الجزء الرابع
[تتمة ربع العبادات]
كتاب ترتيب الأوراد و تفصيل إحياء الليل
و هو الكتاب العاشر من إحياء علوم الدين وبه اختتام ربع العبادات نفع الله بهالمسلمين (بسم الله الرّحمن الرّحيم) نحمدالله على آلائه حمدا كثيرا، و نذكره ذكرالا يغادر في القلب استكبارا و لا نفورا، ونشكره إذ جعل الليل و النهار خلفة لمن أرادأن يذكر أو أراد شكورا، و نصلي على نبيهالذي بعثه بالحق بشيرا و نذيرا، و على آلهالطاهرين و صحبه الأكرمين، الذين اجتهدوافي عبادة الله غدوة و عشيا و بكرة و أصيلا،حتى أصبح كل واحد منهم نجما في الدين هادياو سراجا منيرا أما بعد: فان الله تعالى جعلالأرض ذلولا لعباده، لا ليستقروا فيمناكبها بل ليتخذوها منزلا فيتزودوا منهازادا يحملهم في سفرهم إلى أوطانهم، ويكتنزون منها تحفا لنفوسهم عملا و فضلا،محترزين من مصايدها و معاطبها، و يتحققونأن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها،فالناس في هذا العالم سفر، و أول منازلهمالمهد، و آخرها اللحد، و الوطن هو الجنة أوالنار، و العمر مسافة السفر، فسنوهمراحله، و شهوره فراسخه، و أيامه أمياله،و أنفاسه خطواته، و طاعته بضاعته، وأوقاته رءوس أمواله، و شهواته و أغراضهقطاع طريقه، و ربحه الفوز بلقاء اللهتعالى في دار السلام مع الملك الكبير والنعيم المقيم، و خسرانه البعد من اللهتعالى مع الانكال و الأغلال و العذابالأليم في دركات الجحيم، فالغافل في نفسمن أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلىالله زلفى متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة مالها منتهى و لهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد، وودعوا بالكلية ملاذ النفس، و اغتنموابقايا العمر، و رتبوا بحسب تكرر الأوقاتوظائف الأوراد، حرصا على إحياء الليل والنهار في طلب القرب من الملك الجبار والسعي إلى دار القرار، فصار من مهمات علمطريق الآخرة تفصيل القول في كيفية قسمةالأوراد و توزيع العبادات التي سبق شرحهاعلى مقادير الأوقات، و يتضح هذا المهمبذكر بابين الباب الأول: في فضيلةالأوراد، و ترتيبها في الليل و النهارالباب الثاني: في كيفية إحياء الليل، وفضيلته و ما يتعلق به