الجزء الثالث عشر
[تتمة ربع المنجيات]
[تتمة كتاب الخوف و الرجاء]
الشطر الثاني من الكتاب في الخوف
و فيه بيان حقيقة الخوف، و بيان درجاته، وبيان أقسام المخاوف، و بيان فضيلة الخوف وبيان الأفضل من الخوف و الرجاء، و بياندواء الخوف، و بيان معنى سوء الخاتمة، وبيان أحوال الخائفين من الأنبياء صلواتالله عليهم، و الصالحين رحمة الله عليهم،و نسأل الله حسن التوفيق
بيان حقيقة الخوف
اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه، بسبب توقع مكروه في الاستقبال.
و قد ظهر هذا في بيان حقيقة الرجاء، و منأنس باللّه، و ملك الحق قلبه، و صار ابنوقته، مشاهدا لجمال الحق على الدوام، لميبق له التفات إلى المستقبل، فلم يكن لهخوف و لا رجاء، بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء، فإنهما زمامان يمنعان النفس عنالخروج إلى رعوناتها و إلى هذا أشارالواسطي حيث قال: الخوف حجاب بين الله وبين العبد و قال أيضا: إذا ظهر الحق علىالسرائر، لا يبقى فيها فضلة لرجاء و لالخوف. و بالجملة فالمحب إذا شغل قلبه فيمشاهدة المحبوب بخوف الفراق، كان ذلك نقصافي الشهود. و إنما دوام الشهود غايةالمقامات. و لكنا الآن إنما نتكلم في أوائلالمقامات فنقول:
[بواعث الخوف]
حال الخوف ينتظم أيضا من علم، و حال، وعمل. أما العلم، فهو العلم بالسبب المفضىإلى المكروه. و ذلك كمن جنى على ملك، ثم وقعفي يده، فيخاف القتل مثلا، و يجوّز العفو والإفلات. و لكن يكون تألم قلبه بالخوف بحسبقوة علمه بالأسباب المفضية إلى قتله، و هوتفاحش جنايته. و كون الملك في نفسه حقودا،غضوبا، منتقما. و كونه محفوفا بمن يحثه علىالانتقام، خاليا عمن يتشفع إليه في حقه. وكان هذا الخائف عاطلا عن كل وسيلة و حسنةتمحو أثر جنايته عند الملك. فالعلم بتظاهرهذه الأسباب سبب لقوة الخوف، و شدة تألمالقلب. و بحسب ضعف هذه الأسباب يضعف الخوف.و قد يكون الخوف لا عن سبب