة الى قصر حكمها على بعض ما يتناوله , وهو هنا المنقول
دون العقار, كماذكرنا) ((473)) .

اتـضـح اذن ان الاخـذ بـالراي عند الخلفاء خضع لظروف خاصة -سياسية كانت ام اجتماعية - وان
مـوقف ابي بكر في عدم اجراء الحد على خالد, وقوله بالكلالة ,وسهم ذي القربى , ونحلة الزهراء,
ومـنـعـه كتابة العلم , وحرقه للاحاديث ,وتخلفه عن سرية اسامة وغيرها... هو كله مما ينبئ عن
هذالمعنى .

وعـلى هذا فعلى الباحث ان يقف عندالنصوص التي ترجح راي الخليفة :فان كان فيها ما يوافق القران
او قد استقى حكمه من السنة , اخذبه , وان كان القول قد ابتنى على الراي فيطرحه لعدم جواز الاخذ
بالراي مع امكان الوقوف على السنة النبوية والذكر الحكيم .

وهـنـاك امـور كـثيرة ينبغي البحث في اطرافها, منها ما نسبوه الى الرسول (ص ) من انه قد منع من
تـدويـن حديثه , او ما حكي عنه (ص ) من ان للمجتهد ان اخطا اجر وان اصاب اجران , وغيرها من
الروايات التي نقلت في مشروعية الاجتهاد عن معاذ وغيره .

ان الـغـالـب في هذه الامور هو تحكيم راي الحاكم كما عرفنا من قبل ,والمنع عن التدوين - بعد ما
عـرفت دور الشيخين فيه - يوضح ان القرار قرارحكومي وذلك لمعرفتنا باذن الرسول في تدوين
حـديـثـه (ص ), ووجود مدونات عند الصحابة عن النبي , وغيرها من الادلة , فلا ضرورة لدراسة
احاديث المنع -بعد هذا - والجد في الجمع بينها.

بين الوحدوية والتعددية
والموقف من احاديث الاجتهاد ينبغي ان يكون مماثلا بعد ان وضحت جهود الخلفاء في التهيئة لقضية الاجـتـهـاد وفـي اشـاعـتـها والتاكيد عليها,من اجل اضفاء الشرعية على كونهم مجتهدين لا يصح
الاعتراض على مايصدرونه من فتاوى واحكام . ان يتطلب وقفة عند تلك الاحاديث التي تروى في هذا
السياق للتثبت من صدورها عن رسول اللّه (ص ) وعدمه .

اتراها تصح جميع التاويلات المطروحة في الفقه ؟
احقا ان اختلاف امتي رحمة ((474)) بالمعنى الذي اريد لهذا الحديث ان يفسر به ؟
ولـو صـح ذلـك فـكيف نفسر قوله : (لاتختلفوا فتهلكوا), وقوله : (ستفترق امتي الى نيف وسبعين
فـرقـه , فرقة ناجية والباقين في النار)؟ ولماذا نرى الاختلاف في الاحكام بين المسلمين الى هذا
الحد وكتابهم واحد ونبيهم واحد؟
فـهذا يسدل يديه والاخر يقبضهما, والثاني يفرج بين رجليه في الصلاة والاخر يجمع بينهما. وثالث
يجعل يديه ما فوق السرة , وغيره يجعلهاعلى الجانب الايمن , وهذا يجهر بالبسملة والاخر لا ينطق
بـها مجهورة .وهذا يقول بالتامين وذلك لا يقول به . والعجيب انهم جميعا ينسبون افعالهم -على ما فيها
مـن تـضارب ظاهر - الى رسول اللّه ذلك , كما يقولون ؟ هذاالاختلاف الذي لا يمكن دفعه وانكاره ؟
اترانا مكلفين في شريعة اللّه ان نقف على الراي الواحد, ام انا قد امرنابالاختلاف ؟
ولـم ظـهـرت رؤيـتـان فـي الـشـريـعة , احداهما تدعو الى التعددية في الراي ,والاخرى تنادي
بالوحدويه ؟
فـلـو كانت التعددية هي مطلوب الشارع , فلم يحصر النبي الفرقة الناجية من امته بواحدة من الثلاث
والـسـبـعين , ويقول عن الباقي : انها في النار؟ التعددية وتلتزم ؟ وهـل يـصـح ما قيل في اختلاف الامة باعتباره رحمة ؟ فما معنى تاكيداللّه سبحانه اذن على وحدة
الـكلمة ؟ وهل امرنا اللّه بالوحدة ام بالفرقة ؟ ولوكانت الفرقة مطلوب الشارع فما يعني قوله تعالى :
((475))
؟ وكـذا قوله : (ان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله , ذلك وصاكم
به لعلكم تتقون ) ((476)) .

لتوضيح كل ذلك ننقل الحوار الذي دار بين عمر بن الخطاب وابن عباس :
اخرج المتقي الهندي , عن ابراهيم التيمي انه قال :
خـلا عـمـر بـن الخطاب ذات يوم فجعل يحدث نفسه , فارسل الى ابن عباس فقال : كيف تختلف هذه
الامة , وكتابها واحد, ونبيها واحد, وقبلتهاواحدة ؟ قـال ابـن عباس : يا امير المؤمنين , انا انزل علينا القران فقراناه , وعلمنافيمانزل , وانه يكون بعدنا
اقوام يقرؤون القران لا يعرفون فيم نزل , فيكون لكل قوم راي , فاذا كان لكل قوم راي اختلفوا, فاذا
اخـتـلـفـوا اقـتـتلوا, فزبره عمروانتهره ,وانصرف ابن عباس . ثم دعاه بعد, فعرف الذي قال , ثم
قال :ايهااعد ((477)) .

هـذا الـحديث ونظائره مما يشكل قاعدة لتمحيص كثير من النصوص الموروثة , خاصة فيما يتصل
بـاحـاديث الخلاف بين المسلمين الامر الذي يفتح الطريق امام الباحث الموضوعي لدراسة ملابسات
هـذه الاحـاديـث ,ويـجعله يتاثم من التسليم بها على علاتها دونما احتياط وتحرج في الدين ,لان في
دراسة ملابسات التشريع وما يتعلق بزمن صدور النص ومعرفة خلفيات اراء الخلفاء تمييزا للصحيح
مـن غيره وكشفا عن حقائق تاريخية يفيدمنهاالمسلم في بناء مواقفه الشرعية في الموضوع , ليكون
من الذين تعبدوا بقول سيد المرسلين رحم اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها .

وهناك راى اخر في تتبناه مدرسة الاجتهاد, وهو ما نقل عن عمر بن عبدالعزيز انه قال : ما احب ان
اصحاب رسول اللّه لا يختلفون , لانه لو كان قولاواحدا لكان الناس في ضيق ((478)) . وقريب منه
ما ورد عن القاسم بن محمد.وهذا راي كما تراه يميل الى الدعة والراحة , ولو على حسباب التهاون
بـديـن اللّه ,والا فـان من البديهي ان اللّه لم يرد التناقض والتضاد, ولو صح ما علل به ابن عبدالعزيز,
لـكـان - بـامـكان الباري سبحانه ان يجعل الاحكام كلها على نحوالتخيير, او لقال : خذوا ما سهل من
الاحكام , وهل ان - الالتزام بقول اللّه الواحديسمى ضيقا؟
فـيجب اذن يجب البحث عن الحكم الواحد في الفقه , وكما قال الشاطبي :(ان الشريعة يلزم ان ترجع
الـى قـول واحـد فـي فروعها, مهما كثر الخلاف . كماانها في اصولها كذلك ترجع الى قول واحد,
بـمعنى انه لا يوجدفيها ما يفهم منه قولان متناقضان , وانما ادلتها سالمة من التعارض في ذاتها, رغم
وجودالتعارض ((479)) .

كما يجب القول بان الحكم الواحد هو المحبذ في شريعة السماء لاالتعددية .

واذا دقـقـنـا الـروايـات التي ترشد الى عرض السنة على الكتاب ,وضرورة متابعة ضوابط خاصة
لـمـعـرفة صحيح الحديث من سقيمه ,والنصوص الواردة في وجوب التثبت من صدق الجاني بالخبر
ووثـاقـتـه وو.كـل هذه الروايات والموازين المتفق عليها بين المسلمين تؤيد الرؤيا القائلة بوحدة
الحكم الشرعي والفقه الاسلامي , وترد الراي الذاهب الى الاجتهادبالراي . والتعدد والاختلاف .

وكـذا لا مـنـاص من القول بضرورة دراسة النصوص الصادرة في الصدرالاول الاسلامي , وان لا
نـسـكـت عـن دراسـتـها بحجة ان عائشة ام المؤمنين قالت بهذا الراي مثلا, او ان عمر خليفة
المسلمين ذهب الى ذلك الراي , اوان هذا الحديث رواه ابو هريرة واتفق الشيخان على صحته ان غيرة المسلم على دينه الذي يدين اللّه به , وحرصه على ان يكون اخذه هذا الدين اخذا سليما قويا
لا وهـن فـيـه ولا شـبـهة معه -(خذوا ما اتيناكم بقوة ) ((480)) - وان خصال التقوى والصدق
والانـصـاف والاسـتـمساك بالحقائق الواقعية .. كل ذلك يدفع المسلم لان لا يتساهل في البحث عن
المصادر النقية التي ياخذ منها معرفته , ويقوده لان لا ياخذ بعض القضايا الموروثة على انهامسلمات
نـهـائيـة لا تـقبل الحوار والنقاش . ميزانه في ذلك كتاب اللّه عز وجل الذي هو الفرقان بين الحق
والـبـاطل , وبين الاصيل والدخيل ,وهو المائز بين ماهور معنى ديني الهي خالص وبين ما هو غير
ديني اقحم - في ظروف تاريخية - في الدين .

وهـذا - كـمـا تـرى - يـتطلب منا شيئا من الشجاعة الدينية والجراة التوحيدية التي لا تنشذ غير
المعاني الاصيلة الصافية صفاء الحق , المستقيمة استقامة نايها عن سخط اللّه وعذابه .

والـذي يجب الاشارة اليه هنا هو قول بعض الناس عن السلف ولزوم ترك مناقشة اقوالهم وافعالهم ,
لانهم رجال ذهبوا, لهم مالهم وعليهم ماعليهم ,فلا يصح لنا الدخول فيما كانوا فيه .

نعم , يصح هذا الكلام عنهم لو اعتبرناهم رجال عاديين ليس لهم دورفي الشريعة , لكن حقيقة الحال
غير هذا, لان غالب قضايانا الشرعية اخذت عنهم ولهم دور فعال في الشريعة , فلا محالة من الوقوف
على نصوصهم ,وسيرتهم وسلوكهم , لانه مما يرتبط بحياتنا العملية الشرعية .

مع تاكيدنا في لزوم ابتناء الدراسات على الاصول الثابتة العلمية -كالقران والسنة والعقل -.

ومـن هـنا نرى في النصوص الواردة عن اهل بيت النبي (ص )تاكيدهم على اتخاذ كتاب اللّه ميزانا
يـرد الـيـه مـا اخـتلف فيه , ودعوتهم المسلمين لان يتحرروا من عقدة الخوف من اخضاع كل شي ء
لـلقران العظيم على انه الحاكم المهيمن الناطق بكلمة الفصل والحق .. الذي ينبغي اطراح كل ما يخالفه
ولا يـنسجم معه . وان احاديث اهل البيت التي قالوهالتعليم شيعتهم وامدادهم بالوعي الديني المتبصر
صريحة في ان ما خالف كتاب اللّه فهو زخرف مكذوب .

ودعـوتـنـا هـذه التي نريد ان نخلص اليها لا تصادم ماقيل عن الشيخين -مثلا - في عزوفهما عن
كـثـير, من الملذات , وفيما اسدوه من خدمات لتوسيع رقعة الاسلام والانتشار في الافاق , فهذا امر
مـحـفـوظ... بـيـد ان مـايـنـبغي التفطن له هو ان التقشف والفتوحات وحمل هموم الحرب والسلم
شي ء,وقضايا الشريعة الالهية - في خصائصها ونقاوة مصادرها - شي ء اخر مختلف ,كما هو بين لمن
يميز الامور ويملك ذهنية دقيقة لا تخلط الفرع بالاصل , ولاتدخل ملابسات الظروف الاجتماعية
التاريخية في صلب مضامين الدين .

ان المنع من تناقل حديث رسول اللّه - مع اصرار الصحابة على ضرورة التدوين - كما مر في خبر
عـروة بن الزبير ((481)) - ثم مخالفة الخليفة لرايهم مع ملاحظة كونه قد رسم اصول الشورى
في الخلافة من بعده .. لامر عظيم ,ينبى عن كون التدوين امرا ثقافيا حضاريا يرتبط بالسياسة لايمكن
لـلـخـليفة تجاهله , وعليه فان قضية منع تدوين السنة الشريفة لم تكن قضية ثقافية خالصة كما عللها
الـخـلـيـفة - بانها نابعة من الخوف على اختلاط السنة بالقران والخوف من وتاثر المسلمين بالامم
السابقة .

فـالـمسالة هنا ترتبط بالعلم , كما اتضحت شواهد عديدة على ذلك ,وان الخليفة لم يكن يملك الرؤية
العامة للاحكام ولم يكن على احاطة تامة ببيانات رسول اللّه فيها.

واما مقدرتهم في الجوانب الاخرى فالامر يتعلق بالمقدرة العسكرية والحنكة السياسية . والمعروف
- عند اهل الخبرة - ان من له الحنكة السياسية يمكنه ان يوظف كرسي العلم ويحتويه , بعكس الاول .

ا ن هـذا يـفـرض علينا قراءة جديدة للنصوص الصادرة عن الشيخين اوعن غيرهما. وهذه القراءة
ينبغي ان تنطلق من دوافع دينية صرفة , تطلب الوصول الى الحق .. من خلال دراسة موضوعية متانية
لا تـتـعـجـل الامـور ولا تـبتسرالنتائج . وان احاطة ما صدر منهما - من اقوال وافعال - بهالة من
التقديس القبلي , بحيث يهاب المسلم مناقشة هذه الاقوال والافعال .. غير بعيدان يجعل هذه الحالة نوعا
من الارهاب الفكري الذميم الذي يصادر اي احتمال للحوار اوالمناقشة فضلا عن الاعتراض .. مما
يـراد لـه جـعـل الـشـيـخين في مصاف الانبياء اوفوق مصاف الانبياء, وهذا ما لا يرتضيه ذو عقل
ودين ,خاصة ونحن نعلم - كماتجلي وقائع التاريخ - ان الصحابة رجال متفاوتون علماوايمانا وقدرا.

وكـثـيـرا مالاحظنا انهم كانوا يخطى ء بعضهم بعضا, وينقدبعضهم مواقف بعض .. ولاحرج في ذلك
ولاضير.

ان كـل مـن لـه درايـة بـالاخبار والاحاديث وتاريخ صدر الاسلام يعلم بوضوح ان الخليفة ابا بكر
والخليفة عمر بن الخطاب لم يكونا معصومين ..بل استبان من خلال النصوص ان جل اجتهاداتهم كانت
قائمة على الراي المحض , ولم تكون مستقاة او مشتقة من القران الكريم .

وقفة عند راي ابن قيم الجوزية :
وعـلى هذا فان الفتاوى الصادرة عن ابي بكر وعمر لا تنحصر بما قاله ابن قيم الجوزية , من انها لا تخرج عن ستة اوجه :
احدها: ان يكون سمعها من النبي (ص ).

الثاني : ان يكون سمعها من سمعها منه (ص ).

الثالث : ان يكون فهمها من اية من كتاب اللّه فهما خفي علينا.

الرابع : ان يكون قد اتفق عليها ملؤهم , ولم ينقل الينا الاقوال المفتي بهاوحده .

الـخـامس : ان يكون لكمال علمه باللغة , ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا, او لقرائن حالية
اقـتـرنـت بـالـخـطاب , او لمجموع امورفهموهاعلى طول الزمان من رؤية النبي ومشاهدة افعاله
واحـوالـه وسـيـرتـه ,وسـمـاع كـلامـه والـعـلـم بـمـقاصده وشهود تنزيل الوحي , ومشاهدة
تاويله بالفعل ,فيكون فهم مالا نفهمه نحن . وعلى التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها.

السادس : ان يكون فهم ما لم يرده الرسول واخطا في فهمه , والمراد غيرمافهمه , وعلى هذا التقدير
لا يـكـون قوله حجة . ومعلوم قطعا ان وقوع احتمال من خمسة اغلب الظن من وقوع احتمال واحد
معين , هذا مما لا يشك فيه عاقل ...).

والـواقـع ان الامر ليس على ما ظن ابن القيم بل هو ابعد منه لانك وقدوقفت على فتاواهم ومخالفة
بعضها لصريح الكتاب والسنة , مع علم صاحبهابقيام النص في غيره ووضوح ظهوره فيه , لولا الحمل
على الصحة والتماس العذر لمن سلف , لكانت اقرب الى التحدي منها الى الاجتهاد وبـعـضـهـا الاخر - اي من اجتهادات الشيخين - صريح المخالفة للنصوص ايضا, لكنها تختلف عن
سابقتها, بانها صدرت لعدم علم صاحبهابتلكم النصوص الصادرة عن الرسول (ص )وعودته اليها بعد
تنبهه , ومثل هذاالقسم -عادة - اهون مؤونة واقل مؤاخذة .

فـالاجـتهاد لو كان جاريا على وفق ما تقرر لدى الاعلام من القواعد,للزم ان يكون صاحبه قد اكمل
عدته وانتهى من الفحص عن الدليل الاولي ,وعاديائسا من العثور عليه , فافتى او حكم بعد الياس .

غير ان هذه الفتاوى والمواقف والاحكام لم تكن جارية - في نهج الخليفة وكثير من السلف الاول -
عـلـى هـذا الـنمط من الاستنباط الدقيق المامون ..بسبب التسرع في الافتاء والحكم قبل بذل الجهد
لـلـفـحـص الـكـافـي , اوبـسـبـب التقصير في استيعاب ما ينبغي استيعابه في الموضوع باهمالهم
سـؤال العالمين بالقران والتشريع ممن كانوا بين ظهرانيهم , فاذا شجر ما يوجب الفحص والسؤال ولم
يـبـادروا الـى الـرجوع الى هؤلاء العالمين .. فان هذايعني - ولا ريب - المؤاخذة والتقصير, لقيام
الحجة عليهم بهؤلاء العالمين -كما قال ابن حزم في النص الذي اوردناه من قبل .

وعـلـى هذا فالمنسوب الى رسول اللّه بين مرويات الشيخين لا ينحصرفيما حصره ابن القيم -من
الصور الست , بل هناك احتمالات اخرى ينبغي ان تضاف الى احتمالات ابن القيم , وهي :
الاول : ان يـكون افتاؤهما مخالفا لكلام رسول اللّه , وقد ذكرهماالصحابة بهذا فرجعا عما افتيا به ,
فـمـن الطبيعي ان لا نرى امتدادا لراي الخليفة في مثل هذه مسائل قبال سنة رسول اللّه في العصور
اللاحقة لرجوع الخليفة عماكان قد ذهب اليه وتنصله عنه .

الثاني : ان يتخالف افتاؤهما مع حديث رسول اللّه او الاية القرانية ,والصحابة ذكروهما بذلك لكنهما
لم يتراجعا عما افتيا به , ومن هنا نرى وجوداحكام كهذه في الفقه الاسلامي , مع ترجيح الفقهاء لراي
الـخـلـيـفـة , والـقـول ان اراءاولـئك الـصحابة كان اجتهادا منهم لايمكن نقضه , لحجية اجتهادات
الصحابة في الصدر الاسلامي الاول الثالث : ان يفتي الخليفة في مسالة بما هو مخالف لسنة رسول اللّه والذكرالحكيم , والصحابة لم يقفوا
على راي الخليفة في تلك المسالة ليوقفوه على ماسمعوه من رسول اللّه او ما جاء به الوحي به في تلك
المسالة . فترى امتدادخط الخليفة اقوى مما عند الصحابة من مرويات في هذه المسائل الـرابـع : ان يـفـتـي الخليفة بما يخالف الاية القرانية وحديث رسول اللّه (ص ), ولكن الصحابة لم
يـذكروه خوفا من درته او مهابة له , او لاكتساح هذاالراي عموم المسلمين وتبني اغلبهم له , فخ
ط الـخـلـيـفـة - فـي مثل هذا القسم -هواقوى مما سبقه , لعمل المسلمين به وقد يحدث ان نقف بين
الحين والاخرعلى نصوص من الصحابة او التابعين تخالف راي الخليفة , لكنهااضعف مما سبقها الـخـامس : ان يكون ما افتى به اجتهادا منه , صدر عن مصلحة ارتضاهابمفرده , او للراي العام -فيما يقول - اعرف بها من سائر الصحابة . مع انه لم تكن تلك المصلحة بالمنزلة التي تصورها الخليفة
فـيـكـون الـحـكـم خـاطـئاتـبـعاللخطا في تشخيص المصلحة , الا ان احدا لم ينتبه او ينبه على
ذلك فسرى الحكم عاما شاملا في كل العصور
حسبنا كتاب اللّه
فاتضح اذن ان الاجتهاد قبال النص قد سن في العصر الاسلامي الاول ,وكذا القول ب - (حسبنا كتاب اللّه ) و(بيننا وبينكم كتاب اللّه ), مع وقوفناعلى نهي رسول اللّه عنه لـكـن بـيـن الصحابة من كان لا يرتضي تلك النبرة الغريبة المحدثه , منهم :علي بن ابي طالب , الذي
اوصـى ابـن عـباس عندما اراد محاججة الخوارج بقوله :لا تخاصمهم بالقران , فان القران حمال ذو
وجوه , تقول ويقولون ,ولكن حاججهم بالسنة , فانهم لن يجدوا عنها محيصا ((482)) .

اوصاه بهذا لان المعروف عن الخوارج تمسكهم الاعمى بظواهرنصوص الكتاب , وقد جر اسلوبهم
هـذا الـويـلات على المسلمين , فكان من العقل والتدبير ان يحتج عليهم بسيرة النبي وافعاله التي لا
يـخـتلف فيها اثنان دون ما يختلف فيه لئلا يقعوا في نفس مشكلة فهمهم الخاطى ء للكتاب ,فاحتج عليهم
بـعـمـل النبي (ص ) حينما اوعز بمحو وصفه ب - (رسول اللّه ) في كتاب صلح الحديبية , فلم يبق
مـجال لاعتراض الخوارج على محو علي بن ابي طالب وصفه ب - (امير المؤمنين ) في كتاب الصلح
مع معاوية , وهذاالاسلوب هو الانجح والانسب في التعامل مع الخوارج .

نـعـم , ان الـقـران والسنة هما ما يكمل احدهما الاخر, فلا يمكن الاكتفاءبالقران دون السنة , وكذا
الـعـكـس . ولـيس هناك ادنى تعارض بين هذين الاصلين , وان الذهاب الى احدهما دون الاخر ليس
بصحيح .

قال ابن حزم في الاحكام : لا تعارض بين شي ء من نصوص القران ونصوص كلام النبي (ص ) وما نقل
مـن افـعـاله , فقال سبحانه مخبرا عن رسوله :(وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ) وقوله
تـعالى : (لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة ) وقوله : ( ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا), فاخبر عز وجل ان كلام نبيه وحي من عنده ,كالقران في انه وحي ((483)) .

/ 21