دروس فی مسائل علم الاصول جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دروس فی مسائل علم الاصول - جلد 3

المیرزا جواد التبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فهرس المطالب

المقصد السادس: في بيان الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً

مباحث القطع

في القطع بالتكليف وأن البحث في بعض ما يترتب عليه خارج عن مسائل علم الاُصول

ما ذكره الشيخ (قدس سره) في تثليث حالات المكلف عند التفاته إلى الحكم الشرعي في واقعة

أخذ العلم بحكم موضوعاً لحكم آخر لا يكون حجة في باب الأدلة وبيان المراد من الالتفات إلى الحكم

الوجه في جواز رجوع العامي إلى المجتهد في موارد الأمارات المعتبرة والاُصول العملية

وجوب العمل بالقطع عقلاً

تعلق القطع بالحكم الانشائي

الكلام في التجري والانقياد

في اتصاف الفعل بالحسن والقبح

في أن الفعل المتجرى به اختياري وعمدي

فيما يقال في حرمة التجري وكونه موجباً للعقاب

في الاستدلال على حرمة التجري وكونه موجباً للعقاب بالخطابات الشرعية

عدم خطاب شرعي في حرمة التجري المفروض في المقام وكونه موجباً للعقاب

في الأخبار الواردة في العفو عن قصد المعصية

في الموجب للعقاب في التجري وعدم منافاة استحقاق المتجري مع ما ورد في العفو عن قصد المعصية

في أقسام القطع

في أخذ القطع بالتكليف موضوعاً لحكم آخر

في القطع المأخوذ موضوعاً بنحوي الطريقية والوصفية

قيام الأمارة بدليل اعتبارها مقام القطع المأخوذ في الموضوع طريقاً

في الإيراد على ما ذكره الماتن (قدس سره)

تقرير كلام النائيني (قدس سره)

كلام الشيخ العراقي في الإشكال على المحقق النائيني

كلام الشيخ العراقي والجواب عنه

كلام الماتن قدس سره في وجه امتناع وفاء دليل اعتبار الأمارة والاستصحاب لقيامهما مقام القطع الموضوعي

كفاية دليل اعتبار الأمارة أو الاستصحاب في قيامهما مقام القطع الطريقي المحض والموضوعي

عدم إمكان أخذ العلم بحكم في موضوعه وإمكان دخالة العلم به في الغرض الموجب لجعله

في عدم إمكان أخذ العلم بالحكم أو الظن به في موضوع ذلك الحكم

الموافقة الالتزامية

انتبه رجاءً: لقد قطّعنا البحث الآتي إلى قسمين:

في أنّ القطع بالحكم من المقدمات العقلية

(1)

(2)

في تنجيز العلم الإجمالي

في جريان الاُصول العملية في اطراف العلم الاجمالي

في جريان الاُصول المثبتة في أطراف العلم الإجمالي

جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي

جواز الامتثال الإجمالي مع إمكان الامتثال الظني التفصيلي

في دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي والظني التفصيلي

في دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي والظني المطلق

الأمارات

في الامارات الغير العلميّة

في إمكان التعبد بالأمارة

في بيان المراد من الإمكان في المقام

في إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية

في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري

في مقالة المحقق النائيني في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري

الأصل عند الشك في اعتبار الأمارة

في حجية الظهورات

في حجية ظواهر الكتاب المجيد

دعوى عدم اعتبار ظواهر الكتاب المجيد لوقوع التحريف فيه

في احتمال وجود القرينة

الإجماع المنقول

الشهرة في الفتوى

حجية الخبر الواحد

المناقشة في الاستدلال على اعتبار خبر الواحد بآية النبأ

في الإستدلال على إعتبار خبر العدل بآية النبأ

في الاستدلال على اعتبار الخبر الواحد بمفهوم الوصف في آية النبأ

في الأخبار التي استدل بها على اعتبار الخبر

في الوجه الأول من الوجوه العقلية المذكورة لحجية الخبر الواحد

في الوجوه العقلية المذكورة لاعتبار الظن

الوجه الأول: من الوجوه العقلية التي ذكروها لإثبات حجية الظن

في مقدمات دليل الانسداد والجواب عنه

نفي وجوب الإحتياط

دعوى إنحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالاُصول المثبتة

بطلان دعوى انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالاُصول المثبتة

في قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح

الظن في الاُصول الاعتقادية

المقصد السابع: في الاُصول العملية

في قاعدة الطهارة وعدم كون البحث فيها من المسائل الاُصولية

أصالة التخيير أصل عملي مستقل أو أنها داخلة في أصالة البراءة

أصالة البراءة

مفاد حديث الرفع في ما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه

انتبه رجاءً: لقد قطّعنا البحث الآتي إلى قسمين:

عدم جريان أصالة البراءة عند الشك في شرطية شيء للمعاملة أو قيديته لها

(1)

(2)

الاستدلال على البراءة في الشبهات الموضوعية بالاستصحاب

الاستدلال على وجوب الاحتياط بالأخبار

الاستدلال في لزوم الاحتياط في الشبهات بحكم العقل

في الشك في قابلية الحيوان للتذكية

في الشك في تذكية الحيوان

في جريان الاحتياط في العبادات

في الثمرة بين الأقوال في أخبار من بلغ

أقسام النهي عن الشيء

أصالة التخيير

أصالة الاحتياط

تنجيز العلم الإجمالي في المتباينين

جريان الأصل الطولي النافي في بعض أطراف العلم إذا اختص خطابه بذلك البعض

تنجيز العلم الاجمالي له مرتبتان ولا ملازمة بين ثبوتهما وسقوطهما

تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات

الاضطرار إلى بعض أطراف العلم

اشتراط الابتلاء بجميع أطراف العلم الإجمالي في تنجيزه

في الشك في كون بعض الأطراف مقدوراً أو داخلا في الابتلاء

في استفادة عموم الملاك من خطابات التكاليف

العلم الإجمالي في أطرافه الغير المحصورة

كلام النائيني (قدس سره) في الشبهة غير المحصورة وبيانه الملاك في كونها غير محصورة

في الاستدلال على حكم الشبهة الغير المحصورة

في ملاقي بعض أطراف العلم

جريان الأصل النافي بالإضافة إلى تكليف لم يتم موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل

في دوران متعلق التكليف بين الأقل والأكثر الارتباطيين

في انحلال العلم الإجمالي عقلاً في موارد دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين

الاستدلال على لزوم الاحتياط بالاتيان بالأكثر للوجه العقلي

في بيان جريان أصالة البراءة الشرعية في ناحية وجوب الأكثر

في التمسك بالاستصحاب لاثبات لزوم الاحتياط بالاتيان بالأكثر

دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه

في دوران الواجب بين كونه تعيينياً أو تخييرياً

في دوران امر الفعل بين كونه مسقطاً للواجب أو عدلاً له

حكم الايتمام ممن لا يتمكن من القراءة الصحيحة

الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته

في أن مقتضى أصالة البراءة عدم إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته

في الشك في مانعية الزيادة في الجزء والشرط

في مبطلية الزيادة في الصلاة ونحوها

التمسك باستصحاب الصحة عند الشك في مانعية الزيادة

التمسك باستصحاب الصحة في موارد الشك في القاطعية

لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة

في قاعدة الميسور

الاستدلال لقاعدة الميسور بحديث الميسور لا يسقط بالمعسور

في دوران الأمر بين جزئية الشيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته

خاتمة في شرائط الاُصول العملية

الاستدلال على اعتبار الفحص في الشبهات الحكمية بالعلم الإجمالي بالتكاليف فيها

اعتبار الفحص في الرجوع إلى الاُصول في الشبهات الحكمية

في عدم اعتبار الفحص في الشبهات الموضوعية

شرطان آخران للبراءة

في قاعدة نفي الضرر

كون المنفي هو الفعل الضرري أو الحكم والتكليف الضرريين

فيما قيل بأن المراد من نفي الضرر والضرار تحريمهما

في كون المستفاد من نفي الضرر والضرار حكم شرعي

انتبه رجاءً: لقد قطّعنا البحث الآتي إلى قسمين:

في توجيه الحكم الوارد في قضية سمرة

(1)

(2)

كثرة التخصيص في قاعدة لا ضرر

موارد حكومة قاعدة نفي الضرر، وإن المراد بالضرر الضرر الواقعي























المقصد السادس: في بيان الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً







وقبل الخوض في ذلك لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من الأحكام[1] وإن كان خارجاً من مسائل الفن وكان أشبه بمسائل الكلام.







إن البالغ الذي وضع عليه القلم إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي[2].







لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا[3]، ولزوم الحركة على طبقه جزماً وكونه موجباً لتنجّز التكليف الفعلي فيما أصاب.







ولذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضاً[4] مع أنه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقاداً مطلقاً، وحقيقة في صورة الإصابة.















مباحث القطع







في القطع بالتكليف وأن البحث في بعض ما يترتب عليه خارج عن مسائل علم الاُصول















[1] قد جعل الماتن (قدس سره) المقصد السادس في بيان الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً وذكر أنه لا بأس قبل البحث فيها بالتكلم في بعض ما يترتب على القطع بالحكم والتكليف وأن لا يكون التكلم فيه خارجاً عن مسائل علم الاُصول، وأشبه بالمسائل الكلامية، ووجه التكلم فيه أنه يناسب ما يذكر في هذا المقصد للأمارات والطرق إلى الأحكام الفرعية، ولعلّ نظرهُ (قدس سره) في خروجه عن مسائل علم الاُصول إلى أن المسألة الاُصولية كما ذكر في مقدمة الكتاب هي التي تكون نتيجتها موجبة للعلم بالحكم الشرعي الفرعي، بأن تقع تلك النتيجة في طريق استنباطه، أو التي ينتهي إليها أمر الفقيه في مقام العمل، فلا يكون نفس العلم بالحكم الفرعي الحاصل من الاستنباط كالعلم به الحاصل من غيره كضرورة ونحوها داخلا في مسائل علم الاُصول وكون ما يذكر أشبه بمسائل علم الكلام، فلأن البحث في استحقاق العقاب والثواب على مخالفة المنعم وإطاعته مسألة كلامية، ومسألة وجوب اتباع العلم بالتكليف عقلا وكونه منجزاً له كذلك شبيهة بتلك المسألة، وأما شدة المناسبة مع ما يذكر في المقصد السادس فلأن نتيجة اعتبار الأمارات أن يثبت لها بعض ما كان للقطع بالتكليف والحكم عقلا مع أنها معتبرة في حق غير العالم، والقاطع بالواقع، فيكون المناسب التعرض لبعض ما يترتب على العلم والقطع عقلا.







ويرجع إلى ما قرّرنا ما ذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) من أن البحث في المقام في الحجة على الحكم الشرعي وإطلاق الحجة على نفس القطع بالحكم والتكليف مسامحة، فإن الحجة ما يقع وسطاً في قياس استنباط الحكم الشرعي الفرعي الكلي، فيقال عصير العنب بعد غليانه وقبل ذهاب ثلثيه مما يظن بحرمته، وكل ما يظن بحرمته بالظن المطلق أو الخاص يحرم، بخلاف العلم بالحرمة، فإن القول بأن الميتة مما علم حرمة أكلها، وكل ما علم حرمته يحرم، غير صحيح، فإن العلم بالحرمة لا يمكن أن يؤخذ في موضوع تلك الحرمة.







لا يقال: هذا جار في الظن أيضاً فإن حرمة العصير العنبي لا يمكن أن يؤخذ في موضوعها الظن بحرمته سواء كان ظناً مطلقاً أو ظنّاً خاصاً، فإنّه يقال: الحرمة المأخوذ في موضوعها الظن بالحرمة هي حرمة طريقية، والمأخوذ في موضوعها الظن بالحرمة الواقعية النفسية، فلا إشكال في أخذ الظن بالحكم والتكليف وسطاً في قياس الاستنباط بخلاف القطع بالحكم والتكليف فإنه غير قابل لجعل حكم طريقي بالإضافة إلى الحكم أو التكليف المقطوع.







وهذا بناءً على أن اعتبار الأمارة يكون بجعل الحكم التكليفي الطريقي، وأما بناءً على أنه باعتباره علماً بالواقع فالأمر كذلك أيضاً، فيمكن وقوع خبر الثقة وسطاً في قياس الاستنباط، فيقال العصير العنبي مما قام خبر الثقة بحرمته بالغليان، وكل ما قام خبر الثقة بحرمته يعلم حرمته، فلا محذور في إطلاق الحجة على خبر الثقة بخلاف نفس العلم الوجداني بالحرمة فإنه غير قابل لأن يقع وسطاً في القياس.







أقول: إنه مع الالتزام بأن المجعول في الأمارات الحجية بمعنى المنجزية والمعذرية كما عليه الماتن (قدس سره) لا تقع الأمارة وسطاً في قياس استنباط الحكم الشرعي بناءً على أن الاستنباط إحراز نفس الحكم الشرعي الفرعي فإنه لا نحرز نفس الحكم بالأمارة المعتبرة، بل يحرز تنجزه أو العذر فيه، فتكون الأمارة المعتبرة وسطاً في قياس تنجّز الحكم والعذر فيه، وهذه الوسطية تجري في القطع بالحكم الشرعي أيضاً فاللازم صحة إطلاق الحجة عليه.







اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ نتيجة المسألة الاُصولية ما يمكن أن تقع وسطاً في إحراز تنجز التكليف والعذر فيه بالجعل كما في الظنون لا ما يكون كذلك من غير جعل، كما في القطع أو العلم بالتكليف وجداناً.







وقد يقال: إن منجزية القطع بالتكليف أيضاً بالإضافة إلى متعلّقه يكون بالجعل، فإن استحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواصل ببناء العقلاء واعتبارهم، حيث إن مخالفته هتك للمولى وظلم عليه والظلم والتعدي يوجب استحقاق الذم ومحكوم عليه بالقبح ببنائهم فيكون القطع بالتكليف وسطاً في قياس تنجّز التكليف واستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المقطوع؛ وفيه أن ترتب استحقاق العقاب على مخالفته بالقطع بالتكليف مطلقاً أو فيما أصاب إما لأنّ الاستحقاق أمر واقعي يدركه العقل، أو أنه نفس حكم العقل وليس وراء حكم العقل شيء واقعي وعلى كل منهما لا يكون ترتبه عليه ببناء العقلاء واعتبارهم، ولذا يثبت هذا الاستحقاق في المخلوق الأول من الإنسان قبل أن يتعدد العقلاء أو يتكثروا، وسيأتي التعرض لذلك فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.















[2] قد ذكر (قدس سره) أن البالغ الذي وضع عليه قلم التكليف إذا التفت إلى حكم شرعي فعلي واقعي أو ظاهري متعلق به أو بمقلديه، فإما أن يحصل له القطع به، أو لا، فإن لم يحصل له القطع فلابد من أن ينتهي أمره إلى ما يستقل به العقل من اتباع الظن إن حصل له الظن، والتزم بتمام مقدمات الانسداد على نحو الحكومة، وإن لم يحصل له الظن يتعين الرجوع إلى الاُصول العقلية من البراءة والاشتغال والتخيير باختلاف الموارد على حسب ما يأتي الكلام فيها في محله، ثم قال: وحيث عمّمنا متعلق القطع ولم نقيّده بالأحكام الواقعية وقيّدناه بالفعلي، لم يبق وجه لتثليت الأقسام، ويكون التقسيم على تعميم متعلق القطع للحكم الواقعي والظاهري، وتقييده بالفعلي ثنائياً لا محالة، فإن المكلف إمّا أن يكون قاطعاً بالوظيفة الشرعيه لنفسه أو لمقلديه سواءً كانت تلك الوظيفة واقعية أو ظاهرية فيعمل بها، وإن لم يكن قاطعاً بها فلابد من الرجوع إلى ما استقل به العقل من اتباع الظن على تقدير الانسداد والحكومة في موارده، وفي غيرها إلى الاُصول العقلية.







أقول: قد ذكرنا أن مسلكه في اعتبار الأمارة جعل الحجية لها أي المنجزية والمعذرية، والحجية حكم وضعي لا تكون بنفسها حكماً تكليفياً بالإضافة إلى الفعل، ولا مستتبعاً له فلا يكون في موردها علم بالحكم الشرعي الفعلي الواقعي أو الظاهري بالإضافة إلى الواقعة الملتفت اليها، بل قطع بالحجية التي حكم على الأمارة القائمة بحكم الفعل، لا حكم للفعل الذي قامت الأمارة على حكمه، وعلى الجملة لا يكون في موارد الأمارات المعتبرة على مسلكه قطع بحكم شرعي واقعي أو ظاهري بحيث يكون المقطوع حكماً شرعياً فرعياً.







ثم قال (قدس سره): وإن أبيت إلاّ عن تثليث الأقسام فالأولى أن يقال: إن المكلف إما أن يحصل له القطع بالحكم الواقعي أو لا، فإن لم يحصل، فإما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا، ويرجع مع عدم حصول العلم وعدم قيام الأمارة المعتبرة إلى القواعد التي تقرّرت في حق غير القاطع بالحكم الواقعي، ولغير من قام عنده الطريق المعتبر سواء كان تقرّرها بالشرع أو بالعقل والوجه في الأولوية أنّه مع هذا النحو من التثليث لا تتداخل الأقسام الثلاثة بحسب أحكامها، بأن يورد عليه بأن موارد الظن غير المعتبرة مورد للاُصول العملية مع أنه على تثليث الشيخ (قدس سره) غير داخل في مواردها، كما أنه لو اعتبر الشارع في مورد غير الظن طريقاً كخبر غير المتحرز عن الكذب فإنه يتعين الأخذ به مع أن على ما ذكره الشيخ داخل في موارد الاُصول العملية.















ما ذكره الشيخ (قدس سره) في تثليث حالات المكلف عند التفاته إلى الحكم الشرعي في واقعة







أقول: لم يكن غرض الشيخ (قدس سره) مما ذكره في المقام بيان النتائج للمباحث المفصّلة الآتية، بل كان غرضه بيان الموضوع للمباحث الآتية، ولذا لم يذكر فيما ذكره حكم القطع ولا الظن، وذكر عند الشك الرجوع إلى الاُصول العملية لكون الموضوع في المقصد الثالث للمباحث المذكورة الاُصول العملية لا نفس الشك، ولذا ذكر في آخر كلامه في المقام. فالكلام يقع في مقاصد ثلاثة، وعلى التقسيم الثاني لا يعلم الموضوع في المباحث، بل لو كان الغرض مما ذكره في المقام بيان النتائج للمباحث الآتية لم يكن موجب للتقسيم أصلا لا ثلاثياً ولا ثنائياً، بل كان المناسب أن يذكر بأنّه على المكلّف عند التفاته إلى الحكم الشرعي للواقعة تحصيل المؤمن فيها برعاية الوظيفة الفعلية فيها المقرّرة من قبل الشرع أو العقل، مع أن أشكال التداخل على ما ذكره الشيخ (قدس سره) غير صحيح، فإنه لم يذكر أنه مع حصول الظن يعمل بالظن ولا يرجع إلى الاُصول العملية ليورد عليه بأنّه مع عدم اعتبار الظن يكون مورده مورد الاُصول العملية، وما ذكر الماتن في تعليقته من أن اللازم مع اعتبار الشارع ما لا يفيد الظن ولو نوعاً كخبر غير المتحرز عن الكذب هو العمل به، ولكن مقتضى كلام الشيخ (قدس سره) العمل بالاُصول العملية فهو وإن يكن كما ذكر إلاّ أن هذا مجرّد فرض، وما ذكره الشيخ بملاحظة ما هو الواقع خارجاً من عدم اعتبار شيء في ثبوت الأحكام الكلية غير العلم والعلمي المعبر عن الثاني بالظن المعتبر، بل بناءً على تثليث الماتن يكون البحث في مسألة حجية خبر العدل والثقة بحثاً عن وجود الموضوع وما هو بمفاد (كان) التامة، بخلاف ما صنعه الشيخ فإنه عليه يكون البحث من ثبوت الحكم للموضوع كما هو مفاد (كان) الناقصة، وقد ظهر مما ذكرنا أنه ليس في التثليث الذي ذكره الشيخ (قدس سره) خلل من حيث تداخل الأقسام، كما ظهر مما ذكرنا قبل ذلك أن الحجة لا تطلق على نفس القطع بالتكليف والحكم بمعنى أنه لا يكون وسطاً لإثبات الحكم الذي تعلق به القطع بخلاف الظن مع اعتباره فإنه يكون وسطاً في الاستنباط ويثبت الحكم الذي تعلّق به بنحو من الإثبات.















أخذ العلم بحكم موضوعاً لحكم آخر لا يكون حجة في باب الأدلة وبيان المراد من الالتفات إلى الحكم







ثم إن العلم بحكم إذا اُخذ موضوعاً لحكم آخر وان يقع وسطاً في القياس ويثبت به الحكم الآخر، فيقال: إن الفعل الفلاني مما علم حرمته، وكل ما علم حرمته يجوز الإفتاء بحرمته، ولكن لا يطلق عليه الحجة في اصطلاح الاُصوليين، فإن الحجة عندهم ما يثبت حكم متعلّقه لا حكماً آخر، وبالقياس المزبور يثبت جواز الإفتاء بحرمته لا نفس حرمة ذلك الفعل بخلاف الظن والأمارة المعتبرة فإنه يثبت به الحكم المظنون.







ولا يخفى أن المراد بالالتفات إلى الحكم الشرعي في واقعة الفحص عن مدرك الحكم فيها المعبر عنه بالالتفات التفصيلي المختص للمجتهد، فإن ما يصلح أن يحصل معه العلم بحكم الواقعة أو الظفر بالأمارة المعتبرة فيها هو هذا الالتفات الذي يكون الحكم الملتفت إليه متعلقاً بالمجتهد تارة وبمقلديه اُخرى ويتعلّق بهما ثالثة، وليس المراد أن الالتفات التفصيلي بالمعنى الآخر لا يتحقق من العامي، وهو فحصه عن مدرك الحكم الشرعي في الواقعة التي يمكن ابتلاؤه بها يعني الفحص عن فتوى المجتهد الذي يعتبر فتواه فيها، بل المراد أن هذا غير مراد في المقام؛ لأنّ ما ذكر في المقام تمهيد لبيان الموضوعات التي يبحث عن أحكامها في المباحث الآتية أو بيان لنتائج تلك المباحث وشيء منهما لا يرتبط بالعامي، وإن كان اعتبار الأمارات والاُصول العملية غير مختص بالمجتهد بالمعنى الذي يأتي بيانه.







بقي في المقام أمر لا بأس بالتعرض له، وهو ما يقال من أن المجتهد كيف يأخذ بالاُصول العملية في الوقائع التي هي راجعة إلى مقلديه، مع أن الموضوع لتلك الاُصول هو الشاك في حكمه الواقعي، والمقلد لا يلتفت إلى كون الحكم الواقعي في تلك الواقعة مشكوكاً، ليتم في حقه الموضوع للحكم الظاهري، وبتعبير آخر شك المجتهد فيها غير موضوع للاُصول لاختصاص الحكم الواقعي بغيره، والشك الموضوع فيها لا يحصل للمقلد كما هو فرض غفلته من كون الحكم الواقعي في الواقعة مشكوكاً، بل لو كان الحكم الواقعي عاماً مجعولا في حق العامي والمجتهد، فالشك فيها بالإضافة إلى المجتهد لا العامي ليتم الموضوع للحكم الظاهري بالإضافة إلى كل منهما.







وربما يجاب عن الإشكال، بأن المجتهد في الوقايع نائب عن مقلديه فيحسب شكه شكاً منهم، وقد ذكر ذلك الشيخ الأنصاري في بعض كلماته وتبعه بعض من تأخر عنه (قدس سرهم)، وذكر المحقق الاصفهاني (قدس سره) أن ما دلّ على جواز التقليد مقتضاه تنزيل المجتهد منزلة مقلديه، فيكون مجيء الخبر إلى المجتهد بمنزلة مجيئه إلى مقلديه، ويقين المجتهد وشكه بمنزلة يقين مقلديه وشكّهم، والمجتهد هو المخاطب في موارد الأمارات والاُصول عنواناً، والمقلّد هو المخاطب لبّاً، وإلاّ كان تجويز الإفتاء والاستفتاء لغواً.







أقول: لو ثبت دعوى نيابة المجتهد عن العامي لا يبقى الإشكال، بأن العمل بمقتضى الاُصول العملية مشروط بالفحص وعدم الظفر بالدليل على التكليف أو الحكم الواقعي والمقلّد عاجز عن هذا الفحص فلا يتحقق في حقّه شرط اعتبارها، وكذا الشرط في اعتبار أمارة في واقعة يكون بإحرازها وعدم المعارض لها أو عدم الظفر بها بعد الفحص، والعامي عاجز عن ذلك، والوجه في عدم بقاء الإشكال أنّ المجتهد في فحصه عن الدليل على الحكم الواقعي وعدم الظفر بالدليل عليه أو ظفره به وعدم المعارض له يكون نائباً عن العامي بمقتضى فرض النيابة، ولكن الدعوى لم تثبت بدليل، ولا بما دلّ على جواز الإفتاء والاستفتاء، فإن المستفاد مما دلّ على جواز الإفتاء جواز تعيين الكبرى المجعولة في الوقايع بحسب مقتضى الأدلّة القائمة بالكبريات المجعولة فيها، وأما الشك الموضوع في أدلة الاُصول وخطاباتها فلا يعم الشك غير المباشري، وأن شك المجتهد يحسب شكاً من المقلد ويقينه يقيناً من المقلد، فلا يستفاد مما ذكر شيءٌ.















الوجه في جواز رجوع العامي إلى المجتهد في موارد الأمارات المعتبرة والاُصول العملية







والصحيح في حل الإشكال هو أن العامي يرجع إلى المجتهد في تعيين الأحكام المجعولة في كل من الوقايع التي يبتلي بها لكونه جاهلا بتلك الأحكام المجعولة وكون المجتهد عالماً بها سواءً كان علم المجتهد بها وجدانياً حاصلا له من ملاحظة مداركها أو علماً تعبدياً كما إذا كان حاصلا بقيام أمارة معتبرة عنده بحكم الواقعة أو لأصل محرز مفاد خطاب اعتبار كونه عالماً بحكم الواقعة كما هو مفاد خطابات الاستصحاب بناءً على شمولها لموارد الشبهات الحكمية، وبما أن العامي في جميع هذه الموارد جاهل بالحكم الشرعي المجعول في الواقعة يكون تعيين المجتهد الحكم الشرعي المجعول فيها بنظره المعبر عنه بالفتوى جائزاً لفرض علمه بالحكم حتى فيما كان الحكم المجعول بحيث لا يعمّه؛ لأنه من الأحكام المجعولة للنساء مثلا، وفتواه فيها معتبرة في حق العامي المفروض كونه جاهلا به فتحسب فتواه علماً للعامي مطلقاً أو بعد أخذه كما هو مقتضى ما دلّ على وجوب رجوع الجاهل بالحكم المجعول إلى العالم به، مثلا مقتضى خطابات الاستصحاب فيما إذا أحرز المجتهد الحكم المجعول في الواقعة المشكوكة سعته أو ضيقه هو أنه عالم بسعته فيكون رجوع العامي الجاهل إليه من رجوع الجاهل إلى العالم.







مثلا إذا رأت ذات العادة الوقتية والعددية دماً أصفر ثلاثة أيام وانقطع ولم يظهر للمجتهد أن الثلاثة أيام ملحقة بالحيض أو أنها استحاضة، وأفتى بكونه حيضاً لعلمه بحيضها قبل تلك الأيام وبقائه فيها، فمفاد خطابات الاستصحاب علمه بأن ذات العادة إذا رأت الصفرة بعد عادتها وانقطع قبل عشرة أيام فحيضها مجموع الدم، وبهذا يعلم الحكم بالحيض على ذات العادة، ومدرك المرأة الآخذه بفتواه ليس هو الاستصحاب ليقال: بأن الموضوع للاستصحاب لم يحصل للمرأة بل مدركها ما دلّ على اعتبار فتوى المفتي في حقها والاستصحاب مدرك لفتوى المفتي لعلمه بحدوث الحكم في حقها وشكه في بقائه لها، وبهذا يظهر وجه جواز رجوع العامي إلى المجتهد في الموارد التي يفتي فيها بالحكم الظاهري بالحلية والإباحة، بمقتضى خطابات أصالة الحل أو البراءة، فإن علمه بالحكم الظاهري موضوع لجواز الإفتاء به في الواقعه، وبما أن العامي جاهل بحكم الواقعة، ولو بحكمها الظاهري يعتبر في حقه فتواه بها، فمدرك المجتهد للحلية الظاهرية وفتواه بها خطابات أصالة الحل أو أصالة البراءة، وأما العامي فمدركه فيها هو ما دلّ على جواز رجوع الجاهل بحكم إلى العالم به، ولو كان ذلك الحكم حكماً ظاهرياً، وبتعبير آخر للمجتهد في موارد أخذه بالاُصول العملية التي مفادها أحكام ظاهرية علمان، علم بأن الواقعة خالية عما اعتبر علماً بالتكليف الواقعي حتى بالإضافة إلى العامي، وعلم بأن الحكم الشرعي مع خلو الواقعة عن ذلك حلية الفعل، وإذا رجع العامي إلى فتوى المجتهد فيها بالحلية الظاهرية. فقد رجع فيها إلى المجتهد في كلا العلمين وإن لم يلتفت إلى ذلك تفصيلا، وفحص المجتهد في الوقايع لحصول العلم الأول لا أن للفحص بنفسه خصوصية وموضوعية، ويأتي تمام الكلام في ذلك في بحث جواز التقليد إن شاء اللّه تعالى.















وجوب العمل بالقطع عقلاً















[3] ظاهر كلامه (قدس سره) أنّه مع القطع بالحكم الفعلي يترتب عليه عقلا وجوب متابعته والعمل على طبقه، وأن القطع بالتكليف الفعلي يوجب تنجّزه فيما أصاب باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته، وكون العمل به عذراً فيما إذا أخطأ قصوراً، وقال: صريح الوجدان أي عقل كل إنسان شاهد وحاكم بذلك فلا يحتاج إلى إقامة الدليل على ذلك.







أقول: لا ينبغي التأمل في أن وجوب متابعة القطع بالحكم الفعلي عين لزوم العمل على طبقه، فالمراد منهما واحد، وأن الثاني عطف تفسير للأول، وهل كون القطع بالتكليف الفعلي ووجوب متابعته أيضاً عين كونه منجزاً للتكليف فيما إذا أصاب كما احتمل البعض، أو أن المراد منهما متعدّد؟ وظاهر كلامه كما ذكرنا تعددّهما وكون كل منهما مترتباً على القطع بالتكليف عقلا من غير أن يكون بينهما ترتب، ولكن الصحيح أن المترتب على القطع بالتكليف تنجّزه فيما إذا أصاب ويترتب عليه لزوم متابعته، بل المتابعة للتحرز عن العقاب المترتب على مخالفته أمر جبلي منشؤه حبّ النفس لا حكم العقل، ولذا لا يختص بالإنسان فالكلب يفرّ إذا أحسّ رميه بالحجارة ويمتنع الحيوان عن الدخول في النار أو الماء بإحساسه احتراقه بها أو غرقه فيه إلى غير ذلك، غاية الأمر إحراز الضرر في الحيوان يختص بحسه الضرر الفعلي، بخلاف الإنسان فإنه يحرز الضرر الغائب وما هو ضرر مادي أو معنوي فإنّه صاحب عقل.







وعلى الجملة تنجز التكليف بتعلق القطع به عقلي حيث يرى العقل استحقاق الشخص العقاب بمخالفة التكليف المقطوع به، وأما الفرار عن هذا الاستحقاق بموافقة التكليف والعمل على طبقه فهو أمر جبلي للإنسان يترتب على تنجز التكليف وإحرازه استحقاق العقاب على مخالفته، وربما من ذكر أن تنجز التكليف بالقطع به عين وجوب متابعته التزم بكون الفرار من الضرر أمراً جبلياً ارتكازياً لا يختص بالإنسان، وأن شأن العقل الإدراك لا الإلزام والإيجاب، ولكن العجب أنه إذا كانت منجزية القطع بالتكليف بالعقل فكيف يكون وجوب متابعته الذي هو أمر جبلي لا تكليف من العقل عين المنجزية، ثم إن ظاهر كلام الماتن أن تنجز التكليف بتعلق القطع به أثر عقلي ولا يكون مجعولا إلاّ بالتبع كوجوب متابعته، ولكن لا يخفى أن القطع بالتكليف موضوع لحكم العقل بعدم قبح العقاب على مخالفته المعبر عن عدم قبحه بالاستحقاق، وهذا الاستحقاق ليس جعله تبعياً بأن يوجد تبعاً، بما يوجد به القطع، نظير وجود الحرارة تبعاً لما يوجد به النار كما هو ظاهر كلامه، نعم لو كان استحقاق العقاب أمراً واقعياً يوجد بوجود القطع بالتكليف تبعاً وكان العقل مدركاً، أمكن القول بأن تنجز التكليف يوجد بما يوجب القطع بالتكليف تبعاً، والظاهر أن الاستحقاق ليس له موطن إلاّ العقل يعني حكمه وليس أيضاً ببناء العقلاء لما تقدم من ثبوت الاستحقاق عند العقل قبل أن يفرض في عالم الخلق تعدّد العاقل فضلا عن العقلاء، وكون شأن العقل هو الإدراك لا ينافي أن يعتبر ما يكون واقعيته بعين اعتباره كما في حكمه بحسن العدل وقبح الظلم هذا بالإضافة إلى منجزية القطع، وأما معذريته فيما إذا أخطأ بأن أوجب العمل به مخالفة التكليف الواقعي فيأتي بيان أن المعذّر هو عدم وصول التكليف الواقعي والغفلة عنه لا نفس القطع المزبور.















[4] لا يخفى أن التكليف المقطوع به مع النهي عن العمل بالقطع لا يكون من اجتماع الضدين اعتقاداً مطلقاً وواقعاً فيما أصاب، فإن التكليف المقطوع كالنهي عن العمل بالقطع في نفسهما من الاعتبارات الخارجة عن الاُمور الواقعية التي لا تجتمع أضدادها ولا مثلان منها في مورد، بل يكون الوجه في امتناع اجتماعهما المناقضة في المبدأ أو ناحية المنتهى لهما، وإذا كان المبدأ في التكليف المقطوع به لا ينحصر في صورة حصول القطع به من وجه خاص، وكان الغرض منه العمل على طبقه مع وصوله لا يمكن المنع عن العمل بالقطع به للزوم المناقضة واقعاً أو بنظر القاطع، بخلاف ما إذا كان المبدأ للتكليف المقطوع به منحصراً على صورة القطع به من وجه خاص، أو كان الغرض منه مختصاً بصورة وصوله إلى المكلف من ذلك الوجه فإنه لا بأس بالمنع عن العمل بالقطع به إذا حصل من غير ذلك الوجه حتى مع عدم إمكان تقييد التكليف بذلك الوجه، وعلى الجملة فيمكن أن يكون مبدأ التكليف والغرض منه أخص من التكليف المنشأ فيصح النهي عن العمل بالقطع به في غير موردهما كما يأتي بيان ذلك تفصيلا.























ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعلياً[1] وما لم يصر فعلياً لم يكد يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة.







فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الإصابة على التجري بمخالفته؟[2].















تعلق القطع بالحكم الانشائي















[1] مراده (قدس سره) بيان أن منجزية القطع ينحصر على ما إذا كان التكليف المقطوع به فعلياً، وأما لو كان إنشائياً فالقطع بالتكليف الإنشائي لا يوجب استحقاق العقاب على مخالفته، وان قد يوجب موافقته استحقاق المثوبة عليها، كما إذا كان عدم فعليتها لتسهيل الأمر على العباد، ولذا قيّد (قدس سره) في تقسيم حالات المكلّف عند التفاته إلى حكم شرعي بكونه فعلياً وفعلية التكليف عنده بتعلق إرادة المولى بالفعل أو تعلق كراهته زائداً على إنشاء الطلب المتعلّق بالفعل أو الترك؛ ولذا جعل مرتبة الفعلية مرتبة اُخرى بعد مرتبة إنشائه، ولكن لا يعتبر عند الماتن أن تكون فعلية التكليف المنشأ مع قطع النظر عن تعلّق العلم به، بل لو كان الموضوع في فعليته حصول العلم به لكانت فعليته مقارنة لحصول العلم به فيكون العلم به منجزاً مثل ما كان فعلياً مع قطع النظر عن تعلّق العلم به.







وقوله (قدس سره): «نعم في كونه في هذه المرتبة مورداً للوظائف المقررة شرعاً...»، ناظر إلى ما إذا كانت فعلية التكليف مع قطع النظر عن تعلق العلم به، فإن دعوى المناقضة أو التضاد بين الحكم الواقعي والظاهري منحصرة بهذه الصورة، كما يأتي الكلام في ذلك في بحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، وقد ذكرنا في بحث الواجب المطلق والمشروط أنه لا تتعلق إرادة المولى بفعل العبد، فإن فعل العبد بما هو فعل العبد غير مقدور للمولى بما هو مولى، بل إرادة المولى تتعلق بفعل نفسه وهو طلب الفعل أو منع العبد عنه إنشاءً بغرض أن يكون طلبه داعياً له إلى الإتيان به ونهيه داعياً إلى تركه مع وصوله إليه، وأما الطلب بداعي التحقير أو التهديد وغير ذلك فلا يكون من التكليف والحكم وإن سمّاه الماتن حكماً إنشائياً.







نعم، لفعلية الحكم والتكليف معنى آخر وهو الصحيح، حيث إن جعل الحكم والتكليف إذا كان بمفاد القضية الحقيقية التي يجعل المولى في ذلك المقام الحكم لموضوعه على تقدير تحقق الموضوع خارجاً بأن يكون المجهول حكماً لتقدير حصوله من غير نظر عند الجعل إلى وجوده أو عدمه بحسب الخارج يثبت الحكم في مقام الجعل والإنشاء فقط، وإذا خرج العنوان المفروض كونه موضوعاً إلى الخارج بأن صار متحققاً خارجاً يكون ذلك الحكم المجعول فعلياً بفعلية وجود الموضوع، فمرتبة فعلية الحكم تفترق عن مرتبة إنشائها بذلك، وهذا بخلاف الحكم المجعول، بمفاد القضية الخارجية، حيث لا يكون له مرتبتان بل جعله فعليته وفعليته جعله، ويفصح عن ذلك رجوع الحكم المجعول بمفاد القضية الحقيقية إلى قضية شرطية يكون الشرط فيها فعلية الموضوع ولو بقيده، والجزاء ثبوت الحكم له بخلاف المجعول بالقضية الخارجية، ويترتب على ذلك أن الحكم الواقعي في موارد الحكم الظاهري محفوظ بفعليته، ويأتي بيان أن فعليته لا تصادم الحكم الظاهري الثابت بمفاد الأصل في بحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.















الكلام في التجري والانقياد















[2] يقع الكلام في التجري في مقامين:







الأول: في استحقاق العقاب وأن التجري يوجبه أم يختص استحقاقه بالمعصية.







والثاني: في حكم الفعل المتجرى به وأنه يتعلق به الحرمة، وأن الفعل المتجرى به لا يكون حراماً شرعياً بالقطع بحرمته.







ذكر الماتن (قدس سره) في المقام الأول أن استحقاق العقاب على مخالفة القطع بالتكليف في صورة عدم إصابته الواقع كاستحقاقه عليها في صورة الإصابة، كما أن موافقة القطع بالتكليف موجبة لاستحقاق المثوبة في صورة خطأ القطع كاستحقاقها في صورة إصابته الواقع، وذلك بشهادة الوجدان بأن العبد في صورة مخالفته القطع بالتكليف مع عدم إصابته الواقع لخروجه عن رسوم العبودية وكونه بصدد الطغيان على مولاه وعزمه بعصيانه يستحق الذم والعقاب، كما أنه في صورة موافقته مع عدم إصابة قطعه الواقع لقيامه بما هو مقتضى العبودية من عزمه وبنائه على الطاعة يستحق المدح والثواب. نعم، لا يستحق العبد مؤاخذة أو مثوبة بمجرّد سوء السريرة وحسنها، وإنما يستحق اللوم أو المدح بمجرّدهما كسائر الصفات والأخلاق الذميمة أو الحسنة ويستحق الجزاء بالعقوبة أو المثوبة مضافاً إلى المدح أو الذمّ إذا صار بصدد الجري على طبق سوء السريرة أو حسنها والعمل على وفقهما، بأن جزم وعزم على العصيان أو الطاعة، وكلمة (ما) في قوله: «بما يستتبعانه» مصدرية والباء للسببية وضمير الفاعل التثنية راجع إلى سوء السريرة وحسنها، وضمير المفعول إلى الاستحقاق، فيكون مفاده أن صاحب سوء السريرة أو حسنها يستحق اللوم أو المدح بسبب استلزام سوء السريرة وحسنها الاستحقاق لهما كسائر الصفات والأخلاق الذميمة أو الحسنة. واستشهد لما ذكره بحكم العقل فإنه الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة والعصيان وما يلزم لهما من استحقاق النار والجنة.







ثم عطف عنان قلمه إلى المقام الثاني، وذكر أن الفعل المتجرى به أو المنقاد به لا يخرج عن حكمه بحصول القطع بخلافه، ولا يتغير حسنه أو قبحه بالاعتقاد المخالف للواقع لوضوح أن القطع بالحرمة أو الوجوب لا يكون من العناوين المقبحة والمحسنة للفعل، وأن الموجب لصلاح الفعل هو الاثر المترتب عليه، ويترتب ذلك الأثر عليه سواء كان المكلف ملتفتاً إلى عنوان الفعل كما في صورة إصابة قطعه الواقع أو غافلا عنه كما في صورة خطئه، وعلى الجملة لا يتغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية وعدمها للمولى باعتقاد الخلاف وقوله: «بسبب تعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم والصفة» إشارة إلى مخالفة القطع الواقع في موارد القطع بالحكم الكليّ، كما إذا جزم بحرمة شرب التتن وكان في الواقع حلالا، وإلى مخالفته الواقع في الموضوعات الخارجية، بأن اعتقد بأن شرب مايع شربٌ للخمر، وكان في الواقع شرباً للخل وعبر عن الأول بتعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم، وعن الثاني بتعلقه بغير ما عليه من الصفة.















في اتصاف الفعل بالحسن والقبح







ثم إنه (قدس سره) ذكر برهاناً بعد دعوى الضرورة والوضوح في أن القطع بالحكم أو الصفة لا يكون من العناوين المحسنة والمقبحة، وهو أن الفعل المتجرى به وكذا المنقاد به لا يكون اختيارياً، حيث إنه لم تتعلق إرادة الفاعل به بعنوانه الواقعي لغفلته عنه، وما يكون مقصوداً له لم يحصل، فإن المتجري يريد شرب الخمر وشربها لم يحصل، وما هو حاصل شرب الماء، وشرب مقطوع الحرمة، ولم يكن شيء منهما مقصوداً. أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلان القاطع يقصد الفعل بعنوانه الواقعي لا بعنوانه الطارئ الآلي، بل المتجري لا يكون ملتفتاً غالباً إلى انطباق عنوان مقطوع الحرمة على فعله ليقصده بهذا العنوان كما في موارد القطع بخلاف الصفة الواقعية بل في غيرها.







أقول: ما ذكره (قدس سره) من أن انطباق عنوان على فعل إنما يكون موجباً لاتصافه بالحسن أو القبح عقلا إذا كان الفاعل ملتفتاً إلى انطباقه عليه، صحيح، ولكن لا يعتبر أن يكون الالتفات إليه تفصيلا بل يكفي الالتفات الإجمالي والمتجري عند الفعل ملتفت إجمالا إلى انطباق ارتكاب مقطوع الحرمة ومخالفة القطع على فعله.















في أن الفعل المتجرى به اختياري وعمدي







وفعله بهذا العنوان اختياري عمدي مسبوق بالإرادة والاختيار، فالمتعين في وجه عدم تغير الفعل عما هو عليه من الصلاح أو الفساد هو الوجدان، حيث يشهد الوجدان بأن الأثر المترتب على الفعل لا يتخلف عنه بإصابة اعتقاد فاعله الواقع أو عدم إصابته، والحكم الشرعي يتبع صلاح الفعل أو فساده الواقعيين، ولا يكون مع خلوه عنهما محرماً أو واجباً، وعلى ذلك فالفعل بعنوان مقطوع الحرمة غير حرام شرعاً وإذا لم يصادف القطع الواقع فالفعل على ما هو عليه من عدم الفساد، كما أنه بعنوان مقطوع الواجب لا يكون واجباً، وإذا لم يصادف قطعه الوجوب الواقعي فليس فيه وجوب.







وأيضاً ما ذكره (قدس سره)، من أن عدم الالتفات إلى عنوان الفعل عند الارتكاب يوجب كون ذلك الفعل غير اختياري، فهو غير صحيح، فإن عدم الالتفات إلى عنوانه يوجب كون الفعل خطئياً، حيث إن الالتفات ولو إجمالا يوجب صدق عنوان التعمد لا صدور الفعل من غير إرادة، والمتجري بشرب مايع قاطع بأنه خمر لو لم يرد شرب ذلك المايع لم يتحقق شرب الخمر، ولكنه بما أنه غير ملتفت الى عنوانه الواقعي وهو كونه ماءً لم يتعمد إلى شرب الماء.







ومما ذكر يظهر أن ما ذكره الماتن (قدس سره) من بقاء الفعل المتجرى به أو المنقاد به على ما كان عليه من الحسن والقبح، يتعين أن يراد من الحسن الصلاح ومن القبح الفساد، وإلاّ فالفعل الخطئي لا يتصف بالحسن أو القبح الفاعلي، بمعنى استحقاق فاعله المدح على ذلك الفعل أو الذم عليه، ووجه الظهور أن لا دخالة للالتفات إلى عنوان الفعل في صلاحه وفساده ولكن الالتفات إلى العنوان ولو إجمالا دخيل في حسنه وقبحه الفاعليين.







كما ظهر مما ذكرنا أن التجري لا يمكن أن يكون حراماً شرعاً وأن يستحق المكلف العقاب عليه، كما أن الانقياد لا يمكن أن يكون مستحباً أو واجباً شرعاً وأن يستحق المكلف على انقياده المثوبة، وذلك فإن الملازمة بين حكم العقل بقبح فعل وحرمته شرعاً وكذا بين حكمه بحسن فعل ومطلوبيته شرعاً تختصّ بما إذا حكم العقل في فعل بالملاك الموجود فيه من الفساد والصلاح مع قطع النظر عن حكم الشارع فيه، وأما إذا كان حكمه فيه متفرعاً على الحكم الشرعي فيه واقعاً أو اعتقاداً أو احتمالا كحكمه بحسن الطاعة وقبح المعصية وحسن الانقياد وقبح التجري أو حكمه بحسن الاحتياط ولزومه فحكمه هذا لا يلازم الحكم الشرعي فإن الحكم الشرعي النفسي في مورد هذا القسم من حكمه بلا ملاك، ولا مورد للحكم الشرعي الطريقي فيه لثبوت استحقاق المثوبة والعقاب بحكم العقل قبل الحكم الشرعي فيكون الحكم الشرعي في موارده إرشادياً لا محالة. بل جعل الحرمة للفعل المتجرى به بعنوان التجري غير ممكن لوجه آخر أيضاً، وهو عدم إمكان التفات المكلف عند الفعل إلى كونه تجريّاً لتكون حرمته زاجرة عنه بلا فرق بين كونه بالاعتقاد بخلاف الصفة أو بخلاف حكمه الواقعي فيصبح اعتبار الحرمة لغواً.















فيما يقال في حرمة التجري وكونه موجباً للعقاب







وربما يقال: إن مقتضى الخطابات الشرعية الواردة في المحرمات هو تحريم الفعل مع الاعتقاد على خلاف الصفة وعنوانه، بدعوى أن الموجب لإرادة المكلف ترك الفعل هو الاعتقاد بحرمته وإن لم يكن اعتقاده مصادفاً للواقع، فإنه إذا اعتقد بكون مايع خمراً وشربه حراماً، يكون التحريم الشرعي داعياً إلى تركه، وإذا كان خطاب تحريم الخمر داعياً إلى ترك شرب ما يعتقد كونه خمراً من غير كونه داعياً إلى ترك شرب الخمر الواقعي ولو مع عدم الاعتقاد، وعدم الإحراز يكون المراد من تحريمه طلب ترك ما يعتقد ويحرز أنه شرب الخمر.







وفيه أنّ الغرض من التكليف الدعوة إلى الفعل أو الترك في فرض وصوله، ووصوله يكون بإحراز الصغرى والكبرى، وكما أن العلم بالكبرى ووصولها لا يؤخذ في التكليف كذلك العلم بالصغرى غاية الأمر العلم بالكبرى أخذه في التكليف غير ممكن بأن يجعل التكليف في صورة العلم به، وأخذ العلم بالصغرى في موضوع التكليف وإن كان ممكناً إلاّ أنه غير مأخوذ في موضوع التكليف لدلالة الخطابات على أن الموضوع لها نفس ما ينطبق عليه عنوان الموضوعات، مثلا الغرض من تحريم الخمر مثلا ترك شربه عند وصول التكليف كبرى وصغرى ومع عدم الوصول يكون المكلف معذوراً لا أن الغرض ترك شرب ما يعتقد كونه خمراً وإن لم يكن خمراً في الواقع.







ويشهد لما ذكرنا من أنّ الاعتقاد غير دخيل في الحرمة وعدمها حتى بالإضافة إلى الصغرى أنه لا يمكن الالتزام بالدخالة في التكاليف الوجوبية بالإضافة إلى قيود المتعلق والموضوع مثلا لا يمكن في أمر الشارع بصلاة الظهر عند الزوال الالتزام بأن الواجب هو صلاة الظهر في وقت يعتقد أنه بعد الزوال، فلو انكشف بعد الصلاة أنه صلى قبل الزوال لخطأ اعتقاده فلا يتدارك لحصول الامتثال، وكذلك بالإضافة إلى الطهور، وغير ذلك من القيود في الواجبات من العبادات وغيرها.















في الاستدلال على حرمة التجري وكونه موجباً للعقاب بالخطابات الشرعية







وقد يستدل على حرمة التجري بالآيات والروايات كقوله سبحانه (وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه)(1) و(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم)(2) و(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً)(3) وما ورد في تعليل خلود أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة بنيّاتهم(4). وما ورد في أن الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى الداخل إثمان إثم الرضا وإثم الدخول(5)، وما ورد في العقاب على فعل بعض المقدمات بقصد ترتب الحرام كغارس الخمر(6) والماشي لسعاية المؤمن(7)، وما ورد من أنه إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول كلاهما في النار، قيل: يا رسول اللّه هذا القاتل فما بال المقتول، قال: لأنه أراد قتل صاحبه(8)، إلى غير ذلك، ولكن لا يخفى عدم إمكان الاستدلال بشيء ممّا ذكر على حرمة التجري المفروض في المقام بالفحوى أو غيرها.







اما الآية الاُولى فلأن مدلولها محاسبة اللّه سبحانه وتعالى العباد بما في أنفسهم من سوء أبدوه أم أخفوه، والمفروض في المقام حكم التجري الذي هو فعل خارجي صادر عن المكلف بقصد ارتكاب الحرام لاعتقاده بحرمته وما في النفس يمكن أن يراد به مثل الشرك والنفاق أو الأعم بحيث يشمل قصد المعصية والبناء عليه، وحيث ثبت أن نية السوء لا تكتب، يتعين أن يكون المراد بها خصوص الأول.







والآية الثانية مدلولها حبّ شيوع الفاحشة وكثرة وجودها بين المؤمنين، وإن لم يكن المحبّ قاصداً لارتكاب الفاحشة مباشرة وتسبيباً كما أنه قد يرتكب الفاحشة ولا يريد شيوعها ولا يحب كثرة وجودها، وبتعبير آخر النسبة بين حبّ شيوع الفاحشة وإرادة ارتكاب الحرام العموم من وجه فلا يكون الدليل على حرمة أحدهما دليلا على حرمة الآخر ولو اُريد بالآية ترغيب الناس إلى الفحشاء في مقابل نهيهم وردعهم عنها كما لا يبعد، فلا ينبغي التأمل في حرمته.















عدم خطاب شرعي في حرمة التجري المفروض في المقام وكونه موجباً للعقاب







وأما الآية الثالثة فإرادة العلو والفساد مطلقة تعمّ ما إذا ارتكبهما وما إذا لم يرتكب فيحمل على الصورة الاُولى بقرينة ما ورد في أن نية السوء لا تكتب، والمفروض في المتجري عدم الارتكاب ولو لخطأ اعتقاده.







أما الروايات فما ورد في تعليل خلود أهل النار في النار وخلود أهل الجنة في الجنة، رواية ضعيفة وما ورد فيها من التعليل تقريب، وما ورد في الرضا بفعل قوم يختص بالرضا بالظلم والكفر والتابعية لهم في كفرهم وظلمهم، ولا يخفى أن بعض الأفعال المتعلقة بالحرام بنفسها حرام كغرس الخمر وبيعها وشرائها والمشي لسعاية المؤمن بقصد السوء إليه، سواء كان السوء قتله أو ظلمه، وما ورد في التقاء المسلمين بسيفهما ناظر إلى التصدي لقتله ويدخل في قتال المؤمن، أضف إلى ذلك أن المستفاد من الآيات والروايات المتقدمة على تقدير تسليم دلالتها وعدم معارضتها بما دل على عدم كتابة نية السوء هو ترتب العقاب على قصد الحرام وإرادته ولو لم يرتكب ذلك الحرام وهذا غير التجري المفروض في المقام، فإن الكلام في المقام في قصد ارتكاب عمل يعتقد أنه حرام واقعي وبعد الارتكاب ظهر أنه لم يكن حراماً واقعياً، فإن العقاب على قصد شرب الخمر لا يلازم العقاب على شرب مايع قصد شربه، باعتقاد أنه حرام لكونه خمراً ولم يكن في الواقع خمراً خصوصاً إذا لم يكن الاعتقاد جزمياً، بأن اُحرز حرمته بالأمارة أو بالأصل المثبت حرمته، وكان ارتكابه برجاء أن لا يكون في الواقع حراماً فاتفق مصادفة رجائه ولم يكن في الواقع حراماً.







وعلى الجملة فالمتجري يريد عملا خاصاً لاعتقاده بأنه حرام، ومن يلتزم بأن العقاب في التجري على قصد الإتيان بما يعتقد أنه حرام كصاحب الكفاية، فلا يمكن له التمسك ببعض الآيات والروايات المشار إليها وغيرها، فإن مدلولها على تقدير تسليمها موارد قصد ارتكاب الحرام الواقعي لا قصد فعل حلال يعتقد أنه حرام واقعي مع أن هذا المسلك في نفسه غير صحيح فإن التجري الموجب للعقاب هو نفس ارتكاب ما يعتقد أنه حرام، وهذا الفعل كما تقدم غير قابل للتحريم شرعاً، وأما عزم الحرام وقصده فهو قابل للتحريم، ولو ورد فيه خطاب شرعي على ترتب العقاب عليه لكان كاشفاً عن تحريمه شرعاً، ولكن لم يرد فيه ذلك بحيث يعتبر، بل ورد في روايات كثيرة العفو عن نية المعصية، والمراد بالعفو العفو في مقام التشريع بمعنى عدم جعل الحرمة له، فلا يترتب عليه العقاب نظير العفو عن غير التسعة في مقام تشريع الزكاة في الأموال.















في الأخبار الواردة في العفو عن قصد المعصية







ثم إنه قد جمع الشيخ بين ما دلّ على العفو عن نية السوء وقصد المعصية وبين ما اُشير إليه من الآيات والروايات بوجهين:







الأول: حمل ما دلّ على العفو وعدم العقاب على مجرد قصد المعصية، وما دلّ على العقاب على صورة الاشتغال ببعض مقدمات الحرام بقصد ارتكابه.







والثاني: حمل ما دلّ على العفو على صورة الارتداع عن قصده ولو كان الارتداع بعد الاشتغال ببعض مقدماته أو كلها بقصد ارتكابه، وما دلّ على العقاب على صورة عدم الارتداع وعدم حصول الحرام خارجاً للمانع القهري، وقال (قدس سره): إن ما ورد في أن كلاً من القاتل والمقتول في النار، وتعليل دخول المقتول فيها شاهد للجمع الثاني حيث مقتضاه التعدي إلى سائر الموارد.







ولكن لا يخفى أن الجمع الأول تبرعي وظاهر الروايات عدم العقاب ما لم يعص، وكذا الثاني لما تقدم من أن قتال مسلم مع مسلم في نفسه حرام فلا يمكن التعدّي إلى قصد ارتكاب الحرام وكون المقتول كالقاتل في النار لا يقتضي التسوية بين عقابهما بأن يكون عقاب قتال المقتول بمقدار عقاب قتل المقتول.







لا يقال: مقتضى أخبار العفو عن قصد المعصية أنه لا يكتب العقاب على المكلف إلاّ بالمعصية فنفس تلك الروايات تنفي ترتب العقاب على التجري أيضاً حيث عند التجري لا تحصل المعصية.







فإنّه يقال: مدلول تلك الأخبار التفرقة بين قصد الطاعة وقصد المعصية وأن الأول يكتب وإن لم يوفق بها، فتكشف تلك الأخبار عن مطلوبية قصدها بخلاف قصد المعصية فإنه لا يكتب بل المكتوب نفس المعصية لا أن العقاب ينحصر على تحقق المعصية خاصة فلا يكون عقاب على التجري المفروض في المقام، وبتعبير آخر حصر العقاب على المعصية إضافي.







بقي في المقام أمر وهو جريان ما تقدم في التجري في موارد القطع الموضوعي أو اختصاصه بموارد القطع الطريقي فالصحيح هو التفصيل، فإنه إن كان القطع بتحقق عنوان أو حكم تمام الموضوع للحرمة فلا يمكن فيه التخلف بأن يحصل القطع ولا تكون حرمة ليحصل التجري بالارتكاب وإن كان القطع بأحدهما مأخوذاً في الموضوع للحرمة جزءاً فيجري فيه ما تقدم، وما في بعض الكلمات من الاختصاص بالقطع الطريقي لا يمكن المساعدة عليه.















(1). سورة البقرة: الآية 284.







(2). سورة النور: الآية 19.







(3). سورة القصص: الآية 83.







(4). وسائل الشيعة 1:50، الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.







(5). وسائل الشيعة 16:141، الباب 5 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 12.







(6). وسائل الشيعة 17:224، الباب 55 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 و 5.







(7). المصدر السابق: 181، الباب 42، الحديث 14.







(8). وسائل الشيعة: 15:148، الباب 67 من أبواب جهاد العدو، وفيه حديث واحد.































إن قلت إذا لم يكن الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة[1].







وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلّقه[2].















في الموجب للعقاب في التجري وعدم منافاة استحقاق المتجري مع ما ورد في العفو عن قصد المعصية















[1] لا يخفى أنه (قدس سره) التزم بأن الفعل المتجرى به فعل غير اختياري كالفعل المنقاد به، فيرد عليه أنه إذا كان الفعل غير اختياري فكيف يترتب عليه العقاب فالالتزام بغير اختياريته لا يجتمع مع الالتزام باستحقاق العقاب عليه، ولا يقاس بالعصيان، فإن العصيان أمر اختياري صادر عن الإرادة فيصح العقاب عليه.







وأجاب بأن الفعل المعنون بعنوان التجري صادر بلا إرادة واختيار ولا يكون العقاب عليه، بل يكون العقاب على قصد العصيان والعزم على الطغيان، وبما أن هذا الجواب لا يخلو عن المناقشة والإشكال بأن القصد والعزم من مبادئ الإرادة ومبادي الإرادة كالارادة والاختيار لا تكون اختيارية، حيث إن الاختيارية في الفعل تكون بصدوره عن الإرادة ولو كانت مبادي الارادة صادرة بالاختيار والإرادة؛ لتسلسل. وكأنه (قدس سره) قد دفع الإشكال بوجهين، الأول: أن الإرادة والاختيار وإن لا يكون بالاختيار إلاّ أن بعض مباديه كالقصد والعزم يكون أمراً اختيارياً لتمكن المكلف من الارتداع عن قصده وعزمه بالتأمل فيما يترتب على ما قصده وعزم عليه على تقدير حصوله من استحقاق اللوم والمذمة والعقاب، ولا يناقش في كلامه هذا بأن العقاب مترتب على نفس القصد والعزم عنده لا على ما عزم عليه فكيف يكون التأمل في تبعة ما عزم عليه موجباً لزوال عزمه، وذلك فإن اللوم والمذمّة واستحقاق العقاب مترتب على العصيان وبما أن القاطع لا يتحمل خلاف قطعه ولا يرى ارتكابه حال الفعل إلاّ معصية يكون تأمله في تبعة العصيان موجباً لارتداعه عن قصده وعزمه، نعم يرد على الماتن أن العزم والقصد لا يكون اختيارياً بذلك، فإن ملاك الاختيارية عندهم كون الشيء بالإرادة والاختيار، والاختيارية بالنحو الذي ذكره يناسب مسلك المتكلمين في الأفعال وبناءً على مسلكهم تجري تلك الاختيارية في نفس الإرادة حيث إنها أيضاً قابلة للزوال بالتأمل المزبور، ولا تكون إلاّ داعياً إلى الارتكاب لا علة تامة لحصول الفعل كما هو مقرر عندهم، ولعله لذلك أجاب ثانياً بأنه لا ينبغي التأمل بأن بعد العبد عن المولى يترتب على التجري، والعقاب من تبعة هذا البعد، كما أن العقاب أيضاً من تبعة البعد الحاصل بالعصيان، وإذا أمكن حصول البعد بالتجري وإن لم يكن التجري أمراً اختيارياً فلا مانع أيضاً أن يوجب استحقاق العقاب مع عدم كونه غير اختياري، وحصوله بسبب سوء سريرته وخبث باطنه بحسب نقصان ذاته واقتضاء استعداده، وإذا انتهى الأمر إلى اقتضاء ذات ممكن الوجود واقتضاء استعداده يرتفع الإشكال وينقطع السؤال عن علته، فإن الذاتي ضروري الثبوت للذات وينقطع السؤال عن علة اختيار الكافر والعاصي الكفر والعصيان واختيار المطيع والمؤمن الإطاعة والايمان. فإنه يساوق السؤال عن أن الحمار لِمَ يكون ناهقاً؟ والإنسان لِمَ يكون ناطقاً؟ وقد أوجز كل ذلك بأن تفاوت أفراد الإنسان في القرب منه تعالى والبعد عنه سبب لاختلافهم في استحقاق الجنة ودرجاتها والنار ودركاتها وموجب لاختلافهم في نيل الشفاعة وعدمه، وتفاوتها أخيراً يكون ذاتياً والذاتي لا يعلل.







ثم تعرض لما يمكن أن يقال بأنه لو كان الأمر كما ذكر فلا فائدة في بعث الرسل وإنزال الكتب والوعظ والإنذار فأجاب: بأن الفائدة اهتداء من طابت سريرته وطينته إلى ما يكمل به نفسه من العمل إلى المقربات إليه سبحانه، وليكون حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته في استحقاقه الهلاك باختياره ارتكاب المهلكات (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة)(1) كيلا يكون للناس على اللّه حجة بل كان له حجة بالغة.







أقول: ظاهر كلامه أنه التزم باستحقاق العقاب على أمر غير اختياري فإن كان المراد من غير الاختياري ما لا يكون حصوله بالإرادة التي ذكرها أهل المعقول مع الالتزام من تمكن المكلف من تركه والممانعة عن وجوده وإن تفاوت أفراد الإنسان ذاتاً بحسب كونه ممكن الوجود واختلافهم بحسب الذات وان يقتضي اختيار الكفر أو الإيمان والطاعة أو المعصية، إلاّ أن هذا بنحو الاقتضاء لا العلية، بحيث لا ينافي التمكن مما يقتضيه نقصان ذاته أو خبثه، وكذا في حسن سريرته وطيبة ذاته فالالتزام بذلك وإن كان غير صحيح على إطلاقه إلاّ أنه لا يوجب محذوراً وخروجاً عن مسلك العدلية، وأما إذا كان المراد نفي التمكن والالتزام بالاقتضاء على نحو العلية فهو ينافي مسلك العدلية نعم لا يندرج ذلك في مذهب الجبر بل يكون شبيهاً بالجبر بحسب النتيجة كما أوضحنا ذلك في بحث الطلب والإرادة.















في أقسام القطع















[2] وحاصله أن القطع بالتكليف قد يكون موضوعاً لحكم آخر يخالف ذلك الحكم الذي تعلق به القطع ولا يكون مماثلا ولا مضاداً له، والمراد بالتخالف في الحكمين عدم اتحادهما في المتعلق، كما في قوله: إذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بدرهم فإن التصدق بدرهم فعل آخر غير الفعل الذي تعلق به الحكم المقطوع، كما أن المراد بالحكمين المتماثلين أو المضادين كون فعل متعلقاً لحكمين من نوع أو نوعين وبما أن القطع من الصفات الحقيقية ذات الإضافة، ولذا يكون العلم نوراً لنفسه ونوراً لغيره صح أن يؤخذ القطع بحكم موضوعاً لحكم آخر بما هي صفة خاصة وحالة مخصوصة بالغمض عن جهة كشفه عن متعلقه، ومن غير أن تؤخذ مع تلك الصفة خصوصية اُخرى، كما يصحّ أن يلاحظ معها خصوصية اُخرى كحصول متعلقه خارجاً، فيكون على الأول: تمام الموضوع بما هي صفة خاصة، وعلى الثاني جزء الموضوع بما هي صفة خاصة، كما يصحّ أن يؤخذ في موضوع حكم آخر بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه بنحو يكون تمام الموضوع أو جزئه، فتكون أقسام القطع الموضوعي أربعة مضافاً إلى ما تقدم من القطع الطريقي المحض.







أقول: كما أن القطع بحكم يكون موضوعاً لحكم آخر كذلك يمكن كون القطع بصفة موضوعاً لحكم كما إذا جعل القطع بخمرية مايع موضوعاً للحكم بنجاسته أو حرمة شربه وفي هذا الفرض أيضاً يمكن أخذه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة تمام الموضوع للحكم بالنجاسة والحرمة وأُخرى مع ثبوت متعلقه وصفاً أو طريقاً.







وما ذكره (قدس سره) من كون القطع من الصفات الحقيقية ذات الإضافة ظاهر، فإنه ليس من الانتزاعيات التي لا يكون لها في الخارج إلاّ منشأ الانتزاع، ولا من الاُمور الاعتبارية كالوكالة مما يكون بالجعل والإنشاء، فإن العلم كالقدرة أمر خارجي قائم بالنفس، ولذلك الموجود اضافة، إضافة إلى المعلوم بالعرض كإضافة القدرة إلى المقدور، ولكن قوله (قدس سره): أخذ القطع بنحو الصفتية للقاطع أو المقطوع موضوعاً لحكم آخر لا يمكن المساعدة عليه، فإن وصف المتعلق بالقطع عبارة عن انكشافه بحيث يكون منكشفاً وهذا عبارة اُخرى عن أخذ القطع في موضوع حكم آخر طريقاً لا وصفاً، وعلى الجملة القطع إذا كان موضوعاً لحكم آخر بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة يمكن أن يكون تمام الموضوع للحكم الآخر، كما يمكن كونه جزءاً والجزء الآخر تحقق متعلقه، إلاّ أنه في الأول يكون تمام الموضوع وصفيته، وفي الثاني: أنه بوصفيته مع ثبوت متعلقه موضوع للحكم الآخر، بخلاف ما إذا جعل وصفاً لمتعلقه فإنه لا معنى لكونه وصفاً لمتعلقه إلاّ انكشافه، وبأن لا يكون مجرّد ثبوت المتعلق واقعاً موضوعاً للحكم الآخر، فجعل القطع تمام الموضوع لحكم آخر طريقاً أمر غير معقول، فإن جعله طريقاً معناه فرض ثبوت متعلقه وواقعيته، وجعله تمام الموضوع عدم العبرة بثبوته، وتحقق الكشف من دون المنكشف فرض متهافت.















في أخذ القطع بالتكليف موضوعاً لحكم آخر







وقد يوجّه جعل القطع طريقاً تمام الموضوع لحكم آخر، بأن القطع كسائر الصفات القائمة بالنفس مما لها إضافة إلى الصور الحاكية عن الخارج لا يلتفت حين وجوده الى ذهنيته وعروضه إلى الصورة الحاكية عن الخارج بحيث إن الخارج ظرف للاتصاف، وإن ظرف عروضه هو الذهن، وبتعبير آخر لا يلتفت عند حصول القطع بشيء إلى التفكيك المزبور، ولكن يلتفت بأن الخارج متعلقه لا نفس القطع وأن الخارج منكشف به، كما أن عند تصور مفهوم القطع يمكن تفكيكه عن متعلقه حتى مع لحاظ جهة عروضه على الصورة الحاكية عن الخارج، فلحاظ المولى بأنه عند القطع يحكم بصورة حاكية عن الخارج يضاف إليه القطع كاف في جعله بتلك الصورة الحاكية تمام الموضوع لحكم آخر من غير لحاظ الوجود الخارجي لذي الصورة، ولو كانت الغفلة عن إضافته إلى تلك الصورة الحاكية بحيث يرى مبرزيته أي الواقع به فقط لما أمكن جعله طريقاً بنحو جزء الموضوع أيضاً، حيث إن نفسه بهذا اللحاظ مغفول عنه.







أقول: لحاظ المولى ما هو قطع بشيء بالحمل الشايع وجعله وصفاً للقاطع موضوعاً لحكم آخر بنحو تمام الموضوع أو جزئه لا يستلزم محذوراً، ولكن جعل ما هو قطع بشيء موضوعاً لحكم آخر بنحو الطريقية لازمه ثبوت ذي الطريق وإلاّ لا يكون طريقاً، بل يكون جزماً باطلا، نعم لو جعل القطع ـ بما أنه طريق بنظر القاطع ـ موضوعاً لحكم أمكن تخلفه عن الواقع وأمكن جعله كذلك تمام الموضوع، حيث إن القطع بنظر القاطع طريق حيث لا يحتمل عدم مصادفته للواقع، وهذا يجري في ناحية العلم أيضاً، فان العلم وان لا يتخلف عن المعلوم بالعرض والاّ لم يكن علماً الاّ ان ما هو علم بنظر القاطع يمكن ان لا يكون له معلوم خارجاً ويمكن جعله بما أنه بنظر القاطع طريقاً تمام الموضوع كما يشبه ذلك ما ورد في خطابات بعض الاُصول العملية جعله غاية للحكم الظاهري نظير قوله: «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام»(2) أو «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»(3) فان العلمين فيهما وإن لم يكونا بموضوعين لعدم دخالتهما في ثبوت الحرمة الواقعية والقذارة الواقعية، وأنّه مع العلم صادف الواقع أو لم يصادف يرتفع الموضوع للحكم الظاهري، وهو الشك في الحرمة والقذارة الواقعيتين، إلاّ أن ذكرهما في مثل الخطابين باللحاظ الذي ذكرنا يدلّ على إمكان جعل حكم آخر له كما لا يخفى.















في القطع المأخوذ موضوعاً بنحوي الطريقية والوصفية







وقد استشكل المحقق الاصبهاني (قدس سره) في جعل القطع بشيء أو حكم موضوعاً لحكم آخر وصفاً تارة وطريقاً اُخرى، بأن لحاظ وصفية القطع بما هو قطع لا ينفك عن لحاظ طريقيته بما هو قطع؛ لأنّه لا اختلاف في اللحاظين، بل أحدهما عين الآخر لوحدة الملحوظ، وذلك فإن القطع ذاته كشف تام وافتراقه عن الظن بكون الكاشفية في القطع تامة بحيث لا يبقى بين النفس وواقع الشيء حجاب، بخلاف الظن فإنه ليس بكشف تام وإن كانت كاشفيته بنحو التصديق كالقطع بخلاف الكشف في الشك والترديد فإنه بنحو التصور، وعلى ذلك فلابد في لحاظ القطع بشيء بنحو الوصفية لحاظ الكشف التام ذاتاً فإن ذات الشيء لا تلغى عند لحاظه، مثلا عند لحاظ الإنسان لا تلغى إنسانيته، وما في كلام الماتن من كون العلم نوراً بنفسه منيراً لغيره لا يفيد في التفكيك في اللحاظ، فإن نوريته بنفسه عين منيريته لغيره، حيث إن النورية بنفسها عبارة عن أنه عين النور ولا يحتاج في حضورها للنفس إلى حضور آخر، ولكن هذا النور عين حضور الغير، ودعوى أن المولى عند جعل القطع بشيء موضوعاً للحكم بنحو الطريقية يلاحظ مطلق الكشف، وفي مورد جعله موضوعاً بنحو الوصفية يلاحظ الكشف التام ذاتاً لا يمكن المساعدة عليها، فإن لازم أخذ مطلق الكشف شمول الموضوع للظن أيضاً، وإن قيل تقييده بالاعتبار، فمع أن الاعتبار حكم وظاهر التقسيم بلحاظ نفس العلم أن لازم ذلك أن يكون خطاب اعتبار الأمارة موجباً لورودها على الاُصول، مع أن الشيخ ملتزم بحكومتها عليها.







أقول: القطع بشيء عبارة عن جزم النفس وترجيحه أحد طرفي الشيء بحيث لا يحتمل خلافه، ويقابله تردد النفس في أحد طرفيه أو ترجيحه مع احتماله الخلاف المعبر عن ذلك بالظن والجزم كما ذكر لا يكون طريقاً إلى الواقع بالحمل الشايع، فإن الواقع قد يكون على خلافه، وإذا كان الجزم كذلك فكيف يكون القطع ذات الطريق دائماً، وعليه فللمولى أن يجعل الجزم بشيء إذا انطبق عليه الطريق إلى الواقع بالحمل الشايع موضوعاً لحكم آخر، فقد ذكرنا أن القطع في هذه الصورة جزء الموضوع لا محالة، والجزء الآخر ثبوت المقطوع وواقعيته، ويمكن أن ينظر إلى نفس الجزم وكونه حالة للنفس في مقابل الشك والظن موضوعاً من غير نظر إلى واقعية المجزوم به وعدمه، فيكون القطع تمام الموضوع بنحو الوصفية، وثالثةً يلاحظ ذلك مع الثبوت والواقعية للمجزوم به فيكون جزء الموضوع بنحو الوصفية، والمراد من قولنا القطع طريق ذاتاً، أن طريقيته لا تحصل بجعل آخر ولا يكون في البين وراء موجب جزم النفس بشيء أمر آخر يوجب طريقيته عند ما أصاب الواقع، بخلاف الظن فإنه أيضاً حالة للنفس ولكن الطريقية فيه حتى فيما أصاب الواقع ليست بحيث يوجب تنجز الواقع بلا جعل واعتبار.















(1). سورة الأنفال: الآية 42.







(2). الكافي 5:313.







(3). مستدرك الوسائل 2:583. عن الصدوق في المقنع.































ثم لا ريب في قيام الطرق والأمارات المعتبرة ـ بدليل حجيّتها واعتبارها ـ مقام هذا القسم[1].







وأما الاُصول فلا معنى لقيامها مقامه بأدلتها أيضاً غير الاستصحاب[2].







ثم لا يخفى أن دليل الاستصحاب[3].















قيام الأمارة بدليل اعتبارها مقام القطع المأخوذ في الموضوع طريقاً















[1] وحاصله أن مدلول دليل اعتبار الأمارة أن يثبت لها الأثر المترتب على القطع عقلا فتكون منجزة للواقع عند إصابتها وعذراً عند خطئها دون الأثر الشرعي الذي قد يثبت للقطع بالتكليف شرعاً كوجوب التصدق في المثال المتقدم، فلا تقوم الأمارة ـ بدليل اعتبارها ـ مقام القطع المأخوذ في موضوع تكليف آخر سواء كان أخذه فيه بنحو الوصفية أو الطريقية، نعم إذا قام في مورد دليل على أن الأمارة الفلانية بمنزلة القطع في أثره الشرعي المجعول له قامت تلك الأمارة مقامه في ذلك الأثر، وهذا غير الخطاب الدال على اعتبار الأمارة، والوجه في ذلك فإن ثبوت ما للقطع عقلا للأمارة يحتاج إلى تنزيل مؤدى الأمارة منزلة المقطوع بأن يكون نظر المعتبر إلى الأمارة والقطع آلياً، وينظر من القطع إلى متعلقه ومن الأمارة إلى مؤداها وثبوت ما للقطع شرعاً للأمارة يحتاج إلى تنزيل نفس الأمارة منزلة نفس القطع بأن يكون نظره الاستقلالي إلى نفس الأمارة والقطع والجمع بين اللحاظين في شيء في آن غير ممكن، وليس في البين ما يجمع بين نحوي اللحاظ في الشيء ليكون دليل اعتبار الأمارة دالا على تنزيل ذلك المعنى الجامع ليعم مدلوله لكلا التنزيلين، فيكون مدلول دليل الاعتبار تنزيل واحد وهو التنزيل باللحاظ الآلي لانصرافه إليه دون اللحاظ الاستقلالي فإن دلالته عليه يحتاج إلى نصب قرينة تمنع عن الانصراف إلى التنزيل الآلي.







ثم ذكر (قدس سره) في آخر كلامه أنه لولا جهة امتناع الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في استعمال واحد أو أغمض عنه لأمكن القول بأن مدلول دليل اعتبار الأمارة يوجب قيامها مقام القطع الموضوعي حتى فيما كان القطع بنحو الوصف موضوعاً لحكم آخر، بدعوى أن مدلول دليل الاعتبار هو إلغاء احتمال الخلاف في مورد قيام تلك الأمارة فتكون الأمارة قطعاً يثبت لها ما يثبت للقطع بالشيء ولو مع أخذ القطع بنحو الوصفية.







أقول: كما أن الأثر المجعول شرعاً للقطع بالتكليف أثر لنفس القطع به، كذلك المنجزية والمعذرية أثر لنفسه غاية الأمر بعنوان أن القطع به وصول الواقع لا بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة، فلا حاجة في اعتبار أمارة قائمة بالتكليف أن ينزل الحاكم مؤداها منزلة المقطوع، ليقال: إن النظر في هذا التنزيل إلى الأمارة والقطع آلي، فلا يمكن معه التنزيل بلحاظ الأثر الجعلي الشرعي لاستلزامه الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالي، حيث إن المُعتبِر ينزِّل الأمارة القائمة بالتكليف منزلة العلم به وإنما يكون العالم بالشيء نظره إلى علمه آلياً لا الحاكم على ذلك العلم سواء كان الحاكم به عقلاً كما في القطع بالتكليف بالإضافة إلى متعلقه من منجزيته له، أو شرعاً كما في القطع به بالإضافة إلى حكم آخر فيثبت للأمارة القائمة بالتكليف كلا الأثرين.







وليعلم أيضاً أن المراد بالتنزيل ليس جعل الأثر الثابت للمنزل عليه للمنزّل ليرجع حاصل هذا التنزيل إلى جعل المنجزية والمعذرية للأمارة القائمة بالتكليف، فإن التنزيل بجعل الأثر إنما يكون في الموارد التي لم يكن المنزل عليه قابلا للجعل والاعتبار، وأما في موارد قابليته للجعل والاعتبار يعتبر المنزل نفس المنزل عليه ومن أفراده كما في المقام، فإن العلم في نفسه قابل لأنّ يعتبر الشيء كخبر الثقة بأمر علماً به.







فيترتب على خبر الثقة بالتكليف ما للعلم به من التنجيز والأثر الشرعي، ولولا انصراف الاعتبار إلى اعتباره علماً بما هو طريق لأمكن دعوى أنه علم بالتكليف حتى بالإضافة إلى الأثر الشرعي المجعول له بما هو صفة وحالة مخصوصة لإمكان أن يعتبر خبر الثقة بتكليف علماً به من حيث وصفية العلم وطريقيته.















في الإيراد على ما ذكره الماتن (قدس سره)







وقد يورد على ما ذكر الماتن في المقام من أن مقتضى دليل اعتبار الأمارة تنزيل مؤداها منزلة الواقع، وما ذكره في بحث اعتبار الأمارة من أن الاعتبار يكون بجعل المنجزية والمعذرية لها.







أما الايراد على ما ذكره في المقام، فيقال: لوكان مقتضى دليل الاعتبار تنزيل المؤدى فبما أن المؤدى في نفسه قابل للجعل فيكون تنزيله بجعله كالحكم الواقعي، وهذا يوجب التصويب؛ لأنّ الحكم الواقعي حكم نفسي على تقدير ثبوته واقعاً، وأما ما ذكر في باب اعتبار الأمارة فلأن جعل المنجزية والمعذرية لها يوجب التخصيص في حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ويصعب الالتزام بتقديم الأمارة على الاستصحاب، فإن الاستصحاب أيضاً كالأمارة منجز فلا وجه لتقديم منجز على منجز آخر مع كون كل منهما منجز عند الشك في الواقع.







أقول: الإيرادان غير واردين على كلام الماتن في المقامين، والوجه في ذلك أنه ليس مراده من التنزيل جعل المؤدى بحيث يكون المؤدى حكماً نفسياً في مقابل الواقع سواء أصابت الأمارة الواقع أم لا، بل المراد دعوى أن مدلول الأمارة هو الحكم الواقعي وأن العمل بها عمل بالتكليف الواقعي، بحيث لو كان مدلولها مطابقاً للحكم الواقعي وترك المكلف العمل بها يكون مؤاخذاً بمخالفة التكليف الواقعي، وإن كان مخالفاً لها يكون العمل بها عذراً كما هو الحال فيما قطع به من التكليف، وإلاّ فليست الأماره القائمة بالتكليف الواقعي موجبة لتغير ملاك الفعل.







وبتعبير آخر ليس في كلامه (قدس سره) دلالة على جعل مؤدى الأمارة التي يكون جعله حكماً طريقياً فضلا عن دلالته على كونه هو الحكم النفسي التابع لملاك حاصل في متعلقه ليكون حكماً نفسياً. وأما ما ذكر في الإيراد من أن الأمارة على تقدير كون اعتبارها بمعنى جعل المنجزية والمعذرية يكون اعتبارها تخصيصاً في حكم العقل فغير صحيح، فإن المراد بالبيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان ليس هو العلم، بل المراد ما يصح عقلا احتجاج المولى به في مؤاخذته العبد على مخالفته التكليف من إيجابه الاحتياط أو أمره بالعمل بالأمارة الفلانية أو تنزيل مدلولها منزلة الواقع بدعوى أن العمل بها عمل بالواقع ليكون المكلف مؤاخذاً بالواقع عند إصابتها الواقع وعذراً عند خطئها، ومرجع ذلك إلى جعل المنجزية والمعذرية لها، ومع ثبوت شيء من ذلك لا يكون في المورد موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.







ومما ذكر يظهر أنه لو تم ما ذكره من تنزيل المؤدى منزلة الواقع لما كان تأمل في تقديم الأمارة القائمة، لعدم بقاء الحالة السابقة على خطابات الاستصحاب فإن الاستصحاب يجري مع الشك في بقاء الحالة السابقة ومع حكم الشارع بأن مدلول الأمارة هو الواقع فعلا يحرز انتقاض الحالة السابقة، كما أنه مع الأمارة الموافقة يحرز بقاؤها فلا شك في البقاء والارتفاع ليجري الاستصحاب.







وعلى الجملة فالصحيح في الإيراد على الماتن، هو أنه لو لم يكن اعتبار الأمارة باعتبارها علماً بالواقع لزم الالتزام بالتخصيص في مثل قوله سبحانه (ولا تقف ما ليس لك به علم)(1) و(إنّ الظن لا يغني من الحق شيئاً)(2) سواء التزم بأن اعتبارها بمعنى جعل المنجزية أو المعذرية لها أو بايجاب العمل بها طريقاً مع أن مثلهما آب عن التخصيص.







لا يقال: اعتبار الأمارة علماً لا يكفي في قيامها مقام القطع المأخوذ طريقاً في موضوع حكم آخر، بل لابد من جعل ذلك الحكم الآخر للأمارة القائمة بالتكليف ثانياً، وذلك فإنه باعتبارها علماً يثبت لها الأثر المترتب على القطع بالتكليف عقلا، حيث إنّه باعتبارها علماً تكون الأمارة القائمة بالتكليف وصولا لذلك التكليف فيحكم العقل بمنجزيتها ومعذريتها، وأما الأثر الشرعي فليس زمامه إلاّ بيد الشارع فلا يسري ذلك الأثر الشرعي المجعول للقطع بالأمارة ثانياً، قهراً، بل لابد من جعله لتلك الأمارة أيضاً، ولا يمكن استفادة هذا الجعل من مجرّد خطاب الاعتبار وتنزيلها منزلة العلم.







فإنّه يقال: ما دلّ على ثبوت الحكم الآخر على العلم بالتكليف في موارد جعل القطع به موضوعاً للحكم الآخر مفاده القضية الحقيقية، بمعنى أنه لو حصل العلم في مورد بذلك التكليف بحيث لو حصل أمر انطبق عليه عنوان القطع به، يترتب عليه ذلك الحكم الآخر، وإذا كان مفاد اعتباره أمارة قائمة بذلك أنها علم بها يترتب عليها أيضاً الحكم الآخر ولا يحتاج ترتبه عليه إلى أمر آخر غير ذلك الاعتبار.







ثم لا يخفى كما أن القطع بالتكليف لامكان عدم إصابته الواقع يختص تنجيزه بصورة إصابته، ولكن حيث إنه لا يحتمل القاطع خطأ قطعه يترتب عليه الحكم الآخر، وإن كان ترتبه عليه على تقدير إصابة قطعه الواقع على ما هو مقتضى أخذ القطع بالتكليف موضوعاً لحكم آخر بنحو الطريقية، كذلك الحال في اعتبار الأمارة القائمة بالتكليف حيث إن منجزيتها أيضاً عند إصابتها الواقع، غير أن من قامت عنده الأمارة بالتكليف يحتمل عدم إصابتها الواقع، إلاّ أن مقتضى تنزيلها منزلة العلم بالتكليف ترتب ذلك الحكم الآخر عليها أيضاً ولو كان بنحو الحكم الظاهري، وما دامت الأمارة قائمة. وإذا ظهر بعد ذلك الخلاف يعلم عدم ترتب شيء على تلك الأمارة لا المنجزية ولا الحكم الآخر كما هو الحال في انكشاف الخلاف في القطع بالتكليف أيضاً، غاية الأمر عند انكشاف الخلاف في القطع لم يكن حكم ظاهري أيضاً بخلاف الانكشاف في الأمارة، وعلى الجملة في موارد كون القطع بالتكليف موضوعاً لحكم آخر بنحو الطريقية يكون اعتبار الأمارة من قبيل الحكم الظاهري فتكون حكومتها على الحكم الآخر الثابت للقطع بالتكليف ظاهرية وتكون حكومتها الواقعية تابعة لمصادفتها للواقع.















تقرير كلام النائيني (قدس سره)







ذكر المحقق النائيني في المقام أن القطع بشيء ومنه القطع بالتكليف يكون فيه جهات ثلاث:







الاُولى: كونه وصفاً يحصل للنفس بإيجادها صفة في صقعها الداخلي، ويعبر عن تلك الصورة بالمعلوم بالذات.







والثانية: انطباقها بنظره على ذو الصورة بحيث يكون ذو الصورة منكشفاً بتلك الصورة، وهذه الجهة مترتبة على الجهة الاُولى؛ لأنّ إحراز الواقع وانكشافه للنفس يكون بتلك الصورة.







الثالثة: البناء والجري العملي على وفق العلم حيث إن العلم بوجود الأسد في الطريق يقتضي الفرار عنه، وبوجود الماء يوجب التوجّه إليه إذا كان عطشاناً ولذا سمى العلم اعتقاداً، حيث إن العالم بشيء يعقد القلب على وفق المعتقد والعمل على وفقه، وهذه الجهات المترتبة مجتمعة في العلم بالشيء وتكون من لوازم ذات العلم، حيث إن حصول الصورة للنفس حقيقة العلم ومحرزيته وجداني والبناء والجري العملي عليه قهري، والمجعول في باب الأمارات هي الجهة الثانية، حيث إن المجعول فيها نفس محرزيتها وطريقيتها إلى الواقع، حيث إن الأمارة تكون كاشفة عن الواقع بكشف ناقص والمجعول الشرعي فيها إمضاءً أو تأسيساً تمامية كشفها واعتبارها علماً بالإضافة إلى الواقع، ولذا يعتبر في كون شيء أمارة أن يكون لها كشف في حدّ نفسها والشارع في مقام التشريع يتمم جهة كشفها من غير أن يتصرف في الواقع أو يجعل مؤداها، وأما المجعول في الاُصول المحرزة يكون مفاد خطاباتها اعتبار المكلف عالماً من حيث الجرى العملي من دون أن يكون هناك جهة كشف وطريقية، بالإضافة إلى أحد طرفي الشيء كما هو فرض الشك فيه موضوعاً لتلك الاُصول فلا يكون المجعول فيها الطريقية بل المجعول فيها العلم فيما يقتضيه قهراً، ولذلك تكون الأمارة بدليل اعتبارها مقدمة على تلك الاُصول وحاكمة على اعتبارها.







وقد ظهر مما ذكر أن حكومة الاُصول والأمارات على الأحكام الواقعية ليست حكومة واقعية من حيث التضييق أو التوسعة فيها، نظير قوله (عليه السلام) لا سهو لمن كثر عليه السهو(3)، وقوله: الطواف بالبيت صلاة(4) إلى غير ذلك، بل الحكومة فيها بالإضافة إلى الأحكام الواقعية ظاهرية فإن أصاب الواقع فالواقع هو الواقع، وإن لم يصبه فليس هناك توسعة وضيق من جعل المؤدى أو غيره، بل يكون اعتبار العلم من الحكم الظاهري المقتضي كونه عذراً لدى عدم الإصابة.















كلام الشيخ العراقي في الإشكال على المحقق النائيني







وقد أورد الشيخ العراقي (قدس سره) على ما ذكره من أن اعتبار الأمارة علماً أو كون المكلف عالماً إن اُريد منه كون الأمارة علماً حقيقة أو كون المكلف عالماً كذلك، بحيث ينطبق عليها العلم وعليه العالم حقيقة وبلا عناية ففساده أوضح من أن يخفى، وإن اُريد العلم ادعاءً وبالعناية كجعل الحياة أو الممات لمن لا يعلم حياته ومماته فهذا أمر صحيح، ومن الظاهر أن الأمر في جعل العلم يدور بين الأمر من الصيرورة بحيث ينطبق عليه العلم حقيقة، أو يكون بالادعاء والعناية، وإذا كان المراد الأمر الثاني الذي قلنا بصحته فلابد من ادعاء شيء لشيء النظر إلى جهة اُخرى مصحح للادعاء والعناية، فإن كان النظر في تنزيل من قامت عنده الأمارة النظر إلى أثر العالمية من طلب إكرامه، فلا يترتب عليه غير هذه الجهة، وإن كان النظر إلى لزوم عمله على الأمارة فتشترك الأمارة مع الاُصول في جهة المعاملة والعمل، فالأمر بالعمل مشترك بينهما، غاية الأمر يستفاد الأمر بالعمل في الاُصول بدواً وفي الأمارة من جعل الإحراز بدواً بإنشائه أو إحرازه فإن من الظاهر أنّ مجرد تنزيل الأمارة على العلم وإنشاء الإحراز لها لا يقتضي شيئاً ما لم يأمر الشارع بالعمل على طبقه، فالمستكشف من إنشاء الإحراز والتنزيل الأمر بالمعاملة، فالموجب لقيام الأمارة مقام العلم الأمر بالمعاملة، وحيث إن المقصود من الأمر بالمعاملة، في الاُصول والأمارة إبراز فعلية الإرادة الواقعية ولا ينحصر هذا الإبراز بهما بل يجري في مثل إيجاب الاحتياط أيضاً الذي لا عناية فيه أصلا، فمبرزية خطابات اعتبار الأمارة والاُصول والأمر بالاحتياط يكون بهذا المعنى لا تتميم الكشف أو التعبد بالمؤدى كما هو مفاد الخطاب، وعلى الجملة فالموجب للعمل في هذه الموارد إبراز الإرادة الواقعية.







وذكر (قدس سره) أيضاً في الفرق بين الأمارة والاُصول أن الواقع في موارد الأمارة محرز بالعناية والادعاء، وفي الاُصول الواقع التعبدي محرز بالوجدان، ولا نفهم بين الأمارة والاُصول فرقاً آخر، وقال من أسس أساس الحكومة والورود كلماته مشحونة بأن مرجع الورود اقتضاء الجعل لتضييق دائرة دليل الإحراز وتوسعته حقيقة، ومرجع الحكومة إلى تضييق دائرته عناية وبنحو الادعاء بحيث يرجع لبّاً إلى التخصيص كما أن الأول يرجع إلى التخصص وإن كان بين الورود والتخصص فرق، وإذا فرض في الطرق أنها لا تكون توسعة في طريق الواقع بلا حكم ظاهري ولا تصرف في الواقع ولو بالعناية فمن أين لمثل هذا الجعل حكومة على الواقع ولو ظاهراً؟ وتسمية التوسعة في الطريق محضاً بالحكومة الظاهرية بالنسبة إلى الأحكام الواقعية اصطلاح جديد ما سمعناه من آبائنا الأولين، نعم الحكومة الظاهرية صحيحة في الأمارة بالإضافة إلى مفاد الاُصول الذي ليس فيها توسعة إحراز بجعل الإحراز، وإنما المجعول فيها الأمر بالمعاملة مع أحد الاحتمالين معاملة الواقع فإن في اعتبار الأمارة تضييقاً واقعياً لمفاد خطاب الأصل بنحو لسان نفي موضوع الأصل.















كلام الشيخ العراقي والجواب عنه







أقول: اعتبار الأمارة علماً ليس بحيث ينطبق عليها عنوان العلم والكشف التام تكويناً ووجداناً كما أنه ليس بمعنى تنزيلها منزلة العلم بلحاظ جعل الأثر والأمر بوجوب العمل بها، بل جعل ما في الأمارة من الكشف الناقص وجداناً كشفا تاماً اعتباراً، حيث إن للعلم وجوداً حقيقياً ووجوداً اعتبارياً كما ذكر ذلك في الطلب الحقيقي والاعتباري والملكية الحقيقية والاعتبارية، ومن المعلوم أنّ الجعل والاعتبار لابد من أن يكون بحيث لا يكون لغواً، وفي اعتبار الأمارة علماً في جهة طريقية العلم، يكفي سريان ما للعلم عقلاً من كونه وصولاً للتكليف الواقعي من تنجز ذلك التكليف الواقعي إذا أصابت الأمارة الواقع، بل وترتب ما للعلم بالتكليف بما هو طريق من وجوب التصدق، وقد تقدم أن اعتبار الشارع الأمارة علماً بالواقع من قسم الحكم الظاهري، فعلى المكلف رعاية التكليف الواقعي والأثر الشرعي المترتب على العلم بالواقع، فمع إصابتها الواقع ليس وراء ما في الواقع أمراً آخر من جعل المؤدى أو جعل المنجزية والمعذرية، ومع عدم إصابتها يكون اعتبارها علماً مجرد حكم ظاهري من غير توسعة وتضيق بالإضافة إلى الواقع، وأما في موارد الاُصول المحرزة فمقتضى دليل اعتبارها كون المكلف عالماً بالواقع ولكن ليس في هذا الاعتبار تتميم كشف وإنما يعتبر الشاك في الواقع عالماً فيترتب عليه ما للعلم من الجري العملي عليه والتجاوز، وأما في مقام عدم الطريق الوجداني التام إلى الحكم الواقعي وعدم قيام طريق كاشف اعتباري كذلك إلى ذلك الواقع بحيث تكون تمامية كاشفيته بالاعتبار على قرار ما تقدم كما يترتب على ذلك عدم المجال للأصل المحرز مع الأمارة القائمة بالواقع، فإنه مع قيامها وشمول دليل الاعتبار لها لا شك للمكلف ليكون معهما موضوع لاعتبار الأصل، وليس مفاد دليل اعتبار الأصل الأمر بالجري العملي المقصود منه إبراز فعلية الإرادة، كما أنه ليس المقصود من اعتبار الأمارة علماً أن يأمر الشارع بالجري العملي ويبرز فعلية الإرادة، فإن تعلق إرادة المولى بفعل العبد أمر لا أساس له، كما تقدم في بيان جعل الأحكام وإنشائها وبيان الفرق بين ذلك المقام ومقام فعليتها.







وعلى الجملة الوجه في تقديم الأمارة على الاُصول المحرزة أن الشك في الواقع غير مأخوذ في دليل اعتبار الأمارة، بل بما أن العالم بالواقع وجداناً اعتبار الطريق له إلى الواقع غير معقول فيقيد دليل اعتبارها بعدم العلم بالواقع وجداناً وتكون الأمارة القائمة مع عدم العلم بالواقع معتبرة وباعتبارها يرتفع الموضوع في اعتبار الأصل المثبت، فإن الموضوع لاعتبار الاستصحاب مثلاً كون المكلف من ثبوت شيء على يقين ومن بقائه على شك بنحو القضية الحقيقية، ومع شمول دليل اعتبار الأمارة للأمارة القائمة في مورد اليقين بالحدوث والشك في البقاء يرتفع الشك سواءً كانت الأمارة على البقاء أو الارتفاع، أضف إلى ذلك مثل حكم الشارع بالقضاء بالبينة مع كون قول المنكر مطابقاً للاستصحاب نوعاً دليل على طولية اعتبار الاستصحاب ودعوى اعتبار اليقين بالحدوث علماً بالبقاء مع كون الموضوع في الاستصحاب الشك في البقاء لا محذور فيها؛ لأنّ الشك في البقاء مع قطع النظر عن الاعتبار المزبور. وأما تقديم قاعدة الشك في ركعات الصلاة وكذا تقديم قاعدتي الفراغ والتجاوز على الاستصحاب، مع أن الاستصحاب كالقاعدتين من الأصل المحرز فلأن القواعد المزبورة اعتبرت في موارد كون مفاد الاستصحاب على خلافها كلا أو غالباً وعدم لزوم لغوية اعتبارها اقتضى تقديمها على الاستصحاب.















[2] حاصل ما ذكره (قدس سره) أنه لا تقوم الاُصول العملية مقام القطع الطريقي المحض أيضاً، بدليل اعتبارها غير الاستصحاب فإنه يقوم مقامه، وذلك فإن المراد من القيام مقامه ترتيب ما للقطع من الأثر من تنجيزه التكليف وغيره، والاُصول العملية وظائف مقررة للجاهل بالحكم الواقعي في ظرف الشك فيه من الشارع أو من العقل.







ثم قال: لا يقال لا بأس بقيام الاحتياط مقام القطع الطريقي المحض من تنجز التكليف الواقعي به، وأجاب بأن الاحتياط العقلي هو نفس حكم العقل بتنجز التكليف الواقعي وصحة العقاب على مخالفته، فليس الاحتياط العقلي شيء ليقوم مقام القطع الطريقي في تنجيز التكليف الواقعي، نعم الاحتياط النقلي وهو أمر الشارع طريقاً بالاحتياط في الشبهة وإن يوجب تنجز التكليف الواقعي في مورده على تقدير التكليف ويصحح العقوبة على مخالفته كالقطع، إلاّ أنه لا نقول بالاحتياط في الشبهة البدوية ولا يكون بنقلي في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي.







أقول: لو كان المراد من قيام شيء مقام القطع أن يترتب عليه كل من تنجيز الواقع والتعذير عنه كما هو الحال في الاستصحاب، حيث إنه يكون منجزاً في بعض الموارد ومعذراً في بعضها الآخر فلا معنى لتسلّمه قيام الأمر بالاحتياط النقلي مقام القطع الطريقي، فإنه لا يترتب عليه إلاّ تنجيز الواقع دون التعذير عنه، وإن كان المراد في القيام مقامه ترتب الأثر الواحد فلابد من الالتزام بقيام البراءة الشرعية وأصالة الحل مقام القطع الطريقي، حيث يترتب عليهما عذر المكلف إذا صادفتا مخالفة التكليف الواقعي، فالتفرقة بين الاحتياط النقلي والبراءة النقلية بلا وجه، نعم إذا بنى أن عذر المكلف في مخالفة التكليف الواقعي في مورد خطأ القطع ليس من أثر القطع، بل أثره تنجيز التكليف الواقعي إذا أصاب والعذرية في موارد خطئه لعدم وصول الواقع لا القطع بخلافه، كما هو الصحيح، صحّ التفصيل بين الأمر بالاحتياط والبراءة الشرعية، ولا يخفى أيضاً أن قيام الاحتياط الشرعي مقام القطع ليس معناه تنزيل الأمر به منزلة العلم بالواقع أو اعتباره علماً به ليتوهّم ثبوت الأثر الشرعي للقطع بالتكليف للأمر به أيضاً، فإن الاستحقاق على مخالفة التكليف الواقعي أثر لوصول الواقع أو لتمام البيان أي المصحح للعقوبة على مخالفته، والأمر بالاحتياط طريقاً في شبهة بيان للتكليف المحتمل لا أنه علم به، نعم في مورد جريان الاستصحاب في ناحية التكليف يترتب عليه التنجيز والأثر الشرعي الثابت للعلم بالتكليف على قرار ما تقدم.







لا يقال: لا يمكن الالتزام بترتب الأثر الشرعي الثابت للعلم بالواقع في مورد الاستصحاب فإنه لا يمكن الالتزام بالشهادة بكون المال ملك زيد اعتماداً على الاستصحاب أو الشهادة بكون الشيء نجساً فعلا أو أن الزوج حيّ فعلا اعتماداً عليه.







فإنّه يقال: قد تقدم كفاية اعتبار العلم في ترتب أثره العقلي والشرعي ويجوز الإخبار بشيء اعتماداً على قاعدة اليد أو الاستصحاب، ولكن ذكرنا في بحث القضاء أن الإخبار بشيء استناداً إلى العلم الاعتباري لا يكون مدركاً للقضاء بالمخبر به، بل اللازم في القضاء شهادة العدلين والمأخوذ في الشهادة حسّ الواقعة المشهود بها لا مطلق العلم ليعم العلم المستفاد من خطاب اعتبار الاستصحاب بل الأمارة.















[3] ما ذكره في وجه عدم قيام الأمارة مقام القطع المأخوذ في موضوع حكم آخر كأنه يجري في الاستصحاب أيضاً فلا يقوم الاستصحاب المستفاد من خطاب لا تنقض اليقين بالشك إلاّ مقام القطع الطريقي المحض، وذلك فإن الخطاب المزبور لا يمكن ان يتكفّل إلاّ لاحد التنزيلين، بأن ينزل المشكوك بقاؤه منزلة المتيقن، وأن يكون النظر إلى الشك واليقين آلياً أو أن ينزل نفس الشك في البقاء منزلة نفس اليقين به، وحيث إن ظاهر النظر إليهما آلياً فلا يستفاد منه إلاّ التنزيل بحسب المشكوك والمتيقن ويقوم الاستصحاب في موارد جريانه مقام القطع الطريقي المحض.















(1). سورة الإسراء: الآية 36.







(2). سورة يونس: الآية 36.







(3). وسائل الشيعة 8:227، الباب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.







(4). مستدرك الوسائل 9:38.































وما ذكرنا في الحاشية ـ في وجه تصحيح لحاظ واحد...[1].







الأمر الرابع: لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم[2].







واما الظن بالحكم فهو وإن كان كالقطع[3].















كلام الماتن قدس سره في وجه امتناع وفاء دليل اعتبار الأمارة والاستصحاب لقيامهما مقام القطع الموضوعي















[1] ذكر في تعليقته ما حاصله إذا فرض ثبوت النجاسة لنفس الخمر والحرمة لشرب الخمر المعلوم فثبوت الحكمين لما قامت الأمارة بكونه خمراً وأن يحتاج إلى تنزيلين، بأن نزّل ما أخبر العادل بخمريته منزلة الخمر، والعلم به منزلة العلم بالخمر الواقعي، وتقدم أن النظر إلى العلم والأمارة في التنزيل الأول آلي، وفي الثاني استقلالي، ولا يمكن الجمع بينهما بتنزيل واحد، ولكن مع ذلك يمكن القول بأن الدليل على التنزيل الآلي كاف في ثبوت التنزيل الثاني أيضاً، وذلك أنه كما يصحّ تنزيل الشيء منزلة تمام الموضوع كذلك يصحّ تنزيل شيء منزلة جزء الموضوع وقيده، ولكن إذا كان التنزيل في الجزء أو القيد، فاللازم أن يكون الجزء الآخر أو ذات المقيد محرزاً بالوجدان أو بالتنزيل الآخر لئلا يكون التنزيل منزلة الجزء أو القيد لغواً، وعليه فإذا كان الدليل على أن ما أخبر العادل بكونه خمراً خمر يكون مقتضى إطلاق دليل الاعتبار أنه منزل منزلة الخمر بالإضافة إلى النجاسة وحرمة الشرب، وحيث إن التنزيل بالإضافة إلى حرمة الشرب في الجزء أو القيد فلازم هذا الإطلاق تنزيل العلم بالخمر التنزيلي منزلة العلم بالخمر الواقعي، وإلاّ يكون عموم التنزيل الأول المستفاد من الإطلاق لغواً.







وأجاب عن هذا الوجه المصحّح بأنه غير صحيح، وذلك فإن استكشاف التنزيل الثاني من إطلاق الدليل على عموم التنزيل الأوّل يكون دورياً، حيث إن إطلاق الدليل على التنزيل الآلي يعني دلالته على تنزيل المؤدى منزلة الواقع حتى بالإضافة إلى الأثر المترتب على الواقع المعلوم موقوف على إحراز تنزيل ذات المقيد أو الجزء الآخر لعدم إمكان الإطلاق في التنزيل الآلي بدون الثاني، وإذا توقف إحراز التنزيل الثاني على الإطلاق في التنزيل الآلي كما إذا اُريد استكشافه من الإطلاق المزبور لزم الدور.







والحاصل لابد في التنزيل منزلة الجزء أو القيد من إحراز الجزء الآخر أو ذات المقيد بالوجدان أو بالتنزيل الآخر في عرض التنزيل الأوّل، واستكشاف التنزيل الثاني من التنزيل الأول بدعوى إطلاقه أمر دوري لا أساس له.







وبتعبير آخر الإطلاق ليس ظهوراً تنجيزياً بل موقوف على تمامية مقدمات الإطلاق، وتمامها بالإضافة إلى تنزيل الجزء أو القيد في مثل المقام مما لا يكون الجزء الآخر محرزاً بالوجدان يتوقف على الدليل على التنزيل الآخر، وإذا توقف التنزيل الآخر على الأوّل فلا يمكن استكشافهما، ولذا لو شك في بقاء الكرية لمايع مردد بين الماء وغيره فلا يمكن الحكم بكونه ماءً باستصحاب كريته بدعوى أن شمول إطلاق خطاب لا تنقض اليقين بالشك للكرية المشكوكة في المايع المزبور يلازم التعبد بكونه ماءً، نعم لو لم يكن الاستكشاف المتقدم من الإطلاق، كما إذا قام دليل خاص على التنزيل في مورد لم يكن الأثر فيه للواقع بل للعلم به كما إذا ترتبت النجاسة والحرمة على ما علم أنه ميتة وكان مدلول الدليل الخاص أن ما أخبر العادل بكون حيوان ميتة فهو ميتة، يستكشف التنزيل في ناحية العلم أيضاً صوناً لكلام الشارع عن اللغوية، وهذا محصل ما أفاده الماتن في المقام.







أقول: ما ذكر (قدس سره) من الكبرى وهي أن الدليل على تنزيل الجزء أو القيد فيما كان هو الإطلاق فاللازم أن يكون الجزء الآخر أو ذات المقيد محرزاً بالوجدان أو بالدليل الآخر على التنزيل فيهما صحيح، فالأول: كما إذا شك المكلف في بقاء وضوئه حال صلاته التي يصليها فإنه إذا جرى الاستصحاب في بقاء وضوئه يتمّ متعلق التكليف خارجاً، فإن صلاته محرزة بالوجدان ومقتضى الاستصحاب كونه على وضوء، والثاني: كما إذا شك المكلف بعد سجوده في بقاء طهارته والاتيان بالركوع قبل سجوده، فإن مقتضى الاستصحاب بقاء وضوئه، ومقتضى قاعدة التجاوز الاتيان بركوعه، إلاّ أنه لا فرق في الإحراز وجداناً بين حصوله من موجب آخر أو أن يكون التعبد بالجزء أو القيد بنفسه موجباً له والأمر في المقام كذلك، فإنه إذا شمل خطاب اعتبار الأمارة أو الاستصحاب بإطلاقهما المايع الذي أخبر العادل بكونه خمراً أو كانت خمريته سابقاً محرزة بالوجدان فبحصول هذا التنزيل يحصل للمكلف العلم بخمريته، فخمرية المايع المزبور وإن كانت تنزيلية إلاّ أن العلم بها حقيقي فيتم الموضوع لحرمة شربه لا محالة، ولذا ذكرنا سابقاً أنّه مع حكم الشارع بحلية فعل يحتمل حرمته واقعاً كما هو مفاد أصالة الحلية في الشبهة الحكمية يجوز للمجتهد الإفتاء بها حيث إنّه مع ترخيص الشارع ووصوله إلى المجتهد يحصل له العلم بإباحته لا محالة، فيكون الإفتاء بها إفتاءً بعلم ولو لم يتم هذا فلا يمكن للمجتهد على مسلك الشيخ والماتن (قدس سرهما) الإفتاء في موارد الطرق والامارات والاُصول فتدبر جيداً.







لا يقال: بناءً على مسلك تنزيل المؤدى والمشكوك منزلة الواقع لو لم يكن المنزل عليه محكوماً بحكم أصلا، بل كان الحكم والتكليف ثابتاً للعلم بالواقع كما في فرض ترتب النجاسة والحرمة على ما علم أنها ميتة، فلا يمكن أن يعم دليل اعتبار البينة مثلا البينة التي قامت على أنّ هذا المذبوح مثلا ميتة، نعم لو بنى على أن معنى اعتبار الأمارة اعتبارها علماً بالواقع وأن معنى خطاب: «لا تنقض اليقين بالشك» اعتبار اليقين بالحدوث يقيناً بالبقاء يترتب على ذلك ترتب الآثار الثابتة للعلم بالواقع وإن لم يكن لمجرد الواقع أثر أصلا.







فإنّه يقال: حيث إن اعتبار الأمارة وكذا الاستصحاب ليكون منجزاً للواقع فاللازم أن لا يكون مجرّد الواقع هو المنزل عليه، بل المنزل عليه هو الواقع المعلوم، ومعه يثبت للأمارة والاستصحاب فيما إذا صادفا الواقع أثر الواقع المعلوم، سواءً كان ذلك الأثر عقلياً كما في موارد القطع الطريقي المحض، أو شرعياً كما في مثال الميتة التي فرضناها.















كفاية دليل اعتبار الأمارة أو الاستصحاب في قيامهما مقام القطع الطريقي المحض والموضوعي







ومما ذكر يظهر أنه لو اُغمض عما ذكرنا بناءً على تنزيل المؤدى من حصول العلم بالواقع قهراً فيمكن الجواب عما ذكره الماتن من الدور، بأن هذا فيما إذا كان المنزل عليه هو نفس الواقع، وأما إذا كان المنزل عليه الواقع المعلوم كما هو الصحيح على مسلك تنزيل المؤدى فيكفي تنزيل واحد في قيام الأمارة مقام القطع الطريقي المحض، ومقام القطع المأخوذ في الموضوع طريقاً، حيث قلنا سابقاً من أن القطع مع أخذه في الموضوع طريقاً لا يمكن أن يكون تمام الموضوع للأثر الشرعي وأنه يثبت للواقع والعلم به معاً.







وذكر المحقق الاصبهاني أن تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل العلم بالواقع التنزيلي منزلة العلم بالواقع إذا كان الأثر مترتباً على العلم بالواقع غير ممكن لا للزوم الدور الذي ذكره الماتن، بل لأنّ التنزيلين في أثر واحد غير قابل للانحلال غير معقول، بلا فرق بين أن يكون التنزيلان عرضيين أو طوليين، فنفس وحدة الأثر المترتب على العلم بالواقع في نفسها مانعة عن تحقق كلا التنزيلين فإن تنزيل المؤدى منزلة الواقع عبارة عن جعل الحكم له كالحرمة إذا أخبر العادل بكون مايع خمراً، والمفروض أنه ليس للواقع أثر وذلك الأثر المترتب على العلم بالواقع غير منحل بالإضافة إلى الواقع والعلم به، نظير انحلال الأمر بالمركب ليمكن تنزيله منزلة الواقع في الحكم الانحلالي أو انحلال الأمر بالمقيد إلى ذات المطلق والتقيد.







أقول: قد تقدم أنه إذا تحقق الجزء الآخر من الموضوع أو ذات المقيد بالتعبد بالجزء أو القيد كفى ذلك في التنزيل؛ لأنّ عدم إمكان التنزيل في الجزء أو القيد مع عدم إحراز جزئه الآخر أو ذات المقيد للزوم اللغوية، وإذا لم يلزم اللغوية كما في فرض تحقق الجزء الآخر أو ذات المقيد وجداناً فلا محذور، ولا يفرق في ذلك بين جزء الموضوع أو قيده وبين جزء متعلق التكليف وقيده مع أنا ذكرنا أن المنزل عليه ليس هو ذات الواقع بل الواقع المحرز فيترتب على التنزيل الأثر العقلي المترتب على الواقع المحرز كما إذا كان تكليفاً أو موضوع التكليف والأثر المترتب على العلم بالواقع شرعاً.















عدم إمكان أخذ العلم بحكم في موضوعه وإمكان دخالة العلم به في الغرض الموجب لجعله















[2] قد تقدم أن القطع بحكم بالإضافة إليه لا يكون إلاّ طريقاً محضاً غير دخيل في ثبوته أصلا، فإن دخل شيء في ثبوت حكم يكون بأخذه في موضوع ذلك الحكم وأخذ العلم بحكم في موضوع نفس ذلك الحكم غير ممكن؛ لأنّ العلم به فرض لثبوته مع قطع النظر عن العلم به، ومعنى أخذه في موضوعه فرض لعدم ثبوته بدون العلم، وأما لزوم الدور فتقريبه أن القطع بحكم بنظر القاطع موقوف على ثبوته ولو توقف ثبوته بنظره على القطع به لدار، وكذلك لا يمكن مع القطع بحكم ثبوت مثله أو ضدّه وإنما الممكن أن يكون العلم بحكم مأخوذاً في موضوع حكم مخالف كما تقدم.







وقد ذكر الماتن (قدس سره) إمكان أخذ العلم بمرتبة من الحكم موضوعاً لمرتبة اُخرى منه أو من مثله أو ضده، وما ذكره مبني على ما سلكه من الالتزام بمراتب الحكم التي منها الإنشاء والفعلية التي تكون عنده بتعلق إرادة المولى بفعل العبد، وكذلك تعليله بطلان ثبوت الحكم المماثل أو المضاد بلزوم اجتماع المثلين أو الضدين، حيث يكون مع ثبوت المثل اجتماع إرادتين وتعلقهما بفعل واحد ومع ثبوت الضد تتعلق الإرادة والكراهة به. ولكن قد ذكرنا بطلان الفعلية بذلك المعنى وأن افتراق الفعلية عن الإنشاء يكون في الأحكام المجعولة بمفاد القضية الحقيقية، حيث تكون فعلية الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية بتحقق الموضوع لذلك الحكم خارجاً، وعلى هذا المعنى لا يمكن أن يؤخذ العلم بالإنشاء في موضوع فعلية الحكم المنشأ، فإن فعلية الحكم المنشأ تابع لإنشائه، فإن أخذ العلم بإنشاء الحكم في حق الآخرين يكون هذا من قبيل أخذ العلم بحكم في موضوعه حكم آخر، وقد تقدم عدم البأس، وأن أخذ العلم بإنشائه في حقه فهذا العلم لا يمكن أن يؤخذ في إنشاء ذلك الحكم الذي في حقه كما هو الحال في جميع الأحكام المجعولة بمفاد القضية الحقيقية الانحلالية، نعم إذا كان الحكم المجعول بنحو القضية الخارجية فمقام الفعلية فيه عين إنشائه.







وأما ما ذكر الماتن من المعنى للفعلية فقد ذكرنا أن إرادة المولى بما هو مولى لا تتعلق بفعل العبد وتعلّقها بفعل العبد بما هو قاهر يوجب القهر والجبر الذي ثبت ـ من ضرورة المذهب ـ بطلانه.







وقد ذكرنا سابقاً إمكان دخالة العلم بالحكم مطلقاً أو الحاصل بنحو خاص في الغرض والملاك الموجب لجعله وقد مثلنا لذلك ما ذكروه في دخالة قصد التقرب في الغرض الموجب للأمر بذات العمل.







وأما عدم إمكان جعل مثل الحكم أو ضده في مورد العلم بحكم من جهة أن الحكم الثاني لا يمكن أن يكون طريقياً لكون الواقع واصلاً ولو كان المماثل نفسياً فلا ملاك له، وكذلك فيما كان النفسي مضاداً، مع حصول التنافي بين الحكمين بحسب الملاك والامتثال لا لاجتماع الإرادتين أو الإرادة والكراهة كما عليه الماتن (قدس سره)، ولذا لو حصل في الفعل المعلوم حكمه ملاك ملزم آخر أيضاً ولو في حال، كما في صورة نذر فعل واجب يتعلق به وجوبان، نعم يعتبر كون الوجوب الثاني بعنوان آخر، لئلا يصبح اعتبار الوجوب الثاني لغواً.







ولا يجري ما تقدم في العلم بالحكم في الظن به، فإن الظن به لا يكون منجزاً، ولذا يمكن في مورده جعل حكم طريقي يكون مماثلا مع الحكم الواقعي صورة أو مضاداً له كذلك، وحيث إن المصلحة الموجبة للحكم الطريقي في نفس جعل الحكم لا في متعلّقه فلا يحصل التنافي بينه وبين الحكم الواقعي لا في ناحية ملاكي الحكمين ولا في ناحية المنتهى، حيث إن الحكم الواقعي مع عدم كونه موافقاً للحكم الطريقي غير واصل، فلا يكون منجزاً ليحكم العقل بلزوم رعايته، ويأتي تمام البحث في ذلك عند التكلم في الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري.







بقي في المقام أمر وهو الإشكال بأنه مع امتناع أخذ العلم بحكم في موضوع ذلك الحكم، كيف وجبت الصلاة قصراً على المسافر مع صحة صلاته تماماً عند جهله بوجوب القصر بحيث لا تجب عليه الإعادة حتى إذا علم بوجوبها قبل خروج الوقت، فإن لازم ذلك أن يتعيّن القصر على المسافر العالم به، وكذا في صحة الصلاة جهراً في موضع الإخفات عن الجاهل بوجوبه وكذا العكس، وأيضاً ورد في الروايات ما ظاهره أن الجاهل بحرمة الربا يملك الربا ومقتضى ذلك أن تختص حرمته بالعالم بحرمته.







والجواب: أن قيام الدليل على صحة الصلاة تماماً عن الجاهل بوجوب القصر وعدم لزوم إعادتها لا يقتضي تقييد وجوب القصر واختصاصه بالعالم به، فإن هذا الاختصاص ممتنع فيلتزم بوجود ملاك في التمام أيضاً عند الجهل بوجوب القصر بحيث لا يمكن مع استيفائه استيفاء ملاك القصر اللازم استيفاؤه، وكذلك الحال بالإضافة إلى وجوب الصلاة جهراً أو إخفاتاً فيعاقب المكلف الجاهل بتفويت ملاك القصر أو الإخفات أو الجهر ولا يبقى للإعادة مجال، وهذا بناءً على استحقاق الجاهل العقاب في المسألتين وإلاّ فيمكن أن يكون الغرض في خصوص القصر مختصاً بصورة وصول وجوبه إلى المكلف، وإلاّ يكون الغرض الملزم في أي من الصلاتين وكذا الغرض الملزم في الصلاة جهراً أو اخفاتاً.







وأما ملك الربا للجاهل بحرمته فهو على تقديره حكم وضعي يكون حكماً آخر غير حرمة الربا ولا يوجب تقييداً فيها؛ لأنه كما يصحّ جعل العلم بحكم موضوعاً لحكم آخر مغاير كذلك يصحّ جعل الجهل به موضوعاً لحكم آخر وضعي أو تكليفي، نعم لو تم ما ذكر المحقق النائيني (قدس سره) من أن التقابل بين الإطلاق والتقييد حتى في مقام الثبوت تقابل العدم والملكة بالمعنى الذي فسّره، يصحّ تقييد الحكم المجعول بمتمم الجعل بصورة العلم به، كما أنه قد يكون مقتضى متمم الجعل الإطلاق، ولكن قد تقدم غير مرة عدم تمام ذلك وأنه إذا لم يكن تقييد الموضوع للحكم أو المتعلق له بشيء يكون الإطلاق ثبوتاً ضرورياً، وعليه فلا يحتاج في إثبات أن الأحكام المجعولة في الشريعة تعم العالمين والجاهلين بها إلى التمسك بأدلة وجوب تعلم الأحكام، بل مقتضى إطلاقات الخطابات الواردة في بيان الأحكام كاف في إثبات ذلك وفي إثبات عمومية الغرض؛ نعم دلالة الأخبار الواردة في وجوب التعلم أوضح دلالة على عمومية الغرض من تلك الإطلاقات.















في عدم إمكان أخذ العلم بالحكم أو الظن به في موضوع ذلك الحكم















[3] قد ذكر (قدس سره) أنه كما لا يمكن أن يؤخذ العلم بحكم في موضوع ذلك الحكم على ما تقدم كذلك لا يمكن أن يؤخذ الظن بحكم موضوع ذلك الحكم المظنون لعين ما تقدم، ولكن يفترق الظن بالحكم عن العلم به، حيث إن العلم بحكم لا يمكن أن يؤخذ موضوعاً لحكم مثله أو ضدّه، بخلاف الظن بحكم فإنه يمكن أن يؤخذ به في موضوع حكم مثله أو ضده؛ لأنّ مرتبة الحكم الظاهري محفوظة مع الظن به، فللمولى أن يجعله موضوعاً لحكم مثله أو ضده، والمراد بالمثل ما يكون من نوع الحكم الأول مع وحدة متعلقهما كما أن المراد بضدّه ما يكون من نوع الآخر مع وحده المتعلق لهما.







لا يقال: إن كان الحكم المظنون فعلياً في الواقع فكيف يمكن جعل حكم مماثل فعلي أو مضاد فعلي مع استلزام الظن باجتماع الضدين أو المثلين، والممكن في مورد الظن بالتكليف كونه موضوعاً لحكم آخر مغاير كما هو الحال في أخذ القطع بحكم موضوعاً لحكم مغاير آخر.







فإنّه يقال: قد لا تكون فعلية التكليف مطلقة بل يمكن كونها معلقة بحيث لو علم المكلف به لتنجز واستحق العقاب على مخالفته حتى في صورة تمكن المولى من أن يقطع على العبد عذره برفع جهله، ببيان ذلك التكليف بخطاب آخر أو إيجاب الاحتياط في حقه عند احتماله التكليف ومع عدم الفعلية المطلقة كذلك يمكن جعل حكم آخر بمفاد الأصل أو اعتبار أمارة مؤدية إليه تارة وإلى ضده اُخرى، كما لو بنى على أن مفاد دليل اعتبارها جعل حكم مماثل للحكم الواقعي المجهول أو حكم آخر ضده، أو كان الجعل بمفاد خطاب خاصّ بمورد، كما إذا ورد في خطاب إذا شك في حلية حيوان فلا بأس بأكله، وإذا ظننت حرمته فهو حرام ولا يكون في مثل هذه الموارد اجتماع مثلين أو ضدّين.







أقول: تقييد الموضوع للحكم المجعول بالظن بنفس ذلك الحكم كالتقييد في الموضوع للحكم المجعول بالعلم بنفس ذلك الحكم غير ممكن، حيث إنه لا معنى لأخذ العلم بالحكم في موضوع نفس هذا الحكم إلاّ بتقييد موضوعه كما في سائر القيود له؛ لأنّ الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية له مقامان، مقام الجعل ومقام الفعلية، وفعلية الحكم تتبع مقام جعله حيث إن الفعلية للحكم إنما هي بخروج ما فرضه المولى في مقام جعله موضوعاً له إلى التحقق خارجاً، فكل قيد له دخل في فعلية الحكم فلابد للمولى من تقدير حصوله وأخذ ذلك التقدير في ناحية الموضوع له في مقام الجعل وثبوت الحكم في مقام الجعل يكون بنفس الجعل، فقولنا إن أخذ العلم بالحكم أو الظن به في موضوع نفس هذا الحكم ممتنع، المراد أنه لا يمكن للمولى فرض حصولهما وأخذ ذلك التقدير في ناحية الموضوع لذلك الحكم، حيث إن هذا التقدير يقتضي أن يكون للحكم المزبور جعل مع قطع النظر عن هذا الجعل الذي يريد جعله والمفروض أنه لا جعل مع قطع النظر عن هذا الجعل.







وبتعبير آخر، لا يمكن للمولى فرض علم المكلف بحكمه إلاّ مع فرض جعله ذلك الحكم، فإن كان الجعل المفروض في علم المكلف بحكمه جعل آخر غير هذا الجعل الذي يريد جعله فعلا فالمفروض أنه ليس في البين جعل آخر، وإن كان الملحوظ علمه بحكمه بهذا الجعل الذي يريده ففي هذا الجعل لا يكون حكم مفروض كونه متعلقاً لعلم المكلف بل يحصل حكم لعلم المكلف بحكمه لا حكم يتعلق به علم المكلف، وقد تقدم أن الحكم المجعول للموضوع مع قيوده لا ينحل إلى قيود الموضوع ولا يقاس بإمكان أخذ قصد القربة في متعلق الأمر، حيث إن الأمر بالكل ينحلّ إلى الأمر الضمني بأجزائه فتكون الأجزاء التي سوى قصد القربة متعلقاً للأمر الضمني، ويكون المراد من قصد التقرب المتعلق به الأمر الضمني أيضاً، الإتيان بتلك الأجزاء بقصد الأمر بها ضمنياً، وهذا النحو من الانحلال لا يجري في ناحية أجزاء الموضوع للحكم وقيوده، بل انحلال الحكم إنما يكون بالإضافة إلى أفراد الموضوع فقط.







لا يقال: يمكن للمولى التوصل إلى ذلك بتعدد الجعل، مثلا أن يجعل أولا وجوب القصر على المسافر ثم يجعل وجوبه ثانياً على المسافر العالم به.







فإنّه يقال: هذا أيضاً غير ممكن فإن المجعول بالجعل الأول إن كان تكليفاً حقيقة بحيث يكون الغرض منه إمكان انبعاث المكلف المسافر إلى الصلاة قصراً مع وصول الحكم إليه، يكون الحكم الثاني المجعول نفسياً لاغياً مع أن المجعول أولا لا يتبدل إلى الثاني مع عدم إلغائه؛ وذلك لأنّ الغرض من جعل التكليف والحكم إمكان حركة العبد على طبقه، وهذا الغرض يحصل بالحكم الأول، وإن لم يكن المجعول أولا تكليفاً وحكماً حقيقة فلا يكون العلم به علماً بالتكليف ليؤخذ في الموضوع للحكم الثاني، ومما ذكرنا يظهر الحال في عدم إمكان أخذ الظن بحكم في موضوع ذلك الحكم فتدبر جيداً. وأما جعل الحكم الظاهري في مورد الظن بالحكم والتكليف فقد تقدم سابقاً فلا نعيد.































الأمر الخامس: هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملا يقتضي موافقته التزاماً[1].







الأمر السادس: لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا[2].







فلابد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة[3] من المنع عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي لأجل منع بعض مقدماته الموجبة له ولو إجمالا.















الموافقة الالتزامية















[1] الكلام في المقام يقع في اقتضاء العلم بالتكليف الالتزام به كاقتضائه موافقته عملا على ما تقدم من تنجّز التكليف بالعلم، وبتعبير آخر كما أن اللازم في الاُمور الاعتقادية من الاُصول الدينية التسليم والاعتقاد بها بحسب الجنان فهل يجب كذلك التسليم والاعتقاد بالتكليف المعلوم زائداً على موافقته عملا، أو أن اللازم في موارد العلم بالتكليف الموافقة العملية خاصة، ولا يخفى أنه لو كان عدم الالتزام قلباً بالتكليف المعلوم موجباً في مورد لفقد الشرط المعتبر في العمل فلا كلام في عدم جواز ترك الالتزام الموجب لفقد شرط ذلك الواجب، كما إذا كان الواجب تعبدياً وفرض أن عدم الالتزام بوجوبه موجباً لفقد قصد التقرب، وكذا لا يجوز ترك الالتزام فيما إذا كان ذلك موجباً لتكذيب النبي (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) قلباً الموجب لعدم الإيمان، والحاصل أن الكلام في أن العلم بالتكليف يقتضي امتثالين أحدهما موافقته من حيث العمل والثاني موافقته من حيث الالتزام أو لا يقتضي غير الأول، وقد يتوهّم أن العلم بالتكليف لا يجتمع مع عدم الالتزام به، ويدفع بأن الالتزام بالتكليف غير العلم به فيمكن موافقته عملا من دون الالتزام به، فإنه كما يمكن التشريع مع العلم بالخلاف، كذلك يمكن عدم الالتزام به قلباً مع العلم به، ومما ذكر يظهر أن قصد التقرب في العبادات لا يتوقف إلاّ على إحراز الأمر إذا كان جزئياً، وإلاّ يكفي احتمال الأمر بالعبادة ولا يتوقف على عقد القلب والالتزام به جناناً فتدبر.







ولا وجه للقول بأن مجرد التكليف بعمل يقتضي موافقته التزاماً وعقد القلب عليه كما هو الحال في التكاليف الراجعة إلى الاُمور الاعتقادية والعرفان بها، حيث إن التكليف يقتضي الإتيان بمتعلقه، وإذا كان متعلقه الفعل الخارجي كما هو الفرض في المقام فغيره غير داخل في مقتضاه، ولو قيل باقتضائه موافقتين فلا ملازمة بينهما في الثبوت والسقوط، فتجب موافقته الالتزامية ولو مع عدم إمكان موافقته العملية، فإن التكليف وإن كان واحداً إلاّ أنه يمكن أن لا يتنجز من جهة الموافقة العملية؛ لعدم إمكان إحرازها، ويتنجز من حيث الموافقة الالتزامية لإمكانها كما في دوران الأمر بين المحذورين وعدم تنجز التكليف بالإضافة إلى الموافقة العملية لا يوجب سقوط أصل التكليف حتى لا يبقى مقتض لموافقته الالتزامية، وعلى ذلك ففي مورد دوران الأمر بين المحذورين يمكن الالتزام بما هو حكمه الواقعي على إجماله ولا يكون ذلك التكليف الواقعي بمنجّز لعدم إمكان موافقته القطعية العملية، ولو قيل بلزوم الالتزام بالتكليف الواقعي بنوعه لما أمكن موافقته الالتزامية أيضاً.







لا يقال: كما لا يجوز في مورد عدم التمكن من الموافقة القطعية العملية المخالفة القطعية بحسبه، بل عليه الموافقة الاحتمالية كذلك بناءً على لزوم الالتزام بنوع التكليف لا يجوز ترك الالتزام رأساً بل عليه الالتزام بالوجوب أو الحرمة تخييراً.







فإنّه يقال: لا دليل على ذلك فإن التكليف الواقعي يقتضي الالتزام به لا التخيير في الالتزام به أو بضده، مع أن الالتزام بأحدهما فيه محذور التشريع ولا يكون محذوره أقل من محذور عدم الالتزام بحكم الفعل قلباً أصلا.







ثم إنه قد ذكر الشيخ (قدس سره) في الرسالة بما حاصله؛ أنّه مع جريان الأصل في ناحيتي كل من احتمال وجوب الفعل وحرمته في دوران أمر الفعل بين الوجوب والحرمة لا يلزم محذور في عدم الالتزام بالحكم الواقعي بناءً على لزوم الالتزام به، فإن الموضوع لوجوب الالتزام خصوص نوع التكليف الواقعي من الوجوب والحرمة فالأصل الجاري في ناحية كل من احتمالهما يكون حاكماً على ما دلّ على وجوب الالتزام، حيث إن الأصل يخرج مجراه عن موضوع وجوبه.







وفيه، أن حكومة الأصل على دليل وجوب الالتزام بالحكم الواقعي ليس من قبيل حكومة أحد الدليلين على الدليل الآخر في الأدلة الاجتهادية التي ترجع إلى ما يرجع إليه التخصيص في كشفه عن عدم ثبوت تمام مدلول الدليل المحكوم بحسب مقام الثبوت، ولذا تكون الحكومة نوع تخصيص بخلاف الاُصول الجارية في ناحية نفي الموضوعات للتكاليف الواقعية أو إثباتها، مثلا الاستصحاب الجاري في ناحية عدم كون مايع خمراً لا يكون كاشفاً عن خروج ذلك المايع على تقدير كونه خمراً عن موضوع حرمة الشرب والنجاسة لتكون حكومته بمنزلة المخصص لخطاب حرمة شرب الخمر ونجاسته، بل مفاده حكم ظاهري يعمل به مع عدم وصول الواقع ولا يوجب سعة ولا ضيقاً في الواقع، بل الواقع باق على حاله وهذا هو السر في عدم جريان الاُصول النافية في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف حيث إن جريانها فيها يوجب الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف الواقعي الواصل بالعلم الإجمالي، وإذا كانت المخالفة الالتزامية كالمخالفة القطعية العملية في عدم الجواز فلا تجري الاُصول في ناحية احتمال وجوب الفعل وحرمته، بل يجب الالتزام بالتكليف الواقعي على إجماله.







وأما ما ذكر الماتن (قدس سره) في الجواب عما في الرسالة من أن دفع محذور عدم الالتزام بالتكليف الواقعي أو محذور الالتزام بخلافه لا يدفع بالاُصول، لأنّ الدفع المزبور دوري وذلك فإن جريانها موقوف على عدم المحذور في الالتزام بخلافه اللازم لجريانها وعدم المحذور أيضاً موقوف على جريانها على الفرض لا يمكن المساعدة عليه بوجه، فإنه كما ذكرنا لو كان في ترخيص الشارع في المخالفة الالتزامية قبحاً نظير الترخيص في المخالفة القطعية العملية للتكليف الواصل يكون حكم العقل بالقبح قرينة على أن المراد من خطابات الاُصول النافية غير موارد لزوم ذلك الترخيص وإن لم يحكم العقل بقبحه تكون إطلاقات خطابات الاُصول كاشفاً عن عدم لزوم محذور فيه، ولو توقف التمسك بالإطلاق في الخطابات على إحراز عدم محذور في سعة الحكم الوارد فيها ثبوتاً لبطل التمسك بالإطلاقات مع احتمال المحذور في سعة الحكم الوارد فيها واقعاً.







ثم إنه قد استشكل الماتن (قدس سره) في الأخذ بالاُصول العملية في دوران أمر الفعل بين الوجوب والحرمة حتى بناءً على عدم المحذور في الترخيص في المخالفة الالتزامية بوجهين:







الأول: أن الاُصول الشرعية وظائف عملية في ظرف الشك في الحكم والتكليف الواقعي فلابد من ترتب أثر عملي على جريانها، وليس عند دوران أمر الفعل بين المحذورين إلاّ عدم إمكان الموافقة القطعية وعدم إمكان المخالفة القطعية جرت الاُصول أم لم تجر، ولكن لا يخفى أن الأصل يجري في ناحية كل من الوجوب والحرمة، ومقتضى الأصل في ناحية احتمال الوجوب عدم تعين الفعل، كما أن مقتضاه في ناحية احتمال الحرمة عدم تعين الترك، حيث يحتمل أن الشارع في مقام دوران الأمر أن يقدم احتمال رعاية أحد التكليفين على الآخر، ومقتضى الأصل في ناحية احتمال كل منهما عدم كون المكلف مأخوذاً باحتمال خصوص أحدهما، وعلى الجملة أصالة التخيير في دوران الأمر بين المحذورين ليس أصلا شرعياً آخر في مقابل أصالة البراءة أو الاستصحاب.







والثاني: دعوى أن خطابات الاُصول لا تعمّ أطراف العلم الإجمالي بثبوت التكليف؛ لأنّ شمولها لأطرافه يوجب المناقضة بين صدرها وذيلها، وفيه أن هذا كما ذكر الماتن في بحث الاستصحاب يجري في بعض خطابات الاستصحاب بناءً على ما ذكر الشيخ من تمامية لزوم التناقض ولإجمال هذا البعض يمكن رفع إجماله بالبعض الآخر الذي لم يرد في ذيله الأمر بنقض الشك باليقين أو الأمر بنقض اليقين باليقين الآخر ولا يجري في خطابات أصالة البراءة حيث ليس فيها صدر وذيل.







بقي في المقام اُمور:







الأول: أن القول بالتخيير في دوران الأمر بين المحذورين وحدة القضية وعدم تكرارها، فإنّه في صورة تكرار الواقعة يتمكن المكلف من المخالفة القطعية كما إذا دار أمر المرأة بين كونها محلوفة الوطي في كل من ليلتين أو محلوفة الترك كذلك، فإن مع وطيها في ليلة وتركه في ليلة اُخرى يعلم بمخالفة التكليف.







الثاني: أن لا يكون أحد التكليفين المردد أمر الفعل بينهما أو كلاهما تعبدياً، وإلاّ كان المكلف متمكناً من المخالفة القطعية وفي مثل الأمرين لابد للمكلف من الالتزام عملا بأحد المحتملين حذراً من المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، ودعوى أن لزوم الموافقة القطعية وعدم جواز المخالفة القطعية متلازمان في الثبوت والسقوط كما هو ظاهر الماتن فيما يأتي لا يمكن المساعدة عليه، فإن ترخيص المولى في مخالفة تكليفه المعلوم قبيح سواء أمكنت موافقته القطعية أم لا، وما ذكر الماتن مبني على عدم فعلية التكليف بالمعنى المتقدم عنده ومع عدمها لا يلزم محذور في ارتكاب الفعل أو الترك ويأتي أيضاً الكلام فيه.







الثالث: أنّه لو قيل بأن الالتزام بالتكليف عبارة عن التصديق بما جاء عن النبي (صلّى الله عليه وآله)يختص ذلك بالالتزام بالأحكام الكلية التي ثبتت من الشريعة بالأدلة القطعية أو بالضرورة، وأما الاحكام المستفادة من الطرق المعتبرة فالثابت من الشرع لزوم العمل بها والتصديق بأنها مما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) غير لازم بل غير جايز بل غايته أن لزوم العمل بتلك الأمارات أو اعتبارها علماً بالواقع مما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) كما هو ظاهر.















في أنّ القطع بالحكم من المقدمات العقلية















[2] تعرض (قدس سره) في هذا الأمر لعدم تفاوت في منجزية القطع بالتكليف ومعذريته بين الأسباب الموجبة للقطع وكذا بين موارد القطع وبين الأشخاص، فإنه إذا كان القطع بالتكليف منجزاً لما تعلق به من التكليف أو الموضوع له يكون كذلك في جميع الموارد ومن أي سبب حصل ومن أي شخص كان ولو كان الشخص سريع الاعتقاد فإنه يصحّ أخذ القاطع بمخالفة قطعه إذا أصاب الواقع بمخالفة الواقع ولا يقبل اعتذاره بأنه كان في مورد كذا أو بسبب كذا أو كنت سريع الاعتقاد، كما أنّه يصح منه الاعتذار فيما إذا عمل على طبق قطعه واتفق مخالفته الواقع لخطأ قطعه، وهذا فيما إذا لم يكن القطع بالحكم أو الموضوع موضوعاً لحكم آخر، فالمتبع في عموم ذلك القطع أو خصوصه الخطاب الدالّ على ترتب الحكم الآخر عليه فإن مناسبة الحكم والموضوع أو غيرها قد تقتضي أن يكون بالقطع بالحكم أو الموضوع من شخص خاص أو من سبب خاصّ كما في جواز التقليد من العالم بالأحكام وجواز الشهادة من العالم بالواقعة والقضاء ممن يقضي ويفصل النزاع في مورد المرافعة بما هو موازين القضاء، ثم إن المنسوب إلى أصحابنا الأخباريين أنهم لا يرون بالقطع بالأحكام الشرعية إعتباراً اذا كان من الوجوه العقلية، وأن المعتبر عندهم العلم بالأحكام الشرعية الحاصل من السنة والأخبار المأثورة عن الائمة (عليهم السلام)، وقد أنكر الماتن هذه النسبة وذكر أنه ليس مرادهم التفصيل في اعتبار القطع بالتكليف والحكم الشرعي، بل كلامهم ناظر إلى أمرين:







أحدهما: المنع عن الملازمة بين حكم العقل بالقبح والحسن وبين حكم الشرع بالحرمة والوجوب.







ثانيهما: أن المقدمات العقلية لا تفيد إلاّ الظن بالحكم والتكليف، وأن المدرك في الأحكام الشرعية غير الضرورية ينحصر في السماع عن الأئمة (عليهم السلام)، وقد ذكر المحدث الاسترآبادي في فوائده في جملة ما استدل به على انحصار المدرك على ما ذكره، الرابع: أنّ كل مسلك غير هذا المسلك إنما يعتبر من حيث إفادته الظن بحكم اللّه سبحانه وقد أثبتنا سابقاً أنه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها.







أقول: لا يبعد ظهور كلمات بعضهم فيما نسب الشيخ (قدس سره) إليهم من عدم الاعتبار عندهم بالقطع الحاصل من غير الأخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام)، قال: السيد الصدر في شرح الوافية في جملة كلام له: أن المعلوم هو أنه يجب فعل شيء أو تركه أو لا يجب إذا حصل الظن أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل المعصوم أو فعله أو تقريره لا أنه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أي طريق كان.







وكيف كان فقد وجّه كلمات هولاء باحتمال كون مرادهم الالتزام بالتقييد في مرحلة فعلية الأحكام وبأن الأحكام الشرعية وإن كانت ثابتة في الوقايع إلاّ أن فعليتها لا تكون مطلقة، بل فيما إذا وصلت إلى العباد بنحو السنة والخبر المأثور عنهم (عليهم السلام)ولا تكون لها فعلية إذا لم تكن واصلة بهذا النحو ولا يكون للقطع بها أثر بل كان مما سكت اللّه عنه، ويشير إلى ذلك ما ورد مثل قولهم: «شرٌ عليكم ان تقولوا بشيء لم تسمعوه منّا»(1)وقولهم: «لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على اللّه جلّ وعزّ حق في ثوابه»(2) وقد ردّ على ذلك بعدم دلالة الأخبار على ذلك، وأن المراد منها إمّا عدم نفع الأعمال مع ترك الولاية أو عدم جواز الاعتماد في الوصول إلى الأحكام الشرعية على القياس والاستحسانات وترك الرجوع إلى الأئمة الهداة (عليهم السلام)على ما كان عليه دين أهل الخلاف.







نعم، لا بأس بالالتزام بعدم جواز الركون في فهم الأحكام إلى استخراج مناطات الأحكام وملاكاتها لينتقل منها إلى الأحكام الشرعية فإنه يوجب كثيراً الخطأ في فهمها واستخراج الأحكام منها، بل يوجب طرح ظاهر بعض الخطابات الشرعية بتخيّل أن ظاهرها لا يناسب الملاكات، وإذا خاض المكلف في المقدمات العقلية واستحساناته في فهم الملاكات وأوجب ذلك الخطأ في فهم التكليف فلا يكون معذوراً، ولكن لا يمكن منعه عن العمل بقطعه إذا حصل له القطع، فإن القطع بالتكليف لا يقبل الردع عنه، ومما يفصح عن عدم جواز الاعتماد على فهم الملاكات والاستحسانات العقلية ما دلّ على أن دين اللّه لا يصاب بالعقول وأنه لا شيء أبعد عن دين اللّه من العقول، أوضح ذلك صحيحة أبان بن تغلب، «قال: قلت: لأبي عبداللّه (عليه السلام) ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل، قلت: قطع اثنتين، قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعاً؟ قال: عشرون، قلت: سبحان اللّه يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون، إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله، ونقول الذي جاء به شيطان فقال: مهلا يا أبان هذا حكم رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين»(3).







أقول: اذا فرض ان القطع لا يكون عذراً فيما اذا أخطأ الواقع مع النهي عن تحصيله عن مثل القياس والاستحسانات فلابد من الالتزام من أن العذرية من لوازم الجهل بالواقع وعدم وصول بيانه إلى المكلف، والنهي عن تحصيل القطع والوصول إلى الأحكام الواقعية من طريق كذا مسقط للجهل عن العذرية لكون هذا النهي يصلح للبيان للتحفظ على الواقع بسلوك غير ذلك الطريق أو السبب، ولا يبعد استفادة ذلك بالإضافة إلى الاُمور الاعتقادية من الآيات المباركة الدالة على التوبيخ في ترك السؤال والنظر إلى المعجزة للنبي (صلّى الله عليه وآله) واتباع الآباء والأجداد وبالإضافة إلى الأحكام بالإضافة إلى من ترك الرجوع إلى الأئمة الهداة والمنقول من آثارهم واتباع طريق القياس والاستنباط في الملاكات.







وأما إذا صادف القطع الحاصل من ذلك الواقع فعدم كون المكلف مأخوذاً بذلك الواقع ولو لم يكن في البين طريق آخر وسبب آخر للوصول اليه فهذا أمر غير ممكن عند مثل الماتن (قدس سره) ممن يرى أن منجزية القطع ذاتيه، وظاهر بعض الكلام المنقول عن الاخباريين كالمنقول عن السيد الصدر في شرح الوافية عدم مؤاخذة المكلف بمخالفة مثل هذا القطع، وقد تقدم أن الالتزام بالتقييد في فعلية الأحكام كما ذكر في توجيه كلمات الأخباريين غير صحيح، فإن الفعلية تتبع مقام الجعل على ما مرّ، ولكن يمكن أن يكون الغرض من التكليف خاصاً بوصول خاص، ومعه لا يكون المكلف مأخوذاً بذلك التكليف إذا لم يمكن الوصول إليه بذلك الوصول الخاص ولكن هذا لا يستفاد مما ورد في سلك الأخبار المشار إليها، بأنها إما في مقام الردع عن الاعتماد بالقياس والاستحسانات في كشف ملاكات الأحكام وأنه لا تفيد في الوصول إلى الأحكام الشرعية في الوقائع وحتى أن مثل صحيحة أبان ناظرة إلى عدم حصول العلم بالحكم الشرعي الواقعي ولا يصح ردّ ما وصل من قولهم (عليهم السلام) في حكم الواقعة بالقياس، وإما في مقام الردع عن الاعتماد في الأحكام الشرعية على آراء وفتاوى أشخاص يسمون عند الناس بالعلماء في مقابل الأئمة الهداة الأوصياء للنبي (صلّى الله عليه وآله)، وعلى الجملة العلم بحكم شرعي تكليفي أو وضعي مما يعتمد فيه على الأحكام العقلية غير المستقلة للملازمة بينه وبين الحكم الثابت بالخطابات الشرعية من الكتاب أو السنة أو الأخبار المأثورة عنهم صلوات اللّه عليهم بواسطة الثقات والعدول لا يعد قياساً ولا استحساناً ولا سماعاً من غيرهم، بل هو في الحقيقة أخذ بما هو لازم قولهم (عليهم السلام) كما في أخذ المقر بلوازم إقراره، نعم المعروف من الأخباريين عدم جواز الاعتماد على حكم العقل بالقبح أو الحسن في استكشاف الحكم الشرعي لعدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وتبعهم بعض الاُصوليين كصاحب الفصول (قدس سره) بدعوى أن العقل وإن يدرك مفسدة فعل خالصة أو غالبة ومعه يحكم باستحقاق فاعله الذم، وكذلك في ناحية دركه مصلحة ملزمة في الفعل ومعه يحكم باستحقاق تاركه الذم، ولكن يمكن أن يكون بنظر الشارع جهة مانعة عن جعل الحرمة للاول أو جهة مزاحمة لجعلها فلا يحرّمه، وكذلك في ناحية درك العقل المصلحة الخالصة أو الغالبة في الفعل وربما يكون إيجاب الشارع الفعل بلا ملاك في متعلقه، بل المصلحة في نفس جعل الوجوب كما في موارد الإيجاب امتحاناً أو رعاية للتقية إلى غير ذلك، نعم التزم صاحب الفصول (قدس سره) بالملازمة الظاهرية وأنه يصح للشارع أخذ المكلف بارتكاب الأول وترك الثاني ما لم يتبين للمكلف عدم جعل الشارع الحرمة أو الوجوب للمانع والمزاحم، وأورد على ذلك بأنه خلاف الفرض في حكمه بالقبح أو الحسن، فإن مورد الكلام ما إذا أحرز أنه في الفعل ليست جهة مانعة أو مزاحمة في مفسدته كما في حكمه بقبح الكذب الضار الموجب لهلاك النبي مع عدم رجوع نفع إلى الكاذب ومع استقلال العقل بقبحه كذلك يحكم بأن الشارع لا يرضى بارتكابه ومع وجود مثل هذه المفسدة في العقل كيف يحتمل أن يكون مباحاً عند الشارع، نعم إذا علم المكلف المفسدة في فعل واحتمل أن يكون عند الشارع جهة اُخرى في فعله فلا يحكم بعدم رضاء الشارع به، فالمدعى في باب الملازمة ثبوت الحكم الشرعي في مورد ثبوت المفسدة أو المصلحة مما ذكر من الموارد، والمراد ثبوت الملازمة في الجملة لا في جميع موارد درك العقل مفسدة الفعل أو صلاحه، وقد أورد على ذلك الشيخ (قدس سره) بأنه وإن لا يكون شبهة في أن العقل بعد استقلاله بالمفسدة غير المزاحمة في فعل يحكم بقبحه واللوم على فاعله، ولكن مع ذلك لا يلزم أن تكون تلك المفسدة تمام الملاك في حكم الشارع إذ ربما يرى الشارع مصلحة في صبره على ارتكاب العبد القبيح؛ لأنّ في صبره مصلحة أعظم حيث إنه تسهيل الأمر على العبد، ومثل هذه المصلحة في صبر المولى لا توجب أن لا يحكم العقل بقبح العمل واللوم على فاعله وإلاّ لم يكن موضوع لصبر المولى على ارتكاب عبده القبيح وتبعية الحكم الشرعي لمفسدة المتعلق لا ينافي ذلك، إذ معنى التبعية عدم حكم الشارع بدون مفسدته لا لزوم حكمه معها.







أقول: الظاهر أنه اشتبه مصلحة صبر المولى على عدم مؤاخذة العبد بارتكابه القبيح والحرام بعدم جعل الحرمة للفعل فإن الصبر على ارتكاب الفساد المحض أو الغالب كما هو فرض إحراز العقل مع استقلاله بدركه كما هو الفرض لا يوجب الترخيص في الارتكاب من المولى الحكيم، وإلاّ بأن احتمل العقل أن عند المولى جهة صلاح في العمل المزبور أو جهة مصلحة تلازمه لا يحكم بقبحه أصلا، والموضوع لصبر المولى في الفرض وجود تلك الجهة لا حكم للعقل بقبحه ولو أمكن منع استقلاله في الحكم بالقبح لانسد على العباد إحراز نبوة النبي بإخباره بنبوته وإظهاره المعجزة، حيث يمكن أن تكون مصلحة في إعطاء المعجزة بيد الكاذب ومصلحة في صبره على دعواه بالكذب. وما يقال: من الموارد التي ثبت الحكم الشرعي فيها على خلاف حكم العقل نظير أكل المارة من ثمرة طريقه ولو بدون رضا مالكه، أو إيقاع المكلف نفسه في المهلكة، ونظير قتل الكافر الحربي وأسر عياله وأطفاله، فإن مثلها يدخل في عنوان التعدي على الغير مع حكم الشارع بالجواز أو الوجوب لا يمكن المساعدة عليه، فإن مع إذن الشارع في إتلاف مال الغير أو إتلاف نفسه أو نفس الغير لجهة من المصلحة يرتفع عنوان الظلم المحكوم عقلا بالقبح، ولذا لا يمكن في موارد احتمال ثبوت المصلحة وحكم الشارع بالجواز التمسك بخطاب حرمة الظلم بل يتمسك بعموم ما دلّ على أنه لا يحل التصرف في مال الغير إلاّ بطيبة نفسه، أو ما دلّ على حرمة قتل الإنسان نفسه أو الغير إلى غير ذلك.















[3] قد يقال: إنّه لو لم يمكن تجويز مخالفة العلم بالتكليف فكيف وقع في الشرعيات وعدّ منها موارد كما إذا كان عند الودعي درهم لشخص ودرهمان لآخر فسرق أحدى الدراهم، فإن لصاحب الدرهمين درهماً والدرهم الآخر يكون نصفه له ونصفه الآخر لصاحب الدرهم، ولو أخذ ثالث منهما الدرهم المحكوم بكونه لهما واشترى به جارية يملكها مع علمه بعدم تمام الجارية له؛ لأنّ بعض ثمنها ملك الغير واقعاً، ويجاب عن ذلك بأن الحكم بالتنصيف في الدرهم لكون الامتزاج والاشتباه عند الودعي موجباً للشركة بينهما، فأخذ النصف من كل منهما تملك الدرهم من المالك الواقعي فينتقل في الفرض تمام الجارية إلى المشتري، وفيه أن مجرد اشتباه أحد المالين بالآخر من غير امتزاج موجب لوحدة المالين عرفاً كما في المثال لا يوجب الشركة القهرية، والشركة المعاملية غير مفروضة في المقام أضف إلى ذلك أن مقتضى كلامهم عدم الفرق في اشتباه الدرهم المسروق بخصوص أحد الدرهمين الباقيين أو بكل منهما، ومن الظاهر أن مقتضى الشركة في الثاني كون ثلث الدرهمين لصاحب الواحد لا ربعهما كما هي الفتوى.







وقد يقال: إن التنصيف في الدرهم مصالحة قهرية على المالكين، حيث إن للشارع الولاية في الحكم بها على الناس في أموالهم وقد جوّز أكل المارّ من الثمرة التي في طريقه مع كونها ملك الغير ولو مع عدم رضاه، وفيه أن ظاهرهم أن هذا حكم شرعي لا حكم ولائي كما هو الحال في تجويز الشارع في أكل الثمرة من طريقه، وعلى الجملة الحكم في المقام من قبيل كون خمس المال المختلط بالحرام لأرباب الخمس فيكون حكماً واقعياً، أو أنه من قبيل الحكم الظاهري، فإن كان من قبيل الحكم الظاهري فلا يجوز للثالث الجمع بينهما في ملكه لعلمه بعدم انتقال أحدهما من مالكه الواقعي، ولذا لو علم أحدهما بعد الحكم بالتنصيف أن المسروق كان ماله فعليه أن يرّد النصف المأخوذ أو بدله إلى صاحبه، ولا يستفاد من الروايتين الواردتين المرويتين في باب الصلح أزيد من الحكم الظاهري، نظير ما إذا كان درهم في يد شخصين لا يعلم أنه لأيّ منهما أو كان مال لم يكن له يد وادعاه اثنان حيث يحكم لكل منهما بنصفه.







وكما إذا اختلف البايع والمشتري في الثمن أو المثمن لا بنحو الأقل والأكثر بل بنحو التباين، بأن قال البايع بعت الجارية بمئة دينار، وقال المشتري اشتريتها بمئتي درهم، أو قال البايع بعت الجارية بمئة وقال المشتري اشتريت العبد بمئة، وفي مثل ذلك لو لم يقم أحد البينة على دعواه يحلف كل منهما على نفي دعوى الآخر فتسقط كلتا الدعويين ويرجع المالان إلى مالكيهما، ولو أخذ ثالث العبد والجارية في شراء واحد منه فيعلم تفصيلا ببطلان الشراء ولو كان اختلافهما في الثمن من حيث الزيادة والنقيصة يكون مقتضى القاعدة كون مدعي الزيادة مكلفاً بإقامة البينة على دعواه، إلاّ أنه قد ورد النص أنه ما دام المبيع موجوداً يحلف البايع على الزيادة وتؤخذ في غير مورد النص بالقاعدة، والجواب أن مع التحالف ينفسخ البيع الواقع فيكون أخذ العبد والجارية من مالكهما الواقعي، ولو قيل بأن التحالف لا يوجب الانفساخ واقعاً وكذا قضاء القاضي بالانفساخ، ولذا لو تذكّر أحدهما بالواقعة وجب تسليم حق صاحبه إليه كما هو مقتضى قوله (صلّى الله عليه وآله) «إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان... فأيّما رجل قطعت له من مال حق أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار»(4) فيمكن الجواب بأن للمالك الأصلي الإمساك بما باعه لا تقاصاً ليقال بعدم جواز التقاص بعد تمام القضاء، بل الإمساك لجواز فسخ البيع من بايعه لعدم وصول ثمنه إليه، ولذا يجوز للثالث أخذ الثمن والمبيع منهما ولو فرض أن البايع والمشتري لم يفسخا البيع انتظاراً لوضوح الحال للآخر فلا يجوز لثالث أخذ الثمن والمثمن منهما وهكذا.







ومن الموارد التي ذكرت لجواز مخالفة العلم ما إذا اختلفا في سبب الانتقال، كما إذا قال مالك المتاع بعتك إياه بكذا وقال الآخر وهبتني، فإنه لو لم يثبت شيء من الدعويين يتحالفان ويرجع المتاع إلى مالكه الأصلي مع علمه بانتقاله عن ملكه إما بالبيع أو الهبة.







أقول: قد يقال إذا كانت العين تالفة أو كان المدعي للهبة من ذي الرحم يحلف مدعي الهبة على عدم الشراء لجريان أصالة عدم جريان البيع منه من غير أن يعارضها أصالة عدم الهبة منه، فإن أصالة عدم الهبة لا أثر لها بعد تلف العين أو كون المدعي من ذي الرحم، إلاّ أن يثبت وقوع البيع، نعم مع بقاء العين وعدم كون مدعي الهبة من ذي الرحم فعلى المالك أن يرجع إلى متاعه أخذاً بإقرار المشتري حيث إنه اعترف بأن للمالك الرجوع إلى متاعه فلا مورد للحلف ولا علم بمخالفة التكليف لا تفصيلا ولا إجمالا حيث إن للبايع الرجوع إلى المبيع مع عدم تسليم صاحبه الثمن إليه.







ومنها: ما إذا وجد اثنان منياً في ثوب مشترك بينهما بحيث يعلمان جنابة أحدهما، فإنه قد ذكروا أنه لا يجب على كل واحد لصلاته إلاّ الوضوء لجريان الاستصحاب في ناحية عدم الجنابة في حقهما بلا تعارض، ومقتضى ذلك جواز اقتداء أحدهما بالآخر في صلاته ويجوز للثالث الاقتداء بهما في صلاتين مترتبتين، وهذا يوجب علم المأموم ببطلان صلاته لجنابته أو جنابة امامه وعلم الثالث ببطلان صلاته الثانية لجنابة أحد الإمامين.







ولكن لا يخفى أن جواز اقتداء أحدهما بالآخر أو جواز اقتداء الثالث بهما في صلاتين لم يرد في شيء من الخطابات الشرعية، فإن قيل بأن صلاة الإمام إذا كانت بحسب نظره صحيحة يجوز الاقتداء به فلا إشكال، وأما بناءً على كون الشرط في جواز صحة صلاة الامام واقعاً بحيث لو انكشف الحال له لم يجب عليه إعادتها فلا يجوز لصاحبه الاقتداء به، كما لا يجوز للغير الاقتداء بهما في صلاة أو صلاتين، وقد يقال: بلزوم الجمع بين الوضوء والغسل على كل منهما إذا كان صاحبه ممن يمكن استيجاره قبل اغتساله لكنس المسجد ونحوه، مما لا يجوز للجنب، ولكن لا يخفى ما فيه، فإنه إن كان المراد من عدم جواز الاستيجار الحكم الوضعي يعني الحكم ببطلان إجارته فالوضع يترتب على المعاملة بعد حصولها، وإن كان المراد عدم جوازه تكليفاً؛ لأنه من التسبيب إلى الحرام أي إدخال الجنب المسجد فإن إدخاله كدخول الجنب فيه محرم فلا يخفى ما فيه، فإن التسبيب يتحقق مع جهل المباشر بالحال لا مع علمه كما هو الفرض، فغاية الأمر يكون استيجار أحدهما الآخر من الإعانة على الإثم، والإعانة عليه في غير الظلم غير محرّم.







ومنها: ما إذا كانت عين في يد شخص وادعاها اثنان واعترف ذواليد بتلك العين بتمامها لأحدهما ثم اعترف بتمامها للآخر، فإنهم ذكروا بكونها للمقرّ له الأول ويغرم ذواليد بدلها للثاني، فإن مقتضى ذلك جواز أخذ الثالث العين من الأول وبدلها من الثاني ويشتري بهما متاعاً مع علمه بعدم انتقال المتاع إليه لعدم كون تمام الثمن ملكه.







ويجاب عن ذلك بأن إقرار ذي اليد حجة يؤخذ بها، ومقتضى الأخذ بالإقرار الأول الحكم بكون العين ملكاً للمقرّ له الأول كما أن مقتضى نفوذ الإقرار الثاني كون ذلك الإقرار اتلافاً للعين على الثاني فيضمن له البدل.







ثم إنّه لو قيل بأنّ الحكم الظاهري لشخص موضوع للحكم الواقعي للآخرين فيجوز للثالث أخذ العين والبدل منهما وإلاّ فلا يجوز له الأخذ عن أحدهما فضلا عن شراء المتاع بهما.







لا يقال: كيف يجوز للحاكم الحكم بإعطاء العين للأول والبدل للثاني مع أنه يعلم بمخالفة أحد حكميه للواقع، وبتعبير آخر الإقرار إما من قبيل الأمارة أو الأصل ولا اعتبار بشيء منهما مع التعارض.







فإنّه يقال: حكم الحاكم كإفتائه لكل من واجدي المني في الثوب المشترك بوجوب الوضوء لصلاتهما، فإن الموجب لسقوط الأصل في أطراف العلم لزوم الترخيص القطعي في التكليف الواصل بالإضافة إلى المكلف لا لزوم الترخيص في التكليف المتوجه إلى أحد المكلفين.







وأما الإقرار فاعتباره وإن كان من جهة كونه طريقاً إلاّ أن مقدار اعتباره بالإضافة إلى ما كان الإقرار على النفس ولو كان ذلك الإقرار مدلولا التزامياً، وحيث إن الدليل قام بنفوذ الإقرار الأول دون الإقرار الثاني في مدلوله المطابقي يكون الإقرار الثاني مع نفوذ الإقرار الأول إقراراً بإتلاف العين على المقر له الثاني، فيرجع الثاني إلى بدلها نظير رجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء، وعلى الجملة لا علم للقاضي بالترخيص القطعي في مخالفة أحدهما في تكليفه الواقعي بعد احتمال أن الإقرار الأول إتلافاً ظاهرياً على الثاني بإقرار العين للمقر له الأوّل.







ومنها: تجويز مخالفة التكليف في مورد الشبهة غير المحصورة فإنها مخالفة مع العلم بالتكليف وفيه ما لا يخفى، فإن خروج بعض الأطراف فيها عن ابتلاء المكلف وتمكن ارتكابه يوجب جريان الأصل النافي في الأطراف الداخلة في محلّ الابتلاء بلا معارض، أو أن كثرة الأطراف توجب الاطمئنان في البعض بعدم الحرام فيه مما يريد ارتكابه فلا تجويز في مخالفة التكليف المعلوم حتى بنحو الإجمال وتمام الكلام في محلّه.















(1). الكافي 2:401، الحديث الأول.







(2). الكافي 2:19، الحديث 5.







(3). وسائل الشيعة: 29:352، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول.







(4). وسائل الشيعة: 27:232، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث الأول.































الأمر السابع: إنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه لا تكاد تناله يد الجعل إثباتاً أو نفياً فهل القطع الإجمالي كذلك؟[1] مع القطع به أو احتماله أو بدون ذلك[2].







وأما سقوطه به بأن يوافقه إجمالا فلا إشكال فيه في التوصليّات[3].























[1] يقع الكلام في العلم الإجمالي في مقامين:







احدهما: اعتبار العلم الإجمالي في ثبوت التكليف وإحراز تنجّزه، وبتعبير آخر هل يتنجز التكليف المعلوم بالإجمال كتنجزه بالعلم التفصيلي.







وثانيهما: في سقوط التكليف بامتثاله الإجمالي مع التمكن من امتثاله التفصيلي بمعنى يجوز للمكلف الاقتصار على امتثال التكليف بالعلم الإجمالي مع تمكنه من امتثاله التفصيلي بلا فرق بين موارد الشبهة الحكمية والموضوعية، مثلا إذا لم يدر في مورد أن وظيفته القصر أو التمام أو تردد الثوب الطاهر بين ثوبين أن يأتي بالقصر والتمام أو كرّر صلاته في كل من الثوبين مع تمكنه على معرفة وظيفته من الصلاتين أو تمكنه من الإتيان في ثوب طاهر آخر.















في تنجيز العلم الإجمالي







أما الكلام في المقام الأول فيقع في جهتين، إحداهما: عدم جواز المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، وثانيهما: لزوم الموافقة القطعية في التكليف المعلوم بالإجمال.







وقد ذكر الماتن (قدس سره) في الجهة الأولى أنه لا مانع من جعل الحكم الظاهري في كل من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف ولو لزم من العمل بالحكم الظاهري في كل الأطراف العلم بمخالفة التكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّ مرتبة الحكم الظاهري محفوظة في كل منها وهو الشك في تعلق التكليف به واقعاً ودعوى مناقضة الترخيص في الارتكاب في كل من الأطراف مع التكليف المعلوم بالإجمال بينها مدفوعة، بأن المناقضة هي المناقضة الموهومة بين الحكم الظاهري والواقعي وبما أن مرتبة الحكم الظاهري متأخرة عن تعلق الحكم الواقعي فلا مناقضة بينهما، وإلاّ جرت المناقضة بين الحكم الظاهري المجعول في أطراف الشبهة غير المحصورة والتكليف المعلوم بينها بل تجري في الشبهة البدوية أيضاً، لاحتمال ثبوت التكليف الواقعي فيها.







لا يقال: فرق بين الشبهة المحصورة وبين غير المحصورة والشبهة البدوية فإن التكليف في الشبهة المحصورة فعلي بين أطرافها، بخلاف غير المحصورة والشبهة البدوية إذا اتفق التكليف الواقعي فيها.







فإنّه يقال: لا فرق في ذلك بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة وكذا الحال في الشبهة البدوية، حيث يحتمل فيها أيضاً التكليف الفعلي، وإلاّ لم يكن للأصل النافي معنى، وعلى الجملة لو كان تأخر مرتبة الحكم الظاهري مفيداً في الشبهة غير المحصورة والبدوية لكان مفيداً أيضاً في المحصورة ولو لم يكن تأخرها مفيداً في دفع المناقضة وتوقف الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري على الالتزام بعدم فعلية التكليف الواقعي لأمكن الالتزام بعدم الفعلية حتى في أطراف الشبهة المحصورة، وأن فعليته ما لم يمنع عنه مانع عقلا أو شرعاً، فالأول كما في كثرة الأطراف، والثاني كما في إذن الشارع في الاقتحام في المشتبه كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه»(1)، وعلى الجملة صحة مؤاخذة المكلف على مخالفة التكليف مع القطع به في أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الإذن في الاقتحام في الأطراف أن يكون العلم الإجمالي مقتضياً لتنجز التكليف به لا علة تامّة، نظير العلم التفصيلي بالتكليف.















[2] لعلّ هذا الكلام مستدرك فإن القطع بالتكليف الفعلي في أطراف الشبهة غير المحصورة واحتماله في الشبهة البدوية قد فهم مما ذكر قبل ذلك، وأما بدون ما ذكر كما في موارد الخطأ والقطع بالخلاف فلا يكون مورد لجريان الأصل، والتكليف الواقعي فيها إنشائي محض على مسلكه (قدس سره) فلا موجب لذكره من موارد الإذن الشرعي في الارتكاب بعنوان الحكم الظاهري.







أقول: أما اختلاف الحكم الظاهري مع الواقعي في المرتبة فقد اعترف (قدس سره) في بحث إمكان التعبد بالأمارة بأنه غير مفيد في رفع التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري، فإنه وإن لا يمكن جعل الحكم الظاهري إلاّ بلحاظ ثبوت الحكم الواقعي في مورده، إلاّ أنه يثبت في مرتبة الحكم الظاهري الحكم الواقعي أيضاً لما تقدم من عدم إمكان جعل الحكم الواقعي في خصوص صورة العلم به فيكون المجعول مطلقاً ذاتاً، وأما تقييد فعلية الحكم بعدم المانع بالتقريب المتقدم فهو مبني على ثبوت مرتبتي الإنشاء والفعلية للحكم بالمعنى الذي التزم به، وقد ذكرنا أنه غير صحيح وان فعلية الحكم تابعة لكيفية جعله واعتباره فلا تختلف فعلية الحكم عن مقام إنشائه إلاّ بتحقق الموضوع له خارجاً مع الفعلية وتقدير ذلك التحقق وفرضه في مقام الجعل.







ويمكن أن يكون مراد الماتن (قدس سره) من محفوظية مرتبة الحكم الظاهري في كل من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف تحقق الموضوع للحكم الظاهري بخلاف العلم التفصيلي، فإنه لا موضوع معه للحكم الظاهري، ولكن مجرّد ذلك لا يصحح جعل الحكم الترخيصي في جميع أطراف العلم الإجمالي بالتكليف، وذلك فإن الترخيص في الارتكاب في كل منها ينافي الغرض من التكليف الواقعي الثابت بينها الواصل بالعلم الإجمالي، ولا يقاس الترخيص في ارتكاب جميعها بالترخيص في ارتكاب الشبهة البدوية في بعض الأطراف في الشبهة غير المحصورة التي تكون بعض أطرافها خارجة عن تمكن المكلف بارتكابه أو عن ابتلائه لوصول التكليف فيه دونهما.







وعلى الجملة الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل بالعلم الإجمالي قبيح من المولى الحكيم اذا كان الغرض منه إمكان انبعاث العبد بالفعل أو الترك بوصوله كما هو الفرض. ودعوى أن القبيح هو ترخيص المولى في الارتكاب مع علم العبد حين الارتكاب بأن ما يرتكبه مخالفة للتكليف من قبل المولى، ولذا لا بأس على العبد بالارتكاب في موارد الشبهات البدوية حتى لو اتفق بعد الارتكاب حصول العلم له بأن بعض ما ارتكبه كان مخالفة للتكليف واقعاً لا يمكن المساعدة عليها، فإن الارتكاب مع عدم وصول التكليف الواقعي حينه غير قبيح وحصول العلم به بعد ذلك لا يجعل التكليف السابق واصلاً، إلاّ في مورد لزوم تداركه بخلاف وصول التكليف قبل العمل فإن إجمال مورده وعدم تمييزه لا يكون موجباً لرفع قبح الترخيص القطعي في مخالفته، نعم لا بأس بالترخيص في بعض أطرافه إذا كان لذلك البعض معيّن، كما في موارد انحلال العلم الإجمالي حكماً، حيث إن الترخيص فيه لا يلازم الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل والترخيص في المخالفة الاحتمالية باكتفاء الشارع بالموافقة الاحتمالية المعبّر عنه بجعل البدل في مقام الامتثال واقع كما في موارد جريان قاعدة الفراغ ونحوها، بل يمكن أيضاً الاكتفاء فيها بالأمر أو الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف ولو على نحو التخيير في الجملة كمورد الاضطرار إلى شرب أحد الماءين المعلوم إجمالاً نجاسة أحدهما، وإن شئت قلت: التبعيض في تنجيز العلم الإجمالي بالترخيص في ترك الموافقة القطعية مع إحراز الموافقة الاحتمالية لا يعد مناقضاً مع إحراز ثبوت التكليف الواقعي في البين بخلاف الترخيص في المخالفة القطعية فإنه ينافي مع احراز المكلف التكليف الموجود بين الأطراف حيث يناقض بالتكليف في البين مع كون الغرض منه الانبعاث بوصوله، نعم لو فرض كون الغرض من التكليف مختصاً بوصوله الخاص لأمكن الترخيص في الارتكاب مع الوصول الآخر وجرى مثل ذلك في مورد العلم بالتكليف تفصيلاً على ما مرّ في إمكان تصرف الشارع في منجزية العلم مع خصوص الفرض من التكليف، ولكن هذا مجرد فرض كما ذكرنا سابقاً.







لا يقال: يمكن استكشاف عدم عموم الفرض في الشبهة المحصورة وغيرها من الشبهات من مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة عبداللّه بن سنان: «كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابداً حتى تعرف الحرام منه بعينه»(2) فان ظاهرها لزوم الاجتناب عن الحرام إذا تعيّن.







أقول: الرواية مختصّة بالشبهات الموضوعية بقرينة ما ورد فيها من أن الشارع جعل لشيء قسمين: قسم حلال وقسم حرام، وحكم بأن ارتكاب ذلك الشيء له حلال إلى أن يعلم أن ما يرتكبه قسمه الحرام، وكلمة (بعينه) تأكيد جيء بها للاهتمام بالعلم، كما قد يقال: رأيت زيداً بعينه، ويراد منه دفع توهم وقوع الرؤية بغيره ممن يتعلق به كخادمه أو ابنه، والتوهم المنفي في الرواية كفاية الظن بالحرام واحتماله، وعلى الجملة عرفان الحرام بعينه عبارة اُخرى عن العلم بوجود الحرام فيما يرتكبه ولو كان ذلك الحرام غير متميز عن غيره، وإن ادّعي أن كلمة «منه» في الصحيحة ظاهرها عرفان قسم الحرام معيناً، ولكن ذكرنا أن معرفة قسم الحرام بعينه ليس معناه معرفته متميزاً عن غيره حين الارتكاب.







فتحصل مما ذكرنا أن فعلية التكليف ووصوله بالعلم الإجمالي لا ينافي الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية والعلم الإجمالي بالتكليف الواصل وكون الغرض منه إمكان الانبعاث علة تامة بالإضافة إلى عدم جواز الترخيص في مخالفته القطعية، ولكن بالإضافة إلى موافقته القطعية مقتض، بل الحال في العلم التفصيلي بالتكليف أيضاً كذلك فيمكن للشارع الاكتفاء بموافقته الاحتمالية. ودعوى الفرق بينهما بأن قاعدة الفراغ ونحوها من حيث المفاد جعل البدل في مقام الامتثال، بخلاف الأصل النافي في مقام ثبوت التكليف فإنه لا يمكن إذا كان مفاده الترخيص في المخالفة الاحتمالية، حيث إنه ليس من جعل البدل في مقام الامتثال لا يمكن المساعدة عليها؛ لانّ مرجع جعل البدل الظاهري إلى الترخيص في مخالفة التكليف الواقعي الواصل كما هو الحال في الترخيص في ارتكاب بعض أطراف العلم، حيث يمكن فيه أيضاً دعوى أنه من جعل البدل الظاهري للواجب أو الحرام الواقعيين.















في جريان الاُصول العملية في اطراف العلم الاجمالي







بقي في المقام أمر، وهو أنه قد يقال: بعدم جريان الأصل العملي في شيء من أطراف العلم الإجمالي بالتكليف سواء كان الأصل الجاري في كل من أطرافه مثبتاً للتكليف وموافقاً للعلم الإجمالي به، أو كان الأصل الجاري في كل منها منافياً كما يظهر ذلك مما ذكره الشيخ الأنصاري (قدس سره) من أن شمول خطابات الاُصول العملية لأطراف العلم الإجمالي بالتكليف يوجب المناقضة بين صدرها وذيلها فإن إطلاق الصدر في مثل قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» جريان الاستصحاب في كل من الأطراف وإطلاق الذيل، «ولكن انقضه بيقين آخر» لزوم رفع اليد عن الحالة السابقة وعدم جريانه في جميعها، وكذا في قوله (عليه السلام) «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» فإن كل واحد من الأطراف مشكوك فيه مع قطع النظر عن سائر الأطراف ومقتضى إطلاق العلم في الذيل عدم الحكم بالحلية.







ولكن لا يخفى ما فيه فإن ما ورد في الذيل ليس حكماً تعبدياً بل لبيان ارتفاع الموضوع للحكم الظاهري ومن الظاهر أن العلم الذي يرفع الموضوع للحكم الظاهري تعلقه بعين ما تعلق به الشك، والعلم في موارد العلم الإجمالي يتعلق بأحدهما لا بعينه لا بأحدهما بعينه، والمورد للحكم الظاهري هو الثاني دون الأول.







أضف إلى ذلك أنه لو فرض إجمال مثل هذه الخطابات بالإضافة إلى أطراف العلم الإجمالي فيرجع في مورد إجمالها بالخطابات التي ليس فيها ذلك الذيل أو التحديد بحصول العلم بالخلاف، كقوله «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون»(3) و«الناس في سعة ما لا يعلمون»(4) و«لا تنقض اليقين بالشك» وكيف يلتزم بأن إطلاق العلم والعرفان يشمل العلم والعرفان بالعلم الإجمالي بدعوى لزوم التناقض بين الصدر والذيل مع أن لازمه أن لا تجري الاُصول العملية في أطراف العلم الإجمالي غير المنجز مما يعبّر عنه بمورد الانحلال الحكمي، كما إذا كان أحد الاناءين معلوم الطهارة والآخر معلوم نجاسته ثم علم إما بطهارة الأول أو تنجس الثاني بوقوع نجاسة في الثاني أو وقوع المطر في الأول، حيث إن العلم الإجمالي بعدم بقاء الحالة السابقة في أحدهما يمنع عن شمول النهي عن نقض اليقين بالشك لكل منهما.















في جريان الاُصول المثبتة في أطراف العلم الإجمالي







وقد ذكر المحقق النائيني (قدس سره) بأنه لا مجال للاُصول التنزيلية في أطراف العلم الإجمالي سواء كان مقتضاها الترخيص في الارتكاب أم لا فلا يجري استصحاب النجاسة في كل واحد من الاناءين المعلوم إجمالا طهارة أحدهما مع سبق النجاسة في كل منهما، كما لا يجري الاستصحاب في طهارة كل من الاناءين مع سبق طهارتهما والعلم الإجمالي بتنجس أحدهما بعد ذلك، فإن التعبد بالعلم بنجاسة كل من الاناءين لا يجتمع مع العلم الوجداني بطهارة أحدهما، وكذا التعبد بالعلم بطهارة كل منهما مع العلم الوجداني بنجاسة أحدهما، وأما في الاُصول غير التنزيلية التي لا يكون مفادها التعبد بالعلم فعدم جريانها في أطراف العلم يختص بموارد لزوم الترخيص في المخالفة القطعية نظير قوله «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام»، أو «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» إلى غير ذلك، وفيه أن العلم المتعبد به في الاُصول التنزيلية هو العلم من حيث الجري العملي في كل من الأطراف بخصوصه، فالمتعبد به من حيث الجري العملي غير مخالف مع مقتضى العلم الإجمالي بالتكليف بحيث لا يلزم المخالفة القطعية من جريان الاُصول العملية التنزيلية فلا محذور في جريانها في أطرافها، وإلاّ كان التعبد بالعلم مع فرض الشك في غير موارد العلم الإجمالي أيضاً تعبداً بخلاف الوجدان.







ثم إنه قد يقال: إذا كان الممتنع من الترخيص هو الترخيص في المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال فلا بأس بالأخذ بالاُصول المرخصة في كل من أطراف العلم ورفع اليد عن إطلاق الترخيص في كل منهما بأن يرخص الشارع في ارتكاب كل من الطرفين بشرط الاجتناب عن الطرف الآخر، والمورد من صغريات القاعدة التي تذكر في أنه كلما دار الأمر بين رفع اليد عن أصل الحكم المدلول عليه بالخطاب الشرعي ورفع اليد عن إطلاقه، يتعين رفع اليد عن إطلاقه كما إذا دلّ دليل على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة ودلّ خطاب آخر على وجوب الجمعة يحمل الخطابان على كون وجوبهما تخييراً.







ولكن لا يخفى أن هذا فيما إذا احتمل أن التخيير هو الحكم الواقعي، وفيما نحن فيه لا يحتمل كون الحكم الواقعي تخييرياً، كما إذا علم بأن أحد المايعين خمر أو نجس فإن الترخيص في ارتكاب كل منهما بشرط الاجتناب عن الآخر لا يكون حكماً واقعياً لشيء منهما فإن أحدهما الذي هو خمر في الواقع يجب الاجتناب عنه مطلقاً، والآخر الذي ليس بخمر لا يجب الاجتناب عنه أصلا، وعلى الجملة الحكم الظاهري في موضوع لابد من احتمال مصادفته الواقع ومع العلم بعدم كونه حكماً واقعياً لا معنى كونه حكماً طريقياً إلى الواقع، وعلى الجملة الحكم الظاهري المجعول في مورد لابد من احتمال إصابته الواقع.







وأما ما ذكر النائيني (قدس سره) في وجه عدم إمكان تقييد الترخيص في كل من الأطراف بالاجتناب عن الآخر بأن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة، وإذا امتنع إطلاق الترخيص في كل منهما امتنع التقييد أيضاً فلا يمكن المساعدة عليه؛ لما تقدّم من أن امتناع أحدهما يقتضي تعين الآخر، وقد ظهر مما ذكرنا أنه لو كان معين لبعض أطراف العلم في جريان الأصل الترخيصي فيه فيؤخذ به بلا محذور، ومن هنا لو علم المكلف إجمالا بنجاسة الماء أو الثوب فلا يجوز الوضوء من الماء والصلاة في الثوب، وأما شرب الماء فلا بأس به لأصالة الحلية فيه ولا مجرى لها في ناحية الثوب.















[3] لا يخفى أنه لا مورد للتأمل في كفاية الامتثال الإجمالي مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي، فإن الاحتياط غاية ما يمكن للعبد في مقام الامتثال مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي من غير فرق بين أن يستلزم تكرار العمل أم لا، وبين موارد تنجز التكليف الواقعي وعدمه كالشبهات البدوية سواء كانت حكمية أو موضوعية، وكذا كفايته مع التمكن من الامتثال التفصيلي في التوصليات فإن المطلوب والمترتب عليه الملاك نفس الفعل أو الترك المفروض حصولهما بالامتثال الإجمالي، ومن التوصليات العقود والإيقاعات ويكون الاحتياط فيها بتكرار الإنشاء تارة كما إذا تردّد النكاح الممضي شرعاً بين كونه بصيغة أنكحت أو بصيغة زوجت فمع التمكن من الفحص وتعيين أن الإنشاء بالاُولى أو الثانية يكرّر الإنشاء بكل منهما، وكما إذا أراد طلاق زوجة موكّله وتردّدت التي وكّله في طلاقها بين امرأتين له فيجري الطلاق على كل منهما لحصول طلاق المرأة التي وكّله في طلاقها، وقد يشكل في الإنشاء كذلك تارة باختلال الجزم المعتبر فيه، واُخرى بلزوم التعليق في العقد أو الإيقاع، ولكن لا يخفى أن التردّد في صحة أي الإنشاءين شرعاً لا يوجب التردّد في النية، فإن الإمضاء الشرعي خارج عن الإنشاء والمنشأ حكم شرعي يترتب عليهما، ولذا يحصل الإنشاء والعقد ممن لا يعتقد بالشرع، أو لا يعتني به، وأما التعليق فلا حاجة إليه أيضاً حتى فيما إذا كانت زوجة موكّله مردّدة بين امرأتين إحداهما زوجته فإنه إذا أجرى الطلاق على كل منهما يتم طلاق من كانت زوجة موكّله، بل لو علق الطلاق المنشأ على كل منهما على كونها زوجة لموكّله، بأن قال: إن كانت فلانة زوجة موكّله فهي طالق تم الطلاق، فإنه قد ذكر في بحث التعليق في العقد والإيقاع أنه لا يضر التعليق بحصول أمر يتوقف عنوان العقد أو الإيقاع على حصوله عند الانشاء، حيث يكون التعليق في المنشأ لا الإنشاء، والمفروض أن المنشأ لا يتحقق بدون ذلك الحصول حتى مع إطلاق العقد أو الإيقاع، ويترتب على ذلك الطلاق احتياطاً في موارد الشبهة في الزوجية والعتق في مورد الشك في الرقية ونحو ذلك.















(1). وسائل الشيعة 17:87، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.







(2). وسائل الشيعة 17:87، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.







(3). وسائل الشيعة 15:369، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث الأول.







(4). وسائل الشيعة 3:493، الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 11.































وأما في العبادات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار[1].







وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم اُمور:







أحدها: أنه لا ريب في أنّ الأمارة الغير العلمية ليس كالقطع[2].







ثانيها: في بيان أمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية شرعاً، وعدم لزوم محال منه عقلاً[3].















جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي















[1] وأما الامتثال الإجمالي في العبادات فإن كان غير محتاج إلى تكرار العمل كما إذا شك المكلف في اعتبار السورة بعد قراءة الحمد في صلاته فقرأها لاحتمال جزئيتها فلا ينبغي المناقشة في جواز ذلك ولو مع تمكنه من الامتثال التفصيلي ولو علماً فإنه بالامتثال الإجمالي لا يختلّ شيء مما يعتبر في العبادة من قصد القربة، بل الوجه والتمييز حتى لو قيل باعتبارهما زايداً على قصد القربة، فإن ما لا يحصل بالامتثال الإجمالي تمييز الأجزاء الواجبة عن غيرها وهو غير معتبر في صحتها قطعاً حيث لم يرد في شيء من الخطابات الشرعية والروايات التعرض للزومه، بل ما ورد ما يدفع هذا الاحتمال كصحيحة حريز الواردة في تعليم الإمام (عليه السلام) الصلاة التي ينبغي للمكلف الإتيان بها بذلك النحو ويأتي التوضيح لذلك عند التعرض لاعتبار قصد الوجه والتمييز في العبادات.







وأما إذا كان الاحتياط فيها محتاجاً إلى تكرار العمل كما في مورد تردّد الصلاة الواجبة بين القصر والتمام في الشبهة الحكمية أو الموضوعية أو تردّد الثوب الطاهر بين ثوبين فيصلّي صلاته قصراً ويعيدها تماماً أو يصلي في أحد الثوبين ويعيدها في الثوب الآخر إلى غير ذلك، فقد يقال: بعدم جواز ذلك مع التمكن من الامتثال بالعلم التفصيلي؛ لأن الامتثال الإجمالي يلازم الإخلال بقصدي الوجه والتمييز أو لكون التكرار يعدّ لعباً وعبثاً في مقام الامتثال فلا يناسب العبادة، والجواب عن ذلك بأنه لا يكون في الاحتياط بتكرار العمل إخلال بقصد الوجه، فإنه إذا أتى المكلّف بالصلاة قصراً وأعادها تماماً بقصد تحقق الصلاة الواجبة عليه فقد حصلت الصلاة المأمور بها واقعاً بقصد وجهها، نعم عند العمل لا تتميز تلك الصلاة عن الاُخرى وقصد التمييز كذلك غير معتبر في صحة العمل ووقوعها عبادة حتى بناءً على القول بأنه في الشك في اعتبار القيود الثانوية مما لا يمكن أخذها في متعلق الأمر يلزم رعايتها لاستقلال العقل بلزوم الإتيان بنحو يكون محصّلا للغرض من متعلّق الأمر، فإن مقتضى ذلك القول وإن كان الالتزام بالاشتغال، إلاّ أن الالتزام به يختصّ بمورد عدم ثبوت الإطلاق المقامي فيه، والإطلاق المقامي بالإضافة إلى قصد الوجه وقصد التمييز موجود خصوصاً بالإضافة إلى الثاني فإنهما مما يغفل عامة الناس عن اعتبارهما ولو كانا معتبرين في حصول الغرض لتعرض الشارع له بالتنبيه عليه في بعض خطاباته، ويقال: في مثل هذا الإطلاق المقامي بأن عدم الدليل فيه دليل على العدم، أضف إلى ذلك أنه ليس قصد التمييز في الشبهات الموضوعية من الانقسامات الثانوية حيث يمكن أخذه في متعلق الامر كسائر القيود التي يعبّر عنها بالانقسامات الأولية، بأن يأمر الشارع بالصلاة إلى جهة يعلم حالها أنها إلى القبلة أو في ثوب طاهر إلى غير ذلك فالإطلاق اللفظي يدفع اعتبار قصد هذا التمييز.







وأما دعوى كون الاحتياط بتكرار العمل مع التمكن من الامتثال بالعلم التفصيلي يعدّ من اللعب ولا يناسب العبادة فلا يمكن المساعدة عليها أيضاً، وذلك فإنه قد يكون تكرار العمل وترك الامتثال التفصيلي لغرض عقلائي ان المعتبر في العبادة الاتيان بمتعلق الأمر بقصد التقرب والخصوصيات المقارنة لمتعلق الأمر خارجاً أو المتحدة معه الخارجة عن متعلق الأمر لا يعتبر حصولها بقصد القربة فالمكلف إذا أتى بصلاته أول الوقت، أو في مكان خاص بداع نفساني له في أول الوقت أو في الإتيان بها في ذلك المكان صحت صلاته حيث إن المأخوذ متعلق الامر لابد من وقوعه بقصد القربة لا ما هو خارج عن متعلق الأمر ولا يقاس بما إذا كانت الخصوصية المتحدة مع العبادة واقعاً رياءً، فإن قصد التقرب لا يجتمع مع اتحاد متعلق الأمر بما هو محرم، بل قد يقال: ببطلان العبادة حتى مع الخصوصية المنضمة إليها رياءً بدعوى إطلاق ما دلّ على مبطلية الرياء في العمل، ولو كان الرياء في الخصوصية المقارنة المنضمة إليها.







والحاصل ان الأتيان بالعبادة في ضمن عملين المسمّى بالامتثال الإجمالي من خصوصيات تلك العبادة الخارجة عن متعلق الأمر بها، ولا يضرّ الإتيان بالخصوصيات الخارجة عن متعلق الأمر بلا داع عقلائي أو بداع نفساني، وهذا مراد الماتن (قدس سره) من قوله: إنما يضرّ اللعب والعبث إذا كانا بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد كون الأمر داعياً له إلى أصل الطاعة.







وقد ذكر المحقق النائيني (قدس سره) وجهاً آخر لعدم جواز التنزل إلى الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي وهو استقلال العقل بأن الامتثال الاحتمالي في طول الامتثال العلمي وإذا أتى المكلّف بصلاته قصراً ثم أعادها تماماً مع تمكنه من تحصيل العلم بوظيفته من القصر أو التمام يكون الداعي له إلى الصلاة قصراً احتمال الوجوب، وهذا الامتثال كما ذكر في طول الامتثال التفصيلي.







وبتعبير آخر للامتثال مراتب أربع لا يجوز التنزل إلى المرتبة اللاحقة إلاّ مع عدم التمكن من المرتبة السابقة، الامتثال التفصيلي والامتثال بالعلم الاجمالي، الامتثال الظني والامتثال الاحتمالي كما يأتي التعرض لذلك.







أقول: لم يظهر وجه صحيح لكون الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي بل هما في عرض واحد، وذلك فإن المعتبر في العبادة هو حصول العمل بنحو قربي لا لزوم خصوص الإتيان بالعمل بداعي الأمر به، نعم هذا من أفراد حصول العمل قربياً كما أنه يكفي في حصول القربة الإتيان بداعي احتمال كونه متعلق الأمر، وما يكون في طول الامتثال العلمي الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع التمكن من الامتثال العلمي كما إذا كان المكلف في آخر الوقت بحيث لا يتمكن إلاّ من الاتيان بأربع ركعات قبل خروج الوقت ودار أمره بين أن يصليها في ثوب طاهر معلوم وبين أن يصليها في أحد ثوبين يعلم بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر، فإن العقل في الفرض مستقل برعاية الامتثال التفصيلي وعدم جواز التنزل إلى الاحتمالي، هذا مع أن الإتيان بالقصر أولا ثم إعادتها تماماً يكون بداعي الأمر المعلوم إجمالا المتعلق بأحدهما واقعاً، وهذا الامتثال علمي لا احتمالي غاية الأمر لا يدري حال العمل أنّ ما يأتي به هو متعلق الأمر أو ما يأتي به بعده أو أتى به قبل ذلك فيكون فاقداً لقصد التمييز وقد تقدم عدم اعتباره في صحة العبادة.















جواز الامتثال الإجمالي مع إمكان الامتثال الظني التفصيلي







ثم إن الماتن (قدس سره) لم يصرح في كلامه دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي والامتثال الظني بالظن الخاصّ، والظاهر أنه أدرج الامتثال الظني الخاص في الامتثال التفصيلي، وكيف ما كان إذا دار الأمر بين الامتثال التفصيلي بالظن الخاص والامتثال الإجمالي فللمكلّف الأخذ بالامتثال الإجمالي فإن غاية ما دلّ على اعتبار الظنّ انّه في اعتبار الشارع علم أو أنه كالعلم، وقد تقدم جواز الإمتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال بالعلم الوجداني التفصيلي، نعم بناءً على عدم جواز الإمتثال الإجمالي مع التمكن منه للإخلال بقصد التمييز يتعين على المكلف في الواقعة تشخيص الوظيفة بالظن المعتبر، ولكن يجوز له الإتيان بالمحتمل الآخر لاحتمال كونه هو الواجب واقعاً بلا فرق بين الإتيان بذلك المحتمل بعد الإتيان بالمظنون وجوبه أو الإتيان به قبل الإتيان بالمظنون، فإن الإتيان به برجاء أنه الواجب واقعاً مع الإتيان بالمظنون من أرقى مراتب العبودية، مثلا إذا سافر بأربعة فراسخ مريداً الرجوع قبل عشرة أيام يأتي بالصلاة التي استفاد باجتهاده أو تقليده وجوبها بقصد أنها الواجب في حقه، ثم يأتي بالتمام لرجاء إدراك الواقع أو يأتي بالآخر رجاءً أولا ثم يأتي بما هو الواجب في حقه باجتهاده أو تقليده، وقد يقال: بتعيّن الإتيان بالمظنون أولا ثم الإتيان بالمحتمل الآخر رجاءً بدعوى أنه في العكس يكون الامتثال احتمالياً، وقد حكي عن الشيرازي (قدس سره) أنه في مسألة المسافر المفروض يتعين عليه عند إرادته الاحتياط الإتيان بالقصر أولا ثم الإتيان بالتمام رجاءً، والمحكي عن الشيخ (قدس سره) تعين الاتمام أولا ثم الإتيان بالقصر رجاءً واختلافهما ناش من الاختلاف المستفاد من الروايات الواردة من أن المستفاد منها وجوب القصر أو التمام، ولكن لا يخفى أنه لا موجب للالتزام بأنه يتعين الإتيان بالمظنون أولا، فإنّه مع تقديم المحتمل الآخر يأتي به رجاءً ثم يأتي بالمظنون بقصد أنه الواجب في حقه فعلا بحسب الأدلة فلا يفوت منه قصد التمييز.















في دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي والظني التفصيلي







وإذا دار الأمر بين الامتثال الإجمالي والظني المعتبر بدليل الانسداد المعبر عنه بالظن المطلق فقد يقال: إنه بناءً على أن نتيجة مقدمات الانسداد حجية الظن المطلق شرعاً فاللازم على المكلف ترك الامتثال الإجمالي والأخذ بالامتثال الظني؛ لأنه لا يستكشف من مقدمات الانسداد حجية الظن المطلق شرعاً إلاّ إذا كان من مقدماتها عدم جواز الاحتياط لكونه مفوتاً لقصد التمييز المعتبر في العبادات، أو أن الاحتياط غير جايز فيها وفي غيرها لكونه موجباً لاختلال نظام العباد، وأما بناءً على أنه ليس نتيجتها اعتبار الظن شرعاً بل عدم وجوب الاحتياط التام برعاية التكاليف في مظنونات التكليف والمشكوكات والموهومات لكون الاحتياط كذلك موجباً للعسر والحرج فمقتضاها جواز التنزل إلى لزوم الاحتياط في المظنونات خاصة فلا بأس بجواز الامتثال الإجمالي وترك تحصيل الظن في الوقايع.







وقد ذكر صاحب القوانين (رحمه الله) أنه لا يجوز للمكلف في العبادات ترك الاجتهاد والتقليد والأخذ بالاحتياط فيها وتعجب الشيخ الانصاري (قدس سره) من هذا الحكم وذكر أنه كيف يصح ممن لا يرى اعتبار الظن إلاّ بمقدمات الانسداد ويذهب إلى بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد، وفيه أن التعجب بناءً على اعتبار الظن على الحكومة في مورده وأما بناءً على الكشف فلا مورد للعجب.















في دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي والظني المطلق







ولعل المحقق القمي (رحمه الله) يرى اعتبار الظن المطلق على الكشف لاعتبار قصد التمييز فيها وترك طريقي الاجتهاد والتقليد والأخذ بالاحتياط يوجب فقده.







أقول: أما احتمال أن حكم المحقق القمي ببطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليذ والأخذ بالاحتياط مبني على اعتبار قصد الوجه والتمييز فلا يحتمل ذلك في موارد عدم توقف الاحتياط على تكرار العبادة، فإن اعتبار قصد الوجه والتمييز في أجزاء العمل وقيوده غير معتبر قطعاً بل يلزم على المحقق القمي حينئذً الالتزام ببطلان الاحتياط في موارد الشبهة البدوية من الشبهة الموضوعية كما إذا أراد المكلف صوم يوم لاحتمال فوت الصوم عنه مع ظنه عدم الفوت ونحو ذلك مما لا يحتمل التزامه بذلك، وكذلك لا يحتمل بأن يحتاط المجتهد في مسألة مع ظنه بأحد الطرفين من مسائل العبادات، وأما دعوى عدم جواز الاحتياط في المسائل فإن الاحتياط فيها يوجب الاختلال في النظام فلا يخفى ما فيها، فإن الاختلال في النظام يترتب على الاحتياط في جميع الوقايع من العبادات وغيرها ولا يلزم من الاحتياط في خصوص العبادات التي يبتلي بها المكلف، ولذا يأخذ بعض الناس بالاحتياط فيها من صلاته وصومه وغسله وتيمّمه من غير اختلال لاُمور معاشه، وعلى الجملة الحكم ببطلان عبادة من يأخذ بالامتثال الإجمالي فيها غير صحيح، نعم ذكر المحقق النائيني (قدس سره) عدم الجواز فيما إذا كان الاحتياط موجباً لتكرار العمل بدعوى أن المكلف عند الامتثال الإجمالي يكون داعيه إلى العمل احتمال الأمر لا الأمر وقد تقدم ما فيه فلا نعيد.















الأمارات







في الامارات الغير العلميّة















[2] قد تقدم أن القطع بالتكليف الفعلي يوجب تنجز التكليف المقطوع به ولا يمكن التصرف في منجزيته، وأن العلم الإجمالي بالتكليف مقتض لتنجز التكليف المعلوم بالإجمال بالإضافة إلى عدم جواز مخالفته القطعية ولزوم موافقته القطعية على مسلك الماتن (قدس سره) وموجب لعدم جواز مخالفته القطعية، ومقتض بالإضافة إلى موافقته القطعية على ما اخترناه، وأمّا بكلا قسميه أي الظن النوعي والشخصي فلا يوجب بنفسه تنجز التكليف المظنون كما لا يكون مقتضياً له، بل كونه طريقاً منجزاً يحتاج إلى الاعتبار أو أن تثبت مقدمات وتطرأ على المكلفين حالات توجب اعتبار الظن عقلا كما على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة، وعدم اقتضاء الظن للاعتبار بنفسه في ثبوت التكليف ظاهر، وكذا في اعتباره في مرحلة سقوطه بعد ثبوته، وان يظهر من بعض الكلمات، يكتفى بالظن بالفراغ في مرحلة الامتثال على ما حكى الماتن (قدس سره) واحتمل في وجهه عدم لزوم دفع الضرر المحتمل عندهم.







أقول: الضرر المحتمل الذي ذكر البعض عدم لزوم الاجتناب عنه هو الضرر الدنيوي لا الضرر الاُخروي؛ ولذا يجب الاجتناب ورعاية احتمال التكليف في جميع أطراف العلم الإجمالي، وكذا يجب الفحص في الشبهات الحكمية عن التكليف ولا يجوز الرجوع إلى الأصل النافي، ولو كان الضرر الاُخروي المحتمل غير لازم الدفع لكان اللازم الاكتفاء بمجرد احتمال الامتثال ولا يلزم خصوص الظن به.







وعلى الجملة الظن في نفسه لا اعتبار به سواء تعلق بثبوت التكليف أو بسقوطه بعد إحراز ثبوته كيف ولو صادف احتمال الضرر أي استحقاق العقاب الواقع يثبت.







ثم لا يخفى أن اعتبار الظن يكون بالشرع سواء كان الاعتبار تأسيساً أو إمضاءً، وأما ما ذكر الماتن من طرو حالات وترتيب مقدمات يحكم العقل باعتباره معها كاعتبار القطع حال الانفتاح فهو غير صحيح، فإنه بناءً على طروّها وتقرير مقدماتها لا يحكم العقل باعتبار الظن بل يحكم بالاحتياط في مظنونات التكليف المعبر عنه بالتبعيض في الاحتياط برعاية التكليف المحتمل فيها وعدم لزوم رعايته في المشكوكات والموهومات.







وعلى الجملة استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي في المظنونات بناء على تقرير مقدمات الانسداد على الحكومة غير مترتب على الظن بأن يكون هو المنجز للتكاليف، بل المنجز لها العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الوقايع التي يبتلي بها المكلف، والقاعدة الأولية وإن تقتضي رعاية احتمال التكاليف المعلومة بالإجمال حتى في الموهومات إلاّ أن الاحتياط التام لكونه موجباً للعسر والحرج ونعلم أنه غير مراد للشارع يرفع اليد عن رعايتها في المشكوكات والموهومات ويبقى لزوم رعايتها في المظنونات بحاله، وسيأتي توضيح الفرق بين هذا التبعيض في الاحتياط وبين اعتبار الظن لكونه طريقاً متبعاً عند التكلم في مقدمات الانسداد كما هو على الكشف، حيث يرفع اليد بالظن المطلق القائم على نفي التكليف عن الإطلاق أو العموم المقتضي لثبوت التكليف ويقع التعارض بين ظنين نوعيين يدل أحدهما على ثبوت التكليف، والآخر على نفيه على ما يأتي.















في إمكان التعبد بالأمارة







في بيان المراد من الإمكان في المقام















[3] لا ينبغي التأمل في أن البحث في إمكان التعبد بغير العلم من الأمارة الغير العلمية وغيرها ليس بحثا عن الإمكان الذاتي في مقابل الامتناع الذاتي، والمراد من الامتناع الذاتي أن يكون لحاظ الشيء كافياً في الجزم بامتناعه كلحاظ اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما، فإن الإمكان الذاتي للتعبد بغير العلم غير قابل للتأمل، فإن لحاظه بمجرده لا يكون كافياً في الحكم بامتناعه، وكذا ليس المراد منه مجرد الاحتمال كما في قولهم ـ على ما قيل ـ: كل دم أمكن كونه حيضاً فهو حيض، وفي المحكي عن الشيخ الرئيس: كلما قرع سمعك من العجائب فذره في بقعة الإمكان، حيث إن العاقل لا يعتقد بامتناع شيء وقوعاً أو إمكانه كذلك بلا شاهد وبرهان، بل المراد منه الإمكان الوقوعي، ويكون البحث في أنه يلزم من اعتبار أمارة غير علمية أو غير العلم، وقوع ما هو محذور مطلقاً المعبر عنه بالممتنع، أو ما هو محذور على الحكيم المعبر عنه بالأمر القبيح كالأمر بارتكاب الفساد والاجتناب عن الصلاح أو التكليف بما لا يطاق، أو لا يلزم شيء من ذلك، وظاهر كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره) أن عدم ثبوت امتناع الشيء ولزوم المحذور من وقوعه طريق عند العقلاء إلى إمكانه، ولذا تصدى (قدس سره) لرفع المحاذير المتوهمة من لزوم التعبد بالظن، واُورد عليه الماتن (قدس سره) بما حاصله أن بناء العقلاء على الإمكان الوقوعي للشيء مع عدم ثبوت امتناعه من ترتيب آثار الإمكان، وعلى تقدير بنائهم على الإمكان مع احتمال الامتناع فلا يصح الاعتماد عليها؛ لأنها تحتاج إلى إحراز الإمضاء فإن كان طريق الإمضاء موجباً للعلم به يحرز معه إمكان التعبد بغير العلم؛ لأن وقوع الشيء من طرق إثبات إمكانه وإن لم يثبت الإمضاء بالعلم كما هو الفرض، فلا يفيد لأن الكلام في المقام في إمكان التعبد بغير العلم ومن غير العلم ما دلّ على اعتبار تلك السيرة وإمضائها، وأعقب ذلك بأنه لا يترتب على البحث في إمكان التعبد بغير العلم وامتناعه ثمرة فإنه يتعين في الالتزام بأمارة غير علمية ثبوت التعبد بها بالعلم أو بما ينتهي إليه، فإن اُحرز وقوع التعبد بها كذلك يستكشف إمكانه أيضاً، لأن وقوع الشيء طريق إلى العلم بإمكانه وإن لم يحرز التعبد بها كذلك يكون البحث في إمكان التعبد لغواً لأنه لا يختلف الحال بين إمكانه وعدمه بعد فرض عدم وقوع التعبد به.







وقد يقال: بأنه ليس مراد الشيخ (قدس سره) دعوى سيرة العقلاء على الإمكان في كل شيء احتمل امتناعه ليقال، بمنع ذلك، بل مراده البناء على إمكان الحكم الذي هو مدلول خطاب المولى، فإنه إذا ورد في خطابه ما هو ظاهر في وقوع التعبد بأمارة غير علمية كخبر العدل واحتمل عدم إمكان التعبد به في الأحكام أو الموضوعات يأخذون بظاهر الخطاب المزبور، نظير ما ورد في خطاب الأمر بإكرام العلماء وشك في إمكان طلب إكرام غير العادل من العلماء، فلا يجوز طرح عموم الخطاب بمجرد احتمال الامتناع بأن يقال: العموم المزبور إمكانه ثبوتاً غير ثابت يحتمل في الخطاب التأويل، نعم إذا ثبت امتناع الحكم المدلول عليه بالخطاب ثبوتاً لقبحه من الحكيم يطرح ذلك الظهور أو يؤوّل وقد تحصّل أن البحث في إمكان التعبد بالأمارة غير العلمية مرجعه أنه يثبت عند العقل محذور من التعبد بالأمارة غير العلمية ليطرح الخطاب الظاهر فيه أو أنه لم يثبت حتى يؤخذ بمدلوله، وهذا بحث اُصولي تترتب عليه الثمرة.







أقول: لو كان المراد مما ذكر الشيخ من القاعدة عند العقلاء لكان هذا من إثبات إمكان التعبد بغير العلم بالوقوع؛ لأن مع إحراز سيرتهم على الأخذ بظاهر كلام المولى وخطابه حتى فيما كان مدلوله اعتبار أمارة يكون العقل حاكماً بأنه لو لم يمكن التعبد بأمارة غير علمية لكان على الشارع ردع الناس عن الأخذ بظاهر خطاباته، ومع إحراز عدم ردعه بضميمة عدم إحراز امتناع التعبد يكون ذلك دليلا قطعياً على إمضاء السيرة ووقوع التعبد بأمارة غير علمية ولو في الجملة، وإنما قلنا بضميمة عدم إحراز الامتناع عند العقل؛ لأنّه مع ثبوت الامتناع عنده لا حاجة إلى ردعه لكفاية اعتماده في الردع على حكم العقل بالامتناع.







وقد أورد المحقق النائيني على ما ذكر الشيخ بوجه آخر، وهو أنه على تقدير السيرة من العقلاء على ترتيب آثار إمكان الشيء عند عدم ثبوت امتناعه فهو فيما إذا كان المشكوك إمكانه التكويني لا الإمكان التشريعي، والكلام في إمكان التعبد بالأمارة غير العلمية في إمكانه التشريعي ولا يخفى ما فيه، فإن الإمكان أو الامتناع يكون من حكم العقل غاية الأمر المتصف بحكمه بالإمكان أو الامتناع يكون الشيء التكويني أو الأمر التشريعي، من الحكم التكليفي أو الوضعي، فلا يختلف ولا يتعدد الإمكان أو الامتناع وإنما الاختلاف في الموصوف بكل منهما.























وكيف كان فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال أو الباطل ولو لم يكن بمحال اُمور[1]:







وأما تفويت مصلحة الواقع أو الإلقاء في مفسدته فلا محذور فيه أصلا، إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة[2].







نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية أو بانه لا معنى لجعلها إلاّ جعل تلك الأحكام[3].







فانقدح بما ذكرنا أنه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الاُصول والامارات فعلياً كي يشكل تارة[4].







واُخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك؟ مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والاُصول العملية[5].















في إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية















[1] قيل يلزم من التعبد بالأمارة غير العلمية اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين فيما أصاب أو ضدين من إيجاب وتحريم ومن إرادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين فيما أخطأ، ولو فرض الكسر والانكسار في موارد خطأ الأمارة يلزم التصويب أي تبدل الحكم الواقعي إلى ما يقتضيه الانكسار، والانكسار من الحكم الذي هو مدلول الأماره أو حكم ثالث آخر كما قيل بأنّ التعبد بالأمارة يوجب بطلان الضدين، كما إذا كان فعل واجباً واقعاً وقامت الأمارة على وجوب ضدّه، كما يوجب التعبد بها تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، كما إذا قامت الأمارة على عدم وجوب ما هو واجب واقعاً أو عدم حرمة ما هو حرام واقعاً، بأن قامت على كون الفعل الذي هو واجب واقعاً أنه محكوم بسائر الأحكام أو ما هو حرام واقعاً على كونه محكوماً بغير الحرمة.







وأجاب الماتن (قدس سره) عما قيل من لزوم الأمرين الأولين بأنهما غير لازمين لاعتبار الأمارة وذلك فإن اعتبارها عبارة عن جعل الحجية التي كانت للقطع بالتكليف بالذات وبحكم العقل للامارة فتكون الأمارة القائمة على التكليف الواقعي منجّزة له فيما أصاب، فيكون المكلف مستحقاً للعقاب على مخالفة ذلك التكليف الواقعي ومعذّرة فيما أخطأ كما أن المكلف يستحق المثوبة والعقاب على مخالفة الأمارة في موارد مخالفتها الواقع لانقياده وتجريه، واعتبار الحجية للأمارة القائمة على التكليف لا يستلزم جعل حكم تكليفي على طبقها أصلا، وذلك فإن الفعل الذي قامت الأمارة على حكمه الواقعي لا يكون فيه مصلحة أو مفسدة غير ماكان فيه قبل قيامها فلا موجب لجعل حكم نفسي آخر، حيث إن جعله يكون بلا ملاك وكذا لا موجب لجعل حكم مولوي طريقي يتعلق بذلك الفعل؛ لان شأن الحكم الطريقي لكون جعله تحفظاً على امتثال التكليف الواقعي عند ثبوت التكليف الواقعي أو التعذير عنه، والمفروض تنجّز الحكم الواقعي عند إصابة الأمارة التكليف الواقعي والتعذير عنه عند عدم إصابتها بنفس جعل الحجية لها التي هي من قسم الحكم الوضعي، وعلى الجملة فلا معنى لتنجز الواقع بعد فرض تنجّزه ولو فرض الأمر بالعمل بالأمارة يكون الأمر المزبور إما ارشاداً إلى حجيتها أو إرشاداً إلى موافقة التكليف الواقعي وإطاعته.







وقد اُورد على ما ذكره الماتن (قدس سره) بوجهين:







أولهما: أنه لو كان المجعول في اعتبار الأمارة جعل الحجية لها التي هي بمعنى المنجزية والمعذرية لزم التخصيص في الحكم العقلي بقبح العقاب بلا بيان، فإنه إن اعتبرت الأمارة القائمة بالتكليف الواقعي عند إصابتها الواقع علماً به فيرتب على هذا الاعتبار استحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لوصوله بتلك الأمارة ولا يقبح العقاب على مخالفته لوصول التكليف وكون المكلف عالماً في اعتبار الشارع فلا موضوع في موردها لقاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ وإما مع عدم اعتبارها علماً وبقاء التكليف الواقعي على حاله من عدم البيان يكون المكلف معاقباً على مخالفته، وهذا معنى التخصيص في حكم العقل، ولكن هذا الإشكال ضعيف وذلك فإن الموضوع في قاعدة قبح العقاب بلا بيان عدم البيان لا عدم العلم وبجعل الحكم الطريقي أو اعتبار الحجية للأمارة يرتفع عدم البيان، فإن المراد بالبيان مصحح العقاب ولذا يكون الأمر المولوي الطريقي بالاحتياط في الشبهة البدوية في مورد حتى بعد الفحص موجباً لاستحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي، وتخرج تلك الشبهة عن موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان بارتفاع موضوعها.







والوجه الثاني: ما ذكره المحقق الاصبهاني وهو أنه لا عقاب على مخالفة الواقع مع عدم الحجة على الواقع عقلا أو شرعاً فنفس جعل الحجية بنفس جعل العقاب المتوقف على وجود الحجية دورى، وفيه أيضا أن الشارع يعتبر تأسيساً أو إمضاءً مخالفة الأمارة المصيبة للتكليف الواقعي موضوعاً لاستحقاق العقاب على مخالفة ذلك التكليف، وهذا الاعتبار معنى إنشاء الحجية للأمارة وإذا وصل هذا الاعتبار إلى المكلف يترتب على مخالفة الأمارة المصيبة للتكليف الواقعي استحقاق العقاب، ولذا يكون الشك في حجية أمارة مساوقة للقطع بعدم حجيتها، فإنشاء الحجية الموقوف عليها الاستحقاق الفعلي غير الاستحقاق الموقوف كما لا يخفى.







وقد ذكرنا مراراً أن اعتبار الأمارة عبارة عن كونها علماً في اعتبار الشارع كما هو الحال أيضا في سيرة العقلاء حيث يعتبرون خبر الثقة أو ظاهر خطاب المتكلم علماً بمراده، وقد أورد المحقق الاصبهاني على ذلك أيضا بأن اعتبار الأمارة علما بتنزيلها منزلة العلم في الأثر العقلي فمرجعه إلى جعل الأثر العقلي للأمارة أي التنجيز الذي لا يقول بجعله من يقول باعتبار الأمارة علماً، وإن كان تحقيق الموضوع للأثر العقلي، فمقتضاه أن يكون الأثر العقلي مترتباً على الأعم من الوصول الحقيقي والاعتباري، لا أن يكون مترتباً على خصوص العلم الوجداني؛ وفيه أن التنزيل فيما كان المنزل بنفسه قابلا للاعتبار والجعل يكون بجعله لا جعل أثر المنزل عليه على المنزل، والموضوع لاستحقاق العقوبة على مخالفة التكليف تمامية البيان لذلك التكليف بحيث يخرج المورد به عن اللابيان الموضوع لقبح العقاب، وكما تقدم أن ترتب الاستحقاق على مخالفة التكليف المعلوم لكون العلم بياناً وباعتبار الأمارة القائمة بالتكليف علماً يتم كونها بياناً أي مصححاً للعقاب، وعلى الجملة مقتضى السيرة العقلائية في باب الأمارات اعتبارهم تلك الأمارات علماً، ولذا يطلقون عليها العلم والشارع قررهم على اعتبارهم في الشرعيات أيضاً، ويشهد لكونها علما في اعتبار الشارع أيضا أن الاعتماد عليها لا يكون تخصيصاً أو تقييداً في مثل قوله سبحانه (لا تقف ما ليس لك به علم)(1)(انّ الظن لا يغني من الحق شيئا)(2) حيث إن مثلهما آب عن التخصيص، واعتبار مثل الظن بالقبلة إذا لم يعلم وجهه من قبيل الاكتفاء بالامتثال الظني في التكليف المحرز بالعلم التفصيلي، حيث ذكرنا جواز الاكتفاء من الشارع في مثله حتى بالامتثال الاحتمالي كما في مورد قاعدتي الفراغ والتجاوز لا من باب جعل الظن أمارة فتدبر.















[2] وتوضيح الجواب عن المحذور الثالث وهو لزوم تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة هو أن الحكم الواقعي المتعلق بالفعل جعله ناش عن مصلحة أو مفسدة في ذلك الفعل، وأما اعتبار الأمارة القائمة على الحكم الواقعي فناشئ عن الصلاح في نفس الاعتبار لها، وإذا كانت مصلحة في اعتبارها فلا محذور في تفويت المصلحة أو ابتلاء المكلف في المفسدة في بعض الأحيان، وبتعبير آخر أن الأمارة القائمة بوجوب فعل أو حرمته أو إباحته إما أن تكون معتبرة بنحو السببية والموضوعية، بأن يكون قيامها بحكم فعل موجباً لحدوث مصلحة أو مفسدة في ذلك الفعل أو زوال المصلحة أو المفسدة عنه، بحيث يكون قيامها على خلاف الواقع من الجهات المحسنة والمقبّحة فلا يكون في البين تفويت مصلحة أو إلقاء في المفسدة، وإنما يوجب اعتبارها كذلك التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه، وإما ان تكون معتبرة بالالتزام بالمصلحة السلوكية كما يظهر هذا الالتزام من كلمات الشيخ (قدس سره)والمراد بالمصلحة السلوكية أن لا يكون تغيّر في صلاح الفعل أو فساده، بل يكون العمل بالأمارة فيه مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع، كما إذا قامت الأمارة بوجوب القصر في مورد يكون الواجب فيه واقعاً هو التمام، فإن العمل بتلك الأمارة بالإتيان بالصلاة قصراً فيه صلاح مساو لما فات عن المكلف من مصلحة الصلاة تماماً، وهذا فيما إذا لم ينكشف الخلاف في الأمارة المزبورة أصلا، وأما إذا انكشف الخلاف بعد خروج الوقت يتدارك بها مصلحة فوت الصلاة تماماً في الوقت خاصة، ولذا يجب قضائها تماماً وإذا انكشف الخلاف في الوقت يتدارك بها مصلحة فوت التمام في أول الوقت خاصة، ولذا تجب إعادتها قبل خروج الوقت ويلتزم بأن هذا النحو من اعتبار الأمارة الذي اختاره الشيخ في ظاهر كلامه لا محذور فيه إلاّ أنه لا دليل على الاعتبار بهذا النحو.







أقول: هذا النحو من الاعتبار أيضاً يوجب التصويب فيما إذا لم ينكشف الخلاف أصلا أو انكشف بعد الوقت فيكون الوجوب في الوقت تخييراً، أو تخييراً بين الإتيان بالقصر في الوقت والتمام بعد خروجه أو الاتيان بالتمام في الوقت فإنه لا معنى لسلوك الأمارة إلاّ العمل على طبق مدلولها وهو الإتيان بالفعل الذي قامت على وجوبه، وهذا فيما قامت الأمارة على وجوب فعل وكان الواجب في الواقع فعلا آخر، وأما إذا قامت على إباحة فعل كان في الواقع حراماً أو واجباً كان سلوك الأمارة بالفعل في الأول أيضاً، وبالترك في الثاني، ومع عدم انكشاف خلافها أصلا كيف يتصور بقاء المفسدة في الأول والمصلحة في الثاني مع فرض المصلحة السلوكية التي هي بالفعل في الأول والترك في الثاني؟







وعلى الجملة يتعيّن في اعتبار الأمارة بالطريقية المحضة، بمعنى أن قيام الأمارة بوجوب فعل أو حرمته أو إباحته لا يوجب انقلاباً في ملاك ذلك الفعل أصلا، ولا يحدث في العمل على طبق الأمارة مصلحة بمقدار ما يفوت من مصلحة الواقع أو يتدارك مقدار ما يبتلى به المكلف بالمفسدة الواقعية، بل اعتبار الأمارة علماً أو جعل الحجية لها أو جعل الحكم الطريقي على طبق مدلول الأمارة فيه مصلحة ولا تكون هذه المصلحة شخصية، بمعنى ثبوت الصلاح في ثبوت مصلحة في كل مورد من موارد قيامها، بل يصح الاعتبار والجعل مع المصلحة النوعية بأن تكون تلك المصلحة التحفظ على التكاليف الواقعية من حيث الرعاية والامتثال بأن يرى الشارع أنه لو لم يعتبر الأمارة الفلانية وأوكل في وصول المكلف إلى التكاليف الواقعية إلى اعتقاده الجزمي يكون اعتقاده الجزمي بالتكاليف الواقعية أقل إصابة من صورة اتباعه تلك الأمارة ولو مع تمكنه من الاحتياط في الوقايع، إلاّ أن صعوبة الاحتياط في الوقايع يوجب إهماله في تلك التكاليف، فتعتبر الأمارة لتسهيل الأمر والمصلحة النوعية المعبر عنها بتسهيل الأمر الجارية حتى في اعتبار الاُصول النافية، وهذه المصلحة النوعية المترتبة على اعتبار الأمارة أو الأصل تجتمع مع المفسدة الشخصية وفوت المصلحة، ولا قبح فيه على الحكيم كما يظهر ذلك في القوانين المشروعة من العقلاء في مجتمعاتهم من رؤسائهم، ولعل ما ذكر الماتن (قدس سره) من قوله: «وأما تفويت مصلحة الواقع أو الإلقاء في مفسدته فلا محذور فيه أصلا إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الالقاء» راجع إلى ملاحظة المصلحة النوعية التي لا محذور مع رعايتها فوت مصلحة شخصية أو الإلقاء في المفسدة كذلك.















في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري















[3] يعني لو قيل بأن جعل الحجية للأمارة يلزمها جعل مدلول الأمارة حكماً تكليفياً أو أنه لا معنى لجعل الحجية لها إلاّ بجعل مدلول الأمارة حكما تكليفياً فاجتماع حكمين وإن يلزم في فعل واحد إلاّ أنهما ليسا بمثلين عند إصابة الأمارة الواقع ولا بضدين عند خطئها، والوجه في ذلك أن الحكم الواقعي حكم تكليفي نفسي ينشأ عن مصلحة أو عن مفسدة في متعلقه، ولذا تتعلق بذلك المتعلق الإرادة والكراهة من المولى، والمجعول في اعتبار الأمارة حكم طريقي ينشأ من مصلحة في نفس ذلك الحكم، حيث يوجب تنجيز الواقع أو العذر عنه من غير أن يتعلق بمتعلقه إرادة أو كراهة فيما إذا لم يتعلقا به مع قطع النظر عن قيام الأمارة واعتبارها فلا يلزم اجتماع إرادتين بالإضافة إلى فعل ولا اجتماع الإرادة والكراهة فيه، وإنما يلزم إنشاء حكم واقعي حقيقي يكون على وفقه إرادة الفعل أو الكراهة عنه، وإنشاء حكم طريقي آخر، فلا يكون بين الحكمين محذور اجتماع المثلين إذا اتفقا، ولا اجتماع الضدين إذا اختلفا، ولا اجتماع إرادة وكراهة في فعل واحد حيث لا إرادة ولا كراهة إلاّ بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي النفسي.







ثم إنه (قدس سره) ذكر الإشكال في الالتزام بفعلية التكليف الواقعي في بعض موارد الاُصول العملية كأصالة الإباحة الشرعية، ووجهه أن الإذن في الإقدام والاقتحام وارتكاب الفعل وإن كان لمصلحة في الإذن ينافي الحرمة الواقعية النفسية الفعلية، كما إذا كان المأذون حراماً واقعياً حيث إن الإذن الطريقي وإن يكون لمصلحة في نفس الإذن لا لعدم مصلحة ملزمة أو مفسدة ملزمة في المأذون فيه، كما هو الحال في الإذن الواقعي النفسي، إلاّ أن الطريقي منه أيضاً ينافي الحرمة الواقعية الفعلية فلا محيص في مثله من الالتزام بأنه لا إرادة ولا كراهة في نفس المولى عند تحقق الإذن في الارتكاب لا بمعنى أن الحرمة الواقعية ليست بفعلية مطلقا بل هي فعلية مادام لم ينقدح في نفس المولى الإذن في الارتكاب لمصلحة في نفس الإذن.







أقول: لو كان الترخيص الطريقي في الارتكاب منافياً للمنع النفسي الواقعي وموجباً لانتهاء فعليته بثبوت الترخيص الطريقي في الارتكاب، لجرى هذا الكلام بعينه في موارد الأمارة أيضاً إذا قامت بإباحة فعل كان في الواقع حراماً، فلا وجه لجزمه بعدم المنافاة في الأمارات ولو بناءً على جعل مداليلها حكماً طريقياً وجزمه بالمنافاة في أصالة الحلية، ويلزمه أيضا أنه لو لم يكن جعل أصالة الإباحة ونحوها من الاُصول الشرعية التي مفاد خطاباتها الإذن في الارتكاب أو الترك في الشبهات التحريمية والوجوبية لكانت الشبهات مجرى الاحتياط العقلي، نظير أطراف الشبهة في العلم الإجمالي؛ لأن العقل لا يرخص في ارتكاب فعل يعلم على تقدير حرمته بأن حرمته فعلية أو على تقدير وجوبه بأن وجوبه فعلي، والصحيح أنه لا منافاة بين الترخيص الطريقي الذي هو عبارة عن إنشاء الترخيص في الارتكاب ليكون عذراً للمكلّف عند عدم وصول التكليف الواقعي، وبين المنع الواقعي النفسي الفعلي، فإن الترخيص الطريقي لا يكون في الحقيقة الرضا بالارتكاب لينافيه المنع الواقعي، ولعل الذي أوقع الماتن (قدس سره) فيما ذكره حسبان أن الإذن الظاهري الطريقي في موارد الاُصول إظهار رضاه بالارتكاب حقيقة، كما يفصح عن ذلك قوله: «وكونه فعلياً، إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبوية أو الولوية فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لمصلحة فيه».







والحاصل أن الترخيص الطريقي أمر إنشائي محض وقسم من الحكم الذي لا تكون المصلحة إلاّ في جعله وقابل للجمع مع التحريم الواقعي وفعليته مع عدم وصوله إلى المكلف، كما هو الفرض في موارد الأحكام الظاهرية العذرية حيث لا يكون الحكمان متنافيين في جهة مبدئهما ولا في جهة المنتهى، وقد ذكرنا مرارا أن المراد من فعلية التكليف الواقعي تحقق الموضوع له بقيوده المفروضة له في مقام جعله، وأما تعلق إرادة المولى بفعل العبد في موارد وجوب الفعل أو بتركه في موارد تحريمه أمر لا أساس له، فإن فعل العبد بما هو فعله خارج عن اختيار المولى بما هو مولى، والاشتياق إلى فعل الغير أو الكراهة عنه غير إرادة الفعل أو الترك، وتعلق إرادة اللّه سبحانه بفعل العباد بما هو قادر وخالق يوجب خروج أفعال العباد عن الاختيار ولزوم الجبر الذي التزم به الجبريون، وإنما تتعلق إرادة المولى بفعله وهو الإيجاب والتحريم لفرض إمكان كونه داعياً للعبد إلى الفعل أو الترك بوصولهما إليه، والحكم الظاهري مجعول في فرض عدم الوصول لمصلحة في نفس جعله، ويدل على أن فعلية الحكم الواقعي لا تدور مدار تعلق إرادة المولى بالفعل أو الترك أن الإباحة الواقعية تكون فعلية مع عدم فرض إرادة من المولى متعلقه بالفعل أو الترك.







وأما ما ذكره المحقق الاصبهاني (قدس سره) في وجه عدم تعلق الإرادة من اللّه سبحانه بأفعال العباد وكذلك لا تتعلق الإرادة بها في نفس النبوي والولوي بأن الشوق إنما يتعلق بالشيء إذا كان فيه جهة راجعة إلى المشتاق وأفعال العباد لا يعود صلاحها وفسادها إلاّ إليهم، فلا معنى لانقداح الإرادة في النفس النبوية والولوية فضلاً عن المبدأ الأعلى فحصول الشوق الأكيد بالإضافة إلى فعل المكلفين على حد حصول المعلول بلا علة.







فقد ذكرنا في بحث الطلب والإرادة أن الإرادة ليست شوقاً مؤكداً، والشاهد صدور الفعل واختياره عن شخص من غير أن يكون اشتياق له بالإضافة إلى نفس ذلك الفعل، أو إلى ما يترتب عليه، بل الإرادة استعمال القدرة في أحد طرفي الشيء فإرادة اللّه سبحانه تتعلّق بكون العباد مختارين في أفعالهم التي تقع مورداً للاحكام وللتكاليف كما تتعلق بالتكاليف التي جعلها في حقهم، واستعمال العباد القدرة المعطاة لهم بحكمته سبحانه في أحد طرفي الفعل مستند إليهم لا إلى اللّه سبحانه وإن أردت التوضيح فراجع بحث الطلب والإرادة.















[4] يظهر من كلمات الشيخ (قدس سره) في مقام الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري أن الأحكام الواقعية في موارد الأمارات والاُصول شأنية، والمراد بالشأني ما يعبّر عنه بالحكم الإنشائي، فكون مدلول الأمارة أو مفاد الأصل حكماً فعلياً لا ينافي الحكم الواقعي، وقد أورد الماتن (قدس سره) على ذلك بأن لازم ما ذكر أن لا تصل تلك الأحكام بقيام الأمارة التي قام الدليل على اعتبارها مرتبة التنجّز، وذلك فإن مدلول دليل اعتبارها تنزيل مؤداها منزلة الواقع فيكون مؤدّاها حكماً واقعياً تنزيلياً، وبما أن الواقع حكم إنشائي غير فعلي فالحكم الواقعي التنزيلي لا يزيد على الواقعي الحقيقي فيما إذا فرض أن الواقع الحقيقي إنشائي غير فعلي في عدم لزوم امتثاله، وبتعبير آخر العلم الوجداني بالواقعي الإنشائي غير منجّز كما تقدم سابقاً في توجيه تقييد متعلق القطع بالتكليف الفعلي، فمع الأمارة القائمة وثبوت الواقع التنزيلي بدليل اعتبارها يثبت حكم واقعي إنشائي تنزيلي، لا يقال: وإن لم يكن الحكم الواقعي عند الشيخ (قدس سره) فعلياً مع قطع النظر عن العلم به إلاّ أنه بالعلم به يصل إلى مرتبة الفعلية، فإن العلم بالحكم الإنشائي موضوع لفعليّته، فالمنزل عليه في دليل اعتبار الأمارة ليس مجرد نفس الحكم الواقعي ليرد عليه عدم لزوم تنجّزه بقيام الأمارة الظنية، بل هو الحكم الواقعي الذي أدت إليه الأمارة الوجدانية أي الحكم الواقعي المعلوم، فإنّه يقال: إنما تخبر الأمارة الظنية عن الحكم الواقعي المفروض كونه إنشائياً، وغاية مدلول دليل اعتبار الأمارة أن مؤدى الأمارة هو الحكم الواقعي لا الواقعي الذي قامت به الأمارة الوجدانية، اللّهم إلاّ أن يقال: لو كان مدلول دليل اعتبار الأمارة تنزيل المؤدى منزلة نفس الحكم الواقعي يكون اعتبارها لغواً فيستفاد من دليل اعتبارها بدلالة الاقتضاء أن المنزل عليه هو الحكم الواقعي الذي أدت اليه الأمارة الوجدانية، ولكن دليل الاقتضاء لا يجري في الموارد التي يكون فيها للأحكام الواقعية في مرتبتها الإنشائية أثر كاستحقاق المثوبة على الموافقة.







أقول: إذا فرض أن الحكم الواقعي إنشائي ولا يكون فعلياً إلاّ مع الأمارة الوجدانية يعني العلم به يكون تنزيل مؤدى الأمارة الظنية منزلة الواقعي كافياً في وصوله مرتبة التنجّز على تقدير المصادفة وذلك لما تقدم في بحث قيام الأمارات بدليل اعتبارها مقام القطع الموضوعي الطريقي من أن تنزيل الشيء منزلة جزء الموضوع أو قيده صحيح فيما إذا حصل الجزء الآخر أو المقيد بنفس ذلك التنزيل والأمر في المقام كذلك، فإنّه بتنزيل المؤدى منزلة الواقع يحصل العلم بالواقع ولو كان الواقع تنزيلياً، إلاّ أن العلم به وجداني والمفروض أن العلم بالواقع موضوع لفعلية ذلك الواقع فالفعلية والتنجز يحصلان معا وإن كان التنجز متأخراً عن الاُولى مرتبة.















[5] ومراده مما ذكر الإشكال فيما ذكر الشيخ (قدس سره) من أن الأحكام في موارد الطرق والأمارات والاُصول العملية إنشائية، ووجه الإشكال أن اعتبار الأمارة ومفاد الاُصول هو عند الجهل بالواقع، واحتمال التكليف الفعلي في مواردها؛ وإلاّ فمع إنشائية الحكم لا يكون موضوع لاعتبارهما.







أقول: لم يؤخذ في موضوع اعتبار الأمارة عقلا إلاّ عدم العلم الوجداني من المكلف بالحكم الواقعي؛ لأنّ التعبد مع العلم بالواقع لا معنى له، وأما مفاد الاُصول فسيأتي التعرض لها في ذيل الوجه الآتي في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.















(1). سورة الإسراء: الآية 36.







(2). سورة يونس: الآية 36.































كما لا يصحّ التوفيق بأن الحكمين ليسا في مرتبة واحدة، بل في مرتبتين ضرورة تأخّر الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين[1].







ثالثها: أنّ الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ولا يحرز التعبد به واقعاً عدم حجيته جزماً[2] بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعاً.







وأما صحة الالتزام بما أدّى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليستا من آثارها[3].















في مقالة المحقق النائيني في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري















[1] قد تشبث المحقق النائيني (قدس سره) بهذا الوجه في مفاد الاُصول الغير المحرزة من إيجاب الاحتياط وأصالتي البراءة والحليّة، وقد ذكر أن المجعول في الأمارة تتميم كشفها، بمعنى أن الأمارة القائمة بحكم وتكليف تعتبر علماً بذلك الحكم والتكليف، حيث إن الأمارات جلّها بل كلّها اُمور إمضائية في اعتبارها والعقلاء في بنائهم يرونها علماً والأمارة وإن تكون فيها بنفسها نوع كشف عن الواقع إلاّ أن كشفها عنه ناقص، وفيها احتمال اختلاف الواقع عن مدلولها وقد ألغى الشارع تبعاً على ما عند العقلاء احتمال الخلاف، ويترتب على هذا الإلغاء واعتبارها علماً كونها منجزة للواقع أو معذرة عنه ولم يجعل الشارع في موردها غير ما يكون في الواقع مع قطع النظر عن قيامها واعتبارها ليدعى أن المجعول الثاني بقيامها يكون مضاداً أو منافياً لما في الواقع من الحكم والتكليف، بل يكون حال الأمارة مع إصابتها الواقع حال العلم الوجداني به ومع خطئها يكون كالقطع بالواقع الذي يكون اعتقاداً بالواقع خطأً في كونه عذراً على ما تقدم.







وأما الاُصول فإن كانت محرزة للواقع وناظرة إليه كالاستصحاب وقاعدتي الفراغ والتجاوز يكون المعتبر في مواردها إحراز الواقع والعلم به من حيث الجري العملي ثبوتاً أو سقوطاً، بأن كان الشارع معتبراً المكلف محرزاً للواقع بحسب عمله فلم يجعل في مواردها بمفادها غير اعتبار الإحراز للمكلف لا حكم تكليفي أو وضعي آخر غير ما في الواقع ليقال: إن المجعول الثاني مضاد للحكم الواقعي أو ينافيه.







وإن لم تكن محرزة فالمجعول فيها وان كان حكماً إلاّ أنه لا ينافي الحكم أو التكليف الواقعي، وبيان ذلك أن التكليف الواقعي بأي مرتبة فرضت من الأهمية عند الشارع لا يكون داعياً للمكلف إلى العمل إلاّ بعد وصوله إليه فقسم من الاُصول الغير المحرزة يوجب وصول التكليف الواقعي إلى المكلّف، كما في مورد الأمر بالاحتياط من الشبهة الوجوبية أو التحريمية، فإن التكليف الواقعي على تقديره لا يدعو المكلف إلى موافقته لعدم وصوله إليه، فالأمر بالاحتياط في مورد احتماله تحفّظ على ذلك التكليف المحتمل من حيث العمل به، فالملاك الداعي للشارع إلى إيجابه الاحتياط نفس وجوب ذلك الفعل واقعاً أو تحريمه الواقعي من الشبهات الوجوبية أو التحريمية فيكون الأمر بالاحتياط في الحقيقة من متمم الجعل الذي لا يكون مع المتمّم بالفتح حكمين حقيقة بل في مورد ثبوت التكليف الواقعي الناشئ عن مصلحة الفعل أو مفسدته يكون التحفظ على الملاك المزبور موجبا لجعل التكليف واقعاً، وللأمر بالاحتياط عند احتماله بعد جعله وحيث إن الاحتياط هو التحفظ على الواقع ففي مورد لا يكون فيه تكليف أو موضوع لحكم الزامي لا يكون الفعل أو الترك فيه من الاحتياط حقيقة، بل هو تخيّل احتياط ولذا لا يكون فيه وجوب الاحتياط ليكون منافياً للحكم الواقعي في ذلك المورد وقسم منه يكون عدم الأهمية في التكليف الواقعي نظير الأهمية في الفرض السابق داعياً إلى الترخيص في الارتكاب ما لم يصل التكليف الواقعي إلى المكلّف وهذا الترخيص في طول التكليف الواقعي بمرتبتين من ثبوته وفرض الشك فيه لا في مرتبته ليكون بينها تضاد أو تناف حيث لا يكون للتكليف الواقعي إطلاق بالإضافة إلى حال التحيّر فيه، والحاصل أن للشك في الحكم أو التكليف الواقعي اعتبارين أحدهما: أنه صفة نفسانية، والثاني: أنه تحيّر في الواقع وتردّد فيه وهو بالاعتبار الثاني موضوع للأحكام الظاهرية.







أقول: أما عدم الإطلاق في الحكم الواقعي بحيث لا يعم حال الشك فيه فقد ذكرنا أن الإطلاق فيه ذاتي حيث لا يمكن تقييد الحكم الواقعي بصورة العلم به، نعم مع عدم وصول التكليف الواقعي يكون الترخيص في الفعل أمراً ممكناً إذا كان فيه مصلحة نوعية كما تقدم، وأما تقييد الأمر بالاحتياط بصورة ثبوت التكليف واقعاً فيه ما لا يخفى، فإن الأمر بالاحتياط في الحقيقة أمر بإحراز رعاية التكليف الواقعي على تقديره، فيكون الأمر به طريقياً يترتب عليه تنجيز الواقع على تقديره.







وليس من الحكم النفسي وجعل التوسعة للتكليف بالفعل الثابت واقعاً لينجر ذلك التكليف إلى ظرف الجهل به ويخرج عن الإهمال الكائن فيه بالجعل الأول، وعلى الجملة التكليف الواقعي الذي له إطلاق ذاتي في ظرف الجهل به يكون على تقديره واقعاً واصلاً بالأمر بالاحتياط في الواقعة، ومع عدم الأمر بالاحتياط بل مع الترخيص الظاهري في الارتكاب لا محذور، حيث إنّ التكليف الواقعي على تقديره غير واصل ولا منافاة بين الحكمين لا في ناحية مبدئهما ولا في ناحية المنتهى أي الغرض منهما، وما ذكره (قدس سره) في ناحية اعتبار الأمارات صحيح ولا يصغى إلى ما قيل من أنّ العلم غير قابل للجعل والنقص في الكشف في الأمارة أمر تكويني غير قابل للتتميم بالاعتبار وذلك فإن الاعتبار هو فرض شيء شيئاً آخر ليترتب عليه أثر الشيء الآخر وتنجّز التكليف واستحقاق العقوبة على مخالفته مترتب عقلاً على وصوله وخروجه عن عدم البيان له ومع اعتبار الشارع الأمارة القائمة به علماً به يتم الموضوع لحكم العقل، وقد ذكرنا أنّه مع إمكان هذا الاعتبار لا مجال لما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من أن اعتبار الأمارة عبارة عن جعل الحجية لها فإنّه مع جعل الحجية إن اعتبرت علماً يكون جعلها لغواً فإنه بمجرد اعتبار العلم يترتب عليها الأثر العقلي فتكون منجّزة ومعذّرة وإن لم يعتبرها علماً فهو مخالف لما تقدم من أنّ اعتبار الأمارات إمضاء لما عليه العقلاء، حيث يرون الأمارة المعتبرة القائمة بشيء علماً به.







وقد ظهر مما ذكرنا من أنّ ما يقال، في وجه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري تعدّد مرتبتهما بدعوى أنّ المقتضى للحكم الواقعي ما في نفس الفعل، حيث يكون لحاظه فيه داعياً للمولى إلى جعل حكم واقعي لنفس الفعل وفي هذه المرتبة لا يمكن فرض الجهل به ليكون مقتضياً للحكم الظاهري فيكون مزاحماً لمقتضي الحكم الواقعي، كما أنّه في مرتبة جعل الحكم الظاهري كان الحكم الواقعي مجعولاً من قبل فالتمانع بين المقتضيين إنّما يتصور فيما إذا كانا في مرتبة واحدة.







وفيه، أنّ الإطلاق في الحكم الواقعي المجعول ذاتي يثبت مع فعلية موضوعه في ظرف الشك أيضاً والحكم الظاهري المجعول على خلافه ينافي مع ثبوته إلاّ أنْ يدفع بما ذكرنا من أنّ تنافي الحكمين ينشأ من المضادة بين مبدئهما أو في داعويتهما إلى العمل، ولا تنافي بين المبدأين لهما ولا في الغرض من جعلهما، ومجرد بيان الاختلاف في رتبة موضوعهما لا يكون علاجاً لعدم إمكان تخصيص الحكم الواقعي في صورة الجهل به، بأنْ لا يكون له إطلاق بالإضافة إلى صورة الجهل به ثبوتاً.







وذكر العراقي (قدس سره) في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بما حاصله عدم الإطلاق في الإرادة التي يكشف عنها خطاب التكليف ليمتنع في مرتبة الجهل بالخطاب أو الجهل بانطباقه على الواقعة جعل الحكم الطريقي الظاهري، وأوضح ذلك بالقوانين المجعولة في حق الرعايا في الحكومات، فإنها تجعل ولكن يتأخر زمان إجرائها العملي، فإنّه ربما تكون المصلحة مؤدية إلى جعل القانون بنحو الكلية على موضوع مع عدم قيام المصلحة في إجرائه ولو لعدم استعداد الرعية لامتثال هذا القانون، وترى أنّ القانون مع عدم جعله في مقام الإجراء باق على كليّته مع عدم المصلحة في إجرائه، وفي مثل ذلك لا يكون المراد من القانون المجعول إلاّ مجرد إنشائه على طبق المصلحة الموجودة والقائمة بموضوعه مع خلوّه عن الإرادة الفعلية ولو للتسهيل على الرعية، وإلاّ لم يمكن تفكيك القوة الإجرائية عن قوة جعل القانون على موضوعه في ظرف وجود موضوعه، فالأحكام الواقعية مع الظاهرية المجعولة عند الجهل بها من هذا القبيل، وتوهم رجوع شرايط الإجراء إلى شرايط موضوع القانون غلط فاحش؛ لأنّ من شرايط سهولة الامتثال علمهم ومثل هذا الشرط من لوازم موافقة القانون لا من مصحّحات نفسه.







ولا يخفى ما فيه، من أن ما يذكر شرطاً لإجراء القانون يرجع إلى قيود الموضوع بنحو القضية الحقيقية التي هي مفاد القانون، ولكن هذا بالإضافة إلى القيود التي يمكن لحاظها وأخذها في مقام الجعل في ناحية الموضوع كما في شرط العلم بالقانون المجعول، فإنّه لا يمكن أخذه في ناحية الموضوع له لكون الإطلاق بالإضافة إليه ذاتي لا محالة، ويمكن دخالته في الغرض من التكليف المجعول على ما تقدم بخلاف قيد زمان الإجراء فإنّ أخذه في الموضوع للقانون الكلي أمر ممكن، وما عند العقلاء من تأخير زمان الإجراء مرجعه إلى جعل الحكم بنحو الواجب المشروط من الأول أو نسخ إطلاقه وتقييد موضوعه بعد جعله.















[2] قد ذكر (قدس سره) أنّ الأصل عند الشك في اعتبار أمارة شرعاً هو عدم ترتب شيء من آثار الحجة عليها فلا يكون التكليف الواقعي منجزاً بوجودها، ولا يكون المكلف معذوراً في مخالفة التكليف الواقعي بالعمل بها بمعنى أنّ المنجزية والمعذرية تترتب على أمارة قد أحرزت إنشاء الاعتبار لها، وبتعبير آخر إذا اعتبر الشارع أمارة تكون متّصفة بالحجية الإنشائية وإذا وصل ذلك الاعتبار إلى المكلف تكون متّصفة بالحجية الفعلية، وعلى ذلك فمع الشك وعدم إحراز اعتبارها لا يترتب عليها شيء من التنجيز والتعذير، وهذا معنى أنّ الشك في حجية أمارة أي الشك في إنشائها لها مساوق للجزم بعدمها أي بعدم الحجية الفعلية، فقد ظهر أنّ المراد بالأصل في المقام حكم العقل حيث إنّه الحاكم في استحقاق العقاب والمثوبة لا الأصل العملي من الاُصول المعروفة.















الأصل عند الشك في اعتبار الأمارة















[3] هذا تعرض لما ذكر الشيخ (قدس سره) في تقرير الأصل في المقام حيث ذكر (قدس سره) أنّ التعبد بأمارة لم يحرز اعتبارها بالالتزام بمؤدّاها، ونسبة مؤدّاها الى اللّه سبحانه تشريع محرّم وافتراء عليه تعالى، وهذا غير جائز بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله سبحانه (قل ءاللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون)(1) بناءً على أنّ الافتراء يعم ما لا يعلم أنّه من اللّه أنْ ينسب إليه ولو لم يكن عاماً بأنْ كان مختصاً بما علم عدم كونه من اللّه فيعم حكمه لما لا يعلم أيضاً، حيث ذكر سبحانه الافتراء في مقابل إذنه لهم إلى آخر ما ذكره، وناقش الماتن (قدس سره)في التقرير المزبور بأنّ صحة الالتزام بمؤدى الأمارة وجواز نسبته إلى اللّه سبحانه ليستا أثرين لاعتبار الأمارة ليكون انتفاؤهما عند الشك في الاعتبار مثمراً في نفي الحجية، فإنّ النسبة بينهما وبين منجزية الأمارة ومعذريتها العموم من الوجه، فربما تكون الأمارة حجة مع انتفائهما كما في الظن حال الانسداد على الحكومة ولو فرض عدم حرمة الالتزام بمؤدى أمارة وعدم حرمة نسبة مؤداها إلى اللّه سبحانه لا يترتب عليها المنجزية والمعذرية كما لو قيل فرضاً بجواز التشريع وعدم حرمته.







وذكر المحقق النائيني (قدس سره) على المناقشة بأنّ جواز الالتزام بمؤدى الأمارة ونسبة ذلك إلى اللّه سبحانه لا ينفك عن اعتبارها أصلا، والنقض باعتبار الظن النوعي حال الانسداد على الحكومة غير صحيح، فإنّ الظن على ذلك المسلك لا يعتبر من ناحية العقل، فإنّ شأن العقل الإدراك لا جعل الحكم التكليفي والوضعي، بل يكون لزوم رعاية الظن على ذلك المسلك من جهة التبعيض في الاحتياط حيث لا يصح للّه سبحانه في حكمته أنْ يطالب العباد بالموافقة القطعية العملية في الوقايع المبتلى بها، ولا يجوز للعباد أنْ يقتصروا في تلك الوقائع بأقل من الموافقة الظنية للتكاليف وجواز الالتزام بمؤدي الأمارة وجواز نسبته إلى اللّه سبحانه مع فرض عدم اعتبارها مجرد فرض، وقد أضاف إلى الإيراد المزبور بعض الفحول (قدس سرهم) بأنّ تنجيز التكليف الواقعي لا يكون متوقفاً على اعتبار الأمارة أصلا بل التكاليف الواقعية منجزة بالعلم بها إجمالا في الوقايع المسمى بالعلم الإجمالي الكبير أو بالعلم الإجمالي الصغير كما في دوران الأمر بين وجوب الظهر أو الجمعة، بل قد يكون التنجيز بمجرد الاحتمال كما في احتمال التكليف قبل الفحص، فإنّ في هذه الموارد يكون التكليف الواقعي منجزاً مع قطع النظر عن الأمارة، نعم الأمارة المعتبرة على أحد طرفي العلم الإجمالي يكون مسقطاً بوجوب الاحتياط ومُعذّراً عن الواقع على تقدير مخالفتها التكليف الواقعي.







أقول: الاستدلال على عدم اعتبار الأمارة عند الشك في اعتبارها بما ذكر الشيخ (قدس سره)لا يثبت عدم الاعتبار على مسلك الماتن (قدس سره) فإنّ المجعول على مسلكه في معنى اعتبار الأمارة جعل المنجزية والمعذرية لها من غير أنْ تعتبر الأمارة علماً بالواقع ومن غير أنْ يجعل مؤدّاها حكماً شرعياً للمكلف في الواقعة، فإنّه على ذلك لا يجوز للمكلف أنْ يلتزم بأنّ مؤداها حكم شرعي للواقعة من الشارع ومجعول من قبله ولو فرض اعتبارها، نعم على مسلك الشيخ (قدس سره) في اعتبار الأمارة يكون اعتبارها ملازماً لصحة نسبة مؤداها إلى الشارع والالتزام بأنّه حكم شرعي للمكلف. وعلى الجملة اعتبار أمارة على مسلك الماتن لا يوجب خروج نسبة مؤداها إلى الشارع مطلقاً عن التشريع، نعم لا بأس بنسبته إليه سبحانه احتمالا كما هو الحال في موارد الأمارة الغير المعتبرة أيضاً، ثم إنّ ما ذكر من استناد التنجيز إلى العلم الإجمالي الكبير أو إلى العلم الإجمالي الصغير لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه إذا انحلّ العلم الإجمالي الكبير بالظفر إلى التكاليف التي يحتمل انحصار التكاليف في الوقايع على ذلك المقدار، ولم يكن في المسألة علم إجمالي صغير يكون تنجيزالتكليف فيه على تقديره مستنداً إلى الأمارة المعتبرة القائمة به ولولاها لكان موردها من موارد قاعدة «قبح العقاب بلا بيان» أو «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» لتبدل احتمال التكليف فيه قبل الفحص إلى احتماله بعده كما لا يخفى، بل قبل الانحلال أيضاً، يثبت التنجيز للأمارة إذ قبل اعتبار تلك الأمارة ووصولها كان تنجيز التكليف في الواقعة مستنداً إلى احتماله وكونه من أطراف العلم الإجمالي وبعد الظفر بتلك الأمارة يكون تنجيزه مستنداً إلى تلك الأمارة لا احتمال الضرر.







ولا يخفى أنّه لا ينبغي التأمل في أن التشريع يكون بالبناء قلباً على حكم أنّه من الشارع مع العلم بعدم كونه منه، أو مع الجهل بكونه منه والعمل خارجاً مبنياً على هذا البناء يدخل في عنوان الافتراء على اللّه سبحانه موضوعاً أو حكماً في مقابل الافتراء عليه قولا، وكما أنّ مجرد البناء على الحكاية بخلاف الواقع لا يدخل في عنوان الكذب والافتراء ما لم يكن مظهراً للبناء والتزامه قولاً، ويتحقق بعد إظهاره بالقول كذلك ما لم يكن في الخارج فعل خارجي مظهر لبنائه لا يُعدُّ تشريعاً وافتراءً عملاً نظير الإخبار عن الشيء بالفعل، فالفعل المأتي به بالبناء والقصد المزبور يكون من الافتراء والكذب على اللّه قولا، وعنوان الافتراء عليه محكوم بالحرمة بالكتاب المجيد والروايات، والمناقشة في الاستدلال على حرمته بقوله سبحانه (ءاللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون)(2) وبما ورد من الروايات الدالة على حرمة الافتراء ضعيفة، ولا يخفى أنّ من الثمرة المترتبة على القول بأنّ المجعول في باب اعتبار الأمارة اعتبارها علماً، وبين القول بأنّ المجعول لها الحجية انحصار اعتبارها على موارد التكاليف والأحكام الشرعية على الثاني فإنّه لا يعقل جعل التنجيز والتقدير لها إلاّ في تلك الموارد، وأما الأمارة القائمة بعوالم القبر والآخرة وغيرها من الاُمور الراجعة إلى العقايد ونحوها فلا يعقل فيها التنجيز والتعذير، وكذا الحال بناءً على أنّ معنى اعتبارها جعل مؤدّاها حكماً شرعياً طريقياً، وأما بناءً على اعتبارها علماً فلا ينحصر اعتبارها على موارد الأحكام وموضوعاتها، بل يعم غيرها فتكون نتيجة الاعتبار في الموارد المشار اليها جواز الإخبار بها حيث بقيام خبر الثقة بذلك الأمر يثبت العلم به ويترتب على العلم به جواز الإخبار به للغير.







بقي في المقام أمران:







أحدهما: أنّه ربما يتمسك عند الشك في اعتبار أمارة بالاستصحاب في عدم اعتبارها، ويناقش فيه أنّ الاستصحاب إنّما يجري في ناحية عدم الشيء إذا كان عدمه موضوعاً لحكم شرعي، وأما إذا كان الموضوع للحكم الشرعي أو الأثر العقلي مجرد عدم العلم به ففي مثل ذلك لا مورد للاستصحاب في ناحية عدمه، وقد تقدم أنّ مع عدم إحراز اعتبار الأمارة يترتب عليها حرمة التعبد وإسناد مدلولها إلى الشارع، ولا تكون منجزة للتكليف فيما إذا أصابت ولا معذرةً فيما أخطات.







واُورد على ذلك بأنّ المستصحب إذا كان حكماً شرعياً تكليفياً أو وضعياً يجري الاستصحاب في ناحية عدمه، وبتعبير آخر إذا كان الشك في وجوب فعل كافياً في جريان أصالة البراءة بعد الفحص في وجوبه فلا يمنع ذلك عن جريان الاستصحاب في ناحية عدم جعله، كما أنّ جريان أصالة الطهارة في شيء إذا شك في جعل النجاسة له لايمنع عن الاستصحاب في ناحية عدم جعل النجاسة له، وفيه أنّ مفاد الأصلين في مثل هذه الموارد مختلف؛ ولذا يكون مع جريان الاستصحاب في ناحية عدم جعل الوجوب أو النجاسة حاكماً على أصالة البراءة أو قاعدة الطهارة، وهذا بخلاف حرمة التشريع والتعبد بمدلول أمارة لم يعلم اعتبارها، فإنّ الموضوع للحرمة شيء واحد وخصوصية العلم بعدم اعتبارها أو عدم العلم بعدم الاعتبار غير دخيل في موضوع تلك الحرمة وتحقق التشريع، وعلى الجملة المهم في المقام وهو عدم جواز نسبة المؤدى إلى الشارع، وعدم كون الأمارة منجزة أو معذرة لا يحتاج إلى الأصل لثبوت الموضوع لهما وجداناً وجواز الإخبار بعدم إنشاء الاعتبار غير مهم في المقام، وأنْ يكون إحراز الموضوع له بالاستصحاب.







والآخر: قد ذكر الشيخ (قدس سره) في ذيل البحث في الأصل عند الشك في اعتبار أمارة أنّه مع عدم الظفر بالدليل على اعتبارها يكون الالتزام بمؤداها محرماً على ما تقدم من غير فرق بين كون العمل بها ملازماً لطرح الأصل المعتبر أم لا، وإذا عمل بها من غير التزام بكون مدلولها حكمه الشرعي يكون العمل بها محرّماً فيما كان موجباً لطرح الأصل المعتبر ولذا قد يجتمع في العمل بأمارة غير معتبرة أو غير محرزة الاعتبار جهتان من الحرمة، واستدل للحرمة من الجهة الثانية بقوله سبحانه (لا تقفُ ما ليس لك به علم)(3) و(إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً)(4) وأورد المحقق النائيني (قدس سره)على ذلك بأنّه عند الشك في اعتبار أمارة لا يكون التمسك بالعموم المزبور صحيحاً؛ لأنّ رفع اليد عنه مع اعتبار الأمارة ليس من جهة تخصيصه، بل لحكومة دليل الاعتبار للأمارة، فمع الشك في اعتبارها واحتمال كونها علماً في اعتبار الشارع يكون التمسك بالعموم المزبور من قبيل التمسك بالعام في شبهته المصداقية ولكن لا يخفى ما فيه، فأما أولاً: فإنّ مجرد إنشاء الاعتبار لأمارة واقعاً مع عدم وصول ذلك الاعتبار إلى المكلف لا يكون العمل بها سكوناً بالعلم، بل كونه عملا بالعلم يتوقف على وصول ذلك الاعتبار على ما تقدم، ومقتضاه أنّ الأمارة ما لم يحرز اعتبارها تكون داخلة في العموم المزبور وجداناً، وثانياً: أنّ النهي عن الاقتفاء بغير علم والنهي عن اتباع الظن وإرشاد إلى حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمّن، وعدم كون غير العلم مؤمناً والتمسك بالعام المزبور عند الشك في اعتبار أمارة من قبيل التمسك بقوله سبحانه: (أطيعوا اللّه)(5) لإثبات وجوب متابعة القطع بالتكليف وكون موافقته مؤمناً.







والأولى للشيخ (قدس سره) أن يقول: إنّ العمل بأمارة مع الشك في اعتبارها غير جائز إذا لزم منه طرح الأصل المعتبر المثبت للتكليف؛ لأنّ العمل بها مع عدم إحراز اعتبارها وترك العمل بذلك الحاصل معصية، كما إذا صادف الأصل التكليف الواقعي وأنّه يحسب تجرياً كما إذا لم يصادفه.















(1). سورة يونس: الآية 59.







(2). سورة يونس: الآية 59.







(3). سورة الإسراء: الآية 36.







(4). سورة النجم: الآية 28.







(5). سورة آل عمران: الآية 32 و 132 و...































فصل















لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع[1].







ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين[2] وأحاديث سيد المرسلين والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)... وكل هذه الدعاوى فاسدةٌ[3].







ودعوى العلم الإجمالي بوقوع التحريف فيه بنحو: إمّا باسقاط، أو بتصحيف، وإن كانت غير بعيدة[4] كما يشهد به بعض الأخبار ويساعده الإعتبار.







ثم إنّ التحقيق أنّ الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل (يطهرن) بالتشديد والتخفيف يوجب الإخلال بجواز التمسك... [5].







فلابد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف المقامات[6].















في حجية الظهورات















[1] الكلام الصادر عن متكلّم له مدلولان، الأول: ما يعبّر عنه المدلول الاستعمالي وهو ما يريد المتكلم إحضار المعنى المستفاد من الألفاظ الواردة في كلامه بحسب وضع مؤداها وهيئاتها ووضع الهيئة التركيبية فيه في أذهان السامعين، وكذا ما كان المعنى المستفاد بقرائن الاستعمال أو المقام، والثاني: تعيين أنّ ما هو ظاهر كلامه مطابق لمراده الجدّي المعبر عنه بالمدلول التصديقي ومقام الثبوت والواقع، وهذا يكون بعد إحراز المتكلّم في مقام تفهيم مراده الجدّي، كما هو الأصل في كلام كل متكلّم عاقل والتطابق المشار إليه والبناء عليه مما جرت عليه سيرة العقلاء في الكلام الصادر عنه ما لم يحرز الخلاف، ويلزم اتباعه بالإضافة إلى خطابات الشارع فإنّه لم يخترع لتفهيم مراداته الواقعية طريقاً آخر، ويتعين الأخذ بأصالة التطابق مع عدم إحراز الخلاف، بلا فرق بين كون التطابق مظنوناً أو ظن بالخلاف وكون الواصل إليه الخطاب ممن قصد المتكلّم إفهامه أو قصد عدم إفهامه أم لا، ويشهد لذلك كله ما ذكرنا من سيرة العقلاء فإنّهم يعتمدون على أصالة التطابق في مقام الشهادة بالإقرار وإن لم يكن المقر بصدد إفهام الشاهد أو كان بصدد عدم إفهامه، ولا يعذّرون من خالف ظاهر كلام المولى فيما إذا تضمّن تكليفاً يخصّه أو يعمّه بمجرد دعواه أنّه لم يظنّ بمراده الواقعي أو ظنّ بخلافه.







والحاصل أنّ الاُصول الجارية في الخطابات مختلفة، فإنّ مقتضى بعضها تعيين المراد الاستعمالي كأصالة الحقيقة وعدم الإضمار ونحو ذلك، وبعضها لتعيين المراد الجدّي كأصالة العموم والإطلاق ونحوهما، وهذه الاُصول مما جرت عليه سيرة العقلاء في محاوراتهم ولا مجال للتشكيك في اعتبارها في الجملة، وإنّما وقع الكلام في اعتبار الظهورات في مقامات ثلاثة: الأول: ما يتوهم من أنّ اعتبار الظهور فيما إذا لم يكن ظن بالخلاف وأشرنا إلى أنّ ذلك غير صحيح لا مجال له، والشاهد لذلك عدم صحة الاعتذار عن مخالفته بدعوى أنّه لم يحصل له الظن بالمراد الواقعي، أو ظنّ بخلافه فضلاً عن دعوى عدم حصول الاطمينان بالمراد الجدّي، نعم إذا كان الظنّ بالخلاف من طريق معتبر بحيث يعد قرينة عرفية على خلاف الظهور يتعيّن الأخذ بمقتضاها، ولعل منشأ الوهم ما يلاحظ من العقلاء من عدم اعتمادهم على ظاهر كلام مثل الطبيب فيما إذا خطر ببالهم لعل مراده الجدّي من كلامه غير ظاهره، ويسألون عن مراده الجدّي بإعادة الكلام عليه ولكن لا يخفى أنّ هذا من الاحتياط فيما إذا كان الغرض الوصول إلى الواقع فقط لا الاحتجاج والاعتذار كما هو المفروض في المقام. الثاني: ما عن المحقق القمي (قدس سره) من أنّه لا اعتبار للظهور بالإضافة إلى غير المقصود بالإفهام إذا كان المتكلّم ممن يعتمد على القرائن المنفصلة والحالية التي تكون عند المخاطب، وعلى ذلك بنى عدم اعتبار ظهورات الأخبار التي وصلت إلينا عن الأئمة (عليهم السلام) بنقل الرواة فإنّه لم يقصد بها تفهيم عامة الناس بل تفهيم السائلين ومن القي إليه خطاباتهم فقط، وكذا ظهورات الكتاب المجيد بناءً على اختصاص خطاباته بالمشافهين وعدم صحة مخاطبة الغائبين عن مجلس التخاطب فضلا عن المعدومين في ذلك الزمان ويذكر لهذا التفصيل وجهاً، وهو أنّه إذا لم يكن من عادة المتكلّم الاعتماد على القرائن المنفصلة والحالية يكون منشأ الخطابة إما غفلة المتكلّم عن ذكر القرينة على المراد الاستعمالي أو المراد الجدّي أو غفلة السامع عن القرينة باستماعها، وكلا الأمرين يدفع بأصالة عدم الغفلة الجارية في حق المتكلّم والمخاطب بخلاف ما كان من عادته الاعتماد على القرائن المنفصلة والحالية، فإنّ أصالة عدم الغفلة الجارية في حقهما لا تفيد في إثبات كون ظاهر الكلام هو مراده حيث من المحتمل وجود قرينة بين المتكلّم والسامع ولم نطّلع على تلك القرينة، وأوجب ذلك خطأنا في إصابة المراد، أو لم تصل القرينة المنفصلة إلينا، وعلى الجملة المنشأ لهذا التفصيل إرجاع الاُصول الجارية في الخطابات إلى أصالة عدم الغفلة، ولكن لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ أصالة الظهور أصل مستقل وكذا سائر الاُصول اللفظية، كما يشهد بذلك سماع الشهادة على الإقرار وغير ذلك مما أشرنا إليه فإنّه دليل قطعي على عدم انحصار اعتبار الظهورات بالمقصودين بالإفهام، وأنّه لا يعتنى باحتمال قرينة حالية بين المتكلّم والسائل أو المخاطب ما لم يحرز، وجريان عادة المتكلّم على الاتكال بالقرائن المنفصلة لا يقتضي سقوط ظهور الخطاب عن الاعتبار مطلقاً، بل مقتضاه الفحص عن القرينة في موارد احتمالها والاعتماد على أصالة الظهور بعده، هذا أولاً، وثانياً: لم يثبت انحصار قصد التفيهم في الأخبار المأثورة عن النبي والأئمة صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين على السائلين والمخاطبين فقط، بل الثابت من ترغيب الأئمة (عليهم السلام)إلى نشر الأخبار وكتابتها وحفظ الحديث إلى سائر الناس وعموم القصد كما هو الحال في خطابات الكتاب المجيد أيضاً، فإنّ خطاباته ذكر للعالمين كما تقدم بيان ذلك في بحث الخطابات المشافهية، وأما دعوى عدم جواز الاعتماد على ظواهر الأخبار المروية عنهم (عليهم السلام) لحصول التقطيع في الأخبار عند تبويبها، ولعل الصدر في بعضها كانت قرينة على ما في ذيلها وبالعكس فلا يمكن المساعدة عليها، فإنّ غاية ذلك اعتبار الفحص عن القرينة على الخلاف لا الطرح بالمرة خصوصاً فيما كان التقطيع من الثقات العارفين باُسلوب الكلام والمأمونين بملاحظة الخصوصيات كأرباب الجوامع.















في حجية ظواهر الكتاب المجيد















[2] المقام الثالث: ما ذهب إليه الأخباريون من أصحابنا من عدم جواز الاعتماد على ظواهر الكتاب المجيد لعدم علمنا بالقرائن الاستعمالية والمدلولات التصديقية وإنّما يعلمهما من خوطب به ونزلت في بيوتهم هذا هو الوجه الأول الذي ذكره الماتن، والوجه الثاني: أنّ الكتاب المجيد رموز وإشارات إلى المضامين العالية والمطالب الشامخة الخارجة عن إدراكنا وقد لا ينال ما في كلمات الأوايل إلاّ الأوحدي من الناس، فكيف ينال ما في الكتاب المجيد عامة الناس مع اشتماله على علم ماكان ويكون وما هو كائن، والوجه الثالث: العلم الإجمالي بوجود القرائن المنفصلة على المدلولات التصديقية للآيات أو لجملة منها، وهذا العلم الإجمالي يوجب طروّ الإجمال على آيات الأحكام ولو حكماً كما أشار إلى ذلك الماتن (قدس سره) في ذيل الوجه الثالث من كلامه، وهو ورود النهي عن اتباع متشابهات القرآن الشامل لظواهره ولو لم يكن شمولها للظواهر متيقناً فلا أقل من احتماله، والوجه الخامس ورود النهي عن تفسير القرآن بالرأي الشامل لحمل الكلام الظاهر في معنى على إرادة ذلك المعنى، ومقتضى بعض هذه الوجوه أنّه لا يحرز ظهور للكتاب المجيد حيت يدخل في كبرى حجية الظواهر كما هو مقتضى الوجه الأول، والوجه الثاني والثالث بحسب ما ذكرنا، وأما بحسب الوجهين الأخيرين وهو مقتضى النهي عن اتباع المتشابه الشامل للظواهر أو النهي عن تفسير القرآن بالرأي الشامل لحمل الكلام على إرادة ظاهره خروج ظواهر الكتاب عن كبرى حجية الظواهر.















[3] الوجوه المذكورة كلها ضعيفة لا توجب سقوط ظواهر الكتاب المجيد عن الاعتبار، فإنّ دعوى كون الكتاب كلّه مجملات ورموز وإشارات إلى مطالب خارجة عن إدراكنا يكذّبها الوجدان، وما ورد في اختصاص فهم القرآن بأهله المراد فهمه بتمامه بمحكماته ومتشابهاته، أو المراد الأخذ بتلك الظواهر قبل الفحص والسؤال عن القرينة المحتملة التي كانت عند أهل بيت العصمة والطهارة والأخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام)، كما كان عليه مثل أبي حنيفة كيف وقد اُمرنا بالأخذ بالكتاب والعمل به وعرض الأخبار المتعارضة عليه وتمييز الشروط الصحيحة عن الفاسدة بمخالفتها للكتاب، مع أنّ المراد بالكتاب في هذه الموارد ظواهره والمنع عن اتباع المتشابه يختص بمجملاته بحملها على معنى يستحسنه الشخص بحسب نظره ورأيه، وهذا المنع غير راجع إلى الأخذ بظواهر آيات الأحكام بعد الفحص وعدم الظفر بالقرينة على خلاف ظواهرها، فإنّ الظاهر يسمى ظاهراً لوضوح مدلوله الاستعمالي وعدم اشتباهه كما أنّه لا يكون الأخذ بمقتضى الظاهر بعد الفحص وعدم الظفر بخلافه من القرينة من التفسير بالرأي.







وأما دعوى العلم الإجمالي بطروّ التخصيص والتقييد والتجوز في غير واحد من ظواهر الكتاب، فالجواب عنها بوجهين، الأول: يحتمل أن يكون المقدار المعلوم بالتفصيل الذي يحصّله المجتهد بعد فحصه في الأخبار بمقدار المعلوم بالإجمال من التخصيصات والتقييدات والتجوزات، وإن يحتمل زيادة المعلوم بالإجمال عنه ولكن لا أثر للعلم الإجمالي بعد احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، ونظير ذلك في الشبهات الموضوعية ما إذا علم بوجود شياه محرمة في قطيع غنم، ثم حصل العلم التفصيلي بحرمة مقدار منها واحتمال انحصار المعلوم بالإجمال بالمقدار المعلوم بالتفصيل وهذا هو المراد من جواب الماتن أولاً، الثاني: أن وجود القرائن فيما بأيدينا من الأخبار المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) على خلاف ظواهر الكتاب المجيد معلوم، وأما العلم بعدم إرادة الظواهر من الكتاب في غير ما يكون بأيدينا من الأخبار فغير موجود من الأول، غايته أنه محتمل وإذا أحرز بعد الفحص فيما بأيدينا من الأخبار عدم قرينة فيها على خلاف مورد ظاهر الخطاب أخذنا فيه بظاهره لخروجه بالفحص عن أطراف العلم الإجمالي، وهذا نظير ما علم أن في الشياه السود من قطيع الغنم محرّماً، وأما وجود الحرام في البيض منها غير معلوم بل محتمل، وإذا لم يتميّز السود من البيض يجب الاجتناب عن الجميع كما في الظلمة ونحوها، وإذا امتازت لم يجب الاجتناب عن البيض وهذا توضيح ما أفاد الماتن في الجواب ثانياً.







ولعل وجه العدول عن الأول إلى الثاني ما يقال: من أن حدوث العلم التفصيلي في عدة أطراف معينة من العلم الإجمالي لا يوجب انحلاله وإنْ احتمل أن المعلوم بالإجمال كان في تلك العدة من الأطراف من الأول، كما إذا علم بنجاسة بعض الآنية الموجودة في البين، وبعد ذلك وقعت النجاسة في جملة معينة منها وعلمنا ذلك تفصيلا، فإنّ احتمال وجود المعلوم بالإجمال في تلك الجملة من الأول لا يوجب جواز ارتكاب البقية بدعوى احتمال كونها خالية عن التكليف من الأول فيرجع فيها إلى أصالة الطهارة أو الحلية أو غيرها من الاُصول النافية.







ولكن لا يخفى أنّه لا موجب لهذا التوهم فإنّ الموجب للانحلال هو أن يصير المعلوم بالإجمال الأولي معلوماً تفصيلاً في أطراف معينة ثانياً لا حصول موضوع التكليف في جملة معينة ثانياً ولولم يكن حاصلاً فيها من قبل، فإنّ هذا لا يوجب انحلال المعلوم بالإجمال؛ لأن الأصل النافي الجاري في البقية قد سقط بالأصل الجاري في الأطراف المعينة قبل وقوع المنجس فيها المعلوم تفصيلاً على الفرض، بخلاف ما إذا علم أن جملة من الأطراف كان التكليف فيها من السابق، فإن هذا يوجب حدوث تكليف المعلوم بالإجمال في البقية من الأول، هذا وفي البين احتمال آخر لوجه عدول الماتن (قدس سره) عن الأول إلى الثاني بأن لازم الوجه الأول كون العمل بالظواهر بعد الفحص عن جملة منها والظفر بما يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليها غير محتاج إلى الفحص عن الظواهر الباقية لانحلال العلم الإجمالي بخلاف الوجه الثاني، فإنّه مادام لم يفحص عن القرينة عن ظاهر من ظواهر القرآن في الأخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام) لم يخرج ذلك الظاهر عن دائرة المعلوم بالإجمال كما يظهر ذلك بالتأمل في المثال الذي ذكرناه.















دعوى عدم اعتبار ظواهر الكتاب المجيد لوقوع التحريف فيه















[4] قيل بعدم جواز العمل بظاهر الكتاب المجيد لوقوع التحريف فيه والتحريف المدعى وقوعه فيه إما بإسقاط كلمة أو آية أو بتصحيف أي استبدال كلمة باُخرى كما في استبدال أئمة باُمة على ما روي في قوله تعالى (كنتم خير أُمة)(1)، وعلى الجملة التحريف بالزيادة نفيه في الكتاب المجيد أمر متسالم عليه، فإنّ المنشأ لوقوع التحريف فيه بعض الروايات الوارد فيها الاستبدال والإسقاط، وذكر الماتن (قدس سره)أن التحريف فيه بإسقاط أو تصحيف وإن لم تكن دعواه بعيدة لشهادة بعض الأخبار به ويناسبه بعض الاعتبارات، ولعلّ منها عدم مناسبة بعض آية مع بعضها الآخر كقوله سبحانه (وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء)(2) لعدم مناسبة ظاهرة بين الجزاء والشرط أو أن ما جرى بعد النبي الأكرم في مسألة الخلافة كان مناسباً للتحريف فيه، إلاّ أنّ هذا العلم لا يضرّ باعتبار آيات الأحكام لخروج غيرها من الآيات عن الابتلاء بمعنى اختصاص الحجيّة أي المنجزية والمعذريّة بظواهر آيات الأحكام ولا اعتبار بالعلم الإجمالي فيما إذا لم يكن للمعلوم بالإجمال أثر في بعض الأطراف، وتكون الشبهة في أنّه كانت قرينة أو قرائن على خلاف ظواهر الكتاب من آيات الأحكام من الشبهة البدوية، وهذا فيما إذا لم يكن الساقط متصلاً بآيات الأحكام بحيث يحتمل كونه قرينة متصلة لها فينعقد معها ظهور على خلاف الظهور الأولي، وإلاّ فمع اتصاله بها واحتمال كونه موجباً لغلبة ظهوره الأولي فيسقط عن الاعتبار لرجوع الشك إلى قرينية الموجود ولم تقم سيرة من العقلاء على اتباع الظهورات الاقتضائية في موارد الشك في قرينية الموجود وصيرورته بالإضافة إلى ظهوره الفعلي مجملاً.







أقول: لا يبعد عدم اعتبار الخطابات حتى فيما إذا احتمل أنّ الساقط كان من القرينة المنفصلة لأنّ مسألة عدم تنجز العلم الإجمالي بخروج بعض أطرافه عن الابتلاء خارجة عن مسألة حجية الظهورات بل اعتبارها مستفاد من سيرة العقلاء ولم يحرز اتباع الظهورات في مثل الفرض، ألا ترى أنّه لو وصل كتاب المولى إلى عبده ورأى أنّ بعض الكتاب ممزق قبل الوصول إليه واحتمل أنّ في المقدار الممزق قرينة على المراد الجدّي لما في صدر الكتاب يصحّ له الاعتذار في ترك العمل بما فيه حتى يستفسر الحال هذا أوّلاً: وثانياً: أنّ خروج غير آيات الأحكام عن الابتلاء مبني على كون اعتبار الأمارة ومنها الظواهر عبارة عن جعل المنجزية والمعذرية لها، وأمّا بناءً على اعتبارها علماً بالواقع فيدخل كل ظواهره في الابتلاء لجواز إسناد مقتضى ظواهره إلى اللّه سبحانه وأنّها مراداته، ومع فرض العلم الإجمالي بسقوط شيء من بعض الآيات وكون الساقط قرينة منفصلة لبعضها لا يمكن الإسناد المزبور، ولكن الصحيح عدم الإخلال في ظواهر الكتاب المجيد بعد الفحص عن القرينة في الآيات الاُخرى والروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) وذلك لوجهين، أولهما: أنه لو كان في بعض الآيات قرينة متصلة أو قرينة منفصلة على المراد في بعض الآيات الاُخرى وقد سقطت لتعرض المعصومين (عليهم السلام) إلى بيان المراد وموضع التحريف من تلك الآيات أو لا أقل من بيان الحكم المراد من الآية فعدم تعرضهم لذلك يكشف عن عدم الخلل في ذلك الظاهر، وعلى الجملة لو فرض سقوط شيء من القرائن لبعض الآيات الراجعة إلى الأحكام لكانت تلك القرائن موجودة في كلامهم فإنّهم مبيّنون للكتاب المجيد والراسخون في العلم بحيث كان كلامهم جبراناً لما فات من الكتاب، ومما ذكر يظهر الفرق بين الكتاب المجيد على القول بالتحريف فيه وبين الكتاب الممزق بعضه قبل وصوله إلى العبد إذا لم يعلم به المولى، وأمّا إذا علم وقال إعمل به يعلم أنّه لم يكن في الممزق قرينة على الخلاف.







والثاني: أنّ القرآن الموجود في أيدي الناس في زمانهم صلوات اللّه عليهم بعينه الكتاب المجيد الموجود بأيدينا، وقد أمروا الناس بالأخذ بالقرآن والعمل عليه في الشروط في المعاملات برد الشروط المخالفة له وعرض الأخبار المتعارضة عليه والأخذ بما يوافق الكتاب، فإنّ تلك الأخبار شاهدة على عدم وقوع الخلل في آيات الأحكام، بل لا يبعد دلالتها على عدم التحريف فيها، حيث إنّه لو وقع التحريف فيها بحيث يقتضي طرح الخبر المأثور عنهم (عليهم السلام) لمنافاته مع الكتاب المجيد وردّ الأمر منهم أن مورده من الكتاب محرّف مع أنّهم جعلوا سلام اللّه عليهم الكتاب المجيد ميزاناً في الأخذ بالخبر المأثور عنهم وردّه وضربه على الجدار.







لا يقال: على ما ذكر يشكل الاعتماد على ظواهر الأخبار المروية عنهم (عليهم السلام) في الوقايع ولو كان النقل بطريق معتبر، وذلك للقطع بأنّ بعض الأخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام)لم تصل إلينا، ولعل فيما لم يصل إلينا كان قرينة على المراد الجدّي من البعض الواصل، وكذا يحتمل في الأخبار الواصلة إلينا منهم أنّ بعضها كان مقترناً بكلام يعد قرينة متصلة على خلاف الظهور الفعلي وقد سقطت عن الكلام عند وسائط النقل، ولكن لا يخفى أنّ الأخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام) لا تسقط عن الاعتبار بما ذكرنا، فإنّ ضياع قرينة متّصلة من كلامهم المنقول إمّا بالدس في الخبر أو ينشأ من غفلة بعض الرواة لاعتقاده أنّه لا دخل له في الحكم المنقول بنقل كلامهم مع كونه في الواقع قرينة متّصلة، والأول مدفوع بإحراز أوصاف الرواة من كونهم ثقات أو عدول وطريق النقل معهود ومألوف بين أصحاب الحديث، والإحتمال الثاني: مدفوع بأصالة عدم الغفلة، وأمّا بالنسبة إلى الأخبار التي لم تصل إلينا وكان بين تلك الأخبار بعض الأخبار التي تعد قرينة على المراد الجدّي لبعض الأخبار الواصلة إلينا فلا يضر باعتبار الظهور، فإنّ الظهور الاستعمالي حجة ما لم تثبت القرينة على خلافها، ومن المحتمل أنّ تلك الأخبار التي لم تصل إلينا لم يكن شيء منها قرينة على المراد الجدّي من الأخبار الواصلة، بل كانت تلك الأخبار مطابقة مع الواصل إلينا أو راجعة إلى اُمور كانت واردة في موارد لا ترتبط بموارد مدلولات الأخبار الواصلة بأنْ كان مدلولها بيان الحكم في الموارد التى ترجع فيها بالاُصول العملية من غير أنْ يتضمّن تكليفاً لموارد الاُصول النافية، وهذا لا يقاس بكتاب كل ما ورد فيه يكون مورداً للإبتلاء ولو بالنحو الذي ذكرنا، وقد علمنا بسقوط بعضه بالتمزيق ونحوه على ما قيل على القول بالتحريف في الكتاب المجيد خصوصاً مع احتمال كون الساقط قرينة متّصلة مع قطع النظر عما ذكرنا في الجواب عنه.







هذا كله في التحريف بمعنى الإسقاط والتبديل، وأمّا التحريف بمعنى تأويل الآيات إلى غير موارد نزولها أو تأويل ظواهره فهذا واقع قطعاً، وقد عبّر في بعض الروايات بتضييع الكتاب وتحريفه وكذا على ما قيل من التغيير في ترتيب السور وكذا في الحروف والإعراب في كتابتها بالزيادة والنقصية بما لا ينافي حفظ أصل الكلمة القرآنية، وكذا في قراءته من الحركات وبعض الحروف كما يشهد بذلك عدم ثبوت تواتر القراءات أو التحريف بمعنى عدم الإعتناء ببعض مقتضى موارد نزول بعض آياته أو ظهور نفس آياته، وما بيّنه الرسول النبي (صلّى الله عليه وآله) أو بيان ما كان في جملة من الآيات على ما جمعه علي (عليه السلام) في المصحف الذي جمعه، فإنّ هذا كله خارج عن التحريف الذي حكيت دعواه عن بعض، حيث ورد فيه بعض روايات غير صالحة للاعتماد عليها لضعفها سنداً، بل عدم دلالة بعضها على التحريف الذي أنكرنا وقوعه كما يظهر ذلك للمتضلّع في كيفية جمع القرآن وحفظه وكتابته واهتمام المسلمين في حفظه وعدم قبول دعوى وجود آية أو أكثر في القرآن نسخت تلاوتها.















[5] إذا وقع الاختلاف في القراءة فمع العلم الإجمالي بكون إحدى القراءات مطابقة لقراءة النبي (صلّى الله عليه وآله) يكون المورد مع اختلاف الظهور باختلافها من إشتباه الحجة بغير الحجة فلا يكون شيء منها معتبراً في ظهوره حتى فيما كان بين ظهوراتها جمع عرفي، وذلك لعدم إحراز واحد منها بخصوصها هو القرآن المنزل ليؤخذ بظهوره، نعم لو كان الظهور على بعضها أخصّ من سائرها يؤخذ بذلك الأخص لثبوت الحكم الوارد في الآية فيه على كل تقدير ويرجع في غيره بمقتضى الحجة الاُخرى من خطاب شرعي أو أصل عملي، ولكن تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بأي من تلك القراءات لثبوت جوازها بإحداها وجواز القراءة كذلك لا يلازم جواز العمل ولو فرض ثبوت تواتر خبر كل من القراءات عن النبي (صلّى الله عليه وآله) كما ادّعي لكان كل منها حجة إذا كان بين مداليلها جمع عرفي، وأمّا مع عدم الجمع العرفي لا يكون شيء منها حجة كما هو الحال في سائر المتعارضين: إلاّ أنْ يقوم دليل على جواز الاستدلال بكل قراءة كما تجوز القراءة بكل منها فإنّه مع قيام الدليل كذلك لكان المتعيّن التخيير لا الترجيح بلا فرق في ذلك بين مسلكي الطريقية والسببية على ما نذكره في بحث التعارض أنّ الأصل في الأمارتين المتعارضتين مع التعارض التساقط حتى بناءً على مسلك السببية، والترجيح بإحدى المرجّحات والتخيير مع عدمه على تقدير تمام الدليل عليه يختصّ بالروايات ولا يعمّ غيرها، وما ذكرنا من تواتر القراءات أو قيام الدليل على العمل بكل منها مجرد فرض وإلاّ فليس تواتر فيها ولا دليل على جواز العمل بأي قراءة. وما يظهر عن الشيخ (قدس سره) من احتمال الترجيح بمرجّحات المتعارضين في فرض عدم ثبوت جواز العمل بكل من القراءات لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ المورد مع عدم ثبوت جواز العمل كذلك من إشتباه الحجة بغير الحجة ومورد الترجيح هو الأخبار والروايات في فرض التعارض.















[6] إنْ كان المراد من (حينئذ) من المضاف بالظرف صورة قيام الدليل على جواز الاستدلال بكل قراءة كان مقتضاه جواز الاستدلال بكل من القراءتين سواء قيل بمسلك الطريقية أو السببية، فإنّ الدليل على جواز القراءة بكل قراءة كما يقتضي التخيير بين القراءات عند إختلافها كذلك الدليل على جواز الاستدلال بكل منهما، ولا يضر بذلك كون الأصل في المتعارضين التساقط على الطريقية، والتخيير على مسلك السببية، وإنْ كان المراد صورة عدم قيام الدليل على جواز الاستدلال بكل قراءة فالمناسب أنْ يقول: فلابد في صورة اختلاف القراءات الرجوع إلى الأصل أو العموم والإطلاق حسب اختلاف المقامات من غير حاجة إلى إضافته.







قد يقال: إنّ الاختلاف في القراءة في آية (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)(3) أو (يتطهّرن) لا يضر بالاستدلال بها، فإنّ القراءة اختلافها أو اشتباه الحجة باللاّحجة فيها يرتفع في مقام الاستدلال بما ورد فيها (فإذا تطهّرن فأتوهن من حيث أمركم اللّه)(4) فإنّ قوله سبحانه (فإذا تطهّرن) يعيّن الغاية في الأمر باعتزالهن وعدم جواز الدخول بهن، ولكن لا يخفى أنّ هذا وهم، فإنّ قوله سبحانه (فإذا تطهّرن) تفريع على الغاية فإنْ كانت الغاية (حتى يطهرن) الظاهر في حصول النقاء يكون التفريع للتصريح ببعض المفهوم، وإنْ كان (يتطهّرن) يكون التفريع بيان تمام مفهوم الغاية، وعلى الجملة التفريع لا يرفع الإشتباه والترديد في الغاية، نعم لو كان قوله سبحانه (فإذا تطهّرن) بلا تفريع كان ذلك موجباً لإرتفاعهما.















(1). سورة آل عمران: الآية 110.







(2). سورة النساء: الآية 3.







(3) و (4). سورة البقرة: الآية 222.































فصل















قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام[1].















فصل















الإجماع المنقول بالخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة أنّه من أفراده[2].















في احتمال وجود القرينة















[1] قد تقدم أنّ للكلام ظهورين أحدهما: المدلول الاستعمالي، وثانيهما: المدلول التصديقي بمعنى كون المدلول الاستعمالي مطابقاً للمراد الجدّي للمتكلّم، وإذا اُحرز المدلول الاستعمالي ببركة العلم بالوضع أو بالقرينة وعدم ثبوت قرينة على تخالفهما يؤخذ بمقتضى الموافقة المعبّر عن ذلك بحجيّة الظهور الاستعمالي على المراد الجدّي بلا فرق بين أن يكون احتمال تخالفهما ناشئاً عن اتكال المتكلّم على قرينة منفصلة متقدمة أو متأخرة لم يظفر بها بعد الفحص واليأس عن الظفر بها، أو عدم ذكر القرينة على التخالف لمصلحة في إخفائها أو أنّ كلام المتكلّم وصل إلينا بطريق النقل ولم ينقل الراوي تلك القرينة الدالة على مراده الجدّي، ففي جميع ذلك يؤخذ بالظهور الاستعمالي المحرز لكونه حجة على المراد الجدّي، والتعبير بأصالة العموم أو الإطلاق بعد عدم الظفر بالمخصص والمقيد والقرينة على ارادة التخلف مما جرت عليه سيرة العقلاء، وأمّا الاُصول التي يحرز بها المدلول الاستعمالي للكلام فنقول: الشك في المدلول الاستعمالي له صور:







الأولى: ما إذا علم أوضاع الألفاظ والهيئات الواردة في الخطاب ومع ذلك يشك فيه لاحتمال وجود قرينة حالية أو مقالية متصلة بالخطاب ولم تصل تلك القرينة إلى من وصل إليه ذلك الخطاب لغفلة الناقل أو سامع الخطاب، وفي مثل ذلك لا ينبغي التأمل في عدم الإعتناء بإحتمالها، والظاهر أن المعتبر في الفرض نفس الظهور الاستعمالي الإقتضائي لا أصالة عدم القرينة كما يظهر من بعض كلمات الشيخ (قدس سره)وتبعه غيره، بدعوى أنّ الظهور الفعلي هو المعتبر ولو كان إحرازه بأصالة عدم القرينة أو أصالة عدم الغفلة من المتكلم أو السامعين والناقلين بعد السماع؛ ولذا لا يعملون بكتاب بعضه ممزق مع إحتمال قرينة صارفة عن الظاهر في الجزء التالف، وكذا الحال فيما إذا عرض للسامع نوم حين تكلّم المتكلّم.







أقول: قد عرفت سابقاً حال الكتاب الممزق وغيره وأن العمل بالظهورات كانت فعلية أو اقتضائية بسيرة العقلاء ولا اعتبار عندهم بالظهور الإقتضائي في موارد العلم بغفلة السامع، واحتمال ذكر المتكلّم قرينة في فترة غفلته وعدم تحقق الظهور الفعلي مع إحتمال القرينة المتصلة وعدم إعتباره مع إحتمال القرينة المنفصلة في تلك الفترة.







الثانية: ما إذا شك في المدلول الاستعمالي لإحتمال قرينية الموجود كما في الأمر الواقع عقيب توهم الحظر أو الحظر حيث يحتمل أنْ يكون الحظر السابق أو توهّمه مما إعتمد عليه المتكلّم في إرادته الترخيص من الأمر، وفي مثل ذلك لا اعتبار بأصالة عدم القرينية ولا بالظهور الإقتضائي.







الثالثة: أنّ الشك في المدلول الإستعمالي لعدم العلم بوضع اللفظ الوارد في خطاب المولى ولا ينبغي التأمل في أنّ الظن بالمدلول الإستعمالي لا اعتبار به، كما لا اعتبار بالظن في سائر المقامات على ما تقدم، ولكن المشهور على ما حكي عنهم على اعتبار قول اللغوي في تشخيص المدلول الإستعمالي وتعيين المعنى الظاهر من اللفظ وأنّ قوله من الظن الخاصّ، ويقال: في وجه ذلك اُمور؛ الأول: مراجعة اللغوي من أهل الخبرة في معاني الألفاظ وأوضاعها، قد جرت سيرة العقلاء على المراجعة في كل اُمر إلى أهل خبرة ذلك الأمر والأخذ بقوله فيه مع عدم المعارضة بل معها إذا كان أحدهم أكثر خبرة من الباقي من غير اعتبار التعدد والعدالة، واعتبار العدالة في الفقيه المعتبر قوله لكونه من أهل الخبرة في استنباط الأحكام واستخراجها من مداركها، وكذا في القاضي ثبت بدليل خاصّ لا لإعتبارها في سماع قول أهل الخبرة.







الثاني: دعوى الإجماع وأن الرجوع إلى أهل اللغة وكتبهم مما عليه دأب العلماء في كل عصر وفيه أنه ليس في البين إجتماع تعبّدي حيث كان الرجوع إلى كتب أهل اللغة لكون الرجوع إليها مع خصوصية مورد الخطاب قد يوجب العلم والإطمينان بالمراد، وأمّا دعوى كونهم من أهل الخبرة ففيها أنّه يعتبر في أهل الخبرة كون الأمر المزبور مما للحدس دخل فيه بحيث يختصّ ببعض الأشخاص، كما في تشخيص المرض والقيمة السوقية لمثل الدور والجواهر لا في الاُمور التي يمكن الإطلاع عليها بالحس من كل شخص كالإستماع إلى خطابات أهل المحاورة، ورؤية الهلال، والنظر إلى الاُفق في إحراز الغروب وطلوع الشمس، فإنّ المخبر بهذه الاُمور ونحوها يعتبر قوله من جهة الشهادة أو الخبر هذا أولاً، وثانياً: على تقدير كون اللغوي من أهل الخبرة فهو بالإضافة إلى معاني الألفاظ أي المستعمل فيه لها، وأمّا أن استعماله في أي منها بالوضع وظاهر فيه عند الإطلاق وفي الباقي بالعناية والمجاز، فليس تعيين ذلك من عهدته، ولذا لا يذكرون في كتبهم للحقيقة والمجاز علامة وذكر معنى من المعاني أولا لا يكون علامة لكون استعماله فيه بالوضع كما يشهد بذلك ذكرهم المعاني للمشترك.







وأمّا الأمر الثالث الذي ذكره البعض دليلا على اعتبار قول اللغوي دعوى إنسداد باب العلم في معاني الألفاظ المستعملة في اللغات ولو من حيث سعة معنى اللفظ وضيقه، فإن مثل معنى لفظ الماء من أوضح الألفاظ من حيث المعنى مع أن معناه من حيث السعة بحيث يصدق على الماء الصناعي أو السيل الغليط ونحو ذلك مجهول، فيكون قول اللغوي معتبراً لكونه القدر المتيقّن من الظنّ، وأجاب الماتن (قدس سره)عن ذلك بأنه لو أن باب العلم والعلمي في الأحكام الشرعية في الوقايع مفتوحاً بحيث لا يلزم في الوقايع الخالية عن العلم والعلمي محذور من الرجوع إلى الأصل العملي فلا يفيد فيها قول اللغوي، وإنْ كان باب العلم باللغات منسداً وإنْ لم يكن باب العلم والعلمي في الأحكام الشرعية مفتوحاً فالمتعين العمل بالظنّ فيها ولو كان حاصلا من قول اللغوي حتى مع فرض انفتاح باب العلم باللغات.







أقول: الظاهر دعوى المستدل الإنسداد الصغير وهو ثبوت بعض التكاليف في الوقايع التي لا يحرز فيها ظاهر الخطابات الشرعية بحيث يلزم من العمل فيها بالاُصول العملية المخالفة في ذلك البعض، لذا يتعيّن فيها العمل بالظنّ الحاصل من قول اللغوي، والجواب كون الرجوع إلى الأصل العملي موجباً للمخالفة غير محرز، وعلى تقدير لزومها يلتزم بالإحتياط فيها، وهذا الإحتياط لا يوجب الحرج فضلا عن إختلال النظام كما كان ذلك مفروضاً في إنسداد باب العلم في معظم الأحكام الشرعية.















الإجماع المنقول















[2] قد ذكر الشيخ (قدس سره) أنّه قدّم البحث في اعتبار الإجماع المنقول بالخبر الواحد على البحث في اعتباره للتعرض بالملازمة بين اعتبار الخبر الواحد واعتباره وعدمها، حيث إنّ أكثر من ذهب الى اعتبار الإجماع المنقول ذكروا أنّه من أفراد الخبر الواحد فيعمّه ما دل على اعتباره.







أقول: المناسب تأخير البحث في الإجماع المنقول عن البحث في اعتبار الخبر الواحد حتى يلاحظ ما دلّ على اعتبار الخبر الواحد، ويتّضح عمومه أو إطلاقه بالإضافة إلى الإجماع المنقول وعدمه، وعلى الجملة لا مورد عندهم لدعوى اعتبار الإجماع المنقول بالخبر الواحد مع عدم اعتبار الخبر الواحد، وإنّما يجري إحتمال اعتباره بعد فرض قيام الدليل على اعتبار الخبر الواحد بدخوله في ذلك الدليل لكونه من أفراده، وهذا يقتضي الفراغ عن ملاحظة ذلك الدليل، وكيف كان ينبغي في المقام ذكر اُمور:







الأول: أنّ المخبر به في الخبر الواحد على أنحاء، أولها: أنْ يكون أمراً حسيّاً بنفسه كسماع قول أو رؤية واقعة إلى غير ذلك، ثانيها: أنْ يكون أمراً حدسيّاً ولكن له آثار حسيّة بحيث يكون حس تلك الآثار يعد حسّاً له، كإحراز عدالة شخص بالممارسة معه مدة بحيث يطّلع فيها عادة على حالته النفسانيّة من ملكة العدالة وإيمانه الموجب لاستقامته في دينه وكإحراز شجاعة الشخص وقوة نفسه إلى غير ذلك وثالثها: أنْ يكون المخبر به أمراً حدسيّاً وله آثار ومقارنات خارجة عن الحسّ وبعيدة عنه كلا أو بعضاً، ورابعها: أنْ يكون أمراً يمكن إحرازه بالحسّ ولو بمقدمات أو آثار محسوسة ويمكن إحرازه بمقدمات إحرازية بعيدة عن الإحساس كلاً أو بعضاً.







ثم بناء على اعتبار الخبر الواحد يكون الخبر معتبراً في القسمين الأولين إذا كان المخبر به موضوعاً للحكم الشرعي أو نفس الحكم الشرعي، أو كان الإخبار به موضوعاً لحكم شرعي، وأمّا الإخبار في القسم الثالث فلا يكون في البين اعتبار إلاّ فيما كان المخبر من أهل خبرة ذلك الأمر الموضوع لحكم شرعي ويكون حدسه معتبراً بالإضافة إلى غير المتمكن من الحدس به وهذا داخل في الرجوع إلى أهل الخبرة، وأمّا الإخبار بالنحو الرابع فالظاهر كما يأتي اعتبار الخبر فيه أيضاً ما لم تقم قرينة عامة أو خاصّة على أنّ المخبر قد اعتمد في إخباره به على حدسه.







الأمر الثاني: أنّ اعتبار الخبر فيما كان المخبر به حكماً شرعياً نفسياً أو طريقياً أو كان موضوعاً لأحدهما وكان الإخبار به على النحوين الأولين أو بالنحو الرابع من المذكورات في الأمر السابق ظاهر، وأمّا إذا لم يكن بنفسه حكماً شرعياً أو موضوعاً له بل ملازماً للحكم أو الموضوع له فاعتبار الخبر فيه يختص بمورد يرى المنقول إليه الملازمة بين المخبر به وذلك الحكم أو الموضوع، وبتعبير آخر لو كان المخبر صادقاً فيما أخبر به لكانت الملازمة بينه وبين الحكم الشرعي أو موضوعه تامة فإنّ في مثل ذلك يعتبر الخبر وذلك لكون الدليل على اعتبار خبر الثقة أو العدل السيرة العقلائية الجارية في المتشرعة أيضاً وهم لا يفرقون في الإعتماد على الخبر بين هذا الفرض وبين ما كان المخبر به بنفسه أثراً أو ذا أثر عندهم، ألا ترى أنّه لو سقطت طائرة ركاب وتلاشت كليّاً بحيث لا يسلم عادة في مثله أحد من ركابها، فلو أخبر ثقة أو جماعة من الثقات بأنّهم رأوا زيداً أنّه ركبها قبل إقلاعها وأنّه كان من ركّابها فيحكمون بموته حتى فيما إذا لم ير المخبر بسقوطها الملازمة بين سقوطها وموت جميع ركّابها، وأمّا إذا لم تكن هذه الملازمة عند المنقول إليه فلا يعتمد على الخبر المزبور في موت زيد حتى في صورة اعتقاد المخبر بالملازمة بينهما، ولو أخبر ثقة بأنّ زيداً سافر إلى بلد تكون نار الحرب فيه مشتعلة ويرى المخبر بذلك الملازمة بين دخوله ذلك البلد والهلاك، ولا يرى المنقول إليهم هذه الملازمة فإنّهم لا يعتمدون على الخبر المزبور بالإضافة إلى موت زيد.







الأمر الثالث: أنّ الإجماع وهو اتفاق العلماء على الفتوى بحكم في مسألة لا يكون بنفسه حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي بالإضافة إلى المجتهد عندنا إلاّ بالإضافة إلى نفس الإخبار بالاتفاق، وأما بالإضافة إلى نقل قول المعصوم (عليه السلام)بكون إخبار الناقل به إمّا بالحسّ كما إذا سمع الحكم عن كل واحد من جماعة يعلم أنّ أحدهما الإمام (عليه السلام)فيروي قوله (عليه السلام) في ضمن نقل أقوالهم، ولكن نقل قوله (عليه السلام) من ناقلين للإجماع كذلك خصوصاً في زمان الغيبة موهون جداً، لأنّ احتمال تشرف الناقل في خدمة إمام العصر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف وأخذ الحكم منه، ونقل قوله (عليه السلام) لذلك لبعض دواعي الإخفاء وإنْ كان أمراً ممكناً ولكن احتماله موهون خصوصاً بملاحظة كلمات كثير من نقلة الإجماع حيث يذكرون في وجه اعتباره ما لا يناسب إحراز قوله (عليه السلام) كذلك.







ومنها أنْ يكون إحراز قوله (عليه السلام) بالحدس إمّا بقاعدة اللطف التي اعتمد عليها الشيخ (قدس سره)واعتبر الإجماع على تلك القاعدة بدعوى أنّه يجب على اللّه سبحانه اللطف بالعباد بإرشادهم إلى ما يقرّبهم إليه سبحانه وإلى ما يجب عليهم الاجتناب عنه وكون ارتكابه موجباً للبعد عنه تعالى، وعلى ذلك فإنْ اتفق علماء العصر على حكم يعلم أنّه موافق لحكم الإمام (عليه السلام) وإلاّ يكون مقتضى قاعدة اللطف أنْ يظهر الخلاف بين الرعية لئلا يقع العباد في خلاف الحق والباطل، وبتعبير آخر يجب على الإمام (عليه السلام) عند اتفاق العلماء على خلاف الحق أنْ يلقي الخلاف بينهم على ما هو مقتضى اللطف الموجب لنصبه لكل عصر.







ولكن لا يخفى أنّ الاعتماد على هذه الطريقة في استظهار قوله (عليه السلام) ضعيف غايته، فإنّ اللطف الواجب على اللّه بمقتضى حكمته تشريع الأحكام وإيصالها إلى العباد بالنحو المتعارف، وإذا اتفق علماء الاُمة على خلاف الحق في بعض تلك الأحكام الواقعية بفعل بعض الظلمة الذين سدّوا طريق وصول بعض الخطابات الشرعية إلى العباد في بعض الأزمنة فربّما تكون المصلحة في تركهم بحالهم فترة في العمل على مقتضى الخطابات الاُخرى والاُصول العملية خصوصاً فيما كان خطؤهم بحسب الالتزام فقط كما إذا اتفق العلماء على حرمة فعل كان في الواقع مباحاً أو على وجوب فعل كان في الواقع مستحباً ولذا لا يمكن الاعتقاد بأنّه إذا انحصر الفقيه في عصر بشخص أو شخصين تكون فتواه أو فتواهما مطابقاً للحكم الواقعي لا محالة وقد يورد على قاعدة اللطف بالنحو الذي ذكر بأنّه لو كان مقتضاها إظهار الإمام (عليه السلام)ما عنده من الحكم الواقعي بلا إثبات إمامته فلا فائدة في إظهار الخلاف بصورة دعوى الحكم الشرعي وإذا كان مع إثبات أنّه إمام (عليه السلام) ليؤخذ بقوله فلزوم الإظهار كذلك مقطوع العدم.







وفيه أنّه يمكن للإمام (عليه السلام) إثبات ماعنده من الحكم الواقعي بطريق الاستدلال لعالم شاخص في الرعية ولو بنحو الاستدلال على خطئه في مسائل اُخرى بحيث يوجب ذلك رجوعه إلى ذلك القول ولو مع عدم الالتفات إلى أنّه الإمام (عليه السلام) وبتعبير آخر لا ينحصر إظهار الخلاف بأحد فرضين في كلامه بل يمكن ببعض وجوه اُخرى ولو كان ذلك موجباً لعلم بعض علماء العصر أو العالم الشاخص فيما بعد أنّه كان الإمام (عليه السلام)روحي وأرواح العالمين لمقدمه الشريف الفداء.







وإمّا أنْ يكون الحدس بقوله (عليه السلام) باعتقاد الملازمة بين اتفاق العلماء أو المشاهير منهم على حكم وقوله (عليه السلام) بذلك الحكم وطريق الحدس أنّ ناقل الإجماع بالظفر بفتوى بعض العلماء الكبار بحكم يحصل له الظنّ بأنّه هو الحكم الواقعي ويقوى هذا الظنّ شيئاً فشيئاً بالظفر بفتاوى سائر العلماء حتى يبلغ ظنّه مرتبة الاطمينان بل إلى العلم بالحكم الواقعي وإنْ شئت فلاحظ من وصلت إليه الأخبار عن حادثة ما شيئاً فشيئاً فإنّه بكثرة النقل عن تلك الحادثة يقوى الظنّ بها إلى أنْ تصل كثرة النقل بحيث توجب الاطمينان أو العلم بها، وفيه<ظspan> أنّ التوافق في الفتاوى مجرد إحرازه لا يوجب الاطمينان بالحكم الواقعي فضلا عن اليقين به؛ لأنّ الفتوى حدس من المفتي بحكم الواقعة ويمكن فيه الخطأ من الجلّ والمعظم بخلاف الإخبار بحادثة يقع بها الحسّ، فإنّ كثرة الحسّ توجب الاطمينان والعلم بعدم الخطأ فيه، وإذا كان هذا حال رؤية كثرة الحدس فلا يزيد نقله عن تحصيله، وهذا فيما كان أمر أو اُمور يطمئنّ الشخص أو يحتمل أنّها مستند فتوى العلماء، وقد يكون في مسألة خصوصيّة يكون إحراز اتفاق العلماء في حكمها موجباً للحدس بالحكم الواقعي أو قول المعصوم (عليه السلام)اطميناناً أو علماً، كما إذا كان الحكم المتّفق عليه مخالفاً للأصل ولا سبيل للعقل إليه، ولا دلالة في الكتاب المجيد أو في الأخبار الواصلة إلينا عليه، فإنّه مع ملاحظة ذلك ولحاظ أنّ فقهاءنا (قدس سرهم)عدول لا يحكمون بحكم بغير مستند له، فيعلم أنّه كان في البين ما يصلح مدركاً له لم يصل إلينا ذلك المدرك ولو كان ذلك من قبيل تسالم المتشرعة على الحكم في ذلك الزمان وكونه من مرتكزاتهم المتلقاة من أئمتهم (عليهم السلام)، وإذا كان الإجماع كذلك فإنْ اُحرز بالنقل أنّ الإجماع المنقول كذلك فاللازم رعايته ولو بالاحتياط في مورده.







الأمر الرابع: أنّه يتعيّن ملاحظة نقل الإجماع في المسائل فإنْ كان في مسألة يمكن فيها الوصول إلى ما يحتمل استناد المجمعين إليه فلا أثر لذلك النقل وإنْ لم يكن في المسألة ما يحتمل الاستناد اليه وكان نقله معارضاً بنقل الخلاف فيسقط نقله عن الاعتبار، وكذا لو كانت في البين قرينة على أنّ ناقل الإجماع لم يحرز الاتفاق بالحسّ بل بالحدس بأنْ استفاد اتفاقهم على ذلك الحكم من اتفاقهم على أصل أو قاعدة معتمد عليها عندهم كدعوى السيد المرتضى (قدس سره) الإجماع على جواز الوضوء بالمضاف واستفادة اتفاقهم عليه من تسالمهم على قاعدة الحل وأصالة البراءة.







الأمر الخامس: قد ظهر مما تقدم حكم نقل الإجماع بالإضافة إلى قول المعصوم (عليه السلام)المعبّر عنه في عبارة الماتن بنقل المسبّب وأنّه لا ملازمة بين اتفاقهم على حكم وكونه موافقاً للحكم عند الإمام عليه السلام، وأما اعتبار نقله بالإضافة الى اتفاق العلماء على الفتوى المعبّر عنه في كلامه (قدس سره) بالسبب فيتّبع فيه كلام الناقل بملاحظة القرائن من حاله في الاطلاع على فتاوى العلماء وخصوصية المسألة من كونها معنونة في الكتب من قديم الزمان أو في ذلك الزمان ونحو ذلك، فإنْ كان المنقول بحيث لو كان محرزاً لنا بالوجدان وبنحو التحصيل كان موجباً للوثوق بالحكم الواقعي بنفسه أو بضميمة الاتفاق الحاصل بعد زمان الناقل أيضاً فيعتبر، حيث يكفي في اعتبار الخبر كون المخبر به دخيلا في إحراز الحكم الشرعي كما في اعتبار الخبر بوثاقة الراوي أو سؤال الراوي الدخيل في ظهور الجواب عنه، وقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه ربّما يكون الاتفاق المحرز بنقل الإجماع بحيث على تقدير تحصيله مع ضميمة سائر الأمارات التي يحصّلها المنقول إليه بمقدار السبب التام فيعتبر، ولكن لا يخفى أنّه لو كان في البين سائر الأمارات يحتمل كون مدرك الاتفاق بعضها أو كلها فلا يبقى لإحراز قول المعصوم (عليه السلام) من ذلك الاتفاق مجال.































فصل















مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى[1].















فصل















المشهور بين الأصحاب حجيّة خبر الواحد في الجملة بالخصوص ولا يخفى أنّ هذه المسألة من أهم المسائل الاُصوليّة[2].







واستدلّ لهم بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم والروايات الدالّة على ردّ ما لم يعلم[3].







وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد[4].







وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة[5].







والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصاً في المسألة[6].















الشهرة في الفتوى















[1] يقع الكلام في الشهرة في الفتوى في جهتين، الاُولى: هل كونها من الأمارات المعتبرة بالخصوص بالإضافة إلى الحكم الشرعي الذي اشتهرت الفتوى به ولا يلتفت ما في مقابله بالقول الشاذّ والنادر، والثانية: هل تكون الشهرة في الفتوى بمضمون رواية في طريقها ضعف جابرة لها بحيث تكون بموافقتها الفتوى المشهورة صالحة للاعتماد عليها في الفتوى بها، وأنّ الرواية ولو صحّ سندها ولكنها بفتوى المشهور على خلاف مدلولها تكون ساقطة عن الاعتبار فلا يمكن الفتوى بمدلولها على ماهو المعروف في الألسنة من أنّ عمل المشهور برواية جابر لضعفها، وإعراضهم عنها موهنٌ لها، أمّا الكلام في الجهة الاُولى فقد يقال: إنّه يستفاد اعتبارها بنفسها مما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة من الأمر بالأخذ بالمجمع عليه بين أصحابك(1)، وفي المشهور من الأمر بالأخذ بما اشتهر بينهم(2)، ولكن لا يخفى أنّ الروايتين ناظرتان إلى الشهرة في الرواية بأنْ تكون إحداهما مشهورة بحسب النقل والاُخرى شاذّة بحسبه، وهذا يوجب الأخذ بالرواية المشهورة وترك الرواية الشاذّة.







وبتعبير آخر كلمة (ما) في الروايتين وإنْ كانت موصولة والموصول من المبهمات يكون تعيينه بالصلة، إلاّ أنْ التعيين فيه لا ينحصر على الصلة فقط فإنّه إذا وقع الموصول في الجواب عن السؤال عن شيء يكون المراد منه ذلك الشيء، وكذا الحال إذا كان مورد وروده شيئاً، مثلا إذا قيل: أي الدارين أحب إليك؟ فأجبت: ما كان منهما أكبر، فلا يقتضي كون كل أكبر من كل شيء أحب من غير الأكبر، وذكرنا أنّ المراد بالشهرة والمجمع عليه الشهرة بحسب النقل لا الأعم منه ومن الشهرة في العمل بها، وذلك فإنّه قد ورد في المقبولة بعد الأمر بالأخذ بالمجمع عليه عند أصحابك وبترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عندهم «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه... فإنْ كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم» وفرض الشهرة في كلا الخبرين شاهد بأنّ المراد خصوص الشهرة في النقل؛ ولذا كما أنّ المقبولة لا تدلّ على اعتبار الشهرة في الفتوى بنفسها، كذلك لا تدلّ على كونها مرجّحة لإحدى الروايتين بالإضافة إلى الاُخرى، وهذا كله مع الإغماض عن سند المرفوعة فإنّها مرفوعة رواها في عوالي اللآلي وقد ناقش في الكتاب ومؤلفه من ليس دأبه الخدشة في سند الروايات.







وقد يستدل على اعتبار الشهرة في الفتوى بفحوى ما دلّ على حجية الخبر الواحد بدعوى أنّ الظن بالحكم الواقعي الحاصل من الشهرة أقوى من الظنّ الحاصل بالخبر الواحد، ولكن لا يخفى ما فيه فإنّ كون تمام الملاك في اعتبار الخبر الواحد الظنّ بالواقع غير معلوم بل عدمه معلوم، وإلاّ كان مقتضاه اعتبار كل ظنّ بالحكم الواقعي بشرط كونه مساوياً أو أقوى من الظنّ الحاصل من الخبر الواحد، وعلى الجملة يحتمل أنْ يكون في ملاك اعتبار خبر العدل والثقة عن المعصوم (عليه السلام) مع كونه أكثر تطابقاً للواقع جهة اُخرى ملحوظة.







كما أنّه ربّما يستدل على اعتبار الشهرة بالتعليل الوارد في آية النبأ الدالة على عدم جواز الاعتماد على خبر الفاسق معللا بقوله سبحانه (أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(3) فإنّه بناء على كون المراد من الجهالة السفاهة كما هو ظاهرها بملاحظة موردها يكون مقتضاها جواز العمل بما لا يكون العمل به سفاهة ولا يكون العمل بالشهرة في الفتوى سفاهة وعملاً سفهياً وفيه إن مقتضى التعليل عدم جواز العمل بكل ما يكون العمل به سفهياً، لا جواز العمل بكل ما ليس بسفهيّ، كما أنّ مقتضى تعليل حرمة الخمر بإسكاره حرمة تناول كل مسكر، لا جواز تناول كل شيء لا يكون مسكراً مع أنّ عمل فقيه بفتوى فقيه آخر مع إحراز مدرك فتواه واحتمال خطئه لعله داخل في العمل السفهيّ، نظير عمل من هو من أهل الخبرة بقول خبرة آخر مع احتمال الخطأ في حدسه.







أمّا الكلام في الجهة الثانية فإنْ أحرز أو احتمل أنّ عمل المشهور برواية ضعيفة في سندها كونها مطابقة للاحتياط أو مخالفة لما عليه العامة، ونحو ذلك مما لا يصلح بمجرده في النظر لصيرورتها معتبرة فلا وجه للاعتماد عليها والفتوى بمضمونها، وإنْ لم يحرز أو لم يحتمل وجه العمل بها فيما وصل بأيدينا بأنْ حصل الوثوق بأنّ وجه فتواهم بذلك كان أمراً لو وصل إلينا لكان صالحاً للاعتماد عليه ككون الحكم المشهور الذي تضمنته الرواية المفروضة كان من المتسالم عليه في ذلك الزمان بين الشيعة، وهذا لو فرض تحقّقه كان بنفسه موجباً للاعتماد عليه، ولا تجعل الرواية المزبورة معتبرة لكي يصحّ التمسّك بها في حكم آخر تضمّنته أو خصوصيّة اُخرى وردت فيها لثبوت الحكم الآخر، والمراد بالشهرة في المقبولة كما تقدّم الشهرة في الرواية ولا تحصر بما إذا دخل الخبر معها في السنّة وإلاّ كان المتعيّن تقديم الحكم ممن كان مستنده الخبر المشهور كما لا يخفى مما يستفاد من غيرها، وبذلك يظهر الحال في كون إعراضهم عن رواية تامة في سندها تركها المشهور حيث إنّه لو اُحرز أو احتمل وجه تركهم ولم يتمّ ذلك الوجه عندنا لا يكون مجرد إعراضهم موهن لها، بخلاف ما إذا حصل الوثوق والاطمينان بخلل فيها لم يصل إلينا بحيث لو وصل إلينا كان ذلك موجباً لحملها على الاشتباه من الرواة في نقلها ونحوه، مما تسقط عن الاعتبار بذلك ومثل هذه الرواية قد توجد بين رواياتنا.















حجية الخبر الواحد















[2] لا ينبغي التأمل في أنّ اعتبار الخبر الواحد بالخصوص من أهم المسائل الاُصولية فإن بإثبات اعتباره بالخصوص بضميمة ما تقدّم من اعتبار الظهورات ينفتح باب العلمي في معظم الأحكام، حيث إنّ حصول العلم الوجداني في غالب الأحكام وتحصيله غير ممكن والكتاب العزيز لا يتكفّل ببيان جميع أجزاء العبادات وشرايطها وما يتعلق بها فضلا عن غير العبادات من المعاملات بالمعنى الأعم، وعلى الجملة ينسدّ باب العلمي في معظم الأحكام بعدم ثبوت اعتبار الخبر الواحد بالخصوص، ولذا تكون هذه المسألة من أهم المسائل الاُصولية، وذكر الماتن (قدس سره)أن المسألة إذا كانت نتيجتها واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي تكون تلك المسألة من المسائل الاُصولية ولو لم يكن المحمول في تلك المسألة من عوارض الأدلة الأربعة وإنْ اشتهر على الألسن أن الموضوع لعلم الاُصول هي الأدلة الأربعة أي الكتاب والسنّة والعقل والإجماع، وأنه يبحث في مسائل العلم عن العوارض لموضوع العلم، ولذلك اُشكل على الملتزمين بالأمرين إدراج هذه المسألة في مسائل علم الاُصول حيث إن المبحوث فيه في المسألة اعتبار الخبر الواحد، واعتباره ليس من عوارض السنة ولا يفيد في دخولها في مسائل علم الاُصول القول بأنّ البحث عن دليليّة الدليل بحث عن أحوال الدليل، سواءً جعل الموضوع لعلم الاُصول ذات الأدلة أو الدليل بما هو دليل، فإن دليلية السنة بمعنى قول المعصوم وفعله وتقريره خارج عن المقام، فإن دليلية ما ذكر يتكفلها علم الكلام ومحل الكلام في اعتبار الخبر الحاكي عنها، وبتعبير آخر إذا جعل الموضوع لعلم الاُصول ذات الأدلة فالبحث عن دليليّتها وإنْ يكن بحثاً عن العوارض إلاّ أن البحث في اعتبار الخبر الحاكي عن السنة غير البحث عن دليلية السنة، والبحث في المقام في الأول دون الثاني، نعم البحث في اعتبار ظواهر الكتاب المجيد يكون بحثاً في دليلية الدليل، ولو كان الموضوع لعلم الاُصول الأدلة بوصف كونها أدلة لا يكون البحث في اعتبار ظواهر الكتاب أيضاً بحثاً في العوارض التي هي بمفاد (كان) الناقصة، بل من ثبوت الموضوع والذي يكون بمفاد (كان) التامة.







وقد ذكر الشيخ (قدس سره) في توجيه دخول المسألة في مسائل علم الاُصول بأنّه يرجع البحث في المقام إلى ثبوت السنة بالخبر الواحد في مقابل ثبوته بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة، وأورد عليه الماتن بأن المراد في المقام من الثبوت، الثبوت التعبّدي، والثبوت التعبّدي من عوارض مشكوك السنّة لا من عوارض السنّة، مع أنّ الملاك في دخول مسألة في مسائل أي علم العنوان المذكور في ناحية موضوع المسألة ومحمولها لا ما يلزم على المسألة بالعنوان المذكور لها.







وبتعبير آخر لا يكون المراد من الثبوت الثبوت الحقيقي بأنْ يكون الخبر الواحد علّة لوجود السنّة خارجاً ضرورة أنّ الخبر الواحد إذا كان صادقاً يكون حاكياً عن السنّة وإلاّ فهو خبر غير صادق ولابد من أنْ يكون المراد من الثبوت الثبوت التعبّدي، والثبوت التعبّدي من عوارض نفس الخبر الواحد لا من عوارض السنّة، وقد يوجّه كلام الشيخ (قدس سره) بأنّ الكلام في المقام ليس في اعتبار ظهور الخبر الواحد فإنّ البحث فيه يدخل فيما تقدّم من بحث اعتبار الظواهر ولا في اعتبار جهة الصدور، فإنّه لا ينبغي التأمل في أنّ الأصل في كلام كل متكلّم ومنه المعصوم (عليه السلام) كونه لبيان المراد الجدّي على ما تقدّم في بيان أصالة التطابق ولا يحمل كلامه على التقية ونحوها إلاّ مع قيام القرينة على الخلاف، والكلام في المقام في أنّ الكلام الصادر عن الراوي كالصادر عن المعصوم (عليه السلام) بمعنى أنّ مغزى البحث في المقام أنّ خبر العدل منزّل منزلة قول الإمام (عليه السلام) أم لا، ولو كان في البين دليل على التنزيل يتّصف الخبر بكونه منزلا كما تتّصف السنّة بكونها منزل عليها بالإضافة إلى خبر العدل فيرجع البحث في المقام إلى البحث في عوارض السنّة وأنّها منزل عليها بالإضافة إلى الخبر الواحد أو خبر العدل أم لا، ولكن يرد على هذا التوجيه أمران، الأول: ما ذكر الماتن من أنّ الملاك في كون مسألة من أيّ علم العنوان المذكور في المسألة في ناحية موضوعها والمحمول فيها، وثانياً: أنّ هذا التوجيه مبني على أنّ اعتبار أمارة عبارة عن تنزيلها منزلة الواقع لا اعتبارها علماً بالواقع كما اخترنا على ما تقدّم، وما عن المحقّق النائيني في إرجاع البحث في المقام إلى البحث في السنّة حيث يكون البحث في كون قول العدل وخبره فرداً من السنّة يرجع إلى التوجيه المتقدّم، فإنّ خبر العدل لا يكون فرداً حقيقيّاً للسنّة بل فرداً اعتباريّاً وتنزيليّاً مع أنّ البحث في كون خبر العدل سنّة ووجوداً لها من قبيل البحث عن ثبوت الموضوع لا من عوارضه كما لا يخفى.















[3] المحكي عن السيد المرتضى وابن الجنيد وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم اعتبار خبر الواحد، بل عن السيد المرتضى في مواضع من كلامه من أنّ العمل بخبر الواحد كالعمل بالقياس في كون ترك العمل به معلوماً من مذهب الشيعة، ويستدل لهؤلاء بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم كقوله سبحانه (لا تقفُ ما ليس لك به علم)(4) و(إنّ الظنّ لا يغني عن الحقّ شيئاً)(5) وبالروايات الواردة التي هي على طوائف منها ما ورد في ردّ خبر لم يكن له شاهد أو شاهدان من كتاب اللّه(6)، ومنها ما ورد في ردّ ما لم يعلم أنّه قولهم (عليهم السلام)(7) ومنها أنّ ما لا يوافق كتاب اللّه زخرف(8)، وما لا يصدّقه كتاب اللّه باطل(9)، ومنها النهي عن قبول حديث إلاّ ما وافق كتاب اللّه والسنّة(10) وبالإجماع المشار إليه في كلام السيد المرتضى وذكر الماتن (قدس سره) في الجواب عن الآيات بعدم ظهور لها في المنع عن اتّباع غير العلم في غير الاعتقاديّات حيث إنّ المنصرف إليه من مدلولها أو المتيقّن اتّباع غير العلم في الاعتقاديّات ولا تعمّ الفروع المدّعى اعتبار خبر الثقة والعدل فيها وعلى تقدير عمومها وإطلاقها يرفع اليد عن العموم والإطلاق بما دلّ على اعتبار خبر الثقة أو العدل في الفروع وقد يقال: إنّ النهي عن اتباع غير العلم وعدم كفاية الظن عن الحق لا يقبل التخصيص والصحيح في الجواب أن مع قيام دليل على اعتبار أمارة كخبر العدل أو الثقة في الأحكام الفرعية أو في غيرها لا يكون اتباعها من اتباع غير العلم كما أن مع قيام الدليل على اعتبار الظواهر لا يكون الأخذ بظاهر الكتاب المجيد ومنها ظواهر الآيات المشار إليها من اتباع غير العلم لا يقال: لو كانت الآيات المانعة غير قابلة للتخصيص فكيف اعتبر الشارع غير العلم وجوز الوقوف بغيره في موارد وحكم بإغنائه عن الحق كما اعتبر سوق المسلمين أمارة للتذكية، والظن بالقبلة مجزئاً ومغنياً عن الحق كما هو مفاد قوله (عليه السلام): يجزي التحري كلما لم يعلم القبلة(11).







فإنّه يقال: قد تقدّم قيام الدليل على الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية للتكليف المعلوم بالتفصيل أمر ممكن، فإنه إما من قبيل جعل البدل الظاهري كما هو مقتضى قاعدة الفراغ أو البدل الواقعي كما في مورد جريان حديث: «لا تعاد»(12) إذا لم يكن الخلل بما يبطل الصلاة بالإخلال به ولو مع العذر، وكالصلاة إلى الجهة المظنونة إذا لم تكن صلاة إلى دبر القبلة، ومثل هذه الموارد لا يحسب من الاقتفاء بغير العلم، نعم اعتبار سوق المسلمين من قبيل اعتبار الأمارة ولكن كل أمارة معتبرة إما أنْ يثبت اعتبارها بدليل قطعي أو ينتهي اعتبارها إلى العلم ومع كون اعتبارها معلوماً بأحد النحوين لا يكون السكون إليها من الاقتفاء بغير العلم أو اتباع الظن، فمدلول الكتاب المجيد السكون إلى غير العلم واتّباع الظن والاعتقاد الخيالي كما لا يخفى، وعلى الجملة فمع ثبوت دليل قطعي على اعتبار أمارة إمضاءً من الشارع أو تأسيساً تخرج تلك الأمارة عن موضوع النهي عن الاعتماد والسكون بغير العلم أو النهي عن اتباع الظن والحدس؛ لأن في الاعتماد عليها علماً ويقيناً بأنها تجزي عن التكليف، فإن الحق المطلوب في التكاليف الفرعية هو الإجزاء كما لا يخفى.















[4] لا يخفى أنّ الأخبار المشار إليها لا تصلح لإسقاط خبر العدل أو الثقة عن الاعتبار للعلم لصدور الأخبار الكثيرة عن الأئمة (عليهم السلام) في بيان أحكام الشريعة الموكول بيانها للأنام إليهم (عليهم السلام) من قبل النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) مع سكوت الكتاب المجيد عن بيان تلك الأحكام، بل يعلم بورود التقييد والتخصيص للمطلقات والعمومات من الكتاب المجيد، وإذا كانت الأحكام التي بيّنوها (عليهم السلام) منقولة إلينا بخبر العدل والثقة وثبت بما نذكره فيما بعد أن الخبر مع كون مخبره ثقة أو عدلا علم بقولهم (عليهم السلام)يخرج ذلك عن مثل ما ورد: وما لم يعلم أنه قولنا فردّوه علينا(13)، فالأخبار المشار إليها يراد بها، إما الأخبار التي تصل إلى الناس من مخبر متّهم في نقله أو كان ما يرويه مخالفاً للكتاب المجيد بالتباين أو بالعموم من وجه، أو كان في تعارض الخبرين الذين يكون أحدهما موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً له، وعلى الجملة الأخبار المشار إليها وإنْ تكن من قبيل المتواتر إجمالا والحكم في المتواتر الإجمالي الأخذ بالأخص منها مضموناً والأخص منها مضموناً الأخبار المأثورة المخالفة مع الكتاب المجيد بالتباين أو بالعموم من وجه، ودعوى أنّ المكذبين للأئمة (عليهم السلام) لم يكونوا يضعون الحديث المباين لظاهر الكتاب بنحو التباين فلا يمكن حمل الأخبار عليه لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنهم كانوا يضعون الحديث لإسقاط الأئمة (عليهم السلام) عن أعين الناس وإشاعة أنهم يخالفون، والأئمة (عليهم السلام) سدّوا الطريق إلى مثل هذه المحاولات بكثرة تعرضهم إلى أن ما خالف الكتاب المجيد ليس من قولهم وأنهم لا يخالفون قول ربّهم إلى غير ذلك مما ورد في تلك الأخبار.















[5] لا يقال: لو اُخذ بتلك الأخبار في مورد مخالفة الخبر للكتاب والسنة فاللازم عدم جواز تخصيص عموم الكتاب أو السنة بالخبر الواحد وكذلك عدم جواز تقييد إطلاقهما به، فإن المفروض أن الخبر المخالف لهما داخل في جميع تلك الأخبار وحمل المخالفة على التباين أو العموم من وجه يحتاج إلى ورود خبر فيها يكون مختصاً بهذه المخالفة ليقال: إنه أخص مضموناً من مطلق المخالفة وفيه ما لا يخفى، فإنه قد تقدم أن صدور الأخبار الكثيرة عنهم (عليهم السلام) مما يخالف عموم الكتاب وإطلاقه معلوم لنا وجداناً والمتعين حمل المخالفة على غير الموارد التي يكون فيها جمع عرفي وقد ورد في الخبرين المتعارضين الأخذ بما يوافق الكتاب وترك ما خالفه فالأمر بالترك في موارد الجمع العرفي يختص بما إذا كان في البين معارض لذلك الخبر المخالف.















[6] قد تقدم أن القائل باعتبار الإجماع المنقول يدّعي أنه من أفراد خبر الثقة والعدل بقول المعصوم (عليه السلام) ولكن حكايته قوله (عليه السلام) حدسي لا اعتبار به مطلقاً خصوصاً في مسألة اعتبار خبر الواحد وعدم اعتباره ومع ذلك نقل الإجماع على عدم الاعتبار موهون وخلاف الواقع لذهاب المشهور إلى خلافه.















(1). وسائل الشيعة 27:106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأوّل.







(2). مستدرك الوسائل: 17:303، الباب 9 من أبواب كتاب القضاء، الحديث 2. عن عوالي اللآلي 4:133.







(3). سورة الحجرات، الآية 6.







(4). سورة الإسراء: الآية 36.







(5). سورة النجم: الآية 28.







(6). وسائل الشيعة 27:112، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 18.







(7). المصدر السابق: 119، الحديث 36.







(8). المصدر السابق: 110، الحديث 12.







(9). المحاسن 1:221.







(10). وسائل الشيعة: 113، الحديث 21.







(11). وسائل الشيعة 4:307، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث الأول.







(12). وسائل الشيعة 5:470، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 14.







(13). وسائل الشيعة 27:120، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.































فصل















في الآيات التي استدل بها فمنها آية النبأ، قال اللّه تبارك وتعالى (إنْ جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا)[1].







ثم إنّه... ربّما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام (عليه السلام) بواسطة أو وسائط[2].







ولا يخفى أنّه لا مجال بعد إندفاع الإشكال بذلك للإشكال في خصوص الوسائط من الأخبار[3].







ومنها: آية النفر،... وربّما يستدلّ بها من وجوه أحدها: أنّ كلمة (لعلّ) وإن مستعملة على التحقيق في معناها الحقيقي وهو الترجّي الإيقاعي[4].







ومنها: آية الكتمان (إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا...) الآية[5].







ومنها: آية السؤال عن أهل الذكر (فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون)[6].







ومنها: آية الاُذن (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اُذن قل اُذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين)[7].















المناقشة في الاستدلال على اعتبار خبر الواحد بآية النبأ















[1] وقد يستدل على اعتبار خبر العدل أو الثقة بالآيات منها آية النبأ وقوله عزّ من قائل (إنْ جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أنْ تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(1) وتقريب الإستدلال بمفهوم الشرط تارة وبمفهوم الوصف اُخرى وينبغي قبل التعرض لتقريب دلالتها بمفهوم الشرط على ما قيل بيان أمرين، الأول: أنه لا يختلف مقام الثبوت بين كون الشيء قيداً للحكم في الخطاب أو قيداً لموضوع ذلك الحكم، حيث إن قيد نفس الحكم أيضاً يفرض في مقام جعل الحكم مفروض الوجود كما يفرض قيد الموضوع في جعله كذلك، وإذا ورد في الخطاب إذا كان الماء كراً لا ينجسه شيء ورد في خطاب آخر أن الماء الكر لا ينجسه شيء، يكون المستفاد منهما اعتصام الماء الكر بحسب مقام الثبوت وإنما يختلف كون شيء قيداً لنفس الحكم في الخطاب أو لموضوعه فيه في مقام الإثبات والدلالة، بمعنى انه إذا كان شيء في الخطاب قيداً لنفس الحكم يكون مقتضى إطلاق القيد وعدم ذكر العدل له في الخطاب انتفاء ذلك الحكم في فرض انتفاء ذلك القيد على ما تقدم بيانه في مفهوم الشرط من أن المفهوم مقتضى تعليق طبيعي الحكم في جميع الحالات على حصول القيد المذكور في الشرط، بخلاف ما إذا ذكر القيد في الخطاب في ناحية الموضوع فإنه لا يكون لذلك الخطاب دلالة على ثبوت الحكم أو انتفائه عن ذلك الموضوع عند حصوله بشيء آخر على ما تقدم في بيان عدم المفهوم للوصف.







الأمر الثاني: أن المذكور في ناحية الشرط في القضية الشرطيّة قد لا يكون أمراً زايداً على حصول نفس الموضوع أو ما يتوقف عليه متعلق الحكم الوارد في الجزاء، كما في قوله: إذا ركب الأمير فخذ ركابه، وإنْ رزقت ولداً فاختنه، فإن الأخذ بالركاب أو الختان يتوقف على ركوب الأمير وحصول الولد، وفي مثل ذلك لا تدلّ القضيّة الشرطية على المفهوم بل يكون انتفاء الحكم الوارد في الجزاء بانتفاء الشرط من قبيل إرتفاع الحكم بانتفاء الموضوع، وقد يكون المذكور في الشرط امراً زايداً على حصول الموضوع ولا يكون مما يتوقف عليه متعلق الحكم خارجاً، كما في قوله: إذا جاءك زيد فأكرمه، فإن إكرام زيد غير موقوف على مجيئه، وفي مثل ذلك يكون ظاهر تعليق مضمون الجملة الجزائية على حصول الشرط من غير ذكر عدل له، عدم تحقق مضمونها بلا حصوله، ومنشأ الظهور مع فرض التعليق عدم ذكر عدل للشرط وعدم ضم أمر آخر إليه وتشخيص أن الشرط الوارد في القضية الشرط من القسم الأول أو الثاني، فيما إذا كان المذكور في الشرط أمراً واحداً ظاهر، وأما إذا كان أمرين أو أكثر فلابد من ملاحظة أن أياً من الأمرين أو الاُمور مما يتوقف عليه حصول متعلق الحكم الوارد في الجزاء، وأن أياً منهما أو منها المعلق عليه لمضمون الجملة الجزائية، كما إذا قيل إذا ركب الأمير وكان يوم الجمعة فخذ ركابه، فإن الأمر الأول المذكور في الشرط محقق لمتعلق الحكم خارجاً، والأمر الثاني المعلق عليه للحكم فيكون للقضية الشرطية مفهوم بالإضافة إلى الأمر الثاني أيضاً.







وعلى ذلك فيقال: إن المذكور في آية النبأ في ناحية الشرط أمران أحدهما حصول النبأ، والثاني كون الجائي به فاسقاً، والأول محقق للموضوع ولا مفهوم بالإضافة إليه، والثاني قيد للحكم فيكون مفاد الآية أن النبأ يجب التبين فيه إذا كان الجائي به فاسقاً ومفهوم عدم وجوب التبين إذا لم يكن الجائي به فاسقاً، وبهذا يظهر الخلل في كلام الماتن حيث ذكر أنه لو كان الشرط نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به لكانت القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع.







أقول: الملاك في الدلالة على المفهوم فيما كان المذكور في الشرط أمرين أو أزيد ويكون الموضوع في الجزاء مفروض الوجود على تقدير ما ورد في الشرط وعدمه وعلق الحكم الثابت له على تحقق ذلك الأمر، فيكون للقضية مفهوم بالإضافة إلى فرض عدم تحققه، وأما إذا كان الموضوع في الجزاء أمراً لا يكون له وجود إلاّ مع تحقق الأمرين معاً، كما في قوله إذا أعطاك زيد مالاً فتصدق به فلا تعليق فيه بالإضافة إلى حكم المال المضاف إلى زيد، وبتعبير آخر المفروض فيها بحسب المدلول الإستعمالي تملك المال من زيد والحكم عليه بالتصدق، لا فرض وجود المال وتعليق الحكم بالتصدق به على إعطاء زيد كما هو مفاد قوله: المال إذا أعطاه زيد فتصدق، والمدلول الإستعمالي للآية المباركة أيضاً من قبيل إذا أعطاك زيد مالاً فتصدق به، لا قوله المال إذا أعطاه زيد فتصدق به كما يظهر ذلك بالتأمل، وأما ما ذكر الماتن (قدس سره) من أنه لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع لا يمكن المساعدة عليه، بل كان الصحيح أنه لو كان الشرط مجيء الفاسق بنبأ كانت الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع، وإلاّ فلو كان الموضوع طبيعي النبأ وعلق التبين فيه على مجيء الفاسق به كانت القضية الشرطية ذات مفهوم كما ذكر (قدس سره) في تقريبه دلالتها على المفهوم.







ثم إنه قد يقال: بأنّه لو كان الموضوع للحكم في الجزاء نفس طبيعي النبأ، وأن الحكم بالتبين معلق على مجيء الفاسق به وأن مقتضى التعليق عدم لزوم التبين فيما إذا كان الجائي به غير فاسق فلا يمكن أيضاً الالتزام بالمفهوم؛ لأنّ ما ورد في ذيلها يمنع عن انعقاد المفهوم لها وهو تعليل لزوم التبيّن بما يجري في خبر العادل أيضاً، وأجاب الشيخ (قدس سره) عن ذلك بأن المراد من الجهالة في التعليل ليس مقابل العلم ليعم التعليل خبر العادل أيضاً وتكون قرينة على عدم إرادة المفهوم حيث إن التعليل أقوى ظهوراً، بل المراد منها السفاهة وفعل ما لا ينبغي فعله، ومن الظاهر أن هذا المعنى لا يجري في العمل بخبر العادل، فإن العمل به لا يكون أمراً سفهياً، كيف وبناؤهم على العمل بأخبار العدول والثقات، لا يقال: لا يمكن أن يكون المراد من الجهالة السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره عن عاقل، حيث إن الآية نزلت في واقعة ترتيب الأثر على خبر الوليد بارتداد القوم ولا يمكن الالتزام بأن أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله)كانوا بصدد القيام بأمر سفهي، فإنّه يقال: كان قصدهم العمل لغفلتهم عن حال الوليد وان التعليل بلحاظ فسق المخبر لا بلحاظ الغفلة عن حاله والاعتقاد والوثوق بصحة خبره فلا ينافي ذلك إرادة السفاهة من الجهالة.















في الإستدلال على إعتبار خبر العدل بآية النبأ







وقد يقال: لو كان المراد من الجهالة خلاف العلم لما كان أيضاً في التعليل ما يمنع عن دلالة الآية بالمفهوم لاعتبار خبر العدل حيث إن مقتضى المفهوم كون خبر العدل علماً، ولذا لا ينافي التعليل الوارد في الآية اعتبار سائر الأمارات كالظواهر ولكن لا يخفى ما فيه، فإن المفروض في المقام استفادة اعتبار خبر العدل من مفهوم الآية بحيث لو لم يكن في البين ما دلّ على اعتبار خبر العدل لاستفيد اعتباره من مفهومها، ومن الظاهر أنه ليس مفهومها كون خبر العدل علما ليخرج خبر العدل عن التعليل، بل لو كان المستفاد منها عدم وجوب التبين في خبر العادل يستلزم ذلك اعتبار كون خبره علماً، والإشكال في المقام هو أن التعليل الوارد في الآية يمنع عن انعقاد المفهوم بعدم وجوب التبين في غير خبر الفاسق وربما يقال لو كان المراد بالجهالة السفاهة لما أمكن أيضاً إستفادة اعتبار خبر العدل منها، حيث إن التعليل فيها غير مقصود بقوله سبحانه (أنْ تصيبوا قوماً بجهالة) بل ذكر فيه (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(2) ففي الحقيقة إيجاب التبين في خبر الفاسق من جهة أن العمل به بلا تبين تعريض للنفس بالندامة، وهذا يجرى في خبر العادل أيضاً فإنه قد يوجبها العمل به ولكن لا يخفى ما فيه؛ لأنّ الندامة بالإضافة إلى التكاليف عدم كون المكلف معذوراً في مخالفتها، والابتلاء بمخالفة الواقع مع كون المكلف معذوراً لا يوجب الندامة بخلاف الموارد التي يكون الغرض فيها مجرد الوصول إلى الواقع، ودعوى أن حمل الندامة على ما ذكر لا يناسب مورد الآية، حيث لا يمكن الالتزام بأن الندامة في قضية خبر الوليد كان موجباً للعقاب يدفعها ما تقدم من أن التعليل كان بلحاظ فسق المخبر واقعاً لا بلحاظ الغفلة عن حاله أو الاعتقاد بصحة إخباره، وعلى الجملة فمفاد الآية على تقدير كون الجهالة بمعنى السفاهة، أن الفاسق يكون العمل بخبره بلا تبين تعرضاً للندامة، وهذا إذا لم يكن العمل به مع الاعتقاد بعدم فسقه بخلاف خبر العدل فإنّه ليس العمل به تعريض للنفس بالندامة هذا أولاً، وثانياً: يمكن أن يراد بالندامة ما يحصل من العمل بمخالفة الواقع لكذب الخبر، وهذا الأمر غالبي في خبر الفاسق بخلاف خبر العادل فإن الندامة في العمل به أمر اتفاقي، ولذا لا يكون التعليل المزبور مانعاً عن انعقاد المفهوم لو لم تكن الشرطية مسوقة لتحقق الموضوع.







وقد يشكل على الاستدلال بالآية على اعتبار خبر العدل مع قطع النظر عن التعليل الوارد فيها بأنه لا مفهوم لها؛ لأنّ الحكم الوارد في الجزاء ليس حكماً شرعياً ليقال إنّ تعليقه لموضوعه على حصول الشرط وعدم ذكر العدل للشرط مقتضاه انتفاؤه عن موضوعه بانتفاء الشرط، حيث إن المراد بالتبين هو العلم، واعتباره ولزوم العمل به عقلي لا يرتبط بشيء ولا يعلق على مجيء الفاسق بالنبأ، وبتعبير آخر حكم العقل بلزوم اتباع العلم أو تحصيله بالأحكام الكلية لا يكون معلقاً بشيء ليقضي بانتفائه بانتفاء الشرط، هذا إذا اُريد من التبيّن العلم الوجداني، وأما إذا اُريد منه الوثوق ليكون الأمر بتحصيل الوثوق والعمل به طريقياً دالا على اعتباره فلا يمكن الجمع بين منطوق الآية ومفهومها، فإن مقتضى المنطوق جواز العمل بخبر الفاسق مع حصول الوثوق بالمخبر به، ومفهومها جواز العمل بخبر العدل، حصل الوثوق بالمخبر به أم لا، والالتزام بالمنطوق والمفهوم كما ذكر إحداث قول ثالث، فإن القائل بالخبر الموثوق به يلتزم باعتباره سواء كان مخبره عادلا أو فاسقاً والقائل باعتبار خبر العدل دون الفاسق يلتزم باعتبار الأول دون الثاني سواءً كان موثوقاً به أم لا، فالجمع بين اعتبار خبر العدل مطلقاً واعتبار خبر الفاسق الموثوق به يكون قولا ثالثاً في المسألة. وفيه، أنه يمكن أن يكون الإرشاد إلى لزوم تحصيل العلم عند خبر الفاسق للنهي الطريقي عن الإعتماد على خبره فيكون مفهومه عدم هذا النهي في خبر العادل بالإرشاد إلى عدم لزوم تحصيل العلم في مورده، ولو اُريد بالتبيّن الوثوق لكان المفهوم عدم لزوم تحصيله في خبر العدل ولا محذور في الالتزام بذلك بل لا مناص عنه كما سيأتي.







وقد يقال: بأن في القضية الشرطية قرينة على أنها ليست بذات مفهوم، فإنه إذا وصل في واقعة خبران أحدهما من الفاسق والآخر من العادل ولو كان معنى منطوق الآية أن طبيعي الخبر إذا جاء به فاسق، فاللازم التبين فيه لزم في الفرض التبين من خبر العادل أيضاً، لأنه يصدق أن الطبيعي جاء به فاسق، فاللازم التبين من الطبيعي الصادق على خبر العادل أيضاً فيلزم القول باعتبار خبر العادل إذا انفرد، وعدم اعتباره إذا انضم إليه خبر الفاسق، ولكن لا يخفى أن مناسبة الحكم والموضوع مقتضاها اختصاص التبين بصورة اختصاص المخبر بالواقعة بالفاسق.







وقد يقال: بعدم المفهوم للقضية الشرطية؛ لأن المفهوم على تقديره لا يمكن أنْ يؤخذ به في مورد نزول الآية حيث إن ارتداد شخص أو قوم لا يثبت بالخبر الواحد سواء كان المخبر عادلا أو فاسقاً، والالتزام بخروج المورد عن المطلق أو العام مستهجن فيتعيّن الالتزام بأن الآية إرشاد إلى عدم اعتبار خبر الفاسق خاصة.







والجواب كما عن الشيخ الأنصاري (قدس سره) أنه لا يلزم على البناء للمفهوم إخراج المورد، فإن المراد من الفاسق المضاف إليه النبأ طبيعي الفاسق لا فاسق واحد ليكون المفهوم اعتبار خبر العدل الواحد، بل المراد في نبأ العادل أيضاً نبأ طبيعي العادل فالمنطوق مدلوله أن النبأ إذا جاء به الفاسق فما دام لم يظهر صدقه لا يجوز الإعتماد عليه والعمل به، بخلاف خبر طبيعي العادل فإنه يجوز الاعتماد عليه كما هو مقتضى المفهوم حتى في مورد نزول الآية، غاية الأمر العمل به في مورد نزولها مقيّد بما إذا انضم إليه نبأ عادل آخر، وبتعبير آخر قد ثبت في مورد نزولها تقييد المفهوم بالإضافة إلى المورد لا أن المورد قد خرج عن المفهوم رأساً ولا استهجان في تقييد المفهوم خصوصاً مع بقاء المنطوق فيه على إطلاقه.







ولا يخفى أيضاً أن الفاسق وإنْ يعمّ الفاسق المتحرز عن الكذب، إلاّ أنه لابد من رفع اليد عن إطلاقه بالإضافة إلى المتحرز عنه في غير موارد اعتبار شهادة العدل من الإخبار بالموضوعات والأحكام الكلية بما دلّ على اعتبارهم خبر الثقة، حيث إن ردع السيرة الجارية على اعتبار خبر الثقة بإطلاق المنطوق غير تام خصوصاً بملاحظة التعليل الوارد في ذيل الآية.















في الاستدلال على اعتبار الخبر الواحد بمفهوم الوصف في آية النبأ







ثم إنه قد يوجّه دلالة آية النبأ على اعتبار خبر العدل بمفهوم الوصف، والمراد من الفاسق ذكر عنوان الفاسق، فإن قوله سبحانه (إنْ جاءكم فاسق بنبأ)، في قوله، قوله إنْ جاءكم من هو فاسق بنبأ وفيه أن الوصف المعتمد على موصوفه لا يدلّ على المفهوم على ما تقدم الكلام في مفهوم الوصف، فكيف بغير المعتمد عليه كما في الآية حيث إن غير المعتمد كاللقب في أن إثبات حكم لموضوع لا يدلّ على انتفائه عن غيره بعدم جعل مثله لغيره كما في قوله أكرم العالم.







وذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) أن في العدول عن ذكر العنوان الذاتي إلى العنوان العرضي دلالة على اعتبار خبر العدل لأنّ خبر الفاسق بعنوانه الأولي خبر واحد وبعنوانه الثانوي خبر الفاسق، ولو كان الخبر الواحد على الإطلاق غير معتبر لكان المناسب أنْ يقال: إن جاءكم نبأ واحد فتبينوا ففي العدول عن هذا التعبير إلى ما في الآية اقتضاء أنْ لا يكون خبر الفاسق بعنوانه الأولي محكوماً عليه بلزوم التبين، وهذا لا يكون إلاّ باعتبار خبر العدل.







وقد يورد على الاستدلال بأن كون الخبر خبر فاسق كما أنه عنوان عرضي كذلك كون الخبر خبر الواحد ويحتمل دخالة عنوان الخبر الواحد في لزوم التبين عند إرادة العمل، وذكر الفاسق بخصوصه للدلالة على فسق المخبر في مورد نزول الآية، ولكن لا يخفى أن مراد الشيخ (قدس سره) من العنوان العرضي ليس مقابل الجنس والفصل والنوع ومن الذاتي أحدها، بل المراد أن عنوان الخبر الواحد ينطبق على خبر الفاسق بلا ملاحظة حال المخبر، بخلاف عنوان خبر الفاسق أو خبر العادل فإنّ انطباقهما يحتاج إلى ملاحظة حال المخبر، وبتعبير آخر دعوى عدم دلالة الوصف على المفهوم لاحتمال ذكر عنوان الفاسق في الشرط للدلالة على فسق المخبر في مورد نزولها لا يحتاج إلى المناقشة في العنوان الذاتي أو العرضي بالمعنى الذي ذكرنا.















[2] حاصل الإشكال أن الآية الشريفة ونحوها مما يدلّ على اعتبار خبر العدل أو الثقة لا يفيد فيما إذا كان الخبر المنقول النبأ عن المعصوم (عليه السلام) بوسائط أو حتى بالإضافة إلى من يصل إليه الخبر عن الإمام (عليه السلام) بواسطة بأنْ لا يخبر إليه المخبر الخبر عن الإمام بلا واسطة، وكذلك الحال فيما إذا أخبر العادل بعدالة مخبر حتى فيما إذا كان الإخبار بعدالته مباشرة، والوجه في الإشكال أنّه إذا كان الواصل إلينا خبر العادل عن الإمام (عليه السلام)بلا واسطة بينه وبين الإمام (عليه السلام) فمقتضى وجوب تصديق العادل فيما أخبر به ترتيب أثر قول الإمام (عليه السلام) على خبره، وأما إذا كان خبره عنه مع الواسطة فلا يكون دليل اعتبار الخبر مقتضياً لاعتبار الخبر الواصل إلينا فإنه ليس واقع خبر المخبر لنا إلاّ خبر الواسطة الذي ليس بنفسه أثر شرعي، ولا موضوع لأثر شرعي غير وجوب التصديق الذي جعل له هذا الأثر الشرعي بدليل الاعتبار، ولو كان الأمر بترتيب هذا الأثر مدلولا لدليل الاعتبار لزم كون وجوب تصديق العادل في خبره موضوعاً وحكماً في دليل الاعتبار، وهذا معنى اتحاد الحكم والموضوع، وذكر الماتن (قدس سره) أنه إذا صار خبر العدل عن الإمام (عليه السلام) أو خبره بالعدالة بموضوع ذي حكم بخطاب اعتبار خبر العدل، فيمكن ورود خطاب آخر ينشأ به بالخبر العدل عن المعصوم (عليه السلام) من الأثر على خبر العدل بذلك الخبر، ومعه ينحل إشكال اتحاد الموضوع والحكم ولكن المفروض في المقام أن ما يستفاد منها اعتبار خبر العدل مع تعددّه لا يستفاد منه إلاّ إنشاء واحد وهو ترتيب ما للمخبر واقعاً من الأثر على إخبار العادل به.







أقول: لا يكفى الخطاب الآخر إلاّ فيما وصل الخبر بقول المعصوم (عليه السلام) بواسطة واحدة وفيما كان بواسطتين أو أكثر يتعين خطاب ثالث أو أكثر ينشأ به أثر الإخبار بالخبر عن المعصوم (عليه السلام) للخبر عن ذلك الإخبار، وهكذا وإلاّ لزم اتحاد الحكم والموضوع بالإضافة.







وأجاب الماتن (قدس سره) عن أصل الإشكال بأنه لم يلاحظ في وجوب تصديق العادل في خبره إلاّ طبيعي الأثر، لا الأثر المفروض للمخبر به مع قطع النظر عن الحكم بترتيبه على الخبر العدل حتى يستشكل في خبر عن المعصوم (عليه السلام) عليه بالواسطة وفي الإخبار بعدالة الراوي، بل المراد من الأثر للمخبر به المأثور بترتيبه على الخبر طبيعي الأثر ولو كان ذلك الطبيعيّ بنفس ذلك الأمر، كما يقال مثلاً: الكلام ما يصحّ السكوت عليه فإنّ عنوان الحكم بطبيعي الكلام بأنه يصحّ السكوت عليه يعمّ نفس هذا الكلام الذي يتم بنفس هذا الحكم، وبتعبير آخر إذا شمل مفاد دليل الاعتبار لخبر المخبر عن الإمام (عليه السلام) يكون شموله له موجباً لشموله لخبر المخبر بذلك الخبر أيضاً، فإنه بشمول دليل الاعتبار للمخبر عن الإمام (عليه السلام) وصيرورة الخبر ذا أثر يكون تنزيل الخبر بذلك الخبر أيضاً محققاً، وهذا حاصل ما أجاب به أولا، وأجاب ثانياً: بأنه لو فرض عدم شمول دليل الاعتبار للخبر بالخبر بالدلالة اللفظية ثبت اعتبار الخبر مع الواسطة بعدم احتمال الفرق بين الأثر الثابت للمخبر به مع قطع النظر عن خطاب الاعتبار، وبين الثابت للمخبر به بلحاظ خطاب الاعتبار أضف إلى ذلك عدم القول بالفصل بين ترتيب أثر وأثر آخر.







أقول: الصحيح في الجواب أنْ يقال ليس اعتبار الخبر بمعنى تنزيله منزلة واقعه، ليقال: إنه لابد من أنْ يكون لواقعه أثر مع قطع النظر عن التنزيل أو يكون لواقعه موضوعاً أو حكماً شرعياً، بل معنى حجية الخبر اعتباره علماً وإحرازاً بالمخبر به، فلابد من أنْ يكون في البين ما يوجب خروج الاعتبار عن اللغوية ولو بأنْ يكون للعلم بالمخبر به أثر من جواز الإخبار به ونحوه، مثلا إذا روى المفيد عن ابن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن الإمام (عليه السلام) يكون مقتضى دليل الاعتبار أن خبر المفيد إحراز لخبر ابن الوليد فيجوز لنا الإخبار بأن ابن الوليد أخبر المفيد بكذا، وبعد إحراز خبر ابن الوليد يكون مقتضى دليل الاعتبار خبر ابن الوليد لكون خطاب الاعتبار إنحلالياً، فإن خبر ابن الوليد علم بخبر الصفار فيجوز الإخبار بأن الصفار قد أخبر ابن الوليد، وخبر الصفار علم بقول الإمام (عليه السلام) وبضميمة أصالة الظهور وجهة الصدور يكون العلم بقول الإمام (عليه السلام) بظاهره وجهة صدوره مستنداً للحكم الشرعي الفرعي في الواقعة.







ولو اُغمض عن ذلك وقيل بأن معنى اعتبار الخبر تنزيله منزلة واقعه المخبر به فيمكن القول بأن المنزل عليه لخبر المفيد ليس خبر ابن الوليد، ليقال إنّ خبر ابن الوليد ليس بذي أثر مع قطع النظر عن دليل الاعتبار، بل حيث إن عمدة الدليل على اعتبار خبر العدل أو الثقة سيرة العقلاء وهم لا يفرقون في الخبر بالواقعة بين كون الخبر بواسطة أو بدونها، فيكون مقتضى السيرة وإمضائها تنزيل خبر المفيد عن ابن الوليد عن الصفار عن الإمام (عليه السلام) تنزيل الخبر بمجموع سنده منزلة العلم بقول المعصوم (عليه السلام)، نعم إذا كان بعض الوسائط مجهولا أو ضعيفاً فلا يكون في الخبر المزبور هذا التنزيل لخروجه عن دائرة السيرة المشار إليها، ولكن لا يخفى أنّه في إجراء الدفع بأحد الوجهين في الخبر بعدالة الراوى تأمل، اللّهمّ إلاّ أنْ يقال: إن الإخبار بعدالة الراوي إخبار عن موضوع ذي حكم وهو ترتّب وجوب التصديق على خبره ولا يضرّ إستفادة حكم ذلك الموضوع من نفس دليل اعتبار الخبر لما تقدم من أن الأثر الملحوظ للمخبر به في دليل الاعتبار طبيعي الأثر الانحلالي بانحلال خبر العدل.















[3] ثم إن في المقام إشكالاً آخر في اعتبار الأخبار مع الواسطة وهو أنه إذا شمل دليل الاعتبار لخبر المفيد عن ابن الوليد وباعتبار خبره الثابت وجداناً يحرز خبر ابن الوليد ولكن لا يمكن أنْ يعم وجوب التصديق لخبر ابن الوليد بأنْ يثبت وجوب التصديق لخبر ابن الوليد أيضاً؛ لأنّ الحكم لا يعمّ الفرد من الموضوع الذي تتأخّر رتبته عن ثبوت ذلك الحكم للموضوع، ولكن الإشكال ضعيف فإن الحكم إذا كان إنحلالياً وبثبوته لفرد من الموضوع يتحقق أو يحرز فرد آخر من الموضوع، يثبت الحكم الانحلالي للفرد المتحقق أو المحرز أيضاً، فإن الحكم الثابت فرد آخر من الحكم فلاحظ مسألة الإقرار بالإقرار والبينة على البينة، فإنه بشمول دليل الاعتبار للإقرار المحرز بالوجدان يحرز الإقرار بالحق ويحكم بنفوذه، فيثبت الحق، كما أن بشمول دليل الاعتبار للبينة على شهادة العدلين يحرز البينة بالحق وبنفوذها تثبت الدعوى.







ولكن ذكر الماتن (قدس سره) أنه لا يبقى مجال لهذا الإشكال مع ظهور الجواب عن الإشكال الأول الراجع إلى لزوم إتحاد الحكم والموضوع؛ لأنّ الموضوع في الحقيقة نفس الأثر الثابت للمخبر به على تقديره ولو كان ذاك الأثر بلحاظ أفراد طبيعي الأثر حتى ما كان مستفاداً من خطاب اعتبار خبر العدل، فإنّه بذلك الدليل يثبت للخبر اللاحق الأثر الثابت للسابق على تقديره.







أقول: قد ذكرنا أن إرجاع وجوب التصديق لخبر العادل إلى الأثر الشرعي بترتيب الأثر الثابت للمخبر به على خبر العدل خلاف اعتبار الأمارة عند العقلاء، فإن اعتباره عندهم اعتبارها علماً بالمخبر به على ما تقدم، نعم إذا لم يصح أن يعم الحكم لجميع أفراد موضوعه حتى الفرد الذي تتأخر رتبته عن الحكم بأن دار الأمر في ذلك الحكم أنْ يختص بالأفراد التي لا تتوقف فرديتها للموضوع على الحكم المجعول له أو يختص بخصوص الفرد الذي يتوقف فرديته على ذلك الحكم، كما في قوله كل خبري كاذب فلا يبعد القول بأنه لا يعم الفرد المتوقف فرديته على هذا الحكم ويعدّ اختصاصه به من التخصيص المستهجن، ومن هذا القبيل تردد شمول دليل اعتبار خبر العدل أو الثقة للأخبار المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) الواصلة إلينا بواسطة العدول والثقات أو للإجماع المنقول في كلام السيد من كون العمل بالخبر الواحد عند أصحابنا نظير العمل بالقياس عندهم مع كون نقله الإجماع موهوناً معارضاً بالمثل، وعدم الملازمة بين اعتبار خبر العدل عن المعصوم (عليه السلام) بنحو نقل الرواية وبين نقل مثل الإجماع المزبور، وأن شمول اعتبار خبر العدل لما نقله من الإجماع غير معقول لأنه يلزم من شمول دليل الاعتبار له عدم اعتباره؛ لأنّ غاية الإجماع المنقول أنه خبر الواحد وما يلزم من اعتباره عدم اعتباره غير ممكن الاعتبار.















[4] من الآيات التي إستدل بها على اعتبار خبر العدل آية النفر قال اللّه تعالى (لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة)(3) الآية، وذكر الماتن (قدس سره) أنه يستدلّ بها على اعتبار خبر العدل من وجوه، الأول: أن كلمة (لعلّ) وإنْ تكن مستعملة في معناها الموضوع له وهو الترجّي الإنشائي، إلاّ أنْ الداعي إلى استعمالها فيه لا يمكن أنْ يكون هو الترجّي الحقيقي الممكن من الجاهل بحقيقة الأمر والواقع، ويتعيّن كون استعمالها فيه لإظهار مطلوبية الفعل المنشأ له الترجّي، وإذا ثبت مطلوبيّة التحذّر أي قبول الإنذار والعمل على مقتضاه ثبت وجوبه شرعاً لعدم الفصل بين مطلوبيته ووجوبه، فإن التحذّر لا يقبل الاستحباب فإنه يجب مع ثبوت مقتضيه ولا يكون مطلوباً أصلا مع عدم مقتضيه، والثاني، أن الإنذار الوارد في الآية واجب حيث جعل غاية للنفر الواجب فإن وجوب النفر مستفاد من كلمة لولا التحضيضية المتضمنة للتوبيخ على ترك الفعل، وإذا كان الإنذار واجباً وجب ما يترتب عليه من الفرض حيث لا يمكن وجوب شيء وعدم وجوب غايته المترتبة عليه من الغرض، وعلى الجملة لايمكن عدم لزوم الغاية التي تقبل التكليف ويترتّب على الواجب وذكر غرضاً لذلك الواجب.







والثالث: أن الإنذار واجب لما تقدم وذكر التحذر غاية له، ومن الظاهر أن وجوب ذي الغاية التي تقبل التكليف ترشحي من وجوب غايته، وإذا لم تكن الغاية واجبة فكيف يترشح الوجوب إلى ذيها يعني الإنذار.







والفرق بين الوجه الثالث والوجه الثاني، أن الثاني كان ناظراً إلى إيجاب ذي الغاية وأن وجوبه من غير لزوم غايته التي تقبل التكيلف غير ممكن بلا نظر إلى كون وجوب ذي الغاية نفسياً أو غيرياً، والوجه الثالث ناظر إلى أن إيجابه غيري فلابد من وجوب الغاية ليترشح الوجوب منها إلى ذيها حتى فيما فرض أن لذي الغاية فائدة اُخرى يترتب عليها بحيث لا يكون إيجابه نفسياً بدون إيجاب غايته لغواً، كظهور الحق ووضوح الواقع فإن ذلك يترتب على الإنذار مع تراكمه وكثرة المنذرين ولكن وجوب الإنذار غيرياً مع عدم وجوب التحذر غير ممكن.







وأجاب (قدس سره) عن وجه الإمكان بإمكان الاستحباب في التحذر؛ لأنّ إنذار المنذرين لو كان موجباً للعلم بالواقع كما إذا كانوا من الكثرة بحيث يحصل من إنذارهم في واقعة العلم بالتكليف الواقعي يتعين الحذر للزوم اتباع العلم بالتكليف، وأما إذا لم يكن موجباً له فيكون التحذر من الابتلاء بمفسدة الفعل أو فوت المصلحة الملزمة أمراً حسناً، والتحذر لرجاء عدم الابتلاء أو عدم فوت المصلحة الملزمة مستحباً فإنه من الاحتياط، وبتعبير آخر حجية غير العدل تنتزع من إيجاب الحذر لا من مجرد مطلوبيته، وكلمة (لعلّ) لا يستفاد منها إلاّ المطلوبية لا كونها بنحو اللزوم، فالفصل بين مطلوبية الحذر وعدم وجوبه بأنْ يثبت الاول عند إخبار العدل دون الثاني أمر ممكن فإن الخوف يصدق إذا كان في البين احتمال الابتلاء بالمفسدة أو فوت المصلحة الملزمة.







ويورد على الوجه الثاني بأن إيجاب الإنذار مع عدم وجوب الحذر بإطلاقه أو اشتراطه بصورة إحراز صدق الإنذار لا يكون لغواً حيث إن وجوب الإنذار على المنذر مع عدم لزوم العمل بإنذاره مطلقاً لوضوح الواقع بتراكم الإنذار، وعلى الوجه الثالث: بأن الإنذار فعل المنذر والحذر فعل من وصل إليه الإنذار فلا يعقل أنْ يكون فعل المنذر واجباً غيرياً ترشحياً، بل يتعين كونه نفسياً، غاية الأمر الداعي إلى إيجابه وجوب الغاية، ولكن كون وجوب الغاية على الإطلاق غير ظاهر بل لعله مشروط بصورة العلم والوثوق بصدق الإنذار.







لا يقال: وجوب العمل بإنذار المنذر مطلق سواءً حصل العلم بصدق الإنذار أم لا، مقتضى الإطلاق وعدم تقييد مطلوبية الحذر بصورة العلم، فإنّه يقال: لا مجرى لأصالة الإطلاق في ناحية وجوب الحذر لعدم كون الآية واردة إلاّ في مقام إيجاب النفر للتفقه كفائيّاً هذا أولاً، وثانياً ما يقتضي إختصاص وجوب الحذر بصورة إحراز الصدق موجود في نفس الآية بمعنى أنه لو كانت الآية في مقام البيان حتى في ناحية وجوب العمل بإنذار، لكان وجوب الحذر مختصاً بصورة إحراز صدق الإنذار، وذلك فإن إيجاب النفر بنحو الوجوب الكفائي كما هو ظاهر الآية للتفقه وتعلم معالم الدين لإبلاغها للمتخلفين أو لإبلاغ المتخلفين إلى النافرين على الوجهين الواردين في تفسير الآية، ويجب الحذر على المتخلّفين النافرين فيما إذا اُنذروا بأحكام الدين ومعالمها ولا يكون هذا الوجوب منجزاً إلاّ مع إحرازهم أنهم أنذروا بها، وبتعبير آخر الإنذار بمعالم الدين وأحكامه موضوع لوجوب القبول على الآخرين فيحتاج في وجوب القبول عليهم إلى إحرازهم أنهم اُنذروا بها كسائر الأحكام المترتبة على سائر الموضوعات في توقف تنجزها على إحراز فعلية موضوعاتها وهذا ما أفاده الماتن بزيادة التوضيح منّا.







أقول: ما ذكره (قدس سره) أولا من أن الحذر بنفسه لا يقتضى أنْ يكون الطلب المتعلق به لزومياً بل يمكن كونه بنحو الإستحباب أمر صحيح في نفسه، نظير قوله فأحذر إذا نصحك أخوك، ولكن المحذور منه في الآية المباركة مخالفة إنذار المنذر، ومن الظاهر أن المنذر إما أنْ يخبر بالتكليف الواقعي بالمطابقة وبالعقاب على مخالفته بالإستلزام أو بالعكس، وظاهر الحذر عمّا اُنذروا الحذر عما يترتب على مخالفة الإنذار من احتمال العقاب، وفوت الملاك على تقديره لا يعبأ به عامة الناس مع فرض عدم إحتمال العقاب فطلب الحذر مع عدم ترتب احتمال العقاب على المخالفة بلا معنى، ولذا لو ورد في الخطاب الشرعي لاُخذ في إنذار الفاسق إذا أنذرك بما تفقه، كان الكلام المزبور صحيحاً وإن يحتمل فوت الملاك الواقعي بصدق إنذاره.







وأما ما ذكر (قدس سره) من عدم الإطلاق في طلب الحذر ولعله مشروط بحصول العلم بصدق الإنذار، بل في الآية دلالة على أن المطلوب القبول والعمل إذا كان الإنذار بمعالم الدين وأحكامه، واللازم إحراز ذلك كسائر الموضوعات للأحكام لا يمكن المساعدة عليه، فإن اختصاص كون الآية في مقام بيان وجوب النفر فقط غير معلوم، فإن سوقها في مقام وجوب النفر لا ينافي كونها في مقام بيان وجوب التفقه ووجوب الإنذار ووجوب الحذر أيضاً، حيث إن الأحكام الواردة فيها أحكام متعددة وكونها واردة في بيان واحد منها خلاف أصالة كون المتكلم في بيان كل حكم يرد في خطابه، وكذا دعوى أن في الآية قرينة على ما يقتضي اختصاص وجوب الحذر بصورة العلم بصدق الإنذار، وذلك فإنه لم يؤخذ في ناحية الإنذار إلاّ الإخبار بترتب العقاب على الترك والفعل سواءً كان الإخبار بالدلالة المطابقية أو بغيرها، وكما أن مقتضى إطلاق الآية وجوب الإنذار على المنذرين سواء أفاد العلم بالصدق للسامعين أم لا، كذلك الحال في ناحية وجوب القبول على المنذرين بالفتح بلا تقييد بصورة علمهم بصدق الإنذار، ومقتضى هذا الإطلاق اعتبار إنذارهم علماً بمعالم الدين وأحكامه، ولكن هذا في الحقيقة عبارة اخرى عن اعتبار فتوى الفقيه فإن مضمون الآية اعتبار محتوى كلام المنذر، بما هو منذر وما أجاب به الماتن (قدس سره) عن ذلك بأنّه لم يكن حال الرواة في الصدر الأول الناقلين عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) إلاّ كحال نقلة الفتاوى عن المجتهدين في هذه الأعصار، وكما يصدق الإنذار على نقل نقلة الفتاوى عن المجتهد إذا كان المنقول حكماً إلزامياً يستلزم التخويف على المخالفة، كذلك الحال في نقل كلام النبي (صلّى الله عليه وآله)والمعصوم (عليه السلام)في تلك الأعصار، وعلى الجملة إذا كان النقل مع التخويف معتبراً كان معتبراً بلا تخويف لعدم القول بالفصل وعدم احتمال الفرق بين الخبر المقارن للتخويف وبين غيره.







وعن بعض الأعلام (قدس سره) أن التفكيك بين نقل الحديث والفتوى وقع في الأزمنة المتأخرة لكثرة الأخبار واختلافها في العبادات وقلتها في المعاملات جداً، بحيث يحتاج استفادة أحكام المعاملات من تلك الروايات إلى صرف العمر في وجه الإستفادة وكيفيتها منها، وإذا دلّت الرواية على اعتبار الإنذار في الصدر الأول كان مقتضاها اعتبار خبر العدل والثقة. وفيه أن الآية على تقدير الإطلاق لا تدلّ إلاّ على اعتبار الفتوى يعنى الإفتاء، وذلك فإن المهم في بحث حجية خبر الواحد هو إثبات أن الكلام الصادر من الراوي علم بكلام المعصوم (عليه السلام) بحسب الصدور، وأما المعنى المستفاد ومحتواه فقول الراوي بما هو راو غير معتبر فيه، فإنه يمكن أنْ يكون المستفاد منه عند المروي إليه خلاف ما استفاد الراوي، وعلى ذلك فمفاد الآية اعتبار الإنذار بما هو إنذار وقبول إنذاره على المنذر بالفتح، وهذا في قوة اعتبار محتواه الذي عند الراوي أو حتى إذا لم يكن إنذاره بنقل الرواية، وبالجملة كون الإنذار في الصدر الأول كان مع نقل كلام المعصوم (عليه السلام) لا يوجب كون موضوع الاعتبار نقل كلامه (عليه السلام) مع قطع النظر عن الإنذار كما لا يخفى.















[5] قد يستدل بقوله سبحانه (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب اُولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون)(4) وتقريب الإستدلال هو أن الغرض والغاية من وجوب الإظهار أو حرمة الكتمان ترتب التصديق العملي على الإظهار، ومقتضى إطلاق الآية وجوب الإظهار ولو فيما يوجب العلم للسامعين، ومقتضى وجوب الإظهار في الفرض ترتب وجوب العمل على طبقه وهذا معنى التعبّد بالإظهار، وبتعبير آخر يكون الإظهار حجة ويعتبر علماً ولو فيما لا يوجب العلم وجداناً نظير ما يذكر في قوله سبحانه (ولا يحلّ لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن)(5) من أنّ نهي المرأة عن كتمانها حتى في صورة عدم إفادة إظهارها العلم بالصدق مقتضاه اعتبار قولها في إخبارها بحملها، وقد أورد الشيخ (قدس سره) على الاستدلال بأن الغاية من وجوب الإظهار أو حرمة الكتمان أن يكون العمل بمقتضى الإظهار، إلاّ أنه لا دلالة للآية على لزوم العمل بالإظهار تعبداً للإهمال في ناحية وجوب القبول، بل يمكن دعوى ظهورها في العمل بالإظهار مع إحراز كونه إظهاراً للهدى، والتذكر بالبينة، وأورد عليه الماتن (قدس سره) أنه بعد تسليم الملازمة والإطلاق في وجوب الإظهار أو حرمة الكتمان لا يمكن دعوى الإهمال في وجوب القبول، وذلك فإنه بناءً على الإهمال أو إختصاص وجوب العمل بصورة العلم بكون إظهاره إظهاراً للهداية، يكون وجوب الإظهار أو حرمة الكتمان حتى في صورة عدم إفادة الإظهار العلم للسامع من اللغو، وهذا بخلاف آية النفر فإنه قد تقدم أنه لا إطلاق فيها بالإضافة إلى وجوب الإنذار أيضاً، والجواب الصحيح عن الاستدلال بآية الكتمان منع الملازمة، بمعنى أنه لم يعلم أن الغرض من حرمة الكتمان أو وجوب الإظهار العمل بالإظهار كما كان هذا غرضاً للإنذار في آية النفر، بل الغرض من وجوب الإظهار وحرمة الكتمان وضوح الحقّ والعرفان به والشاهد لذلك ورود الآية في نبوّة نبيناً (صلّى الله عليه وآله)حيث وقع الإخبار بها في الكتب المنزلة من قبل، وبهذا يفترق المقام عن حرمة الكتمان على المرأة وإيجاب إظهار ما في رحمها من الحمل حيث إن خبر المرأة الواحدة لا يفيد عادة العلم بقولها فيتعين أن يكون تكليفها بالإظهار للعمل بقولها من جواز إطلاقها في أي حال وإستحقاقها نفقتها ولو كان طلاقها بائناً إلى غير ذلك.















[6] الاستدلال بآية السؤال عن أهل الذكر(6) على اعتبار خبر العدل مبني على أن مفادها قضية كليّة يختلف مصاديق ذلك المفاد، فإنه إذا كان الشخص جاهلا بنبوة نبينا وأنه هل الوعد برسالته ونبوته وارد في أخبار الأنبياء السابقين أو أنه يمكن كون النبي بشراً، أو يكون أهل الذكر علماءهم العارفين بكتب الأنبياء السابقين وأحوالهم، كعلماء اليهود والنصارى، والمأمور بالسؤال عوام اليهود والنصارى وحيث إن هذا الأمر راجع إلى الاعتقادات يكون الأمر بالسؤال عنهم لتحصيل العلم والإعتقاد بنبوة نبينا، وكذا إذا كان الشخص عالماً بنبوة نبينا جاهلا بوصيّه وخليفته من بعده فأهل الذكر في هذا الأمر نفس النبي (صلّى الله عليه وآله) وخيار أصحابه العالمين بما سمعوا منه في قضية الخلافة من بعده، وإذا علم الإمام المعصوم (عليه السلام) وجهل الشخص قوله (عليه السلام) فأهل الذكر في هذا الأمر نفس المعصوم (عليه السلام) أو الرواة عنه الذين أخذوا منه (عليه السلام) الحديث بلا واسطة أو معها، فالفقيه غير راو للحديث عنه (عليه السلام)، بل مأمور بالأخذ بقول الإمام (عليه السلام) عن الرواة، فإن الراوي عنه (عليه السلام) أهل الذكر بالإضافة إلى الفقيه المزبور، كما أن الفقيه المزبور من أهل الذكر بالإضافة إلى العامي الذي يجهل تكاليفه وهمّه معرفته بها ليعمل على طبقه، فالأمر بالسؤال في موارد الاُمور الاعتقادية لتحصيل العلم، وفي مورد الأحاديث الأخذ بمضمونها، وفي موارد التكاليف العمل على طبق الفتوى المأخوذة فلا بعد في أنْ يكون مقتضى الآية المباركة دليلا على حجية الخبر في مورد نقل الرواية، وعلى حجية الفتوى في مورد الاستفتاء، وعلى الجملة كما يكون مقتضى الآية اعتبار الفتوى بالإضافة إلى المستفتى كذلك مقتضاه اعتبار رواية الراوي بالإضافة إلى المروي إليه غايته، كما يعتبر في المفتي بعض الاُمور كذلك يعتبر في الراوي عدم كونه فاسقاً لما دلّ في آية النبأ على عدم اعتبار خبره، وفيه أن مفاد الآية والأمر بالسؤال فيها على أهل الذكر لكون السؤال عنه طريقاً لعرفان الحق والوصول إليه، فلا يكون الشخص معذوراً إذا ترك السؤال والفحص بأنْ كان عدم عرفانه الحق والوصول إليه لتركه السؤال والفحص، ولم يظهر فيها أن الأمر بالسؤال لمجرّد التعبّد بالجواب خصوصاً بملاحظة مورد الآية في كون السؤال في أمر إعتقادي بوجوب تحصيل العلم والعرفان به.







أضف إلى ذلك ما في ذيلها في قوله سبحانه (إنْ كنتم لا تعلمون) وقد نوقش فيها أيضاً بأنّ راوي الحديث بما هو راو يصدق عليه أهل الذكر، فلا دلالة في الآية على اعتبار خبر الراوي حتى لو قيل بأن مفادها التعبّد بالجواب، وأجاب الماتن (قدس سره)عن المناقشة بأنه يصدق أهل الذكر على بعض الرواة الذين هم من الفقهاء كأضراب زرارة، وإذا دلت الآية على اعتبار خبره في الجواب حتى فيما كان السائل عنه فقيهاً لكانت رواية غيره من العدول معتبرة وإن لم يكن ذلك الغير فقيهاً للقطع بأنه ليس كون الراوي فقيهاً دخيلا في اعتبار روايته، كما لا يحتمل الفرق في اعتبار خبر العدل بين كونه المبتدأ أو المسبوق بالسؤال.







أقول: لو لم تكن لفقاهة زرارة وأضرابه دخالة في الرجوع الى روايتهم لم تعم الآية للسؤال عنهم من الرواية لظهور الآية المباركة لدخالة عنوان أهل الذكر في اعتبار جوابهم فيقتصر مدلولها في الشمول باعتبار فتوى الفقيه، ولعله (قدس سره) يشير إلى ذلك بقوله: فافهم، ولكن مع ذلك من كان شأنه جمع الروايات بطرقها المعروفة في الأخذ والنقل المعبّر عنهم بنقلة الأحاديث يصدق عليه عنوان أهل الذكر مع قطع النظر عن فقاهته وعدمها، والسؤال عنهم من الروايات الواصلة إليهم بالطرق المعروفة يدخل في السؤال عن أهل الذكر، وإذا كان المستفاد من الآية جواز التعبد بجوابهم يكون ذلك في معنى اعتبار الخبر، والعمدة في الإشكال على الإستدلال بالآية أنه لم يظهر من الآية أن الأمر بالسؤال عن أهل الذكر للأخذ بجوابهم ولو تعبداً بل الظاهر بقرينة مورد الآية وما ورد في ذيلها من قوله سبحانه: (إنْ كنتم لا تعلمون) للإرشاد إلى طريق تحصيل العلم بالواقع والحق وعدم كون الشخص معذوراً إذا ترك طريق الفحص على ما مرّ، نعم لو قام دليل من الخارج أن خبر العدل عن الإمام (عليه السلام) ولو كان بعنوان خبر الواحد علم بقوله (عليه السلام) أو أن فتوى الفقيه علم بالحكم الواقعي كان الرجوع إلى الرواية والظفر بالخبر العادل في مورد كالظفر بفتوى الفقيه من تحصيل العلم بقول المعصوم أو بالحكم الشرعي.















[7] ووجه الاستدلال بها على اعتبار الخبر الواحد هو مدح اللّه سبحانه نبيه على تصديقه للمؤمنين وقرن تصديقهم بتصديق اللّه سبحانه، ولو لم يكن خبر العدل أو الثقة معتبراً لما كان في تصديقه (صلّى الله عليه وآله) موضع مدح، وقد أورد الماتن على الإستدلال بوجهين، الأول: أن المراد من الاُذن سريع القطع والاعتقاد لا العمل بالخبر تعبداً، والثاني: أنه على تقدير كون المراد تصديق الغير في خبره عملا فهو بالإضافة إلى ما ينفع المخبر ولا يضرّ بالغير، وبتعبير آخر عدم إظهار خلاف خبره له وردّ خبره عليه، لا ترتيب آثار ثبوت المخبر به عليه، وهذه جهة أخلاقية حيث يرى الغير تصديق خبره وثبوت اعتباره عند السامع، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن اختلاف الجار في إضافة إيمانه (صلّى الله عليه وآله)إليه سبحانه (يؤمن باللّه) عن الجار في إضافته إلى المؤمنين مع تكرار الفعل (يؤمن للمؤمنين) قرينة على اختلاف المراد من الإيمان فيهما ففي إضافته إليه سبحانه بمعنى الاعتقاد واليقين وفي إضافته إلى المؤمنين التصديق صورة بمعنى عدم الإنكار عليهم عند خبرهم، بل الإصغاء والسكوت. وقول ما يتخيّل المخبر تصديق خبره، ولكن لا يخفى أن الإيمان يتعدى بكل من الباء واللام ويراد منه التصديق والاعتقاد واقعاً كقوله سبحانه: (فما آمن لموسى إلاّ ذريةً من قومه على خوف من فرعون)(7) و(قالوا إن أنتم إلاّ بشرٌ مثلنا)(8) و(قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً)(9) إلى غير ذلك، وقوله سبحانه (فآمنوا باللّه ورسوله النبي الاُمي)(10) وقد يفرق بين الباء واللام بأن المراد في موارد التعدي باللام الإيمان والاعتقاد بالشخص في قوله، وفي موارد التعدي بالباء الاعتقاد بحصول نفس الشيء وحيث إن تصديق اللّه سبحانه في وعده وقوله من جهات الاعتقاد بنفسه فإن ذاته سبحانه عين كماله والإيمان به لا ينفك عن التصديق بكلامه وخبره اختلفت التعدية في إضافة الإيمان إليه سبحانه عن إضافته إلى المؤمنين.







أقول: لا يمكن أن يكون المراد من الاُذن في الآية سريع القطع والاعتقاد، فإن كون إنسان سريع الاعتقاد والقطع نقص له ولا يكون موجباً للمدح بل يكون قادحاً فيه خصوصاً الذي يشغل منصب الزعامة لقوم فضلا عن الاُمة وجميع البشر، هذا مع الإغماض عن كون النبي معصوماً وحيث إن الإيمان باللّه سبحانه والتصديق بكل مخبر في خبره ولو كان فاسقاً وكاذباً لا يجتمعان كما هو المفروض في مورد نزول الآية، يتعين أن يكون المراد من تصديق المؤمنين في خبرهم إظهار التصديق لا بداعي الإعتقاد والتصديق الحقيقي لأدب المعاشرة ولو في موارد العلم بكذب المخبر في خبره كما هو المفروض في مورد نزولها، وهذا هو المراد أيضاً من التصديق المروي عنه (عليه السلام) «يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدّقه وكذّبهم»(11) والحاصل لا دلالة في الآية الكريمة على اعتبار الخبر الواحد بوجه.















(1). سورة الحجرات: الآية 6.







(2). سورة الحجرات: الآية 6.







(3). سورة التوبة: الآية 122.







(4). سورة البقرة: الآية 159.







(5). سورة البقرة: الآية 228.







(6). سورة النحل: الآية 43، وسورة الأنبياء: الآية 7.







(7). سورة يونس: الآية 83.







(8). سورة ابراهيم: الآية 10.







(9). سورة الإسراء: الآية 90.







(10). سورة الاعراف: الآية: 158.







(11). وسائل الشيعة 12:295، الباب 157 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4.































فصل















في الأخبار التي دلّت على اعتبار أخبار الآحاد وهي وإن كانت طوائف كثيرة[1].







أحدها: دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ (قدس سره)[2].







ثانيها: دعوى اتفاق العلماء عملا ـ بل كافة المسلمين ـ على العمل بخبر الواحد في اُمورهم الشرعية[3].















في الأخبار التي استدل بها على اعتبار الخبر















[1] قد يستدل على اعتبار الخبر الواحد بالأخبار التي يستظهر منها اعتباره، أو يكون ظاهرها اعتباره، وبما أن الاستدلال على اعتبار خبر الواحد بالخبر الواحد مصادرة ولا تكون تلك الأخبار من المتواتر لفظاً أو معنى؛ لأنها على طوائف فقد صحّح الاستدلال بها بدعوى أنها متواترة إجمالا، وعليها فيؤخذ منها بأخصّها مضموناً فيعتبر بها خبر يكون من حيث السند بحيث يكون من القدر المتيقن في الاعتبار بحسبها، ولو كان مثل هذا الخبر كالخبر الصحيح الأعلائي موجوداً بين الأخبار ويكون مدلولها أوسع، بأن يدل على اعتبار الخبر الواحد إذا كان رواته ثقات أو حتى ممدوحين يثبت به اعتبار خبر الثقة بل خبر الممدوح كما لا يخفى.







أقول: لم أجد في الروايات الواردة الظاهرة في اعتبار الخبر ما يكون في ناحية سندها صحيحاً أعلائياً يكون مضمونها اعتبار خبر مطلق الثقة أو الإمامي الممدوح، وقد يقال: ما ورد في الجواب عن السؤال عن الرضا (عليه السلام): «أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني فقال: نعم»(1) يستفاد منه كون اعتبار خبر الثقة كان مفروغاً عنه بين الإمام والسائل وإنما سؤاله كان ناظراً إلى الصغرى، ولكن لا يخفى أن يونس بن عبدالرحمن كان فقيهاً إمامياً فالسؤال عن الأخذ به وأنه ثقه ليس لجهة أن كونه فقيهاً وإمامياً غير دخيل في اعتبار خبره أو فتواه، بل لجهالة كونه ثقة عند الإمام (عليه السلام) فلا دلالة لها على حجية مطلق خبر الثقة فضلا عن فتواه، أضف إلى ذلك احتمال كون المراد من الثقة الثقة في دينه المرادف للعدالة نظير ما ورد: «لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه»(2) إلى غير ذلك.















[2] يستدل على اعتبار الخبر الواحد بالإجماع ويقرر الإجماع بوجوه منها: دعوى الإجماع المحصل، وأنه يحصل لمن فحص كلمات الأصحاب من الأزمنة المتأخرة إلى زمان قدماء الاصحاب قطع برضا المعصوم (عليه السلام) بالعمل بخبر العدل بل الثقة لا بانضمام قاعدة اللطف التي تقدم عدم تماميتها ولا من باب الإجماع الدخولي المذكور عدم تحققه عادة، بل حصول القطع برضاه لمجرد الحدس أن قولهم بأخبار العدول والثقات لا ينفك عن رضاه (عليه السلام) به وأن فتاواهم بالاعتبار لا يمكن أن تكون على خلاف الحق والواقع، ويمكن تحصيل ذلك من ملاحظة الإجماعات المنقولة في كلمات جملة من الأصحاب على اعتبار خبر الواحد العدل، ولكن لا يخفى أن تحصيل الإجماع القولي بما ذكر غير ممكن ودعوى تحققه كما ترى؛ لأن الخصوصيات المأخوذة في اعتبار الخبر الواحد في كلمات الأصحاب بل في عبارات ناقلي الإجماع على اعتباره مختلفة، فإن ظاهر بعضها اعتبار خبر العدل، وظاهر البعض الآخر اعتبار خبر الثقة، وظاهر البعض الثالث اعتبار خبر الثقة عند عدم خبر العدل، ورابعها اعتبار الخبر الموثوق بصدوره أو مضمونه إلى غير ذلك، ومع هذا الاختلاف حتى في الإجماعات المنقولة لا يمكن تحصيل العلم بالإجماع فضلا عن كونه إجماعاً تعبدياً.







لا يقال: يمكن مع هذا الاختلاف الأخذ بالقدر المتيقن المعبر عنه بالأخص.







فإنّه يقال: لا يمكن ذلك في المقام؛ لأن من يعتبر خبر الثقة لا يقول باعتبار خبر العدل إذا لم يكن خبر الثقة معتبراً، ومن يقول باعتبار خبر العدل ينكر اعتبار خبر الثقة، وهكذا، ومع هذا الاختلاف لا يمكن تحصيل العلم بالاعتبار في الأخص خصوصاً مع إحتمال كون المدرك لاعتبارهم محتملا في الوجوه المتقدمة من دلالة بعض الآيات والروايات أو في الوجوه التي يأتي التعرض لها.















[3] ثاني الوجوه دعوى الإجماع العملي من الأصحاب، حيث يرى الفاحص في كلمات الأصحاب في المسائل الفقهية أنهم يعملون فيها بأخبار الآحاد حتى من القائلين بعدم اعتبارها كالسيد المرتضى وأتباعه، بل لا يختص ذلك بالعلماء فيرى أن المتشرعة يعملون بأخبار الآحاد من نقلة الفتاوى إليهم من الثقات والعدول.







وفيه أن العمل بالخبر الواحد وإن كان واقعاً من العلماء والمتشرعة، إلاّ أن عملهم بها ليس بما هم متشرعة، ولذا يعملون بالخبر الواحد في سائر الاُمور الراجعة إلى معاشهم ومعاشرتهم فيكون عملهم بما هم عقلاء حيث جرت سيرة العقلاء ولو من غير المتدينين بدين الإسلام أو بدين أصلا العمل بأخبار الثقات فيما بينهم فيرجع هذا الوجه إلى الثالث من تقرير الإجماع حيث إنهم يعملون في اُمورهم بأخبار الثقات فيما بينهم ولا يفرقون بينها وبين اُمورهم الدينية من الأخبار بالفتاوى ونحوها ولم يردعهم الشارع عن سيرتهم في الاُمور الدينية وهذا كاشف قطعي عن إمضاء الشارع ورضاه بها.







لا يقال: لم يثبت الردع عن السيرة المشار إليها في الشرعيات فإن الآيات الواردة في النهي عن السكون بغير العلم والنهي عن اتباع الظن والتعليل بأنه لا يغني من الحق كافية في الردع، وأجاب الماتن (قدس سره) عن ذلك بأن منصرف تلك الآيات وظهورها الإرشاد إلى عدم كفاية غير العلم في اُصول الدين ومع الإغماض عن ذلك، المراد منها لانصراف إطلاقاتها أو كون القدر المتيقن منها توجّه النهي إلى ظن لم يقم على اعتباره دليل، وعليه يكون ردع السيرة بها دورياً؛ لأنّ الردع بها يتوقف على عدم كون السيرة مخصصة لعموماتها أو مقيدة لإطلاقاتها وعدم كونها مخصصة أو مقيدة موقوف على الردع عن السيرة بها، لا يقال: على ذلك لا يمكن إثبات الخبر الواحد بالسيرة أيضاً حيث يتوقف اعتباره على عدم كونها مردوعة بالآيات وعدم كونها مردوعة يتوقف على كونها مخصّصة أو مقيدة للعمومات وكونها مخصصة أو مقيدة موقوف على عدم الردع بها عنها، فإنّه يقال: يكفي في حجته ما جرت عليه سيرة العقلاء في مقام الاحتجاج عدم ثبوت الردع عنها ولو لعدم نهوض ما هو صالح لردعها، ويكفي ذلك في الالتزام بكونها مخصصة أو مقيدة للآيات حيث إن ما جرت عليه سيرة العقلاء في مقام الاحتجاج والطاعة والمعصية استحقاق الجزاء على المخالفة وعدم استحاقه عليها مع موافقته يكون متبعاً عقلا ما لم يقم دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات. وعلى الجملة يكفي في كون السيرة مخصّصة أو مقيدة لعموم الآيات وإطلاقاتها عدم ثبوت الردع بها عنها.







أقول: ما ذكره (قدس سره) من أنه يكفي في اتباع السيرة العقلائية عقلا في مقام الإطاعة عدم ثبوت الردع وهذا المقدار يكفي في تخصيص العمومات وتقييد الإطلاقات لا يمكن المساعدة عليه، فإن اللازم عقلا في جواز الاعتماد على شيء من الطرق والاُصول إحراز اعتبارها إمضاءً أو تأسيساً، وهذا لا يجتمع مع إحتمال الردع عن السيرة المشار إليها، وذكر (قدس سره) في الهامش أنه مع ثبوت الردع يستصحب عدمه وبقاء الحجيّة الثابتة لخبر الواحد قبل نزول الآيات، وفيه ما لا يخفى فإنه لم يحرز حجية الخبر في الشرعيات قبل نزول الآيات بحيث تكون الآيات ناسخة لها، بل تكشف عن عدم اعتباره في الشرعيات من أول الأمر مع أن الدليل على اعتبار الاستصحاب الروايات التي تعد من الخبر الواحد.







كما أن ما ذكره (قدس سره) في الهامش من أن المقام داخل في ورود الخاص من قبل، وورود خطاب العام بعده، ومع دوران الأمر بين كونه ناسخاً أو الخاص المتقدم مخصصاً يحكم بالتخصيص لا يمكن المساعدة عليه، لما تقدم من أن السيرة العقلائية مع إحتمال عدم إمضاء الشارع لها من الأول في الشرعيات لا تعد من الخاص المتقدم، وتأخير خطاب الردع بملاحظة أن إبلاغه يتوقف على دخول الناس بالإسلام ثم إعلامهم الأحكام تدريجاً لا مانع عنه، والصحيح في الجواب أن الآيات المشار إليها لا يحتمل كونها رادعة، فإن السيرة من المتشرّعة أيضاً جارية بعد نزولها على الاستمرار بأخبار العدول والثقات في الأحكام الشرعية فإن الأمارة التي استمرت السيرة على العمل بها لو كانت غير معتبرة عند الشارع منع عن العمل بها بخصوصها، وإلاّ لا يمكن الردع عنها بالإطلاق أو العموم لأنّ الناس يرون الأمارة المزبورة علماً، ولذا لا تصلح الآيات المشار إليها عن اعتبار أنفسها؛ لأنها أيضاً داخلة في الظواهر فيكون العمل بها عملا بغير العلم، والسر في ذلك أن النهي عن الوقوف بغير العلم مفادها قضية حقيقية، وتعيين عدم العلم خارج عن مدلولها ومقتضى السيرة على اعتبار خبر الثقة كونه علماً لا يكون مصداقاً للمنهي عنه؛ ولذا وردت الروايات الخاصة المتواترة إجمالا في النهي عن العمل بالقياس في الدين.















(1). وسائل الشيعة 27:147، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33.







(2). وسائل الشيعة 8: الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.































فصل















في الوجوه العقلية التي اُقيمت على حجية الخبر الواحد:







أحدها: أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه[1].







ثانيها: ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة[2].







وثالثها: ما أفاده بعض المحققين بما ملخّصه: أنا نعلم بكوننا مكلّفين[3].















في الوجه الأول من الوجوه العقلية المذكورة لحجية الخبر الواحد















[1] يستدل على اعتبار الأخبار المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) التي وصلت بأيدينا المودعة في الكتب المعروفة بالجوامع بالوجوه العقلية منها ما تعرض الماتن له أولاً، وذكر في تقريره أن الأخبار التي بأيدينا على طائفتين، أحداهما: من المثبتات للتكليف والمراد منه الوجوب والحرمة أو ما هو ملزوم لأحدهما كقيام الخبر بنجاسة شيء أو ككون الجزء المبان من الحي ميتة، أو أن الفقاع خمر وغير ذلك، والاُخرى: من النافية له كما إذا كان مفاد الخبر استحباب شيء أو إباحته أو كراهته أو ما يلزمه الإباحة والترخيص، وحيث إن لزوم العمل بالأخبار ليس من قبيل التكليف النفسي نظير العمل بالتكاليف الواقعية في الوقايع، بل لزوم العمل بها للوصول إلى موافقة التكاليف الواقعية التي لنا علم بثبوت تلك التكاليف في الوقايع المعبّر عن علمها بالعلم الإجمالي الكبير، وهذا العلم الإجمالي الكبير لاحتمال انحصار أطرافها بالتكاليف التي تضمنتها الأخبار المثبتة غير مؤثر في التنجيز، ويكون مقتضى العلم الإجمالي باشتمال موارد الأخبار المثبتة على التكاليف الواقعية واحتمال انحصار التكاليف الواقعية بمواردها بحيث لا يكون في موارد سائر الأمارات غير المعتبرة تكليف واقعي هو العمل بكل خبر مفاده ثبوت التكليف في الواقعة، وأما الأخبار النافية فيعمل على طبقها إلاّ في موردين: أحدهما: أنْ يكون خصوص المسألة مورد قاعدة الإشتغال للعلم الإجمالي في خصوصها، كما إذا علم بوجوب الظهر أو الجمعة أو بوجوب القصر أو التمام فإنه لا يمكن فيها العمل بالخبر النافي لوجوب إحدى الصلاتين بعينها.







الثاني: ما إذا كان في المسألة، التي ورد خبر بنفي التكليف فيها، أصل مثبت للتكليف كالخبر الدالّ على جواز شرب العصير المغلي بعد ذهاب ثلثيه ولو بغير النار، فإن الاستصحاب في ناحية بقاء الحرمة إلى أن يذهب ثلثاه بالنار مقتضاه عدم جواز العمل بذلك الخبر النافي، وهذا بناءً على جريان الاستصحاب في ناحية التكليف في أطراف العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف أو قيام دليل على إنتقاضها فيه، وإلاّ كما عليه الشيخ الأنصاري من عدم جريانه فيختص ترك العمل بالخبر النافي بما إذا كان خصوص المسألة مورد العلم الإجمالي بالتكليف يعني المورد الأول.







أقول: إذا فرض في مورد العلم الإجمالي بثبوت التكليف فيها كالظهر والجمعة والقصر والتمام قيام خبر بوجوب إحداهما وخبر بعدم وجوب الاُخرى، فلا بأس بالأخذ بالخبر المثبت لوجوب إحداهما وترك الاُخرى اخذاً بالخبر بعدم وجوبها، لأن وجوب ما دلّ الخبر على وجوبه منجز بالعلم الإجمالي الأول بثبوت التكاليف في موارد الأخبار المثبتة التي منها الخبر المفروض فلا يكون العلم الإجمالي الحاصل في خصوص المسألة منجزاً، فإن الأصل النافي لوجوب الاُخرى بلا معارض وحتى فيما لم يكن لنفي وجوب الاُخرى خبر، نظير ما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين ثم علم أن شيئاً آخر كان ملاقياً لأحدهما المعين، فإنه لا يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر فإن العلم الإجمالي الآخر بنجاسة الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر غير منجز كما قرر في محله، لا يقال: إذا كان مدرك الاستصحاب الأخبار فكيف يؤخذ به مع قيام الخبر النافي في مورده بنفي التكليف، فإنّه يقال: العمل بالاستصحاب المثبت في الحقيقة عمل بالخبر المثبت للتكليف وبما أن موارد الأخبار المثبتة مورد للعلم الإجمالي المنجز للتكليف، فيكون مورد جريان الاستصحاب في ناحية بقاء التكليف داخلة في أطراف العلم الإجمالي ومعه لا يفيد الخبر النافي.







وهذا كله بالإضافة إلى موارد الأصل العملي، وأما بالإضافة إلى الاُصول اللفظية فظاهر الماتن (قدس سره) الفرق بين اعتبار الخبر وبين لزوم العمل به للعلم الإجمالي المتقدم، فإنه إذا كان الخبر القائم بالتكليف المنافي لإطلاق الكتاب والسنة معتبراً يرفع اليد به عن نفي التكليف المستفاد من إطلاقهما أو عمومهما ولكن بناءً على العمل بالخبر للعلم الإجمالي لا يرفع اليد عنهما؛ لأنّ الإطلاق أو العموم منهما حجة على نفي التكليف في موردهما.







أقول: العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في موارد الأخبار المثبتة للتكليف في موارد الإطلاق والعموم النافيين له من الكتاب والسنة يمنع الأخذ بإطلاقهما أو عمومهما، نعم إذا انعكس الأمر وكان الإطلاق أو العموم منهما مثبتاً للتكليف والخبر القائم نافياً فالعلم الإجمالي بكون الأخبار النافية للتكليف المنافية لعمومهما أو إطلاقهما، بعضها صادرة ومطابقة للحكم الواقعي لا يمنع عن العمل على طبق العموم أو الإطلاق المثبت للتكليف من الكتاب والسنّة، فإن العلم الإجمالي ببقاء بعض العمومات والإطلاقات منهما باقية على حالها يقتضي الاحتياط في العمل بجميعها لإحراز امتثال التكليف في الموارد الباقية بحالها لعدم تمييز تلك الموارد عن غيرها.







لا يقال: يحتمل كون الأخبار النافية كلّها مطابقة للواقع بحيث لا يكون في البين علم إجمالي ببقاء بعض العمومات المثبتة للتكليف بحالها في موارد الأخبار النافية.







فإنّه يقال: أصالة العموم في غير المقدار المعلوم بالإجمال باقية على حالها من الاعتبار، ومقتضاها مع عدم تمييز مواردها العمل على طبقها لإحراز امتثال التكليف الثابت بها ولو كانت مواردها غير متميزة، ولكن لا يخفى سقوط أصالة العموم والإطلاق بذلك ويكون المرجع الأصل العملي سواء كان مثبتاً للتكليف أو نافياً له.







وإذا كان كل من العموم والخبر القائم مثبتاً للتكليف فمع إمكان الجمع بينهما يتعيّن العمل بكل منهما، كما إذا كان مقتضى الإطلاق وجوب التيمّم والخبر قائماً بوجوب الوضوء وإن لم يمكن الجمع بينهما، كما إذا كان مقتضى العموم أو الإطلاق كون التكليف حرمة فعل والخبر قائماً على وجوبه، فقد يقال: بكون المقام من نظير دوران الأمر بين المحذورين، ولكن لا يخفى أن ذلك فيما إذا كان العموم كالخبر الخاصّ من قسم الخبر، وأما إذا كان العموم والإطلاق من الكتاب والسنّة يكون مقتضاهما نفي التكليف القائم به الخبر وثبوت التكليف الآخر، وحيث إن العلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار من هذا القسم وثبوت مدلولها واقعاً موجود يسقط الإطلاق والعموم من الكتاب والسنّة عن الاعتبار ويتعين العمل على طبق الخبر.







وقد يقال: إنّ المقام نظير ما إذا كان لشخص ثلاث زوجات، وعلم أنه حلف إما على وطء الصغيرة أو المتوسطة وحلف أيضاً إما على ترك وطء الكبيرة أو المتوسطة، ففي الفرض علمان إجماليّان مقتضاهما تنجيز كلّ من التكليف بوطء الصغيرة والتكليف بترك وطء الكبيرة على تقدير ثبوتهما واقعاً والتخيير في المتوسطة حيث إن الحلفين المعلومين بالإجمال بالإضافة إلى المتوسطة يقتضيان دوران أمرها بين المحذورين، فإن العلم الإجمالي الأول يقتضي وطأها ويقتضي الثاني ترك وطئها وإنْ يحتمل أنْ لا يتعلق الحلف لا بوطئها ولا بترك وطئها، بأن يحلف على وطء الصغيرة ويحلف بحلف آخر على ترك وطء الكبيرة، إلاّ أن الإجمال في الحلفين المعلومين موجب لدخول المتوسطة في أطراف كلا العلمين.







أقول: التنظير إنما يصحّ إذا علم إجمالا ببقاء الإطلاق والعموم من الكتاب والسنّة في بعض مثل مورد الفرض على إطلاقه وعمومه، وأما مع احتمال المصادفة في جميع الأخبار الواردة على خلاف عمومهما أو إطلاقهما فلا يكون في البين علم إجمالي آخر متعلق بخلاف التكليف القائم به الخبر مستفاد من عموم الكتاب والسنة أو إطلاقهما.







ثم إن في المثال المذكور في الحلف على الوطء والحلف على تركه كلاماً، وهو دعوى أنّ العلم الإجمالي بالحلفين غير منجز لعدم إمكان المخالفة القطعية ولا الموافقة القطعية لشيء من الحلفين، فإنه إنْ وطأ المتوسطة يحتمل تعلق الحلف أولاً بوطئها لا وطء الصغيرة، والحلف الثاني: تعلق بترك وطئها ثانياً، ولتعلق الحلف الثاني بحنث الحلف الأول يكون باطلا وإن ترك وطأها يحتمل أن يحلف أولا بترك وطئها، وثانياً على وطئها ولم يكن شيء من الحلفين مرتبطاً بالصغيرة والكبيرة فيجري الاستصحاب في ناحية عدم تعلّق الحلف بوطء الصغيرة، وعدم تعلّقه بترك وطء الكبيرة بلا معارضة، ولكن لا يخفى ما فيها لجريان أصالة الصحة في ناحية كل من الحلفين ومعها لا تصل النوبة إلى الاستصحاب وحيث إن أصالة الصحة في ناحيتها لا تثبت عدم تعلق الحلف بالمتوسطة يدور الأمر في وطئها بين المحذورين فتدبّر.















[2] ثاني الوجوه ما ذكره في الوافية واستدل به على حجية الأخبار المودعة في الكتب المعتمدة عند علماء الشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير ردّ ظاهر، وهو أن الجزم ببقاء الشريعة إلى يوم القيامة ولزوم العمل بها سيما بالعبادات الضرورية في جهة وجوبها كالصلاة والصوم والزكاة والحج وكذلك بقاء المعاملات المشروعة ولزوم رعايتها مع أن جلّ أجزاء العبادات وشرايطها وموانعها ثبت بالخبر غير القطعي، بحيث لو ترك العمل بتلك الأخبار الواردة في أجزائها وقيودها لخرجت العبادات عن كونها صلاة أو صوماً أو زكاة أو حجاً وكذلك الأمر في المعاملات ومن أنكر ذلك يكون إنكاره باللسان وقلبه مطمئن بما ذكر، والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق هو أن مقتضى الوجه السابق العمل بالأخبار المأثورة سواء عمل بها جمع أم لا وسواء كانت في الكتب المعتمدة أو غيرها.







وقد ذكر الماتن (قدس سره) عن الشيخ (قدس سره) إيراده على هذا الوجه أولا، بأن العلم الإجمالي بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها كالمعاملات وكذا سائر التكاليف يعمّ جميع الأخبار، فاللازم إما الإحتياط التامّ بأنْ يؤتى بالعبادة بجميع ما يحتمل دخله فيها مما ورد في الأخبار، وكذا المعاملة أو يعمل بكل خبر دلّ على دخل شيء في العبادة أو المعاملة مما يظنّ بصدوره. وذكر الماتن أن الإيراد على الوجه بما ذكر غير صحيح لاحتمال انحصار الأجزاء والشرايط والموانع وكذا سائر التكاليف في موارد الأخبار التي وصفها بما ذكر بأن لم يكن في غيرها ما يعتبر في العبادة أو المعاملة وهذا يوجب انحلال العلم الإجمالي الأول وخروج غير موارد الأخبار الموصوفة عن أطراف العلم إلاّ أن يمنع انحلال العلم الإجمالي بخصوص تلك الأخبار، بأنْ ادّعى العلم بصدور بعض أخبار اُخر دالة على قيد العبادة، أو المعاملة ولا يخفى أن في عبارة الماتن خللاً في نقل الإيراد عن الشيخ (قدس سره) ونقل عن الشيخ ثانياً بأن قضية الوجه المتقدّم العمل بالأخبار المثبتة للجزئية والشرطية للعبادة والمعاملة دون الأخبار النافية، وذكر أن الأولى الإيراد على الوجه المزبور بأن مقتضاه العمل بالأخبار المثبتة فيما لم ينهض إطلاق أو عموم على النفي لا الحجية بحيث يخصص العامّ أو يقيد المطلق بالخبر الدالّ على ثبوت الجزء أو الشرط أو يعمل بالخبر النافي في مقابل المطلق أو العامّ الدالّ على ثبوتهما أو في مقابل الأصل المثبت أو مقتض للاحتياط، وقد ظهر فيما ذكره (قدس سره) مما تقدّم في المناقشة في الوجه الأول فلا نعيد.















[3] وهذا الوجه ما ذكره صاحب الحاشية وظاهر كلامه (قدس سره) أن التكليف بالعمل بظواهر الكتاب والأخذ بالسنّة أي الأخبار الحاكية عن المعصومين (عليهم السلام) قولهم وفعلهم وتقريرهم باق إلى يوم القيامة، وإذا تمكّنا من الأخذ بالأخبار المأثورة عنهم بحيث علم صدورها عنهم (عليهم السلام) أو اعتبارها في الشرع فهو، وإلاّ يتنزل عن العلم بالصدور إلى الظن به وعن العلم بالاعتبار إلى الظن به، وتكون النتيجة لزوم العمل بكل خبر يظنّ صدوره عنهم أو يظن اعتباره شرعاً، ولعله (قدس سره) استفاد بقاء التكليف إلى يوم القيامة من مثل حديث الثقلين وأن مقتضى بقائه ما ذكره، وقد أورد الماتن (قدس سره) على ما ذكر بوجهين، الأول: أن التمكن من امتثال هذا التكليف بالعلم التفصيلي أو الإجمالي حاصل فعلا فلا تصل النوبة إلى الامتثال الظني، وبيان ذلك أنه لو كان ما هو المتيقّن اعتباره من الأخبار وافياً بمعظم الفقه ومعلوماً لنا فالمتعين الأخذ بها وإن لم يكن المعلوم لنا كذلك وافياً به فاللازم التعدي إلى متيقن الاعتبار بالإضافة بمعنى العمل من الأخبار المأثورة بما لو اعتبر الشارع منها أخباراً لكانت ما نعمل به وإن لم يكن في البين متيقن الاعتبار كذلك أو لم يكن وافياً، لكان اللازم الاحتياط بالعمل بكل خبر مثبت منها بل بالنافي منها حتى يحرز العمل بكل ما يجب العمل به بحسب ذلك التكليف وهذا الاحتياط لا يوجب حرجاً كما يعمل بها القائل باعتبار جميع الأخبار التي لا يحرز كذبها أو عدم اعتبارها.







والوجه الثاني: هو أن التكليف بالعمل بالأخبار المأثورة فيما لم يحرز صدقها ولا اعتبارها غير محرز حتى يدعى أنه مع عدم التمكن يتنزل إلى الظنّ بالصدور أو الظن بالاعتبار؛ لأنّ الخبر مع عدم إحراز صدقه أو اعتباره لا يدخل في السنّة بالمعنى الذي ذكره، وقد أورد الشيخ (قدس سره) وتبعه النائيني طاب ثراه بأن ما ذكر ليس وجهاً آخر غير الوجه الأول أو بعض مقدمات الانسداد فإنه لا موجب للعمل بالأخبار المأثورة إلاّ العلم الإجمالي بصدور جلّها منهم (عليهم السلام) فإن كان الموجب ذلك فهذا عين الوجه الأول المتقدّم، وإنْ اُريد من السنّة نفس قول المعصوم أو فعله وبتعبير آخر العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية التي لابد من امتثالها وعدم إهمالها فمرجع ذلك إلى بعض مقدمات الانسداد، وأورد عليه الماتن بأن مراده دعوى أن ما هو المعلوم لنا من التكليف هو العمل بالروايات إلى يوم القيامة في الجملة حتى مع الغمض عن العلم بثبوت التكاليف الواقعية في الوقايع فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.







أقول: ما ذكر الشيخ (قدس سره) من الإيراد متين، فإن المأمور به في حديث الثقلين ونحوه مما لا يبعد تواتره هو الأخذ بأقوال الأئمة الهداة وصولا إلى التكاليف الشرعية وأحكام الوقايع المقررة من الشارع ومن الظاهر أن الأمر باتباع أقوالهم لا يقتضي وجوب العمل بالخبر عن أقوالهم إذا لم يحرز أن الخبر مصادف لقولهم وجداناً أو اعتباراً؛ ولذا لا يدلّ حديث الثقلين على اعتبار الخبر الواحد ولا أظن أن يتمسك أحد في اعتبار خبر العدل والثقة بمثل الحديث فلابد في الأخبار المأثورة عنهم في جهة وجوب العمل بها من موجب، وذلك الموجب إما العلم الإجمالي بمطابقة معظم الأخبار المأثورة لأقوالهم في بيان الأحكام الواقعية فهذا يرجع إلى الوجه الاول، أو ان الموجب ثبوت التكاليف الشرعية في الوقايع وان المكلفين مع عدم علمهم بها تفصيلا سواء كان العلم وجدانياً أو اعتبارياً لا يكون مطلق العنان وهذا الموجب بعض ما ذكر في مقدمات الانسداد وليس أمراً آخر.































فصل















في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن وهي أربعة، الأول: أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر[1].







الثاني: أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح[2].







الثالث: ما عن السيد الطباطبائي (قدس سره) من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات[3].







الرابع: دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفاً[4].







أما المقدمة الاُولى: فهي وإنْ كانت بديهية، إلاّ أنه قد عرفت انحلال العلم الإجمالي[5].







وأما المقدمة الثانية: أما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بيّنة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرّض للاستنباط والاجتهاد[6].







وأما الثالثة: فهي قطعية، ولو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزاً مطلقاً أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام[7].















في الوجوه العقلية المذكورة لاعتبار الظن







الوجه الأول: من الوجوه العقلية التي ذكروها لإثبات حجية الظن















[1] قيل: بأن الظن بالتكليف أو الظن بما هو ملزوم وموضوع له لازم رعايته عقلا ما لم يثبت من الشارع الترخيص في ترك رعايته، والمستند لهذا القول أحد اُمور أربعة، الأول: أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من التكليف أو ملزومه مظنة الضرر، ودفع الضرر المظنون لازم بحكم العقل، أما الصغرى فلأن الظن بوجوب شيء أو حرمته يلازم الظن بالعقاب على مخالفته بل الظن بالمفسدة في المخالفة بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.







وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون وهذا لا يرتبط بحكمه بالحسن والقبح ليقال إنّ: حكمه بهما مورد المناقشة وذلك فإن ملاك حكمه بلزوم دفع الضرر المظنون غير الملاك في حكمه بالحسن والقبح؛ ولذا أطبق العقلاء بلزوم دفع الضرر مع خلافهم في الحسن والقبح العقليّين.







وأجاب الماتن عن الاستدلال بمنع الصغرى سواءً اُريد من الضرر العقاب أو المفسدة فإن استحقاق العقاب يترتب على العصيان المنوط بتنجّز التكليف الواقعي ولا يترتب على مخالفة التكليف الواقعي ولو مع عدم تنجّزه، وقد تقدم سابقاً أن الظن بالتكليف بنفسه لا يقتضي تنجز التكليف بل منجزيته تحتاج إلى الجعل والاعتبار.







ثم ذكر (قدس سره)، إلاّ أنْ يقال: بأنّ الظنّ بالتكليف وإن لم يكن بنفسه بحيث يستقل العقل بالعقاب على مخالفته، إلاّ أن العقل لا يستقل أيضاً بعدم العقاب على مخالفته، وعليه فالعقاب في المخالفة محتمل ودفع العقاب المحتمل كدفع الضرر المظنون لازم عقلا، هذا ولو كان المراد بالضرر في الصغرى المفسدة ففي موارد مخالفة المجتهد لما ظنه من الحرمة وإن يكون ظن بالمفسدة إلاّ أن المفسدة لا تكون من قبيل الضرر المتوجه إلى المكلف حيث إن الحزازة والمنقصة في الفعل وإن كانت موجودة بحيث يستحق الفاعل الذي عليه في موارد إرتكاب الحرام، إلاّ أنها لا تكون من قبيل الضرر على الفاعل دائماً، وأما في الواجبات فالفائت عن المكلف المصلحة وفي تفويتها لا يكون ضرر بل ربما يكون الضرر في استيفائها كالإحسان بالمال، وعلى الجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال واُنيطت بهما الأحكام من قبيل المضرة على الفاعل، كما أن ضرره ليس مناطاً في حكم العقل بالحسن والقبح على القول باستقلاله في الحكم بهما.







أقول: لو تم هذا الوجه كان مقتضاه أن الظنّ بالتكليف مقتض للتنجيز وأنه يكون موجباً لاستحقاق العقاب على مخالفته، وهكذا لو صحّ ما ذكر الماتن (قدس سره) من أن العقل وإن لا يستقل بالعقاب على المخالفة إلاّ أنه لا يستقل أيضاً بعدم استحقاق العقل بل يحتمل العقاب، وهذا ينافي ما ذكر في تأسيس الأصل في اعتبار الظن من أنه لا يقتضي العقاب على المخالفة بل كونه موجباً له يحتاج إلى الجعل والاعتبار، أو طرو حالات وثبوت مقدمات تقتضي كونه موجباً له ولا يصحّ التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان في موارد عدم ثبوت التكليف بوجه معتبر.







وما ذكر الماتن أيضاً من أنه لا يبعد حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل لا يخفى ما فيه، فإن الضرر إذا كان من قبيل العقاب فالعقل يستقل بلزوم دفعه حتى فيما إذا كان احتماله ضعيفاً، كما في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف فيما إذا كانت أطرافه كثيرة فإن احتمال العقاب في ارتكاب واحد منها ضعيف، ومع ذلك يجب عقلا رعايته. نعم لو رجع الأمر في أطراف العلم بحيث جرى الأصل النافي في بعضها يكون عدم العقاب في ارتكابها قطعياً كما هو في موارد عدم تنجيز العلم الإجمالي لخروج بعضها عن مورد تعلّق التكليف ولو لكون الشبهة غير محصورة وهذا أمر آخر، والحاصل أن الثابت من حكم العقل أو الفطرة الارتكازية الدفع والفرار من العقاب المحتمل، كيف والعقاب في مخالفة التكليف المعلوم بالتفصيل محتمل لا مقطوع لاحتمال العفو والشفاعة، وعلى الجملة مخالفة التكليف المنجز يوجب استحقاق العقاب والاستحقاق لا يلازم فعلية العقاب ولو مستقبلاً.







هذا بالإضافة إلى الضرر بمعنى العقاب، وأما غير العقاب من الضرر فمنع الصغرى في مخالفة الظن بالتكليف صحيح حتى في المحرمات الشرعية، فإن الثابت في المحرمات ـ بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ـ هي المفسدة، والمفسدة الملحوظة فيها في الغالب نوعية لا من قبيل الضرر على المرتكب، نعم الإضرار بالنفس بالجناية عليها أو بالعرض والأطراف والمال محرم لا مطلق الإضرار، كما يشهد بذلك تحمل العقلاء الضرر الدنيوي لتحصيل بعض الأغراض العقلائيّة، وأمّا ما ذكره من كون الملاك بناءً على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد لا يلزم أن يكون في متعلّقاتها بل يكون في نفس الأحكام والتكاليف فغير صحيح كما تقدّم بيان ذلك في التفرقة بين الحكم النفسي والطريقي، نعم يمكن أن لا يكون تمام الغرض في نفس المتعلق بل يتم بجعل التكليف وتعلّقه بالمتعلق كما في الواجبات التعبّدية بناءً على عدم إمكان أخذ القربة فيها في متعلق الأمر وإحتملناه أيضاً في مباحث القطع بالتكليف من إمكان كون الغرض أخص من متعلقه فتدبر، وعلى الجملة الضرر الذي لا يدخل في العقاب الاُخروي لا يظن في مورد الظن بالتكليف غايته يحتمل في بعض الموارد ولا دليل على لزوم دفعه عقلا إلاّ في مورد الخوف من الضرر الذي يدخل في عنوان الجناية على النفس والعرض والأطراف والإجحاف بالمال، فإن الخوف على ما يستفاد من الروايات الواردة في أبواب مختلفة طريق إلى إحراز الضرر ولا مورد معه للاُصول النافية.















[2] الوجه الثاني من الوجوه العقلية لاعتبار الظن بالتكليف أنه لو لم يؤخذ به لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا وتقريره أن لإمتثال التكليف الثابت في الوقايع الكثيرة واقعاً مراتب، الاُولى: الإمتثال التفصيلي بالعلم والعلمي والثانية: الامتثال الإجمالي وهو الأخذ بالإحتياط في الوقايع وفي كون ذلك مرتبة ثانية أو أنه في مرتبة الامتثال التفصيلي كلام تقدم في بحث جواز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي، وذكرنا أن الأظهر كون الامتثال الإجمالي مع التفصيلي في مرتبة واحدة، وعليه فالمرتبة الثانية الامتثال الظني والمراد بالظنّ ما لم يثبت اعتباره بالخصوص وإلاّ يدخل في الامتثال العلمي الذي هو المرتبة الاُولى من الامتثال، والمرتبة الثالثة: على ما ذكر، والرابعة: على من يرى الامتثال الإجمالي مرتبة ثانية هو الإمتثال الإحتمالي بأن ترك المكلّف الامتثال في موارد الظن بالتكليف كلاً أو بعضاً وأخذ بالامتثال ورعاية التكليف في موارد الشك في التكليف أو الوهم بالتكليف كلا أو بعضاً، فإن هذا يكون من قبيل ترجيح المرجوح على الراجح ويستقل العقل بقبحه، وفيه أن الاستدلال بما ذكر موقوف على ثبوت تنجز التكاليف في الوقايع وعدم التمكن من امتثالها بالمرتبة الاُولى ولا بالاحتياط أو عدم وجوبه، ودوران أمر الإمتثال بين المرتبتين الأخيرتين ولا يتمّ شيء من ذلك إلاّ بمقدمات الانسداد على تقدير تماميتها وبدونها لا يفيد ما ذكر من الوجه شيئاً في اعتبار الظن.















[3] ومما ذكرنا في الوجه السابق يظهر الحال في هذا الوجه الثالث الذي ذكره السيد الطباطبائي (قدس سره) على اعتبار الظن في الوقايع حيث نفى الريب عن ثبوت التكاليف في الوقايع المشتبهة حكمها عندنا بالعلم الإجمالي بها، ومقتضى العلم الإجمالي الأخذ بالاحتياط فيها ولكن الاحتياط كذلك موجب للعسر والحرج الأكيد، والجمع بين قاعدة نفي الحرج ومقتضى العلم الإجمالي هو الأخذ بجانب إحتمال التكليف في الوقايع المظنونة بثبوتها فيها، وترك رعايته في موهوماته ومشكوكاته؛ لأنّ الجمع بغير هذا النحو برعاية جانب التكليف في بعض مظنونات التكاليف وبعض المشكوكات أو الموهومات وترك رعايته في البعض الآخر من المظنونات والمشكوكات والموهومات باطل إجماعاً، ووجه الظهور ما ذكرنا من أن هذا بعض مقدمات الانسداد ولا يتم إلاّ بضم سائرها، وإلاّ فلقائل أن يقول بلزوم الأخذ بامتثال العلم والعلمي في مواردهما، والأخذ بمقتضى الاُصول العملية في غيرهما بحيث لا تصل النوبة إلى الاحتياط أصلا ولا يلزم حرج في امتثال التكاليف أصلا.















[4] الرابع من الوجوه المذكورة لاعتبار الظن في الوقايع المعروف بدليل الإنسداد ويبحث في المقام في جهات الاُولى: بيان المقدمات التي تعرف بمقدمات دليل الإنسداد، الثانية: التكلّم في تمامية تلك المقدمات أو عدم تماميتها كلا أو بعضاً، والثالثة: أنه على تقدير تماميتها تفيد اعتبار الظن بنحو الكشف أو الحكومة أم لا، والرابعة: أنه على تقدير كون نتيجتها اعتبار الظن فالنتيجة على تقدير الكشف أو على تقدير الحكومة مطلقة أو مهملة.















في مقدمات دليل الانسداد والجواب عنه







أما الجهة الاُولى: فالمعروف وعليه الماتن أن مقدماته خمس، الاُولى: العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية في كثير من الوقايع، والثانية: عدم التمكن من تحصيل العلم أو الطريق المعتبر إلى تعيين الوقايع التي يثبت التكليف فيها واقعاً غالباً، والثالثة: عدم جواز إهمال تلك التكاليف ورعاية الأحكام بترك التعرض لإمتثالها وموافقتها، والرابعة: بعد فرض عدم جواز إهمالها الاحتياط في كل من تلك الوقايع التي هي من أطراف العلم بالتكاليف غير لازم بل غير جائز كما لا يجوز فيها الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن ذلك العلم الإجمالي، بأنْ يرجع في واقعة إلى الاستصحاب وفي الاُخرى إلى البراءة، والثالثة إلى أصالة الاحتياط، والرابعة إلى أصالة التخيير بحسب ملاحظة الخصوصية في نفس الواقعة، كما لا يجوز لمجتهد فيها الرجوع إلى فتوى من يدعى الانفتاح بدعوى العلم أو الطريق الخاص فيها إلى التكاليف، والخامسة: أنّ الأخذ بالامتثال الظني فيها متعين والاّ لزم ترجيح المرجوح، وقد يقال: إن المقدمة الثالثة في كلام الماتن مستدرك لأنّه ذكر في المقدمة الاُولى العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية في الشريعة، ومقتضى فعليتها عدم جواز إهمالها ولزوم التعرض لامتثالها، فذكره (قدس سره) المقدمة الثالثة بأنه لا يجوز إهمالها وترك التعرض لامتثالها أصلاً لا تكون مقدمة اُخرى، ولو كان مراده هو العلم بأصل الشريعة وثبوت التكاليف فيها لا العلم بفعلية التكاليف الفعلية في حقنا فلا حاجة إلى ذكر المقدمة الاُولى، وإنْ كان المراد أمراً صحيحاً إذ ما يذكر من مقدمات دليل الانسداد هي المقدمات القريبة لا المقدمة البعيدة، وإنْ كان دليل الانسداد متوقفاً عليها في نفس الأمر وإلاّ لزم أنْ يجعل من مقدماته إثبات الصانع والنبوة إلى غير ذلك من المقدمات، وقد جعل الشيخ (قدس سره) مقدمات الانسداد أربعاً، ولم يذكر فيها المقدمة الاُولى التي عدّها الماتن من مقدماته.







أقول: لابد في مقدمات الانسداد من فرض العلم الإجمالي بثبوت تكاليف كثيرة في الوقايع المشتبهة وانسداد باب العلم والعلمي إلى كثير منها، كما هو المقدمة الاُولى والثانية فيما ذكره الماتن (قدس سره)، وبما أن العلم الإجمالي عنده مقتض للتنجيز وليس علة تامة كالعلم التفصيلي، فلابد من بيان أن العلم الإجمالي بتلك التكاليف لا يجوز إهمالها بأنه لم يثبت عقلا أو شرعاً الترخيص في ترك رعايتها، فذكر الفعلية في المقدمة الاُولى لا ينافي الثالثة حيث لم يذكر في الاُولى الفعلية المطلقة بل ذكر مطلق الفعلية الجامعة بين المطلقة والمقيدة بما دام لم يثبت الترخيص الظاهري في أطرافه على ما ذكره في البحث في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري نعم بناءً على الفعلية التي ذكرناها في فعلية الأحكام والتكاليف وكون العلم الإجمالي وصولا للتكليف الواقعي وأنه لايمكن للشارع الترخيص القطعي في مخالفته، تكون المقدمة الثالثة مستدركاً، فالإشكال على الماتن غير تام على مسلكه الذي ذكره في بحث العلم الإجمالي مع ملاحظة مطلق الفعلية التي ذكرها في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.















[5] يقع الكلام في تمامية تلك المقدمات، أما المقدمة الاُولى: فلا ينبغي التأمل في ثبوت التكاليف في كثير من الوقايع والعلم الإجمالي بثبوتها حاصل إلاّ أنه قد تقدم انحلال هذا العلم بالعلم الإجمالي بثبوت التكاليف في موارد الأخبار المأثورة في الكتب المعروفة عند الإمامية، حيث يحتمل انحصار التكاليف الواقعية في مواردها بأن لا تكون تكاليف اُخرى في موارد سائر الظنون، ومع احتمال الانحصار يقتصر في الاحتياط بموارد تلك الأخبار ولا يلزم من رعاية الاحتياط فيها عسر وحرج حيث يكون الفرض كما قيل باعتبار جميع أخبار تلك الكتب.







لا يقال: العلم الإجمالي الصغير لا يوجب انحلال العلم الإجمالي الكبير، نظير ما إذا علم أولا بنجاسة بعض الإناءات من مجموعة من الإناءات كانت النجاسة في مجموعها معلومة بالإجمال من الأول، بأن كانت جملة من الإناءات سوداء وجملة منها بيضاء، وعلم نجاسة البعض من الجملتين، ثم علم بالنجاسة في بعض الإناءات السود فإنه لا مجرى لأصالة الطهارة في الإناءات البيض لسقوط أصالة الطهارة فيها بالمعارضة مع أصالة الطهارة في السود من قبل، فإنّه يقال: عدم الانحلال في موارد كون المعلوم بالإجمال ثانياً أمراً جديداً حادثاً، كما إذا وقعت بعد العلم الإجمالي الأول النجاسة في بعض الآنية السود، فإن العلم الإجمالي الثاني لا يفيد في انحلال العلم الإجمالي الأول، وأما إذا كان المعلوم بالإجمال ثانياً نفس المعلوم بالإجمال أولا، بأن علم أن النجاسة التي أصابت الإناءات أصابت جملة من السود ويحتمل انحصار الإصابة عليها بأنْ لم يصب شيء من تلك النجاسة من الإناءات البيض، وفي مثل ذلك ينحل العلم الإجمالي الأول؛ لأنّ العلم الإجمالي الأول تبدّل إلى العلم الإجمالي الصغير بحدوث المعلوم بالإجمال الأول فيها من الأول، والشك في حدوثه في غيرها من الإناءات البيض كذلك، فتجري اصالة الطهارة في الإناءات البيض، ويجب الاحتياط في السود والعلم الإجمالي الكبير بالتكاليف في الوقايع الكثيرة مع العلم الإجمالي ثانياً بالتكاليف في موارد الأخبار من هذا القبيل، حيث إن التكاليف التي وردت فيها الأخبار كانت ثابتة في الوقايع من الأول، لا يقال: لا يحتمل كذب سائر الأمارات بجميعها التي لا تدخل في عنوان الأخبار المأثورة فيها فكيف ينحل العلم الإجمالي الأول، فإنّه يقال: نعم، ولكن سائر الأمارات التي في موردها تكليف واقعي وردت في مواردها الأخبار أيضاً في الكتب المعروفة للأخبار وثبوت التكليف في مورد سائر الأمارات التي لم يرد في الأخبار مؤداها غير معلوم ولو بالإجمال من الأول فتدبر؛ والمتحصل مما ذكرنا أنه لا ينحل العلم الإجمالي الأول فيما إذا كان عدم البقاء أو التبدل في ناحية المعلوم بالإجمال لتلف بعض أطراف العلم أو خروجه عن التمكن، أو صار بحدوث موضوع التكليف فيه المعلوم بالتفصيل مع بقاء العلم الإجمالي بحاله بالإضافة إلى الأزمنة السابقة حتى فعلا فإنه في الفرض لا يجري الأصل النافي في الطرف الآخر أو الأطراف الاُخرى لأنّ الأصل النافي فيه أو فيها قد سقط بالمعارضة مع الأصل النافي في غير الباقي قبل انتفائه أو تبدّل حكمه، بخلاف ما إذا كان عدم البقاء في ناحية نفس العلم الإجمالي السابق مع بقاء المعلوم به على حاله الواقعي، فإنه إذا تبدل نفس العلم الإجمالي السابق إلى العلم التفصيلي به أو إلى العلم الإجمالي الصغير بحيث يعلم أن المعلوم بالعلم الإجمالي السابق كان في هذا الطرف أو في ضمن هذه الأطراف من الأول يكون الطرف الآخر أو الأطراف الاُخرى مورداً للأصل النافي بلا معارض، لأنه قد علم أن التكليف المعلوم سابقاً بالعلم الإجمالي كان في هذا الطرف أو في ضمن هذه الأطراف من الأول فيكون الشك في الأطراف الاُخرى شكّاً في التكليف الزائد من الأول، ومما ذكرنا يظهر وجه انحلال العلم الإجمالي الصغير بناءً على مسلك الانفتاحي في مورد الروايات أيضاً فإنه مع قيام الدليل على اعتبار طوائف منها بخصوصها مما يحتمل انحصار التكاليف المعلومة بالإجمال في مواردها يخرج موارد غير تلك الطوائف من الأخبار عن أطراف المعلوم بالإجمال ولو حكماً، بمعنى أنه لا تجري الاُصول النافية وغيرها في موارد تلك الطوائف من الأخبار لاعتبار الشارع المكلف فيها عالماً بحكم الشريعة في تلك الوقايع، ومع هذا الاعتبار يكون رجوع المكلف إلى الاُصول في غيرها بلا محذور لكونه شاكّاً في ثبوت التكليف في كل منها كما لا يخفى.















[6] لا ينبغي التأمّل في عدم إمكان تحصيل العلم الوجداني التفصيلي بالأحكام والتكاليف الواقعية في معظم الوقايع بحيث يكون حكم كل واقعة معلوماً تفصيلا، وأما بالإضافة إلى الاعتباري المعبر عنه بالطريق الخاص فقد تقدم اعتبار ظواهر الكتاب المجيد، فإن ظواهرها من الطرق المعتبرة بالخصوص وكذا اعتبار خبر الثقة بل الحسان من الطرق الخاصة بالسيرة العقلائية الممضاة من الشارع، وما في عبارة الماتن من الاقتصار بخبر يوثق بصدقه أي الاطمينان بصدوره لا وجه له، فإن الوثوق بالصدق أي الاطمينان بالصدور في نفسه حجة في مقابل خبر الثقة كما هو أيضاً بالسيرة العقلائية، والحاصل أن ظواهر الكتاب المجيد والأخبار المشار إليها كافيان بمعظم الفقه مع ضم الموارد التي يمكن تحصيل العلم الوجداني فيها إلى الحكم والتكليف الواقعي، ومعه لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بثبوت تكاليف اُخرى في الشرع بحيث يلزم من الرجوع فيها إلى الاُصول طرح تكاليف واقعية عملا على ما بينا سابقاً وقد تقدم الوجه في انحلال العلم الإجمالي الصغير باعتبار الطوائف من الأمارات.















[7] ذكر (قدس سره) أنه لو بنى على عدم كون العلم الإجمالي بالتكليف منجزاً أصلا، كما هو مقتضى شمول الاُصول النافية لكل واحد من أطرافه، أو قيل بعدم كونه منجزاً فيما إذا اضطر المكلف إلى ترك رعاية التكليف المعلوم بالإجمال في بعض أطرافه المعين أو غير المعين فلا يجري هذا الكلام في المقام، فإنه لا يجوز ترك التعرض لامتثال التكاليف المعلومة بالإجمال حتى بناءً على عدم تنجيز العلم الإجمالي وذلك للعلم بأن الشارع لا يرضى بإهمال التكاليف المعلومة بالإجمال وأنه مرغوب عنه عنده وغير جائز إجماعاً.







لا يقال: إذا لم يكن العلم الإجمالي منجزاً للزوم الإرتكاب في بعض الأطراف على ما يأتي، فكيف لا يجوز الارتكاب في الباقي مع كون الباقي مورداً للبراءة عقلا، حيث يكون العقاب على تقدير مصادفة سائر الأطراف التكليف من العقاب بلا بيان، فإنّه يقال: هذا إذا لم يعلم باهتمام الشارع بالتكليف بالإضافة إلى سائر الأطراف، وأما مع العلم بذلك كما تقدم فيعلم إيجاب الاحتياط من قبله في الوقايع في الجملة، بل يمكن دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال وترك رعاية التكاليف في هذا الحال ومع استكشاف عدم الجواز شرعاً لا يكون العقاب على تقدير المصادفة عقاباً بلا بيان.







أقول: ظاهر كلمات غير الماتن أيضاً أن المقام من موارد الاضطرار إلى غير المعين من أطراف العلم الإجمالي وعلى ذلك فلو قيل في الاضطرار إلى غير المعيّن تنجز التكليف المعلوم بالإجمال بمعنى عدم جواز مخالفته القطعية كما عليه الشيخ ومن سلك مسلكه فلا يحتاج في إثبات عدم جواز إهمال التكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع إلى دعوى الضرورة باهتمام الشارع بالتكاليف أو دعوى الإجماع على لزوم التعرض لامتثالها في الجملة، بل دعوى الإجماع في المسألة المستحدثة غير المعنونة في كلمات القدماء كما ترى، بخلاف ما إذا قيل بأن الاضطرار إلى غير المعين كالاضطرار إلى المعين يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التأثير كما هو مسلك الماتن (قدس سره)، ولذا تصدى لدعوى الضرورة والإجماع على عدم جواز الاهمال ولكن الصحيح عدم الحاجة إلى ذلك حتى بناءً على هذا المسلك وأن العلم الإجمالي منجز في المقام على كلا المسلكين، فإن غير ما يدفع به الاضطرار في المقام ثبوت التكاليف الواقعية فيه مورد للعلم الإجمالي أيضاً، ومقتضى هذا العلم الإجمالي الثاني رعايتها في موارده كما لا يخفى والعجب من الماتن أنّه تشبث في لزوم الرعاية بما ذكر ولم يتنبه بما ذكرنا من خصوصية المقام.































وأما المقدمة الرابعة: فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام[1].







ولا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الإحتياط في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها[2].







وأما الرجوع إلى الاُصول فبالنسبة إلى الاُصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها[3].







وقد ظهر بذلك أن العلم الإجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الاُصول المثبتة وتلك الضميمة[4].







وأما المقدمة الخامسة: فلاستقلال العقل بها، وأنه لا يجوز التنزل ـ بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية[5].















نفي وجوب الإحتياط















[1] مراده (قدس سره) أنه إذا كان رعاية التكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع المجهولة حكمها الواقعي بالاحتياط في جميع أطرافها موجباً لاختلال النظام فلا كلام في دخول المقام في الاضطرار إلى الارتكاب في البعض غير المعين من الأطراف، نظير ما إذا علم النجاسة في إناءات يكون الاجتناب عن جميعها موجباً لتلف نفسه من العطش، فيلزم الارتكاب بمقدار الاضطرار منها. وفي رعاية العلم الإجمالي في سائر الأطراف ما تقدّم في المقدّمة الثالثة وقد ذكرنا رعاية التكليف فيها حتى بناءً على مسلك الماتن في الاضطرار إلى بعض أطراف العلم، وذلك للعلم الإجمالي بأنّه في سائر الأطراف أيضاً النجاسة معلومة إجمالا، وهذا العلم الإجمالي يوجب الاحتياط في سائر الأطراف هذا يعنى عدم وجوب الاحتياط التام في جميع الوقايع المجهولة حكمها مع العلم الإجمالي بثبوت التكاليف فيها مع لزوم اختلال النظام مما لا كلام فيه، وأما إذا كان الاحتياط التام فيها موجباً للعسر والحرج فقط فهل يجوز ترك الاحتياط التام بحيث لا يلزم من رعاية التكاليف المعلومة بالإجمال مع تركه حرج أو لا موجب لرفع اليد عن الاحتياط التام أصلا كما هو ظاهر كلام الماتن (قدس سره)، بدعوى أن مفاد دليل نفي الحرج والعسر نفي التكليف المتعلق بالفعل فيما إذا انطبق عليه، أي على الفعل أو الترك عنوانهما كما هو الحال في نفي الضرر أيضاً، وأما إذا لم ينطبق عنوانهما على الفعل أو الترك كما في المقام حيث إن المكلف لو كان عالماً بالتكاليف الواقعية، أو كان عنده طريق إليها لأمكن له الامتثال والموافقة بالإتيان بالواجبات وترك المحرمات من غير أنْ يكون في ذلك عسر أو حرج، ولزوم الحرج من ناحية الاحتياط بحكم العقل حيث إن لزومه مقتضى العلم الإجمالي بالتكاليف، نعم لو قيل بأن الحرج والضرر عنوان لنفس الحكم فيمكن التمسّك بقاعدة نفي الحرج في نفيه، حيث إن التكاليف الواقعية عند فقد العلم التفصيلي والطريق إليها يكون منشأ الحرج والضرر، وعلى الجملة الحرج في المقام ينشأ من الإتيان بغير متعلق التكليف بالجمع بينه وبين الإتيان بمتعلق التكليف لإحراز الامتثال وموافقة التكليف المعلوم بالإجمال، ولا ينطبق عنوان الحرج أو الضرر على نفس متعلق التكليف ولا يقاس المقام بما إذا كان الحرج أو الضرر فيما يتوقف عليه الفعل الواجب كحفر البئر أو النزول فيه، حيث إن الواجب للحرج في مقدمته أو كونها ضررياً يكون حرجياً أو ضررياً، بخلاف ما إذا كان الحرج أو الضرر في إحراز امتثال التكليف به على ما تقدم، وقد يذكر أيضاً في الفرق بين المسلكين ما إذا ظهر الغبن في المعاوضة حيث إن الضرر ينشأ من لزومها، فينفى، فيثبت الخيار بناءً على أنّ المنفي هو الحكم الضّرري بخلاف ما إذا قيل بأن المنفي نفس الفعل الضرري فإنه عليه لا يثبت الخيار وفيه ما لا يخفى، فإنه كما ذكرنا في بحث الخيارات أن اللزوم في المعاملة لا ينفى بقاعدة نفي الضرر على كلا المسلكين، حيث إن الضرر أي النقص في ما كان للمغبون يحصل بنفس المعاملة، ونفي اللزوم وثبوت الخيار يوجب تمكنه من تدارك ضرره ومفاد القاعدة نفي الضرر لا إثبات تداركه، كما أنه بالقاعدة لا ينفى إمضاء المعاملة ليحكم ببطلانها؛ لأنّ المعاملة مع الشرط الارتكازي فيها بعدم التفاوت الفاحش بين الثمن والقيمة السوقية خياري مع الغبن ولا امتنان في الحكم بفساد المعاملة الخيارية بنفي إمضائها.







وقد التزم بعض الاعلام طاب ثراه بحكومة قاعدة نفي الحرج في مثل المقام بلا فرق بين المسلكين فيما يكون الابتلاء بأطراف الشبهة تدريجياً، فإن الحرج مع تدريجية الأطراف يكون في الأطراف المتأخرة التي يكون رعاية احتمال التكليف فيها بالإتيان بمتعلقه حرجياً فيعلم بالقاعدة عدم التكليف فيها؛ لأن التكليف إذا كان في الأطراف السابقة فقد إمتثل التكليف فيها على الفرض، وإن كان في المتأخرة أيضاً يرتفع بقاعدة نفي الحرج، مثلا إذا نذر صوم بعض أيام الاُسبوع وتردّد المنذور بين أيامها، وفرض أن الصوم في جميعها حرجي وصام المكلف إلى يوم الجمعة، بحيث صار عليه الصوم فيها حرجياً فلا بأس بتركه فيها؛ لأنّه إنْ كان الصوم المنذور قبل يوم الجمعة فقد امتثله وإنْ كان صومها أيضاً فلا يجب لقاعدة نفي الحرج بلا فرق بين المسلكين، نعم تظهر الثمرة على المسلكين فيما إذا كانت أطراف الشبهة دفعية، بأنْ يمكن الإتيان بكل من الأطراف قبل الآخر، كما إذا علم بنجاسة بعض المايعات التي يكون الإجتناب عن جميعها حرجياً.







أقول: ما ذكر في الأطراف الشبهة إذا كان تدريجيّةً وإنْ كان صحيحاً، إلاّ أن لازمه الأخذ بالإحتياط في الوقايع التي يبتلى بها إلى أنْ يلزم منه العسر والحرج سواء كان من مظنونات التكليف أو من غيرها، بل قد يقال: لا توجب إلاّ لتعيّن هذا النحو من الاحتياط في الوقايع بلا فرق بين القول بأن المرفوع بقاعدتي نفي الحرج والضرر التكليف أو الفعل المنطبق عليه عنوان الحرج والضرر، ولا يخفى بناءً على رفع الحكم الحرجي حيث إن امتثال جميع التكاليف في المظنونات والمشكوكات والموهومات حرجي، والأمر يدور بين رفع اليد عن رعاية احتمال التكليف في المظنونات أو في الموضوعات والمشكوكات يكون رفع اليد عنه في الثاني أولى كما هو مفاد المقدمة الخامسة، بل يتعيّن في تصحيح ما ذكروه من الأخذ بالاحتياط في مظنونات التكليف وجواز تركه في المشكوكات والموهومات من التشبّت بما ذكرنا سابقاً من دعوى انحلال العلم الإجمالي بالعلم الإجمالي الآخر، بأن أكثر الموارد من المظنونات ثبوت التكاليف فيها واقعاً معلوم إجمالا بحيث يحتمل مع الأخذ بالاحتياط فيها والرجوع في غيرها من المشكوكات والموهومات بالأصل الجاري فيها بملاحظة خصوصية نفس الواقعة أنْ لا يقع المكلّف في محذور مخالفة التكليف الواقعي لانحصار التكاليف الواقعية بالمظنونات، والموارد التي يكون الأصل الجاري فيها مثبتاً للتكليف مضافاً إلى الموارد التي يكون التكليف في تلك الوقايع معلوماً تفصيلا، قد ظهر مما ذكرنا أنه لا حاجة في إثبات لزوم الاحتياط، في الوقايع المظنون ثبوت التكاليف فيها وجواز الرجوع في غيرها إلى الأصل الجاري فيها بملاحظة خصوصية الواقعة، إلى ضم مقدمة اُخرى يعني قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح لما ذكرنا من عدم المورد لها في المقام لعدم الدوران بينها لانحلال العلم الإجمالي على ما مرَّ.















[2] المراد من هذا الوجه جريان قاعدة نفي العسر والحرج في نفي لزوم الاحتياط التامّ لكون مفادها كمفاد قاعدة لا ضرر، نفي الحكم والتكليف الناشيء منه الحرج؛ فإنه إذا نفي وجوب الاحتياط التام بنفي التكليف الناشئ منه الضرر لا يبقى ما يوجب عقلا رعاية التكليف في سائر الأطراف أي مظنونات التكليف، ولابد في الالتزام بوجوب رعايتها من إثبات أن الشارع أوجب رعاية احتمال التكليف فيها كما التزم (قدس سره) بذلك في بيان المقدمة الثالثة.







أقول: قد تقدم أن الوقايع التي تكاليفها مظنونة، ثبوت التكاليف الواقعية فيها معلومٌ إجمالا، فرعاية احتمال التكليف فيها مع الوقايع التي يكون مقتضى ملاحظة خصوصيتها لزوم رعاية التكليف فيها أيضاً منضمة إلى موارد العلم التفصيلي فيها للتكاليف الواقعية توجب انحلال العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الشريعة، بحيث لا يكون مانع في غيرها من الأخذ بالبراءة العقلية فلا سبيل إلى إحراز إيجاب الاحتياط شرعاً كما ذكر فتدبر.







ثم لا يخفى أن وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وإنْ يكن بحكم العقل من باب دفع الضرر المحتمل، إلاّ أنه إذا وصل امتثال التكليف في الاحتياط في الأطراف إلى حدّ الحرج يكون رفع التكليف في تلك الأطراف بنفي وجوب الاحتياط فيها كما أن وضعه فيها يكون بايجاب الاحتياط، فيكون رفع التكليف فيها بالترخيص في ترك الإحتياط موجباً لانتفاء الموضوع لحكم العقل بمعنى أنه لا يحتمل الضرر بعد الترخيص فيصبح الرفع فيها حكماً ظاهرياً لا ينافي ثبوت التكليف الواقعي فيها كموارد الرفع في الشبهة البدوية وفائدة ثبوت التكليف الواقعي حسن الاحتياط في مورده.















دعوى إنحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالاُصول المثبتة















[3] ذكر (قدس سره) أنه كما يرجع بناءً على انفتاح باب العلم والعلمي إلى الاُصول المثبتة للتكليف في مواردها، كذلك لا مانع من الرجوع إليها على الانسداد بلا فرق بين كون الأصل المثبت بحكم العقل كما في مسألة العلم بوجوب القصر أو التمام، ومسألة وجوب الظهر أو الجمعة، حيث إن العلم الإجمالي بوجوب إحداها يقتضي الاحتياط بالجمع بينهما، أو كان أصلا شرعياً كالاستصحاب في بقاء التكليف أخذاً بعموم النقل حتى بناءً على ما سلكه الشيخ (قدس سره) من عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة، ولو كانت الحالة السابقة فيها ثبوت التكليف بدعوى أن شمول خطابات الاستصحاب لأطرافه فيه محذور المناقضة بين صدر تلك الخطابات وذيلها، فإن عموم النهي في كل من الأطراف رفع اليد عن الحالة السابقة، كما هو مقتضى صدرها يناقض ما في ذيلها من لزوم رفع اليد عن الحالة السابقة فيما علم فيه ارتفاع الحالة السابقة وهو المعلوم بالإجمال، والوجه في عدم المحذور على هذا المسلك أيضاً مع أن المجتهد يعلم إجمالا بانتقاض التكليف السابق في بعض الموارد التي يأخذ فيها بالحالة السابقة عدم كون شكّه في جميع الأطراف فعلياً لكون الاستنباط أمراً تدريجياً، وإذا وصل في مقام الاستنباط إلى واقعة يشك فيها في بقاء التكليف السابق في حال لغفلته عن سائر الوقايع التي لو وصل إليها وجد الحال فيها كهذه المسألة لا تكون تلك الوقايع مورد الاستصحاب فعلا كي يلزم النهي عن نقض الحالة السابقة في جميعها مع الأمر بالنقض في بعضها، ومما ذكر يظهر أنه لا مجال لدعوى محذور المناقضة في الرجوع إلى الاُصول النافية أيضاً في مواردها لو لم يكن من الرجوع إليها مانع آخر عقلا أو شرعاً، وليس مانع كذلك لو كانت موارد الاُصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه علمي بمقدار المعلوم بالإجمال، بل ولو كان أقل من ذلك المقدار أيضاً ولكن بحيث لم يكن لاستكشاف الإيجاب الشرعي للاحتياط فيها مجال.







أقول: ظاهر كلامه فرض اعتبار الاستصحاب وجواز الأخذ بعموم خطاباته في موارد إحراز الحالة السابقة مع أن خطاباتها من قبيل الأخبار الآحاد، والمفروض عدم ثبوت اعتبارها مع الغمض عن دليل الانسداد المقرر بنحو الكشف، نعم يمكن دعوى أن انحلال العلم الإجمالي الكبير بدعوى ثبوت التكاليف في موارد الاُصول المثبتة غير موقوف على ثبوت اعتبارها نظير ما تقدم من الانحلال في موارد الأخبار المأثورة في التكاليف مع عدم ثبوت اعتبارها، ولكن عبارة الماتن لا تساعد على ذلك.







وأما ما ذكره من أنّ الاستنباط تدريجي والمجتهد عند استنباط الحكم في بعض المسائل غافل ولا يلتفت إلى سائر الوقايع فلا يكون علم فعلي بالحالة السابقة فيها وشك فعلي في بقائها ليلزم العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة لا يخفى ما فيه، فإنّ المجتهد وإنْ لم يلتفت إلى جميع الموارد دفعة إلاّ أنه بعد تمام الاستنباط يعلم إجمالا بأن الحالة السابقة في بعض ما أخذ فيه بالاستصحاب منتقض فيسقط اعتباره فيها، ولا يقاس هذا بما إذا علم المجتهد بعد كتابة رسالته بأنّ بعض فتاواه وقع فيها الاشتباه والخطأ، فإنّه لا يبطل العلم برسالته بالعلم بذلك، فإنّ الخطأ المعلوم في الوقايع التي أفتى فيها بعدم التكليف غير محرز فلا يوجب هذا الخطأ إلاّ المخالفة الالتزامية، ولا محذور فيها إذا لم يكن بنحو التشريع وما يوجب عودة النظر العلم بالخطأ الموجب لإيقاع المراجعين في المخالفة العملية وهذا غير معلوم.















بطلان دعوى انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالاُصول المثبتة















[4] لا يخفى أنه مع العلم الإجمالي في موارد الأخبار المأثورة المتضمّنة لبيان التكاليف الواقعيّة، وأنّ كثيراً منها موافق للتكليف الواقعي كيف ينحلّ العلم الإجمالي بالاُصول المثبتة بضميمة الموارد التي تكون التكاليف الواقعية فيها معلومة تفصيلاً مع قلة تلك الموارد بالإضافة إلى غيرها، والمفروض في دليل الانسداد عدم قيام دليل علمي في الوقايع التي هي موارد تلك الأخبار، ومع عدم الانحلال لا مورد لأصالة البراءة إلاّ في الأطراف الخارجة عن العلم الإجمالي الصغير التي ذكرناها، وما ذكر (قدس سره)من أنه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد الاُصول النافية مطلقاً ولو من مظنونات عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا، ويرفع اليد عن الاحتياط في موارد الاُصول النافية كلا أو بعضاً بمقدار رفع اختلال النظام أو انتفاء رفع العسر على ما عرفت، ولا يرفع اليد عن الاحتياط في مطلق محتملات التكليف حتى لو كانت من موارد الاُصول المثبتة فإنه تؤخذ بالاُصول المثبتة لا محالة، لا يخفى ما فيه، فإن موارد الأخبار المشار إليها للعلم الإجمالي المنجز فيها لا تكون من موارد الاُصول النافية ومع خروجها عنها لا يكون في الرجوع إليها وترك الاحتياط فيها محذور. نعم، لو كانت واقعة بنفسها مورد العلم الإجمالي الخاص كمسألة دوران الأمر بين القصر والتمام فلا مجال فيها للأصل النافي.







وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنه على تقدير الالتزام بانسداد طريق العلم والعلمي بالإضافة إلى الأحكام الشرعية وغالب الوقايع التي تكون موارد ابتلاء المكلفين فاللازم الأخذ بالاحتياط في موارد الأخبار المأثورة المتضمنة للتكاليف، وفي غيرها إنْ لم يكن في المسألة علم إجمالي بالتكليف يرجع إلى الأصل النافي يعني البراءة العقلية، ولا يلزم من ذلك محذور آخر غير أن عمل المكلف في غالب الوقايع يكون بنحو الاحتياط من غير أنْ يعلم التكليف الواقعي فيها، ولذا يدعى أن هذا في نفسه محذور، ونعلم أن الشارع لا يرضى في شريعته أنْ يكون الطريق إلى معرفتها مسدوداً وعمل المكلفين بها على الاحتياط فيها؛ ولذا يستكشف أن الشارع جعل الظن ولو في الجملة طريقاً إلى معرفتها هذا مبنى مذهب الكشف لا مجرد اعتبار قصد الوجه والتمييز عند هذا القائل فإن هذا الاعتبار مع ضعف القول به مختص بالعبادات، ولا يجري في غيرها من الواجبات، والقائل بالحكومة لا يرى نفسه ملزماً لجعل الظن طريقاً بعد استقلال العقل بأنه يقبح من الشارع الحكيم إرادته من المكلفين في معظم الوقايع أزيد من الموافقة الظنية، ولا يجوز للمكلفين الاقتصار في امتثال التكاليف على الإطاعة الاحتمالية أو الوهمية، وقد ذكرنا أنه لا تصل النوبة إلى هذا الحكم أيضاً، وأن موارد الاحتياط هي الوقايع التي ورد فيها الخبر المأثور في الكتب المعروفة بثبوت التكليف في كل منها، وفي غيرها مع عدم إحراز الحكم الواقعي يؤخذ بالأصل يعني أصالة الاحتياط لو كانت الواقعة بنفسها مورد العلم الإجمالي بالتكليف وإلاّ فالأصل هي البراءة لاحتمال انحصار التكاليف في موارد الأخبار المأثورة والموارد الملحقة بها لعدم احتمال الفرق بينها وبين ما ورد فيه الخبر، ودعوى الإجماع على أن الشارع جعل لأحكامه وتكاليفه في الوقايع في كل زمان طريقاً للإجماع على عدم رضا الشارع بالامتثال الإجمالي في معظم أحكامه لا يمكن المساعدة عليها، فإن مسألة انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام معنون في كلمات المتأخرين، وكون المدرك لما ذكروه ما تقدم فأين يستفاد عدم رضا الشارع بالاحتياط وبطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ودعوى الظن بذلك كدعوى الجزم غير صحيحة وعلى تقدير الظن فالكلام في اعتبار الظن حيث لم يتم على اعتباره دليل، وما لم يحرز الاعتبار فالاصل عدم الاعتبار.















في قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح















[5] ذكروا أنه إذا لم تمكن الموافقة القطعية للتكاليف المعلومة بالإجمال أو لم تجب، ودار الأمر بين الموافقة الظنية وبين الاحتمالية والوهمية فاللازم رعاية الطاعة الظنية وعدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بعد قيام الدليل على عدم إهمالها رأساً، وذلك لقبح ترجيح المرجوح، وعلى ذلك فاللازم على المجتهد تحصيل الظن بالتكليف في كل واقعة ليعمل به هو أو مقلدوه، ومع عدم إمكان تحصيل الظنّ أو عدم حصوله يكون المرجع الأصل النافي، إلاّ إذا كان في خصوص المسألة علم إجمالي بالتكليف فيها، وقد ذكر الماتن (قدس سره) وغيره بأنه عند الدوران يتعيّن تقديم الإطاعة الظنية لاستقلال العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراحج، إلاّ أنه لا تصل النوبة إلى الدوران من جهة ما تقدم في المقدمة الأولى من انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقايع بالتكاليف الواردة في الأخبار المأثورة في الكتب المعروفة للأخبار، فإن العلم بصدق كثير من تلك الأخبار أي مطابقتها للتكاليف الواقعية يوجب انحلال العلم الإجمالي الكبير لاحتمال أنْ لا يكون في غير موارد تلك الأخبار من الموارد التي لا يعلم التكليف فيها تفصيلا أو بطريق علمي تكليف آخر واقعاً، ومقتضى ذلك الاحتياط التام في موارد تلك الأخبار ولا عسر ولا حرج فيه كما عند القائل باعتبارها كلها، وما أوردنا على المقدّمة الرابعة من إمكان الرجوع في غير موارد العلم التفصيلي والطريق المعتبر إلى الاُصول المثبتة والنافية إذا كانت التكاليف المحرزة بالاُصول المثبتة بضميمة موارد المعلوم بالتفصيل أو بطريق علميّ بمقدار المعلوم بالإجمال، بأن يحتمل انحصار التكاليف الواقعيّة على تلك الموارد وعدم وجود تكليف آخر في موارد الاُصول النافية أو وجوده فيها ولكن لم يكن من الأهمية بحيث يستكشف عدم جواز الإهمال والرجوع إلى تلك الاُصول، وإلاّ كانت موارد الاُصول النافية مورداً لحكومة العقل وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها بعد عدم وجوب الاحتياط التام فيها شرعاً أو عقلا لاستلزامه الحرج أو الاختلال.







أقول: قد ذكرنا أنه لا حاجة في المقام إلى المقدمة الخامسة حتى لو قيل بعدم ثبوت القبح في ترجيح الطاعة الاحتمالية أو التخيير بين الإطاعة الظنية والاحتمالية فإن اللازم على المجتهد تحصيل الظن في الوقايع بالتكاليف فيها مع إمكانه لعلمه إجمالا بأن كثيراً من الظنون فيها موافقة لما في الواقع فيها من التكاليف، وهذا العلم الإجمالي يوجب الأخذ بجانب الظن بالتكليف فيها وإذا احتمل انحصار التكاليف الواقعية على موارد الظنون التي يحصلها المجتهد فلا بأس بالرجوع إلى الأصل النافي في غيرها ما لم يكن في المسألة علم إجمالي خاص بها كما تقدم، وهذا ليس مما قالوا من دوران الأمر بين الإطاعة الظنية والطاعة الإحتمالية والوهمية، وبيان ذلك أن الصور الملحوظة في الدوران أربع، الاُولى: أن تكون الوقايع على قسمين: قسم يظن فيها ثبوت التكليف في كل من أطراف ذلك القسم، وقسم آخر يشك في ثبوت التكليف في كل من أطرافه، ومثال ذلك في الموضوعات ما إذا كان في البين آنية متعددة، قسم منها بيضاء واُخرى سوداء ويظن إصابة النجاسة لكل من الآنية البيض ويشك أو يحتمل ضعيفاً إصابتها لكل من السود، ولكن من غير علم اجمالي بإصابة النجاسة في القسمين بأن يحتمل طهارة كلّ الآنية بحسب الواقع، وفي هذا الفرض يرجع في كل من القسمين إلى أصالة الطهارة والحلية، ولا اعتبار بالظن ما لم يصل إلى حد الاطمينان، وهذا لا كلام فيه، الصورة الثانية: أنْ يحصل الظن بالتكليف في كل فرد من أفراد القسم الأول ويحتمل التكليف في كلّ من أفراد القسم الثاني مع العلم الإجمالي بإصابة الظنون بالتكاليف مع التكاليف الواقعيّة في الجملة من غير علم إجمالي كذلك في ناحية القسم الثاني، وفي هذه الصورة يجب الاحتياط في موارد الظنون فإنّه مقتضى العلم الإجمالي بالتكاليف في مواردها، ويرجع إلى الأصل النافي في كل فرد من أفراد المشكوكات من غير فرق بين كون رعاية التكليف المحتمل في جميع القسمين حرجياً أم لا، ومن غير فرق بين القول بقبح ترجيح المرجوح والقول بعدم قبحه.







والمقام بناءً على الالتزام بالانسداد وعدم انحلال العلم الإجمالي الكبير بالتكاليف الواقعية في موارد الأخبار الواردة في الكتب المعروفة من هذا القبيل، فيرجع في الوقايع التي لا يمكن للمجتهد تحصيل الظن بالتكليف إلى الأصل النافي لعدم العلم الإجمالي بالإضافة إلى التكليف والتكاليف الواقعية في تلك الوقايع.







الصورة الثالثة: ما إذا علم إجمالا بوجود التكليف الواقعي أو التكاليف الواقعية في كل من القسمين، والمكلف لا يتمكن أو لا يجب عليه الاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي في كل من القسمين، فاللازم في هذا الفرض التبعيض في الاحتياط في كل من الطائفتين؛ لما أشرنا سابقاً من أن الموافقة الاحتمالية لكل التكاليف مقدم على الموافقة القطعية لبعضها الملازمة للمخالفة القطعية لبعضها الآخر، والمقام بناءً على عدم انحلال العلم الإجمالي الكبير حتى بالعلم الإجمالي بالتكاليف في موارد الظنون من هذا القبيل، ولا مورد فيه للقول بقبح تقديم المرجوح على الراجح، الصورة الرابعة: ما إذا كان كل من أفراد القسمين طرفاً للعلم الإجمالي بالتكاليف، أو التكاليف بمعنى نعلم منه بثبوت تكليف أو تكاليف إما في أفراد القسم الأول، أو أنه ليس فيها تكليف أو تكاليف واقعية بل التكليف أو التكاليف في أفراد القسم الثاني، وتكون رعاية العلم الإجمالي في كل من أفراد القسمين غير جايز أو غير واجب للزوم الإخلال بالنظام أو الحرج، بخلاف رعاية احتمال التكليف أو التكاليف في أفراد قسم واحد، وفي هذه الصورة بناءً على تنجيز العلم الإجمالي أو قيام دليل بعدم جواز إهمال التكليف أو التكاليف المعلومة بالإجمال رأساً تقدم الطاعة الظنية برعاية المعلوم بالإجمال في المظنونات ويترك رعاية احتمالها في ناحية المشكوكات والموهومات بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح، والقبح في المقام بمعنى استحقاق العقاب على ترك الطاعة الظنية إذا أصابت الظنون أو بعضها التكليف الواقعي، والحاكم بذلك هو العقل ولكن في استقلاله بذلك تأمل إذا لم يكن رعاية الاحتياط في الظنون موجباً للوثوق بإمتثال التكاليف المعلومة بالإجمال كلا أو بعضاً.







ينبغي في المقام التنبيه إلى أمرين، الأول: أن حكم العقل في المقام برعاية التكاليف المظنونة من باب قاعدة الاشتغال في أطراف العلم الإجمالي لاحتمال ثبوت التكليف من المعلوم بالإجمال فيه، وهذا الحكم العقلي كحكمه في سائر موارد العلم الإجمالي بالتكليف لا يستتبع الحكم الشرعي المولوي؛ لأنّ الحكم الشرعي المولوي النفسي يتوقف على الملاك النفسي ولا حاجة إلى الحكم المولوي الطريقي لتنجز الوقايع بالاحتمال في أطراف العلم الإجمالي.







ولا يقاس حكمه في المقام بحكمه في القطع التفصيلي بالتكليف فإن القطع بالتكليف في نفسه موجب لتنجز متعلقه إذا أصاب بخلاف منجزية الظن في المقام، فإن المنجزية إذا أصابت الواقع بالعلم الإجمالي وكونه من أطرافه ويترتب على الظن ما يترتب على الاحتمال في أطراف المعلوم بالإجمال، فإنه كما إذا ورد الترخيص في البعض المعين من أطراف العلم بترخيص ظاهري لا يمنع عن منجزية العلم الإجمالي بالإضافة إلى سائر الأطراف كذلك الحال في المقام، فإنه إذا ورد النهي الطريقي عن اتباع ظن معين كالظن الحاصل من القياس حيث إنّه مع النهي المزبور لا يحتمل استحقاق العقاب على مخالفته إذا صادف التكليف الواقعي ثم لو بنى على العلم بأن الشارع لم يرض بالاحتياط في الوقايع أو لم يمكن الاحتياط في الوقايع العبادية لأنه يعتبر في صحة العبادة قصد الوجه والتمييز ولا يتمكن من قصدهما من دون طريق معتبر إلى إحراز العبادة، وحكمها يستكشف من مقدمات الانسداد أن الشارع اعتبر الظن في الوقايع طريقاً ولا يحتمل التفرقة بين الوقايع العبادية وغيرها وتكون النتيجة هو القول باعتبار الظن حال الانسداد شرعاً، ولكن البناء المزبور غير صحيح كما تقدم، الأمر الثاني: أنه بناءً على ما تقدم من الاحتياط في موارد الظن بالتكاليف من الوقايع للعلم الإجمالي بثبوتها في كثير منها يجري الاحتياط بلا فرق بين موارد الظن الشخصي بالتكليف وموارد الظن النوعي به، حيث إن التكاليف المعلومة بالإجمال تعمّ مواردهما، فإنّه لو قيل بعدم انحصار العلم بالتكاليف على موارد الأخبار المأثورة في الكتب المعروفة فلا مورد للتأمل في أن موارد تلك الأخبار داخلة في أطراف المعلوم بالإجمال مع أنه لا ظن شخصيّ بالتكليف في أكثر مواردها، وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا حول مقدمات الانسداد أن مقتضاها الإحتياط في المظنونات ويرجع في غيرها إلى الأصل ولا يبقى مجال لبعض المباحث المذكورة في الكتب الاُصولية من حكم الظن المانع والممنوع، وكون النتيجة حجية الظن بالواقع أو الظن بالطريق أو الظن بهما ونحو ذلك فلاحظ.























الظن في الاُصول الاعتقادية







خاتمة يذكر فيها أمران استطراداً، الأول: هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع؟[1].







نعم، يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها[2].







وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة عن وجوب معرفته محكمة[3].







الثاني: الظن الذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة[4] أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة، أو يرجح به أحد المتعارضين بحيث لولاه على وفقه لما كان ترجيح لأحدهما أو كان للآخر منهما أم لا؟























[1] ذكر الشيخ (قدس سره) بعد مباحث الانسداد أمرين، الأول: اتباع الظن في الاعتقاديّات إذا لم يمكن تحصيل العلم بها نظير إتباعه في الفروع عند عدم إمكان الوصول إليها بالعلم أو الطريق العلمي على ما تقدم، أو أنه لا يصل الأمر في الاُصول الإعتقادية إلى الاعتماد على الظن أصلا، الثاني: الظن الذي لا يكون معتبراً في نفسه في الفروع هل يكون جابراً لضعف الرواية سنداً أو دلالة بحيث تصير معتبرة، أو موهناً للرواية التي لولا خلاف الظن لكانت معتبرة؟ وهل يكون الظن المزبور مرجحاً لإحدى الروايتين المتعارضتين بحيث تؤخذ بالموافق وتطرح المخالف؟ وتبعه على ذلك الماتن (قدس سره)، يقع الكلام في المقام الأول.







أقول: لا ينبغي التأمل في أنّ الاُمور الاعتقادية على قسمين: قسم منها ما يجب الاعتقاد به بمعنى التباني وعقد القلب عليه على تقدير إخبار اللّه سبحانه أو النبي (صلّى الله عليه وآله)أو الإمام المعصوم (عليه السلام) فإن الاعتقاد والتسليم به قلباً يعد من تصديق النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام) كوقايع البرزخ وما بعد البعث والنشور من أحوال القيامة والصراط والميزان ودرجات الجنة ودركات الجحيم إلى غير ذلك مما يعدّ بعد ثبوت الأخبار بها الاعتقاد بها من التصديق للنبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) ولا مجال في هذا القسم للاعتماد على الظن المطلق بدعوى انسداد باب العلم بهذه الاُمور حتى بناءً على أن نتيجة مقدمات الانسداد الكشف عن حجية مطلق الظن شرعاً، وذلك لعدم جريان مقدمات دليله في هذه الاُمور الاعتقادية فإن من مقدماته عدم وجوب الاحتياط التام في الوقايع أو عدم جوازه على ما تقدم، والامتثال الإجمالي في الاُمور الاعتقادية ممكن لا محذور فيه، فإن للمكلف أن يعقد قلبه بما هو الواقع من هذه الاُمور فيكون هذا تصديقاً إجمالياً للنبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) فيما أخبروا بها، وبهذا يظهر أنه يكفي هذا التصديق الإجمالي حتى في الموارد التي يمكن للمكلف أنْ يعلم تفصيلا ويحصل المعرفة بها كذلك، نعم يقع الكلام في هذا القسم أنه إذا قام طريق معتبر شرعاً إلى بعض هذه الاُمور بأنْ كان الظن به من الظنون الخاصة فهل يجوز عقد القلب تفصيلا بما قام به هذا الطريق، أم لا اعتبار في ذلك بالظن الخاص كالظن المطلق؟ فقد يقال: إذا كان الخبر القائم بهذه الاُمور طريقاً معتبراً شرعاً لا مانع من الالتزام وعقد القلب عليه؛ لأنّ المفروض الشارع اعتبر علم المكلف بإخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام المعصوم به فيجوز الالتزام وعقد القلب عليه كما هو الحال في إحراز اخبارهما به وجداناً، وهذا بناءً على كون اعتبار الطريق علماً فظاهر، وأما بناءً على كون الاعتبار بمعنى جعل المنجزية والمعذرية له فإن الشارع جعل للخبر القائم به المنجزية والمعذرية بالإضافة إلى المخبر به المفروض كونه أمراً اعتقادياً، وإنما يفترق القول باعتبار العلم عن القول بجعل المنجزية والمعذرية فيما إذا كان المخبر به من الاُمور التكوينية والتاريخية وأحوال القرون الماضية، فإنه لو اعتبر الظن وقلنا بأن اعتباره بمعنى عدّه علماً جاز الإخبار بوقوعها على طبق الخبر لأنّ جواز الإخبار بالشيء منوط بالعلم به، والمفروض أن الشارع اعتبر الظنّ القائم علماً به بخلاف ما إذا قيل بأن اعتباره بمعنى جعل المنجزية والمعذرية، فإنه لابد من أن يكون المؤدّى الحكم الشرعيّ أو الموضوع له.







أقول: العمدة في اعتبار الخبر السيرة العقلائية الجارية من المتشرعة أيضاً في الاُمور الدينية ولم يحرز سيرتهم على الاعتقاد بمؤدّى الظن ولو كان ذلك الظن القائم معتبراً بالإضافة إلى الأحكام الفرعية، وعليه فالاعتقاد التفصيلي بما قام به الظن الخاص جوازه فضلا عن وجوبه محل تأمل بل وجواز الإخبار به كجواز الإخبار بالتكوينيات والقرون أو الاُمم الماضية ما لم يحصل الاطمينان بذلك أيضاً محل تأمل، لما ذكرنا من ان دليل اعتبار الظن الخاص هي السيرة العقلائية ولم يثبت عمومها بالإضافة إلى الاُمور الاعتقادية ونحوها ما لم يكن في البين اطمينان ولو بكثرة الأخبار وتعددها.















[2] هذا هو القسم الثاني من الاعتقاديات الواجب على كل مكلف تحصيل العلم بها، وهذا الوجوب نفسي وليس كوجوب تحصيل العلم بالأحكام الشرعية والعبادات والمعاملات من كون العلم فيها طريقاً إلى إحراز التكاليف وامتثالها والإتيان بالمعاملة الصحيحة ليرتب عليها آثارها، وبتعبير آخر معرفة هذه الاُمور من الاعتقاديات دخيل في كون الشخص مسلماً كمعرفة اللّه سبحانه وتوحيده والنبوة الخاصة والمعاد الجسماني أو في كونه مؤمناً كالعلم بعدله سبحانه والإمامة، ويقع الكلام في هذا القسم في جهات، الاُولى: هل يمكن فيه للجاهل القاصر بأنْ لا يتمكن من معرفة هذه الاُمور أو بعضها بعد الفراغ من عدم قيام الظن مقام العلم بمعنى أن الظن بهذه الاُمور لا يقوم مقام العلم؛ لما تقدم من أنّ الظن ولو كان من الظنون الخاصة لا يقوم مقام العلم المأخوذ على نحو الوصفية، والمفروض أن الواجب على المكلف تحصيل العلم والمعرفة واليقين بهذه الاُمور، والظن باعتباره علم في جهة الطريقية لا في الموضوعية، الثانية: أن الجاهل القاصر على تقدير إمكان تحققه محكوم بالكفر وعدم الإيمان أم لا حتى مع الظن بها، والثالثة: هل يعاقب الجاهل القاصر كالمقصر أو أن عقابه على ما لا يقدر على تحصيل العلم به خلاف العدل.







أما الجهة الاُولى: فلا يبعد دعوى أن الجاهل القاصر بالاضافة إلى العلم بوجود الصانع وتوحيده لا يوجد إلاّ نادراً، فإن التأمل في تحقق الشيء فضلا عن الموجودات الأرضية والسماوية والتأمل في النظام الموجود فيها يوصل الإنسان إلى اليقين بأن هذه الموجودات والنظام الموجود فيها لابد من أنْ ينتهي إلى الواجب بالذات الذي هو في ذاته قادر وعالم، والآيات من الكتاب المجيد المرشدة للإنسان إلى النظر والتأمل في خلق السماوات والارض هداية له في هذه الجهة، وأما الجهل قصوراً بالإضافة إلى النبوة الخاصة والمعاد الجسماني والإمامة فلا ينبغي التأمل في تحققه كما هو الحال في أكثر من عاش في بلاد الكفر وبلغ حداً فقد قوته وضعفت إدراكاته ولم يكن ملتفتاً وسامعاً إلى من يخبر بالإسلام ومعتقداته.







أما الجهة الثانية: فلا ينبغي التأمل أيضاً في أنه يترتب على القاصر جميع الأحكام المترتبة على الكفر وينتفي عنه جميع ما يترتب على الإسلام والمسلم من الأحكام؛ لأنّ القصور واالاستضعاف لا يمنع عن إنطباق عنوان الكفر على القاصر، ولا يوجب انطباق المسلم عليه، وإنما يفترق القصور عن التقصير بالإضافة إلى الجهة الثالثة، فإن القاصر وإنْ لا ينال لما هو جزاء الإيمان والإطاعة من درجات النعيم والجنة إلاّ أنه لا يستحق عقاباً ما لم يتحقق في ذلك العالم ما يوجب استحقاقه العقاب، فإن العقاب بلا بيان قبيح ينافي العدل إذا لم يكن معانداً للحق بل كان منقاداً له على الإجمال، وما في كلام الماتن (قدس سره) في بحث الطلب والإرادة من أن استحقاق العقاب من لوازم البعد المترتب على الكفر والعصيان الناشئين من خبث الباطن وسوء السريرة قد تقدم ما فيه فلا نعيد.















[3] ذكر (قدس سره) أن وجوب تحصيل العلم في بعض الاعتقاديات مع إمكانه عقلي بوجوب نفسي كمعرفة اللّه سبحانه وصفاته فإن وجوب معرفته سبحانه بصفاته من باب شكر المنعم، وكذا معرفة أنبيائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه وكذا معرفة الإمام (عليه السلام)فإن الإمام (عليه السلام) أيضاً واسطة نعمه سبحانه فيجب معرفة النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) لذلك، ولاحتمال الضرر في ترك تحصيل العلم والمعرفة ولا يجب معرفة غير ذلك عقلا بل وجوب تحصيل العلم به شرعي على تقدير قيام الدليل عليه كوجوب معرفة الإمام (عليه السلام)على الوجه الآخر غير الصحيح بناءً على أن الدليل على وجوب مثل ما ورد: «من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية»(1) وما ورد من بناء الإسلام على خمس التي خامسها وأعظمها الولاية(2).







أقول: ويعدّ من القسم الثاني المعاد الجسماني حيث إن مقتضى الآيات وجوب الإيمان والتصديق به تفصيلا كما في سائر الاعتقاديات، يكون الاعتقاد مع حصول العلم بها تفصيلياً، ولا يخفى أنّ شأن العقل هو الإدراك لا الإيجاب والبعث الاعتباري والوجوب حتى في معرفة اللّه ومعرفة النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام شرعي، غاية الأمر إيصال هذا الوجوب الشرعي يكون بطريق العقل فقط، كما في وجوب معرفة اللّه والنبي (صلّى الله عليه وآله) أو بطريق شرعي أيضاً كما في معرفة الإمام (عليه السلام) حيث إنّه مع احتمال العقل الضرر في ترك المعرفة إيصال للوجوب إلى العباد ودفع الضرر المحتمل كما ذكرنا أمر فطري كالضرر المقطوع ولا مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، حيث إنّ حكم العقل أي احتماله الضرر في الترك في نفسه بيان لذلك الوجوب، ولا يقاس بما إذا إحتمل وجوب فعل بعد الفحص وعدم الظفر بالبيان له بل يقاس المقام بما قبل الفحص بحيث يكون عالماً بذلك الوجوب بعده كما لا يخفى، وقد ذكرنا إمكان تحصيل العلم والمعرفة بوجوده سبحانه وتوحيده وقدرته وأنه عالم بالذات بالنظر في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار والتفكر في النظام الموجود في الكون على ما أشارت إليه الآيات، ولحكم العقل القطعي بأن الشيء الحادث إذا وجد لا يمكن أنْ يوجد بلا سبب وفاعل، ولذا يكون الجاهل بمعرفة اللّه سبحانه مقصراً لا قاصراً إلاّ نادراً بخلاف النبوة الخاصة والإمامة والمعاد الجسماني، بل العدل أيضاً فإنه قد يوجد القاصر بالإضافة إليها على ما مرّ، وعلى الجملة ما يجب المعرفة فيها واليقين بها لا يقوم الظن مقام العلم، فإن الظن لا يكون يقيناً واعتقاداً تفصيلياً بالإضافة، ولذا لا يجري في الاعتقاديات جواز التقليد، نعم إذا كان أقوال أهل المعرفة والبصيرة في مثل هذه الاُمور موجباً ليقين العامّي بهذه الاُمور بحيث جزم أنهم لم يذكروها بمجرد حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف والغرور بها يكون علمه ومعرفته بهذا النحو كافياً في المعرفة الواجبة، ودعوى أنه لا يوجد في الاعتقاديات الواجبة معرفتها وتحصيل العلم واليقين بها قاصر، بل غير الواصل إلى معرفتها مقصر لا محالة لقوله سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)(3) لا يمكن المساعدة عليه، فإن القاصر من لا يجد وسائل المجاهدة ولو لضعف قوى إدراكه بعد غفلته عن مثل هذه الاُمور رأساً، ثم إنه إذا أحرز في أمر اعتقادي أنه لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد الإجمالي بل يجب تحصيل العلم واليقين به فهو، وإلاّ فمقتضى الأصل كالشك في وجوب سائر الاُمور عدم وجوب تحصيل العلم والمعرفة به، وما عن الشيخ (قدس سره) من الحكم بوجوب تحصيل المعرفة به أخذاً بالأمر بالتفقه في الدين المستفاد من آية النفر وإطلاق المعرفة في المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس(4)، وما ورد في طلب العلم من الآيات والروايات وقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون)(5) لا يمكن المساعدة عليه، فإن آية النفر في بيان وجوب التفقه في الدين كفايةً، لا في بيان ما يجب على الناس عيناً، وآية السؤال ما دلّ على وجوب طلب العلم، وعدم كون الجهل عذراً في ترك المعرفة الواجبة وسائر التكاليف الشرعية، والمراد من (يعبدون) معرفة اللّه وعبادته والنبوي في مقام بيان فضيلة الصلوات لا في مقام بيان المعرفة الواجبة، وما في كلام الماتن من أن آية النفر كأخبار وجوب طلب العلم في بيان طريقة التوسّل إلى التفقه الواجب لا في بيان ما يجب فقهه ومعرفته لا يمكن المساعدة عليه، فإن آية النفر في بيان وجوب التفقه في الدين بنحو الواجب الكفائي، والكلام في بيان ما يجب تحصيل العلم به عيناً وأخبار وجوب الطلب ناظرة إلى عدم كون الجهل عذراً للمكلف في موارد التكاليف لا بيان موارد التكليف كما لا يخفى، وقد ظهر مما ذكرنا أن الجاهل القاصر في الاعتقاديات يوجد ويكون معذوراً غير معاقب ولكن عدم العقاب ما لم يكن معانداً، بل كان له اعتقاد وتسليم قلبي على ما هو الحق وإلاّ فيؤخذ بعناده مع جهله بالواقع، وحقيقة الحال كما ظهر أنه إذا حصل ببيان النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) بواقع أمر يجب الاعتقاد التفصيلي به، وإلاّ يكون تكذيباً أو تشكيكاً في نبوة النبي أو إمامة الإمام ووجوب الاعتقاد التفصيلي لا يكون في هذا القسم من الاُصول الإعتقادية بحيث يجب تحصيل العلم والمعرفة به، بل وجوب الإعتقاد كذلك متفرع على حصول العلم واليقين به من جهة بيان النبي (صلّى الله عليه وآله)أو الإمام (عليه السلام) فما يصنعه بعض من لا خبرة له من إدراج مثل هذه الاُمور في الاُصول الاعتقادية التي لا يحكم على الجاهل بها بالإسلام أو أنه من أهل الإيمان ناشئ عن عدم التفرقة بين الاُصول الاعتقادية وما يكون التكذيب أو التشكيك فيه ملازماً لتكذيب النبوة أو الإمامة أو التشكيك فيهما.















[4] الكلام في الأمر الثاني في جهتين، الاُولى: كون الظن الذي لم يتم على اعتباره دليل هل يجبر ضعف الرواية سنداً بحيث تصير حجة بموافقة هذا الظن أو يجبر به ضعف دلالتها، فقد تقدم الكلام في هذه الجهة في البحث في الشهرة الفتوائية وكذا في كونها على خلاف الرواية المعتبرة، لولا خلافها موهنة لها بحيث سقطت عن الاعتبار فراجع.







والجهة الثانية: هي أن الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره في نفسه هل يكون مرجحاً لأحد المتعارضين بحيث تكون موافقته موجبة لتعين حجيته وسقوط الآخر عن الاعتبار فيما كان الأصل لولا موافقته سقوط كليهما عن الاعتبار بناءً على ما هو الصحيح من كون السقوط هو الأصل في المتعارضين، أو لعدم الترجيح لأحدهما أو لا يكون هذا الظن موجباً للترجيح في المتعارضين أصلاً، ولكن لا يخفى أن الترجيح يجري في الخبرين المتعارضين فقط، وكما أن اعتبار الظن يحتاج إلى الدليل عليه كذلك كونه مرجحاً، وقد ذكرنا في بحث تعارض الخبرين أن الترجيح في المتعارضين بالشهرة الروائية في أحدهما أو كون أحدهما موافقاً للكتاب أو مخالفاً للعامة، وأما غير ذلك فلا دليل على الترجيح به، ومقتضى الأصل في المتعارضين سقوطهما عن الاعتبار، ثم إنه يظهر من الماتن أن الظن غير معتبر لعدم قيام الدليل على اعتباره يكون جابراً لضعف السند إذا كان مفيداً للظن بالصدور أو المضمون ولا يكون جابراً لضعف دلالته، فإن موافقة الظن لا يوجب الظهور في الرواية ما ولكنْ يوجب الوثوق بصدورها، أو كون مضمونها حكماً واقعياً، ثم ذكر أن مخالفة الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل مع الخبر المعتبر في نفسه لا يسقطه عن الاعتبار؛ لأنّ اعتبار خبر الثقة غير مقيد بصورة عدم الظن بعدم صدوره أو بعدم الظن بعدم إرادة ظهوره، وفيه أنه لو كان المراد بالظن في صورة الانجبار هو الوثوق يكون المراد في الموهن أيضاً الوثوق، والوثوق الشخصي في نفسه معتبر ولا يكون للتفرقة وجه.















(1). وسائل الشيعة 16:246، الباب 33 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 23.







(2). الكافي 2:22، باب دعائم الاسلام. دار التعارف.







(3). سورة العنكبوت: الآية 69.







(4). التهذيب 2:236.







(5). سورة الذاريات: الآية 56.































المقصد السابع: في الاُصول العملية[1]















[1] لا يخفى أن مفاد الاُصول العملية وهي القواعد التي يؤخذ بها في الوقائع بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل فيها على الأحكام الواقعية ربما يكون من الحكم الشرعي، ويسمى بالأصل العملي الشرعي، واُخرى يكون ما يسمى بحكم العقل أو الأصل العملي العقلي، فإن الأصل العقلي قد لا يجتمع مع الأصل الشرعي كقاعدة الاشتغال في أطراف العلم الإجمالي مع عدم كون الحالة السابقة في أطرافه تكليفاً، وقد يجتمع معه كما إذا كانت الحالة السابقة فيها تكليفاً أو موضوعاً للتكليف، وكالبراءة العقلية في الشبهات البدوية بعد الفحص، فإنها تجتمع مع البراءة العقلية من قاعدة قبح العقاب بلا بيان، سواءً اُريد من البيان العلم بالتكليف الواقعي حقيقة إجمالا أو تفصيلاً أو كان العلم به إعتبارياً، أو كان المراد من البيان المصحّح للمؤاخذة على مخالفة التكليف الواقعي، فإنه مع عدم المصحّح كذلك يقبح العقاب على مخالفة التكليف الواقعي سواءً حكم الشارع بالرفع والإباحة الظاهرية أم لا.







ثم إنَّ الاُصول العملية منحصرة على الأربعة: أصالة البراءة والاستصحاب والاحتياط وأصالة التخيير، وانحصار موارد هذه الاُصول الأربعة أي أقسام الشك لا يتجاوز الأربعة، كما هو الحال في تقسيم كل شيء إلى النفي والإثبات. فلا يمكن أنْ يوجد قسم خامس للشك، فإن الشك في واقعة في حكم تكليفي أو وضعي ملازم للتكليف، إما أنْ تلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا، فالأول مورد الاستصحاب ومع عدم ملاحظتها إما أنْ يكون فيها علم إجمالي بالتكليف أو بالوضع الملازم له أم لا، فالثاني مورد البراءة، وإذا كان في البين علم إجمالي إن أمكن الاحتياط فهو مورد قاعدة الاشتغال وإلاّ فمورده أصالة التخيير، وإنحصار الاُصول في أقسام الشكوك على الأربعة إستغراقي حيث يمكن للشارع أنْ يعتبر قاعدة اُخرى غيرها في بعض الوقايع من موارد الاُصول، بأنْ يحكم في دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته في غير العبادة الأخذ باحتمال الحرمة، بل يمكن الالتزام بوقوع مثل ذلك كما في قاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الحكمية، حيث لا فرق في مفاد الأصل والحكم الظاهري بين ما يكون من قبيل الحكم التكليفي أو الوضعي.















في قاعدة الطهارة وعدم كون البحث فيها من المسائل الاُصولية







ومن هنا وقع البحث في وجه حذف قاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية من المباحث الاُصولية مع انطباق ما ذكروا في وجه كون الاُصول العملية من المباحث الاُصولية فيشمل قاعدة الطهارة أيضاً، فإنها مما ينتهي إليها أمر الفقيه بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على النجاسة، واعتذر الماتن من ذلك بوجهين، الأول: أنّ قاعدة الطهارة لم يُختلف في اعتبارها بخلاف سائر الاُصول العملية، فإن ثبوت بعضها وتعيين مجاريها وتوضيح مفادها محل الكلام على ما يأتي.







الثاني: أن قاعدة الطهارة تختص بموارد الشك في باب من أبواب الفقه وعدم اختصاصها بالاُصول الأربعة، فإنها تجري على كل أبوابه، ولا يخفى عدم تمامية الوجه الثاني فإن استطراد المسألة الاُصولية في جميع أبواب الفقه غير لازم.







وقد حكي عن بعض الاعتذار بوجه ثالث: وهو أن الطهارة والنجاسة الواقعيتين ليستا من قبيل الحكم الشرعي، بل هما أمران واقعيان كشف عنهما الشارع في مواردهما، لعدم اطلاع الناس عليهما في جميع تلك الموارد، فيكون مورد الشك في كون الشيء طاهراً أو نجساً من قبيل الشبهة الموضوعية، فأصالة الطهارة الجارية فيها من قبيل الاُصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية.







وفيه إن اُريد أن للطهارة أو النجاسة منشأً واقعياً فهذا صحيح في الجملة، فإن الشارع لا يجعل النجاسة لشيء عبثاً وبلا ملاك، ولكن هذا يجري في سائر الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية، وإن اُريد أنهما بنفسهما أمران واقعيان لا يحصلان بالاعتبار فهذا خلاف ظاهر الخطابات، بل خلاف صراحة بعضها مثل ما ورد في الصحيح: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً»(1)، فإن صريحه اعتبار طهارة موضع إصابة البول بغسله بالماء لهذه الاُمة وإذا كانت طهارته بالغسل بالاعتبار فلا محالة تكون نجاسته أيضاً بالاعتبار، حيث لم تكن ترتفع بالغسل بالماء من بني إسرائيل، واعتبرها منتهية بالغسل بالماء لهذه الاُمة.







وكذا اعتبر غسالة الإستنجاء طاهرة ولم يعتبر غسالة غيره من مزيلة العين طاهرة فلا يمكن أنْ يكون بينهما فارق تكويني، وأمّا ما ذكرنا من كونهما أمرين تكوينيّين خلاف ظاهر الخطابات، فلأن ظاهرها صدورها عن الشارع بما هو شارع لا بما هو عالم بالاُمور الخفية ومخبر بها، وقد يقال كونهما أمرين واقعيّين لا يدخل الشك فيهما في الشبهة الموضوعية، وأنْ لا يكون الشك فيهما من الشبهة الحكمية، فإن الشبهة الحكمية ما يكون الشك فيها ناشئاً من فقد خطاب الشارع أو إجماله أو تعارضه، وإذا شك في نجاسة شيء كنجاسة العصير بعد غليانه، يكون منشأ الشك فقد النص أو إجماله أو تعارضه، بخلاف الشبهة الموضوعية فإن الشك فيها ينشأ من أمر لا يرتبط بفقد خطاب الشرع أو إجماله أو تعارضه. ولكن هذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليها، فإن منشأ الشك في الشبهة الحكمية هو فقد خطاب الشارع أو إجماله أو تعارضه، يعني خطاب الشارع بما هو شارع لا بما هو عالم بحقيقة الأمر الواقعي، والشك في نجاسة العصير بعد غليانه بناءً على كون النجاسة أمراً تكوينياً ينشأ من فقد خطاب الشارع بما هو مخبر صادق مطلع على الاُمور الخفية نظير الشك في بعض ما وقع في أول الخلقة أو ما يقع في آخر الدنيا، ولا يرتبط ذلك بالشبهة الحكمية التي يكون الشك فيها في مجعول الشارع ثبوتاً ناشئاً مما ذكر.







ثم إن الفرق بين الاُصول العملية وبعض القواعد الفقهية التي لا يتمكن العامي من تطبيقها على صغرياتها كقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، وقاعدة وجوب الوفاء بالشروط والنذور ونحوها غير خفي، فإنهما وإنْ كانتا تشتركان مع الاُصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية في تمكن المجتهد خاصة من التطبيق على الموارد والصغريات والعامي عاجز عن ذلك، أما في الاُصول العملية فظاهر، فإنها معتبرة عند عدم الظفر بالدليل على الحكم أو التكليف الواقعي، وفي تلك القواعد لتقيّد الموضوع فيها بقيد لا يتيسر إلاّ للفقيه إحرازه، ولكن التطبيق في القواعد الفقهية لبيان الحكم الواقعي في مورد التطبيق بحسب المستفاد من الأدلة الاجتهادية، وفي الاُصول العملية لبيان الوظيفة عند عدم إستفادة الحكم الواقعي بحسب تلك الأدلة، ولذا تخرج القواعد الفقهية عما ذكر في تعريف علم الاُصول (أو القواعد التي ينتهي إليها) أمر الفقيه بعد اليأس من الدليل على الحكم الواقعي.















أصالة التخيير أصل عملي مستقل أو أنها داخلة في أصالة البراءة







وينبغي التعرض في المقام لكون أصالة التخيير التي عدّوها من الاُصول العملية أصل عملي مستقل في مقابل الإستصحاب وقاعدة الإشتغال وأصالة البراءة، أو أنها ترجع إلى أصالة البراءة الجارية في ناحية كل من إحتمالي الوجوب والحرمة، وقد ذكر الشيخ العراقي (قدس سره) ما حاصله أنّه مع الشك في الحكم بالشبهة الحكمية وعدم لحاظ الحالة السابقة فيها إن لم يكن في البين بيان فالمرجع أصالة البراءة، سواءً أمكن فيها الإحتياط كدوران الأمر في حكم الفعل بين الحرمة والإباحة، أو لم يمكن الإحتياط كدوران حكمه بين الحرمة والوجوب والإباحة، وإنْ كان في البين بيان بالإضافة إلى التكليف وأمكن الإحتياط فيه فالمرجع قاعدة الإشتغال، وإنْ لم يمكن الإحتياط فيه أصلا فالمرجع أصالة التخيير، ولا يتوهم أن أصالة التخيير معناها أصالة البراءة، وأن العلم الإجمالي بحرمة الفعل أو وجوبه لعدم كونه منجزاً كالعدم، فتدخل الواقعة فيما لم يتم فيها البيان، فإن هذا فاسد، والوجه في فساده أن عدم البيان في الواقعة ناشي عن عدم منجزية العلم الناشي عن ترخيص العقل، حيث إن مع تمكن المكلف على كل من الفعل والترك يكون حكمه بالتنجز بإختيار الفعل بلا مرجح، فيكون ترخيصه في كل من الفعل والترك مخرجاً للعلم الإجمالي عن المنجزية بأنْ يكون حكمه بالترخيص مانعاً عن تأثير العلم الإجمالي، فعدم البيان الناشي عن ترخيص العقل الموجب لعدم منجزية العلم الإجمالي لا يرتبط بأصالة البراءة، فإن أصالة البراءة هي الترخيص الناشئ من عدم البيان لا الترخيص الموجب لعدم البيان.







أقول: لو قال (قدس سره) بأنه في موارد دوران الأمر بين المحذورين لا قصور في ناحية البيان، وإنما القصور في ناحية المكلف حيث لا يتمكن من الجمع بين الفعل والترك وإختيار أحدهما قهري، وإلاّ فلا فرق بين هذا العلم الإجمالي والعلم الإجمالي المنجّز في جهة البيان، وأصالة البراءة عقلا هو حكمه بقبح العقاب بلا بيان، لا حكمه بقبح العقاب لعدم تمكن المكلف من إحراز الامتثال، كان ذلك أقرب إلى الفهم واحتمال التصديق، ولكن لا يخفى أن الترخيص في الفعل أو الترك خارج من شأن العقل، وإنما يحكم العقل بقبح الفعل لإدراكه المفسدة فيه، ومعنى قبحه أنه يرى استحقاق فاعله الذم أو لنهي الشارع عن ارتكابه، والقبح في الأول فعلي يكشف عن نهي الشارع عنه، وفي الثاني فاعلي، وإذا لم يكن العلم الإجمالي بحيث يمكن موافقته القطعية ومخالفته القطعية فلا يكون التكليف الواقعي واصلاً بحيث يتحقق الفرض الذي لاحظه المولى عند جعله، فإن التكليف وإنْ لا يمكن تقييده بغير صورة هذا العلم على ما تقدم من عدم إمكان أخذ العلم بالتكليف في موضوع ذلك التكليف ويكون له إطلاق ذاتي لا محالة، إلاّ أن الغرض من جعله إمكان كونه داعياً إلى العمل فعلا أو تركاً عند وصوله، والعلم الإجمالي بحرمة فعل أو وجوبه لا يكون من هذا الوصول، والعقاب على مخالفة التكليف الواقعي يكون من العقاب بلا بيان، ولا يقاس ذلك بموارد عدم القدرة على متعلق التكليف، فإن التكليف معه قبيح، وحكمه بقبح خطاب العاجز وتكليفه أجنبيّ عن قبح العقاب بلا بيان، ومع الإغماض عن ذلك فدوران أمر الفعل بين الوجوب والحرمة لا يمنع من الرجوع إلى أدلّة البراءة الشرعية في ناحية احتمال كل من الوجوب والحرمة؛ لأنّ عدم جريان الاُصول النافية في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف للزوم الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بين الأطراف، وهذه المنافاة لا تحصل مع دوران الأمر بين المحذورين لعدم الوصول في التكليف الواقعي بحيث يدخل الفرض في الفرض الملحوظ عند جعل التكليف.















(1). وسائل الشيعة 1:133، الباب الأول من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.































فصل















لو شك في وجوب شيء أو حرمته ولم تنهض عليه حجّة، جاز شرعاً وعقلا ترك الأول وفعل الثاني[1].







وقد استدلّ على ذلك بالأدلة الأربعة:







أما الكتاب: فبآيات أظهرها قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)[2].







وأما السنة: فبروايات منها: حديث الرفع حيث عدّ «ما لا يعلمون» من التسعة المرفوعة[3].















أصالة البراءة















[1] إذا علم عدم حرمة فعل ودار أمره بين كونه واجباً أو مباحاً بالمعنى الأعم، أو علم عدم وجوبه ودار أمره بين كونه حراماً أو مباحاً أو احتمل حرمة الأول ووجوب الثاني أيضاً، بأنْ دار أمره بين كونه واجباً أو حراماً أو مباحاً، فالأقسام الثلاثة كلها مجرى أصالة البراءة عقلاً ونقلاً من غير فرق بين أنْ يكون منشأ الشك فقد النص أو إجماله أو تعارضه، فيما إذا كان المتعارضان من غير الأخبار، وأما إذا كانا خبرين فلا مورد لأصالة البراءة إذا كان لأحد الخبرين ترجيح، أي يكون فيه مزية اعتبرها الشارع بجعل الخبر المشتمل لها حجّة، فإنّه مع الدليل على الحكم الواقعي لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، بل مع عدم المزية لأحدهما أيضاً لم يكن مجال لأصالة البراءة إذا قيل بالتخيير بين الخبرين المتعارضين لإمكان الوصول إلى الحجة المعتبرة وإحراز الواقع باختيار المكلف أحد الخبرين، وما في كلام الماتن (قدس سره) لمكان وجود الحجة المعتبرة وهو أحد الخبرين لا يساعد على إرادة ما ذكرنا، فإن شيئاً من الخبرين المتعارضين لا يكون حجة في مدلوله المطابقي قبل الأخذ، بل في مدلوله الالتزامي أيضاً على ما يأتي بيانه في بحث التعادل والتراجيح.







ثم إنه قد ذكر الشيخ العراقي وبعض الأعلام أن مورد الخلاف بين المجتهدين هو أن الشبهات الحكمية التحريمية أو حتى الوجوبية أيضاً سواءً كانت الشبهة ناشئة من فقد الخطاب للحكم الواقعيّ أم من إجماله أو تعارضه من صغريات قاعدة قبح العقاب بلا بيان أم من صغريات قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل بعد اتفاق الفريقين على كلا الكبريين، ولا شبهة أيضاً أنه لو جرت في مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان لكانت واردة على قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، حيث لا يبقى مع جريانها فيه احتمال الضرر، وبتعبير آخر كل من الكبريين لا يثبت موضوعها في مورد كما هو شأن كل ما يكون بمفاد القضية الحقيقية، وإذا أحرز في مورد عدم البيان فيه للتكليف الواقعي وترتب عليه الحكم بقبح العقاب ينتفي الموضوع في كبرى قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، وعلى الجملة يدعي الأخباري أن العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقائع يوجب احتمال العقاب في ارتكاب الواقعة المشتبهة بالشبهة الحكمية، فعلى المجتهد بيان انحلال هذا العلم الإجمالي أو إثبات أن الواقعة المشتبهة بعد الفحص عن مدرك التكليف فيها وإحراز عدم ثبوته فيها تجعل تلك الواقعة خارجة عن أطراف العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الوقايع.







وأيضاً على المجتهد بيان أنه لم يرد من الشارع الإيجاب المولوي الطريقي بالإحتياط في المشتبهات بالشبهة الحكمية ولا يحسب تمسك المجتهد للبراءة في الشبهات التحريمية وغيرها بكبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، أو بالخطابات من الآية والروايات التي بمضمون القاعدة استدلالا على موضع النزاع والخلاف من الطرفين، كما أن استدلال الطرف الآخر للإحتياط في الشبهات بكبرى قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل وما هو بمفادها من الأخبار لا يكون استدلالا على محط البحث من الطرفين.







وقد ظهر أنه لا مجال للاستدلال على البراءة في الشبهات الحكمية بالأدلة الأربعة، وجعل حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان دليلاً عقلياً لها إذ الأخباري لا ينكره، وإنما ينكر صغراه، بل يتعين على القائل بالبراءة فيها إثبات الصغرى بنفي تنجيز العلم الإجمالي بإثبات انحلاله أو خروج الواقعة بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف فيها عن أطرافه، وقيل إثبات هذا الانحلال لا يفيدالتشبث بالخطابات الشرعية الدالة على الترخيص في الشبهات، فإن هذه الخطابات لا تفيد في الانحلال، ولذا لا يمكن الأخذ بها في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف في الشبهات الموضوعية، وإنما يصح التمسك بها لنفي الإيجاب الشرعي المولوي الطريقي في الشبهة البدوية الذي يدعيه الأخباري استظهاراً من بعض الخطابات، كالأخبار الدالة على التوقف في الشبهات والأخذ بالاحتياط فيها.







كما ظهر أنه لا يمكن أيضاً الاستدلال على البراءة بالإجماع، ووجه الظهور احتمال اتكالهم في حكمهم بالبراءة فيها على انحلال العلم الإجمالي المزبور وبعد إنحلاله تكون الشبهة من صغريات قاعدة قبح العقاب بلا بيان.







أقول: إذا فرضنا انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف، أو خروج الواقعة التي فحص المجتهد عن الدليل فيها على التكليف الواقعي فلم يظفر به عن أطراف العلم الإجمالي فلا يكفي ذلك في جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيها حتى مع فرض عدم ثبوت الاحتياط الشرعي بالأخبار التي تمسك بها الأخباريون، بل لابد من إثبات أن احتمال التكليف الواقعي بنفسه بعد الفحص عن الدليل عليه وعدم الظفر به لا يدخل في البيان، ووصول التكليف مع عدم ثبوت الاحتياط الشرعي في تلك الواقعة لتكون صغرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبتعبير آخر البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا يعم هذا الاحتمال مع عدم ثبوت الاحتياط الشرعي.







والحاصل يقع الكلام في جهتين، الاُولى: ثبوت البراءة العقلية في الشبهات الحكمية التحريمية والوجوبية ولو في الجملة في مقابل الأخباري الذي ينكر ثبوتها مطلقاً أو في الشبهات التحريمية، والثانية: في أن البراءة الشرعية أوسع من البراءة العقلية بأنْ تجري البراءة الشرعية في موارد لا مجرى فيها للبراءة العقلية، وما في عبارة الماتن من أنه: «لو شك في وجوب شيء أو حرمته ولم تنهض عليه حجة جاز شرعاً وعقلا ترك الأول وفعل الثاني»، مقتضاه أن احتمال التكليف بعد الفحص عن الدليل عليه وعدم الظفر به لا يكون بنفسه منجزاً، ويستدل على ذلك بالأدلة الأربعة.















[2] قد ذكر الماتن (قدس سره) أنه يستدل على البراءة في المشتبهات بالشبهة الحكمية البدوية بآيات أظهرها بحسب مقام الاستدلال قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)(1) حيث قال الشيخ (قدس سره): إن الآية إخبار بعدم وقوع العذاب في الاُمم السابقة قبل وصول التكليف، وبيان التكاليف عليهم ببعث الرسل، وبما أن الأخباري القائل بالتوقف ووجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية يلتزم بالملازمة بين عدم وقوع العذاب وعدم استحقاقه، فيكون المستفاد من الآية عدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف قبل بيانه ووصوله إلى العباد، وأورد عليه الماتن بوجهين، الأول: أنّه على فرض تسليم الأخباري بالملازمة بين عدم فعلية العقاب وعدم استحقاقه يكون الإستدلال على البراءة جدلياً يقصد به إسكات الخصم ولا يثبت به جواز الارتكاب، الثاني: أن الأخباري لا يلتزم بالملازمة ليكون الإخبار بعدم وقوع العذاب كاشفاً عنده عن عدم إستحقاقه، كيف فإنّ الشبهات عنده لا تزيد على المحرمات والواجبات، والأخباري لا ينكر عفوه سبحانه وعدم مؤاخذة العبد بالعذاب على ارتكابه الحرام أو ترك الواجب فعدم الوقوع فيهما لا يقتضي نفي الاستحقاق فكيف بالمشتبهات.







وأورد الشيخ (قدس سره) على الاستدلال على البراءة بالآية بوجه آخر، وهو أنَّ الإخبار عن الاُمم السابقة بعدم استحقاقهم العذاب الدنيوي قبل البيان لا يلازم عدم الاستحقاق بالإضافة إلى العقاب الاُخروي الذي هو مورد الكلام في المقام.







واُجيب عن هذا الإيراد بأن العذاب الدنيوي أخف وأهون بالإضافة إلى العقاب الاُخروي، وإذا لم يكن العبد مستحقاً لعذاب دنيوى مع عدم بيان التكليف وإيصاله إليه فلا يستحق العذاب الاُخروي بالأولوية، وقال: الوجه في دلالة الآية على نفي الاستحقاق بأن التعبير بجملة ما كان وما كنا وأمثالهما يدلّ بمقتضى الفهم العرفي على أن الفعل لا يليق بالمخبر ولا يناسب صدوره عنه، ويظهر ذلك باستقراء موارد استعمالاتها كقوله سبحانه: (ما كان اللّه ليضل قوماً بعد إذ هداهم)(2) و(ما كان اللّه ليذر المؤمنين)(3) و(وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم)(4) و(ما كنت متخذ المضلين عضداً)(5) إلى غير ذلك، فالفعل الماضي في مثل هذه الموارد منسلخ عن الزمان، فالمراد أن التعذيب قبل البيان لا يليق باللّه سبحانه ولا يناسب حكمته وعدله، فلا يبقى فرق في عدم الإستحقاق بين العذاب الدنيوي والاُخروي حيث إنه لا موجب لعدم لياقة الفعل للّه سبحانه مع عدم وصول التكليف إلى العباد إلاّ كون العقاب بلا مصحح.







أقول: عدم مناسبة الفعل للفاعل في بعض موارد استعمال الجملة مستفاد من قرينة خارجية وإلاّ فمعناها عدم وقوع الفعل فلاحظ موارد استعمالاتها، نظير قوله سبحانه: (وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم)(6) وعدم وقوع الفعل أي العذاب الدنيوي بل الاُخروي يمكن أنْ يكون للعفو نظير العفو عن الصغائر إذا اجتنب الشخص عن الكبائر، ولا يلازم نفي الاستحقاق، ويمكن أنْ يكون عدم العذاب قبل بعث الرسل حتى بالإضافة إلى الأفعال التي قبحها عقلي مع كون العذاب الدنيوي أهون من جهة إعطاء الفرصة لعلّهم يرتدعون عند مجيء الرسول وتأكيد النهي عنها من قبله، وهذا لا يلازم نفي الاستحقاق، وقد استدلّ الأخباريون بالآية على نفي الملازمة بين حكم العقل والشرع بدعواهم عموم الآية حتى بالإضافة إلى المستقلات العقلية، واُورد على استدلالهم بأن الآية تدلّ على عدم الوقوع لا على نفي الاستحقاق، فيمكن أنْ يكون عدم تعذيبهم حتى بالإضافة إلى تلك المستقلات العقلية للرأفة وإعطاء الفرصة في الارتداع إلى مجيء النبي من اللّه عزوجل، والمدّعى في المستقلاّت العقلية ثبوت استحقاق العقاب، ولذا ذكر المحقق القمي (قدس سره) أنه من جمع بين الاستدلال بالآية على البراءة في الشبهات وبين الردّ على الأخباري في استدلاله على نفي الملازمة بين حكم العقل والشرع، فقد جمع بين المتناقضين، حيث إن مقتضى الردّ عليهم عدم دلالة الآية على نفي الاستحقاق، والاستدلال بها على البراءة مقتضاه دلالتها على نفي الاستحقاق، واستظهر الشيخ (قدس سره) من استدلال الأخباري بالآية على نفي الملازمة أنهم يلتزمون بين نفي وقوع العذاب ونفي الاستحقاق به، واستدل بها على البراءة على مسلكهم في الشبهات التحريمية، بدعوى أن بعث الرسول كناية عن وصول التكليف حيث يكون في الغالب وصوله إلى العباد بابلاغ النبي، فمفاد الآية أن اللّه سبحانه لم يكن يعذّب قوماً قبل وصول التكليف إليهم، وإذا لم يكن في البين استحقاق العقاب كما يعترف به الأخباري تكون النتيجة عدم استحقاق العقاب على مخالفة تكليف لم يصل إلى العبد، وهذا مفاد أصالة البراءة في الشبهة البدوية التحريمية والوجوبية بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل عليه.







ولكن لا يخفى أن ظاهر الآية أنه ما لم يكن إبلاغ الرسل لم يكن عذاب، ولا يعم وصول التكليف من طريق العقل، فالصحيح في الرد على الأخباري أن نفي الوقوع لا يدلّ على عدم الاستحقاق.







والمتحصل أنه إذا لم يكن للآية دلالة على نفي الاستحقاق كما ذكرنا فلا يصح الاستدلال بها على البراءة في الشبهات، وعلى تقدير الإغماض عن ذلك فلا يكون مفادها بحيث تنفي وجوب التوقف والاحتياط في الشبهات، مستظهراً ذلك من الأخبار الواردة في الوقوف عند الشبهة والاحتياط إذا احتمل وجوب الفعل.







ومما ذكر يظهر الحال في الاستدلال على البراءة بقوله سبحان: (لا يكلف اللّه نفساً إلاّ ما آتاها)(7) بناءً على أن المراد من الصلة الإعلام والبيان، فيكون مدلولها أن اللّه لا يكلف نفساً بتكليف إلاّ تكليفاً بيّنه وأعلمهُ ولو بقرينة ما ورد في تفسير الآية حيث أجاب الإمام (عليه السلام) عن كون الناس مكلفين بالمعرفة، قال: لا، على اللّه البيان: (لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها)، و(لا يكلف اللّه نفساً إلاّ ما آتاها)(8)، ووجه الظهور أن غاية مدلولها هو أن التكليف الذي لا يتمكن العباد من معرفته، فهذا التكليف مرفوع عنهم، وأما التكاليف التي بيّنت للناس واختفى بعضها عن بعض الناس بممانعة بعض الظالمين عن وصولها إلى العباد، مع وصول الأمر إليهم بالاحتياط في موارد احتمالها كما يدعي الاخباري فليس في الآية دلالة على عدم أخذ العباد بها.







وناقش المحقق النائيني أولا: بأن الآية لا دلالة لها حتى على ما تقدم، فإن المحتملات من الموصول وصلته، ثلاثة الأول: أنْ يكون المراد بالموصول التكليف ومن الإيتاء الوصول والإعلام، والثاني: أنْ يكون المراد من الموصول المال ومن الإيتاء الملك يعني لا يكلف اللّه نفساً بمال إلاّ بعد ملكه، والثالث: أنْ يكون المراد مطلق الشيء ومن الإيتاء الإقدار عليه، يعني لا يكلف اللّه الناس إلاّ بشيء مقدور لهم، والمعنى الثاني يدخل في الثالث لا الأول، وذلك فإن تعلّق الفعل أي لا يكلّف اللّه بالموصول بمعنى التكليف، تعلّق الفعل بالمفعول المطلق لا المفعول به؛ لأنّ التكليف لا يتعلق بالتكليف، وتعلّقه بالمال والشيء من تعلّق الفعل بالمفعول المطلق ولا جامع بين التعلقين، كما أن المراد من الإيتاء على الأول بمعنى الإعلام وعلى الثاني والثالث بمعنى الإقدار ولاجامع بين الإعلام والإقدار، ولولم تكن الآية بالمعنى الثاني والثالث بقرينة ما قبلها فلا أقلّ من عدم ظهورها في المعنى الأول، ولا دلالة في استشهاد الإمام (عليه السلام) في الرواية بالآية على كون المراد من الصلة الإعلام والمراد من الموصول التكليف، وذلك فإن المراد من المعرفة في السؤال في الرواية المعرفة التفصيلية بصفات الباري وأحوال الحشر والنشر إلى غير ذلك مما لا يتمكن العباد من معرفته التفصيلية إلاّ بعد بيانها للعباد كعدم تمكنهم من الصلاة والحج قبل بيان الشارع اجزاءهما وشرائطهما، وبما أن اللّه سبحانه لا يجعل التكليف بما لا يطاق ولا يكلّف اللّه نفساً إلاّ بما أقدرها عليه يكون التكليف بالاعتقاد التفصيلي بعد المعرفة التفصيلية المتوقفة على بيان الشارع، والقرينة على كون المراد من المعرفة المعرفة التفصيلية أنه لو توقف التكليف بالمعرفة الإجمالية على بيان اللّه سبحانه لم تحصل الداعوية لذلك التكليف أصلا.







ثم ذكر (قدس سره) أنه يمكن أنْ يقال إن المراد بالموصول أعم من التكليف وموضوعه ومتعلّقه، والمراد من الإيتاء معناه العام أي الإعطاء، فإعطاء التكليف من اللّه للعباد عبارة عن إيصال بيانه إليهم، وإعطاء المال لهم إيصاله إليهم بأنْ يكونوا مالكين وإعطاء الفعل بصيرورتهم قادرين عليه، وما قيل في الفرق بين المفعول المطلق والمفعول به من أنه يكون لذات المفعول به نحو وجود وتحقق قبل ورود الفعل عليه، ويكون الفعل موجباً لتحقق وصف له كما في قولك: اضرب زيداً، وعلى هذا الفرق يبتنى إشكال الزمخشري في قوله سبحانه: (خلق اللّه السموات) من عدم امكان كون السماوات مفعولا به؛ لأنه لا وجود للسماوات قبل ورود الخلق عليها، وعليه لا يمكن جعل الموصول المراد به المفعول به عاماً بالإضافة إلى التكليف، حيث إن قول القائل كلف تكليفاً أو لا يكلف تكليفاً من المفعول المطلق، يمكن الجواب عنه، بأن المفعول المطلق النوعي أو العددي يمكن جعله مفعولاً به إذا اُريد منه معناه الاسم المصدري، وذكر في آخر كلامه: ولكن مفاد الآية مع ما ذكر لا يرتبط بالبراءة؛ لأنّ الكلام في البراءة ما إذا شك في تكليف فعلي بيّنه الشارع ووصل إلى بعض ولم يصل إلينا.







أقول: المتمسك بالآية للبراءة لم يدّع أن مفادها عدم جعل اللّه سبحانه تكليفاً لم يصل بيانه إلى العباد، فإن كون هذا القسم من التكليف والحكم مما سكت اللّه عن جعله ولا يحتاج إلى الاستدلال بالآية ولا يرتبط بالبراءة، فإن الغرض من جعل الحكم والتكليف كونه داعياً للعباد إلى العمل بعد وصوله إليهم، وكذا لم تكن دعواه أن مفادها التكليف غير الواصل إلى شخص لم يجعل في حقه، بل جعل في حق من وصل إليه خاصة؛ لأنّ هذا الاختصاص في الجعل أمر غير معقول، حيث إن لازمه أخذ العلم وبيان التكليف في موضوع ذلك التكليف، ومع ذلك لا يرتبط بالبراءة، بل المتمسك بها للبراءة يدعي أن المراد من نفي التكليف السؤال عن العمل به والمؤاخذة على مخالفته والمؤاخذة والسؤال عن العمل يكون في حقّ من وصل إليه ذلك التكليف، وفي هذا المفاد تكون (ما) الموصولة مفعولاً به (وآتاها) بمعنى أعلمها أو معنى يدخل فيه الإعلام والإبلاغ، والجواب عن هذا الاستدلال يتعين في أمرين، الأول: أن ظاهر (آتاها) بمعنى أقدرها لا أعلمها وهذا المعنى لا يدخل فيه الإعلام، والثاني: أن عدم السؤال عن تكليف وعدم المؤاخذة على مخالفته مع عدم إعلامه وبيانه تأكيد للبراءة العقلية المعبّر عنها بقبح العقاب بلا بيان، وقد تقدم أنها لا تفيد في مقابل دعوى الأخباري وصول البيان بأمر الشارع بالتوقف في الشبهات عن الارتكاب والأمر بالاحتياط فيها، ومما ذكر يظهر أن الآية أظهر في الدلالة على البراءة العقلية من آية (ما كنّا معذبين) فإن الأخبار بعدم المؤاخذة تعم كل مكلف بخلاف الآية السابقة فإنها كانت بالإضافة إلى العذاب الدنيوي في الاُمم السابقة.















[3] من الأخبار التي يتمسك بها على البراءة في الشبهات الحكمية ما ورد في حديث الرفع المروي في الخصال بسند لا بأس به من قوله (صلّى الله عليه وآله) رفع عن اُمتي تسعة، إلى أن قال: وما لا يعلمون(9)، وقد أورد الشيخ (قدس سره) على الاستدلال به بما حاصله، أن المراد من الموصول في فقرة «ما لا يعلمون» بقرينة أخواتها الفعل، والفعل في كل من الشبهة الحكمية والموضوعية وإن كان مجهولاً، إلاّ أن نسبة عدم العلم إليه في الشبهة الحكمية باعتبار حكمه لا باعتبار نفسه بخلاف الشبهة الموضوعية، فإن الجهل فيها في نفس الفعل بأن لا يعلم مثلا أن شرب هذا، شرب الخمر أو الخل، وحيث إن ظاهر الحديث كما هو في كل وصف أنه بلحاظ نفس الموصوف لا متعلّقه يكون الجهل في «ما لا يعلمون» بلحاظ نفس الفعل والحكم في الشبهات الحكمية وإنْ يكن بنفسه مما لا يعلم، إلاّ أن إرادته مع الفعل يستلزم استعمال الموصول في المعنيين.







والحاصل أن الأمر يدور بين أنْ يكون المراد من الموصول الفعل أو الحكم، وبما أن السياق قرينة على إرادة الفعل ينحصر مدلول الحديث على البراءة في الشبهة الموضوعية، أقول: ليس ببالي أن هذا الإشكال مذكور في كلام الشيخ ولا يخفى ما فيه، فإن (ما) الموصولة لم تستعمل في فقرات الحديث إلاّ في معنىً واحد وتختلف بعد تقييدها، حيث إنها بعد ذكر الصلة لا تنطبق إلاّ على الأفعال كما في «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه»، وتنطبق على الفعل والموضوع والحكم كما في «ما لا يعلمون»، وانطباق المعنى على الفعل والحكم ليس من استعمال اللفظ في معنيين ولا مورد لدعوى استعمال الموصول في معنى الفعل بقرينة سائر فقرات الحديث، وظاهر الماتن أنه طبق «ما لا يعلمون» على التكليف المجهول في الشبهات بلا فرق بين الحكم الجزئي المجهول كما في الشبهات الموضوعية أو الحكم الكلي كما في الشبهات الحكمية.







نعم قد يقال: إن إسناد الرفع إلى «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ» إسناد مجازي؛ لأنّ الفعل الاضطراري أو الإكراهي أو الخطأ وغيره واقع خارجاً فلابدّ من أنْ يكون المراد رفع الأثر والحكم والمؤاخذة، ومقتضى وحدة السياق أنْ يكون المرفوع أيضاً في «ما لا يعلمون» بنحو الإسناد المجازي هو أثر الفعل والمؤاخذة عليه، فيختص مدلولها بالشبهة الموضوعية، فإن استحقاق العقوبة يترتب على ارتكاب الفعل ولا يكون من المترتب على نفس التكليف والإلزام.







ولكن لا يخفى ما فيه، فإن رفع ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ وغيرها ليس رفعاً تكوينياً بل المراد رفعها في مقام التشريع، والرفع في مقام التشريع عبارة عن جعل الحكم والتكليف مضيقاً بحيث لا يثبت الحكم المجعول والتكليف ما يصدر عنه الإكراه والاضطرار، فالفعل المضطر إليه أو المستكره عليه أو الصادر عن الخطأ لا يكون متعلقاً للحرمة، وهكذا، وحيث إن الرفع الواقعي في مقام التشريع بالإضافة إلى «ما لا يعلمون» غير ممكن في الشبهات الحكمية وغير واقع في الشبهات الموضوعية، يكون الرفع الحقيقي بالإضافة إلى «ما لا يعلمون» رفعاً ظاهرياً، والرفع الظاهري عبارة إما عن عدم فعلية التكليف الواقعي كما هو مسلك الماتن ومن تبعه، وإما عبارة عن الترخيص الظاهري في الارتكاب في الشبهات التحريمية والترك في الشبهات الوجوبية بناءً على ما تقدم من عدم المنافاة بين الحكم الظاهري الطريقي الترخيصي مع التكليف الواقعي في فرض عدم وصوله، فالرفع الظاهري في «ما لا يعلمون» حقيقي، والقرينة على عدم إرادة النفي الحقيقي الواقعي في الشبهات الحكمية هو أن الحكم الواقعي والتكليف الواقعي لا يمكن أن يتقيد بصورة العلم، كما أن الأخبار الواردة في وجوب تعلم الأحكام قرينة خارجية على عموم الأحكام الواقعية والمجعولة في الشريعة وثبوتها حتى في فرض الجهل بها، وكذا في الأمر بالاحتياط والتوقف في الشبهات الشامل بإطلاقها أو عمومها للشبهات الموضوعية قرينة على أن الرفع في «ما لا يعلمون» حتى في الشبهات الموضوعية رفع ظاهري، بل نفس ما ورد في الشبهة الموضوعية من الترخيص في الارتكاب صريحة في ثبوت الحكم والتكليف بها واقعاً مع الترخيص الظاهري، نظير قوله (عليه السلام) «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام»(10)، و«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»(11)، فإن فرض العلم بالحرمة أو القذارة ظاهره فرض ثبوتهما مع مصادفة احتمالهما مع قطع النظر عن العلم بهما، أضف إلى ذلك أن الموصول في «ما لا يعلمون» بلحاظ صلته ينطبق على الحكم والتكليف في الشبهات الموضوعية والحكمية، ويكون رفعها بالترخيص في الارتكاب والترك الملازم لنفي وجوب الاحتياط، ويترتب على نفيه انتفاء استحقاق العقاب.







وما يقال من أن الرفع يقابل الوضع ويطلق الوضع في موارد كون الموضوع ثقيلاً وهو الفعل كما ترى، فإن الرفع في مقام يقابل الوضع بمعنى الجعل، وبما أن التكليف في جعله ثقل يوجب تحمل المكلف مشقة الفعل أو الاجتناب، يكون المراد من الرفع نفي الجعل إما واقعاً كما في «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه» أو ظاهراً كما في «ما لا يعلمون»، وعلى الجملة بما ان الوضع أو الرفع في الحديث بلحاظ مقام الجعل والتشريع يكون الوضع بجعل التكليف والرفع بنفيه كما هو ظاهر، نعم قد يقال: ظاهر الرفع إزالة الشيء بعد وجوده، وهذا ينحصر على موارد النسخ ولذا يقال: إن المراد من الرفع في المقام هو الدفع بعدم إيجاب التحفظ والاحتياط أو بلحاظ مقام الإثبات، حيث يعم الخطاب الأولي لبعض الموارد في بعض فقرات الحديث كالاضطرار والإكراه أو بلحاظ أن التسعة ولو في بعضها كانت موضوعة عن الأمم السابقة، وعلى الجملة فإسناد الرفع إلى «ما لا يعلمون» لا عناية فيه كما لا عناية في إسناده إلى «ما استكرهوا عليه، وما اضطروا إليه» بل لو كان المنفي الفعل الاضطراري والإكراهي في التكوين إدعاءً لا في مقام التشريع والجعل كما ذكرنا فلا محذور في كون إسناد شيء إلى أمرين، ويكون إسناده إلى أحدهما حقيقة وإلى الآخر مجازاً، كما في قولك عند سقوط المطر الكثير الشديد يجري النهر والميزاب، أو يجري الماء والميزاب، فإن استعمال اللفظ في أكثر من معنى غير إضافة معنىً إلى أمرين، ولا يحتاج في الثاني إلى كون المستعمل أحول العينين، نعم المراد بالرفع الدفع وعدم الجعل حقيقة، وقد يقال: باختصاص فقرة «رفع ما لا يعلمون» إلى الشبهات الموضوعية بتقريب أن الرفع في الحديث لم يسند إلى كل واحد واحد من الاُمور التسعة بنسبة مستقلة ليمكن أن يكون الإسناد في بعضها حقيقياً وفي بعضها بالمجاز، كما في المثال. بل الرفع اُسند إلى عنوان التسعة بنسبة واحدة، ولا يجوز في النسبة الواحدة إلاّ كونها حقيقياً أو مجازياً، وحيث لا يمكن أن يكون الإسناد في «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه» حقيقياً، وأنه لا بد من تقدير الأثر والمؤاخذة يكون الأمر فيما لا يعلمون أيضاً كذلك، ومعه يختص ما لا يعلمون بالشبهة الموضوعية؛ لأنّ استحقاق العقاب والمؤاخذة يكون على الفعل أو الترك لا على التكليف، ولكن لا يخفى أن عنوان التسعة انحلالي ومع الانحلال لا يفرق بين ذكر كل واحد من التسعة بنحو الانحلال أو بنحو الاستقلال.







وذكر النائيني (قدس سره) أنه لا عناية في إرادة الدفع من الرفع، فإن الرفع والدفع بمعنى واحد بناءً على ما هو الصحيح من حاجة الممكن إلى العلة في البقاء كما في حاجته إليها في الحدوث، وأن علة الحدوث بنفسها لا تكفي في البقاء، فإنه بناءً على ذلك يكون الرفع أيضاً لمزاحمة المانع لمقتضى الشيء في الأكوان المتجددة ولا يصح إطلاقه إذا كان انتفاء الشيء بانتفاء مقتضيه كما هو الحال في إطلاق الدفع أيضاً، وبتعبير آخر لا يطلق الدفع إلاّ إذا كان المانع مزاحماً لمقتضي الشيء في تأثيره والحال في الرفع أيضاً كذلك، نعم لو قيل بعدم حاجة الممكن في بقائه إلى علة يكون الرفع مغايراً للدفع، ولكن هذا القول غير صحيح، فإسناد الرفع بمعناه الحقيقي إلى «ما لا يعلمون» بلا عناية.







وأورد المحقق العراقي (قدس سره) بأنه لو كان كلمة (رفع) موضوعاً لانتفاء الشيء من جهة مانعه أي المانع لمقتضيه يكون الأمر كما ذكره، حيث يكون لفظ الدفع والرفع مترادفين، وأما إذا فرض أنه موضوع لانتفاء الشيء من جهة المانع لمقتضيه مع سبق وجوده فتصحيح صدق الرفع على الدفع بتدريجية إفاضة الفيض على الشيء يكون من إثبات اللغة بالعرفان.







أقول: المتبادر من الرفع قطع استمرار الشيء ومن الدفع المنع عن الحدوث فلابد من أن يكون في استعمال الرفع في مورد الدفع من عناية، وكأنه قطع الاستمرار، غاية الأمر بناءً على عدم حاجة الممكن في بقائه إلى علة يكون قطع استمرار وجود الشيء بإيجاد القالع والمزيل لوجوده، وبناءً على حاجته إلى العلة في بقائه ـ كما هو الصحيح ـ يكون بإيجاد المانع عن المقتضى لوجوده في الزمان اللاحق، ولكن هذا في غير الاعتباريات، فإن ثبوت الأمر الاعتباري بجعله واعتباره سعةً وضيقاً، كما أن عدم المنشأ يكون بعدم جعله واعتباره، سواء قيل في الممكن بحاجته في بقائه إلى العلة أو قيل باستغنائه عنها، فيكون المراد من رفع الحكم في الحقيقة بنسخه، والإزالة بمعنى إلغاء الاعتبار، وهذا لا يتحقق في الأحكام الشرعية حقيقة والمتصور في الأحكام الشرعية عدم جعل الحكم وسيعاً من الأول بالإضافة إلى الزمان الثاني، أو الحالة الطارئة، وهذا بالاضافة إلى الأحكام الشرعية في مقام الجعل، وأما بحسب مقام الفعلية يكون ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه وبقائه ببقاء موضوعه، وعلى كل تقدير فلابد من لحاظ العناية في التسعة المرفوعة الواردة في الحديث حيث إنها لم تكن مجعولة على الاُمة حتى ترفع، كما هو الحال في قوله (عليه السلام): رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق(12)، وكأن استعمال الرفع عن الاُمة بلحاظ ثبوتها في الاُمم السابقة في الجملة كما أن الرفع عن الصبي بلحاظ ثبوته في حق البالغين من العاقلين.















(1). سورة الإسراء: الآية 15.







(2). سورة التوبة: الآية 115.







(3). سورة آل عمران: الآية 179.







(4). سورة الأنفال: الآية 33.







(5). سورة الكهف: الآية 51.







(6). سورة الأنفال: الآية 33.







(7). سورة الطلاق: الآية 7.







(8). الكافي 1:163، الحديث 5.







(9). الخصال: 417 ـ باب التسعة، الحديث 9.







(10). وسائل الشيعة 17:87، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.







(11). مستدرك الوسائل 2:538.







(12). وسائل الشيعة 1:45، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.































ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية في «ما لا يعلمون»[1].







ثم لا يذهب عليك أن المرفوع فيما اضطر إليه وغيره، مما أخذ بعنوانه الثانوي إنما هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي[2].







ومنها: حديث الحجب وقد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا في حديث الرفع[3].







ومنها: قوله (عليه السلام) كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه[4].







ومنها قوله (صلّى الله عليه وآله): الناس في سعة ما لا يعلمون[5].







ومنها: قوله (عليه السلام) كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي[6].















مفاد حديث الرفع في ما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه















[1] قد تحصل مما تقدم أن الرفع في «ما لا يعلمون» يعم الشبهة الموضوعية والحكمية، حيث إن الحكم الجزئي في الأول والكلّي في الثاني لا يعلم، ويكون رفعه ظاهرياً بمعنى عدم وضعه الظاهري بإيجاب الاحتياط في الواقعة بخلاف الرفع في سائر الفقرات، فإن الرفع فيها واقعي بمعنى عدم جعل التكليف والوضع بالإضافة إلى «ما اضطروا إليه، وما استكرهوا عليه»، وهكذا ومن الظاهر أن الاضطرار والإكراه يطرآن على الفعل أو الترك وإذا كان المكلف مضطراً إلى عمل محرم لولا الاضطرار إليه أو مكرهاً عليه فترتفع حرمته، وبتعبير آخر في الموارد التي يكون الفعل متعلق التكليف لولا الاضطرار والإكراه لا يكون مع طريانهما متعلقاً له، وكذا الحال فيما إذا كان الفعل موضوعاً لحكم يكون في ثبوته له ثقل فلا يترتب ذلك الحكم على ارتكابه إذا كان ارتكابه للاضطرار أو الإكراه سواء كان ذلك الفعل فعلا خارجياً كشرب الخمر الموضوع لجريان الحدّ والكفارة الموضوع لوجوبهما الإفطار، أو كان فعلا اعتبارياً كإكراهه على بيع داره أو طلاق زوجته، نعم حيث كان الرفع للامتنان فلا يشمل مثل بيع داره للاضطرار إلى ثمنها.







هذا كله بالإضافة إلى الفعل المتعلق به التكليف أو الفعل الموضوع لحكم تكليفي أو وضعي فإن تعلق الإكراه أو الاضطرار بهما ظاهر، وأما إذا اُكره على ترك فعل تعلق التكليف بإيجاده أو كان تركه موضوعاً لحكم آخر ففي شمول «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه» إشكال، كما إذا اُكره المكلف على ترك صلاته في وقتها ووجه الإشكال أن ترك الصلاة في وقتها غير متعلق للحرمة، ليقال ترتفع الحرمة عنه مع الإكراه عليه، فإن الوجوب تعلق بإيجادها والواقع عليه الإكراه تركها، نعم لو قيل بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فيمكن دعوى أن مقتضى رفع الإكراه ارتفاع الحرمة عن تركها، ورفع الحرمة عن تركها يكون برفع الوجوب عن فعلها، ولكن من ينكر النهي عن الترك ويلتزم بأن المرفوع هو الحكم عما طرأ عليه الإكراه والاضطرار يشكل عليه التمسك بالحديث.







بل عن المحقق النائيني (قدس سره) أن حديث الرفع لا يعم ما إذا كان ترك فعل موضوعاً لتكليف أو حكم وضعي، كما إذا نذر شرب ماء دجلة فاُكره على تركه أو اضطر إلى تركه أو نسى شربه، فإنه لو لم يكن في خطاب حنث النذر وترتب الكفارة ظهور في أنها تترتب على التعمد والالتفات إلى الحنث، لقلنا بترتب الكفارة على ترك شربه ولو كان عن إكراه أو اضطرار أو نسيان، وذلك فإن شأن الرفع تنزيل الموجود معدوماً لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود، فإن تنزيل المعدوم موجوداً وضع لا رفع، والمفروض أنه لم يصدر عن المكلف فعل وإذا لم يمكن أن يكون عدم الشرب مرفوعاً بجعله كالشرب فلا مجال لدعوى عدم تحقق عنوان الحنث لينتفي وجوب الكفارة، ولكن لا يخفى ما فيه فإن جريان رفع الإكراه والاضطرار في الموارد التي يكون ترك الفعل موضوعاً لحكم تكليفي أو وضعي مما لا ينبغي التأمل فيه، فإن عنوان الفعل لم يذكر في الحديث ليدعي انصرافه إلى الارتكاب، بل المذكور فيه عنوان ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه ويتعلق كل منهما على ترك فعل كما يتعلق على ارتكابه، ومعنى رفع ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه ليس بمعنى تنزيل الفعل منزلة عدمه ونقيضه، بل رفعه في مقام التشريع عدم جعل الأثر المجعول له لولا الإكراه أو الاضطرار وحنث النذر ومخالفته الموضوع لوجوب الكفارة ينطبق على ترك المنذور واختيار نقيضه سواء كان المنذور فعلا أو تركاً، وأما بالإضافة إلى موارد إيجاب الفعل وطريان الاضطرار أو الإكراه على تركه فلا ينبغي التأمل أيضاً في جريان رفع ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه فيه، كما إذا اُكره على ترك صلاته في وقتها فإن الرفع والوضع كما يتعلق بمقام التشريع وجعل الحكم كذلك يتعلق بمقام امتثاله حيث إن الامتثال أيضاً قابل للرفع والوضع كما في موارد حكومة لا تعاد وقاعدة الفراغ والشك في الإتيان بفريضة الوقت قبل خروجه إلى غير ذلك، وأورد العراقي (قدس سره)على ما ذكره النائيني في عدم شمول مااستكرهوا عليه وما اضطروا إليه لموارد الاضطرار إلى ترك الواجب أو الإكراه عليه، فإنَّ الرفع تنزيل الموجود معدوماً لا تنزيل المعدوم موجوداً، فإنه وضع بأنا نفرض أن المكلف قد علم بتعلق نذره بشرب أحد المايعين ولا يدري تعيينه، واُكره أو اضطر إلى ترك شرب أحدهما معيناً أو غير معين، فلابد من التزامه بوجوب الوفاء بالنذر وإحراز موافقته القطعية بشربهما مع أنه لا يمكن الالتزام إلاّ بالتكليف التوسطي، أي لزوم الموافقة الاحتمالية وليس هذا إلاّ من جهة رفع الإضطرار.







أقول: لا يخفى ما في الإيراد فإنه لو أغمض عما ذكر والتزم بأن حديث رفع الاضطرار لا يشمل ترك الواجب لا يجب في المثال شربهما، فإنه إذا كان الاضطرار إلى ترك شرب المعين وكان النذر متعلقاً بشربه يرتفع وجوب شربه بقاعدة نفي الضرر ونفي الحرج الشامل لوجوب الوفاء بالنذر، وإن تعلق الاضطرار بترك شرب أحدهما لا بعينه فأيضاً كذلك، فإن الضرر المتوعد به في الإكراه أو المتوجه إليه في صورة الاضطرار مما يجب التحفظ عنه، فالعلم الإجمالي بوجوب شرب أحدهما لا يجب موافقته القطعية لما ذكر في محله من كون لزوم الموافقة القطعية لحكم العقل بتحصيل الأمن من احتمال مخالفة التكليف الواصل، والعقل لا يحكم بلزوم الموافقة القطعية الموجبة للمخالفة القطعية لتكليف آخر، فيتعين في الفرض لزوم المخالفة الاحتمالية، وعلى الجملة مفاد الحديث رفع تكليف يضطر المكلف إلى ترك امتثاله أو يكره عليه، ولكن الحديث لا يثبت التكليف بغير ما يضطر إليه، حيث إن شأن رفع الاضطرار أو الإكراه الرفع لا إثبات غيره، فإذا اضطر المكلف إلى ترك جزء أو شرط من متعلق التكليف في تمام الوقت المضروب شرعاً لذلك الواجب يكون رفع الجزء أو الشرط بعدم التكليف بالفعل المشتمل لذلك الجزء أو المقيد بذلك الشرط، ولكن لا يثبت التكليف بالخالي عنه، وكذا الحال إذا كان الفعل الخاص موضوعاً لحكم تكليفي أو وضعي واضطر المكلف إلى ترك ذلك الفعل الخاص فلا دلالة في الحديث على ترتب ذلك التكليف أو الوضع على ترتبهما على الفعل بلا تلك الخصوصية كما اعتبر الشارع القضاء من المجتهد نافذاً في حق المترافعين، فلا يدل حديث رفع الاضطرار على نفوذه من مطلق العالم وإن لم يكن مجتهداً، وهكذا حيث إن مقتضى حديث رفع ما اضطروا إليه أو ما إستكرهوا عليه هو رفع الأثر المترتب على الفعل لولا الإكراه والاضطرار عند طريانهما، لا إثباته لفعل آخر بل لا يرتفع ذلك الأثر عن ذلك الفعل في الموارد التي يكون عدم ترتبه على الفعل عند الاضطرار على خلاف الامتنان، كبيع المضطر داره لحاجته إلى ثمنها، كما أنه لو قام في مورد دليل على ثبوت التكليف بالفعل الخالي عن الشرط أو الجزء كما في الاضطرار إلى ترك بعض ما يعتبر في الصلاة يؤخذ به، وليس هذا راجعاً إلى استفادته من رفع الاضطرار، كما أنه إذا قام الدليل على ترتب الأثر على الفعل الخالي عن الخصوصية كترتب النفوذ على قضاء قاضي التحكيم يؤخذ به، لا يقال: ما الفرق بين رفع ما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه وبين رفع ما لا يعلمون، فإنهم ذكروا مع تردد الواجب الارتباطي بين الأقلّ والأكثر تجري البراءة في ناحية جزئية المشكوك أو شرطيته، فيكتفى في امتثال الواجب بالأقل، مع أن رفع الجزئية والشرطية تكون برفع التكليف النفسي المتعلق بالأكثر ولا علم بتعلقه بالأقل بنحو اللابشرط، فإنه يقال: الرفع في موارد الاضطرار والإكراه والنسيان أي نسيان الجزء أو الشرط في جميع الوقت واقعي ولا يكون في البين مثبت للتكليف بالإضافة إلى الباقي في حديث الرفع، وهذا بخلاف دوران المأمور به بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين، فإن الرفع عند عدم العلم بالإضافة إلى الأكثر رفع ظاهري فيختص الرفع بالإضافة إلى ترك المأمور به من ناحية ترك الجزء المشكوك أو الشرط المشكوك، فإن ثبوت التكليف بالإضافة إلى الأقل معلوم فإن الأمر به نفسياً أو ضمنياً معلوم وكذا ترتب العقاب في تركه محرز فلا يجري فيه قبح العقاب بلا بيان أو «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون»، بخلاف ترك المشكوك فإن تعلق التكليف به ولو ضمنياً أو ترتب العقاب في تركه غير محرز، وبتعبير آخر التكليف الموجود في البين قابل للتبعّض في التنجيز، أضف إلى ذلك أن رفع التكليف بالأقل ولو بنحو اللابشرط خلاف التوسعة فلا مجرى فيه لأصالة البراءة كما هو الحال في دوران الأمر الواجب بين المطلق والمقيد، حيث إنّ تعلق التكليف بالجامع بين المطلق والمقيد محرز وجريان البراءة في ناحية تعلق الوجوب بالمطلق ممنوع لكون رفعه الظاهري على خلاف الامتنان مع فرض العلم بالتكليف بالجامع بخلاف جريانها في ناحية المشروط والمقيد.















عدم جريان أصالة البراءة عند الشك في شرطية شيء للمعاملة أو قيديته لها







لا يقال: كما أن لحديث الرفع حكومة ـ بفقرة «ما لا يعلمون وما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه»، ـ ظاهرية أو واقعية بالإضافة إلى قيود متعلق التكليف، فليكن كذلك بالإضافة إلى القيود المعتبرة في صحة المعاملات فيرجع في القيد المشكوك اعتباره في المعاملة إلى أصالة البراءة أو في ترك القيود المعتبرة للاضطرار أو الإكراه برفع الاضطرار والإكراه، فإنه يقال معنى كون شيء قيداً للمعاملة تعلق الامضاء بأفرادها الواجدة لذلك القيد، فالأفراد الخالية عنه لم يتعلق بها الامضاء وليس في الافراد الخالية أثر ليقال برفعه يرفع الإكراه والاضطرار، وبتعبير آخر الإمضاء يتعلق بنحو الانحلال بانحلال المعاملة، فما وجد منها واجداً للقيد تعلق بها الإمضاء، والأصل عدم تعلق الإمضاء بغير الواجد فلابد في إثبات الإمضاء حتى بالإضافة إلى الفاقد من إطلاق أو عموم في دليل اعتبار تلك المعاملة أو قيام دليل خاص على إمضاء الفاقد أيضاً، هذا بالإضافة إلى فقرة ما لا يعلمون، وأما بالإضافة إلى صورة الإكراه أو الاضطرار أو النسيان فليس في الفاقد أثر حتى ينفى ذلك الأثر برفع الإكراه أو الاضطرار وثبوت الإمضاء ليس رفعاً، بل من إثبات الأثر الذي لايدخل في مدلول حديث الرفع، وبالجملة الشرطية والقيدية للمعاملة ينتزع من عدم انحلال الإمضاء بالإضافة إلى الأفراد الفاقدة وعدمهما ينتزعان من الانحلال، والأصل العملي مقتضاه عدم الانحلال في مقام الثبوت حتى بالإضافة إلى فقرة «ما لا يعلمون».







تذييل ـ الظاهر اختصاص الرفع في «ما لا يعلمون» برفع الحكم الإلزامي المحتمل فعلاً أو تركاً، وأما إذا علم بعدم الإلزام ودار أمر الفعل بين الإستحباب وعدمه فلا مجرى لحديث الرفع، حيث لا ثقل في استحباب الفعل كما لا مجرى للبراءة العقلية، حيث إن عدم العقاب فعلا أو تركاً معلوم، وقد يقال: إن عدم جريان مثل حديث الرفع إنما هو في احتمال الاستحباب النفسي للفعل، وأما الاستحباب الضمني كما إذا شك في أن المستحب هو الأقل أو الأكثر أو المطلق والمشروط فيمكن نفي دخالة المشكوك في المطلوب بحديث الرفع حيث لولا الرفع لما أمكن الإتيان بالأقل بداعوية الأمر المتعلق به أو بالأكثر، بل لابد في إحراز امتثال الأمر المعلوم من الإتيان بالأكثر حيث إن الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلقه أو في ضمن دعوته إلى تمام متعلقه، بخلاف ما إذا جرت البراءة عن تعلقه بالأكثر حيث يثبت أن المتعلق في الظاهر هو الأقل.







لا يقال: تبعّض الوجوب في التنجز على تقدير تعلقه بالأكثر أمر معقول، ولذا أمكن جريان البراءة عن وجوب الجزء الزائد، حيث يثبت بضم المعلوم بالاجمال تنجز الوجوب حتى على تقدير تعلقه بالأكثر في ناحية الأقل، بخلاف الاستحباب المتعلق بالأقل أو الأكثر فإن استحباب الاحتياط بالإتيان بالأكثر غير مرفوع للعلم بحسن الاحتياط ورجحانه والاكتفاء بالأقل لاحتمال كونه المستحب النفسي لا يحتاج إلى أصالة البراءة، كما أن الإتيان بالأقل بداع الأمر به مهملا لا يحتاج إليها وتعلقه به بنحو اللابشرط لا يثبت بالبراءة، فإنه يقال: معنى البراءة عن جزئية المشكوك أو قيديته، الحكم بتبعض الامتثال على تقدير تعلق الأمر بالأكثر بمعنى اكتفاء الشارع بالأقل مادام الجهل ولو على تقدير تعلق الأمر ثبوتاً بالأكثر.















[2] الظاهر اختصاص الرفع في فقرة «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ والنسيان» بالحكم المترتب على الفعل لولا الإكراه والاضطرار والخطأ والنسيان، فإن مقتضى الحديث كون هذه العناوين رافعة سواءً كان الحكم الثابت للفعل لولاها من الحكم بالعنوان الأولي أو بالعنوان الثانوي، نعم الأثر الثابت للفعل بنفس هذه العناوين لا يرتفع، فإن هذه العناوين موجبة لثبوته فلا يرتفع بها، نعم هذا في غير الحسد والوسوسة في الخلق والطيرة، فإن المراد من الرفع بالإضافة إليها عدم جعل تكليف على المكلف فيها، وعلى ذلك فليس في جعل حكم للفعل بأحد العناوين الرافعة مثل وجوب سجود السهو المترتب على نسيان السجدة، أو وجوب الكفارة في القتل خطأ والدية فيه تخصيص في الحديث.







لا يقال: لا مانع عن كون مدلول الحديث رفع الفعل المكره عليه أو المضطر إليه ونحوهما في مقام التشريع، بأن لم يجعل عند الاضطرار إليه حكم وتكليف سواءً كان الحكم بعنوانه أو بعنوان الاضطرار أو الإكراه عليه، وكذا الحال في الخطأ والنسيان، وعلى هذا تكون الموارد التي ثبت فيها تكليف عند الاضطرار إلى فعل أو الإكراه عليه والخطأ والنسيان تخصيصاً في الحديث.







أقول: الجمع بين اللحاظين لو لم نقل بامتناعه فلا ينبغي التأمل في أنه خلاف الظاهر، وذلك فإن الموارد التي يكون الاضطرار أو الإكراه رافعاً لما تعلق بالفعل من التكليف به والحكم عليه لولا الاضطرار أو الإكراه، يلاحظ ذلك التكليف في مقام الجعل، ويقيد التعلق بالفعل أو الحكم عليه بعدم طرو عنوان الإكراه والاضطرار، حيث إن التكليف لا يرتفع عن متعلقه أو موضوعه عند طريان عنوان إلاّ بأخذ عدم طريانه عليهما عند الجعل، ومعنى رفعهما بلحاظ الأثر لنفسهما أنه لم يلاحظ في مقام التشريع حصولهما في الخارج، بأن يجعل الحكم لحصولهما أو التكليف بإيجادهما نظير رفع الحسد والوسوسة والطيرة والجمع بين لحاظ عدم طروهما وعدم لحاظ حصولهما في مقام التشريع بالإضافة إلى الفعل الواحد غير ممكن، وعلى تقدير التنزل والإغماض فلا أقل من أن الجمع يحتاج إلى قرينة، وبما أن الحديث قد طبق على نفي الحكم الثابت للفعل بطريان الإكراه عليه، فيعلم كون الرفع المشار إليه بالإضافة إلى الأحكام والتكاليف الثابتة للأفعال وأنها ترتفع عنها بطريان تلك العناوين في الموارد التي يكون في الارتفاع امتنان.















[3] من الأخبار التي استدل بها على البراءة في الشبهات الحكمية ما رواه الكليني عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(1) ووجه الاستدلال كون التكليف والإلزام والحكم الوضعي الموضوع لهما محجوباً علمه عن العباد فرع ثبوته واقعاً، وحيث إن العلم بحكم لا يمكن أن يكون مأخوذاً في ثبوت ذلك الحكم فيكون رفعه عند حجب علمه رفعاً ظاهرياً، بمعنى عدم وجوب الاحتياط فيه، وأن العباد لا يؤخذون بالمحجوب من التكليف والحكم، ولا يجري في الحديث ما جرى في حديث الرفع من كون «رفع ما لا يعلمون» ناظراً إلى الشبهات الموضوعية، فإن الوارد في الحديث من الموصول بملاحظة صلته لا يعم الشبهات الموضوعية.







نعم، قد يناقش في الاستدلال بها على البراءة في الشبهات الحكمية بأنه ناظر إلى الأحكام التي لم يبيّنها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) للناس وأوكل بيانها إلى وصيَّه الأخير عليه آلاف التحية والسلام، وتلك التكاليف والأحكام غير واردة في بحث البراءة في الشبهات الحكمية، فإن الكلام فيها في المشتبهات الحكمية التي بيّنها الشارع وقد خفيت بعضها عنا بفعل الظالمين والطوارئ الخارجية.







وكون علم تلك التكاليف محجوباً عن العباد غير مستند إلى اللّه سبحانه، وإنما يصح الإسناد إليه في خصوص ما أشرنا إليه من التكاليف والأحكام وكأن الماتن (قدس سره) قد سلّم بالإشكال حيث لم يذكر جواباً عن ذلك.







ولكن الصحيح المناقشة غير صحيحة فإنه كما يصح إسناد الحجب إلى اللّه سبحانه لعدم تعلق مشيئته لوصول الحكم إلى العباد في القسم المشار إليه، كذلك الحال في القسم الثاني أيضاً، حيث لو كانت مشيئته بوصولها إلى العباد لأمر الوصي الأخير سلام اللّه عليه بالظهور وإبلاغها لنا، ولعله لذلك لم يناقش صاحب الوسائل في دلالته على البراءة ولكنه خصّها بالشبهات الوجوبية بدعوى أنه قد ثبت الأمر بالتوقف وترك الاقتحام في الشبهات التحريمية بالأخبار الواردة في تثليث الاُمور وغيرها، وقال: لو وجب الاحتياط في الشبهات الوجوبية أيضاً لزم التكليف بما لا يطاق، إذ كثير من الأفعال أمرها دائر بين الوجوب والحرمة، ولذا لا يجب الاحتياط في الشبهة الوجوبية إلاّ إذا علم التكليف في خصوص الواقعة إجمالا كالقصر والتمام والجمعة والظهر وجزاء واحد للصيد الواحد أو جزاءين على شخصين(2)، أقول: لا يخفى ما في كلامه من التعليل لعدم جريان البراءة في الشبهات التحريمية ووجه رفع اليد عن إطلاق الحديث فيها والأخذ به في الشبهات الوجوبية، ويأتي التعرض لذلك في أدلة القائلين بوجوب الاحتياط.







وربما يقال: بأن الحديث كحديث الرفع يعم الشبهات الموضوعية أيضاً، حيث إن اللّه لو تعلّقت مشيئته بعدم كون علمها محجوباً لأوجد مقدمات العلم بها فمع عدم إيجاد مقدماته يصح إسناد الحجب إلى اللّه سبحانه. وفيه، أن الحديث لا تعم الشبهة الموضوعية فإنه لو تمكن المكلف فيها من العلم بحال الموضوع لا يكون العلم بها محجوباً من قبل اللّه سبحانه، فالحجب مستند فيها إلى نفس المكلف، بل لا يعمّها بعد الفحص وعدم العلم بها أيضاً، فإن ظاهر الحديث أن حجب اللّه علم الشيء هو الموجب لرفعه عنهم، والأمر في الشبهة الموضوعية ليس كذلك، فإن الموجب للرفع فيها نفس الحجب لا حجب اللّه سبحانه.







ثم إن الحديث مروي في الكافي في باب حجج اللّه على خلقه بالسند السابق: «ما حجب اللّه عن العباد فهو موضوع عنهم»(3)، والظاهر عدم الفرق في المفاد حيث إن ظاهر حجب اللّه الشيء عدم إعطاء طريق العلم به لهم، سواء كان ذلك من قبيل التكليف المتعلق بالأفعال أو من الاعتقاديات على تقدير العلم بها كما لا يخفى.















[4] وقد يستدل على البراءة في الشبهات الحكمية بروايات الحل، وترك الماتن الاستدلال بها غير ماورد فيما رواه الكليني (قدس سره) عن على بن ابراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) حيث ورد في صدره: «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه»(4)، ووجه الاستدلال ما أشار إليه في المتن من دلالته على حلية ما لم يعلم حرمته، سواءً كان ذلك في الشبهة الموضوعية أو الحكمية، بأن يكون عدم العلم بحرمته لعدم تمام الدليل عليه، وكان ذكر ما يجري في الشبهة الموضوعية بعده لا يوجب اختصاص الصدر بها، نعم الحديث لا يعم الشبهات الوجوبية إلاّ أن ذلك غير مهم، فإنه إذا ثبت اعتبار أصالة البراءة في الشبهة الحكمية التحريمية يلتزم بها في الشبهة الوجوبية أيضاً لعدم احتمال الفرق، بل يمكن أن يقال: بعمومه للشبهة الوجوبية أيضاً لدوران أمر الترك فيها بين الحلال والحرام بناءً على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام.







وقد ترك الشيخ الأنصاري (قدس سره) الاستدلال بهذا الحديث، وذكر صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه (عليه السلام)(5) ونحوها رواية معاوية بن عمار: «كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه»(6) ورواية عبداللّه بن سنان عن عبداللّه بن سليمان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن الجبن [إلى أن قال]: ساُخبرك عن الجبن وغيره: كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(7) والظاهر أن إعراض الماتن عن الاستدلال بهذه الروايات وجود القرينة فيها على اختصاصها بالشبهة الموضوعية، والقرينة تقسيم الشيء وفرض الحلال والحرام منه والحكم بحلية ما يشك من أنه من قسمه الحلال أو من الحرام حتى يعلم أنه من قسمه الحرام، وهذا يجري في الشبهة الموضوعية، حيث يكون العلم بوجود القسم الحرام منه خارجاً كقسمه الحلال، منشأً للشك في الفرد المشكوك منه كما إذا لم يعلم أن هذا العصير من قسمه المغلي الذي لم يذهب ثلثاه أو أنه من قسمه الحلال الذي ذهب ثلثاه، أو أن هذا اللحم من قسم المذكى أو من قسم غير المذكى إلى غير ذلك، وهذا بخلاف الشبهة الحكمية فإن الشك فيها في حرمة شيء أو حليته لتردد أمره بأن يجعل الشارع الحرمة فيه أو الحلية، ومنشأ الشك فيه فقد النص فيه أو إجماله أو تعارضه على ما تقدم، وعلى ذلك فروايات الحل التي ورد فيها فرض الحلال والحرام في الشيء تكون مختصة بالشبهة الموضوعية، ولا يمكن الاستدلال بها على البراءة في الشبهات الحكمية التي هي مورد الكلام في المقام.







ودعوى أنه يمكن تحقق القسمة الفعلية في الشبهة الحكمية أيضاً كاللحم المذكى فإن قسماً منه حلال كما إذا كان من لحم الغنم ونحوه، وقسماً منه حرام كلحم الذئب ويشك في المذكى من لحم الأرنب أنه حلال أو حرام لا يمكن المساعدة عليها؛ لما ذكر من أن منشأ الشك في لحم الأرنب فقد النص أو إجماله أو تعارضه، لا وجود قسمي الحلال والحرام من المذكى خارجاً، وذكر المحقق النائيني (قدس سره) في توجيه الاستدلال على البراءة بمثل صحيحة عبداللّه بن سنان أن الشيئية تساوي الوجود الخارجي والوجود الخارجي غير قابل للقسمة، بأنْ يكون لوجود واحد قسمان، فيكون المراد من قولهم فيه حلال وحرام احتمال كونه حلالا أو حراماً، وهذا كما ينطبق على الشبهات الموضوعية كذلك يجري في الشبهات الحكمية أيضاً.







وفيه أن عنوان الشيء ينطبق على الطبيعي، والمراد أن الطبيعي الذي فيه قسم الحلال وقسم الحرام، فتناول ذلك الطبيعي حلال إلى أن يعلم أنه من قسمه الحرام، وتحقق القسمين في الطبيعي وكونه منشأً للشك يختص بالشبهات الموضوعية كما تقدم، ولو كان المراد الشيء الخارجي فظهور تحقق القسمين قرينة على رجوع الضمير فيه إلى نوعه بطريق الاستخدام المفروض فيه تحقق الحلال والحرام، ثم إن تحقق القسمين من الطبيعي في الخارج وكونه منشأً للشك فيما يريد المكلف تناوله لا يلازم تنجيز العلم الإجمالي؛ لإمكان كون المعلوم بالإجمال من الشبهة غير المحصورة أو المحصورة التي لا تدخل جميع الأطراف في مقدور المكلف، واحتمال كون القسم الحرام مما هو خارج عن ابتلائه وتمكنه أو جريان الطريق الدال على الحلية في ناحية الداخل في الابتلاء، وما ورد في هذه الروايات من تقييد العلم بالحرام بعينه لا ينافي تنجيز العلم الإجمالى إذا تحقق في أطرافه شرايط التنجيز، فإن الترخيص في أطراف العلم الإجمالي بالحرمة بحيث يوجب الترخيص في المخالفة القطعية غير ممكن، وتقييد الحكم بالحلية إلى معرفة العلم بحرمة نفس المشكوك باعتبار العلم الإجمالي غير المنجز كقوله (عليه السلام): «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين، إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله»(8) ثم بعد ظهور كلمة (بعينه) في كونه تقييداً، وأن العلم الإجمالي بوجود الحرام خارجاً لا يوجب الاجتناب عن المشكوك فلا موجب لحملها على التأكيد كما صنع الشيخ (قدس سره) بدعوى أنه إذا علم حرمة شيء يعلم حرمة نفسه، فإن الحمل على التأكيد في الروايات المتعددة خلاف الظاهر، وعلى ذلك ذكر كلمة (بعينه) قرينة اُخرى على إختصاصها بالشبهات الموضوعية، وأن هذا العلم الإجمالي غير المنجز يكون منشأً للشك في المشكوك، حيث إن هذا العلم الإجمالي وكونه منشأً للشك لا يجري في الشبهات الحكمية، ومن ذلك يظهر الحال في رواية مسعدة بن صدقة(9) وكون قيد (بعينه) في صدرها قرينة على أن الكبرى الواردة فيها مختصة بالشبهات الموضوعية، وقد يذكر أن في الموثقة قرينتين اُخريين على اختصاصها بالشبهة الموضوعية، إحداهما: ذكر الأمثلة الواردة فيها فكلها من قبيل الشبهة الموضوعية، وثانيتهما: ما ورد فيها من «أن الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة فإن قيام البينة التي اُخذ فيها إحدى الغايتين للحلية لا يكون إلاّ في الموضوعات، ولعله لذلك ترك الشيخ (قدس سره) الاستدلال بها، وربما يقال ذكر قيام البينة إنما يكون قرينة على الاختصاص إذا اُريد منها شهادة العدلين، وأما إذا اُريد منها المبيّن والموضح كما هو معناها اللغوي فلا تكون قرينة عليه، فإن خبر الواحد المعتبر في الأحكام بيّنة على قول الإمام (عليه السلام)وحكم شرعي ثابت في الشريعة بنحو القضية الحقيقية، أقول: يكفي في عدم دلالة الرواية على الشبهات الحكمية ذكر قيام البينة، فإن البينة لو لم تكن في زمان الصادق (عليه السلام) بل قبله ظاهراً في خصوص شهادة العدلين فلا أقل من اكتناف الحديث بما يصلح للقرينية، فلا ينعقد له ظهور في عمومه للشبهات الحكمية، بأنْ يكون المراد منها الأشياء كلها على الحلية حتى تفحص عن حرمتها وتستكشفها أنت أو يقوم مبين ودليل على حرمتها من الخارج، بل ثبوت قاعدة الحلية بهذا الحديث مع ما ذكرنا من ضعف سنده لا يخلو عن تأمل، فإن المراد بقاعدتها أن يحكم بحلية المشكوك في كونه حراماً بما هو مشكوك والأمثلة الواردة فيها ليست كذلك، فإن الحلية فيها مستندة إلى قاعدة اليد أو استصحاب عدم الرضاع والنسب ولا ترتبط الحلية بقاعدة اليد أو الاستصحاب بقاعدتها إلاّ أن يكون المراد التنظير، بأن يكون المراد كما أن الحلية في هذه الأمثلة مغياة باستبانة خلافها أو بقيام البينة على خلافها، كذلك الحلية المحكوم بها على كل شيء مشكوك في الحلية والحرمة.















[5] من الأخبار التي يستدل بها على البراءة في الشبهة الحكمية ما رواه في المستدرك عن كتاب غوالي اللآلي مرسلا عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال «الناس في سعة ما لم يعلموا»(10) ووجه الاستدلال دلالة الحديث على كون المكلفين على سعة من تكليف لا يعلمونه بلا فرق بين كونه حرمة فعل أو وجوب فعل فهم مرخصون في ارتكاب الأول وترك الثاني ما لم يعلموا، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها في الشبهات الحكمية بتقييد بجهلهم بعد الفحص وعدم علمهم به، والحديث ينفي وجوب الاحتياط فإنه لو كان الاحتياط واجباً لما كانوا في سعة أصلا، وظاهر الماتن (قدس سره) عدم الفرق في دلالته على ذلك بين كون (ما) موصولة أو مصدرية زمانية، ولكن الظاهر الفرق بين الموصولة والمصدرية، وأن الموصول مع صلته ينطبق على الإلزام الواقعي على تقديره ويحكم بأن المكلف على سعة منه فلا يجب عليه رعايته بالإحتياط فيه، وأما لو كانت (ما) مصدرية لكانت أدلة الاحتياط واردة على الحديث في الإلزام المشتبه الواقعي، فإن مفاده على المصدرية الزمانية هو كون الناس على سعة زمان عدم علمهم، ومع إيجاب الاحتياط وقيام الدليل عليه يعلم الوظيفة زمان الجهل فلا سعة، وبتعبير آخر لو كانت (ما) موصولة فظاهره رجوع ضمير المفعول في صلته إلى نفس الموصول فيكون مفاده الناس في سعة من التكليف الذي لا يعلمونه، فهذا ينافي إيجاب الاحتياط فيه، وأما إذا كانت (ما) مصدرية زمانية فالمرجع للضمير المفعول غير مذكور، والمتيقن لولا الظهور رجوعه إلى الوظيفة زمان الجهل، ومع إيجاب الاحتياط وقيام الدليل عليه لا يفرض زمان للجهل في الشبهة الحكمية بالوظيفة، وبما أن (ما) في الحديث مردّدة ما بين الموصولة والمصدرية فمع الإغماض عن ضعفه سنداً لا يمكن الاستدلال بها على البراءة، بحيث تعارض ما دلّ على لزوم التوقف والاحتياط أو يوجب حمل الأمر بهما على الاستحباب، وقد يقال: إن مقتضى الاستقراء في مورد استعمال (ما) أنها تكون موصولة عند دخولها على المضارع بخلاف الداخلة على الفعل الماضي، أو ما يكون بمعناه فإنه يحتمل كونها مصدرية والاستقراء لا يقضي بكون الاستعمال على خلاف ذلك غلطاً، إلاّ أن مقتضاه أن الاستعمال في خلاف ذلك محتاج إلى القرينة، وبما أن (ما) في الحديث داخلة على المضارع فيصح الاستدلال بها على البراءة، ولكن ما ذكر مبني على ثبوت الحديث متناً كما في المتن، ولكنه في المستدرك: «الناس في سعة ما لم يعلموا» فالمدخول فعل ماض معنىً و(ما) الداخلة على الماضي تكون موصولة كما في قوله: «الناس أعداء ما جهلوا»(11) و(ليس للإنسان إلاّ ما سعى)(12) وللمرء ما تعلّم إلى غير ذلك، وتكون مصدرية كما في قوله: هم بخير ما صاموا وصلوا، إلى غير ذلك، فالحديث غير تام سنداً ودلالة، نعم ورد في حديث السفرة المطروحة في الفلاة وفيها اللحم أنه يؤكل منها، وقال الراوي إنه للمسلم والكافر فأجاب (عليه السلام): «هم في سعة ما لم يعلموا» ولكنه حكم في مورد خاص من الشبهة الموضوعية ولا يبعد دعوى أن أرض الإسلام أمارة الحلية والتذكية فلا يتعدى إلى غير مورده من الشبهات الموضوعية فضلا عن الشبهة الحكمية.















[6] روى في الفقيه في باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها عن الصادق (عليه السلام)«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»(13)، واستدل به على البراءة في الشبهات التحريمية، وقد أورد على الاستدلال كما في المتن بأن الاستدلال مبنيّ على أنْ يراد من ورود النهي العلم به ووصول بيانه، حيث ان الموضوع للحكم الظاهري ومنه الحلية الجهل بالتكليف الواقعي، وإرادة العلم والوصول إلى المكلف من الورود خلاف الظاهر، حيث إن مفاد الحديث كون الأشياء على الإباحة الواقعية إلى زمان صدور النهي ووروده من قبل الشارع، حيث إن التكاليف الشرعية ومنها حرمة جملة من الأشياء جعلت شيئاً فشيئاً ولم يصدر عن الشارع النهي عن جميع المحرمات دفعة، فقوله (عليه السلام): «كل شيء مطلق» أي مرسل واقعاً حتى يصدر ويرد النهي عنه من الشارح فينتهي أمد الإباحة الواقعية، وظاهر الماتن التسليم بالإيراد وأشار إلى ما يمكن أنْ يقال في وجه التمسك به في الشبهات الحكمية بقوله: نعم، ولكن بضميمة أصالة عدم ورود النهي عن المشكوك يحرز الموضوع لبقاء الحلية فيه وإنْ كان الحكم ببقائها من قبيل الحكم الظاهري فيكون نظير ما حكم الشارع بطهارة الماء القليل إلى أنْ يلاقي النجاسة، فباستصحاب عدم ملاقاته النجاسة يحكم بطهارته، غاية الأمر حيث إن إحراز الموضوع للحكم الواقعي بالأصل يكون الحكم المترتب عليه ظاهرياً، وإذا حكم الشارع بحلية شرب التتن إلى صدور النهي عنه ووروده، فبالإستصحاب في عدم صدور النهي عنه يكون الحكم بالحلية الظاهرية، ولكن هذه الحلية الظاهرية لا بما هو مشكوك حرمته وحليته كما هو مفاد أصالة البراءة وأصالة الحلية، بل بما هو متيقن إباحته سابقاً والشك في بقائها والحكم بالحلية بهذا العنوان لا يغني عن أصالة الحلية المعبر عنها بأصالة البراءة، فإن الاستصحاب لا يجري فيما إذا ورد النهي عن الشيء في زمان وتحليله في زمان آخر، وشك في المتقدم والمتأخر منهما، حيث إنه إما لا يجري الاستصحاب في شيء منهما أو يسقطان بالمعارضة على ماهو المقرر في بحث حدوث الحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما، ودعوى إتمام الحلية فيها بعدم القول بالفصل كما ترى، فإنه إنما يفيد ضميمة عدم القول بالفصل فيما إذا كان المثبت للحكم الظاهري الدليل حيث يتعدى إلى ما لا يحتمل الفرق كالتعدي من الشبهة التحريمية إلى الوجوبية، وأما إذا كان الحكم الظاهري في مورد لحصول الموضوع فيه كحصول الموضوع للحكم الواقعي فلا يتعدى إلى ما لا موضوع له فيه، فإن الفصل لعدم الموضوع لا لاختصاص الحكم والفصل فيه.







أقول: لو كان الحديث منقولا عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأنه قال كذا لكان ما ذكر في الإيراد على الاستدلال بالحديث على البراءة وجيهاً، ولكنه على ما نقل قول الصادق (عليه السلام)وفي زمانه كان جميع المحرمات الواقعية مجعولة وصادرة عن الشارع، فيتعين أن يكون المراد بالإطلاق الحكم الظاهري بالحلية، ومن الورود الوصول إلى المكلف بنحو متعارف فإن الحكم الظاهري يكون موضوعه الجهل بالحكم الواقعي لا محالة، وعليه فهذا الحديث لاختصاصه بالشبهة الحكمية أوضح، ولذا تصدى صاحب الوسائل (قدس سره)لتأويله وتوجيهه ومما ذكرنا من كون الإباحة الواقعية للأشياء إلى صدور النهي عنها خلاف ظاهره مع كون القائل الإمام (عليه السلام) يظهر أن الأمر كذلك لو كان المراد بالإطلاق اللاحرجية العقلية الثابتة لكل فعل قبل تشريع الحرمة والنهي عنه، مع أن اللاحرجية العقلية ليس حكماً شرعياً ليحمل عليه كلام الشارع فما ذكره النائيني (قدس سره)في معنى الحديث من كون الأشياء على اللأحرجية عند سكوت الشارع حتى يثبت تشريع الحرمة، وفرع على ذلك عدم إمكان التمسك به على أصالة البراءة والحلية، فإن الكلام في المقام في حرمة الفعل بعد تشريع المحرمات وإبلاغها للناس لا يمكن المساعدة عليه لما ذكرنا من أن بيان أن الأشياء على اللاحرجية العقلية قبل تحريم الشارع لبعضها، أو كل شيء على تلك الحلية حتى يشرع له الحرمة لا يفيد شيئاً إذا صدر هذا الكلام عن الصادق (عليه السلام)حيث إن المحللات والمحرمات كانتا مشروعتين في الصدر الأول، فإنْ كان بقاء تلك اللاحرجية واقعاً في اعتبار الشارع أيضاً إلى زمان النهي عنه فلا يمكن الإلتزام بذلك، فإن الحرمة الشرعية للمحرمات كانت عند تأسيس الشريعة كالمحللات فيها وكان التدريج في إبلاغها وبيانها للناس، وبالجملة الحلية الشرعية لا تكون مغياة واقعاً ببيان الحرمة كما أن حرمة المحرمات لا تكون مُغياة بشيء من إبلاغها وإنما يكون المغيا بوصول الحرمة الحلية الظاهرية التي يحسن الإعلام بها من الإمام (عليه السلام).















(1). وسائل الشيعة 27:163، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33.







(2). وسائل الشيعة 27:163، ذيل الحديث 33.







(3). الكافي 1:126.







(4). الكافي 5:313، الحديث 40.







(5). وسائل الشيعة 17:87، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.







(6). وسائل الشيعة 25:119، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 7.







(7). المصدر السابق: 117، الحديث الأول.







(8). وسائل الشيعة 25:119، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 5.







(9). وسائل الشيعة 17:89، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.







(10). المستدرك 18:20، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4. عن عوالي اللآلي 1:424، الحديث 109.







(11). شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 18:403.







(12). سورة النجم: الآية 39.







(13). وسائل الشيعة 6:289، الباب 19 من أبواب القنوت، الحديث 3.































وأما الاجماع: فقد نقل على البراءة إلاّ أنه موهون[1].







وأما العقل: فإنه قد استقلّ بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف[2].







وأما ضرر غير العقوبة فهو وإنْ كان محتملا إلاّ أن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلا[3].







واحتجّ للقول بوجوب الاحتياط فيما لم يقم فيه حجة بالأدلة الثلاثة[4].







وأما الأخبار فبما دلّ على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة[5].







مع أن هناك قرائن دالة على أنه للارشاد[6] فيختلف إيجاباً واستحباباً حسب اختلاف ما يرشد إليه.























[1] ويستدل على البراءة في الشبهات الحكمية بالإجماع، ولكنْ لا يخفى ما فيه فإن أصحابنا الأخباريين قد ذهبوا إلى لزوم التوقف والاحتياط في الشبهات التحريمية فليكن المراد إتفاق غيرهم، ومن الظاهر أن ما يمكن أنْ يكون من أدلة الأحكام هو الإجماع التعبدي لا مطلق الاتفاق على حكم مع ظهور مستندهم لذلك الحكم، فإن هذا الاتفاق مدركي يلاحظ المستند فيه، فإنْ تم يكون الاعتماد عليه لا على الاتفاق، وإلاّ يكون المستند مقتضى الدليل والقاعدة، وإذا كان هذا حال الإجماع المحصل فكيف بمنقوله.















[2] وقد يستدل على البراءة بحكم العقل فلا مجال للمناقشة في حكم العقل في قبح العقاب بلا بيان، والكلام في المقام في حكم القاعدة في مقابل قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، وفي مقابل ما ورد في الأخبار من الأمر بالاحتياط والتوقف في الشبهات، وأما الكلام في الجهة الأولى فلا ينبغي التأمل في أنه إذا جرت قاعدة قبح العقاب بلا بيان في مورد لانتفى فيه احتمال الضرر، أي استحقاق العقاب على الارتكاب كما أنه لو ثبت في مورد استحقاق على الارتكاب لا يكون فيه موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبتعبير آخر قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل لا يوجب بحكمها، أي لزوم الدفع، ارتفاع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل حصول الموضوع لقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل يلازم عدم حصول الموضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولذا لو قيل بعدم استقلال العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل فلا يكون في مورد احتمال العقاب المحتمل موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فوجوب دفع الضرر المحتمل لا يكون محققاً للضرر المحتمل الذي يعد من البيان، وعلى ذلك فإن لم يكن في المشتبه بيان بالإضافة إلى التكليف الواقعي على تقديره فمع حكم العقل بقبح العقاب على مخالفته مع الفحص التام عن موارد احتمال الطريق إليه واليأس من الظفر به لا يكون في ارتكابه احتمال الضرر، فحكم العقل بقبح العقاب يرفع في مورده احتمال العقاب، وهذا معنى ورود قاعدة قبح العقاب بلا بيان على قاعدة احتمال الضرر، وقد تقدم أن قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل أي العقاب المحتمل لا يوجب ثبوت احتماله، كما هو الحال في كل قضية حقيقية حيث إنها لا تثبت موضوعها.







ثم إنه قد ذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) أن دعوى أن قاعدة دفع الضرر المحتمل بيان للتكليف المحتمل في الشبهة الحكمية فلا يقبح بعده المؤاخذة على مخالفته على تقديره واقعاً مدفوعة، بأن لزوم دفع الضرر المحتمل على تقديره لا يكون بياناً للتكليف المجهول، بل يكون بياناً لقاعدة كلية ظاهرية وإنْ لم يكنْ في موردها تكليف واقعاً، فلو تمت القاعدة يكون العقاب على مخالفتها وإنْ لم يكنْ تكليف واقعاً في موردها لا على التكليف المحتمل على تقدير وجوده واقعاً، وأورد على ذلك المحقق النائيني (قدس سره) بأنا لم نكنْ نترقب مثل هذه الكلمات عن الشيخ (قدس سره) وذلك فإن لزوم دفع الضرر المحتمل لا يمكن أنْ يكون حكماً مولوياً شرعياً طريقياً؛ لأنّ المفروض أن التكليف المشتبه على تقديره منجز لغرض احتمال العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفعه كما في أطراف العلم الإجمالي والشبهة الحكمية قبل الفحص، كما لا يمكن أنْ يكون مولوياً نفسياً لاستقلال العقل ليس في دفع الضرر المحتمل غير عدم الابتلاء به فيكون لزوم دفعه كحكم الشارع بلزوم الإطاعة ارشادياً محضاً، وعلى ذلك فكيف يكون لزوم دفع الضرر حكماً نفسياً ظاهرياً مع أن الظاهرية لا تجتمع مع النفسية، حيث إن الأحكام الظاهرية على تقدير كونها محرزة يكون العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لو اتفق الواقع، وعلى تقدير كونها غير محرزة يكون العقاب على تركها بشرط أدائها إلى مخالفة التكليف الواقعي، ثم ذكر (قدس سره) في ضمن كلماته أن الوجه في عدم كون قاعدة لزوم الدفع بياناً للتكليف المشتبه أنه لا يرفع الشك والاشتباه فيه بأنْ تكون محرزة له.







أقول: قد تقدم أن الأمر بالاحتياط في شبهة لا يرفع الشك في التكليف الواقعي ومع ذلك يصير بياناً له، فالوجه في عدم البيانية ما ذكرنا، أن القاعدة لا توجب ثبوت احتمال العقاب في التكليف المشتبه، بل المذكور فيها حكم على تقدير ثبوت احتمال العقاب في التكليف المشتبه، وقاعدة قبح العقاب بلا بيان ترفع ثبوت احتماله فيه بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل عليه، نعم ما اُورد على الشيخ (قدس سره)كلام صحيح وأنه لا يمكن لزوم دفع الضرر المحتمل إلاّ ارشادياً حتى من العقل، حيث إن العقل شأنه الإدراك لا الإلزام، فالعقل يرشد إلى تحصيل الأمن من العقاب ولو كان محتملا له لا جازماً به، وأمّا ما ذكره من الفرق بين الأحكام الظاهرية المحرزة وغير المحرزة بأن العقاب في الثاني على مخالفتها بشرط أدائها إلى مخالفة التكليف الواقعي، وفي المحرزة على نفس مخالفة التكليف الواقعي لو اتفق مجرد دعوى، فإن المأخوذ على المكلف في كلا الموردين التكليف الواقعي، كما هو مقتضى تتبع الاحتجاجات العقلائية في الموردين.







فالمتحصل من جميع ما ذكر أن ثبوت احتمال الضرر في مخالفة التكليف الواقعي إنما يكون بوصول ذلك التكليف إلى المكلف بالنحو المتعارف، أو من حيث وظيفته في مراعاته بإيجاب الاحتياط عليه ولو مع احتماله وعدم زوال شكه ومع عدم وصوله بالنحو المتعارف كما هو فرض فحص المجتهد عن مدارك الأحكام وعدم وجدان طريق مثبت له، وعدم ثبوت إيجاب الشارع الاحتياط فيه، ترفع قاعدة قبح العقاب بلا بيان احتمال العقاب في ارتكاب الشبهة التحريمية، واحتماله في الترك في الشبهة الوجوبية، هذا مع عدم تمامية دعوى الأخباريين من الدليل على الأمر الوجوبي بالتوقف في الشبهات التحريمية أو بالاحتياط أيضاً حتى في الشبهات الوجوبية، وإلاّ يثبت في الشبهات الحكمية احتمال العقاب ولا تجري فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان لثبوت البيان فيها، وهذا الدليل العقلي على البراءة في الشبهات الحكمية ينفع في فرض عدم تمامية دعواهم، إما لقيام القرينة على أن الأمر بالاحتياط والتوقف في الشبهات استحبابي، كما ذكرنا في حديث الرفع وحديث الحجب وغيرهما، أو أن الأخبار الواردة في التوقف قاصرة في نفسها عن إثبات وجوب التوقف كما يأتي.















[3] وقد يقرر عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهات التحريمية بدعوى استقلال العقل بالإقدام على ما فيه احتمال الضرر، واحتمال الضرر متحقق في ارتكاب الشبهة الحكمية التحريمية، فيكون حكم العقل بقبح الإقدام بياناً للتحريم المحتمل على تقديره واقعاً فلا يكون العقاب على مخالفته من العقاب بلا بيان.







وفيه أنه لا سبيل للعقل إلى الحكم بقبح الإقدام على ما فيه الضرر القطعي فضلا عن الإقدام على ما فيه احتماله، بل ما يحكم به العقل بقبح الإقدام على ما فيه الضرر بمرتبة يكون ظلماً وتعدياً على النفس كجناية الإنسان على نفسه أو عرضه أو في ماله المؤدي إلى الجناية على أحدهما، ويمكن أنْ يقال حكمه بذلك جار حتى في الاقتحام على ما لا يؤمن فيه هذه المرتبة من الضرر، ومن الظاهر أن الملاك في حرمة المحرمات لا يكون الضرر في غالبها فضلا عن هذا الضرر، فإن اللازم في المحرمات وجود المفسدة فيها، والمفسدة لا تنحصر على الضرر ولا يكون حكم للعقل بقبح الإقدام على ما فيه المفسدة فضلا عن ما فيه احتمالها، والشاهد لذلك إقدام العقلاء على ما لا يؤمن فيه المفسدة بل فيه احتمال الضرر ببعض مراتبه لبعض الدواعي، كيف وقد أذن الشارع في الارتكاب في الشبهة الموضوعية التحريمية ولا يرخص الشارع في ارتكاب القبيح، وما ذكر الشيخ الطوسي (قدس سره) في مسألة أن الأشياء على الحظر أو الإباحة من حكم العقل بقبح الإقدام على ما فيه احتمال المفسدة(1) لا يمكن المساعدة عليه كما أشرنا إليه من شهادة ديدن العقلاء وسيرتهم على خلافه، ثم إنه قد يستدل على البراءة في الشبهات الحكمية باستصحاب البراءة وتقريره من وجهين؛ لأنّ للأحكام المجعولة في الشريعة مرتبتين كما هو الحال في كل حكم مجعول بنحو القضية الفعلية، مرتبة الجعل يعني الإنشاء، ومرتبة الفعلية، ويقال بجريان الاستصحاب في عدم جعل الحرمة بنحو القضية الحقيقية؛ لأنّ جعلها أمر حادث مسبوق بالعدم، ويورد على هذا التقريب بإيرادين، الأول: أن عدم جعل المتيقن سابقاً أمر أزليّ غير منتسب إلى الشارع والمطلوب فعلا إثبات نسبة عدم الجعل إلى الشارع، وهذا غير مسبوق بحالة سابقة محرزة، وفيه أن عدم الفعل في زمان يمكن للفاعل الفعل فيه عين انتساب عدمه إليه، فبقاء عدم جعل الحرمة لشرب التتن عند جعل الشريعة بعينه انتساب عدم جعل حرمته إلى الشارع فيستصحب عدم الجعل إلى آخر جعل أحكام الشريعة.







والإيراد الثاني: أن نفي الجعل بنحو القضية الحقيقية بالاستصحاب لا يثبت عدم حرمة شربه فعلا، فإثبات عدم المرتبة الاُولى بالإضافة إلى إثبات عدم المرتبة الفعلية مثبت، وبتعبير آخر المطلوب وما يترتب عليه الانبعاث والانزجار هو إحراز التكليف الفعلي أو عدمه، والاستصحاب في عدم الجعل بالإضافة إلى عدم الحرمة الفعلية من قبيل الأصل المثبت، ولكن لا يخفى ما فيه أيضاً فإن الحكم الفعلي عين الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية والفعلية وعدمها في الحكم ناش عن الفعلية، والتقدير في ناحية موضوعه؛ فإن الموضوع له في مقام الجعل تقديري وفي مقام الفعلية متحقق، وهذا التحقق وجداني ولذا لا يكون الاستصحاب في عدم نسخ الحكم المجعول في الشريعة مثبتاً بالإضافة إلى تحقق الحكم الفعلي.







لا يقال: كما يجري الاستصحاب في عدم جعل حرمة شربه على المكلفين بنحو القضية الحقيقية، كذلك يجري الاستصحاب في ناحية عدم جعل إباحته لهم فلا يثبت بالاستصحاب المزبور الترخيص في الفعل ليترتب عليه نفي استحقاق العقوبة، فلابد في نفيه من الانتهاء إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو إلى حديث الرفع ونحوه، فلا تثبت أصالة البراءة بالاستصحاب، وبتعبير آخر المعلوم في شرب التتن مثلا تحقق أحد الجعلين، ومعه لا يجري شيء من عدم جعل حرمته وعدم جعل إباحته لمعارضة كل منهما بالآخر، واُجيب عن المعارضة بجوابين، الأول: أنه ليس لنا علم بأنه لولم يجعل لفعل حرمة يجعل له إباحة وترخيصاً بعنوانه الخاص، ليقال بأن جريان الاستصحاب في عدم جعل الحرمة له معارض بالاستصحاب في عدم جريان الترخيص والإباحة فيه، فإنه من المحتمل أنْ يجعل له الإباحة بعنوان عام يجري على جميع الأفعال التي لم تنشأ الحرمة لها بأن جعل الترخيص لكل ما لم يجعل فيه إلزام وجوباً أو حرمة، وعليه يكون الاستصحاب في عدم جعل الحرمة له محققاً لثبوت الترخيص فيه لا أنه تعارضه أصالة عدم جعل الإباحة له وفيه أنه لو فرض جعل الإباحة له بالعنوان العام يجري أيضاً الاستصحاب في عدم جعل الإباحة له لكون ذلك العنوان انحلالياً، والشك في ثبوت الإباحة له بعنوانه الخاص أو العام، والجواب الثاني: عدم المعارضة بينهما؛ لأنّ الملاك في تعارض الاُصول ليس العلم الإجمالي بعدم مطابقة أحدهما الواقع، فإن ذلك يوجب التعارض في الطرق والأمارات، وأمّا الاُصول فالموجب للتعارض بين الأصلين أحد الأمرين، إما لكونهما من التعبد بالمتناقضين أو لكون التعبد بهما من الترخيص القطعي في مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال من حيث العمل، وشيء منهما غير لازم في المقام، فإن مقتضى الأصلين عدم جعل الحرمة له ولا جعل الإباحة له فيجوز ارتكابه؛ لأنّ المانع عن الارتكاب هو ثبوت المنع، نعم لو فرض في مورد أثر شرعي لإباحة الفعل شرعاً لا يترتب ذلك الأثر في مورد الاستصحاب في عدم جعل الإباحة له، وأما نفي استحقاق العقاب على ارتكابه فهو يترتب على عدم ثبوت الحرمة له.















الاستدلال على البراءة في الشبهات الموضوعية بالاستصحاب







ومما ذكر يظهر الحال في وجه جريان الاستصحاب في عدم جعل الحرمة أو الوجوب في الشبهات الموضوعيّة، لأنّ جعل الحرمة لشرب الخمر مثلا بعنوان القضية الحقيقية انحلالي يثبت جعلها في الأفراد المحرزة أنها خمر، وأما جعل الحرمة لما يشك في كونه خمراً مشكوك مسبوق بعدم الجعل، ومقتضى الاستصحاب بقاء عدم الجعل في المشكوك على عدمه؛ لاحتمال عدم كونه من أفراد الخمر، هذا مع قطع النظر عن الاستصحاب الموضوعي ولو بنحو العدم الأزلي فإنه مع الاستصحاب في عدم كونه خمراً لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.







الوجه الثاني: في الاستدلال على البراءة بالاستصحاب جريانه في عدم الحرمة الفعلية بالإضافة إلى كل مكلف قبل بلوغه فيجري في عدم هذه الحرمة بعد بلوغه أيضاً، وقد اُورد على هذا الاستصحاب أيضاً بوجوه: منها ما تقدم من أن عدم الحرمة الفعلية أمر أزليّ، وأن عدم التكليف الفعلي غير مجعول شرعاً وليس له أثر شرعي مجعول مع أنه يعتبر أنْ يكون المستصحب بنفسه مجعولا شرعياً أو يكون له أثر شرعي مجعول، وعدم استحقاق العقاب مع عدم حرمة الفعل من اللوازم العقلية لعدم التكليف قد نسب الماتن (قدس سره) في بحث الاستصحاب هذا الإيراد إلى الشيخ (قدس سره). وردّه بأنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب في عدم التكليف أنْ يكون له أثر شرعي فإن عدم التكليف كوجوده بنفسه قابل للتعبد، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب في شيء أنْ يكون ذلك الشيء بنفسه الأثر الشرعي أو أنْ يكون له أثر شرعي، بل المعتبر أنْ يكون قابلا للتعبد بنفسه أو بأثره، ونفي التكليف كثبوته بيد الشارع ويقبل التعبد، وبما أن عدم استحقاق العقاب أثر عقلي لمطلق نفي التكليف سواءً كان النفي واقعياً أو تعبدياً يترتب عليه لا محالة.







أقول: ظاهر كلام الشيخ (قدس سره) أن استصحاب براءة الذمة عن التكليف وعدم المنع عن الفعل لا يفيد في المقام؛ لأنّ المطلوب في المقام الجزم بعدم استحقاق العقاب على الارتكاب وإذا لم يترتب هذا المطلوب على الاستصحاب فيما ذكر احتمل العقاب في الارتكاب، فيحتاج في نفيه إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ومعها لا حاجة إلى الاستصحاب، وترتب نفي الاستحقاق على الاستصحاب فيما ذكر موقوف على اعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي المثبت للوازمه، حيث إنه مع الاستصحاب في نفي التكليف يثبت الترخيص فيه ومع ثبوت الترخيص ينتفي احتمال العقاب، وأما بناءً على اعتباره من باب الاخبار فلا يترتب عليه ثبوت الترخيص، والحاصل تأمل الشيخ في عدم جريان الاستصحاب لا لكونه في الأعدام الأزلية حتى فيما كان لها أثر شرعي، والصحيح في الجواب عن كلام الشيخ (قدس سره) بأن الاستصحاب في عدم التكليف كاف في نفي الاستحقاق في الارتكاب، فإن استحقاقه يترتب على ثبوت التكليف ويرتفع مع عدم ثبوته ولا يحتاج إلى إثبات الترخيص، وإلاّ فلو قيل باعتبار الاستصحاب من باب الظن فلا يفيد في نفي احتمال العقاب؛ لأنّ الاستصحاب في عدم التكليف يثبت الترخيص، والاستصحاب في عدم الترخيص الشرعي يثبت المنع فيتعارضان، فإن مفاد حديث: «رفع القلم عن الصبي» عدم ثبوت التكليف عليه في مورد ثبوته للبالغين، لا ثبوت الترخيص الشرعي في حقه، وإلاّ لم يكنْ في البين حاجة إلى إثباته بالاستصحاب في عدم التكليف.







وقد يورد على الوجه الثاني: بأنه لا يجري الاستصحاب إلاّ فيما كان الأثر المهم مترتباً على الواقع، وأما إذا كان مترتباً على الجهل به كما في حرمة التشريع والفتوى بغير علم فلا مورد له؛ لأنه بمجرد الشك يحرز موضوع الحرمة فلا معنى للتعبد بعدم الواقع بالأصل، والأثر المرغوب في المقام وهو نفي إستحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي يترتب على الجهل به.







وفيه أن نفي الاستحقاق لما يترتب على الجهل بالتكليف الواقعي بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل عليه كذلك يترتب على بيان عدم التكليف الواقعي، فإن قبح العقاب كما يترتب على عدم البيان للتكليف الواقعي كذلك يترتب على بيان عدمه على ما تقدم من أن العقاب بعد بيان العدم من خلف الوعد وهو قبيح من المولى الحكيم، ولا بأس للشارع أنْ يبدل الحكم الثابت لموضوع بالحكم الثابت مثله لموضوع آخر، كما في جريان الإستصحاب في طهارة الماء مع كون طهارته مفاد القاعدة.







ومما يورد على الوجه الثاني، أنه لا يجري الاستصحاب في عدم المنع السابق لكون الموضوع له الصبي والمجنون، حيث إن الشارع قد رفع القلم عن الصبي والمجنون ولو جرى عدم المنع بعد كون المكلف بالغاً لكان من إسراء الحكم من موضوع إلى آخر، وبتعبير آخر عنوان الصبي بالإضافة إلى عدم الحرمة الفعلية عنوان مقوم أو لا أقل من احتمال كونه من العنوان المقوم، وفيه أن معنى رفع القلم عن الصبي عدم جعل الإلزام لأفعاله التي تكون مورداً للإلزام في البالغين، وأما أفعاله التي لا تكون مورداً للإلزام في البالغين فلا موضوع للرفع بالإضافة إليها، وعليه فالصبي حال صباوته لم تكن في حقه حرمة شرب التتن، ويحتمل بقاء عدم الحرمة بحاله، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب إلاّ اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة، بأنْ يحتمل بقاء القضية المتيقنة بعينها، نظير ما إذا علم عدم نجاسة مايع كر سواءً كان ماءً أو غيره من المضاف، فإذا لاقته النجاسة فإنْ كان ماءً فعدم نجاسته باقية على حالها، وإذا لم يكن ماءً فقد إنفعل فلا بأس بالاستصحاب في عدم نجاسته إذا لم يكنْ في البين أصل حاكم عليه فتدبر جيداً.















[4] يستدل على لزوم التوقف والاحتياط في الشبهة الحكمية التحريمية بل الوجوبية أيضاً بالأدلة الثلاثة يعني الكتاب والأخبار وحكم العقل، أما الكتاب فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم(2) والناهية عن إلقاء النفس في التهلكة(3) والآمرة بالتقوى(4)، ولكنْ لا يخفى أنه مع ثبوت الإباحة الظاهرية الطريقية في الشبهة الحكمية لا يحتمل العقاب في مخالفة الحرمة الواقعية على تقديرها التي لم يظفر بالبيان لها بعد الفحص، ولا يكون القول بتلك الإباحة قولا بغير علم، ولا يكون الارتكاب مع هذا الترخيص منافياً للتقوى اللازم على المكلف، وأما التقوى في الاجتناب عن المفاسد الواقعية وعدم فوت المصالح فيما إذا كان المكلف معذوراً وغير مأخوذ بالتكليف الواقعي في مواردهما فهو غير واجب على المكلف حتى باعتراف الأخباريين بالالتزام بالبراءة في الشبهات الموضوعية بل الحكمية الوجوبية، ومما ذكر يظهر أنه لو كان المراد بالتهلكة في آية النهي عن إلقاء النفس فيها الهلاكة الدنيوية، فلا يقتضى لزوم الاجتناب عن الشبهات الحكمية التحريمية لما تقدم من أن المفاسد التي تلاحظ في المحرمات ملاكاتها لا تكون من قبيل الهلاكة الدنيوية.















[5] يستدل على لزوم الاجتناب عن المشتبه بالشبهه الحكمية التحريمية بالأخبار وهي على طائفتين، أحداهما: ماورد فيها من الأمر بالتوقف عند الشبهة، ويدخل في هذه الطائفة أخبار التثليث كقوله (عليه السلام): «إنما الاُمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك غيّه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فردّه إلى اللّه عزّ وجل»(5)، وفي خبر عمر بن حنظلة: «إنما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى اللّه وإلى رسوله، قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)«حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات، وهلك من حيث لا يعلم، [إلى أنْ قال] فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(6)، وقد أجاب الماتن (قدس سره) عن هذه الطائفة بأن الأمر بالوقوف عند الشبهة إرشاد إلى التحرز عن الهلاكة المحتملة في المشتبهات، فيختص الإرشاد بالشبهة التي يكون فيها احتمال الهلاكة أي العقاب الاُخروي، ومع حكم العقل في الشبهة الحكمية ـ بعد الفحص وعدم العثور على البيان ـ بقبح العقاب بلا بيان، وحكم الشرع برفع الحرمة المجهولة على تقديرها واقعاً مادام الجهل لا يحتمل الهلاكة في الشبهة البدوية التي فحص المجتهد عن الدليل على الحكم الواقعي فيها ولم يظفر بمثبت للحرمة فيها.















الاستدلال على وجوب الاحتياط بالأخبار







وثانيتهما: الأخبار الواردة في الأمر بالاحتياط في الشبهات وقد أجاب (قدس سره) عنها بأنه لو تمت دلالة هذه الطائفة على وجوب الاحتياط لكانت واردة على حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، حيث إن الأمر به طريقياً بيان ومصحح للعقاب على مخالفة التكليف في المشتبه، وما عن الشيخ (قدس سره) من عدم كون الأمر بالاحتياط مصححاً للعقاب، فإن وجوبه إذا كان غيرياً مقدمة للاحتراز عن عقاب مخالفة التكليف الواقعي المجهول، فالمفروض أن العقاب على مخالفته قبيح، وإنْ كان وجوبه نفسياً فالعقاب يترتب على مخالفته لا على مخالفة التكليف الواقعي المجهول كما يدعيه الخصم، فيتعين حمل الأمر به على الاستحباب أو على الإرشاد لا يمكن المساعدة عليه؛ لما تقدم من أن إيجابه طريقي ومعه يخرج العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لو اتفق عن كونه عقاباً بلا بيان، ولكن دلالتها على إيجاب الاحتياط طريقياً لا يتم لكونها معارضة بما هو أخص منها وأظهر في الترخيص في ارتكاب المشتبه، فإن ما ورد في حلية المشتبه الحرمة أخص من تلك الأخبار الشاملة للشبهات الوجوبية أيضاً، وبمثل ذلك كالصراحة في الترخيص في الارتكاب يخصص الأخبار الآمرة بالاحتياط بغير الشبهة البدوية التحريمية، فإن الأمر به غايته الظهور في الإيجاب في كل شبهة ومنها الشبهة التحريمية فيرفع اليد عنه بالخاص الوارد في الشبهة التحريمية.















[6] ذكر (قدس سره) بعد بيان أنه لابد من رفع اليد عن الأمر الطريقي الإيجابي بالاحتياط في المشتبهات في الشبهة الحكمية التحريمية بأخبار الحل، حمل الأمر به الوارد في الأخبار على الإرشاد إلى حكم العقل، بدعوى أن فيها قرائن على الإرشاد واُيّد الحمل المزبور بأنه لو كان الأمر به وجوباً طريقياً لزم تخصيص إيجاب الاحتياط الوارد ببعض الموارد لا محالة، مع أن الاحتياط في الدين والمشتبهات آب عن التخصيص، ولعل مراده (قدس سره) أن الإيجاب المولوي الطريقي لا يمكن في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف في الشبهة الموضوعية والحكمية لتنجز التكليف في أطرافه مع قطع النظر عن الأمر الطريقي بالاحتياط، وكذا في المشتبهات بالشبهة الحكمية قبل الفحص، لأن أخبار وجوب التعلم بل وغيرها توجب تنجز التكاليف التي يصل إليها المكلف بالفحص في غير ذلك ما يستفاد منه البراءة من حديث الرفع وغيره مما تقدم محكم، والعقل يستقل بلزوم رعاية التكليف في المشتبهات التي فيها منجز للتكليف الواقعي من أطراف العلم وفي الوقايع قبل الفحص وحسن رعاية احتماله في موارد ثبوت الترخيص في الارتكاب والترك، ويناسب ما ذكر أنْ تحمل الأخبار الواردة في الإحتياط في الدين والمشتبهات للإرشاد إلى حكمه، ومع الحمل عليه لا يكون فيها تخصيص بخلاف ما إلتزم بأن مفادها الوجوب المولوي الطريقي، فإنه يلزم من رفع اليد عن هذا الوجوب في بعض المشتبهات حتى على مسلك الأخباريين مع أن لسانها آب عن التخصيص، فإن حسن الاحتياط لا يختص بمورد دون مورد، بل لا يمكن غير الحمل على الإرشاد في بعض الأخبار، كقوله (عليه السلام): «وقفوا عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»(7) فإن ظاهر الهلاكة، الهلاكة الاُخروية يعني العقاب وقد فرض ثبوت الهلاكة في ارتكاب المشتبه قبل الأمر بالوقوف فيه، ومن الظاهر انه لا يكون مع قطع النظر عن الأمر بالوقوف والاحتياط ثبوت العقاب في الارتكاب، إلاّ إذا كان الأمر به إرشادياً ولا يمكن كونه أمراً مولوياً طريقياً بأنْ يكون في المشتبه منجز للتكليف مع قطع النظر عن هذا الأمر.







لا يقال: تعليل الأمر بالوقوف عند الشبهة بقوله (عليه السلام) «فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»، يستكشف بنحو الإن عن وجوب الاحتياط طريقياً، حيث إنّه مع إيجابه طريقياً من قبل يوجب احتمال الهلاكة فيها، وبتعبير آخر الأمر بالوقوف عند الشبهة في الرواية إرشاد إلى ذلك الوجوب الطريقي الموجب لثبوت الهلاكة في المشتبهات التي فيها تكليف واقعاً، فإنه يقال: الإيجاب الطريقي مع عدم وصول بيانه إلى المكلف لا يكون رافعاً لقبح العقاب بلا بيان، ولا يكون موجباً لاحتمال العقاب في ارتكاب الشبهة، فكيف يعلّل بيانه والإرشاد إليه بثبوت احتمال الهلاكة مع قطع النظر عن بيانه كما هو ظاهر الرواية، حيث لا يصح هذا التعليل إلاّ إذا كان احتمال العقاب منجزاً مع قطع النظر عن الأمر بالوقوف إرشاداً كما هو الحال في أطراف العلم الإجمالي، أو كون الشبهة الحكمية قبل الفحص، لا يقال: هذا كله إذا كان المراد من الهلاكة العقاب الاُخروي، وأما إذا كان المراد المفسدة فلا محذور في كون الأمر بالوقوف وجوباً طريقياً لئلا يقع في تلك المفسدة، فإنه يقال: لا يحتمل ذلك من الهلاكة فإن لسان الرواية آب عن التخصيص، فلو صحّ إطلاق الهلاكة على مطلق المفسدة وكثيراً ما لا يرجع إلى نفس الفاعل كما ذكرنا سابقاً، فلابد من إخراج الشبهات الموضوعية التحريمية بالتخصيص ولسانه آب عنه كما هو ظاهر.







وقد تلخص مما ذكر أن ثبوت الحكم العقلي في موارد المشتبهات ولو بملاحظة الترخيص الشرعي في ارتكاب جملة منها بلزوم رعاية احتمال التكليف في بعضها، وكون رعايته حسن في مقام الانقياد في بعضها الآخر قرينة على كون الأمر بالاحتياط في الدين والمشتبهات إرشاد إلى حكم العقل فيها، وليس من الأمر المولوي الطريقي، بل الأمر المولوي الطريقي الإيجابي أو غير الإيجابي بحسب الموارد غير ممكن؛ لأنه في موارد تنجيز التكليف الواقعي بالعلم الإجمالي أو بكون الشبهة قبل الفحص لا يكون الأمر بالاحتياط إيجابياً طريقياً؛ لأنّ تنجيز الواقع ثابت مع قطع النظر عن الأمر بالاحتياط، ولا يمكن الالتزام بالإيجاب الطريقي في غير تلك الموارد لثبوت الترخيص في الارتكاب والترك، والطريقي الاستحبابي فيها أيضاً غير ممكن؛ لثبوت حكم العقل فيها بحسن الاحتياط انقياداً، فلا يكون ترتب الثواب فيها إذا صادف التكليف الواقعي بالأمر الطريقي الاستحبابي، بل بحكم العقل فيكون الأمر بالاحتياط فيها إرشادياً لا محالة، وبتعبير آخر ليس في البين من المشتبهات ما يكون الأمر بالاحتياط فيها إيجاباً طريقياً ولو بملاحظة الترخيص، ورفع التكليف فيها أمراً ممكناً إلاّ الشبهات الحكمية قبل الفحص، إذا قيل بأن أدلة وجوب التعلم فيها لا يمنع عن شمول الأمر بالاحتياط لها فيختص أمر الطريقي بها، ثم إنه قد يجاب عن الأخبار التي ورد الأمر فيها بالوقوف عند الشبهة وعدم الاقتحام فيها بوجه آخر، وهو أن المراد من الشبهة فيها المشتبه المطلق وغير البين من أي جهة، فلا يعم ما يكون الترخيص الظاهري في ارتكابه محرزاً، حيث إنه إذا شمل للمشكوك دليل الترخيص في الارتكاب ما لم يعلم حرمته الواقعية يكون من الأمر البيّن وتدرج في الحلال البيّن، ويشهد لاختصاص الشبهة في تلك الأخبار بالمشتبه المطلق أن تلك الأخبار آبية عن التخصيص مع أنه لا خلاف في عدم وجوب التوقف في الشبهات الموضوعية بل في الشبهة الحكمية الوجوبية بعد الفحص وعدم ظهور الدليل على الوجوب، فلولا أن الترخيص الظاهري أخرجتهما عن الشبهة لزم الالتزام بالتخصيص في مثل قوله: «قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»(8)، أقول: الحديث المشار إليه ونحوه مما ورد فيه التعليل، فنفس التعليل فيه قرينة على تقييد الشبهة بما فيه احتمال الهلاكة مع قطع النظر عن الأمر بالوقوف عندها فلا حاجة إلى دعوى كون المراد من المشتبه من جهة الحكم الواقعي والظاهري وما لم يرد فيه التعليل فهو قابل للتخصيص، وعن المحقق النائيني (قدس سره) أنه يحتمل قريباً أنْ يكون المراد في الأخبار الوارد فيها الأمر بالوقوف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة أمر آخر، وهو أن الاقتحام في الشبهات يوجب وقوع المكلف في المحرمات لا أن نفس ارتكاب الشبهة حرام يوجب العقاب إذا صادف الحرام الواقعي، فإن الشخص إذا لم يجتنب عن الشبهات وعود نفسه على ارتكابها هان عليه ارتكاب المحرم، بخلاف من تعود نفسه على عدم ارتكابها، وقد ورد نظير ذلك في المكروهات حيث إن تعود النفس على ارتكابها وعدم مبالاته فيها رأساً يؤدي إلى جرأته على ارتكاب بعض المحرم، كما أن الشخص لولم يعتن بالمعصية الصغيرة، وارتكبها مراراً هانت عليه الكبيرة. وبالجملة يحصل من التعود على ترك المشتبهات ملكة التجنب عن المحرمات وإلى ذلك يشير قوله (عليه السلام) في خطبته على ما في مرسلة الفقيه: «والمعاصي حمى اللّه فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها»(9) ومن الظاهر أن الوقوف عند الشبهة كذلك أمر مستحب كما هو الظاهر من قوله (عليه السلام): «أورع الناس من وقف عند الشبهة»(10)، أقول: كون الاحتياط في الشبهات موجباً لتعود الإنسان على ترك الحرام وإنْ كان أمراً صحيحاً، وبهذا الاعتبار لا يبعد الالتزام بكونه أمراً مستحباً نفسياً، وقد ورد في ذيل خطبته (عليه السلام): «فمن ترك ما اشتبه له من الإثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حمى اللّه، فمن يرتع حولها يوشك أنْ يدخلها»، إلاّ أن كون المراد من قوله (عليه السلام) في الروايات المتعدّدة: «قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» ذلك غير ظاهر، بل غير محتمل في بعضها، وقد ورد ذلك في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة فيما فرض عمر بن حنظلة عن توافق حكامهم الخبرين بمعنى كون كل منهما موافقاً للعامة من قوله: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلق إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات(11)، فإن ظاهره كون الوقوف عند الشبهة لعدم الابتلاء بالهلاكة المحتملة فيها، نعم مورده كون الشبهة قبل الفحص اللازم والتمكن من تعلم التكليف الواقعي فيها، إلاّ أن تطبيق الكبرى شاهد لكون المراد بالهلاكة نفس الهلاكة المحتملة في الواقعة المشتبهة، وممّا ذكر يظهر أنه لو قيل بأن الأمر بالوقوف عند الشبهة إرشاد إلى الإيجاب الطريقي المجعول في الشبهات، ولذلك يصح تعليل الإرشاد إلى لزوم الوقوف عند الشبهة بثبوت الهلاكة في ارتكابها فلا ينبغي الريب بأن الأمر بالوقوف بهذا التعليل بإطلاقه وعمومه يقتضى التوقف عند الشبهة الحكمية التحريمية قبل الفحص وبعده، وبما أن أدلة البراءة في الشبهة الحكمية مقيدة بما بعد الفحص وأنه لا هلاكة في ارتكابها حتى ما لو صادف التكليف الواقعي فتكون الشبهة الحكمية بعد الفحص خارجاً عن العموم والإطلاق المزبور، فيختص الأمر بالتوقف بالشبهات الحكمية بما قبل الفحص وإمكان تحصيل العلم بالتكليف الواقعي على تقديره في الواقعة، ومما ذكرنا يظهر الحال في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلين أصاباً صيداً وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء؟ قال: لا، بل عليهما أنْ يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، فقال: إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا(12) فإن الأمر بالاحتياط فيها في مورد إمكان تحصيل العلم بالتكليف كما هو ظاهرها، أضف إلى ذلك أن الشبهة المفروضة الحكمية وجوبية ولا يلتزم الأخباري فيها بوجوب الاحتياط إلاّ أن يقال الجزاء الواجب في الصيد العين لا القيمة، فلا يكون الواجب مردداً بين الأقل والأكثر الاستقلاليين، بل من الارتباطيين ولا يلتزم الأخباري في الارتباطيين بالبراءة، نعم في كون الواجب من الارتباطيين في فرض إعطاء العين تأمل كما إذا أعطى بدنة من البدنتين المشتركتين بينه وبين آخر، فإن إعطاء النصف من أحدهما متيقن في تعلق التكليف به فتدبر.







وأما الاستدلال بوجوب الاحتياط بموثقة عبداللّه بن وضاح قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) «يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً وتستتر عنّا الشمس وترتفع فوق الليل (الجبل) حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون فاُصلي حينئذ واُفطر إن كنت صائماً، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة فوق الليل (الجبل) فكتب إليّ أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك»(13) وفيه أن الشبهة المفروضة المقام لو كانت موضوعية يجب الانتظار والامساك إلى إحراز دخول الوقت بمقتضى الاستصحاب في بقاء النهار وعدم دخوله وإنْ كانت الشبهة حكمية، ولعل ذلك ظاهرها فعلى الإمام (عليه السلام) بيان أن دخول الليل باستتار القرص أو بذهاب الحمرة، فعدوله عن الجواب بالتعيين والتصريح به إلى التعبير بالأخذ بالاحتياط لرعاية التقية لا محالة، وعلى كلا التقديرين فلا دلالة لها على عدم اعتبار البراءة في الشبهة الموضوعية الوجوبية إذا لم يكن في البين أصل حاكم، أو في الشبهة الوجوبية بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على الوجوب كما يعترف بذلك الأخباري أيضاً.















(1). العده في اصول الفقه 2:742، طبعة مؤسسة البعثة.







(2). كقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) سورة الاسراء: الآية 36.







(3). كقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) سورة البقرة: الآية 195.







(4). كقوله تعالى: (واتقوا اللّه واعلموا أن اللّه مع المتقين) سورة البقرة: الآية 194.







(5). وسائل الشيعة 27:162، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 28.







(6). المصدر السابق: 157، الحديث 9.







(7). وسائل الشيعة 27:159، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.







(8). وسائل الشيعة 20:258، الباب 157 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.







(9). وسائل الشيعة 27:161، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.







(10). وسائل الشيعة 27:106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.







(11). وسائل الشيعة 27:106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.







(12). وسائل الشيعة 27:154، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.







(13). وسائل الشيعة 10:124، الباب 52 من أبواب ما يمسك عنه الصائم... الحديث 2.































وأما العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته، حيث علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة[1].







وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الغير الضرورية قبل الشرع[2].







إنما تجري أصالة البراءة شرعاً وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي مطلقاً، ولو كان موافقاً لها فإنه معه لا مجال لها أصلا لوروده عليها[3].















الاستدلال في لزوم الاحتياط في الشبهات بحكم العقل















[1] قوله: «فيما اشتبه وجوبه أو حرمته مما لم يكن حجة على حكمه» متعلق بـ«لزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته» كما لا يخفى، وحاصله أنه يستدل على لزوم الاحتياط في الشبهات الحكمية الوجوبية، والشبهات الحكمية التحريمية بالعلم الإجمالي بالتكاليف في الوقائع التي لا تعلم أحكامها الواقعية، وهذه الوقائع وإن يكن التكليف الواقعي في جملة منها منجز بقيام الحجة عليه إلاّ أنه يلزم رعاية احتمال التكليف في غير تلك الجملة تفريغاً للذمة بعد اشتغالها بالعلم الإجمالي المذكور، وأجاب الماتن (قدس سره) بأن العلم الإجمالي المزبور ينحل بقيام الطرق والاُصول المثبتة للتكاليف في مواردها، حيث يحتمل انحصار التكاليف المعلومة بالإجمال عليها بأن لا يكون في سائر الموارد التي تجري الاُصول النافية فيها تكاليف كما هو شأن انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي.







لا يقال: العلم بالتكليف الفعلي في بعض أطراف العلم الإجمالي لا يوجب انحلال العلم الإجمالي الأول، فإنه يقال: إنما لا يوجب الانحلال إذا كان التكليف المعلوم في بعض الأطراف حادثاً بأن كان غير المعلوم بالإجمال السابق، وأما إذا لم يكن حادثاً بل كان نفس ما علم إجمالا أولا، كما إذا علم بنجاسة بعض الإناءات ثم علم نجاسة بعضها معيناً بتلك النجاسة واحتمل أن المعلوم بالإجمال أولا كان ذلك البعض ولا نجاسة في غيره، فينحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي لا محالة، واُورد على هذا الانحلال بوجه آخر أشار الماتن إليه بقوله «إن قلت إنما يوجب العلم...»، والمراد أن الانحلال إلى العلم التفصيلي والشك البدوي كان صحيحاً بناءً على مقتضى قيام الطريق بالتكليف في مورد هو ثبوت التكليف فيه فعلا، حيث يعلم بقيامه التكليف في ذلك المورد، وأما بناءً على أن مقتضى قيامه واعتباره تنجز التكليف الواقعي على تقدير أصابته الواقع والعذر فيما أخطأ، فلا انحلال إلى العلم التفصيلي والشك البدوي، فإن غاية قيامه واعتباره هو كون التكليف الواقعي في فرض الإصابة منجزاً بمنجزين، وفي الموارد الخالية عن الطريق منجزاً بمنجز واحد، وهو العلم الإجمالي المتقدم ذكره.







وأجاب (قدس سره) بأنه لا يختلف الحال ويثبت الانحلال حتى بناءً على أن معنى اعتبار الطريق شرعاً جعل المنجزية والمعذرية له، ومثل لذلك بما إذا علم بحرمة إناء زيد لنجاسته بين إناءين أو أكثر وقامت البينة بتعيين إنائه، فإنه لا ينبغي التأمل في أن قيامها كما إذا علم بأن إناء زيد ذاك الإناء في أنه لا يجب الاجتناب عن الباقي، ولولا هذا لما يفيد في الانحلال الالتزام بأن مقتضى الاعتبار جعل المدلول تكليفاً، فإن هذا التكليف حادث يكون بقيام الطريق أو الأصل المثبت، ثم ذكر (قدس سره) في ذيل كلامه هذا الانحلال الحكمي إذا لم نقل بأن غالب الطرق المعتبرة وجملة من الاُصول المثبتة مطابقة للتكاليف الواقعية في مواردهما، بحيث نحتمل انحصار التكاليف الواقعية على مواردهما حتى لا تكون تكاليف اُخرى في الوقائع المشتبهة الخالية عنهما، حيث ينحل العلم الإجمالي الأول بالعلم الإجمالي الصغير حقيقة فلا يكون مانع عن الرجوع إلى الاُصول النافية في سائر المشتبهات.







أقول: انحلال العلم الإجمالي بحرمه إناء زيد بالبينة القائمة بتعيين إنائه لا يستلزم الانحلال في المفروض في المقام، وذلك لثبوت الدلالة الالتزامية بأن الإناء الآخر ليس له، وهذه الدلالة الالتزامية كدلالتها المطابقية، وبما أن الإناء الذي ليس لزيد إما معلوم الطهارة أو محتملٌ نجاسته أيضاً، تجرى أصالة الطهارة أو الحلية فيه فلا موجب للاجتناب عنه، وهذه الدلالة الالتزامية غير موجودة في الأمارات والطرق القائمة بالتكاليف في جملة من الوقائع بل لها دلالة مطابقية فقط، وهي ثبوت تكاليف في مواردها، نعم لو علم بمطابقة تلك الأمارات في معظمها للواقع بحيث يحتمل انحصار التكاليف في الشريعة على موارد العلم التفصيلي وتلك الأمارات والأصل المثبت يكون الانحلال بالعلم التفصيلي وبالعلم الإجمالي الصغير، وكذا إذا بنى على العلم الإجمالي بالتكاليف في الشريعة إنما هو بالإضافة إلى موارد إمكان تحصيل العلم أو وجود الأمارات والطرق والاُصول المثبتة دون غير تلك الموارد، ومع إحراز كون واقعة من غيرها يرجع فيه إلى الاُصول النافية كما أن هذا البناء هو الصحيح.







وقد يقال: في انحلال العلم الإجمالي وجهان آخران، الأول: أن معنى اعتبار الأمارة اعتبارها علماً بالواقع فتكون التكاليف الواقعية في موارد قيامها معلومة بالتفصيل ولو اعتباراً، فيكون الشك في غير مواردها من الموارد الخالية عن العلم والأمارة شكاً بدوياً فيجري فيها الاُصول ولو كانت نافية، وبيان ذلك أن العلم الإجمالي المركب من قضيتين شرطيتين على سبيل مانعة الخلو إذا خرج إلى قضية حملية معلومة بالتفصيل وإلى قضية حملية مشكوكة كما هو الحال في موارد انحلاله إلى علم تفصيلي وشك بدوي لا يبقى العلم الإجمالي لا محالة وكما لو علم بغصبية بعض الغنم من القطيع المركب من السود والبيض ثم علم بأن بعض أفراده معيناً غصباً، ـ بحيث يحتمل انحصار المغصوب من القطيع عليه ـ تجري أصالة عدم الغصب والحلية في غيرها، كذلك فيما إذا قامت البينة على كون البعض المعين منها غصباً فإن البينة القائمة بحرمة البعض المعين علم تفصيلي بحرمته، ويمكن أن يكون مراد الشيخ الأنصاري في جوابه الثاني هذا المعنى، وأما جوابه الأول فيرجع إلى منعه عن فعلية التكاليف الواقعية في الوقايع في غير موارد الطرق والأمارات المثبتة للتكاليف على مقتضى ما سلكه في الجمع بين الأحكام الواقعية في الوقايع، وبين اعتبار الأمارات والاُصول، فإن ثبوت الأحكام الواقعية في الوقايع من غير موارد الطرق والأمارات إنشائية فلا يكون العلم الإجمالي بالتكاليف فيها إجمالا من العلم الإجمالي المنجّز.







لا يقال: بناءً على كون اعتبار الطريق اعتباره علماً تكون الأمارة القائمة بالتكليف في كل مورد علماً بالتكليف، ولكن هذا العلم الحادث لا يوجب انحصار المعلوم بالإجمال على موارد قيامها ولا زوال العلم الإجمالي السابق الموجب لتساقط الاُصول النافية في أطرافها، فإنه يقال: بما أن الأمارة تحكي عن نفس التكليف الذي كان طرفاً للعلم به إجمالا فاعتبارها علماً به يوجب تبدل العلم الإجمالي السابق إلى العلم التفصيلي التعبدي بحيث تصير الموارد الخالية عن الأمارات مشكوكة بدواً، كما لو كان الانحلال بالعلم التفصيلي الوجداني، فإن العلم التفصيلي التعبدي إبطال للترديد في مواردها من الأول فيكون الترديد في الموارد الخالية بدوياً قهراً.







الوجه الثاني: أنه على تقدير كون اعتبار الأمارة جعل المنجزية والمعذرية لها أو جعل حكم طريقي على طبق مدلولها الموجب لتنجز الواقع، إلاّ أنّهُ مع ذلك ينحل العلم الإجمالي المزبور حكمياً؛ لأنّ منجزية الأمارة القائمة بالتكليف لا تكون بإحراز قيامها، بل لإمكان الوصول إليها فالمتصدي للاجتهاد عند علمه إجمالا بوجود التكاليف في الوقايع تكون الأمارة الموجودة في الوقائع الموجودة منجزة للتكاليف في مواردها، فيكون العلم الإجمالي المفروض غير منجز بالإضافة إلى تلك الموارد، وإذا احتمل عدم التكليف في الموارد الخالية عن الأمارة بالتكليف عند حصول العلم الإجمالي فلا يكون بأس بالرجوع إلى الأصل النافي فيها، وعلى الجملة إذا كان التكليف في بعض أطراف العلم الإجمالي على تقديره منجزاً بمنجّز آخر عند حصوله لا يكون ذلك العلم الإجمالي منجّزاً، وعليه يبتنى الحكم بطهارة الملاقي بعضَ أطراف العلم الإجمالي، حيث يلتزم بعدم الأثر للعلم الإجمالي الحاصل ثانياً بنجاسة الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر الذي يكون عدلا للملاقى بالفتح.















[2] قد يستدل على التوقف في الشبهات بأن الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الحظر ولا أقل من الوقف بمعنى عدم حكم العقل وتجويزه الارتكاب، وما دلّ على جواز ارتكاب المشتبه شرعاً معارض بما دل على لزوم التوقف والاحتياط فيؤخذ بحكم العقل بالحظر أو الوقف.







وفيه أولا: أنّ حكم العقل بالحظر أو الوقف محل خلاف فلا يمكن أن يستند إليه وإلاّ لصح القول بالبراءة استناداً إلى القول بالإباحة في تلك المسألة، وثانياً: قد تقدم ثبوت الإباحة شرعاً، وما دلّ على الاحتياط والتوقف لا يعارض ما دلّ على البراءة على ما تقدم من الجمع العرفي بين الأخبار، وثالثاً: لو سلم حكم العقل في الأشياء بالحظر أو الوقف ومعارضة ما دلّ على البراءة شرعاً بما دلّ على الإحتياط والتوقف فليس لازم ذلك الأخذ بالحظر أو الإباحة، بل يؤخذ بالبراءة العقلية؛ لأنّ مسألة كون الأشياء على الحظر أو الإباحة راجعة إلى حكم العقل مع قطع النظر عن تشريع الأحكام والتكاليف، ومسألة قبح العقاب بلا بيان حكم العقل بعد تشريع الأحكام والتكاليف، والمقام من صغريات الثاني، وأما دعوى أن المقام يدخل في صغرى لزوم دفع الضرر المحتمل أو قاعدة استقلال العقل بدفع احتمال المفسدة المحتملة في الارتكاب فقد تقدم الكلام في كل منهما فلا نعيد.















[3] لا تجري أصالة البراءة العقلية ولا الشرعية مع الأصل الموضوعي، وليس المراد من الأصل الموضوعي خصوص ما يحرز به موضوع الحلية أو الحرمة كالاستصحاب في بقاء المائع على كونه خمراً إذا احتمل انقلابه، بل المراد ما يرتفع معه الشك في الحلية والحرمة الموضوع لأصالة البراءة سواءً اُحرز مع ارتفاعه موضوع الحلية أو الحرمة الواقعية كما في المثال المتقدم، أو اُحرز به نفس حلية الشيء أو حرمته، كما إذا شك في حلية فعل كان في السابق حراماً ويشك في ارتفاع حرمته كما في الشبهة الحكمية كالاستصحاب في حرمة وطء الحائض بعد النقاء وقبل الاغتسال، بناءً على اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية، فإن مع الاستصحاب في حرمة وطئها لا تصل النوبة إلى أصالة الحلية، إما لوروده عليها كما عليه الماتن أو لحكومته عليها على ما نذكره، وقد فرّعوا على ذلك عدم جريان أصالة الحلية في حيوان شك في حليته وقبوله للتذكية، فنقول للمسألة صور، الاُولى: ما إذا شك في حلية حيوان وحرمته لأجل الشك في أنه قابل للتذكية بالشبهة الحكمية، كما إذا تولد حيوان من الكلب والشاة وشك في أنه كالكلب غير قابل للتذكية أو أنه كالشاة، وإذا ذبح هذا الحيوان بسائر الشرائط المعتبرة للتذكية لا يحكم بحلية لحمه، لأنّ الاستصحاب في عدم التذكية يدرجه في غير المذكى المحكوم في الآية بحرمة أكله، ولكن جريان هذا الاستصحاب موقوف على ثبوت أمرين، أحدهما: أن تكون قابلية الحيوان للتذكية أمراً تكوينياً دخيلاً في تحقق التذكية، بأن تكون التذكية أمراً بسيطاً مسبباً من عدة اُمور أحدها قابليته لها أو كانت التذكية نفس تلك الاُمور التي منها قابلية الحيوان لها، وثانيهما: أن لا يكون في البين عموم أو إطلاق يثبت أن كل حيوان يقع عليه التذكية بحيث يكون الحكم بعدم قابلية حيوان لها محتاجاً إلى دليل على خروجه عن العموم والإطلاق.















في الشك في قابلية الحيوان للتذكية







وقد يقال: إنه إذا كانت التذكية أمراً بسيطاً مسبباً عن عدة اُمور منها قابلية الحيوان فلا بأس بجريان الاستصحاب في عدمها عند الشك في قابلية الحيوان مع فرض عدم عموم أو إطلاق مثبت لقابليته للتذكية، وأما إذا كانت التذكية عبارة عن نفس تلك الاُمور التي منها قابلية الحيوان فلا مجرى للاستصحاب؛ لأنّ غير القابلية من الاُمور الدخيلة محرزة بالوجدان، والقابلية أو عدمها ليست لها حالة سابقة ليجري الاستصحاب فيها أو في عدمها حتى بناءً على القول بجريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية؛ لأنّ القابلية وعدمها من لوازم الماهية لا الوجود، والأصل الجاري في العدم الأزلي يختص بالثاني فيرجع إلى أصالة الطهارة والحل في المذبوح بسائر الشرائط، وفيه أنه يجري الاستصحاب في عدم التذكية حتى بناءً على أنها مركبة من عدة اُمور منها قابلية الحيوان، حيث إنه لم يثبت أن القابلية كالزوجية من لوازم الماهية بل يحتمل كونها من لوازم الوجود، بل لو كانت من لوازم الذات فالأمر كذلك لأنّ الدخيل في التذكية القابلية بالحمل الشائع، فإن التذكية أمر خارجي يقع على الحيوان الخارجي والقابلية بهذا الحمل مسبوق بالعدم ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.







وقد يقال: ليست قابلية الحيوان للتذكية إلاّ أن لا يحكم الشارع عليه بالنجاسة بعد فري أوداجه بالحديد وتوجيهه إلى القبلة وكون الذابح مسلماً ذاكراً اسم اللّه عليه، بل يحكم بالطهارة، وإذا حكم بحلية أكل لحمه وشحمه بعد هذا الذبح فهو حيوان مأكول اللحم، حيث تكون حلية أكل لحمه وشحمه فعلية بعد الذبح المزبور، وعليه فيحرز بأصالة الطهارة الجارية في الحيوان بعد ذبحه أنه قابل لها كما يحرز بالاستصحاب في عدم جعل الحرمة لأكل لحمه وشحمه بعده أو بأصالة الحلية أنه مأكول اللحم.







ويمكن أن يقال: إن حكم الشارع بالطهارة في حيوان بعد ذبحه أو صيده وعدم حكمه بها في حيوان آخر إنما بلحاظ الخصوصية الخارجية في الأول، وعدمها في الثاني، ويعبّر عنها بقابلية الحيوان للتذكية، وعلى ذلك فعدم اعتبار النجاسة للحيوان بعد ذبحه كما ذكرنا كاشف عن قابليته للتذكية، كما أن الحكم بحلية أكل لحمه وشحمه كذلك، وأصالة الطهارة أو الحلية بما أنها تعبد بالطهارة ظاهراً أو الحلية كذلك فلا تكشف عن القابلية فيه فيجري الاستصحاب في ناحية عدم تذكية المشكوك حتى بناءً على أن التذكية عنوان لعدة اُمور يدخل فيها قابلية الحيوان شرطاً أو جزءاً، ومما ذكر يظهر أنه لا يفيد في إثبات التذكية أصالة الحلية مع أنها غير ثابتة في الشبهات الحكمية والمتحصل مع فري الأوداج في مثل الكلب لا يصدق أنه مذكى، لا أنّه مذكى ولا يترتب عليه حكم المذكي للتخصيص، وعدم صدقها عليه يكشف عن أخذ خصوصية للحيوان في التذكية، والأصل عدم تلك الخصوصية في الحيوان المشكوك المفروض في المقام. نعم لو ثبت ببعض الخطابات الشرعية بإطلاقها أو عمومها قابلية كل حيوان للتذكية فلا يكون لجريان الاستصحاب في ناحية عدمها مجال. فقد يستظهر ذلك من قوله سبحانه (إلاّ ما ذكّيتم)(1) بدعوى ان التذكية من الاُمور العرفية الثابت لها قيود شرعاً، فمع صدق العنوان في حيوان يحكم بحلية أكل لحمه نظير ذلك بخطاب حلّ البيع أو غيرها من العناوين العرفية التي جعلت موضوعات للأحكام الشرعية.







والحاصل أن التذكية لها معنى عرفي فيحمل عليه قوله سبحانه: (إلاّ ما ذكّيتم)غاية الأمر قد ثبتت لها بعض القيود شرعاً ومع صدق العنوان على ذبح حيوان يكون الإطلاق متبعاً فيه، وفيه أن التذكية في الحيوان اعتبار شرعي في الحيوان ولم يثبت أن معناها العرفي موضوع للحكم بالحلية مع قوله سبحانه (إلاّ ما ذكّيتم) استثناء عما نهى قبل ذلك من (المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)(2)، والظاهر أنه بيان للسبب الذي يجوز معه أكل الحيوان المحلل أكله نظير قوله سبحانه: (فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه)(3)، وقوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم)(4) لا في مقام بيان تمييز الحيوانات التي يحل أكل لحمها بعد التذكية والتي لا يحل أكلها ولو بعد التذكية.















في الشك في تذكية الحيوان







نعم يمكن استظهار قابلية كل حيوان ذي جلد للتذكية من بعض الروايات كصحيحة على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن لباس الفراء والسمور والفنك وجميع الجلود قال: لا بأس بذلك»(5)، فإنها بضميمة ما دلّ على النهي عن الانتفاع بالميتة تكون دالة على قبول كل حيوان ذي جلد للتذكية، وكذا يستفاد قابلية السباع لها من موثقة سماعة قال: «سألته عن جلود السباع أينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا»(6)، وعلى الجملة إذا أمكن استظهار كون الحيوان المفروض في المقام قابل للتذكية وسقط الاستصحاب في ناحية عدمها، يحكم بكونه محلل الأكل أخذاً بحديث الرفع و: «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» وإلاّ فمقتضاه عدم كون الحيوان مذكى فلا يجوز أكل لحمه، نعم لا يحكم بنجاسته فإن الاستصحاب في ناحية عدمها لا يثبت أنه ميتة، والنجاسة مترتبة في الأدلة على الميتة لا على عدم كون الحيوان مذكى، هذا كله في الشبهة الحكمية فيما إذا شك في قبول الحيوان التذكية، وأما إذا أحرز كون حيوان قابل للتذكية وشك في كونه محلل الأكل أو محرم الأكل بالشبهة الحكمية فلا بأس بأكل لحمه وشحمه أخذاً في الاستصحاب في ناحية جعل عدم الحرمة له بعد ذبحه وتذكيته، ودعوى أن هذا الاستصحاب معارض بالاستصحاب في عدم جعل الحلية لأكل لحمه فقد تقدم عدم المعارضة حيث لا يلزم من الاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالإجمال، وعلى تقدير المعارضة يرجع في احتمال حرمة أكل لحمه بحديث الرفع ونحوه مما يكون مقتضاه الترخيص في الارتكاب.







كما أنه لا مجال لدعوى أن مقتضى الاستصحاب في المفروض عدم جواز أكل لحمه وشحمه لأنّ الحيوان يحرم أكله حال حياته، ويحتمل بقاء تلك الحرمة بعد تذكيته أيضاً، والوجه في عدم المجال أن حرمة أكل لحمه وشحمه لكون المقطوع من الحيوان حتى إذا كان محلل الأكل لكونه من الجزء المبان من الحي، وحرمة أكل الحيوان حياً فيما إذا أمكن كالسمك الصغار لم تثبت حرمته، وعلى تقدير الإغماض وحرمة التسليم فالاستصحاب في بقاء الحرمة معارض بالاستصحاب في عدم جعل الحرمة لأكل لحمه بعد تذكيته.







ولا فرق في الرجوع بأصالة عدم جعل الحرمة لأكل لحم الحيوان وشحمه بعد إحراز كونه قابلا للتذكية وكونه مذكى والشك في حليته وحرمته بين أن تكون الشبهة حكمية أو موضوعية، بل يجري في الشبهة الموضوعية أصالة الحل التي استظهرنا من رواياتها عدم عمومها للشبهة الحكمية، فقد ذكرنا الحكم في الصور الثلاث، وأمّا الصورة الرابعة: وهي ما إذا اُحرز أن الحيوان كان قابلا للتذكية ويشك في بقائه على القابلية بالشبهة الحكمية، كما إذا لم يحرز أن الجلل في الحيوان يوجب ارتفاع قابليته للتذكية أم لا، ففي هذه الصورة يجري الاستصحاب في بقائه على ما كان بلا فرق بين القول باعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية أو قيل بعدم اعتباره للمعارضة أو لحكومة الاستصحاب في عدم الجعل على الاستصحاب في بقاء المجعول، وذلك لأنّ القابلية على تقدير اعتبارها في التذكية جزءاً أو شرطاً أمر تكويني يشك في بقائها وبضمها إلى سائر ما يعتبر في التذكية وجداناً يتم الموضوع لطهارة الحيوان وحلّه.







وقد يقال: بكون القابلية شرطاً لا جزءاً من تذكية الحيوان، فإن التذكية فعل الفاعل في ظاهر الخطابات كما في قوله سبحانه (إلاّ ما ذكّيتم) حيث إن ظاهر إسناد التذكية إلى الفاعلين، وقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير: «ذكّاه الذبح»(7) وقوله (عليه السلام) في جواب من سأله «أو ليس مما ذكّي بالحديد، قال: بلى»(8)، ولكن لا يمكن المساعدة عليه فإنه يمكن إسناد السبب إلى شخص إذا كان تمامه بفعله كما يمكن إسناد المسبب إليه إذا كان سببه أو تمام سببه بفعله.







الصورة الخامسة: ـ ولم يتعرض لها الماتن (قدس سره) ـ ما إذا شك في اعتبار شيء في التذكية من غير جهة القابلية لها، كما إذا شك في أن الذبح بالحديد معتبر فيها أو أنها تحصل بغير الحديد أيضاً، ومع ثبوت الإطلاق لرفع هذا الشك فهو، وإلاّ فقد يتوهم جريان أصالة البراءة في شرطية الحديد أو قيديته يمنع من جريان الاستصحاب في ناحية عدم التذكية إذا ذبح بغير الحديد، ولكن لا يخفى أنه لا مورد في المفروض في هذه الصورة لا لأصالة البراءة ولا لاستصحاب عدم التذكية، وأما عدم جريان الاستصحاب في عدم التذكية للشك في معناها الاعتباري فإن المقام داخل في الشبهة المفهومية، وأما عدم جريان أصالة البراءة في اعتبار قيدية الحديد فإن اعتبار التذكية لفري الأوداج بالحديد مقطوع، والشك في اعتبارها في فريها بغير الحديد، وبتعبير آخر إذا كان الحكم انحلالياً وشك في اعتبار قيد لموضوعه الانحلالي فمع عدم الإطلاق ـ كما هو المفروض ـ يثبت الحكم للأفراد الواجدة لذلك القيد، وجعله على الأفراد الفاقدة غير محرز، والأصل عدم جعله واعتبار التذكية يدخل في اعتبار الحكم الانحلالي وجعله ولا يقاس المقام بتردد متعلق التكليف بين المطلق والمقيد حيث تجري فيه أصالة البراءة عن تعلقه بالمقيد حيث إن الوجوب يتعلق بصرف الوجود من الطبيعي لا بشرط أو بالطبيعي المقيّد.







بقي في المقام أمر وهو أن الموضوع للنجاسة هو الميتة والمراد منها مقابل المذكى، والمذكى هو ما استند موته إلى التذكية فيكون المراد من الميتة ما استند موته إلى غير التذكية، والاستصحاب في موارد جريان عدم تذكية الحيوان يحرز كونه غير مذكى فلا يجوز أكل لحمه وشحمه، ولا يجوز لبس جلده ونحوه في الصلاة؛ لأنّ المذكى موضوع لجواز الأكل وجواز اللبس في الصلاة، وحيث إن الاستصحاب لا يثبت استناد موته إلى غير التذكية فيرجع في طهارته إلى أصالة الطهارة بل إلى عدم كونه ميتة، أقول: قد ذكرنا في بحث الفقه أنه لابد من رفع اليد عن هذه القاعدة في الحيوان الذي تكون تذكيته بالذبح أو النحر، فمع جريان الاستصحاب في عدم تذكيته يحكم بنجاسته وتفصيل الكلام في بحث نجاسة الميتة، وربما يقال: إن الموضوع للنجاسة كحرمة الأكل وعدم جواز الصلاة هو غير المذكى لا عنوان الميتة، ويستظهر ذلك من رواية قاسم الصيقل حيث ورد فيها «فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس»(9) والمراد بنفي البأس الطهارة، والمفهوم أنه إن لم يكن ما تعمل ذكياً فما تعمل نجس وعليه فالاستصحاب في عدم التذكية يثبت أنه نجس.







وفيه أنّه مع الغمض عن ضعفها سنداً لا دلالة لها على أن الموضوع للنجاسة عدم كون الحيوان مذكى، فإن القضية الشرطية فيها مفروضة في كلام السائل ونفي البأس فيها عن الصلاة مع إصابة الثوب ليس لها مفهوم، بل هي في مقابل ما فرضه السائل من عمله قبلا من جلود الحمر الميتة وكتابة ذلك إلى أبيه (عليه السلام) وأمره باتخاذ الثوب الآخر لصلاته، ومقتضى الجواب لا يلزم اتخاذ الثوب الآخر مع العمل من جلود الحمر الوحشية الذكية، وإلاّ فلم يكن لأخذ قيد الوحشية في الجواب وجهاً كما لا يخفى.















(1). سورة المائدة: الآية 3.







(2). سورة المائدة: الآية 3.







(3). سورة الأنعام: الآية 118.







(4). سورة المائدة: الآية 4.







(5). وسائل الشيعة 4:352، الباب 5 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.







(6). وسائل الشيعة 3:489، الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث 2.







(7). وسائل الشيعة 4:345، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.







(8). المصدر السابق: الحديث 2.







(9). وسائل الشيعة 3:489، الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.































الثاني: أنه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعاً وعقلاً[1].







وما قيل في دفعه: من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة[2] من جميع الجهات عدا نية القربة... قلت: لا يخفى أن منشأ الإشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها، مما يتعلق به الأمر[3].







فظهر أنه لو قيل بدلالة أخبار (من بلغه ثواب) على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب، ولو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه[4].







ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الأخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب[5].







الثالث: أنّه لا يخفى أن النهي عن شيء إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان...[6].







الرابع: أنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا، ولا يخفى أنه مطلقاً كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة[7].















في جريان الاحتياط في العبادات















[1] لا ينبغي التأمل في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا فإنه ورد الترغيب والإرشاد إليه في الخطابات الشرعية واستقل العقل بأن الاحتياط يوجب استحقاق الثواب للإطاعة أو الانقياد في الشبهات الحكمية والموضوعية التحريمية والوجوبية في العبادات وغيرها، ولكن ربما يشكل في إمكان الاحتياط في العبادات في الشبهة الوجوبية فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب، والوجه في الاشكال أن الاحتياط في الشبهة الوجوبية يتحقق بالإتيان بالواجب الواقعي على تقديره بتمام قيوده والاُمور المعتبرة فيه، غير أنه لا يعلم وجوبه واقعاً، وهذا لا يتحقق في الشبهة الوجوبية في العبادة المشار إليها؛ لأنّ من القيود المعتبرة في العبادة قصد التقرب عند الإتيان بالمعنى المتقدم في بحث التعبدي والتوصلي أي الإتيان بها بداعي الأمر بها، وهذا لا يمكن إلاّ إذا تردد أمر العبادة بين الوجوب والاستحباب، حيث يؤتى بالفعل بداعي ذلك الأمر الواقعي وإن لم يعلم أنه الوجوب أو الاستحباب، وأما مع عدم إحراز الأمر بها أصلا ـ كما في تردد أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب ـ فلا يمكن الإتيان بها بداعوية الأمر، بل أقصاه الإتيان بها بداعوية احتمال الأمر.







وقد اُجيب عن هذا الإشكال بإمكان الإتيان بها المحتمل كونها واجبة واقعاً بداعوية الأمر بالاحتياط، حيث إن حكم العقل بحسن الاحتياط كاشفاً بنحو اللم عن مطلوبيته شرعاً، كما أن ترتب الثواب عليه كاشف عن تلك المطلوبية بنحو الإن، وقد أشار الماتن (قدس سره) إلى هذا الجواب وردّه بأن حسن الاحتياط لا يجدي في رفع الإشكال؛ وذلك فإن تعلق الأمر الاستحبابي بالاحتياط لا يصحح انطباق عنوان الاحتياط على ما لا يكون عنوانه منطبقاً عليه بدون ذلك الأمر، فإن الأمر المتعلق بعنوان نظير العرض من معروضه، وكما أن المعروض لا يتمكن أن يتوقف في حصوله على عارضه وإلاّ لدار؛ لتوقف العارض في حصوله على المعروض، كذلك انطباق متعلق الأمر على عمل لا يمكن أن يتوقف على سراية الأمر به إلى ذلك العمل الخارجي، بل يعتبر أن ينطبق متعلق الأمر عليه مع قطع النظر عن ذلك الأمر حتى يسري الأمر إلى ذلك العمل، وعلى الجملة كما أن العارض لا يمكن أن يكون من مبادئ ثبوت المعروض وحصوله كذلك الأمر بشيء لا يمكن أن يكون من مبادئ ثبوت ذلك الشيء بمعنى انطباقه على الخارج وردّه ثانياً، بأن حكم العقل بحسن الاحتياط لا يكشف عن تعلق الأمر المولوي أي الاستحباب الشرعي بنحو اللم كما لا يكشف ترتب الثواب على الاحتياط عن استحبابه، كذلك بنحو الإن حيث إن حكمه بحسنه كحكمه بحسن الطاعة لا يستلزم حكماً مولوياً كما أن الحكم بترتب الثواب كالحكم بترتبه على الطاعة إرشادي حيث إن الاحتياط يدخل في عنوان الإطاعة والانقياد.















[2] هذا هو الوجه الذي ذكره الشيخ (قدس سره) في الجواب عن الإشكال المتقدم، حيث ذكر أن المراد بالاحتياط في العبادة الإتيان بالعمل المطابق لها من جميع الجهات غير جهة قصد التقرب، وأورد عليه الماتن (قدس سره) بأن الاحتياط المحكوم بالحسن شرعاً وعقلا له معنى واحد في العبادة وغيرها، وهو الإتيان بجميع ما يعتبر فيه واقعاً على تقدير التكليف به واقعاً، وهذا غير متحقق في العبادة التي يدور أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب، ولو تعلق الأمر بالعمل المطابق للعبادة من غير جهة قصد القربة لكان هذا مطلوباً مولوياً نفسياً لا يرتبط بحسن الاحتياط عقلا أو شرعاً، نعم لو قام دليل خاص في مورد دوران أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب أمر بالاحتياط فيها، فيحمل على أن المراد من الاحتياط في ذلك المورد ما ذكره إذا لم يكن الالتزام فيه بالاحتياط بمعناه الحقيقي ويكون الحمل عليه في الحقيقة التزاماً بالإشكال بعدم جريان الاحتياط في تلك العبادة حقيقة.







أقول: إذا ورد في خطاب الأمر بالاحتياط فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب لا يمكن حمله على أن المراد بالاحتياط المعنى الذي ذكره الماتن، واستظهره من كلام الشيخ (قدس سره) وأورد عليه بأن الأمر بالعمل المطابق للعبادة من جميع الجهات غير جهة قصد التقرب يكون مولوياً نفسياً متعلقاً بذات العمل المطابق للعبادة الواقعية على تقدير الوجوب واقعاً، فإنه على هذا التقدير لا دليل على اعتبار قصد التقرب في الإتيان بمتعلق هذا الأمر فيصبح توصلياً ولا أظن بالماتن أو الشيخ الالتزام بالاستحباب النفسي التوصلي، بل الظاهر أن مراد الشيخ (قدس سره) أن الشارع قد وسّع في قصد التقرب المعتبر في العبادة عند الجهل بوجوبها سواءً كان أمرها دائر بين الوجوب والاستحباب أو بين الوجوب وغير الاستحباب. فيجوز في الاحتياط فيها الإتيان بالعمل المطابق للعبادة من جميع الجهات من غير جهة قصد التقرب فإن قصده في مقام الاحتياط والجهل بالواقع بالإتيان بها لاحتمال وجوبها الواقعي، وهذا التقرب غير مطابق لقصد التقرب المعتبر فيها على تقدير العلم بوجوبها فيكون الأمر بالاحتياط عند الجهل طريقياً استحبابياً أو إرشادياً على ما يأتي.















[3] وأجاب الماتن (قدس سره) أن منشأ الإشكال في جريان الاحتياط فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب هو تخيل أن قصد التقرب المعتبر في العبادة كسائر شروطها وقيودها مما يؤخذ في متعلق الأمر بها، وبما أن الاحتياط في العبادة يكون بالاحتياط بمتعلق الوجوب على تقديره واقعاً، قيل بعدم إمكان الإتيان بالمتعلق عند الجهل بالوجوب ودوران أمرها بينه وبين غير الاستحباب، ولكن الأمر ليس كذلك فإن قصد التقرب المعتبر في العبادة غير مأخوذ في متعلق التكليف إنما يكون له دخل في حصول الغرض من متعلق الأمر فقط على ما ذكر في بحث التعبدي والتوصلي، وعليه يكون المأتي به في مقام الاحتياط تمام ما تعلق به الأمر الوجوبي على تقديره واقعاً من غير نقص فيه، غاية الأمر لابد من كون الإتيان به على نحو لو كان في الواقع أمر بها كان الإتيان المزبور مقرباً بأن يؤتى به بداعي احتمال الأمر أو احتمال كونه محبوباً للّه سبحانه، بحيث يكون على تقدير الأمر بها واقعاً الإتيان إطاعة وعلى عدمه انقياداً للّه سبحانه فيستحق الثواب على التقديرين، فإن الانقياد لجنابه يوجب استحقاقه كالطاعة له، فلا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات حتى فيما دار أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب إلى تعلق الأمر بتلك العبادة.







أقول: لا يخفى أنه لا فرق بين القول بعدم إمكان أخذ قصد التقرب في متعلق الأمر أو القول بإمكانه وأنه يؤخذ في متعلق الأمر، فإنه لو كان قصد التقرب منحصراً على الإتيان بالعمل بداعوية الأمر به ولو كان الأمر به ضمنياً فلا يمكن الإتيان بالعبادة بداعوية الأمر بها فيما دار الأمر فيها بين الوجوب وغير الاستحباب، حيث لا يمكن الإتيان بها بداعوية الأمر بها حتى مع فرض أن الأمر يتعلق في العبادات بذات العمل، فإن الإتيان بداعوية الأمر يتوقف على إحراز الأمر بها وإلاّ كان الإتيان المزبور تشريعاً، وإن قلنا بأن قصد التقرب لا ينحصر على ذلك، بل المعتبر فيه انتساب الإتيان واضافته إلى اللّه سبحانه بنحو كما هو الصحيح، فهذه الإضافة كما تحصل بالإتيان بداعوية الأمر عند إحرازه كذلك تحصل بغيره أيضاً، ومنه الإتيان لاحتمال الأمر بها فيكون العمل مع انضمام هذا التقرب موجباً لتعنونه بعنوان الاحتياط، سواء قيل بأخذ قصد التقرب في متعلق الأمر أم لا، وعلى الجملة فما ذكره (قدس سره)من ابتناء الإشكال على أخذ قصد التقرب في متعلق الأمر بالعبادة غير صحيح، بل الإشكال مبني على انحصار قصد التقرب المعتبر في العبادة على الإتيان بها بداعوية الأمر بها فتدبر جيداً.







بقي في المقام أمران: الأول: أنه قد تقدم حسن الاحتياط عقلا وشرعاً ويقع الكلام في أن أمر الشارع بالاحتياط مولوي أو إرشادي وأن حكم العقل بحسنه يكشف عن أمر الشارع به من باب الملازمة، أو أن حكمه بالحسن في مرتبة الامتثال فاعلي لا يكشف عن الأمر المولوي من الشارع، ظاهر كلام الماتن عدم كشف حكمه بالحسن عن الأمر المولوي بنحو اللم ولا يكون أمر الشارع إلاّ إرشادياً، وقد صرح المحقق النائيني (قدس سره) أنه لا مورد للملازمة في المقام، فإن حكم العقل بحسنه للتحفظ على المصلحة الواقعية على تقديرها باستيفائها والاجتناب عن المفسدة الواقعية على تقديرها بعدم الابتلاء بها، وهذا الحكم من العقل واقع في سلسلة المعلومات والأحكام الشرعية لا يلازم حكماً شرعياً مولوياً، وتنحصر الملازمة على ما كان حكمه في سلسلة علل الأحكام وملاكاتها، وبالجملة حكم العقل بحسن الاحتياط كحكمه بحسن الطاعة في كونه غير قابل للحكم المولوي هذا بالإضافة إلى الحكم النفسي، وأما بالإضافة إلى الحكم الشرعي المولوي الطريقي فإن شأنه تنجيز الثواب في موارد الترخيص الظاهري، والمفروض استحقاق المكلف المثوبة بحكم العقل إما على الطاعة أو الانقياد مع قطع النظر عن أمر الشارع بالاحتياط.







أقول: يظهر من بعض الأخبار أن للاحتياط أثراً آخر مطلوباً غير استيفاء ما في الواقع من المصلحة على تقدير الوجوب وغير عدم الابتلاء بالمفسدة على تقدير الحرمة وهو توطين النفس للاجتناب عن المحارم وتعودها على المواظبة على الواجبات نظير قوله (عليه السلام): «من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حمى اللّه، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يدخلها»(1)، ولكن حكم العقل بحسنه ليس بهذا الملاك وظاهر عمدة الخطابات الشرعية أن الأمر بالاحتياط والوقوف عند الشبهات أنّه للتحفظ على احتمال التكليف وعدم الابتلاء بالمفسدة الواقعية، وهذا الأمر لا يكون إلاّ إرشادياً والكلام في الأمر به مولوياً طريقياً استحبابياً، وحيث إن هذا الأمر الطريقي لتنجيز الواقع عقاباً أو لا أقل ثواباً، والمفروض عدم ترتبه على الأمر به لاستقلال العقل باستحقاق المحتاط للمثوبة للطاعة أو للانقياد فلا يبقى موجب للأمر الطريقي به اللهم إلاّ أن يقال: استقلال العقل بما ذكر ما لم يكن في الاحتياط جهة مرجوحة، ويحتمل مع قطع النظر عن الأخبار الواردة فيها الأمر به أن يكون فيه الجهة المشار اليها الموجبة للمزاحمة مع المصلحة الواقعية أو المفسدة الواقعية، وتكون مرجوحة عند الشارع، فللشارع الأمر بها طريقياً غير لزومياً لتنجيز الثواب، وعليه فلا يقاس الأمر به بالأمر بالطاعة في موارد ثبوت التكليف وإحرازه، حيث لا يعقل الأمر به إلاّ ارشاداً وليس كل حكم للعقل في سلسلة الأحكام إرشادياً محضاً، بل ربما يكون مولوياً، وماورد في بعض الروايات المشار إليها من قبيل ذكر الفوائد المترتبة على الاحتياط وليس من بيان ملاك أمر الشارع بالاحتياط في الشبهات كما لا يخفى.







الأمر الثاني، ذكر النائيني (قدس سره) أنه على تقدير كون الأمر بالاحتياط مولوياً، والبناء على سراية هذا الأمر إلى العمل، فلا يكون العمل عبادة إذا أتى بداعوية الأمر بالاحتياط، بل الموجب لعباديته على تقدير وجوبه واقعاً وقوعه لاحتمال الوجوب الواقعي، وذلك فإن الأمر بالاحتياط في نفسه توصلي لجريانه في التوصليات أيضاً، ودعوى أن الأمر بالاحتياط يكتسب التعبدية من الوجوب الواقعي على تقديره غير صحيح، وذلك فإن العمل الواحد إذا تعلق به أمران أحدهما تعبدي والآخر توصلي، كما إذا نذر المكلف صلاة الليل يكتسب الأمر التوصلي وهو وجوب الوفاء بالنذر التعبدية من الاستحباب النفسي المتعلق بصلاة الليل، فإن الأمر بوجوب الوفاء يسري إلى صلاة الليل ولا يكون متعلقاً بصلاة الليل المستحبة، بأن يكون الأمر بها من ناحية وجوب الوفاء بالنذر طولياً، حيث إنه لا يمكن الإتيان بصلاتها المستحبةً بعد تعلق النذر مستحيل، فلا يتعلق النذر إلاّ بصلاة الليل والإتيان بها بداعوية الأمر بالوفاء بالنذر تجعلها عبادة، بخلاف ما إذا استؤجر للإتيان بعبادة مستحبة أو واجبة نيابة حيث يكون وجوب الوفاء بالإجارة في طول الأمر بتلك العبادة المستحبة أو الواجبة، فالموجب لعباديتها الإتيان بها لاستحبابها أو وجوبها في نفسها، وإذا أتى بتلك العبادة بداعوية الأمر بالإجارة لا بداعي وجوبها أو استحبابها في نفسها لا تكون عبادة لأنّ اكتساب العبادية لوجوب الوفاء بالإجارة عن الوجوب أو الاستحباب المتعلق بذلك الأمر لا يمكن لطولية الأمر بالإجارة وتعدد متعلق الأمرين، وفي المقام أيضاً، الأمر المتعلق بالفعل على تقديره واقعاً مع الأمر بالاحتياط، نظير الأمر بالعمل مع الأمر بالوفاء بالإجارة طولى مع تعدد المتعلقين، فلا يمكن أن يكتسب الأمر بالاحتياط العبادية من الوجوب المحتمل واقعاً، على تقدير تعلقه بالعمل، بل لابد في امتثال الوجوب المحتمل من الإتيان بالعبادة بداعى احتمال الأمر به لتقع عبادة.







أقول: قد ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي أن كون فعل عبادة لا يسقط الأمر به بمجرد الإتيان بذات الفعل لاعتبار قصد التقرب وأخذه في متعلق الأمر به، وإلاّ فلا فرق في ناحية نفس الأمر في التوصلي والتعبدي حيث يكون الغرض من نفس الأمر بالمتعلق فيهما إمكان دعوته إلى متعلقه بوصوله إلى المكلف والمصحح لقصد القربة إضافة العمل إلى اللّه سبحانه بأن يؤتى بالفعل له، ويحصل هذا إذا حصل الفعل في التوصلي بداعوية الأمر به إلى العمل والأمر بالاحتياط أيضاً توصلي، ولكن لا يكون الأمر به داعياً إلى العمل إلاّ إذا كان العمل مع قطع النظر عن الأمر بالاحتياط مصداقاً للاحتياط، ولو قيل بأن الاحتياط لا يتحقق إلاّ مع الإتيان بقصد التقرب الذي هو الإتيان بداعوية الأمر بالعمل فلا يتحقق هذا التقرب فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب، ولكن لو قلنا بكفاية مطلق إضافة الفعل إلى اللّه يكفي في تحققه الإتيان لاحتمال وجوب العمل، وما ذكره (قدس سره) من أن المصحح لقصد التقرب للعبادة عن المنوب عنه الأمر النفسي التعبدي المتوجه إلى المنوب عنه فهذا لا يجري في النيابة عن الموتى، مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر المتوجه إلى المنوب عنه داعياً للأجير إلى العمل، نعم النيابة عن الميت في نفسها فيما فات عنه مستحب وإذا صلى نيابة عنه بداعوية الأمر الاستحبابي يتحقق قصد التقرب، وإذا آجر نفسه على القضاء عنه يكون متعلق الأمر بالإجارة ووجوب الوفاء بها عين متعلق ذلك الأمر الاستحبابي المتعلق بالنيابة فيكتسب الوجوب الآتي من قبل عقد الإجارة متحداً مع الأمر النفسي المتعلق بالنيابة نظير اتحاد متعلق وجوب الوفاء بالنذر مع متعلق الأمر بصلاة الليل، ولكن قد لا يكون ذلك الأمر النفسي، ومع ذلك تصح النيابة عن الغير وتصح الإجارة ويتحقق قصد التقرب في عمل الأجير أيضاً كما في بعث المستطيع الذي صار عاجزاً عن المباشرة للغير في الحج عنه في حجة الإسلام، فإن البعث تكليف للعاجز والنيابة عنه بلا بعثه بإجارة أو غيرها غير صحيحة، والسر في ذلك أن مع قيام الدليل على مشروعية البعث، لابد من الحكم بصحة النيابة عنه في الحج، ومجرد قصد النائب الحج عنه وفاءً لعقد الإجارة يوجب تحقق قصد التقرب وأخذ الاُجرة من قبيل الداعي إلى الداعي فلا ينافي قصده، وفيما نحن فيه أيضاً إذ أتى المكلف العبادة ـ المحتمل وجوبه ـ بداعوية الأمر بالاحتياط وكان في الواقع واجباً حصل قصد القربة فلا ينحصر قصد التقرب في كون الداعي إلى الإتيان به مجرد احتمال وجوبه بل يمكن أخذ احتمال الوجوب وصفاً في العمل ويؤتى بداعوية الأمر بالاحتياط.















[4] قد يقال: بأنه إذا قيل بدلالة أخبار من بلغ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف، فيمكن جريان الاحتياط في العبادة الدائرة بين الوجوب وغير الاستحباب أو الاستحباب وغير الوجوب مع ورود خبر ضعيف في وجوبها أو في استحبابها، حيث يمكن الإتيان بها بداعوية الأمر الاستحبابي المستفاد من تلك الأخبار، ويتحقق بذلك قصد التقرب المعتبر في العبادة، وأجاب الماتن (قدس سره) بأنه لو قيل باستحباب ذلك العمل بورود خبر ضعيف في وجوبها أو استحبابها لا يكون الإتيان بها بداعوية هذا الأمر احتياطاً، بل من قبيل الإتيان بعمل مستحب بعنوانه الثانوي.















[5] ثم قال: ولو قيل بأن ما ذكر فيما لو قيل بأن مفاد أخبار من بلغ استحباب العمل بعنوانه الثانوي، وأما إذا قلنا بأن مفادها استحبابها هو محتمل الوجوب أو الاستحباب بأن يستحب الإتيان بها بعنوان الاحتياط فيصح الإتيان بها بداعوية هذا الأمر الاستحبابي، فيكون احتياطاً مع تحقق قصد التقرب، وأجاب عن ذلك أولا: بأنه على ذلك، فالأمر المستفاد كالأمر بالاحتياط توصلي لا يوجب الإتيان بداعويته وقوع العمل عبادة، فإن الموجب لوقوع العمل عبادة قصد الأمر التعبدي بها، وأجاب ثانياً: بأنه لو كان الأمر بالاحتياط استحباباً تعبدياً فلا يجدي أيضاً في جريان الاحتياط في العبادة المرددة بين الوجوب وغير الاستحباب، أو بين الاستحباب وغير الوجوب؛ لأنّ الأمر الاستحبابي التعبدي تعلق بما يكون احتياطاً مع قطع النظر عن هذا الأمر كما تقدم سابقاً. أقول: قد تقدم أن قصد التقرب المعتبر في العبادة هو إضافة العمل إلى اللّه سبحانه عند الإتيان مع تعلق الأمر به واقعاً، وهذا القصد لا يتوقف على إحراز الأمر به واقعاً ولا على ثبوت الأمر المولوي المتعلق به بعنوان الاحتياط فلا نعيد، أقول: حيث انجر الكلام إلى أخبار من بلغ فلا بأس بالنظر اليها ليظهر أن مفادها استحباب نفس العمل البالغ عليه الثواب، كما هو ظاهر الماتن (قدس سره) أو استحباب الاحتياط مولوياً أو أن مفادها كمفاد الأخبار الواردة في الاحتياط إرشاد إلى حسن الاحتياط، وقد جعل في الوسائل من مقدمات العبادات باباً وروى فيه تسع روايات على اختلاف مضامينها، والتام سنداً منها روايتان، إحداهما: ما عن المحاسن، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من بلغه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) لم يقله»(2)، والاُخرى: ما عن الكليني (قدس سره) عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له، وإن لم يكن على ما بلغه»(3)، وذكر الماتن أن المستفاد استحباب نفس العمل ببلوغ الثواب وكأن بلوغه يوجب استحبابه، ووجه الاستفادة ظهور الصحيحة الاُولى في ترتب الثواب على نفس العمل مطلقاً، ولولم يكن الخبر البالغ به الثواب عليه صادقاً وترتب الثواب على نفس العمل يكشف عن استحبابه، فإنه لا معنى لترتبه على نفس عمل لم يكن محبوباً شرعاً، نعم لو كان ترتبه على العمل برجاء إدراك الواقع واحتمال كونه مطلوباً واقعاً، بأن كان بعنوان الاحتياط لم يكن كاشفاً عن استحباب نفس العمل حيث إن ترتب الثواب على الانقياد كترتبه على الطاعة لا يكشف عن الأمر المولوي بهما.







وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن مدلولها ترتب الثواب على العمل البالغ عليه الثواب فيما إذا أتى برجاء إدراك الواقع وبعنوان الاحتياط، وعليه فلا يكون ترتب الثواب عليه كاشفاً عن استحباب نفس العمل ولو بعنوانه الثانوي، ووجه كون مدلولها ما ذكر أمران، أحدهما: أنه سلام اللّه عليه فرّع العمل على بلوغ الخبر، وقال: «من بلغه عن النبي (صلّى الله عليه وآله)شيء من الثواب فعمله» ظاهره كون بلوغه داعياً له إلى العمل، وحيث إن داعوية الخبر البالغ عند ضعفه لاحتمال صدقه وأصابته الواقع فيكون الإتيان برجاء الواقع وترتب الثواب على العمل كذلك لا يكشف عن استحبابه، وثانيهما: أنه قد قيّد العمل المترتب عليه الثواب بما إذا كان الإتيان طلباً لقول النبي (صلّى الله عليه وآله) فيكون التقييد موجباً لحمل سائر الإطلاقات عليه.







وقد أورد الماتن على كل من الوجهين، أما ما أورد به على الوجه الأول فلأن ظاهر الصحيحة وإن يكن ترتب العمل على البلوغ وكونه هو الداعي له إلى الإتيان، إلاّ أن معنى الداعي أنه لولم يكن بلوغ الثواب عليه لم يعمل، وإذا دعاه البلوغ إلى العمل فتارة يقصده بما هو هو واُخرى يقصده برجاء إصابة قول النبي (صلّى الله عليه وآله) وحيث لم يقيد في الصحيحة الثواب المعطى بالصورة الثانية لولم يكن ظاهرها ترتبه على الإتيان بالنحو الأول يكون ذلك كاشفاً عن مطلوبية ذلك الشيء ببلوغ الثواب عليه، وبالجملة فرض كون بلوغ خبر الثواب داعياً له إلى العمل لا يوجب تقييد عمله برجاء إدراك الواقع.







وأما الوجه الثاني: فإن حمل المطلق على المقيد إنما هو في فرض وحدة الحكم بخلاف مثل المقام، حيث يمكن ترتب الثواب على العمل بالخبر الذي بلغ به الثواب عليه، وما إذا أتى بالعمل المزبور لرجاء إدراك الواقع ويمكن بعد فرض استحباب العمل ببلوغ الخبر أن يكون إعطاء الثواب للإطاعة أي امتثال الأمر المتعلق بذلك العمل لا للاحتياط والانقياد فيكون وزان الأخبار وزان من سرح لحيته أو من صام يوم كذا أو صلى بكذا فله كذا، ولذا أفتى المشهور باستحباب العمل في هذه الموارد.







أقول: إذا فرض البلوغ بخبر ضعيف فلا تكون داعويته إلى العمل إلاّ بالإتيان برجاء اصابة الواقع كما إذا كان البلوغ بخبر معتبر كان الإتيان به بنحو المطلوبية الواقعية لإحرازها، وترتب الثواب على العمل في بعض الروايات وإن كان صحيحاً، إلاّ أن المراد العمل على مقتضى البلوغ، والمراد من الأجر في الصحيحة هو خصوص الثواب البالغ في الخبر لا مطلق الأجر والثواب، ويفصح عن كون المراد الثواب البالغ ظاهر صحيحة هشام بن سالم(4) المروية في «الكافي» فإنها مع ما في «المحاسن»(5)رواية واحدة قد وصلت بطريقين، والحاصل لا تكون الصحيحة بظاهرها استحباب نفس العمل البالغ عليه الثواب حتى مع فرض عدم صدق الخبر، بل ولا استحباب العمل بالاحتياط مولوياً، فإن الثواب المعطى إما على الطاعة أو الانقياد، كما لا مجال لدعوى أن المستفاد من تلك الأخبار إلغاء الشرائط المعتبرة في اعتبار الخبر بالإضافة إلى الأخبار الواردة في المستحبات أو مطلق غير الإلزاميات، والوجه في عدم المجال لها أن الوارد في الأخبار إعطاء الثواب البالغ للعامل حتى في فرض عدم صدق الخبر، وهذا ليس من لوازم الحجية للخبر ليكون ترتّبه كاشفاً عن اعتبار الخبر، ولو كان المراد منها إلغاء الشرائط المعتبرة في حجية الخبر في الإلزاميات لو ردّ الأمر فيها بالعمل على الخبر سواء عرف المخبر بالعدالة أو الثقة أو جهل أو عرف بخلاف ذلك، ومما ذكر يظهر أنه لا يترتب على ذلك العمل الأثر المترتب على العمل المشروع والمستحب، كما إذا بنى على استغناء كل غسل مستحب أو واجب عن الوضوء فلا تترتب مشروعية الاستغناء واستحبابه على الغسل الوارد في خبر ضعيف أو ورد خبر ـ في طريقه ضعف ـ في ترتب الثواب عليه.







لا يقال: على ما ذكر فلا تكون أخبار من بلغ إلاّ متضمنة لحكم إرشادي محض ويصبح كاللغو، حيث إن الأمر بالاحتياط مغن عن هذا الإرشاد، والعقل مستقل باستحقاق المنقاد للتفضل عليه بالثواب كاستحقاق المطيع، مع أن ظاهر الأخبار ثبوت خصوصية في مدلولها، فإنه يقال يزيد مدلول هذه الأخبار على ما هو عند العقل بكون الانقياد موجباً للتفضل عليه بالثواب، وأما تعيين ذلك الثواب فلا سبيل للعقل إليه، وظاهر صحيحة هشام بن سالم بل وغيرها يعيّن الثواب بالثواب البالغ في الخبر سواء كان صدقاً أم لا.







فيكون مدلولها الوعد بالتفضل الخاص، نظير قوله سبحانه (ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار)(6) حيث لا يستقل العقل باستحقاق المطيع هذا الثواب قبل الوعد به.















في الثمرة بين الأقوال في أخبار من بلغ







وربما يقال بظهور الثمرة فيما إذا ورد خبر ضعيف في كون عمل ذا ثواب، ودل إطلاق أو عموم في خطاب معتبر على حرمته، فإنه بناءً على كون روايات من بلغ دالة على عدم اعتبار القيود المعتبرة في الخبر القائم بالاستحباب يكون الخبر المفروض مقيداً أو مخصصاً لإطلاق الحرمة أو عمومها، وبناءً على كون مفادها استحباب ذلك العمل ببلوغ ذلك الخبر يكون الاستحباب المستفاد من تلك الروايات مزاحماً للحرمة المستفادة من العموم أو الإطلاق، فيقدم التحريم لعدم صلاحية الحكم غير الإلزامي للمزاحمة مع الإلزامي.







وفيه أن الحكم الثابت للفعل بعنوانه الثانوي يتقدم على الحكم الثابت له بعنوانه الأولي، كما إذا ورد الترخيص في الكذب الدافع لضرر الغير عنه، أو مؤمن آخر فإنه يقدم على الحكم الثابت له بعنوانه الأولي، وما يقال من أن الحكم غير الإلزامي لا يزاحم الإلزامي، إنما هو في تزاحم الحكمين في مقام الموافقة والامتثال لا في مقام تزاحم الملاكات، فإن ملاك غير الإلزامي يمكن أن يمنع عن تمامية ملاك الحكم الإلزامي، والتزاحم مع وحدة الفعل في الحكمين إنما هو في ملاكهما لا محالة؛ لأنّ الفعل الواحد لا يتحمل حكمين مختلفين، ولكن الصحيح في المقام عدم تخصيص العام أو المطلق به سواءً قيل بأن مفاد أخبار من بلغ بيان صيرورة الفعل بقيام الخبر مستحباً أم قيل بأن مفادها عدم اعتبار الشرائط المعتبرة في ناحية الخبر القائم بالإلزاميات في الخبر القائم بغير الإلزاميات، فإنها ناظرة إلى العمل الذي ورد فيه ثواب فقط، ولا يعم ما ورد فيه الدلالة على العقاب أيضاً، كما هو مقتضى العموم في خطاب التحريم أو إطلاقه، فإن الخبر الضعيف لا يكون معتبراً في الفرض ولا موجباً لاستحبابه، وربما يقال: بظهور الثمرة فيما إذا أفتى بعض الفقهاء باستحباب عمل أو وجوبه فإنه بناء على عدم اعتبار الشرائط في البلوغ وصيرورته بلوغاً معتبراً يمكن للفقيه الآخر الفتوى باستحباب ذلك العمل ولولم يكن في البين إلاّ فتوى بعض الأصحاب إذا احتمل فيه إصابة الواقع، وفيه أنه لو قيل بعدم اعتبار الشرائط في الخبر الوارد في الثواب على عمل وأنه يكون مدركاً للاستحباب أو موجباً له فلا يتعدى إلى موارد فتوى البعض، لأنه إن علم المدرك للفتوى بالاستحباب أو الوجوب ولوحظ عدم تماميته فلا يصدق بلوغ الثواب فيه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أو المعصوم (عليه السلام)، ألا ترى أنه لا يصدق بلوغ نجاسة ماء البئر عن النبي (صلّى الله عليه وآله)بوقوع النجس فيه مع ملاحظة فتوى المشهور بها، بل إذا لم يحرز المدرك لم يحرز صدق البلوغ، حيث إن الفتوى إبراز لحدسه وإنشاء له لا نقل شيء عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أو المعصوم (عليه السلام)، ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر في الرسالة بظهور الثمرة في موردين: الأول: جواز المسح ببلّة المسترسل من اللحية كما لو قام خبر ضعيف على استحبابه وقلنا بثبوت الاستحباب بالخبر الضعيف، ولا يجوز المسح ببلته بناءً على عدم ثبوت الاستحباب بذلك الخبر، وناقش في ذلك الماتن (قدس سره) في تعليقته على الرسالة، بأنه إذا كان غسل المسترسل من قبيل المستحب في الواجب ولا يكون من أجزاء الوضوء ليجوز المسح ببلته، نعم لو كان مدلول الخبر كونه جزءاً مستحباً فلا بأس بالمسح ببلته، إلاّ أن يقال: ما دلّ على اعتبار المسح ببلة الوضوء كونها من بلة الأعضاء الأصلية، أقول: الجزء المستحب مع تغاير الواجب مع المستحب بأن يكون للمستحب وجود انضمامي إلى الواجب غير صحيح، بل يكون دائماً من قبيل المستحب النفسي في ضمن واجب فلا يجوز المسح ببلته إلاّ إذا كان استحبابه ملازماً لجواز المسح ببلته، كما إذا قيل باستحباب الغسل مرتين في أعضاء الوضوء، فإنه يستلزم هذا الاستحباب جواز المسح ببلة الغسلة الثانية.







الثاني: ما إذا قام خبر ضعيف باستحباب الوضوء للنوم مثلا فإنه بناءً على ثبوت الاستحباب بالخبر الضعيف يرتفع الحدث، وأما مع عدم ثبوته لا يحرز ارتفاع الحدث به، وفيه أن الوضوء في نفسه مستحب من المحدث، ولكن يعتبر في صحته قصد التقرب، وقد تقدم أن العمل برجاء الاستحباب من قصد التقرب فلا مجال للتأمل في كونه طهارة من الحدث بالأصغر، والحمد للّه رب العالمين.















أقسام النهي عن الشيء















[6] قد يقال بعدم جريان البراءة في الشبهة الموضوعية، ولا مورد فيها لقاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ لأنّ ما على المولى بيان النهي عن الطبيعي والمفروض أنه محرز وواصل إلى المكلف، ومع ارتكاب المشتبه لا يحرز امتثال النهي عن الطبيعي فيكون ترك المشكوك مقتضى قاعدة الاشتغال، وذكر الماتن (قدس سره) أن النهي عن الطبيعي على نحوين:







النحول الأول: ما إذا تعلّق بصرف وجود الطبيعي بحيث تكون موافقته بترك جميع أفراده، ومخالفته بارتكاب أول وجود منه، حيث بعد تحقق أول الوجود لا يبقى نهي عنه ليكون الاجتناب عنه موافقة وارتكابه مخالفة، عكس ما إذا تعلق الأمر بالطبيعي بمعنى طلب صرف الوجود، فإنه بالإتيان بصرف الوجود تحصل الموافقة، وبترك جميع أفراده تحصل المخالفة، ولو كان النهي عن الطبيعي بهذا النحو يلزم الاجتناب عن الفرد المشكوك لاحراز ترك الطبيعي وعدم ارتكاب المنهي عنه يعنى الاتيان بصرف الوجود.







نعم، إذا كان المكلف تاركاً لصرف الوجود من قبل فيحكم بجواز ارتكاب الفرد المشتبه بالاستصحاب في ترك الطبيعي مع الاتيان به، فإنه كما يحرز امتثال الواجب والإتيان بصرف وجوده بالأصل كما إذا جرى الاستصحاب في وضوئه، كذلك يحرز موافقة النهي وترك الطبيعي بالأصل، وعلى الجملة فالفرد المشتبه في هذا النحو من النهي عن الطبيعي خارج عن مورد أصالة البراءة، ولو جاز تركه كما إذا كان المكلف تاركاً لصرف وجود الطبيعي من قبل فجواز ارتكابه للاستصحاب لا لأصالة البراءة.







ودعوى العلم الإجمالي بعدم جواز ارتكاب المشتبه أو الفرد الآخر بعد ارتكابه، ومقتضى هذا العلم الاجتناب عن المشتبه أيضاً، كما ترى لعدم كون هذا العلم منجزاً مع جريان الاستصحاب في بقاء النهي بعد ارتكاب المشتبه، حيث إن مقتضاه ترك الفرد الآخر بعد ارتكاب المشتبه للعلم بمخالفة النهي بعد ارتكابه، وتحقق ما هو متعلقه إما بارتكابه أو بارتكاب الفرد المشتبه من قبل، وبعد إحراز بقاء التكليف بعد ارتكاب المشتبه بالاستصحاب بعدم كون المشتبه من فرد الطبيعي أو عدم تحقق صرف الوجود منه يلزم رعاية التكليف بترك الفرد الآخر، أقول: مما ذكرنا أخيراً يظهر أنه لا يختص جواز ارتكاب المشتبه بما إذا كان المكلف قبل فعلية النهي في حقه تاركاً لصرف الوجود من الطبيعي ليستصحب بعد ارتكاب المشتبه فيحرز به الامتثال، بل الاستصحاب يجري في ناحية عدم كون ارتكاب المشتبه من تحقق صرف وجود الطبيعي ويثبت به بقاء التكليف ولو كان ارتكاب المشتبه عند فعلية التكليف من بقاء ارتكابه، وقد يقال: ما نحن فيه من قبيل دوران تكليف النهي بين أن يتعلق بالأكثر أو بالأقل، وقد يأتي أن المرجع فيه أصالة البراءة عن تعلقه بالأكثر، وبيان ذلك أن تعلق النهي بحيث يكون الزجر عن جميع الأفراد ثبوتاً زجراً واحداً تعلقه بمجموع سائر الأفراد محرز، والشك في كون المشكوك أيضاً مزجور بزجر ضمني في ضمن تعلق ذلك بمجموع الأفراد أو لم يتعلق به زجر، فأصالة البراءة عن تعلقه بالمشكوك جارية، ولكن لا يخفى أن تعلق النهي بصرف الوجود ليس من تعلقه ثبوتاً بمجموع أفراده جميعاً، بل ترك جميع الأفراد حكم عقلي حيث إن الطبيعي لا ينعدم إلاّ بترك جميعها فإدخال المقام في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين غير تام.







النحو الثاني: من تعلق النهي بالطبيعي، ما إذا كان النهي عن الطبيعي انحلالياً بأن يعتبر ثبوتاً الحرمة لكل وجود منه لتحقق ملاك الحرمة في كل من وجوداته كما هو الحال في جل الخطابات في المحرمات، وفي هذا القسم تجري أصالة البراءة بالإضافة إلى حرمة المشكوك، فإن خطاب النهي عن الطبيعي على نحو الانحلال إنما يكون بياناً للحرمة بعد إحراز صغراها لعدم تكفل الخطاب الذي هو بمفاد القضية الحقيقية لتعيين صغرياتها، ومع عدم إحرازها في مورد يكون العقاب على المخالفة على تقدير الصغرى من العقاب بلا بيان، ولا أقل من أصالة البراءة وأصالة الحل فيه.







ثم إنه لا ينحصر النهي عن شيء على أحد النحوين المذكورين، بل يمكن كونه بأحد نحوين آخرين، أحدهما: كما إذا تعلق النهي بمجموع أفراد الطبيعي في زمان أو مكان، بأن يكون المراد والمزجور عنه الإتيان بجميع الأفراد فلا يكون الإتيان ببعضها مع ترك البعض الآخر منهياً عنه، ويجوز في الفرض الإتيان ببعض أفراده المحرز كونها أفراداً له، فكيف الإتيان بالمشكوك مع ترك أفراده، نعم يقع البحث في هذا الفرض في جواز الإتيان بجميع أفراده المحرز كونها أفراداً له مع ترك المشكوك، فيقال: الظاهر عدم البأس بذلك؛ لأنّ تعلق النهي بجميعها مع الاتيان بالمشكوك محرز وتعلقه بها مع ترك المشكوك غير معلوم فتجري أصالة البراءة في ناحية تعلقه بها بدون الإتيان بالمشكوك، والمقام عكس ما ذكر في الواجب الارتباطي المردد أمره بين الأقل والأكثر؛ لأنّ ترك الأقل في الواجب الارتباطي يوجب العلم بمخالفة التكليف الوجوبي، بخلاف ترك الجزء المشكوك جزئيته مع الاتيان بالباقي بخلاف المقام، فإن الإتيان بالأفراد المحرزة مع المشكوك يوجب العلم بمخالفة النهي، بخلاف الإتيان بها مع ترك المشكوك، أقول: هذا إذا لم يكن في البين أصل موضوعي يثبت عدم كون المشكوك من أفراد الطبيعي، وإلاّ يحرز عدم كونه داخلاً في تعلق النهي.







والنحو الآخر: أن يتعلق النهي عن جميع أفراد الشيء لحصول الأمر البسيط المطلوب من ترك الجميع، كما إذا قيل بأن المطلوب وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل لا اعتبار المانعية لكل ما يدخل في الأجزاء أو توابع ما لا يؤكل لتجري أصالة البراءة عن مانعية المشكوك، نعم لو كان المصلي بدأ صلاته في غير ما لا يؤكل لحمه يقيناً ثم لبس في الأثناء ما يشك كونه مما لا يؤكل فيمكن القول بجوازه بالاستصحاب في بقاء وقوع صلاته في غير ما لا يؤكل، بل لا يبعد جريان الاستصحاب فيما لم يكن مع المكلف ما لا يؤكل قبل الصلاة، ثم لبس عند الدخول بها ما يشك في كونه مما لا يؤكل إذا كان المعتبر في الصلاة عدم كون ما لا يؤكل معه، فإنه على هذا التقدير يكون المعتبر في الصلاة بمعنى (واو) الجمع، فالصلاة محرزة بالوجدان وعدم حصول ما لا يؤكل معه في زمان وقوعها بالأصل، وبضميمة الوجدان إلى ما اُحرز بالاستصحاب يحرز وقوع متعلّق التكليف، هذا على تقدير كون المأخوذ في الصلاة وصفاً للمصلي وأما إذا كان المأخوذ في الصلاة وصف اللباس، بأن لا يكون لباسه مما لا يؤكل لحمه، فبناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية يجري الاستصحاب في عدم كون الثوب مما لا يؤكل ولو بنحو العدم الأزلي، ولكن ما ذكر إنما هو في مقام التصوير. وإلاّ فظاهر النهي عن الطبيعي سواءً كان النهي تكليفياً أو وضعياً في الانحلال، وعليه فأصالة البراءة عن مانعية المشكوك للصلاة جارية، لا يقال: الاستصحاب في عدم كون اللباس من غير مأكول اللحم أو عدم كون المصلي لابساً غير مأكول اللحم لا يفيد شيئاً، فإن المستفاد من موثقة ابن بكير قوله (عليه السلام): لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل اللّه أكله»(7)، اشتراط كون الثوب ونحوه على تقدير كونه من الحيوان من مأكول اللحم، والاستصحاب في عدم كونه من غير مأكول اللحم لا يثبت كونه مما يؤكل، فإنه يقال: ظاهر الصدر كون ما لا يؤكل لحمه وتوابعه مع المصلي مبطل، وكونه معه حرام وضعاً، ولا يعتبر في الصلاة كونها في أجزاء الحيوان، وذكر مما أحل اللّه أكله في الذيل باعتبار عدم المانع معه، لا أن كونها فيما يؤكل لحمه شرط لها.















[7] لا ينبغي التأمل في أن حسن الاحتياط لا ينحصر على موارد جريان أصالة البراءة أو غيرها من الأصل النافي للتكليف، بل يجري حتى فيما قامت الأمارة المعتبرة على نفي التكليف في الواقع، فإنّه مع احتمال التكليف الواقعي يحسن عقلا بل شرعاً رعاية احتماله بموافقة ذلك التكليف على تقديره واستيفاء ملاكه، ويقال: إن حسن الاحتياط مقيّد بما إذا لم يكن موجباً لاختلال النظام، ولكن لا يخفى أن عدم حسن الاحتياط مع استلزامه اختلال النظام لعدم تحققه لا عدم حسنه مع تحققه، فإن الاحتياط هو الاتيان بما هو يحتمل كونه محبوباً وموافقته للتكليف الواقعي على تقديره، ومع بلوغه إلى حد الاختلال يكون العمل مبغوضاً من غير أن يكون احتياطاً، والملتفت إلى كون الاحتياط في جميع الوقائع كذلك له طريقان، الأول: أن يأخذ بالاحتياط في جميع ما يبتلي به بلا فرق بين كون التكليف المحتمل في بعضها غير أهم أو احتماله ضعيفاً إلى أن يصل إلى حد الاختلال، ويتركه بعد ذلك فيكون الاحتياط في جميع الوقايع ولكن في فترة من الزمان. الثاني: اختيار بعض الوقائع من الأول والاحتياط في مثلها مما كان التكليف المحتمل فيه أهم أو احتماله قوياً، وذكر الماتن وغيره أن اختيار الثاني لمن التفت إلى ما ذكر من أول الأمر أولى، ولعل وجه الأولوية ما ورد عنهم (عليهم السلام) أن القليل من الخير مع دوامه أولى من الخير الكثير الذي لا يدوم.







نعم، هذا مع فرض عدم وجوب الاحتياط كما هو المفروض في المقام لكون الموارد من موارد الأصل النافي أو الطريق النافي، وأما مع العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقايع ووصول النوبة إلى أصالة الاحتياط، وكونه مستلزماً لإخلال النظام أو الحرج، فالمتعين هو الوجه الأول إلاّ أن يدخل الفرض في مقدمات دليل الانسداد.















(1). وسائل الشيعة 27:161، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.







(2). وسائل الشيعة 1:81، الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.







(3). المصدر السابق: الحديث 6.







(4). الكافي 2:71، الحديث الأول.







(5). وسائل الشيعة 1:81، الباب 18 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 3، عن المحاسن: 25.







(6). سورة النساء: الآية 13.







(7). وسائل الشيعة 4:345، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.































فصل















إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته لعدم نهوض حجة على أحدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه[1].















أصالة التخيير















[1] مورد الكلام في المقام أن يدور حكم الفعل بين الوجوب والحرمة من غير احتمال إباحته واقعاً، وإلاّ لكان من مورد أصالة البراءة بل أولى بها مما تقدم الكلام فيه لعدم جريان ما ذكر وجهاً للاحتياط في الشبهات التحريمية على دوران حكم الفعل بين الوجوب والحرمة والإباحة، وأيضاً مورد الكلام ما إذا لم يكن واحد من الاحتمالين الوجوب أو الحرمة بعينه مورداً للاستصحاب، وإلاّ لانحل العلم الإجمالي بالاستصحاب في التكليف السابق في الشبهات الموضوعية بل الحكمية بناءً على اعتبار الاستصحاب فيها، ثم إنه قد يكون كل من الوجوب والحرمة على تقديره واقعاً توصلياً أو كان الوجوب على تقديره واقعاً تعبدياً، وفي كل من الفرضين قد تكون الواقعة مكررة ـ ولو بحسب عمود الزمان ـ أو لا يكون فيها تكرار، والكلام يقع في مقامات ثلاثة، الأول: ما إذا كان كل من الوجوب والحرمة توصلياً مع عدم تكرار الواقعة، الثاني: ما إذا كان أحدهما بعينه أو كلاهما تعبدياً مع عدم تكرارها، الثالث: ما إذا كان الدوران مع تكرار الواقعة. أما المقام الأول: فالاحتمالات بل الأقوال فيه خمسة أولها: جريان البراءة في كل من احتمالي الحرمة والوجوب عقلاً ونقلاً، وثانيها: الأخذ بجانب احتمال الحرمة بدعوى أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، وثالثها: التخيير في الأخذ بأحد الاحتمالين والالتزام به والعمل على طبقه، نظير التخيير بين الخبرين المتعارضين، ورابعها: التخيير في الواقعة بين الفعل والترك بتخيير عقلي قهري لعدم خلو الإنسان من الفعل أو الترك من غير أن يحكم الفعل بالبراءة عقلا وشرعاً، وخامسها: التخيير العقلي القهري مع الحكم بإباحة الفعل ظاهراً بأدلة الحل، والأخير مختار الماتن (قدس سره) ولكن الصحيح على ما نذكر هو الوجه الأول؛ لأنّ كلاً من الوجوب والحرمة تكليف محتمل ولم يتم له البيان، فيكون العقاب على خصوص أحدهما لو اتفق واقعاً قبيحاً كما يجري بالإضافة إلى كل من المحتملين، قوله (صلّى الله عليه وآله): «رفع عن اُمتي ما لا يعملون»(1). ودعوى أنه لا مجال في الواقعة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، حيث لا قصور في المقام في ناحية البيان. فإن العلم الإجمالي بيان وإنما يكون عدم تنجز التكليف لعدم التمكن من الموافقة القطعية كالمخالفة القطعية، ولذا لو كان متمكناً من الاحتياط كما إذا علم إجمالا بوجوب فعل أو حرمة الآخر لزم الإتيان بالأول، وترك الثاني إحرازاً لموافقة التكليف المعلوم بالإجمال لا يمكن المساعدة عليها؛ لما تقدم من أن المراد من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو المصحح للعقاب على المخالفة، ومن الظاهر أن العلم الإجمالي بالإلزام الجامع بين الوجوب والحرمة مع وحدة المتعلق كما هو المفروض في دوران الأمر بين المحذورين لا يصحح العقاب على مخالفة خصوص أحد المحتملين، بخلاف ما إذا كان العلم الإجمالي بأحدهما مع تعدد المتعلق كما في المثال، كما أن دعوى أنه لا مجال في المقام للبراءة الشرعية؛ لأنّ جعل الحكم الظاهري إنما يصح إذا لم يعلم بمخالفته الواقع، وأن يكون لذلك الحكم الظاهري أثر عملي، وبتعبير آخر إنما تجري البراءة عن التكليف المجهول إذا كان وضعه الظاهري ممكناً، والوضع الظاهري يكون بإيجاب الاحتياط. وهذا الوضع غير ممكن لعدم إمكان الوضع والاحتياط في الواقعة لا يمكن المساعدة عليها أيضاً؛ لأنّ البراءة الجارية في ناحية الوجوب المحتمل لا يعلم مخالفتها للواقع، وكذلك أصالة البراءة الجارية في ناحية خصوص الحرمة المحتملة، والعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع مع عدم إمكان إحراز المخالفة وعدم امكان الموافقة القطعية غير مانع من جريان الأصل، والأثر المترتب على البراءة، في كل من المحتملين عدم لزوم رعاية كل منهما بخصوصه.







وعلى الجملة الوضع في خصوص أحد المحتملين ممكن، يرفع احتماله بأصالة البراءة الجارية في كل منهما، وإنما لا يمكن وضعهما معاً، ولا يعتبر في جريان البراءة في خصوص تكليف محتمل إمكان وضع تكليف آخر محتمل معه، ثم إنه إن كان مراد الماتن من أصالة الإباحة أصالة البراءة في كل من الوجوب المحتمل والحرمة المحتملة فهو صحيح كما ذكرنا، وإن أراد الحلية المقابلة للحرمة والوجوب فهي للعلم بعدمها واقعاً غير ممكن، والحلية المستفادة من قوله (عليه السلام) «كل شيء هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه»(2) هي الحلية المقابلة للحرمة فقط، ومع جريانها في المقام يبقي احتمال الوجوب، فلابد من نفي احتمال لزوم رعايته من التمسك بأصالة البراءة.







وأما الأخذ بجانب الحرمة المحتملة بدعوى أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة والالتزام بحرمة الفعل غير صحيح، فإنه تشريع أولا، ومع الغمض عنه ان ارتكاب الفعل مع احتمال حرمته في الشبهة الحكميه أو الموضوعية التحريمية جائز كما تقدم، وجواز الارتكاب المزبور مقتضاه عدم لزوم رعاية المفسدة المحتملة مع العلم بعدم المصلحة في الفعل أصلاً فما الظن بارتكاب فعل يحتمل فيه المصلحة وعدم المفسدة كما في المفروض في المقام.







وكذا احتمال التخيير بين الأخذ بالوجوب المحتمل أو الحرمة المحتملة، فإنه لا دليل عليه، وقيام الدليل عليه في الخبرين المتعارضين على تقديره لا يوجب التعدي إلى المقام، فإنه لا يمكن التعدي إلى سائر الأمارات فضلا عما إذا لم يكن في البين إلاّ احتمال الوجوب والحرمة، وذكر الماتن (قدس سره) أن التخيير بين المتعارضين على مسلك السببية على القاعدة ولكنه أمر غير صحيح، فإن مقتضى القاعدة التساقط عند التعارض من غير فرق بين مسلكي السببية والطريقية؛ لما يأتي في باب التعارض من أن ثبوت المدلول الالتزامي لكل من الخبرين لنفي مدلول الآخر يوجب أن لا يتم الصلاح والفساد في ناحية الفعل الذي قام الخبران المتعارضان على حكمه، هذا بناءً على كون المراد من التخيير، التخيير في المسألة الاُصولية، وأما بالاضافة إلى التخيير في المسألة الفرعية بأن يلتزم بتعلق تكليف بالجامع بين الفعل والترك فهو أمر غير معقول، فإن حصول الجامع قهري لا يحتاج إلى التكليف ويكون التكليف به من طلب الحاصل، وأما التخيير في مقام التزاحم بين التكليفين فهو راجع إلى حكم العقل في مقام الامتثال بعد ثبوت كل من التكليفين بفعلية الموضوع لكل منهما وكون صرف القدرة في موافقة أحدهما موجباً لارتفاع الموضوع للآخر.







ومما ذكرنا يظهر أنه لا بأس بجريان الاستصحاب في ناحية عدم جعل كل من الوجوب والحرمة إذا كانت الشبهة حكمية، وعدم كون المورد من موضوع الوجوب وموضوع الحرمة فيما إذا كانت الشبهة موضوعية، ولزوم المخالفة الالتزامية مع عدم لزوم المخالفة العملية القطعية مع عدم إمكان الموافقة كذلك لا محذور فيه، كما إذا كان الواحد من الوجوب أو الحرمة حالة سابقة يؤخذ بها ويلزم العمل على طبقه، ولا يبقى للأصل النافي في المحتمل الآخر موضوع أو منافاة مع الاستصحاب الجاري في ناحية المحتمل الآخر.







المقام الثاني: ما إذا كان الفعل دائراً أمره بين الوجوب والحرمة مع كون أحدهما أو كلاهما تعبدياً، كما إذا دار أمر المرأة بين الطهر والحيض وبنى على حرمة الصلاة على الحائض ذاتاً، أو دار الأمر في تغسيل الأجنبي المرأة الميتة مع فقد المماثل والأرحام بين الوجوب والحرمة، وغير ذلك من الموارد التي لا يمكن فيها الموافقة القطعية للتكليف الواقعي، إلاّ أنه يمكن مخالفته القطعية باختيار الفعل من غير قصد التقرب، والصحيح في الفرض تنجيز العلم الإجمالي بسقوط الاُصول النافية في ناحية كل من الوجوب والحرمة حيث لا ينحصر تنجيز التكليف الواقعي على موارد إمكان الموافقة القطعية والمخالفة القطعية معاً، ولذا لو علم المكلف بوجوب أحد الضدين الذين لهما ثالث ليس له تركهما باختيار الثالث، فإنه كما لا يصح من المولى الحكيم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف في صورة إمكان موافقته القطعية كذلك لا يصح مع عدم إمكان الموافقة القطعية، فقد ظهر مما ذكر عدم جريان أصالة الإباحة في دوران الأمر بين وجوب الفعل تعبدياً أو حرمته لمعارضتها بأصالة البراءة عن وجوبه.







وعلى الجملة أصالة الحلية والبراءة عن الحرمة تعارضها أصالة البراءة في وجوبه، لكون جريانهما في ناحية كل منهما ترخيص قطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل، ولا يقاس بدوران أمر الفعل بين الوجوب والحرمة التوصليين، ويلحق بالمقام في دوران الأمر بين كون شيء جزءاً أو مانعاً عن العبادة، كما إذا شك في السجدة الثانية بعد الأخذ في القيام حيث يحتمل كونه دخولا في الغير فلا يعتني بالشك ولو رجع إلى السجدة تكون صلاته باطلة لزيادة السجدة عمداً، أو أنه لا يعدّ دخولا في الغير فيجب الرجوع إليها، فإن قلنا بعدم جواز إبطال الصلاة حتى في مثل الفرض فعليه إتمام الصلاة بأحد الاحتمالين، وإعادة تلك الصلاة ثانياً؛ لأنّ العلم الإجمالي بوجوب الرجوع مع قصد التقرب أو عدم جوازه وإن لا تكون موافقة قطعية بالأخذ بأحد الاحتمالين إلاّ أنه يمكن إحراز موافقتها بالإعادة بعد إتمامها ولزوم إعادتها، مقتضى الاستصحاب في عدم تحقق الصلاة المأمور بها الموضوع لبقاء التكليف بها كما لا يخفى.







ثم إنه قد تعجب المحقق العراقي (قدس سره) مما ذكره الماتن في صورة كون أحد التكليفين أو كليهما تعبدياً من لزوم اختيار أحد الاحتمالين والإتيان بالفعل بنحو التقرب أو الترك رأساً، حيث التزم في بحث الاضطرار إلى ارتكاب أحد الأطراف بسقوط العلم الإجمالي عن التأثير رأساً، فلا بأس بارتكاب باقي الأطراف بعد ارتكابه أحدها لاضطراره سواء كان الاضطرار إلى معين منها أو إلى غير معين، وفيما نحن فيه حيث إن المكلف مضطر إلى ترك الموافقة القطعية فلا بأس بعدم رعايته العلم الإجمالي أصلا، ولكن الظاهر أن عجبه (قدس سره) في غير محله، وبيان ذلك أن الماتن (قدس سره) قد بنى في بحث الاضطرار إلى بعض أطراف العلم معيناً أو غير معين، على أن المعين أو ما يدفع به الاضطرار محلل واقعاً عند الارتكاب كما هو مقتضى حديث رفع الاضطرار، وقولهم (عليهم السلام): ما من محرم إلاّ وقد أحلّه الاضطرار(3)، وبعد فرض أن ما يرتكبه لدفع اضطراره مُحللاًّ يكون التكليف في سائر الأطراف مشكوكاً من حيث التعلق من الأول بخلاف ما نحن فيه، فإن الاضطرار لم يفرض فيه، بل لا يمكن الموافقة القطعية لعدم إمكان الجمع بين الفعل بقصد التقرب والترك رأساً مع علم المكلف تفصيلا بعدم جواز الاقتصار على الفعل المجرد من قصد التقرب عند ارتكابه؛ لأنه إما إتيان بالحرام أو ترك للواجب، وهذا المحذور غير جار في ارتكاب سائر أطراف العلم الإجمالي عند الاضطرار إلى ارتكاب بعضها، ولا يقاس أيضاً الاضطرار إلى بعض الأطراف بتلف بعض الأطراف، حيث إن العلم الإجمالي ببقاء التكليف في التالف، إلى تلفه ليس لحصول الغاية للتكليف، بل من قبيل العلم الإجمالي بتعلق التكليف به أو بالطرف الآخر أيضاً بالنحو الذي تعلق به، وما ذكره (قدس سره)في التفرقة بين الاضطرار والتلف، وإن يكن محل التأمل بل المنع، إلاّ أنه لا يقاس المقام بمسألة الاضطرار كما ذكرنا.







المقام الثالث: في دوران الأمر بين المحذورين مع تكرار الواقعة، فنقول قد يكون الإلزام المتعلق بالواقعة المتأخرة كالواقعة الفعلية فعلياً كما هو مفاد الواجب المعلق، مثلا إذا حلف على وطء زوجته في ليلة جمعة وعلى تركه في جمعة اُخرى، واشتبهت الجمعتان فإنّه في مثل ذلك يكون لزوم الوفاء بالحلف فعلياً مع تحقق الحلف، والتأخر في زمان الوفاء والوطء في كل من الليلتين، وإن دار أمره بين الوجوب والحرمة إلاّ أنه لا يجوز للمكلف الفعل في كل منهما أو الترك فيهما معاً؛ لأنه يحرز معه المخالفة القطعية لأحد التكليفين، واحراز الموافقة القطعية معها لا يوجب جوازها لما ذكرنا من أن الحاكم بلزوم الموافقة القطعية هو العقل بملاك دفع الضرر المحتمل، ولا يحكم به العقل مع لزوم المخالفة القطعية التي هي للتكليف الآخر.







وقد ذكر المحقق النائينى (قدس سره) بلزوم رعاية الموافقة القطعية في ناحية أحد التكليفين إذا كان أهم من الآخر أو محتمل الأهمية، بدعوى أنه كما يقع التزاحم بين التكليفين في مقام الامتثال فيقدم فيه جانب التكليف الأهم أو محتمل الأهمية، كذلك يقع التزاحم بينهما في مقام إحراز الموافقة القطعية فيهما، وما ذكر في ناحية تقديم الأهم أو محتمل الأهمية في الأول يقتضي رعايته في الثاني أيضاً، وفيه ما لا يخفى فإن الموجب لتقديم الأهم أو محتمل الأهمية لا يجرى في عدم إمكان الموافقة القطعية في كل من التكليفين المعلوم إجمالا ثبوتهما، فإن الموجب لتقديم الأهم إما إحراز الإطلاق في خطابه والتقييّد في خطاب التكليف الآخر، أو للشك في تقييد إطلاق خطابه مع العلم بثبوت التقييد في خطاب التكليف الآخر، أو القطع بالمعذورية مع صرف القدرة في الأهم أو محتملها، وهذا يجري في ناحية عدم التمكن من إحراز الموافقة بالإضافة إلى كلا التكليفين، فإن الحاكم بلزوم إحرازها هو العقل بملاك دفع الضرر المحتمل، وليس له حكم بذلك مع استلزام إحرازها إحراز المخالفة القطعية بالإضافة إلى التكليف الآخر؛ ولذا لا يثبت التخيير مع تساوي التكليفين في الملاك، بل يلزم الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في كل منهما، وكذا الحال في تردد أفراد الواجب والحرام، وأما إذا لم يكن التكليف بالواقعة المتأخرة فعلياً، كما هو مفاد الواجب المشروط كما إذا رأت المرأة الدم مرتين مع عدم تخلل أقل الطهر بينهما وزيادتهما على عشرة أيام، فإن الصلاة في كل من الدمين وإن دار أمرها بين الوجوب والحرمة ذاتاً، فهل هذا مثل ما إذا كان التكليف بكل من الفعلين فعلياً فلا يجوز ترك الموافقة الاحتمالية في كل منهما أو يحسب كل منهما واقعة مستقلة، الأصح هو الأول كما يأتي من عدم الفرق بين التدريجيات والدفعيات في تساقط الاُصول النافية من أطراف العلم، هذا مع قطع النظر عما ورد في المثال من الحكم بكون الدم الأول حيضاً، والثاني استحاضة.















(1). وسائل الشيعة 15:370، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3.







(2). الكافي 5:313، الحديث 40. مع اختلاف يسير.







(3). وسائل الشيعة 23:228، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 18.































فصل















لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم فتارة لتردّده بين المتباينين[1].







ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها... الخ[2].















أصالة الاحتياط







تنجيز العلم الإجمالي في المتباينين















[1] قد يكون التكليف في موارد العلم الإجمالي بنوعه معلوماً كان الشك في متعلقه، كما إذا ترددت الوظيفة يوم الجمعة بين الظهر وبينها، وقد يكون التكليف بجنسه معلوماً كما إذا لم يعلم أن التكليف المعلوم بالإجمال وجوب متعلق بهذا الفعل أو حرمة متعلقة بذاك الفعل، وتردّد المتعلق بين الفعلين مع العلم بنوعه تارةً يفرض بين المتباينين سواء كان تباينهما بالذات كصلاتي الظهر والجمعة أو بالاعتبار كالقصر والتمام، حيث إن القصر يشترط فيه عدم لحوق الركعتين الأخيرتين، والتمام يعتبر فيه لحوقهما ويفرض في الأقل والأكثر الارتباطيين، حيث إن الأقل هو الفعل لا بشرط الزائد، والأكثر هو المشروط بالزائد، وقد ذكر الماتن (قدس سره) أن العلم بجنس التكليف مع إمكان موافقته القطعية ومخالفتها كذلك، وكذا العلم بالتكليف بنوعه مع تردد متعلّقه بين المتباينين يكون منجزاً للتكليف المعلوم بالإجمال فيما إذا كان التكليف فعلياً مطلقاً حتى مع العلم الإجمالي بمعنى تعلق إرادة المولى بفعل العبد أو كراهته حتى في هذا الحال، وتكون فعليته كذلك موجبة لتخصيص أدلة الاُصول النافية وحملها على غير أطراف هذا العلم بالتكليف، حيث لا يمكن الترخيص فيها مع الفعلية للمناقضة، بخلاف ما إذا لم يكن التكليف المعلوم فعلياً مطلقاً بأن كانت فعليته مادام لم يرخص في الارتكاب ظاهراً، كما هو الحال في صورة العلم به تفصيلا، حيث إن التكليف لو كان فعلياً مع قطع النظر عن العلم التفصيلي به لكان فعلياً معه أيضاً لا محالة، لعدم الموضوع للحكم الظاهري معه بخلاف العلم الإجمالي فإنه يمكن أن لا يكون التكليف فعلياً معه لثبوت الموضوع للحكم الظاهري في أطرافه.







أقول: ما ذكر (قدس سره) من أنّه مع فعلية التكليف الواقعي مطلقاً لا مجال للاُصول النافية في أطراف العلم، بخلاف ما إذا كانت فعليته غير مطلقة، فإن الفعلية غير المطلقة لا تنافي جعل الحكم الظاهري والترخيص في أطراف العلم الإجمالي لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا سبيل لنا نوعاً إلى إحراز الفعلية المطلقة في التكاليف الواقعية مع عموم خطابات الاُصول أو اطلاقاتها، فإن مدلولات الخطابات الشرعية عند الماتن (قدس سره)الأحكام الإنشائية، وتكون ظاهرة في فعليتها مع عدم القرينة على الخلاف، والعموم والإطلاق في أدلة الاُصول وخطاباتها قرينة على الخلاف، أضف إلى ذلك أن الفعلية تكون في جميع الأحكام الواقعية حتى إذا لم يكن التكليف إلزامياً، فالفعلية بالمعنى الذي فسّرها بإرادة المولى الفعل من العبد لا أساس لها أصلا، فإن حب المولى وبغضه وإن يتعلق بفعل العبد، ولكن الحب أو البغض لا يكون من الإرادة، والإرادة من المولى تتعلق بالمقدور، وفعل العبد غير مقدور للمولى بما هو مولى، ولو تعلقت إرادته سبحانه بفعل العباد لخرجت أفعالهم عن كونها اختيارية لهم، وإنما تتعلق إرادة المولى بإيجابه وتحريمه وغيرهما من أحكامه، والمفروض في المقام ثبوت الإيجاب أو التحريم من قبل المولى لفعلية الموضوع لهما، ويقع البحث في أن هذا العلم يكون وصولا للتكليف المعلوم بالإجمال ليكون التكليف منجزاً بحيث مع وصوله يقبح من المولى الحكيم الترخيص القطعي في مخالفته القطعية، ويلزم موافقته القطعية أم يمكن مع هذا العلم الأخذ بالإطلاق والعموم من خطابات الاُصول النافية في كل من أطراف العلم أو بعضها لتكون النتيجة لزوم الموافقة القطعية أو عدم جواز المخالفة القطعية، وذكر العراقي (قدس سره)أنه مع العلم الإجمالي بالتكليف يحكم العقل باشتغال الذمة به حتى يحصل الفراغ منه، ولا يمكن للشارع الترخيص في الارتكاب في جميع الأطراف أو ترك جميعها في الواجبات، حيث إن الترخيص فيهما كذلك ترخيص في المعصية كما لا يجوز الترخيص في بعضها، حيث إن مورد الترخيص يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه فيكون الترخيص على تقدير مصادفة احتماله ترخيصاً في المعصية أيضاً فيقبح من المولى الحكيم وينافي حكم العقل بالاشتغال، وبتعبير آخر ليس المدعى مناقضة الترخيص في جميع الأطراف أو بعضها مع فعلية التكليف، يعني الفعلية التي تقدمت في كلام الماتن، فإن الفعلية المزبورة لا تجتمع مع الترخيص حتى في الشبهة البدوية، وعلى المولى مع تلك الفعلية الإيصال إلى المكلف ولو بجعل الاحتياط في مورده، بل المراد من الفعلية ما هو المستفاد من الخطابات الشرعية في حرمة الأفعال أو وجوبها كون الغرض من التكليف التصدي لما فيه إمكان انبعاث العبد إلى الفعل أو منعه عنه بوصوله إليه، وبما أن العلم الإجمالي بالتكليف وصول فيستقل العقل بالاشتغال، ولزوم تحصيل الفراغ عن عهدته والترخيص في كلها أو بعضها غير ممكن، لكونه ترخيصاً في المعصية أو ما يحتمل كونه معصية، ولا ينتقض بموارد انحلال العلم الإجمالي؛ لأنه لا وصول مع الانحلال حتى يحكم العقل بالاشتغال، كما لا ينتقض بموارد جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز ونحوهما، ليقال: إنّه في مورد العلم التفصيلي بالتكليف يمكن أن لا تجب الموافقة القطعية، فكيف بالمعلوم بالإجمال، وذلك فإن مفاد قاعدتي الفراغ والتجاوز جعل البدل بالتعبد بحصول الامتثال وحكم العقل بالاشتغال حتى يحرز الامتثال الأعم من الامتثال الوجداني والتعبدي، ولا يستفاد من خطابات الاُصول النافية جعل البدل والتعبد بحصول التكليف لا بالدلالة المطابقية ولا الالتزامية كما لا يخفى، أقول: ما ذكر الماتن (قدس سره) من كون المراد من فعلية التكليف تعلق الإرادة الحقيقية من المولى بفعل العبد وإن لا يصح، فإن فعل العبد بما هو فعل العبد غير مقدور للمولى بما هو مولى، وتعلق مشيئة اللّه سبحانه بأفعال العباد أو الترك منهم، وان كان تعلّقها بفعل العباد موجباً لحصول الأفعال أو الترك منهم لا محالة، إلاّ أن ذلك يوجب وقوع الاضطرار وارتفاع اختيارهم حقيقة كما هو مقرر في محله، إلاّ أنه مع الغمض عن ذلك فلا يرد ما ذكره (قدس سره) من وجوب الإيصال؛ لأنّ إطلاق الإرادة أمر إضافي فيمكن إطلاقها بالإضافة إلى موارد العلم الإجمالي، وعدم الإطلاق بالإضافة إلى الشبهة البدوية فلا يجب عليه الإيصال، بل له الترخيص في موردها، وما ذكره من أنه لا يمكن للشارع الترخيص في بعض أطراف العلم؛ لأنه ترخيص في المعصية لو اتفق مصادفته المعلوم بالإجمال لا يخفى ما فيه، فإن حكم العقل بلزوم رعاية احتمال التكليف في جميع الأطراف لاحتمال الضرر في ترك رعايته في بعضها ومع ترخيصه الظاهري، لا احتمال للضرر. ويشهد لذلك موارد الانحلال الحكمي لا الحقيقي، ليقال بأنه لا علم بالتكليف في موارد الانحلال والتعبد الظاهري بالامتثال بالاستصحاب أو قاعدتي الفراغ والتجاوز مرجعه أو لازمه عدم أخذ المكلف بالمخالفة الواقعية لو اتفقت؛ لأنه لا معنى لجعل البدل الظاهري غير هذا المعنى، وعلى ذلك وبعد البناء على أن فعلية التكليف الواقعي إنما هو بفعلية الموضوع له كما في التكليف غير الإلزامي، والأحكام الوضعية التي تكون لسان خطاباتها الأحكام المجعولة بمفاد القضايا الحقيقية يكون الموضوع للاُصول محققاً في ناحية كل واحد من أطراف العلم في نفسه، ورفع اليد فيها عن خطابات الاُصول النافية يحتاج إلى ثبوت مقيد لإطلاقاتها من ناحية العقل أو الشرع، وذلك فان الحكم الظاهري والتكليف الواقعي لا يكونان متنافيين في البدء؛ لأنّ التكليف الواقعي نفسي ناشئ عن الملاك في متعلقه والحكم الظاهري طريقي ناش عن المصلحة في ثبوت نفس الحكم من غير أن يكون في متعلقه ملاكاً غير ما فيه من الملاك واقعاً، كما لا يكون بينهما منافاة في الغرض؛ لأنّ الغرض من التكليف الواقعي إمكان كونه داعياً للمكلف إلى الإتيان بمتعلّقه أو تركه، والغرض من الحكم الظاهري العمل به عند عدم وصول التكليف الواقعي ولو كان التكليف الواقعي معلوماً ولو بالإجمال لكان الترخيص في جميع أطراف العلم منافياً للتكليف الواقعي في ناحية الغرض، حيث لا يجتمع مع وصول التكليف المعلوم بالإجمال مع الترخيص في ارتكاب جميعها، وكون كل من الأطراف في نفسه مشكوكاً إنما يفيد في اعتبار الحكم الظاهري في خصوصه إذا كان لذلك البعض معيّن لدخوله تحت خطاب الأصل العملي، كما إذا كان سائر الأطراف موضوعاً لموضوع الأصل المثبت للتكليف أو لغير ذلك، أو قام دليل خطاب على ثبوت الترخيص في الارتكاب في أحدهما لا بعينه، كما إذا اضطر إلى شرب أحد الماءين مع علمه بنجاسة أحدهما إجمالا، فإنه قد تقدم إن الترخيص فيما يختاره لدفع اضطراره منهما حكم ظاهري مستفاد من فحوى أدلة رفع الاضطرار، بخلاف ما إذا لم يكن في البين معين لبعض الأطراف ولا دليل خاص، حيث يكون شمول خطاب الأصل النافي لكل واحد من الأطراف على حد سواء فيسقط في جميعها، لا يقال: لا بأس بجريان الأصل النافي في كل من الأطراف مشروطاً بترك الباقي، فإنّه مع هذا النحو من الترخيص لا يثبت الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل، فإنه يقال: لا يحتمل أن تكون الحلية الواقعية في كل من الأطراف مقيدة ومشروطة، بل الحكم الواقعي في كل طرف إما الحلية الواقعية أو الحرمة الواقعية المطلقتين، فلا تعارض بين خطاب التكليف الواقعي مع خطاب الحلية الواقعية، وأما الحلية الظاهرية في كل من الأطراف إنما يستفاد من خطاب واحد، لا أن لكل من الأطراف للحلية الظاهرية خطاباً يخصه حتى يجمع بين الخطابين بما ذكر، فالجمع بين الحكمين بالتخيير أو بتقييد كل منهما بترك الآخر إنما يصح ويعدُّ جمعاً عرفياً إذا كان لكل من الحكمين خطاب يخصه كان الحكمان مع احتمال التخيير واقعيين، نعم لو كان بين الأطراف تكليفاً إلزامياً أو وضعاً يستتبع الإلزام واحتمل ثبوت الإلزام أو الوضع في جميعها، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الاناءين أو الثوبين واحتمل نجاسة الآخر أيضاً، فلا مانع عن إجراء أصالة الطهارة في الإناء بعنوان الآخر منهما أو الثوب الآخر، فيحكم بصحة الصلاة إذا صلى في أحدهما وأعادها في الثوب الآخر، فإن ثاني الثوبين أو الإناءين محكوم بالطهارة ولو بعنوانه، وهذا الأمر غير مفروض في المقام للعلم بثبوت التكليف الواقعي في بعض الأطراف، وعدم ثبوته في البعض الآخر، ثم إنه لا فرق فيما ذكر من سقوط الاُصول النافية من أطراف العلم بالتكليف مع عدم المعين بين أصل وأصل آخر، وأما الاُصول المثبتة للتكليف في الأطراف فلا مانع من جريانها في كل منها؛ لانّ الموجب لتعارض الاُصول فيها لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بينها، ولا يلزم من جريان الاُصول المثبتة هذا المحذور، ولا يكون ملاك التعارض في الاُصول العملية عين ملاك التعارض في الطرق والأمارات، يعني العلم بعدم مطابقة كلتا الأمارتين للواقع؛ لأنّ مجرد العلم بالخلاف لا يضر في جريان الاُصول العملية فيما إذا لم يلزم المخالفة العملية للتكليف الواقعي، نعم قد ذكر الشيخ (قدس سره) وقوع المعارضة بمجرد العلم المزبور بدعوى لزوم المناقضة من شمول أدلتها لأطراف العلم، ولكنها ضعيفة كما بين في بحث الاستصحاب، ونذكر ضعفها في المقام إجمالا، وعن المحقق النائيني (قدس سره) عدم جريان الاُصول التنزيلية في أطراف العلم الإجمالي سواءً كانت نافية للتكليف أو مثبتة؛ لأنّ مفاد الاُصول التنزيلية هو العلم بالواقع من جهة البناء العلمي فيمتنع التعبد به مع العلم بخلافه في بعض الأطراف.







فنقول قد ذكر الشيخ (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي سواءً كان مفاده ثبوت التكليف فيها أو نفيها بدعوى أن شمول خطاباته لأطراف العلم يوجب التناقض في مدلولها من جهة صدرها وذيلها، حيث إن مفاد لا تنقض اليقين بالشك لو عمّ أطراف العلم يكون مفاده النهي عن نقض اليقين بالشك في كل منها بنحو السالبة الكلية. وما في ذيلها: «ولكن انقضه بيقين آخر» مفاده نقض اليقين السابق في بعض تلك الأطراف للعلم بالخلاف في بعضها، وهذه الموجبة الجزئية تناقض السالبة الكلية، وفيه أن: «لا تنقض» يعم جميع الأطراف كلا بملاحظة نفسه، واليقين السابق متعلق به كذلك، ولكن اليقين بالخلاف لم يتعلق به كذلك حتى ينافي الذيل صدره، وعلى تقدير الإغماض فعدم الشمول ما كان فيه الذيل المزبور فلا يمنع شمول ما لم يرد فيه الذيل المزبور، مع أن هذا البيان على تقدير تماميته يختص بأدلة الاستصحاب ولا يجري في خطابات سائر الاُصول، مثل قولهم: «رفع عن امتي ما لا يعلمون»(1) نعم يمكن الوهم في جريانه في مثل: «كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام»(2) أو «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر»(3).







وأما ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) فيرد عليه أن التعبد بالعلم بشيء إنما ينافي العلم بالخلاف في نفس ذلك الشيء وجداناً، بل لا معنى للتعبد فيه معه، وأما مع عدم العلم فيه بخصوصه فانما ينافي التعبد بالعلم فيه إذا استلزم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بينهما إجمالا، ولا يكون مجرد التعبد بالعلم من حيث البناء العملي في طرف منافياً للتعبد بالعلم في كل من سائر الأطراف أيضاً؛ لأنّ التعبد بالعلم فيه لا ينفي المتعبد به من سائر الأطراف، كما إذا توضأ بمائع مردّد بين الماء الطاهر والمضاف النجس، حيث إن التعبد ببقاء الحدث لا يثبت نجاسة الأعضاء حتى لا يجري الاستصحاب في طهارتها.















جريان الأصل الطولي النافي في بعض أطراف العلم إذا اختص خطابه بذلك البعض







ثم إنّ ما ذكرنا من تساقط الاُصول النافية في أطراف العلم للوجه المتقدم، وهو لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بين الأطراف وعدم المعين لبعض الأطراف ليؤخذ بالأصل النافي فيه، مقتضاه عدم المانع من جريان الأصل النافي في بعض الأطراف إذا كان لذلك الأصل النافي خطاب آخر مفاده غير مفاد الأصل النافي المشترك، ويكون أصلا طولياً بالإضافة إلى الأصل النافي المشترك، كما إذا علم بنجاسة ماء أو نجاسة ثوب، فإن الاستصحاب في طهارتهما أو قاعدتها فيهما وإن تسقط بالمعارضة؛ لأنّ شمول خطاب النهي عن نقض اليقين أو: «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر» بالإضافة إلى كل منهما على حد سواء، إلاّ أن خطاب «كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام» يختص بالماء فيجوز شربه وإن لم يجز استعماله في التطهير من الحدث أو الخبث؛ لأنّ أصالة الحلية لا مورد لها في ناحية الثوب، لعدم حرمة لبس الثوب المتنجس تكليفاً كما هو ظاهر الحلية والحرمة المضافة إلى الأشياء، ودعوى أن أصالة الحلية في ناحية الماء يعارضها أصالة الطهارة في ناحية الثوب لم يعلم لها وجه، بعد ما ذكرنا أن الموجب للمعارضة عدم المعين للأصل النافي في بعض الأطراف، نعم إذا كان الأصل الطولي مشتركاً بين الأطراف وكان المختص هو الأصل الحاكم على ذلك الأصل الطولي، كما إذا علم بنجاسة الماء أو غصبية الثوب تقع المعارضة بين أصالة الحلية في ناحية الثوب وبين أصالة الطهارة وأصالة الحلية في ناحية الماء، ولا مجال لدعوى أنه تسقط أصالة الطهارة في الماء وأصالة الحلية في الثوب بالمعارضة ويرجع إلى أصالة الحلية في الماء؛ لأنها في الماء أصل طولي لا تصل النوبة إليها مع أصالة الطهارة فيه، وذلك فإن معنى كونها أصلا طولياً أنه لا تصل النوبة إليها مع جريان الأصل الحاكم لا مع عدم جريانه كما هو الفرض في المقام، وبتعبير آخر الأصل الطولي المشترك مع عدم جريان الأصل الحاكم المختص ببعض الأطراف في عرض الأصل الحاكم، والطولية إنما هي في فرض جريان الأصل الحاكم، ولا يقاس ذلك بفرض اختصاص الأصل الطولي واشتراك الأصل الحاكم، فإن خطاب الأصل الطولي شموله للطرف المختص به بلا محذور، نعم إذا كان الأصل الطولي في أحد الطرفين مثبتاً وفي الآخر نافياً وبعد تساقط الأصلين الحاكمين في كل من الطرفين يجوز الرجوع إلى الأصل الطولي فيهما وينحل بهما العلم الإجمالي انحلالا حكمياً، كما إذا علم بعد صلاتي المغرب والعشاء إما بنقصان ركوع من صلاة العشاء أو بزيادته في صلاة المغرب، فإنه لا بأس بعد سقوط قاعدة الفراغ في ناحية كل من صلاة المغرب والعشاء بالرجوع إلى الاستصحاب في عدم الإتيان بالركوع الزائد في صلاة المغرب، وعدم الإتيان بالركوع الرابع في صلاة العشاء فيحكم ببطلان العشاء وصحة صلاة المغرب، ونظير ذلك ما إذا علم إما بعدم الاتيان بصلاة العصر أو نقصان ركوع صلاة المغرب التي صلاها فإن قاعدة الحيلولة الجارية في صلاة العصر معارضة بقاعدة الفراغ الجارية في صلاة المغرب وبعد تساقطهما يرجع إلى أصالة البراءة من وجوب قضاء العصر، بل استصحاب عدم فوتها حيث إن الاستصحاب في عدم الاتيان بها في وقتها لا يثبت فوتها، ولكن الاستصحاب في عدم الاتيان بصلاة المغرب جارية يثبت بقاء التكليف بها.















تنجيز العلم الاجمالي له مرتبتان ولا ملازمة بين ثبوتهما وسقوطهما







قد ظهر مما ذكرنا أنّ لتنجيز العلم الإجمالي مرتبتين ولا ملازمة بين التنجيز بالمرتبة الاُولى وهو عدم جواز مخالفته القطعية والتنجيز بالمرتبة الثانية يعني لزوم الموافقة القطعية، ولكن قد يقال الموارد التي اُشير إليها من تنجيز العلم الإجمالي التكليف بالمرتبة الاُولى دون الثانية غير صحيح، فإن العلم الإجمالي في تلك الموارد غير منجز أصلا، بل المنجز فيها الأصل المثبت في بعض الأطراف والترخيص فيها بالأصل النافي في بعضها الآخر، ولذا يعبّر عن هذه الموارد بانحلال العلم الإجمالي حكماً وعدم تأثيره في التنجز أصلا، وما ذكر في مسألة العلم بنجاسة هذا الماء أو نجاسة ذلك الثوب غير صحيح، بل يجب الاجتناب عن الماء كالثوب للعلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة الثوب.







والتمثيل لانفكاك مرتبتي التنجيز بما إذا علم الزوج بلزوم المبيت عند إحدى الزوجتين واشتبهتا، حيث لا يجوز ترك المبيت في تلك الليلة عندهما رأساً مع أنه لا تجب الموافقة القطعية غير صحيح؛ لأنّ المنكر في كلام، صاحب الكفاية والعراقي ما إذا كان بالترخيص من الشارع في بعض الأطراف للعلم الإجمالي بالتكليف فيها لا ما إذا كان عدم لزوم الموافقة القطعية لعدم تمكن العبد من إحراز الامتثال حيث إن فعلية التكليف ينافي ترخيصه لا معذورية المكلف من إحراز الامتثال لعدم تمكنه عقلاً لا يمكن المساعدة عليه، فإن سقوط قاعدة الفراغ في مسألة العلم بزيادة الركوع إما في صلاة المغرب أو نقصانه في العشاء مستند إلى تنجيز العلم الإجمالي، فإنه لولا لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للعلم الإجمالي بالتكليف بإعادة أحداهما لكانت كل من الصلاتين محكومة بالصحة، وقد تقدم أن الموجب للتساقط في الاُصول في أطراف العلم الإجمالي غير الموجب له في الأمارات، ولا يكون مجرد العلم الإجمالي موجباً للتساقط في الاُصول من أطراف العلم الإجمالي، ثم إنه بعد تساقط قاعدة الفراغ في ناحية كل من الصلاتين يكون ترك إعادة المغرب مستنداً إلى الأصل النافي المختص، وهذا معنى التفكيك في العلم الإجمالي في تنجيزه بين عدم جواز مخالفته القطعية وبين لزوم موافقتها القطعية في مورد كان الأصل النافي مختصاً ببعض أطرافه.







لا يقال: أصالة الحلية في ناحية الماء فيما إذا علم بنجاسته أو نجاسة الثوب غير جارية؛ لأنها معارضة بأصالة البراءة عن مانعية الثوب في الصلاة، فإنه يقال: إن أصالة البراءة عن مانعية الثوب مبتلاة بالمعارض أيضاً بأصالة البراءة عن حرمة استعمال الماء في الأكل والشرب، ولكن أصالة الحلية بما أن لها خطاباً خاصاً تجري في ناحية الماء بلا معارض.







بقي في المقام أمران، الأول: أن العلم بحدوث التكليف إجمالا كما أنه موجب لتنجزه كذلك العلم الإجمالي في مرحلة الامتثال موجب أيضاً لسقوط الاُصول الجارية في أطرافها، فما لم يكن في البين مايثبت الصحة في بعض الأطراف يجب الاحتياط في جميعها، ولو اقتصر المكلف في امتثال التكليف على بعض الأطراف ثم ظهر كونه مصادفاً للواقع يحكم بالإجزاء في التوصليات، وهل يحكم بالإجزاء في التعبديات، فظاهر كلام الشيخ (قدس سره) أن الحكم بالإجزاء يختص بما إذا كان عازماً على الموافقة القطعية ولو لم يكن عازماً إلاّ بالاقتصار على بعض المحتملات فلا يحكم بالصحة حتى ما إذا ظهر موافقة المأتي به للمكلف به، وما ذكره مبني على اعتبار قصد الجزم في نية العبادة بأن لا يكون قاصداً بالإتيان بها على تقدير، ولكن لم يرد في شيء من الأدلة اعتبار الجزم بهذا المعنى في صحة العلم، وقد يقال: إنه يترتب على ذلك أنه لو دار الأمر في الواجبين المترتبين بين تكرار كل منهما، كما إذا اشتبهت القبلة مع وجوب صلاة الظهرين بين طرفين أو أكثر، فما دام لم يفرغ من محتملات الواجب الأول لم يجز الإتيان بمحتمل الواجب الآخر بناء على اعتبار قصد الجزم، بخلاف ما إذا قيل بعدم اعتباره فإنه يجوز له قبل الفراغ الإتيان ببعض محتملات الواجب الآخر، كما إذا صلى الظهر إلى جهة يجوز صلاة العصر إلى تلك الجهة، ولا يعتبر الفراغ من محتملات صلاة الظهر، نعم لا يجوز له أن يأتي من محتملات العصر إلى غير الجهة التي صلى الظهر إليها وإلاّ علم بطلان العصر لفقد الترتيب أو لكونها إلى غير جهة القبلة، ولكن لا يخفى ما في هذا التفريع، فإنه بناءً على قصد الجزم في صحة العبادة فاللازم أن يكون قاصداً للامتثال الإجمالي، وهذا القصد لا ينافي الدخول في محتملات العصر على النحو الذي ذكرنا قبل الفراغ من محتملات صلاة الظهر.







الثاني: ما إذا كان للمعلوم بالإجمال في بعض الأطراف أثر زائد كما إذا علم بنجاسة الماء أو نجاسة اللبن فإن النجاسة في الماء أو اللبن موضوع لحرمة الأكل والشرب، ويختص الماء بأن النجاسة فيه توجب عدم جواز استعماله في رفع الحدث والخبث، وفي مثل ذلك تسقط أصالة الطهارة في كل من ناحية الماء وناحية اللبن، وكذا أصالة البراءة والحلية في استعمال كل منهما في الشرب والأكل، وأما بالإضافة إلى رفع الحدث أو الخبث باستعمال الماء المزبور فيرجع فيه إلى الأصل الجاري فيه سواءً كان مثبتاً كما في المثال فإنه يرجع إلى استصحاب بقاء الحدث أو الخبث، بمعنى أنه لم يغسل بماء طاهر أو لم يتوضأ أو لم يغتسل بالماء الطاهر، أو كان نافياً طولياً كما تقدم في مسألة العلم بنجاسة الماء أو الثوب بالإضافة إلى حلية شرب الماء.







وهذا بخلاف ما إذا كان الاختلاف في الموضوع المترتب عليه الأثر بأن كان الدوران بين الأقل والأكثر في الموضوع لا الأثر، فإنه لولم يكن في الفرض قدر مشترك كما إذا علم بنذره بقراءة سورة خاصة في صلاته بعد الحمد، وترددت السورة المنذورة بين سورة التوحيد وسورة يس، فعليه الاتيان بصلاتين بكل من السورتين بعد قراءة الحمد لسقوط الاُصول النافية في الطرفين، بخلاف ما إذا كان بينهما قدر مشترك خارجي في الأثر، كما إذا علم إجمالا بأنه استدان من زيد الفاً، أو أتلف عليه ألفين فإن الاستدانة والإتلاف وإن كانا موضوعين وليس بينهما قدر مشترك خارجي، إلاّ أن وجود القدر المشترك في حكمها وهو اشتغال الذمة بالأقل كاف في الانحلال.















[2] ظاهر كلامه (قدس سره) أنه مع عدم العلم بتكليف فعلي سواءً كان عدم العلم بفعليته من جهة عدم الابتلاء ببعض أطراف العلم أو من جهة الاضطرار إلى ارتكاب بعضها معيناً أو مردداً، أو من جهة العلم بموضوع يعلم بتحققه في طول الزمان كعلم المستحاضة بحيضها في بعض أيام الشهر لما وجب موافقته، بل جاز مخالفته، بخلاف ما إذا علم التكليف الفعلي فإن العلم الإجمالي يوجب تنجزه ولو كان بين أطراف تدريجية، فإن التدرج في متعلق التكليف لا ينافي فعليته ضرورة أنه كما يصح التكليف بأمر حالي، كذلك يصح بأمر استقبالي كوجوب الحج على المستطيع في موسمه، ومقتضى كلامه هذا أن العلم الإجمالي بحدوث تكليف، إما فعلا أو في المستقبل لا يوجب التنجز، بخلاف ما إذا كان التكليف المعلوم فعلياً والتدرج في متعلق ذلك التكليف، فإنه لا فرق في تنجزه بين كون أطراف التكليف المعلوم بالإجمال دفعية أو تدريجية.















تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات







وينبغي الكلام في المقام في أقسام التدرج فنقول إن التدرج قد يستند إلى اختيار المكلف كما إذا علم بكون أحد الثوبين غصباً فإنه يمكن للمكلف لبسهما معاً، ولكن اختار أن يلبس أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر، ولا إشكال في أن هذا القسم يدخل في العلم الإجمالي بالتكليف في الدفعيات والعلم بالحرمة الواقعية المتعلقة بلبس المغصوب يكون منجزاً لها، وقد يستند التدرج إلى عدم إمكان الجمع بين الأطراف في الارتكاب دفعة، كما إذا علم بحرمة أحد ضدين لهما ثالث، فإنه يتمكن من الإتيان بأي منهما أولا، ولكن لا يمكن الجمع بينهما في زمان، ولا ينبغي التأمل في دخول ذلك في الدفعيات على ما تقدم، وقد تستند التدريجية إلى تقيّد أحد الأطراف بزمان أو بزمان متأخّر، والتكليف المعلوم بالإجمال إما أن يكون فعلياً على كل تقدير أو لا يكون فعلياً إلاّ على تقدير دون تقدير آخر.







الأول: كما إذا نذر صوم يوم الخميس في هذا الاُسبوع أو يومه في الاُسبوع الآتي فإن وجوب الوفاء بالنذر يكون فعلياً من حين النذر وإن كان متعلّقه الأمر الاستقبالي، وقد التزم الماتن بكون العلم الإجمالي منجزاً في هذه الصورة، والثاني: وهو ما إذا لم يكن التكليف على فرض تأخّر متعلقه فعلياً كما في مسألة حيض المستحاضة في طول الشهر، فإن العلم الإجمالي يتعلق بتكليف فعلي على تقدير، واستقبالي على تقدير آخر، وفي مثل ذلك مقتضى كلام الماتن جواز الرجوع إلى الأصل النافي في كل الأطراف مع حصول طرفه، كما إذا رأت ناسية الوقت دماً مستمراً إلى خمسة عشر يوماً أو إلى آخر الشهر، فإنه لا يجب عليها محرمات الحائض في شيء من أيام الدم، حيث تتمسك المرأة بالاستصحاب في عدم الحيض في أول الدم إلى أن تبقى ثلاثة أيام من آخر دمها، وفي تلك الأخيرة يتعارض الاستصحاب في بقاء الحيض المعلوم إجمالا مع الاستصحاب في بقاء الطهر المعلوم كذلك فيتساقطان، أو لا يجري شيء من الاستصحابين، فيؤخذ بأصالة الحلية في محرمات الحائض؛ لانّ خطاب قاعدة الحلية، يختص بتلك المحرمات.







ولكن المحقق النائيني (قدس سره) ذكر عدم جواز الرجوع إلى الأصل النافي في شيء من الصورتين، وأنه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين الدفعيات والتدريجيات، وعن الشيخ (قدس سره) التفصيل بين ما كان التكليف المتأخر تاماً من جهة الملاك، بأن تكون القدرة في المتأخر شرطاً في الاستيفاء أو لم يكن تاماً، بأن لم يحرز الملاك فيه إلاّ على تقدير القدرة عليه في ظرفه، ولكن المراجعة إلى كلامه في الرسالة لا يناسب هذا النقل، حيث ذكر (رحمه الله) في الأمر السادس التحقيق أنه لا فرق بين الموجودات فعلاً والموجودات تدريجاً في وجوب الاجتناب نعم قد يمنع الابتلاء دفعة في الدريجيات كما في مثال الحيض، فإنّه في مثل الحيض تنجّز التكليف على الزوج بترك وطء الحائض قبل زمان حيضها ممنوع، وظاهر هذا الكلام هو بعينه ما ذكره الماتن من أنه لا فرق بين الدفعيات والتدريجيات إذا كان التكليف فعلياً، وأنه إذا وجب رعاية المعلوم بالإجمال في الدفعيات لفعلية التكليف لزم رعايته في التدريجيات أيضاً، وإن لم يجب في الثاني لم يجب في الأول أيضاً، لاتحاد ملاك وجوب الاجتناب وهو تعلق العلم بالتكليف المتوجه إلى المكلف فعلا، ولذا التزم (قدس سره) بوجوب الاجتناب في مسألة الحلف على ترك الوطء في ليلة خاصة، واشتبهت تلك الليلة بين ليلتين، وفي مسألة علم التاجر بابتلائه في يومه أو شهره بمعاملة ربوية، نعم ما ذكر في مسألة علم التاجر خارج عن البحث في المقام فلا يجوز للتاجر الدخول في معاملة لا يعلم حكمها ويحتمل دخولها في معاملة ربوية حتى مع عدم العلم الإجمالي؛ لأنّ جريان البراءة في الشبهة الحكمية مشروط بالفحص ومع عدمه كما هو الفرض لا يكون معذوراً، بل يحكم بفساد المعاملة بمعنى عدم جواز ترتيب الأثر عليها؛ لأنه لا يتمسك فيها بعموم (أوفوا بالعقود) لعلمه بخروج المعاملة الربوية عن مثله، وأن التمسك بالعام موقوف على الفحص وعدم الظفر بالدليل على التخصيص، وعلى الجملة العلم الإجمالي في التدريجيات في الشبهة الحكمية قبل الفحص خارج عن مورد الكلام في المقام، والموضوع للكلام في المقام ما إذا كانت الشبهة موضوعية أو حكمية بعد الفحص، وإن العلم الاجمالي في التدريجيات كالعلم الإجمالي به في الدفعيات، وقد ذكرنا أنه لو كان التكليف المعلوم بالإجمال على تقدير تعلقه بأمر استقبالي فعلياً بنحو الواجب المعلق يكون تساقط الاُصول النافية في أطرافه كتساقطها فيما كان المعلوم بالإجمال أطرافه دفعية، وأما إذا كان نفس التكليف على بعض التقادير أمراً استقبالياً وبنحو الواجب المشروط بنحو الشرط المقارن أو الموقت فمع العلم بحصوله مستقبلا إن لم يكن المعلوم بالإجمال فعلياً فرضان، احدهما: أن تكون القدرة في ظرفه على موافقة التكليف شرطاً في الاستيفاء للملاك لا لنفس الملاك، بمعنى أن المكلف إذا عجز عن الفعل يفوت عنه ملاك الواجب كفوته ممن يكون قادراً عليه ويترك الفعل اختياراً، وفي هذا الفرض يجب على المكلف التحفظ على القدرة عليه في زمانه لاستقلال العقل بعدم جواز تفويت الملاك الملزم ويكون التكليف المردّد بين الفعلي والاستقبالي خارجاً عن خطابات الاُصول النافية، حيث إن العلم بالملاك كاف في عدم جواز التفويت، وبتعبير آخر كما يقبح الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال مع فعلية أطرافه كذلك يقبح هذا الترخيص في تفويت الملاك الملزم، والفرض الثاني: ما إذا كان الملاك على تقدير حصول التكليف متأخراً ينحصر على القادر في ذلك الظرف بأن تكون القدرة عليه في ظرفه دخيلة في الملاك لا في استيفائه، فهل يجوز للمولى الترخيص في مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال المردّد بين كونه فعلياً أو تكليفاً استقبالياً بهذا النحو؟ فالظاهر عدم الفرق في قبح الترخيص مع العلم بحصول التكليف في ظرفه وقدرة المكلف على موافقته سواء كان فعلياً أو استقبالياً، وعدم لزوم حفظ القدرة في هذا الفرض لا ينافي عدم جواز الترخيص في مخالفته في ظرفه سواءً كان ظرفه فعليا أم استقبالياً؛ لأنّ المفروض أنه لولم يكن ظرفه فعلياً يكون حصوله في المستقبل، ولفعلية ملاكه ولزوم استيفائه في ذلك الظرف لا يصح من المولى الترخيص القطعي في المخالفة القطعية في المعلوم بالإجمال المردّد بين كونه تكليفاً فعلياً وكونه استقبالياً. كما هو المفروض، وإن جاز للمكلف تفويت قدرته على الموافقة قبل مجيء الظرف الاستقبالي، إلاّ أنه يعلم بأنه لا يفوته ويحصل التكليف في المستقبل لولم يحصل فعلا، وما في ظاهر تقريرات العراقي (قدس سره) من حفظ القدرة عليه في الفرض الثاني أيضاً، وتعليل تنجيز العلم الإجمالي بتعلقه بتكليف إما متعلق بالطرف الفعلي أو بحفظ القدرة على الاستقبالي من غير ناحية شرط الوجوب وقيده كما ترى، وتوجيهه أخيراً بتنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات كالدفعيات بما سلكه في فعلية التكاليف من أن الإرادة الباعثة من المولى تتعلق بالفعل الاستقبالي بعنوانه، وحصول الشرط ودخول الوقت خارجاً لا يكون بنفسه دخيلا في تعلق إرادة المولى، بل الدخيل في تعلقها لحاظهما طريقاً ومشيراً إلى الخارج فيكون التفاوت في ناحية الانبعاث الناشئ عن الخطاب المتوجه إلى المكلف بتلك الإرادة، حيث لا يكون الانبعاث إلاّ بعد تطبيق الشرط والوقت على المورد وكيفية الانبعاث بل أصله خارج عن مدلول الخطاب ولا يمكن أخذهما في مدلوله، حيث إنه متفرع على الخطاب ومدلوله ووصوله إلى المكلف، وعلى كل تقدير يتعلق العلم الإجمالي بالإرادة الباعثة الفعلية الموجبة عند العلم بها لزوم حفظ القدرة على موافقة التكليف المشروط أو الموقت الحاصل فيما بعد من غير ناحية شرط التكليف أو قيده لا يخفى ما فيه، فإن الإرادة الباعثة للمولى تتعلق بجعل التكليف، والتكليف أمر اعتباري فتارة يعتبر الوجوب المتعلق فعلياً، والاستقبالية إنما تكون في نفس الفعل، واُخرى يعتبر الحكم والوجوب بعد حصول الشرط أو دخول الوقت خارجاً، ففي الثاني لا يجب حفظ القدرة على الفعل إلاّ بعد تحقق الشرط أو دخول الوقت بخلاف الأول، فإن نفس التكليف فيه فعلي وتقتضي فعليته حفظ القدرة على الفعل الاستقبالي، ولو قبل حصول الشرط ودخول الوقت، كما أوضحنا كل ذلك في بحث الواجب المشروط بالشرط المقارن والواجب المعلق، وعلى ذلك لم يبق في البين وجه لتنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات التي يكون نفس التكليف مردداً بين كونه فعلياً أو أمراً استقبالياً غير ما ذكرنا من قبح الترخيص القطعي من المولى في المخالفة القطعية للتكليف الذي هو إما فعلي أو يعلم المكلف بصيرورته فعلياً مستقبلا.















(1). مستدرك الوسائل 6:423، الباب 26، الحديث 7136.







(2). الكافي 5:313، الحديث 39.







(3). التهذيب 1:284، الحديث 119.































تنبيهات















الأول، أن الاضطرار كما يكون مانعاً عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين، كذلك يكون مانعاً...[1].







الثاني: أنه لما كان النهي عن الشيء، إنما هو لأجل أن يصير داعياً للمكلف نحو تركه لولم يكن له داع آخر[2].















الاضطرار إلى بعض أطراف العلم















[1] ذكر الماتن (قدس سره) أن الاضطرار إلى بعض أطراف العلم سواءً كان الاضطرار إلى معين أو غير معين يوجب عدم العلم بفعلية التكليف، مثلا إذا علم نجاسة أحد المايعين أحدهما خل والآخر ماء، واضطر إلى شرب الماء لدفع عطشه المهلك، أو علم نجاسة أحد الماءين واضطر إلى شرب أحدهما لدفعه فشرب الماء في المثال الأول، وشرب أحد الماءين في المثال الثاني حلال واقعاً بلا فرق بين كونه هو النجس الواقعي أم لا، والخل في الأول وغير المختار في الثاني تعلق التكليف به مشكوك فتجري فيه أصالة الحلية، ثم إنه (قدس سره) ذكر عدم الفرق في مانعية الاضطرار عن العلم بالتكليف الفعلي بين ما كان الاضطرار إلى المعين أو غيره قبل العلم الاجمالي أو طرو الاضطرار بعدم حصول العلم الإجمالي، والتزم بأن العلم الإجمالي في موارد الاضطرار إلى بعض أطرافه غير منجز، حيث لا يكون في هذه الموارد علم بالتكليف الفعلي ولو إجمالا، وتعرض (قدس سره) لما يقال بأن مانعية الاضطرار عن تنجيز العلم الإجمالي إذا كان الاضطرار سابقاً على العلم صحيح، وأما المانعية فيما إذا طرأ بعد العلم الإجمالي لم يحرز وجهه، ولم يعلم الفرق بين طرو الاضطرار بعد العلم الإجمالي، وبين فقد بعض الأطراف، حيث إنّه مع فقد بعضها بعد العلم لا يوجب عدم لزوم رعاية احتمال التكليف في الأطراف الباقية، وأجاب بالفرق بينهما، وحاصله أن الأحكام الإلزامية المجعولة لموضوعاتها بالإضافة إلى تلك الموضوعات ليست بمقيدة بل تثبت لها بحصولها خارجاً وترتفع عنها بارتفاعها، مثال حرمة شرب الخمر تكون فعلية بحصول الخمر، واعتصام الماء الكر يكون فعلياً بحصول الماء الكر وبقائه، وإذا ارتفع الموضوع بأن صار الخمر الخارجي خلا أو زالت الكرية من الماء ترتفع الحرمة في الأول والاعتصام في الثاني، وهذا الارتفاع قهري وليس من تقييد الحكم وعدم إطلاقه، وعلى ذلك فلو علم إجمالا بخمرية أحد الاناءين فيعلم بالحرمة الفعلية المطلقة في أحدهما، وبعد فقد أحدهما يشك في ارتفاع تلك الحرمة بعد فعليتها وتنجزها، وهذا بخلاف طرو الاضطرار حيث إن طروه غاية للتكليف وحدّ له قيداً، فالماء المغصوب بعد طرو الاضطرار إلى شربه باق، ولكن لا حرمة في شربه فمع الاضطرار إلى شرب أحد المائعين معيناً أو إلى غير معين، لا يصح القول بأنه كان لنا العلم بالحرمة الفعلية المطلقة في أحدهما ويشك في ارتفاع ما تعلقت به، بل الصحيح أن يقال قد علمنا بالحرمة المغياة الفعلية التي نحتمل حصول غايتها فيكون الشك في الحرمة بعد طرو الاضطرار في الآخر شكاً بدوياً، وبتعبير آخر طرو الاضطرار غاية للمعلوم بالإجمال أي التكليف الفعلي بخلاف فقد أحد الأطراف فإنه ليس غاية للمعلوم بالإجمال، بل غاية للعلم به والشك في الحرمة بعد طرو الاضطرار إلى أحدها من الشك البدوي في حدوث حرمة مطلقة من الأول، بخلاف فقد بعض الأطراف فإن العلم الإجمالي بحدوث حرمة مطلقة بحاله، غاية الأمر لا علم ببقائها، ومقتضى قاعدة الاشتغال إحراز الخروج عن عهدتها بترك الأطراف الاُخرى في موارد العلم بالحرمة أو بالاتيان بها في موارد العلم بالوجوب.







أقول: لا فرق بين غاية الاضطرار وسائر القيودات والغايات للتكليف، ولو كان العلم الإجمالي غير منجز للتكليف بعد طرو الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً أو غير معين يكون الأمر كذلك في غيره أيضاً، كما إذا علم إجمالا بكون أحد العصيرين من العصير العنبي الذي غلى ولم يذهب ثلثاه، والآخر عصير زبيب مغلي فيجب الاجتناب عنهما، وإذا ذهب ثلثا أحدهما فلا يجب الاجتناب عن الآخر، والحلّ ما تقدم في بحث مفهوم الشرط من أن القيود وإن اختلفت بحسب مقام الإثبات وترجع إلى الحكم الوارد في الخطاب تارة واُخرى إلى الموضوع الوارد فيه، إلاّ أن هذا في مقام الإثبات فقط، وأما بحسب مقام الثبوت فكلها ترجع إلى الموضوع، حيث تفرض في مقام جعل الحكم مفروض الوجود تارة واُخرى مفروض العدم، وكما أن الموضوع للاعتصام هو الماء الكر كذلك الموضوع للحرمة الخمر المفروض عدم كون شربها اضطرارياً، وكذلك الحال في سائر الأحكام بالإضافة إلى موضوعاتها، وثانياً لو فرضنا أن العلم الإجمالي بالإضافة إلى الحكم المغيَّا، بالاضطرار ونحوه غير منجز بعد طرو الاضطرار أو غيره من الغاية على بعض الأطراف، ولكن إذا لم يعلم المكلف بطرو الاضطرار إلى أحدهما من قبل، كما إذا كان أحد المائعين ماءً والآخر خلا، وعلم أيضاً بحدوث اضطراره إلى شرب الماء لدفع عطشه فإنه مع العلم فعلا بنجاسة أحدهما يعلم إجمالا إما بحرمة شرب الماء عليه فعلا إلى طرو الاضطرار، أو بحرمة شرب الخل عليه مطلقاً لعدم الاضطرار إليه ولو مستقبلا، حيث إنه لا يرفع العطش، فأصالة البراءة عن التكليف في كل منهما معارضة بأصالة البراءة عن التكليف المتعلق بالآخر، وبعد تساقطهما يرجع إلى الاستصحاب في بقاء التكليف الفعلي إلى ما بعد الاضطرار إلى شرب الماء، فإن هذا الاستصحاب من القسم الثاني من الاستصحاب في الكلي، بل الأمر كذلك في حصول الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه كما لا يخفى.







ثم إن في الاضطرار إلى بعض أطراف العلم صوراً الاُولى: ما إذا كان الاضطرار إلى بعض معين ثم يحصل العلم الإجمالي، كما إذا علم بوقوع نجاسة في أحد مايعين أحدهما ماء والآخر خل، وكان المكلف قبل وقوع النجاسة مضطراً إلى شرب الماء لدفع عطشه، ولا ينبغي التأمّل في هذه الصورة في عدم تنجيز العلم الإجمالي بالإضافة إلى الخل أيضاً؛ لأنّ الماء المزبور يجوز شربه لمكان الاضطرار إليه سواء وقعت النجاسة فيه أم لا، فيكون الشك في حرمة شرب الخل شكاً بدوياً فتجري أصالة الحل فيه، ولكن لا يخفى أن عدم تنجيز العلم الإجمالي والحكم بجواز شرب الخل بأصالة الحلية إذا كان الماء بقدر رفع الاضطرار لا أزيد، وإلاّ فالتنجيز بحاله للعلم الإجمالي عند وقوع النجاسة بحرمة شرب الخل أو الباقي من الماء.







ولا يخفى أيضاً أن أصالة الطهارة في ناحية الخل في الفرض تسقط بالمعارضة مع أصالة الطهارة في ناحية الإناء الذي فيه الماء، ولكن لا مجرى لأصالة الطهارة في ظاهر شفتيه بعد شرب الماء، بدعوى أن نجاستهما مانعة عن الصلاة قبل التطهير، وذلك فإن أصالة الحلية الجارية في الخل لها خطاب خاص وأصل طولي فيؤخذ بها على ما تقدم سابقاً، وأما أصالة الطهارة لظاهر شفتيه فلا أثر لها حتى تقع المعارضة بينها وبين أصالة حلية الخل، حيث إن المفروض عدم تمكن المكلف من التطهير لفقد الماء، نعم إذا بقي الخل إلى أن وجد الماء لتطهيره فلا يجوز شربه لوقوع المعارضة.







الصورة الثانية: ما إذا كان الاضطرار إلى بعض الأطراف لا بعينه، ثم حصل العلم الإجمالي كما إذا اضطر إلى شرب أحد الماءين ثم علم إجمالا بوقوع النجاسة في أحدهما، وقد يقال في هذه الصورة بعدم تنجيز العلم الإجمالي كالصورة الاُولى، بدعوى أن ما يدفع المكلف اضطراره بشربه حلال وحرمة شرب الآخر بعده مشكوك بدواً، فيؤخذ بأصالة الحلية فيه، ولكن هذا القول ضعيف، والصحيح تنجيز العلم الإجمالي؛ لأنّ الاضطرار يرفع الحرمة إذا كان طارئاً على ارتكاب الحرام كما هو مفاد رفع الاضطرار، وقوله (عليه السلام): ما من محرّم إلاّ وقد أحلّ لمن اضطر إليه(1)، والمفروض في هذه الصورة عدم طرو الاضطرار إلى شرب الماء المتنجس، ولذا لو كان المتنجس منهما محرزاً كان على المكلف دفع اضطراره بغيره، وعلى الجملة النجس منهما واقعاً باق على حرمته وموجب لتساقط الاُصول النافية فيهما، غاية الأمر لا تجب الموافقة القطعية في الفرض؛ لأنّ حكم العقل بلزومها للتحرز عن العقاب المحتمل، ومع كون الموافقة القطعية موجبة للابتلاء بمحذور آخر كالقاء النفس في التهلكة لا يحكم العقل بلزومها، أضف إلى ذلك أن الشارع إذا رخص في ارتكاب المحرم لدفع الاضطرار فالترخيص في ارتكاب محتمل الحرمة أولى، غاية الأمر الترخيص في الأول واقعي وفي الثاني ظاهري، وقد تقدم أن كلام الماتن ظاهره كون الترخيص واقعياً، وكذا يظهر ذلك من المحقق النائيني (قدس سره) ولكن يختلف ما ذكره عما ذكره الماتن، حيث قال: ما يدفع به الاضطرار قبل دفعه كان محرماً على تقدير كون المعلوم بالإجمال فيه، ولذا يجب رعاية العلم الإجمالي في الطرف الباقي حتى بعد دفع اضطراره، حيث لم يطرأ الاضطرار على خصوص الحرام الواقعي، وانما يكون اختياره لدفع اضطراره موجباً لسقوط حرمته الواقعية، ولكن لا يخفى أن تعلق الحرمة الواقعية بفعل قبل ارتكابه وسقوطها عند اختيار ارتكابه أمر غير معقول؛ لأنّ التكليف للزجر عن اختيار متعلقه، وإذا جاز الفعل واقعاً باختيار ارتكابه فلا يبقى معنى لتحريمه، والحل أن اختيار شيء لدفع اضطراره إلى الجامع لا يوجب طرو الاضطرار عليه ليكون التكليف به ساقطاً باختياره لدفع اضطراره، والمتعين ما ذكرنا من عدم حكم العقل في الفرض بلزوم الموافقة القطعية، ولا يبعد أن يجري الاستصحاب في بقاء النجس بعد رفع الاضطرار بأحدهما في هذا الفرض أيضاً، كما يأتي في الصورة الثالثة. ومما ذكرنا يظهر الحال في الصورة الثالثة: وهي ما إذا كان طرو الاضطرار إلى شرب أحد ماءين بعد العلم بنجاسة أحدهما، فإنه عند طرو الاضطرار فالمختار لدفعه باق على حرمته الواقعية فيما إذا انطبق عليه المعلوم بالإجمال، غايته أنه لا تجب الموافقة القطعية عقلا على ما تقدم، بل يمكن في الفرض الالتزام بوجوب الاجتناب عن الآخر للاستصحاب في بقاء ما تنجس واقعاً، ولا يعارض بالاستصحاب في عدم وقوع النجس في الباقي لسقوطه بالمعارضة مع عدم وقوعه في المدفوع به الاضطرار قبل طرو الاضطرار إلى شرب أحدهما.







لا يقال: كيف يكون المدفوع به الاضطرار محرماً واقعاً عند اختياره لدفعه، وما فائدة تحريمه عنده مع كون الغرض من النهي الزجر عن متعلقه، والتأمل في فائدة النهي والغرض منه يجري في كل من الصورتين الثانية والثالثة، فإنه يقال نعم الغرض من النهي الزجر عن متعلقه، وهذا الغرض حاصل، حيث إنه لو علم أثناء الارتكاب أن ما يرتكبه نجس يجب قطع الارتكاب ودفع اضطراره بغيره، بخلاف ما إذا كان الاضطرار إلى معين، فإنه لو علم نجاسته حين ارتكابه فلا يضر لسقوط النهي عنه بالاضطرار إليه.







والصورة الرابعة: ما إذا علم بنجاسة أحد مائعين، أحدهما ماء والآخر خل، ثم طرأ الاضطرار إلى شرب الماء لدفع عطشه، ففيها ما تقدم من عدم الفرق بين طرو الاضطرار إلى بعض الأطراف وبين فقده، في أن العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما قبل طرو الاضطرار أو فقد بعض الأطراف مقتضاه لزوم الاجتناب عن الآخر؛ لأنّ الاُصول النافية في جميع الأطراف قد سقطت قبل طروه أو فقد بعض الأطراف، بل يمكن في الفرض الاستصحاب في بقاء ما وقعت النجاسة فيه سابقاً، فإن المقام من قبيل القسم الثاني من الكلي، ومقتضاه رعاية التكليف المحتمل في غير المضطر إليه أو الباقي من الأطراف، ولا مجال في المقام لدعوى معارضة الاستصحاب في عدم وقوع النجاسة في الخل مع الاستصحاب في بقاء الكلي بعد دفع الاضطرار بالماء، أو بعد فقد بعض الأطراف، وذلك لسقوط جميع الاُصول النافية في الأطراف قبل طرو الاضطرار أو فقد بعضها.







وهذا بخلاف الصورة الاُولى، من حصول العلم بوقوع النجاسة بعد الاضطرار إلى معين، حيث ذكرنا أن أصالة الحلية في الخل جارية ولم تسقط ومع أصالة الحلية لا يجرى الاستصحاب في بقاء النجاسة السابقة؛ لأنه لا أثر لبقاء النجاسة إلاّ الاحتياط لاحتمال دفع الضرر ولا يثبت نجاسة الخل، واحتمال الضرر مدفوع في شرب الخل بجريان أصالة الحلية فيه كما أوضحنا ذلك في بحث الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي إذا احتمل التكليف في الفرد الباقي المحتمل، وكان احتماله فيه مدفوعاً بالأصل النافي، ولا يخفى أن الملاك في تنجيز العلم الإجمالي وعدم تنجيزه في موارد الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً، هو حصول العلم الإجمالي لا المعلوم بالإجمال، بمعنى أن سبق المعلوم بالإجمال على الاضطرار للبعض المعين من الأطراف لا يفيد في تنجيز العلم الإجمالي، وإنما الموجب لتنجيزه ما إذا كان نفس العلم الإجمالي قبل الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً، ولو كان لاحقاً بالاضطرار فلا يفيد التنجيز لأن الموجب لتنجيزه تساقط الاُصول النافية في أطرافه، وأطرافه تكون مورداً لها عند حصول العلم، فإن الموضوع لها الشك في الأطراف، الحاصل بحصول العلم الإجمالي وسبق المعلوم بالإجمال على الاضطرار لا يؤثر في المعارضة، إذا كان نفس العلم به لاحقاً على الاضطرار، ومما ذكرنا يظهر أنه لو كان العلم الإجمالي مقارناً لحصول الاضطرار إلى بعض الأطراف بعينه، وأنه لا يكون في الفرض للأصل النافي في غير المضطر إليه معارض حتى وإن كان نفس المعلوم بالإجمال سابقاً على الاضطرار فتدبر.















اشتراط الابتلاء بجميع أطراف العلم الإجمالي في تنجيزه















[2] اعتبر جماعة في تنجيز العلم الإجمالي بالحرمة الابتلاء بجميع أطرافه، وذكر في وجهه أنه لا ينبغي التأمل في اعتبار التمكن من فعل في صحة النهي عنه، حيث إن النهي عن فعل لا يتمكن المكلف منه لغو لا يصدر عن المولى الحكيم، وإذا كان الوجه في عدم صحة النهي في فرض عدم التمكن من المتعلق ما ذكر جرى فيما كان الفعل مما يترك عادة ولا يحصل للمكلف داع إلى ارتكابه مع اطلاعه بما عليه من الخصوصيات، ولذلك التزموا كالماتن (قدس سره) باشتراط الابتلاء في فعلية النهي؛ لأنه مع عدم الابتلاء لا يترتب على النهي عنه دعوة للمكلف إلى الترك، وقد يقال لازم ما ذكر اشتراط الابتلاء في التكليف الوجوبي أيضاً، بأن يعتبر في الوجوب الفعلي إمكان ترتب دعوته إلى الفعل وإذا فرض فعل لا يحصل للمكلف داع إلى تركه عادة يكون الأمر به لغواً، كايجاب ستر العورة عن غير الزوجة ووجوب الانفاق على النفس والولد، واعترف الماتن (قدس سره) بذلك في هامش الكفاية، وقد ذكر النائيني (قدس سره) أن اشتراط الابتلاء يختص بالتكاليف التحريمية، والمراد من الخروج عن الابتلاء كون الموضوع لحرمة الفعل بحيث يحتاج الاتيان بمتعلق النهي إلى تهيئة مقدمات للوصول إليه بحيث لا يرغب عادة إلى تلك الهيئة، ككون المايع النجس أو الغصبي في أرض يحتاج الوصول إليها إلى سفر طويل، وهذا النحو من الفعل لا يصح النهي عنه، ولكن يصح الأمر بمثل هذا الفعل؛ لأنّ الأمر يكون داعياً له إلى تهيئة المقدمات، وأما إذا لم يكن الموضوع كذلك بل عدم ارتكابه لوجود داع آخر يدعو إلى تركه ولا يتخلف الداعي عادة، كتحريم أكل الخبائث فيصح النهي عنه كما يصح الأمر بستر العورة، حيث يكون النهي والأمر مؤكدين للارتداع أو الاتيان، ولكن قد يناقش في الفرق بين ما إذا كان الوصول إلى الموضوع محتاجاً إلى تهيئة مقدمات لا يحصل للمكلف عادة الداعي إليها، وبين ما إذا كان الموضوع بيد المكلف ولكن يكون له داع آخر إلى ترك متعلق النهي لا يتخلف عنه عادة، بحيث لا يحصل للنهي المفروض داعوية إلى الترك، ولو كان النهي في الفرض الأول لغواً لكان في الثاني أيضاً كذلك، وبتعبير آخر كما يصح أخذ القدرة في متعلق النهي بأن يضاف النهي إلى الفعل المقدور كذلك يصح أخذ الابتلاء بمعنى عدم الداعي الآخر الذي لا يتخلف عادة في متعلقه بأن يختص النهي بالفعل الذي يمكن فيه حصول الداعي إلى الارتكاب عادة، ولكن الصحيح عدم اعتبار الزائد على القدرة لا في الإيجاب ولا في التحريم، حيث إن النهي مع الداعي الآخر إلى الفعل أو الترك مؤكد يكون موجباً للقرب فيما إذا كان كل منهما مستقلا في الدعوة بمعنى أنه لولم يكن للمكلف داع آخر إلى الفعل أو الترك لكان الأمر أو النهي داعياً له إلى الاتيان أو الترك، وحيث إن الغرض في الأوامر الشرعية والنواهي الشرعية ليس مجرد الفعل أو الترك، بل الغرض منهما استناد الفعل إلى أمر الشارع به، واستناد الترك إلى نهيه، لصح للشارع الأمر والنهي حتى فيما كان للمكلف داع آخر إلى الفعل أو الترك، ولا يقاس ذلك بالموارد التي يكون الغرض من الأمر والنهي مجرد الاتيان بالمتعلق أو تركه خارجاً، ليكون الأمر والنهي مع داع آخر لا يتخلف عادة عبثاً، لا يقال: لو كان الغرض في الأوامر الشرعية ونواهيه الاستناد في الفعل أو الترك إلى أمر الشارع ونهيه لكانت التكاليف كلها من التعبدي مع أن النواهي كلها والأوامر جلّها توصليات.







فإنه يقال: إنما يكون المتعلق توصلياً أو تعبدياً لملاك فيه، فإن كان الملاك فيه غير موقوف على قصد التقرب فهو توصلي، وإن كان موقوفاً على الاستناد وقصد التقرب فهو تعبدي، وبتعبير آخر في موارد العبادة يتعلق الأمر بالفعل مع قصد التقرب بخلاف التوصلي فإنه يتعلق بذات الفعل على ما أوضحنا في بحث التعبدي والتوصلي، وأما الغرض من التكليف في كل من التعبدي والتوصلي الاستناد، وربما يشير إلى ذلك قوله سبحانه: (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا اللّه)(2)، نعم رعاية هذا الغرض في كل الأوامر والنواهي من مراتب تكميل النفس والتقرب إليه سبحانه، وعلى الجملة الغرض من النهي عن فعل إمكان كونه داعياً إلى تركه حتى فيما إذا كان له داع آخر إلى تركه، وكذلك الغرض من الإيجاب إمكان كونه داعياً إلى الفعل ولو مع فرض داع آخر له إلى الإتيان.







والمشهور بين القوم أنه إذا صح التكليف بما هو خارج عن الابتلاء بالمعنى المتقدم في كلام النائيني (قدس سره)، بل وغيره مما يكون التكليف فيها للتأكيد والتكرار في الداعوية بالمعنى المتقدم يترتب على ذلك تنجيز العلم الإجمالي بالتكليف بين الداخل في الابتلاء أو غيره، بخلاف ما إذا قيل باختصاص التكليف بمورد الابتلاء، فإنه تجرى الاُصول النافية في الداخل في الابتلاء بلا معارض، ولكن لا يخفى ما فيه، فإن تنجيز العلم الإجمالي يكون بتعارض الاُصول النافية في الأطراف، وإذا اختص بعض الأطراف بأصل طولي ناف فلا يكون تنجيز للعلم الإجمالي، وعلى ذلك فالاُصول النافية كالاستصحاب في عدم الموضوع وعدم التكليف في الأطراف متعارضة، وكذلك أصالة الطهارة والحلية، إلاّ أن حديث الرفع بفقرة: «رفع ما لا يعلمون» يختص بما إذا كان الموضوع للحرمة أو الحرمة في الداخل في الابتلاء، حيث إن الوضع فيه ثقل على المكلف بخلاف الوضع فيما هو خارج عن الابتلاء فإنه لا ثقل فيه، حيث لا يرتكبه المكلف فيكون الرفع في الداخل في محل الابتلاء امتناناً دون غيره، نعم إذا اختص الخارج عن الابتلاء بأصل مختص لا يجري في الداخل في مورد الابتلاء تقع المعارضة بينه وبين أصالة البراءة الجارية في الداخل فيه.







ثم على تقدير اعتبار الابتلاء في صحة التكليف، فإن شك في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء بالشبهة المفهومية فإن للخروج عن الابتلاء مراتب، فبعض تلك المراتب متيقن وبعضها مشكوك، فهل يصح مع المرتبة المشكوكة التمسك بإطلاق خطاب تحريم الشيء وتثبت الحرمة في الفرض بين الاطراف؟ ويكون العلم الإجمالي منجزاً كما عليه الشيخ (قدس سره)، أو أنه لا يصح معها التمسك بالإطلاق في الخطاب حيث يعتبر في التمسك بالإطلاق في خطاب الحكم في مورد إحراز إمكان ثبوت الحكم فيه بحسب مقام الثبوت كما عليه ظاهر الماتن، فيجري الأصل النافي في الطرف الداخل في الابتلاء، فالصحيح على القول باشتراط التكليف بالابتلاء هو الأول، فإنه كما يصح التمسك بالإطلاق من الخطاب في موارد الشك في ثبوت الحكم من سائر الجهات، كذلك يتمسك به في مورد احتمال عدم إمكان ثبوت الحكم فيه ثبوتاً، حيث إنه بالإطلاق المزبور يستكشف ثبوته وإمكانه، ولذا لم يحصل إحراز هذا الإمكان من مقدمات الإطلاق وإلاّ لم يمكن التمسك بالإطلاق في موارد الشك في ثبوت الحكم ثبوتاً، لاحتمال عدم الملاك له فيها، مع أن ثبوت الحكم وجعله في مورد عدم ملاكه فيه قبيح على المولى الحكيم، وعلى الجملة مع الأخذ بالإطلاق المقتضي لثبوت الحكم بين الأطراف تكون الاُصول النافية فيها متعارضة إلاّ في الفرض الذي ذكرناه، نعم لو قيل بانصراف خطابات التكليف إلى ثبوته في موارد الابتلاء، كما يدعى ذلك بانصرافها إلى القادرين على متعلقات التكليف لما يمكن التمسك بها في موارد الشك في الابتلاء بنحو الشبهة المفهومية، ولكن الدعوى بمراحل عن الواقع، ولو كان مراد الماتن ذلك كان المتعين تعليل عدم جواز التمسك بعدم إحراز ظهور الخطاب لا بصحة إطلاق الحكم وإمكانه ثبوتاً، وإلاّ يؤخذ بالإطلاق في الخطاب في موارد تقييد الحكم ثبوتاً أو إمكان إطلاقه كذلك كما ذكرنا.







هذا كله في الشبهة المفهومية للابتلاء، وأما إذا شك في الخروج عنه بالشبهة المصداقية فلا يمكن التمسك بإطلاق الخطاب لإثبات التكليف للموضوع الموجود بين أطراف يحتمل وجودها خارج الابتلاء أو الخارج عن القدرة، كما إذا علم بنجاسة إناء زيد أو عمرو، وإناء عمرو مردّد بين كونه هو المتناول بيده أو خارج عن ابتلائه أو قدرته، فإنه لا يمكن في الفرض التمسك بخطاب تحريم شرب النجس لإثبات التكليف على ماهو المقرر في بحث عدم جواز التمسك بالعام أو المطلق في شبهتهما المصداقية، سواء كان التخصيص أو التقييد نقلياً أو عقلياً، وعليه فيجري الأصل النافي في الأطراف الداخلة في موارد الابتلاء أو القدرة لاحتمال وجود الموضوع فيما هو خارج عن ابتلائه أو قدرته.















في الشك في كون بعض الأطراف مقدوراً أو داخلا في الابتلاء







لا يقال كيف تجري أصالة البراءة أو غيرها من الأصل النافي في الداخل في الابتلاء أو القدرة مع أن المعروف فيما بينهم أن الشك في القدرة مورد الاحتياط كما إذا شك في تمكنه من تجهيز الميت فإنه لا يجوز له تركه أخذاً بالأصل النافي، فإنه يقال: يختص لزوم الاحتياط بموارد العلم بالملاك وعدم اختصاصه بصورة التمكن كما في المثال، وأما إذا لم يعلم ذلك واحتمل انحصاره على صورة التمكن من الفعل، فالشك في القدرة المساوق للشك في التكليف مجرى للبراءة، بخلاف الصورة الاُولى حيث يلزم فيها الاحتياط؛ لأنّ العلم بالملاك الملزم كالعلم بالتكليف في لزوم الرعاية غاية الأمر يكون المكلف مع عجزه وفوت الملاك لقصوره معذوراً، بخلاف تفويته، لكن لا علم لنا غالباً بهذا النحو من الملاك، حيث إن الغالب يكون الكاشف عنه التكليف، ومع عدم ثبوته في حق العاجز لا يحرز الملاك، نعم إذا علم من الخارج أو دل دليل من خطاب شرعي كما في صورة العجز الناشئ عن ترك التعلم، حيث يستفاد من الروايات الواردة في وجوبه، العجز الناشئ عن تركه لا يكون عذراً فيحرز فوت الملاك مع العجز الناشئ عن تركه.















في استفادة عموم الملاك من خطابات التكاليف







وأما دعوى استفادة عموم الملاك من إطلاق الخطابات لكون مفادها ثبوت التكاليف في حق المتمكن والعاجز، غاية الأمر يكون التكليف بالإضافة إلى العاجز بداعي الإعلام بالملاك والتصدي للفعل مع عدم إحراز عجزه واحتمال تمكنه، ولذا يكون مع إحراز عجزه معذوراً ويكون التمكن شرطاً لتنجز التكليف لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ التكاليف من الإيجاب والتحريم بل الترخيص كونها بداعي البعث والزجر والإذن في الارتكاب، فينحصر مدلولها ثبوتاً بحكم العقل على المتمكن من متعلقاتها وأن يكون مدلولها الاستعمالي مطلقاً بالإضافة إلى المتمكن والعاجز.







وعلى الجملة اعتبار القدرة في التكليف عقلا من قبيل ثبوت القيد ثبوتاً ولا يوجب انتقاض ظهوره الاستعمالي، بل يوجب عدم اعتباره، نعم إذا كان مفاد الخطاب القضية الخارجية فالأمر كما ذكر لا يكون المكلف معذوراً في مخالفة التكليف إلاّ مع إحراز عجزه، وذلك فإن إحراز حال المكلف فيما كان الخطاب بمفاد القضية الخارجية يكون على المولى توجيه خطابه إلى عبده، ظاهره أنه أحرز تمكنه من الفعل، بقي في المقام أمران: أحدهما: قد يقال كما أن خروج بعض الأطراف عن القدرة العقلية أو حتى عن الابتلاء بناء على ما تقدم يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي كذلك العجز الشرعي في بعض أطرافه يمنع عن تنجيزه، كما إذا علم بإصابة النجاسة في الماء أو الثوب الغصبي فإنه تجري أصالة الطهارة في الماء، ولا يعارضها أصالة الطهارة في الثوب، فإن الثوب المزبور لا يجوز الصلاة فيه سواءً كان طاهراً أو نجساً فلا مورد للأصل فيه، أقول: لو كان غير المقدور شرعاً بحيث لم يكن للمعلوم بالإجمال أي أثر فيه أصلا فيجري في المقدور الاُصول النافية بلا معارض، بخلاف ما كان له أثر فيه، فإن أصالة الطهارة في الثوب الغصبي مقتضاها طهارة ما يلاقيه ولو بعد ذلك، ويكون هذا الأصل على تقدير جريانه حاكماً على أصالة الطهارة في ناحية الملاقي بالكسر فأصالة الطهارة في الماء معارضة بأصالة الطهارة في الثوب، نعم لا بأس بشرب الماء المزبور أخذاً بأصالة الحل فيه على ما تقدم من أنها أصل طولي يستفاد من خطاب يختص ببعض الأطراف.







وبتعبير آخر طهارة شيء أو نجاسته وإن كانت جزء الموضوع أو قيده في تنجس ملاقيه إلاّ أن جزء الموضوع أو قيده فيما كان قابلا للجعل في نفسه يمكن التعبد به قبل تمام الموضوع مع احتمال تمامه، بخلاف ما إذا كان الجزء أو القيد غير مجعول بحيث لا معنى للتعبد به إلاّ جعل حكمه، فإن التعبد به لا يمكن إلاّ في فرض جزئه الآخر أو ذات المقيد، وعليه فالعلم الإجمالي بنجاسة الماء أو الثوب الغصبي كاف في وقوع المعارضة في الأصل المقتضي لطهارة كل منهما.







وثانيهما: ما إذا فرض تحقق المعلوم بالإجمال في بعض الأطراف يكون الحكم فيه فعلياً بخلاف ما إذا تحقق في البعض الآخر فإن الحكم لا يكون فعلياً، كما إذا علم بوقوع النجاسة في الماء أو التراب مع انحصار طهور المكلف بهما، فهل يمكن الالتزام بجريان أصالة الطهارة في الماء؛ لأنّ وقوع النجاسة في التراب على تقديره لا أثر له؛ لأنّ بطلان التيمم به على هذا التقدير غير مستند إلى نجاسته، بل إلى كون المكلف واجداً للماء، أقول: هذا أيضاً صحيح فيما إذا لم يكن لطهارة التراب أثر شرعي كجواز السجود عليه أو يعلم ملاقاته طاهراً بالرطوبة المسرية ولو بعد ذلك، لتقع المعارضة بين أصالة الطهارة الجارية في الماء وأصالة الطهارة الجارية في التراب، وإلاّ يجمع المكلف بين الوضوء بالماء المزبور ثم بعد يبس أعضائه يتيمم به، فإن نجاسة الأعضاء على تقدير كون الماء نجساً لا يضر بصحة التيمم بالتراب وإن كان الأولى التيمم به أولاً ثم يزيل التراب عن مواضعه ويتوضأ، وأما إذا علم بنجاسة الماء أو كون التراب مغصوباً مع انحصار طهوره عليهما وعدم مرتبة اُخرى مما يتيمم به، فبما أن المكلف في الفرض يعلم بوجوب الصلاة عليه مع الطهور إما بالماء أو بالتراب يتعين عليه رعايته، ولكن الموافقة القطعية للتكليف بالصلاة بالجمع بين الوضوء والتيمم يوجب المخالفة الاحتمالية للتكليف المحتمل المنجز، أعني حرمة التصرف في التراب لسقوط أصالة الحلية فيه بالمعارضة مع أصالة الطهارة والحلية في الماء على ما تقدم يقتصر في موافقة التكليف بالصلاة على موافقته الاحتمالية أي بالوضوء مع الماء المفروض، نعم إذا تمكن من المرتبة اللاحقة مما يتيمم به تعين الموافقة القطعية للتكليف بالصلاة بالجمع بين الوضوء والتيمم بتلك المرتبة، ولو عكس الأمر بأن علم إما بغصبية الماء أو كون التراب نجساً تعين مع انحصار الطهور عليهما التيمم بالتراب المزبور، لاحتمال كون الماء غصباً وتنجز حرمة التصرف فيه بمعارضة أصالة الحلية فيه بأصالة الطهارة في ناحية التراب.















(1). وسائل الشيعة 23:228، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 18.







(2). سورة البينة: الآية 5.































الثالث: أنه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن تكون أطرافه محصورة، وأن تكون غير محصورة[1].







الرابع: أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها، وإن كان حاله حال بعضها في كونه محكوماً بحكمه واقعاً[2].







وأنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم اجمالا بالنجس بينها[3].















العلم الإجمالي في أطرافه الغير المحصورة















[1] اشتهر في الألسنة عدم الاعتبار بالعلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، وأن تنجيز العلم الإجمالي يختص بما إذا كانت أطرافه محصورة، ولذا تصدوا لذكر المعيار في كون الشبهة أطرافها محصورة أو غير محصورة، وذكر الماتن (قدس سره) عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين قلة أطرافه وكثرتها، نعم ربما تكون كثرة الأطراف في بعض الموارد موجبة لعسر الموافقة القطعية للمعلوم بالإجمال بالاجتناب عن جميع الأطراف أو الاتيان بجميعها أو كان رعايته موجبة في جميع الأطراف الضرر أو غيره مما يوجب رفع التكليف وعدم فعليته، وهذا الأمر قد يتفق مع قلة الأطراف أيضاً، فلابد من ملاحظة ما يوجب رفع التكليف وعدم فعليته وأنه محقق في مورد العلم الإجمالي أم لا، أو أنه محقق مع كثرة الأطراف ومع أي مرتبة منها، فإن اُحرز تحققه فهو وإلاّ يحكم بتنجز التكليف المعلوم بالإجمال فيما كان في البين عموم أو إطلاق في خطاب ذلك التكليف، ومع عدمهما يكون المرجع أصالة البراءة لكون الشك في تحقق تكليف فعلي في البين.







أقول: المفروض في الشبهة غير المحصورة عدم دخولها في مورد الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف لا بعينه وإلاّ جرى فيها ما تقدم، بل المفروض كون الاجتناب عن جميع الأطراف عسراً أو حرجاً، وقد ذكر الماتن (قدس سره) في قاعدة نفي الحرج أنها ترفع التكليف إذا انطبق عنوان الحرج كالضرر على الفعل الذي تعلق به التكليف، وفي موارد الشبهة غير المحصورة لا ينطبق عنوان الحرج أو الضرر على الفعل فعلا أو تركاً، بل يكون الحرج أو الضرر في الإتيان بجميع أطراف العلم الإجمالي أو تركها فلا مجرى لقاعدة نفي الحرج أو قاعدة نفي الضرر في موارد الشبهة غير المحصورة، نعم لو قيل بأن الضرر أو الحرج عنوان لنفس التكليف وأن المنفي نفس التكليف الحرجي أو الضرري، فقد يدعى أن التكليف مع العلم الإجمالي به في أطراف كثيرة حرجي؛ لأنّ الحرج في التكليف عبارة عن كون امتثاله حرجياً فينفي بقاعدة نفيه أو نفي الضرر، وبعده لا موجب لرعاية العلم الإجمالي أصلا.







لا يقال: كيف تكون قاعدة نفي الحرج أو الضرر حاكمة في أطراف العلم الاجمالى؛ لأنّ الاجتناب عن الحرام الواقعي أو الاتيان بالواجب الواقعي لا حرج ولا ضرر فيهما، وإنما يكون الحرج أو الضرر في إحراز الاجتناب عن الحرام الواقعي أو إحراز الإتيان بالواجب الواقعي، وهذا الإحراز المعبر عنه بالموافقة القطعية لزومها عقلي لا يدخل في المجعول الشرعي ليكون منفياً بنفي جعل الحرج أو الضرر، فلا فرق في عدم شمول القاعدتين بين القول بأن الحرج أو الضرر عنوان لنفس الفعل المتعلق به التكليف، أو على التكليف المتعلق به الفعل، بل لو فرض انطباقه على التكليف لازمه ارتفاعه واقعاً فتصير الحلية في كل واحد من أطراف العلم واقعية لا ظاهرية، ولا يظن التزام القائلين بعدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة بذلك.







فإنه يقال: يصدق الحرج على التكليف الثابت في طرف واحد من أطراف كثيرة، وإن امتثاله في هذا الحال حرجي، حيث إنه يتوقف على الإتيان بجميع الأطراف أو ترك جميعها ورفعه في هذا الحال أي مقيداً بحال الجهل وبقاء التردد يكون رفعاً ظاهرياً، فإن كونه ظاهرياً مقتضى تقييد الرفع بحال الجهل وبقاء التردد، نعم بناءً على اعتبار انطباق عنوان الحرج أو الضرر على الفعل المنطبق عليه عنوانهما التكليف فلا مجرى لهما في الشبهة غير المحصورة، نعم بناء على ذلك يتعين في موارد العلم الإجمالي بالواجب في أطراف غير محصورة الإتيان من أطراف العلم إلى أن يصل رعاية الاحتياط في الباقي بحد الحرج في الفعل، فيعلم بعدم التكليف بعد ذلك إما للاتيان بالواجب قبل ذلك أو ارتفاع التكليف على تقدير بقائه، فيكون نظير الاضطرار اللاحق على البعض المعين من أطراف العلم حيث لا يجب رعاية العلم في الطرف المضطر إليه.







وأما في موارد العلم الإجمالي بالحرمة في الشبهة غير المحصورة فإن كان بعض أطرافه خارجاً عن القدرة فلا بأس بارتكاب أي طرف مما هو داخل في القدرة إذا لم يعلم بوجود الحرام في تلك الأطراف ولو في طول الزمان، وأما إذا كانت جميع الأطراف داخلة تحت قدرته كذلك، فاللازم الاجتناب عن جميعها إلى أن يصل إلى حد الاضطرار إلى ارتكاب البعض، أو يصل مع الاجتناب عن جميعها في طول الزمان إلى بقاء بعض الأطراف فقط مما هو بمقدار الحرام المعلوم بالإجمال الأول، ولكن كان الاجتناب عنها أمراً حرجياً، ويتعين ما ذكر أيضاً بناءً على أن الحرج والضرر وإن يكونا عنوانين لنفس التكليف، إلاّ أن التكليف الواقعي ليس في موافقته حرج أو ضرر، وإنما الحرج والضرر في إحراز الموافقة القطعية ولزوم الموافقة القطعية حكم عقلي لا يرتفع بنفي الحرج والضرر في مقام الجعل، أو أن خطاب نفي الحرج أو الضرر لا يرفع التكليف برفع ظاهري وإنما مدلولهما نفي الجعل واقعاً بالإضافة إلى التكليف المجعول في الشريعة.















كلام النائيني (قدس سره) في الشبهة غير المحصورة وبيانه الملاك في كونها غير محصورة







ومما ذكرنا يظهر الخلل فيما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) حيث قال: لا يجب الاجتناب عن أطراف الشبهة التحريمية غير المحصورة، وذلك؛ لأنّ المكلف لا يتمكن من ارتكاب جميع أطراف الشبهة ومع عدم تمكنه من ذلك لا يمكن المخالفة القطعية للحرمة الواقعية، وإذا لم يمكن المخالفة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية أيضاً، فإن لزوم الموافقة القطعية تابعة لحرمة المخالفة القطعية، ولهذا يختص عدم لزوم الاجتناب عن الأطراف بالشبهة التحريمية غير المحصورة، وأما التكليف الوجوبي المعلوم بالإجمال بين أطراف كثيرة فيمكن فيها المخالفة القطعية بترك جميع أطراف العلم، ولذا يجب فيها الإتيان بمحتملات التكليف الوجوبي إلى أن يلزم الحرج أو الضرر أو يكتفى بالموافقة الظنية بناءً على تعين الامتثال الظني بعد تعذر الامتثال القطعي، ومع تعذره أيضاً تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي على ما هو المقرر في بحث مراتب الامتثال، فتحصل أن الملاك في كون الشبهة التحريمية غير محصورة وعدم تنجيز العلم الاجمالي بالحرام فيها هو عدم التمكن من المخالفة القطعية من جهة كثرة أطراف العلم الإجمالي بالحرام.















في الاستدلال على حكم الشبهة الغير المحصورة







أقول: إن كان المراد أنه لا يتمكن من ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة حتى بحسب طول الزمان لم يشترطوا ذلك عند قولهم بعدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، أضف إلى ذلك أن ما ذكره (قدس سره) من أنه إذا لم يمكن المخالفة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية أيضاً، وأن وجوب الموافقة القطعية تابع لعدم جواز المخالفة القطعية لا يمكن المساعدة عليه، فإن جواز المخالفة القطعية لا يجتمع مع وجوب الموافقة القطعية، وأما اجتماع وجوب الموافقة القطعية مع عدم إمكان المخالفة القطعية فهو أمر واقع في الشبهة المحصورة أيضاً، فإنه إذا تردد الحرام في زمان بين ضدين لهما ثالث فإنه لا يمكن الجمع بين الضدين في ذلك الزمان حتى تحصل المخالفة القطعية، ولكن يمكن موافقتها القطعية بتركهما إلى ضد ثالث، فاللازم أن لا يكون العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة منجزاً بدعوى أنه لا مانع في مثل ذلك من الأخذ بالاُصول النافية في كل من الضدين، حيث لا يلزم من الأخذ بها في كل منهما المخالفة القطعية لعدم إمكان تلك المخالفة، نظير الاُصول النافية في كل من الوجوب والحرمة في دوران الأمر بين المحذورين.







والوجه في عدم صحة هذا القول في الشبهة المحصورة المفروضة أنه مع إمكان الموافقة القطعية باختيار الضد الثالث يكون التكليف واصلا، ومقتضى وصوله عقلا رعاية احتمال التكليف في كل من الضدين فيكون ترخيص الشارع في كل منهما منافياً للتكليف الواقعي المعلوم بالإجمال بينهما، ولا يقاس المثال بدوران الأمر بين المحذورين، حيث إن مع عدم إمكان شيء من المخالفة القطعية والموافقة القطعية لا يعتبر التكليف بنوعه واصلا، والتكليف المردد بين الوجوب والحرمة مع وحدة المتعلق لا أثر له ولا يترتب عليه الانبعاث حتى ينافي الحكم الظاهري في المتعلق ويجري ما ذكرنا في المثال في الشبهة غير المحصورة أيضاً إذا اعتبر فيها عدم التمكن من المخالفة القطعية ولو في طول الزمان.







وذكر الشيخ (قدس سره) في الوجوه التي يمكن الاستناد إليها في الالتزام بعدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، واختار الوجه هو أن العلم الإجمالي المزبور لا يعتنى به عند العقلاء ويعاملون مع أطرافه الشبهة البدوية، ولذا لا يرى العقل هذا العلم بياناً، ويجري في كل من أطرافه حكمه بقبح العقاب بلا بيان، وفسّر كلامه (قدس سره) بأن احتمال التكليف مع كثرة الأطراف في كل منها يكون موهوماً، فيجوز الارتكاب مادام الوهم في الأطراف، ويرد على ذلك بأنه إن كان المراد أنه لا يعتني بمجرد كون الاحتمال ضعيفاً بأنه لا يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي في أطراف محصورة تساوي احتمال التكليف في كل من أطرافها، بل يكون العلم الإجمالي منجزاً حتى فيما كان احتمال المعلوم بالإجمال في بعضها ضعيفاً، وإن كان المراد من الاحتمال الموهوم الاطمئنان بعدم المعلوم بالإجمال فيما يرتكبه فلازمه جواز الارتكاب مادام الاطمئنان والوثوق بأن المعلوم بالإجمال في سائر الأطراف، لا عدم تنجيز العلم الإجمالي في شيء من الأطراف كما هو ظاهر كلامهم بعدم الاعتبار بالعلم الإجمالي مع كون الشبهة غير محصورة.







ويمكن أن يكون مراده (قدس سره) مما ذكره، ما ذكرناه في بحث الفقه في مسألة العلم بالنجاسة في الشبهة غير المحصورة من أن المراد من العلم هو الذي يغفل عنه عامة الناس ولا يرونه علماً مع كونه في الحقيقة علماً، وذكرنا عدم اختصاص ذلك بالعلم الإجمالي، بل يجري في التفصيلي أيضاً، ومثلنا بالبيضة أو الدجاجة التي يشتريها أو يتملكها بغير الشراء، حيث إن جريان اليد العادية في طول سابق الزمان على اُصولهما أمر قطعي، ولكن لا يعتنى به فتدبر.







ثم إن الثمرة بين ما ذكره المحقق النائيني في وجه عدم وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة، وما ذكره الشيخ (قدس سره) في وجه عدم تنجيز العلم الإجمالي بناءً على ما فسروا كلامه به يظهر فيما لو كان الشك في الشيء بنفسه مورداً للاحتياط، كما لو اشتبه مائع مضاف بين أطراف كثيرة من الآنية التي فيها ماء فيكتفى بالوضوء بواحد منها، بناءً على الوجه الذي ذكره الشيخ لكون المختار للوضوء ماءً، فإن احتمال كونه غير ماء موهوم، بخلاف ما ذكره النائيني (قدس سره) فإنه يجب تكرار الوضوء بما في الآخر لإحراز التوضؤبالماء، وبتعبير آخر لا يكون الشك في كل من الأطراف كالعدم، ولكن العجب منه (قدس سره) حيث التزم بكفاية الوضوء الواحد، وعلله بأن المضاف المزبور لكثرة أطرافه بحكم التألف، والوجه في العجب أنه إن كان المراد بالتلف الاستهلاك وارتفاع الموضوع بأن يكون كثرة الأطراف موجباً لانتفاء المضاف فهو غير تام صغرى وكبرى، أما الصغرى فإنه يلزم على الاستهلاك لوكان درهم واحد من الدراهم الكثيرة ملك الغير أن يحكم بكل الدراهم أنها ملك لمن كان له سائر الدراهم، وأما الكبرى فقد ذكرنا في بحث المطهرات أن الاستهلاك لا يوجب انتفاء الموضوع وجواز شرب الماء الكثير الواقع فيه البول أو غيره من النجاسة، لما دل على اعتصام الماء وجواز شربه واستعماله في الوضوء، فهذا من التبعية لحكم الماء الطاهر، ولذا يقتصر على مورد قيام الدليل على التبعية.







وقد يستدل على عدم اعتبار العلم في الشبهة غير المحصورة بالإجماع، ولا يخفى ما فيه فإن هذه المسألة لم يتعرض لها القدماء من أصحابنا، فكيف يمكن دعوى الإجماع على حكمها، وعلى تقديره فلا يمكن إثبات الإجماع التعبدي لاحتمال كون مدركهم أحد الوجوه المتقدمة، كما يستدل على عدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة ببعض الروايات، كرواية أبي الجارود، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة؟ فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، واللّه إني لأعترض السوق، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن، واللّه ما أظنُّ كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان»(1) ولا يخفى ما فيه، فإنه يجوز ارتكاب الماخوذ في أمثال ذلك لا لكون الشبهة غير محصورة، بل لأنه مع عدم العلم بحرمة المأخوذ بعينه تجري فيه أصالة الطهارة أو الحلية، ويحكم بكونه مذكى ليد المسلم؛ لأنّ غير المأخوذ محرم عليه قطعاً، فإنه إما ملك للغير أو حرام، كما ذكرنا ذلك في بحث جوائز السلطان، نعم إذا علم الحرام في المأخوذ ولو تدريجياً جرى عليه حكم الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، بقي في المقام أمر، وهو أنه ذكر بعض أنَّ كثرة أطراف الشبهة توجب كون الشبهة غير محصورة فيما إذا لم يكن المعلوم بالإجمال كثيراً، وأما مع كثرة المعلوم بالإجمال كما إذا علم أن ثلث الآنية المنتشرة في البلد بأنه نجس فيجري عليها حكم الشبهة المحصورة، ويسمى هذا بشبهة الكثير في الكثير، والصحيح ملاحظة الموجب لتنجز العلم الإجمالي وجوداً وعدماً، فإنه في مثل جوائز السلطان لا يضر العلم بكثرة الحرام بخلاف ما إذا علم المكلف بكثرة الحرام فيما يبتلي بجميع الأطراف ولو في طول الزمان.















في ملاقي بعض أطراف العلم







[2] لا ينبغي التأمل في أن العلم الإجمالي بالموضوع بين طرفين أو اكثر يوجب تنجز التكليف المترتب عليه بسقوط الاُصول النافية في الأطراف فيما كان المعلوم بالإجمال تمام الموضوع له، أو كان في البين ما يحرز به تمام الموضوع، وأما إذا كان جزء الموضوع أو قيده فقط فلا يكون العلم الإجمالي به موجباً للتنجز ولا تساقط الاُصول النافية، كما إذا علم المكلف في جسدين أحدهما جسد إنسان ميت لم يغسل والآخر جسد حيوان ميتة، فإن الملاقي لأحدهما وإن يكن نجساً إذا كان مع الرطوبة المسرية، إلاّ أن المكلف إذا مس أحدهما لا يوجب ذلك غسل مس الميت؛ لأنه بالملاقاة المزبورة وإن تحرز النجاسة، إلاّ أنه لا يحرز بها تمام الموضوع لوجوب غسل مس الميت، بل مقتضى الأصل أنه لم يمس ميت الإنسان، وهذا بخلاف ما إذا كان العلم الإجمالي بموضوع مساوقاً لإحراز حصول الموضوع لحكم آخر أيضاً، كما إذا علم إجمالا بطهارة أحد شيئين كانا في السابق متنجسين، فإنه إذا فرض ملاقاة طاهر لأحدهما مع الرطوبة يحكم بنجاسة الطاهر؛ لأنه مع العلم بالملاقاة يحرز تمام الموضوع لتنجس الطاهر، فإنه لاقى شيئاً محكوماً بالنجاسة مع الرطوبة والملاقاة معها أمر وجداني، وكون الملاقى بالفتح نجساً بالاستصحاب، وهذا بحسب الكبرى واضح.















جريان الأصل النافي بالإضافة إلى تكليف لم يتم موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل







وإنما وقع الخلاف في بعض الموارد في أنها الصغرى للكبرى المذكورة، وأنّه بالعلم الإجمالي يحرز تمام الموضوع أم لا، كما إذا علم المكلف بأن إحدى العينين في يده غصب فلا يجوز له التصرف فيها، وإذا كان لأحدهما نماء منفصل بعد ذلك ولم يكن تناول النماء بالتصرف في أحدهما كتناول بيضة الدجاجة، فهل يجب عليه الاجتناب عن ذلك النماء أيضاً ويحكم بضمان النماء أيضاً، أم لا يجب الاجتناب عن النماء ولا يحكم بضمانه، فقد يقال كما عن المحقق النائيني (قدس سره) بلزوم الاجتناب عن النماء، ودخوله في الضمان كالعين المتبوعة له، وذكر في وجهه أن وضع اليد على عين عدواناً وضع لها على منافعها ونماءاتها، ولذا لو استلم ثالث العين من الغاصب وحصل نماؤها بيده كان لمالكها الرجوع إلى كل منهما على قرار تعاقب الأيدي على مال الغير، فأصالة عدم الضمان من ناحية العين التي لها نماء قد سقطت بالمعارضة مع أصالة عدم الضمان بالإضافة إلى العين التي لم يتجدد لها نماء، هذا بالإضافة إلى الوضع، وأما التكليف فلمبغوضية التصرف في النماء كالتصرف في نفس العين المتبوعة، أقول لا يخفى ما فيه، فإن النماء المتجدد مال آخر، ولو كانت العين للغير يكون التصرف في النماء المفروض محرماً آخر غير التصرف في العين، ولا تكون حرمة التصرف فيه عند وضع اليد على نفس العين، بل عند حدوثه ولو في يد شخص ثالث، كما أن وضع اليد عليها عدواناً يوجب ضمان نمائها أيضاً عند حصوله، فإنه مادام لم يردها على مالكها فما يفوت من منافعها ونماءاتها عن مالكها يدخل في الضمان أيضاً، فيكون على العين المملوكة للغير عدواناً استيلاء على نمائها المتجدد عند تجدده ولو في يد ثالث، كما هو مقتضى السيرة العقلائية في موارد ضمان اليد، وعلى ذلك فحرمة التصرف والضمان في النماء عند تجدده على تقدير كون النماء ملك الغير ولو بتبع العين، ومقتضى الاستصحاب عدم كون النماء عند حصوله ملكاً للغير لتتعلق به الحرمة والضمان في النماء، ولا يحتاج في جواز إثبات جواز التصرف في النماء وعدم الضمان فيه إلى إحراز كونه ملكاً لنفسه، كما يظهر عن الشيخ الأنصاري (قدس سره)، حيث استظهر عدم جواز التصرف، ولزوم الاحتياط في المال المشتبه من قوله (عليه السلام) على المروي «لا يحل مال إلاّ من وجه أحله اللّه»(2) والوجه في عدم الحاجة أن الرواية مع إرسالها لا تجري في الفرض، فإن استصحاب عدم كون النماء للغير أو أصالة الحلية فيه إحراز لما أحله اللّه، ولا مجال لدعوى معارضة أصالة عدم كون النماء ملك الغير بأصالة عدم كونه له، وذلك فإن الموضوع للحرمة والضمان مال الغير ونفيه كاف في ثبوت الجواز ولا أثر لأصالة عدم كونه ملك نفسه بالاضافة إلى حرمة التصرف فيه، والضمان حيث لا يثبت كونه ملك الغير، وعلى تقدير المعارضة أو عدم الجريان تصل النوبة إلى أصالة البراءة عن الحرمة والضمان، وقد يقال: هذا فيما إذا لم تكن الأطراف مسبوقة بملك الغير، كما لو اصطاد كل من اثنين صيداً فغصب أحدهما من الآخر، ثم اشتبه المغصوب بغيره وحصل لأحدهما نماء فإنه لا اشكال في الفرض على ما تقدم، وأما إذا كانت مسبوقة بملك الغير كما إذا اشترى شجرة وغصب الاخرى، واشتبهتا وحصل لاحدهما نماء فانه يجب في الفرض الاجتناب والتصرف في النماء يضمنه، فإن الاستصحاب في عدم كون الشجرة التي منها النماء، مقتضاه كون الثمرة ملك الغير، ولا مجال لدعوى المعارضة بينه وبين الاستصحاب في بقاء الشجرة الاُخرى على ملك الغير، والوجه في عدم المجال ما تقدم من أن الاُصول المثبتة للتكليف تجرى في أطراف العلم، ومجرد العلم الإجمالي بالانتقاض لا يوجب المعارضة بينها كما هو الحال في تعارض الطرق والأمارات، أقول: في التفصيل المزبور تأمل، وذلك فإن عدم المعارضة في الاُصول المثبتة يختص بموارد يتعين فيها العمل بتلك الاُصول، وأما مع العلم بعدم لزومه شرعاً ولو بحسب الظاهر كالعلم الإجمالي بكون أحد المالين للغير فالمعارضة بحالها، وعليه فلا بأس بالرجوع في النماء إلى الأصل النافي من غير فرق بين كون الأطراف مسبوقة بملك الغير أم لا.







ومما ذكرنا يظهر الحال في ملاقي بعض أطراف العلم بالنجاسة، فإن خطاب النهي عن شرب المتنجس أو أكله كسائر الخطابات انحلالية، ولو كان الملاقى بالفتح نجساً في الواقع يحدث بملاقاته فرد آخر من المتنجس محكوم بحرمة مستقلة وضعاً أو تكليفاً، وبما أن حدوث فرد آخر بالملاقاة غير معلوم، فيجري الاستصحاب، وأصالة الطهارة في الملاقي بالكسر بلا معارض.







وقد يقال: المستفاد من بعض الروايات أن الاجتناب عن الملاقي بالكسر بعينه مقتضى وجوب الاجتناب عن ملاقيه بالفتح لا أنه حكم آخر يثبت لفرد آخر، كما فيما رواه في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أتاه رجل فقال له: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبوجعفر (عليه السلام) «لا تأكله فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي لأجلها، قال: فقال له أبو جعفر (عليه السلام): إنك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك إن اللّه حرم الميتة من كل شيء»(3)، ووجه الاستفادة أن السائل لم يرد أكل الفأرة، بل أراد أكل السمن أو الزيت الملاقى لها، فيستفاد من الجواب أن تحريم الميتة يدخل في الاجتناب عن السمن أو الزيت المفروضين في السؤال.







ولكن لا يخفى، أن المراد من التحريم في الرواية الحكم بالنجاسة وكونها منجسة لا الحرمة التكليفية، بأن يكون مقتضى تحريم الشيء تكليفاً الاجتناب عن ملاقيه، ولذا لا بأس بأكل ملاقي الميتة من غير ذي النفس أضف إلى ذلك ضعف الرواية سنداً.







والحاصل نجاسة الملاقي بالكسر غير نجاسة الملاقى بالفتح، وكل منهما محكوم بحكم مستقل، غاية الأمر إذا أحرز نجاسة أحد الشيئين إجمالا، ثم لاقى أحدهما شيئاً ثالثاً، يحكم بطهارة ذلك الثالث للشك في حدوث فرد آخر والأصل عدمه.







لا يقال: بعد الملاقاة يعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي بالكسر أو نجاسة الطرف الآخر، فهذا علم إجمالي ثان يكون منجزاً لنجاسة الملاقي على تقديرها، فإنه يقال: حيث إن الأصل النافي قد سقط في الطرف الآخر عند حصول العلم الإجمالي الأول، فلا مانع عن الرجوع إلى الأصل النافي في الملاقي، نعم إذا كان للطرف الآخر أصل طولي لم يسقط من الأول كما إذا علم إجمالا بنجاسة ثوب أو ماء ثم وقع الثوب في إناء ثالث يجب الاجتناب عن الإناء الثالث؛ لأنّ أصالة الطهارة والحلية فيها تسقطان بالمعارضة مع أصالة الحلية في الماء الذي كان طرفاً للعلم الإجمالي الأول على ما تقدم بيان ذلك سابقاً، وأما ما أجاب به الشيخ (قدس سره) عن شبهة العلم الإجمالي الثاني بعد العلم بالملاقاة، بأن العلم الثاني لا يمنع من جريان الأصل في الملاقي بالكسر لكون الشك في الملاقي ناشئاً من الشك في نجاسة الملاقى بالفتح فيكون الأصل الجاري في الملاقي بالكسر في طول الأصل الجاري في الملاقى بالفتح؛ لأنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي ولو جرت أصالة الطهارة في الملاقي لما كان لها مورد في ناحية الملاقي بالكسر، وبعد سقوط الأصل في الملاقى بالفتح للمعارضة بينه وبين الأصل في الطرف الآخر تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي بالكسر بلا معارض، فقد تقدم أن مجرد كون الأصل طولياً في أحد الأطراف لا يوجب خروجه من أطراف المعارضة، حيث ذكرنا أن الطولية إنما هي في فرض جريان الأصل الحاكم، وأما مع عدم جريانه يكون الأصل في الطرف الآخر معارضاً مع الأصل الطولي أيضاً، وقد أورد على الشيخ (قدس سره) بأن الساقط في الملاقى بالفتح وطرفه الآخر هو أصالة الطهارة لكون أصالة الطهارة فيه حاكماً على أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر، ولكن أصالة الحلية في ناحيته غير حاكمه، فأصالة الطهارة في الملاقي بالكسر تتعارض مع أصالة الحلية في الطرف الآخر الذي هو طرف للملاقي، وهذا هو المعروف بالشبهة الحيدرية، والصحيح في الجواب ما ذكرنا من أنه لا تجرى أصالة الطهارة في الملاقي إلاّ بعد فعلية الملاقاة وإحرازها، وقبل ذلك قد سقطت كل من أصالة الطهارة والحلية في ناحية الملاقى بالفتح وطرفه، فإنه لم يكن في ذلك الزمان ملاقاة وإحرازها ليكون الشك في طهارة الملاقي أو حليته من أطراف الاُصول المتعارضة، وعليه فلا أساس صحيح للشبهة الحيدرية.















[3] ذكر (قدس سره) لملاقي بعض الأطراف فروضاً ثلاثة، وأنه يجب الاجتناب في الفرض الأول عن الملاقى بالفتح وطرفه دون الملاقي بالكسر، وهذا يكون فيما إذا كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بوجود النجس بين الأطراف، وذكر في الفرض الثاني لزوم الاجتناب عن الملاقي بالكسر والطرف الآخر دون الملاقى بالفتح، وهذا يكون في صورتين، إحداهما: ما إذا علم أولاً بنجاسة الملاقي بالكسر والطرف الآخر أولاً، ثم علم بالملاقاة وأنه كان قبلها إما الملاقى بالفتح نجساً أو الطرف الآخر، فإن حال الملاقى بالفتح في هذا الفرض كحال الملاقي بالكسر في الفرض الأول من عدم كون الأصل الجاري فيه من أطراف المعارضة، وثانيتهما: ما إذا علم الملاقاة أولا، ثم حدث العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر، ولكن كان عند حدوث العلم الإجمالي الملاقى بالفتح خارجاً عن محل الابتلاء وصار مبتلى به بعد حصول العلم.







أقول: ما ذكر في الاُولى من الصورتين إنما يصح فيما إذا علم أولا بوقوع النجاسة إما في الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر، ثم حصل العلم بالملاقاة، وأن نجساً آخر كان واقعاً في الملاقى بالفتح أو الطرف الآخر، وأما إذا علم فعلا أن منشأ نجاسة الملاقي بالكسر على تقديرها هي الملاقاة السابقة لكانت أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح مثبتة لطهارة الملاقي فعلا، وعلى ذلك فاللازم الاجتناب عن الطرف الآخر فقط فيكون هذا فرضاً رابعاً زائداً على الفروض الثلاثة، ولا يقاس المقام بما إذا علم بنجاسة أحد شيئين ثم علم بأن النجس أحدهما أو الشيء الثالث، حيث يجب في ذلك الاجتناب عن الجميع لا خصوص أحد الشيئين الأولين، بدعوى أن جريان الأصل النافي في الشيء الثالث بلا معارض، والوجه في عدم صحة القياس أنه في مثل ذلك يعلم ثانياً خطأ الأول وبطلانه من أصله، فيكون الشك في كل من الأطراف بعد العلم الثاني شكاً جديداً فتسقط الاُصول النافية فيها بالمعارضة، وبالنتيجة يجب الاجتناب عن الجميع، وهذا بخلاف المفروض في المقام فإنه لا يعلم الخطأ في العلم الإجمالي الأول، بل يحصل علم إجمالي ثان غاية الأمر لا يكون التكليف في أحد طرفيه على تقديره تكليفاً فعلياً منجزاً بهذا العلم الإجمالي الثاني.







وأما المثال الثاني: فهو ما إذا علم بملاقاة شيء كالثوب لمائع ثم علم بنجاسة ذلك المائع أو شيء آخر، ولكن كان المائع الملاقى بالفتح خارجاً عن الابتلاء حين حصول العلم الإجمالي بالنجاسة وصار داخلاً في الابتلاء بعد ذلك، فإنه عند حصول العلم الإجمالي بالنجاسة تسقط أصالة الطهارة في كل من الملاقى بالكسر أو الشيء الآخر بالمعارضة، وبعد دخول الملاقى بالفتح في الابتلاء تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، ولكن لا يخفى ما فيه فإن جريان أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح عند العلم بنجاسته أو نجاسة شيء آخر لا يتوقف على بقائه حين حصول العلم أو دخوله في محل الابتلاء بنفسه، فإن لطهارته ولو مع فقده قبل أن يخرج عن محل الابتلاء أثراً شرعياً وهو طهارة ملاقيه فعلا، فالعلم الإجمالي بنجاسته أو الشيء الآخر يوجب سقوط أصالة الطهارة في كل منه وما لاقاه، والطرف الآخر، فيدخل هذا في القسم الثالث الذي أشار إليه بقوله: «وثالثة: يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم الملاقاة، ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان».







ثم لا يخفى أنه كما لا تجرى الاُصول النافية في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف أو حصول الموضوع له بينها لما ذكرنا من أن العلم الإجمالي بأحدهما فرض وصول التكليف فيكون الترخيص فيها ترخيصاً قطعياً في التكليف الواصل وهو قبيح من المولى الحكيم، وعبّرنا عن ذلك بالمضادة بين التكليف الواصل والترخيص في الأطراف من جهة المنتهى والغرض من التكليف، كذلك لا تجرى الاُصول النافية في أطراف الطريق الإجمالي القائم بالتكليف أو الموضوع بينها، كما إذا قامت البينة بوقوع نجس في أحد إناءين ونحتمل خطئها وعدم أصابة النجس لشيء منهما، فإنه لا مجال في مثل الفرض لتوهم وقوع المعارضة بين مادل على اعتبار ذلك الطريق وبين خطابات الاُصول النافية في كل من الإناءين، والوجه في عدم المجال هو أن مقتضى إطلاق اعتبار الطريق العلم بنجاسة أحدهما، فالنجاسة على تقديرها تكون واصلة فلا يمكن مع وصولها الترخيص في الأطراف، وبتعبير آخر إطلاق اعتبار الطريق يثبت القرينة العقلية على تقييد اعتبار خطاب الاُصول النافية في أطرافه لعدم شمول خطاب الأصل النافي لكلا الإناءين؛ لأنّ نجاسة أحدهما معلومة وشموله للآخر منهما غير معقول للعلم بطهارة الآخر واقعاً، وإن اُريد المعين فالحكم بطهارة المعين منهما ترجيح بلا مرجح على قرار ما تقدم، وعلى الجملة لا فرق بين العلم الإجمالي الوجداني وبين الطريق المعتبر القائم بالتكليف بين الأطراف غاية الأمر تكون القرينة على تقييد خطاب الأصل النافي في الأول نفس العلم الإجمالي، وفي الطريق المعتبر بملاحظة اعتباره، حيث إن معنى اعتباره كونه علماً بالتكليف، نعم لتوهم المعارضة وجه بناء على أن المجعول جعل المنجزية لها ولكنه مدفوع أيضاً، فإنه إذا لم يكن للأصل العملي مع الطريق التفصيلي مجال فلا يكون له المجال مع الطريق الإجمالي أيضاً كما يأتي في وجه تقديم الأمارات على الاُصول، وحاصله أن مفاد خطاب الأصل يدفع بدليل اعتبار الأمارة حتى لو قلنا بأن مفاد دليل اعتباره جعل المنجزية، وذلك فإن الجهل بالواقع غير مأخوذ في اعتبار الأمارة بل مدلولها جعل المنجزية لها، حيث ما أمكن جعل المنجزية ومع شمول الاعتبار للأمارة القائمة بين الأطراف لا يمكن للمولى الحكيم الترخيص في مخالفه التكليف الواصل منجزيته إلى المكلف.















(1). وسائل الشيعة 25:119، الباب 61 من أبواب الأطمعة المباحة، الحديث 5.







(2). وسائل الشيعة 27:156، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 8.







(3). وسائل الشيعة 1:206، الباب 5 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2.































المقام الثاني: في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.







والحق أن العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضاً يوجب الاحتياط عقلا[1].







هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلاّ بالأكثر بناءً على ما ذهب إليه المشهور من العدلية[2].







وأما النقل فالظاهر أنّ عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته[3].















في دوران متعلق التكليف بين الأقل والأكثر الارتباطيين















[1] لا يخفى أن الشك فيما إذا تعلق بنفس التكليف يكون مجرى لأصالة البراءة بخلاف ما إذا علم التكليف، وكان الشك والتردد في متعلّقه، فإنه يكون مجرى لقاعدة الاشتغال، ويقال الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين بحث صغروي وإن الشك فيهما يرجع إلى الشك في التكليف ليرجع إلى أصالة البراءة، أو أن التردد في متعلقه فقط فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال، ثم إن لدوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين صورتين، الاُولى: ما كان الشك في جزئية شيء للمأمور به بأن تردد التكليف الواحد ثبوتاً بين تعلّقه بمجموع اُمور يكون لا بشرط بالإضافة إلى المشكوك، وبين تعلقه بذلك المجموع مع ذلك المشكوك، والصورة الثانية: احتمال شرطية شيء أو مانعيته لمتعلق التكليف، بأن يدور متعلق التكليف بين كونه مطلقاً بالإضافة إلى المشكوك أو مقيداً بوجوده أو عدمه مع العلم بأن نفس المشكوك لا يدخل في متعلق ذلك التكليف، ويلحق بالصورة الثانية: دوران متعلق التكليف بين كونه جنساً أو نوعاً أو مردداً بين كونه نوعاً أو صنفاً، وبتعبير آخر يكون متعلق التكليف مردداً بين كونه فعلا عاماً أو خاصاً، ومما ذكر يظهر أن دوران الوظيفة يوم الجمعة بين الظهر أو الجمعة أم دورانها بين القصر والتمام لا يدخل في مباحث الأقل والأكثر، حيث إن الأولين متباينان بالعنوان والقصر والتمام متباينان بشرط لا وبشرط شيء، فتدخلان في دوران متعلق التكليف بين المتباينين.







ويقع البحث أولا في الصورة الاُولى: يعني الشك في جزئية شيء لمتعلق التكليف، وقد يقال مع العلم الإجمالي بتعلق الوجوب بالأقل أو الأكثر الارتباطيين لا انحلال في ناحية العلم في التكليف لا حقيقة ولا حكماً ولا عقلا ولا شرعاً، فيجب الاحتياط بالاتيان بالأكثر كما قد يقال بانحلال العلم المزبور عقلا وشرعاً فتجري في ناحية وجوب الأكثر البراءة العقلية والنقلية، كما يظهر ذلك من كلمات الشيخ الانصاري في الرسالة، وقد ذهب جمع منهم المحقق الخراساني والمحقق النائيني (قدس سرهما)إلى أنه لا انحلال في ناحية العلم بالتكليف حقيقة، ولكن مع ذلك لا يجب الاحتياط بالاتيان بالأكثر للانحلال الحكمي المستفاد من خطابات البراءة الشرعية، والكلام في جريان البراءة العقلية وعدمه، وقد وجّه الشيخ (قدس سره) الانحلال عقلا بأن تعلق التكليف بالأقل وترتب العقاب على تركه محرز؛ لأنه إما واجب نفسياً أو غيرياً فلابد من الإتيان به، وأما تعلق التكليف بالجزء المشكوك وترتب العقاب على ترك الأكثر بتركه فهو غير معلوم، فيكون مجرى قبح العقاب بلا بيان كسائر موارد الشك في التكليف، وقد أورد الماتن على ما ذكره بوجهين، الأول: كون الانحلال بالنحو المذكور خلفاً، والثاني: استلزامه عدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه مستحيل، وذلك فإن تنجّز التكليف بالأقل ولزوم الاتيان به على كل تقدير يتوقف على تنجز التكليف الواقعي حتى ما لو كان متعلقاً بالأكثر لتوقف لزوم الاتيان بالمقدمة على تنجز التكليف بذيها، ففرض لزوم الاتيان بالأقل على كل تقدير فرض لتنجز التكليف الواقعي ولو كان متعلقاً بالأكثر، ولو كان لزوم الاتيان بالأقل على كل تقدير موجباً لعدم تنجز التكليف ولو كان بالأكثر لكان خلفاً بالإضافة إلى فرض تنجز التكليف على كل تقدير.







وأيضاً عدم تنجز التكليف على تقدير تعلقه بالأكثر يستلزم عدم كون وجوب الأقل منجزاً على كل تقدير؛ لأنه لا يترتب على ترك المقدمة شيء فيما إذا جاز ترك ذيها، وعدم كون وجوب الأقل منجزاً على كل تقدير، يستلزم عدم الانحلال فيلزم من الانحلال عدمه، أي يلزم من عدم تنجز التكليف ولو كان متعلقاً بالأكثر عدم كون الأقل متيقناً في لزوم الإتيان به وعدم كونه متيقناً يستلزم عدم الانحلال، فالانحلال يستلزم عدمه.







أقول: لا يتم ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المقام ولا ما ذكره الماتن في الايراد عليه، اما الأول: فلان الأجزاء في الواجب الارتباطي لا تكون واجبة بالوجوب الغيري ليقال بأن الأقل متعلق للوجوب نفسياً أو غيرياً، فإن المقدمية بين الجزء والكل غير واردة على ما تقرر في بحث مقدمة الواجب، بل الجزء يتعلق به الوجوب النفسي في ضمن تعلقه بسائر الأجزاء، فالغيرية والنفسية تستلزم عدم الانحلال؛ لأنه يعتبر في الانحلال أن يكون المنحل إليه أي المعلوم بالتفصيل من سنخ المعلوم بالإجمال ومع عدمه يبقى العلم الإجمالي بحاله.







وأما ما ذكره الماتن (قدس سره) من توقف الانحلال على تنجز التكليف الواقعي على كل تقدير فغير تام، فإن الانحلال إلى العلم التفصيلي للعلم بتعلق الوجوب النفسي بالأقل لا محالة، حيث إن الوجوب لو كان متعلقاً بالأكثر لكان الأقل أيضاً متعلقاً بذلك الوجوب في ضمن تعلقه بالأكثر، وإذا اُحرز تعلق الوجوب المعلوم بالإجمال بالأقل فيستحق المكلف العقاب في فرضين يقيناً، الأول: ما إذا تعلق الوجوب النفسي بالأقل خاصة وترك المكلف الاتيان بالأقل، والثاني: أن يتعلق الوجوب بالأكثر وكان مخالفته بترك الأقل، وأما إذا تعلق بالأكثر وخالفه بترك الجزء المشكوك فالاستحقاق غير محرز، وبتعبير آخر يمتاز كل واحد من سائر الأجزاء عن الجزء المشكوك، فإن المكلف يستحق العقاب بمخالفة التكليف بترك كل من سائر الأجزاء، بخلاف ترك الجزء المشكوك فيه، فإن تعلق الوجوب النفسي ولو ضمنياً غير محرز، كما أن الاستحقاق على فرض تركه غير محرز ولم يتم له بيان، والحاصل لا يتوقف الانحلال على ما ذكره، بل على كون الأقل متعلق الوجوب لا محالة، وعدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف على تقدير تعلقه بالأكثر بترك الجزء المشكوك من أثر الانحلال والتكليف النفسي وإن يكن واحداً حقيقة إلاّ أن له في ناحية متعلقه سعة، ودخول الأقل وأخذه في متعلق الوجوب محرز، ولكن أخذ المشكوك ليتعلق به الوجوب غير معلوم، وهذا التبعيض في ناحية المتعلق يستدعي في التكليف الواحد التبعيض في تنجزه ولا محذور فيه، وبتعبير آخر التبعض في التكليف الواحد مع كون متعلقه متعدداً بحسب تنجزه لا محذور فيه عقلا ولا يستلزم خلفاً، ولا عدم الانحلال، حيث إن التبعّض بحسب التنجز غير التبعّض بحسب الثبوت والسقوط واقعاً.







لا يقال: لا مجال في المقام للرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ناحية تعلق الوجوب بالأكثر ولا يدفع احتمال العقاب على مخالفته من جهة ترك الجزء المشكوك، بل المرجع قاعدة الاشتغال؛ لأنّ التكليف تعلقه بالأقل محرز سواءً كان نفسياً أو ضمنياً فيكون منجزاً، ولابد من إحراز سقوطه سواء كان نفسياً أو ضمنياً وإذا ترك المكلف الجزء المشكوك واقتصر على الأقل يحتمل أن لا يسقط التكليف المتعلق بالأقل لكونه متعلقاً بالأكثر ثبوتاً، حيث إن التكليف الضمني لا يسقط إلاّ مع الاتيان بتمام الواجب، والشك في سقوط التكليف المعلوم مورد لقاعدة الاشتغال، فإنه يقال: إحراز سقوط التكليف سقوطاً واقعياً غير لازم في حكم العقل، بل اللازم في حكمه أن لا يحتمل العقاب، فإن العلم بمخالفة التكليف المحرز المعلوم إجمالا بترك الأقل بيان بالإضافة إلى وجوبه، وأما إحراز سقوطه الواقعي مع فرض تبعض التكليف في تنجزه فغير لازم في حكم العقل، لا يقال: لو كان التكليف متعلقاً بالأكثر بحسب الواقع فلا يكون الإتيان بالأقل من الإتيان بمتعلق الأمر الضمني، فإن الإتيان بمتعلقه يكون في ضمن الإتيان بمتعلق الأمر النفسي كما هو مقتضى الارتباطية في التكليف، فإنه يقال هذا أي الانحصار على صورة الإتيان بالكل مبني على عدم إمكان تبعض التكليف الواحد في التنجز وتعين إحراز سقوطه ثبوتاً لأجل أن التكليف الواحد بحسب الواقع لا يقبل التبعض في الثبوت والسقوط.







لا يقال: لا يوجد في الخارج الأقل لا بشرط الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي في المقام، بل ما يؤتى به خارجاً إما بشرط لا بحسب الخارج أو بشرط شيء بحسبه، نعم مايوجد خارجاً (بشرط لا) ربما يمكن تبديله بحسبه إلى بشرط الشيء المشكوك جزئيته، كما إذا أمر المولى بالاتيان بمجموع عدة اُمور يحصل بها غرض واحد، ويشك في دخل شيء معها في حصول ذلك الغرض الموجب لأمره بها، بحيث لو كان المشكوك دخيلا يمكن تداركه ولو بالاتيان به بعد تحقق تلك الاُمور خارجاً، ففي مثل هذا يمكن دعوى تنجز التكليف بالإضافة إلى الأقل، حيث إن تركه مخالفة للتكليف المعلوم إجمالا يقيناً، وترتب العقاب على تركه محرز سواء كان وجوبه نفسياً أو ضمنياً، وأما إذا لم يمكن تبديل ما وقع خارجاً بشرط لا إلى بشرط شيء فلا يمكن دعوى أن المكلف قد أتى بالمعلوم إجمالا، يعني بالأقل المردد كون وجوبه نفسياً أو ضمنياً، كما إذا شك في كون السورة جزءاً من الصلاة بعد قراءة الحمد وقبل الركوع، حيث إنه إذا صلى بلا سورة لا يمكن له دعوى أنه قد أتى بالأقل، حيث إن الأمر الضمني على تقدير وجوب الأكثر تعلق بالركوع بعد قراءة السورة وبالحمد قبل السورة، حيث إنّه في الواجبات الارتباطية كالصلاة يكون الاتيان بالجزء البعدي شرطاً في الجزء القبلي والقبلي شرطاً في الجزء البعدي، فلا يحرز حصول متعلق الطلب المحرز نفسياً أو ضمنياً، بل مقتضى قاعدة الاشتغال في ناحية الأمر المعلوم تعلقه بالأقل نفسياً أو ضمنياً هو الإتيان بالأكثر.







فإنه يقال: الوجوب المتعلق بالأقل على تقدير كونه ضمنياً فالأقل مشروط بالمشكوك ثبوتاً لا محالة، كما ذكر، إلاّ أن عدم البيان لوجوب الأكثر المساوق لعدم البيان لاشتراط الأقل بالمشكوك موضوع لقبح العقاب على ترك الأكثر المساوق لقبحه على عدم رعاية الشرط في ناحية الأقل بلا فرق بين ما أمكن تبديل المأتي به خارجا بنحو بشرط لا، إلى بشرط شيء أم لا؛ وعلى الجملة مع حكم العقل بقبح العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لو كان متعلقاً بالأكثر وكانت مخالفته بترك المشكوك لم يبق مجال لقاعدة الاشتغال، فإن موضوعها احتمال العقاب، والفرق بين ما نحن فيه والمتباينين أن أحد طرفي العلم الإجمالي في المتباينين كان كالطرف الآخر في احتمال تعلق التكليف به من غير أن يكون في البين تعين لأحدهما بخصوصه، ولذا كان المتعين لرعاية التكليف المعلوم إجمالا في كل منهما بخلاف العلم الإجمالي المفروض في المقام، فإن كون وجوب الأقل متيقناً يوجب أن لا تُجرى في ناحيته قاعدة قبح العقاب بلا بيان، بخلاف احتمال وجوب الأكثر، فإن عدم جواز تركه بترك المشكوك مما لا سبيل للعقل إليه، فتحصل أن الانحلال في المقام حتى بحسب البراءة العقلية متحقق ولكنه حكمي لا حقيقي، بمعنى أن الوجوب المعلوم بالإجمال لا يخرج عن تردده عن كونه متعلقاً بالأقل أو الأكثر قد ظهر مما ذكرنا في تقريب البراءة العقلية بالإضافة إلى وجوب الأكثر يظهر أن التبعض في التنجز عقلا لا يختص بموارد تردد الوجوب بين النفسي والضمني، بل يجري في مورد تردد الوجوب بين النفسي والغيري أيضاً، وحتى لو لم نقل بالوجوب الغيري الشرعي للمقدمة، كما إذا علم المكلف بتعلق نذره إما بصلاة ركعتين قبل الزوال أو الوضوء قبله، حيث إن ترتب العقاب على ترك الوضوء قبله أو مع تركه قبله محرز وجداناً، سواء كان المنذور قبل الزوال الوضوء أو الصلاة، فإن الصلاة قبله لا تكون بدون الوضوء وأما إذا توضأ قبله فلا يحرز ترتب استحقاق العقاب على تركها لعدم تمام البيان بالإضافة إلى وجوبها فتدبر.















في انحلال العلم الإجمالي عقلاً في موارد دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين







ثم إنه قد التزم العراقي (قدس سره) في دوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر، بأن شك في جزئية شيء لمتعلّق الأمر وعدمها بالانحلال الحقيقي، وقال في تقريبه ما حاصله، إن تعلق الوجوب وانبساطه على الأقل معلوم تفصيلا، والشك في انبساط ذلك الوجوب على المشكوك وأن اللابشرطية أو بشرطية الشيء لم تؤخذ قيداً لمتعلق الوجوب، بل يتعلق الوجوب بذات الأقل أو ذات الأكثر، حيث إن المولى عندما لاحظ متعلق وجوبه بلحاظ الغرض الكامن فيه يرى تارة دخالة شيء في متعلقه كدخالة غيره من الأجزاء، فينشأ الوجوب الواحد بحيث ينبسط على الجميع فيعبر عن ذلك بأن المتعلق بالإضافة إلى ذلك الشيء بشرط شيء، واُخرى عدم دخالته فيه بلحاظ حصول الغرض بدونه فينشأ الوجوب بذات الأقل ولا ينبسط الوجوب المنشأ لذلك الشيء، ويعبر عن ذلك بلا بشرطية المتعلّق، وعلى ذلك فجعل الوجوب الواحد وانبساطه على الأقل معلوم تفصيلا، وانبساطه على ذلك الشيء غير معلوم لا تفصيلا ولا إجمالا، فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ناحية تعلقه بالمشكوك.







أقول: انبساط الوجوب المنشأ على ذات الأقل وإن كان محرزاً في الجملة أي في الموارد التي لا يلاحظ الترتيب الخاص بين الأجزاء، إلاّ أن الوجوب المنبسط على الأقل بما أنه دائر أمره بين الاستقلالية والضمنية فلا يحرز سقوط ذلك التكليف عن الأقل على تقدير جزئية المشكوك، فيبقى في البين دعوى أن الشك يرجع إلى سقوط ذلك الوجوب المنبسط على الأقل بالإتيان به، فلا يقاس المقام بدوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الاستقلاليين وينتهي الأمر إلى تقريب التبعض في التكليف في مرحلة التنجز لو كان متعلقاً بالأكثر وهذا انحلال حكمي لا حقيقي.







وأما في الموارد التي تعتبر الترتيب بين الأجزاء يكون الدخيل في حصول الغرض حصول الجزء بنحو خاص كما في أجزاء الصلاة، فذات الملحوظ في مقام إنشاء الوجوب يختلف فيكون المأخوذ في متعلّقه على تقدير جزئية السوره بعد الحمد الركوع الخاص، وهو الركوع بعد قراءة السورة وعلى تقدير عدم جزئيتها ذات الركوع بعد الحمد وهكذا، ومع هذا الاختلاف كيف يمكن دعوى أن تعلق الوجوب وانبساطه على ذات الأقل محرز تفصيلا، وأن الانحلال حقيقي فلم يبق في البين مع عدم إمكان تبعض التكليف الواحد في الثبوت والسقوط إلاّ دعوى التبعض في مقام التنجز، وهو انحلال حكمي؛ لأنّ العلم الإجمالي بالإضافة إلى التكليف المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر بيان ولا يجرى معه قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالإضافة إلى تعلقه بالاقلّ، ولا بالإضافة إلى تعلقه بالأكثر من ناحية ترك الأقل، وأما بالإضافة إليه من ناحية جزئية المشكوك فلا منع من جريانها كما لا يخفى.















[2] وقد يستدل على لزوم الاحتياط عقلا في دوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر في الارتباطيين وأنه لا مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان في ناحية وجوب الأكثر بوجه آخر، وقد تعرض الشيخ (قدس سره) لهذا الوجه وأجاب عنه وحاصله أنه في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين يعلم الغرض الملزم في البين وتحصيل الغرض الملزم للشارع لازم عقلا، ولذا تكون الواجبات الشرعية ألطافاً في الواجبات العقلية، والغرض اللازم استيفاؤه لا يحرز حصوله بالاتيان بالأقل فقط بل يكون بالاحتياط والاتيان بالأكثر.







وأجاب عن ذلك تارة بأن مسألة الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين غير مبيّن على المشهور عند العدلية من وجود المصالح أو المفاسد في الواجبات أو المحرمات ليقال: إنّ استيفاءها والتحرز عن تلك المفاسد لازم عقلا لكونهما من الغرض الملزم للشارع، بل تجري على القول الأشعري المنكر لهما، بل وتجري على غير المشهور عند العدلية من تحقق المصلحة في نفس الحكم والتكليف، واُخرى بأنه على تقدير المصالح والمفاسد في المتعلقات لم يحرز في المقام لزوم الاستيفاء، حيث يحتمل دخالة قصد الوجه في حصول الغرض بعد العلم باعتبار قصد التقرب والامتثال في حصوله، ولا يتمكن المكلف مع دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من قصد الوجه، فيبقى في البين الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال المنحل إلى وجوب الأقل على ما تقدم، حيث إن الخروج من عهدة التكليف المعلوم لازم عقلا، وإن لم يكن في المتعلق غرض بحيث يلزم على المكلف استيفاؤه.















الاستدلال على لزوم الاحتياط بالاتيان بالأكثر للوجه العقلي







وقد صحح الماتن (قدس سره) الاستدلال المذكور للزوم الاحتياط بالإتيان بالأكثر، وقال: إن ما ذكره الشيخ (قدس سره) في الجواب عنه غير مفيد، فإن من التزم بالمصلحة الملزمة في الواجب وكونها غرضاً داعياً للشارع إلى إيجابه عليه أن يلتزم بالإتيان بالأكثر لاستيفاء الغرض، وقول الأشعري المنكر للمصلحة الملزمة لا يرفع عنه هذا الالتزام، وما ذكره من عدم ابتناء البراءة والاشتغال في المسألة على قول المشهور من العدلية لا يفيد من التزم بالمصالح والمفاسد في الواجبات والمحرمات، بل التزم بما عليه غير المشهور من العدلية من احتمال كون المصالح في نفس التكاليف فإن حصولها في المتعلق عنده محتمل، وأما ما ذكره ثانياً من احتمال دخالة قصد الوجه في حصول الامتثال المحصّل للغرض، ولا يتمكن المكلف في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من قصده فيدفعه أنه على تقدير اعتبار قصد الوجه يتمكن منه المكلف في نفس العمل، وإنما لا يتمكن من قصد التمييز في الجزء المشكوك جزئيته، وقصد الوجه والتمييز في خصوص كل جزء غير معتبر عقلا في صحة العمل، وإلاّ لزم عدم إمكان الاحتياط في المقام، وإمكان الاحتياط فيه كالاحتياط في العلم الإجمالي في المتباينين واضح، فللمكلّف مع اعتبار قصد الوجه الإتيان بالأكثر فإنه مصداق للواجب أي متعلق الوجوب فيما دار أمر المشكوك بين كونه جزءاً واجباً أو جزءاً مستحباً المعبر عنه بجزء الفرد، نعم إذا كان أمره دائراً بين كونه جزءاً من المتعلق أو مقارناً خارجاً للمتعلق ينطبق متعلق الوجوب عليه بسائر أجزائه، هذا مع أن الكلام في البراءة والاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين يجري فيما كان الواجب توصلياً ولا مجال في التوصلي لاحتمال دخل قصد الوجه في العمل فضلا عن أجزائه.







وذكر (قدس سره) في آخر كلامه في المقام أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في العبادات حتى في أجزائها بنحو ينافيه التردد لما يجب الامتثال حتى بالإتيان بالأقل لعدم إحراز الغرض فيه، وعدم إمكان تحصيله لو كان متعلقاً بالأكثر ولولم يعتبر قصد الوجه كذلك، بل اعتبر بنحو لا ينافيه التردد في بعض أجزائه لزم الإتيان بالأكثر للزوم إحراز حصول الغرض.







أقول: يرد على الماتن (قدس سره) أنه مع تردد الغرض والملاك في كونه في المتعلق أو نفس التكليف لم يمكن الالتزام بلزوم الاحتياط من ناحية العلم بالغرض، ووجهه ظاهر، فإنه إنما يلزم رعاية العلم بالغرض إذا كان الغرض مترتباً على فعل العبد بحيث يكون مطلوباً منه، ومع كون الغرض في نفس التكليف أو احتماله فلا يعلم المكلف باشتغال عهدته بالغرض ليلزم عليه إحراز رعايته وظاهر كلامه (قدس سره) لزوم رعايته حتى في هذا الفرض.







وما ذكره أخيراً من عدم لزوم الاتيان بالأقل مع اعتبار قصد الوجه والتمييز بحيث ينافيه التردد أيضاً لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنه ذكر في بحث الواجب التعبدي والتوصلي أن قصد الوجه والتمييز كقصد التقرب مما لا يمكن أخذه في متعلق التكليف، وإنما يتعلق التكليف بذات المتعلق، ولكن العقل حاكم بلزوم رعاية ما ذكر إذا احتمل دخالتها في حصول الامتثال والغرض من إيجاب ذلك المتعلق، وعليه ففي المقام بناءً على الانحلال تعلق الأمر النفسي بذات الأقل محرز، وإنما الشك في حصول الغرض بالإتيان بالأقل المحرز وجوبه على الفرض، والتردد في تعلق الوجوب وانبساطه على الجزء المشكوك فلا يمكن قصد التمييز والوجه في ذلك الجزء المشكوك لا في الأقل المحرز وجوبه يقيناً خصوصاً فيما إذا لم يكن الترتيب معتبراً بين الأجزاء على ما تقدم، وعلى الجملة يجب الإتيان بالأقل لاحتمال حصول الغرض المعلوم في البين به، وأجاب المحقق النائيني (قدس سره) عن الوجه العقلي بأن مجرد العلم بالغرض في متعلق التكليف لا يوجب لزوم رعايته، وذلك فإن الغرض المترتب على متعلق التكليف يكون تارة بمنزلة المعلول من علته بأن يكون المتعلق من العلة التامة له كما في ترتب زهوق الروح على فري الأوداج، واُخرى يكون الإتيان بالمتعلق من قبيل المقدمة الإعدادية لحصول الغرض كما في ترتب نبات الزرع على حرث الأرض وإلقاء الحب فيها، وإذا كان الغرض من قبيل الأول لتعلق الوجوب يلزم على المكلف إحراز حصوله، بخلاف ما إذا كان من قبيل الثاني فإنه لا يجب على المكلف إلاّ الإتيان بمتعلق التكليف، حيث إن الغرض خارج عن فعله فلا يطلب منه وإنما يطلب منه فعله، وفيما إذا لم يحرز أن الغرض من أي القسمين لا يثبت في حقه إلاّ التكليف بالفعل، والحاصل أن مجرد العلم بالغرض في متعلق التكليف مع تردده بين القسمين لا يوجب القول بلزوم رعاية الاحتياط لإحراز حصول الغرض، حيث إن الغرض في القسم الأول مطلوب من المكلف، ولذا لا يفرق بين أمره بقطع الأوداج أو إزهاق روحه، بخلاف القسم الثاني فإنه لا يتعلق التكليف إلاّ بنفس الفعل فإنه المقدور للمكلف، وترتب الغرض يحتاج إلى أمر أو اُمور خارجة عن اختياره فلا تطلب منه، بل لا يبعد أن يستفاد من تعلق الأمر في الخطاب بعنوان الفعل مع عدم معروفية الملاك بأن الملاك من قبيل الثاني.







وقد أورد بعض الأجلة (قدس سرهم) على ما ذكر، بأن متعلق الوجوب وإن يمكن كونه من قبيل المعدّ للغرض الأقصى للمولى، إلاّ أن الغرض المطلوب من المكلف هو الغرض المترتب على فعله لا الغرض الأقصى، وفعله بالإضافة إلى الغرض المطلوب منه المعبر عنه بالغرض الأدنى مما يترتب على فعله يكون من قبيل ترتب المعلول على علّته، وإذا شك المكلف في ترتب الغرض الأدنى واحتمل عدم حصوله بالإتيان بالفعل لزمه الاحتياط بالإتيان بالأكثر لإحراز حصوله، فلا يمكن إبطال الوجه العقلي بتقسيم الغرض وترديده في موارد الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين بين ما لا يطلب عن المكلف لاحتمال كون فعله معدّاً للغرض لا علة وبين ما يطلب لكونه علة له.







ثم ذكر أن الصحيح في الجواب عن الوجه العقلي المزبور ما حاصله أن الغرض المترتب على الفعل إذا كان معلوماً بعنوان الخاص بلا فرق بين كون الغرض الأقصى وكون الفعل علة تامة له وبين كونه أدنى، فاللازم على المكلف إحراز حصوله، وأما إذا لم يكن بعنوانه الخاص معلوماً واحرز وجوده بالبرهان ونحوه من غير أن يعرف المكلف عنوانه الخاص فلا حكم للعقل بلزوم خروج المكلف عن عهدته، بل اللازم عنده الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بالفعل مع إحرازه، فإن عدم حصول هذا الغرض مع عدم علم المكلف بعنوان الخاص غير مربوط بالمكلف، فالمسؤول هو المولى حيث يكون عليه أن يوصله بعنوانه إلى المكلف بحيث يكون عليه رعايته.







وتوضيح ذلك أنه لا ينبغي التأمل في أن تدارك غرض المولى ليس واجباً مولوياً آخر غير إيجاب الفعل الذي يعلم المكلف بوجوبه نفسياً ليكون المكلف مستحقاً لعقابين عند ترك الفعل، كما لا ينبغي التأمل في أن حكم العقل بلزوم رعاية غرض المولى ليس من الحكم العقلي المستقل نظير حكمه بقبح الظلم ليستتبع حكماً شرعياً مولوياً بقانون الملازمة لتكون النتيجة وجوب كل من الفعل واستيفاء الغرض وجوباً نفسياً، بل لزوم رعايه غرض المولى حكم العقل في مقام الامتثال، يعني إذا أمر المولى بفعل يحكم العقل بموافقته أو إطاعته بحيث يحصل الغرض الداعي له إلى إيجاب الفعل، وعلى ذلك نقول لا حكم للعقل بذلك في موارد عدم معلومية الغرض بعنوانه، بل على المولى أن يأمر بالفعل المحصل له ويوصل إلى عبده بيانه، وإذا علم المكلف الغرض بعنوان الخاص يكون العلم به وصولا، وإن تعلق الإيجاب في خطابه بنفس الفعل فإن ذلك الإيجاب أما غيري أو إرشادي إلى إيجاب تدارك الغرض نظير أمر الوالد ولده بالذهاب إلى المكتب، فإنه إرشاد أو كناية إلى أمره بالتعلم أو أن الأمر بالذهاب غيري، وأما إذا لم يعلم الغرض بعنوانه بأن لم يدل عليه خطاب الأمر أو غيره فلا وجوب إلاّ لمتعلق الأمر، ولا يرى العقل إلاّ لزوم متابعته حيث إن المولى هو المسؤول عن إيصال غرضه إلى عبده بعنوانه فالوجه العقلي المزبور فاسد من أصله.







أقول: قد ذكرنا في بحث الواجب النفسي والغيري أن العلم بالملاك وترتبه على الفعل لا يوجب كون وجوب الفعل غيرياً، فإن الدليل على كشف الملاك في الفعل المعلق به الوجوب حكمة المولى وعدم جعل التكليف على العباد عبثاً، وهذا لا يقتضي أن تكون المصلحة الملحوظة بالإضافة إلى الفعل من قبيل المعلول إلى علته بلا فرق بين كون تلك المصلحة الغرض الأعلى أو الأدنى، بل يمكن أن تكون من قبيل الحكمة التي قد تترتب على الفعل وقد لا تترتب أو تترتب على الفعل أولا تترتب على فعل كل واحد منهم، ويكون أمر الشارع الجميع بذلك الفعل لئلا يكون اختلاف بين المكلفين حتى فيما إذا علم تلك الحكمة بعنوانه كالأمر بغسل الجمعة لإزالة أرياح الآباط، والحاصل مجرد العلم بعنوان الغرض والمصلحة لا يوجب كون وجوب الفعل إرشادياً أو غيرياً، بل يكون الفعل واجباً نفسياً، نعم في موارد كون الغرض بالإضافة إلى الفعل المتعلق به الوجوب بنحو المعلول على تقدير الإحراز فالأمر كما ذكر بعض الأجلة.















[3] يقع الكلام في جريان البراءة الشرعية عند دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين، فيقال بجريانها ولو لم يكن في البين الانحلال العقلي، لذا اختار الماتن (قدس سره)الانحلال الشرعي مع إنكاره انحلال العلم الإجمالي عقلاً، وذكر في وجهه ما تقريبه: أن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر وإن لا ينحل عقلاً إلاّ أنه لا يجب الاحتياط بالإتيان بالأكثر حيث إن عدم الانحلال إنما هو في ناحية العلم بالتكليف بأحدهما ثبوتاً، ولكن الانحلال شرعاً في ناحية الحكم الوضعي المجعول للأجزاء، فإنه يعلم بثبوت الجزئية لكل من أجزاء الأقل وهذا علم تفصيلي بالإضافة إلى ثبوت الجزئية للأقل، وأما ثبوت الجزئية للمشكوك غير معلوم فيكون مقتضى حديث الرفع رفعها؛ لأنّ الموضوع للرفع في الحديث ما لا يعلمون، وهو يعم جزئية الجزء المشكوك، فيتعين الواجب في الأقل بثبوت الجزئية لأجزاء الأقل وعدم ثبوتها للمشكوك.







ولا يتوهم أن الانحلال في الحكم الوضعي كان بحسب العقل أيضاً مع أنه (قدس سره)أنكر جريان البراءة العقلية رأساً، وذلك فإن العلم الإجمالي بوجوب الأقل بنحو اللابشرط أو بوجوبه بشرط المشكوك يعني وجوب الأكثر كان بياناً حتى فيما كان التكليف ثبوتاً متعلقاً بالاكثر بثبوت الجزئية للمشكوك، فقاعدة قبح العقاب بلا بيان لم يكن لها مورد بخلاف البراءة الشرعية فإن الموضوع لها ليس عدم البيان، بل عدم العلم بالحكم تكليفاً أو وضعاً، والجهل المفروض في المقام وهو الجهل بجزئية المشكوك يعمها ما لا يعلمون فيحكم عليها بالرفع.







لا يقال: جزئية الجزء المشكوك أو المنسي ليست حكماً شرعياً مجعولاً، كما أنه ليست للجزئية أثر شرعي مجعول ولزوم الإعادة عند ارتفاع الجهل أو النسيان أثر عقلي لا للجزئية، بل لبقاء التكليف الواقعي بلا امتثال، وحديث الرفع لا يجري إلاّ فيما كان المجهول بنفسه حكماً شرعياً أو كان له أثر شرعي، وأجاب (قدس سره) عن ذلك بأن الجزئية وإن لم تكن مجعولة شرعاً بنفسها، إلاّ أنها تكون مجعولة شرعاً بتبع جعل منشأ انتزاعها وهو التكليف بالأكثر، وكونها مجعولاً شرعياً بهذا المقدار كاف في جريان البراءة الشرعية في ناحيتها، لا يقال: إنما يكون رفع المجعول بالتبع برفع منشأ انتزاعها، وإذا ارتفع التكليف بالأكثر فلا مثبت لثبوت التكليف بالأقل، بل يكون التكليف بالأقل ثبوتاً من المشكوك بدواً، وأجاب عن ذلك بأنه وإن يكون رفع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه إلاّ أن التكليف بالأقل ثبوتاً لا يكون من المشكوك بدواً، فإن نسبة حديث الرفع بالإضافة إلى خطابات سائر الأجزاء بمنزلة الاستثناء، فإن إطلاق كل من تلك الخطابات مقتضاه بقاء الوارد فيه على جزئيته، سقط وجوب شيء آخر عن الجزئية بنسيانه أو الجهل به أم لم يسقط، فيكون هذا الإطلاق مثبتاً لوجوب الإتيان بالأقل.







أقول: لا يخفى ما في هذا الجواب، فإن ما دل على جزئية شيء للعمل، مقتضاه أن ذلك العمل لا يكون بدونه، وأما ذلك العمل متعلق الأمر فعلا أم لا فلا نظر له إلى ذلك، وعليه فاللازم إثبات الأمر الفعلي بالأقل أو غير المنسي فعلاً، ويؤخذ بإطلاق أدلة الجزئية، فيقال: إن مقتضاه بقاؤها على الجزئية في هذا الحال أيضاً، والمفروض عدم إحراز الأمر بأصل العمل بعد إحراز سقوط الأمر بالأكثر، وهذا فيما كان الرفع فيه رفعاً واقعياً كما في موردي النسيان والاضطرار، فإنه في مثل ذلك يكون رفع جزئية الشيء برفع الأمر النفسي عن مجموع الأجزاء لو قيل بعدم اعتبار الاستيعاب في النسيان والاضطرار لجميع الوقت، وذلك فإن الجزئية بنفسها غير قابلة للرفع الواقعي بنفسها، وبعد سقوط الأمر بالمجموع المشتمل للمنسي أو المضطر إلى تركه يحتاج إثبات الوجوب النفسي الاستقلالي لسائر الأجزاء إلى قيام دليل عليه، ويقال بأن الدليل على ثبوته إطلاق ما دل على جزئية كل من سائر الأجزاء، وهذا الجواب وإن كان غير تام كما أشرنا إليه، فإن مقتضى إطلاق أدلتها جزئية كل منها عند الأمر بالعمل المركب لا ثبوت الأمر بالمركب فعلاً، إلاّ أن ما ذكر لا مورد له في موارد الرفع الظاهري كمورد الجهل بجزئية شيء، حيث إن الرفع الظاهري يقابله الوضع الظاهري والوضع الظاهري لجزئية المشكوك الأمر بالاحتياط عند الإتيان بالمركب فيكون رفعها عند الجهل بالجزئية عدم لزوم الاحتياط حتى على تقدير تعلق الأمر بالأكثر واقعاً والإتيان بسائر الأجزاء، يعني الأقل لعدم سقوط التكليف الواقعي حقيقة كان متعلقاً بالاقل أو الاكثر، بل العلم بكون الأقل متعلقاً للتكليف واقعاً إما استقلالا أو في ضمن الأمر بالأكثر منجز للتكليف الواقعي بالإضافة إلى غير الجزء المشكوك في جزئيته، بمعنى أنه لو كان متعلق التكليف في الواقع الأقل أو الأكثر فالمكلف معاقب على مخالفته من ناحية ترك الأقل، ومعذور لو كانت مخالفته من ناحية ترك الجزء المشكوك، والتبعض في تنجز التكليف الواقعي أمر معقول لا محذور فيه على ما مر في بيان الانحلال الحكمي العقلي.















في بيان جريان أصالة البراءة الشرعية في ناحية وجوب الأكثر







نعم، جريان أصالة البراءة في نفي الجزئية بأن يكون مفادها نفي الحكم الوضعي ظاهراً غير صحيح، وذلك لوجهين، الأول: فإنه إما أن يلتزم بعدم جريان البراءة في نفس التكليف المتعلق بالأكثر؛ لأنها تعارض بأصالة البراءة الجارية في تعلق الوجوب النفسى المستقل بالأقل، ففي هذه الصورة كما أن أصالة البراءة في وجوب الأقل تعارض البراءة عن وجوب الأكثر كذلك تعارض أصالة البراءة عن جزئية المشكوك؛ لما تقدم من أن الأصل النافي في أحد طرفي العلم الإجمالي يعارض الأصل النافي في الطرف الآخر، ولو كان الأصل النافي فيه متعدداً وبعضها بالإضافة إلى البعض الآخر طولياً، كما اعترف الماتن (قدس سره) بذلك في مسألة ملاقى أحد أطراف العلم فيما إذا حصل العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين والملاقاة لأحدهما دفعة واحدة، وذكرنا أنّه مع اختصاص الأصل الطولي بخطاب مستقل لا يجري على الطرف الآخر لا مانع من الرجوع إليه والأخذ بمفاده، ولكن هذا لا يجرى في المقام، فإن أصالة البراءة في الحكم التكليفي والوضعي مستفاد من حديث الرفع، وإما أن يلتزم بجريان أصالة البراءة الشرعية في ناحية تعلق الوجوب بالأكثر ولا يعارضها أصالتها في ناحية وجوب الأقل حيث إنه مع العلم الإجمالي بوجوبه استقلالاً أو ضمناً وترتب العقاب على تركه لا يبقي للأصل النافي فيه مورد، وعلى ذلك يكون التكليف الواقعي منجزاً بالإضافة إلى الأكثر أيضاً من ناحية ترك الأقل أولا تجري أصالة البراءة في تعلق التكليف بالأقل لكونه خلاف الامتنان بعد علم المكلف بأنه لا يجوز له ترك الصلاة رأساً، فتجري في ناحية تعلق الوجوب بالأكثر، ومع جريانها فيه لا يبقى لجريانها في نفس جزئية المشكوك مجال للعلم بعدم وجوب الاحتياط من ناحية احتمال تعلقه بالأكثر، لا يقال: من التزم بالاحتياط عقلاً في دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر بالوجه العقلي السابق من لزوم إحراز الغرض لا يمكن له الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الأكثر أو جزئية المشكوك، فإن ترتب الغرض الملزم على الأقل لا بشرط أو الأكثر محرز، وأصالة البراءة عن وجوب الأكثر لا يثبت ترتّبه على الأقل لا بشرط حتى يرتفع موضوع حكم العقل بلزوم رعايته، نعم يمكن هذا الإثبات فيما قام الدليل على نفي جزئية المشكوك أو كان خطاب الأصل النافي وارداً في مورد دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر ليحمل على إثبات الغرض أيضاً صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية.







فإنه يقال: إن الغرض كما تقدم ليس لزوم تحصيله واجباً شرعياً آخر، بل هو حكم العقل لاحتمال الاستحقاق للعقاب مع احتمال بقائه ببقاء التكليف، وإذا اكتفى الشارع في مقام امتثال التكليف بالإتيان بالأقل كما هو مقتضى جريان البراءة في تعلق التكليف بالأكثر أو جزئية المشكوك، فلا سبيل للعقل بالحكم بلزوم رعايته كما هو الحال في موارد جريان قاعدة التجاوز والفراغ ونحوهما.







وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا ان القائل بالبراءة الشرعية في دوران الأمر في الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر إما أن يلتزم بانحلال العلم الإجمالي عقلاً ولو كان هذا الانحلال حكمياً على ما تقدم، فالمجرى لأصالة البراءة الشرعية وهو تعلق التكليف بالأكثر أي تعلقه بالجزء المشكوك؛ لأنّ تعلق الوجوب به ضمناً مما لا يعلم، ورفعه عن الاكثر ظاهري بمعنى عدم وجوب الاحتياط في التكليف الواقعي من ناحيته، بخلاف تعلقه بالأقل فإنه محرز وجداناً نفسياً مستقلاً أو ضمنياً فلا موضوع لرفعه، وعليه فيتنجز التكليف النفسي على تقدير تعلّقه بالأقل، وعلى تقدير تعلقه بالأكثر من ناحية ترك الأقل والتنجز في التكليف الواحد والتبعض في تنجزه أمر ممكن كما تقدم، فيؤتى بالأقل بداعي الأمر به على كل تقدير لثبوت الإطلاق الظاهري في متعلقه وإن التزم بعدم الانحلال عقلاً حتى حكماً فالتزامه بالبراءة الشرعية ممكن أيضاً، لأنّ الموضوع للبراءة الشرعية الجهل بالحكم وما لا يعلم فينطبق هذا على تعلق التكليف الواقعي بالأكثر ولا يرفع الوجوب النفسى عن الأقل؛ لأن تعلق الوجوب النفسي به ولو في ضمن الأكثر محرز كما ذكرنا، ولا أقل من كون رفع الوجوب المتعلق بالأقل بنحو اللابشرط خلاف الامتنان، والبراءة الشرعية بكل من التقريبين لا تنافي عدم انحلال العلم الإجمالي عقلاً، فإن الموضوع في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو عدم البيان بمعنى عدم المصحح للعقاب، والعلم الإجمالي المزبور عقلاً وإن يكن مصححاً للعقاب إلاّ أن ملاك استحقاقه احتمال العقوبة في ترك كل من الطرفين إذا كان التكليف المعلوم بالإجمال فيه، ومع جريان البراءة الشرعية في ناحية احتمال وجوب الأكثر كما تقدم لا احتمال لاستحقاق العقاب في ناحية ترك الأكثر بترك الجزء المشكوك، ولذا تكون البراءة الشرعية في موارد جريانها واردة على حكم العقل فيه بالاحتياط.















في التمسك بالاستصحاب لاثبات لزوم الاحتياط بالاتيان بالأكثر







بقي في المقام أمر وهو أنه قد يتمسك في المقام بالاستصحاب للزوم الإتيان بالأكثر تارة، ولجواز الاقتصار على الاتيان بالأقل اُخرى، أما الأول فيقال: إن المكلف بعد الاتيان بالأقل يحتمل بقاء التكليف المعلوم له إجمالاً من قبل، حيث إن التكليف على تقدير تعلّقه بالأكثر باق على حاله، ومقتضى الاستصحاب الجاري فيه إحراز بقائه على حاله وهذا الاستصحاب من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي ولا يثبت تعلق التكليف ثبوتاً بالأكثر إلاّ أنه يتعين الإتيان به ليرتفع الموضوع له في ناحية الكلي.







ويجاب عن هذا الاستصحاب بأنه إنما تصل النوبة إلى الاستصحاب في ناحية الكلي إذا سقط الأصل في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل بالمعارضة مع الأصل النافي في ناحية الفرد القصير، وأما إذا جرى الأصل النافي في ناحية الفرد الطويل بلا معارضة في ناحية الفرد القصير فلا مورد للاستصحاب في ناحية الكلي، كما إذا كان المكلف محدثاً بالأصغر ثم خرج منه بلل مردّد بين البول والمني، فإن الاستصحاب في بقاء الحدث الأصغر وفي عدم حدوث الجنابة له يعيّن أن رافع حدثه هو الوضوء فلا حدث له بعد الوضوء، بخلاف ما إذا كان متطهراً من الحدثين وخرج منه بلل مردد بين البول والمني فإنه بعد الوضوء يجري الاستصحاب في ناحية بقاء الحدث؛ لأن الاستصحاب في عدم حدوث جنابته قد سقط بالمعارضة مع الاستصحاب في عدم حدوثه بالبول المعبر عنه بالحدث الأصغر، وما نحن فيه من قبيل الأول؛ لأنّ الاستصحاب في عدم تعلق التكليف بالأكثر جار بلا معارض الاستصحاب في ناحية عدم تعلقه بالأقل لا موضوع له للعلم بتعلقه به استقلالاً أو ضمناً، والاستصحاب في عدم تعلقه بالأقل بنحو اللابشرط لا يثبت تعلقه بالأكثر. وعلى الجملة لا مورد لاحتمال جواز ترك الأقل ليجري الاستصحاب في عدم تعلق التكليف به كما لا مجال لإثبات تعلقه بالأكثر فإنه من الأصل المثبت.







أقول: مجرد عدم المعارضة بين الأصل الجاري في ناحية الفرد الطويل والفرد القصير لا يوجب سقوط الاستصحاب في ناحية بقاء الكلي، ولذا لو كان المكلف متطهراً من الحدثين ومع ذلك توضأ تجديداً وبعد الوضوء علم بخروج بلل منه قبل الوضوء مردد بين البول والمني فيجري الاستصحاب في ناحية عدم جنابته فيجوز له ما يحرم على الجنب كالمكث في المساجد قبل الغسل، ولكن لا يجوز له مس كتابة القرآن من غير اغتسال لجريان الاستصحاب في ناحية بقاء الحدث، وذلك فإن الاستصحاب في عدم الجنابة في هذا المثال لا يعين حال البلل وأنه كان بولاً، بخلاف ماخرج البلل المشتبه بعد كون المكلف محدثاً بالأصغر فإن الاستصحاب في بقاء الأصغر بعد البلل وعدم تبدله بالأكبر يترتب عليه أن رافعه هو الوضوء هذا بناءً على مسلك هذا القائل، وأما بناءً على ما ذكرنا في محله من أن المحدث إذا لم يكن جنباً فهو مكلف بالوضوء يحكم بطهارته في المثال أيضاً فعلاً كما يحكم بذلك إذا خرج البلل المشتبه من المتطهر من الحدثين بعد وضوئه بعد البلل؛ لأنّ المستفاد من آية (إذا قمتم إلى الصلاة...)(1)، هو أن المحدث إذا لم يكن جنباً ولم يحصل منه ما يوجب الغسل يرتفع حدثه بالوضوء عند وجدانه الماء، وإلاّ يتيمم لصلاته وسائر ما يشترط فيه الطهارة.







والصحيح في الجواب عن الاستصحاب أنه لا مجرى للاستصحاب في ناحية الكلي في أمثال المقام مما يكون المستصحب هو التكليف الثابت سابقاً المردد بين تكليف يقطع بعدم بقائه وبين تكليف يشك في حدوثه من الأول وكان متعلق التكليفين بحيث لم يكن للأصل مجرى في ناحية عدم التكليف بمتيقن الارتفاع، كما في المقام؛ لأنّ الاستصحاب في بقاء التكليف في فرض الإتيان بالأقل ليس له إلاّ أثر عقلي وهو احتمال استحقاق العقاب على تقدير بقاء التكليف بأن يتعلق التكليف بالأكثر، وإذا جرى الأصل في ناحيه عدم تعلقه بالأكثر لا يبقى في البين الأثر العقلي؛ لأن احتماله لاحتمال التكليف بالأكثر.







لا يقال: الاستصحاب في ناحية عدم تعلقه بالأكثر قبل الإتيان بالأقل معارض بعدم تعلقه بالأقل، لأنه يقال الاستصحاب في ناحية عدم تعلقه بالأقل لا أثر له بعد العلم بلزوم الإتيان به، فإنه إما واجب مستقل أو واجب ضمني، وإنه يترتب على تركه مخالفة التكليف الواقعي يقيناً، هذا فيما إذا كان المطلوب بالتكليف ذات الأقل أو ذات الأكثر بلا اعتبار ترتيب بين الأجزاء، وأما إذا كان المعتبر الترتيب بين الأجزاء بحيث لا يتحقق الأقل أيضاً إذا كان الواجب هو الأكثر كما في اعتبار السورة المشكوك اعتبارها بعد الحمد وقبل الركوع فعلى تقدير وقوع المعارضة بين الاستصحاب في ناحية عدم وجوب الأقل والاستصحاب في ناحية عدم وجوب الاكثر، تجري أصالة البراءة في ناحية عدم وجوب الأكثر ولا يعارض بأصالة البراءة في ناحية عدم وجوب الأقل؛ لكون البراءة في ناحية الأقل خلاف الامتنان، ومع جريان البراءة عن وجوب الأكثر لا مجال للاستصحاب في ناحية بقاء الكلي؛ لأنّ الاستصحاب فيه لا يثبت تعلق التكليف الواقعي بالأكثر، وذكرنا أن أثره العقلي يعني احتمال استحقاق العقاب على تقدير بقائه فينتفي بجريان البراءة في ناحية احتمال وجوب الأكثر.















(1). سورة المائدة: الآية 6































الأوّل: أنه ظهر مما مرّ حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه وبين الخاص كالانسان وعامّه كالحيوان[1].















دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه















[1] يقع الكلام في دوران أمر الواجب بين كونه مطلقاً بالإضافة إلى المشكوك أو مشروطاً به، ولا يخفى أن الشك في شرطية شيء ودخل خصوصية في متعلق الأمر يكون على أنحاء: فإنه قد يكون لما يطلق عليه الشرط وجود منحاز خارجاً، كما إذا تردّد في تقيّد الصلاة بالستر، واُخرى لا يكون لما يطلق عليه الشرط وجود منحاز خارجاً، بل تكون من قبيل خصوصية قائمة بمتعلق متعلق التكليف عرضاً، كما إذا تردد الواجب بين عتق رقبة أو عتق رقبة مؤمنة، بأن يكون الشرط من قبيل العرض لمتعلق متعلق التكليف، وثالثة لا تكون الخصوصية فعلاً ممتازاً في الخارج ولا من قبيل العرض لمتعلق متعلق التكليف، بل من قبيل المقوم الداخل في المتعلق أو اللازم له، كما إذا دار الأمر بين كون الواجب بين المجيء بالإنسان أو مطلق الحيوان، أو كون الواجب عتق الرقبة الشامل للذكر والاُنثى، أو خصوص عتق العبد، ويطلق على النحو الثالث دوران الأمر بين وجوب العام أو الخاص، وعلى النحوين الأولين دوران الأمر بين المطلق والمشروط، والتزم الماتن (قدس سره) بعدم انحلال العلم الإجمالي في الصور الثلاث عقلاً ولو التزم بالانحلال العقلي في موارد الشك في الجزئية، نعم تجري البراءة الشرعية في موارد الشك في الشرطية في ناحية شرطية المشكوك، ولكن لا مجرى لها في موارد دوران الواجب بين العام والخاص، وأشار إلى عدم الانحلال العقلي في مورد الشك في الشرطية حتى بناءً على الانحلال عقلاً في موارد الشك في الجزئية بما تقريبه أنه لو كان الستر مثلاً شرطاً في الصلاة ولوحظ فيها عند الأمر بها، يكون ما في الخارج مع رعايته عين المأمور به، وإذا لم يراع في الإتيان بها يكون ما في الخارج مبايناً لما تعلق الأمر به، بخلاف موارد الشك في جزئية شيء فإنه لو لم يراع لم يكن المأتي به مبايناً على تقدير تعلق الأمر بالأكثر، بل كان بعضه، ولذا قيل بأن تعلق الوجوب بالأقل في تلك المسألة يقيني، نفسياً أو غيرياً، ولكن هذا لا يجري في الشك في الشرطية حيث لا يمكن الالتزام بالوجوب الغيري عند الشك في كون الواحب هو المطلق أو المشروط، حيث إن انحلال المشروط إلى الطبيعي وتقيده بما يسمى شرطاً عقلى، والأجزاء العقلية لا يتعلق بها الوجوب، بخلاف انحلال الكلي إلى الأجزاء، فإن الانحلال فيه إليها خارجي فيتعلق الوجوب بكل منها غيرياً أو ضمنياً على ما تقدم.







ثم ذكر (قدس سره) أنه يمكن الأخذ بالبراءة الشرعية في موارد الشك في شرطية شيء، حيث إن شرطيته مما لا يعلم فيمكن رفعها بحديث الرفع، بخلاف دوران الأمر بين العام والخاص فإنه لا مجرى للبراءة الشرعية في ناحية خصوصية الخاص.







وتقريبه، أن في اشتراط الصلاة بالستر مثلاً نفس الصلاة ملحوظة في مقام الأمر لا محالة، والشك في لحاظ أمر زائد على لحاظ نفسها، بخلاف تردد المأمور به بين العام والخاص، فإنّ الملحوظ في مقام الأمر إما مجيء الحيوان أو الإنسان، وليس بينهما أمر متيقن بحسب اللحاظ في ذلك المقام، فيدور المتعلق بحسب اللحاظ بين أمرين، وإن كان بين الملحوظين مورد تصادق خارجاً، ففي النتيجة تكون شرطية الستر أمراً مجعولاً قابلاً للوضع والرفع زائداً على ذات المشروط، بخلاف العموم والخصوص فإنه لا يزيد على ذات الملحوظ في تعلق الأمر بالخاص، والمتحصل أنه لا مجرى للبراءة العقلية في شيء من الأقسام الثلاثة المتقدمة حتى بناءً على انحلال العلم الإجمالي عقلاً في موارد الشك في الجزئية، وأما البراءة الشرعية فلا بأس بجريانها عند الشك في شرطية شيء بكلا قسميه الأول والثاني؛ لأنّ الشرط فيهما منتزع عن أخذ شيء ولحاظه في متعلق الأمر زائداً على لحاظ ذات المشروط فتكون مجعولة بالأمر بالمشروط لا محالة، بخلاف خصوصية الخاص فإن لحاظها لا يكون أمراً زائداً على لحاظ العام في مقام الأمر، بل يتردد الملحوظ فيه بين أمرين مختلفين على ما تقدم، أقول: فيما ذكره (قدس سره) للمناقشة مجال بوجهين، الأول: أن التفرقة بين الشك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته بإمكان الالتزام بالانحلال عقلاً في الأول دون الثاني لا تتم فيما إذا كان المشكوك على تقدير كونه جزء يؤتى في محل خاص، أو اعتبر الموالاة بينه وبين سائر الأجزاء، وإلاّ فلا يكون الأقل المأتي به القدر المعلوم من تعلق التكليف به نفسياً أو ضمنياً، بل يدور أمره بين أن يكون عين متعلق التكليف مصداقا أو مباينا له، كما في دوران الأمر بين المتباينين، الثاني: أنه إنما يفترق الجزء المشكوك والشرط المشكوك عن العام والخاص إذا كان الانحلال في الجزء أو الشرط حقيقياً، وأما بناءً على كونه انحلالاً حكمياً، بأن قلنا بجريان البراءة في ناحية الأمر بالأكثر أو المشروط لكون رفعه الظاهري من ناحية جزئية المشكوك أو شرطيته بعدم إيجاب الاحتياط من أجلهما موافقاً للإمتنان بخلاف جريان البراءة في ناحية وجوب الأقل لا بشرط، أو ذات المشروط، فإن رفعه خلاف الامتنان فيجري هذا الانحلال الحكمي في مورد دوران الأمر بين وجوب العام أو الخاص بعين البيان في الفرق.















في دوران الواجب بين كونه تعيينياً أو تخييرياً







ثم إن المحقق النائيني (قدس سره) قد أدخل دوران الأمر بين كون الواجب هو العام أو الخاص في دوران الأمر بين كون الواجب فعلاً واحداً تعيينياً أو متعدداً تخييرياً، وذلك فإن الجنس لا يمكن أن يتعلق به الأمر فإنه لا تَحصُل له في الخارج إلاّ في ضمن الفصل فيتعلق به الأمر متميزاً بالفصل، فإن كان الفصل المتميز به فصلاً معيناً يكون الواجب تعيينياً، أو كان فصلاً ما (أي فصل) كان الواجب تخييرياً، وعليه يكون المقام من دوران الأمر بين كون الواجب تعيينياً أو تخييرياً لا من دوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر؛ لأنه لا يعقل أن يقال إن تعلق التكليف بالجنس متيقن والشك في تقيد الجنس بالفصل، بل لابد من القول بأن تقيده بالفصل يقيني والأمر دائر بين كونه فصلاً معيناً أو فصلاً ما، ويكون المقام من موارد قاعدة الاشتغال، ولا مجال للرجوع إلى البراءة عن كلفة التعيين، وذلك لأنه لا يمكن أن يقال إن تعلق التكليف فيه بالجامع بين الفعلين أو الافعال معلوم والشك في تعيّن فعل خاص، ثم إنه (قدس سره) قد تعرض لجميع أقسام دوران الأمر بين التعيين والتخيير مع الالتزام بأن الحكم في جميعها الاشتغال، ولا بأس في المقام من التعرض لما ذكره من الأقسام والحكم بالاشتغال الذي ذكره فيها، فالقسم الأول: وهو الذي يدور الأمر فيه بين جعل الحكم على نحو التخيير أو التعيين في مقام جعل التكليف، وله فروض، الأول: أن يعلم التكليف في كل واحد منهما ولكن يتردد التكليف في كل منها بين أن يكون تعيينياً أو تخييرياً كما في الإفطار بالمحرم، حيث يدور أمر التكليف بين وجوب كل واحد من الخصال تعييناً أو تخييراً، والفرض الثاني: ما إذا علم كون فعل مسقطاً للواجب ودار الأمر فيه بين أن يكون عدلاً للواجب بنحو الواجب التخييري أو أنه غير واجب، بل هو فعل مسقط للواجب فقط، نظير السفر في شهر رمضان حيث يسقط وجوب الصوم بالسفر فيه.















في دوران امر الفعل بين كونه مسقطاً للواجب أو عدلاً له







والثمرة بين كون شيء عدلاً للواجب مسقطاً له، وبين كونه مجرد مسقط، تظهر فيما إذا تعذر ذلك الواجب، فإن كان الفعل الآخر عدلاً مسقطاً يتعين الإتيان به، وأما مع كونه مجرد مسقط لا يجب الإتيان به، وربما مثلوا لذلك بالايتمام في الصلاة فإنه مسقط للقراءة عن المأموم، فيدور الأمر بين كون الايتمام عدلاً للقراءة المعتبرة في الصلاة أو أن الايتمام مستحب مسقط لاعتبار القراءة، وإذا لم يتمكن المكلف من القراءة الصحيحة في صلاته فمع كون الايتمام عدلاً مسقطاً يتعين الايتمام، بخلاف ما إذا كان فعلاً مستحباً مسقطاً لها فإنه لا يجب الايتمام، بل يكفي الإتيان بالقراءة التي يحسنها المكلف ويأتي الكلام في المثال مفصلاً، الفرض الثالث: ما إذا علم بوجوب فعل ودار الأمر بين كون وجوبه تعيينياً لا يكفي الإتيان بفعل آخر في سقوط التكليف به، وبين كون وجوبه تخييرياً يكفي الإتيان بفعل آخر في سقوطه، كما في المظاهر، حيث يعلم بوجوب شهرين متتابعين عليه، ولكن يحتمل كونه تخييرياً بينه وبين إطعام ستين مسكيناً فيسقط بالإطعام، ويحتمل أن يكون وجوبه تعيينياً فلا يكفي في سقوطه الإطعام، وقد التزم (قدس سره) في الفروض الثلاثة بأن كلاً منها مورد لقاعدة الاشتغال، نعم ذكر في الفرض الثاني أنه إذا دار أمر الفعل بين كونه مباحاً أو مستحباً مسقطاً للواجب، أو كونه عدلاً مسقطاً للواجب فمقتضى الاشتغال الإتيان مع التمكن من الواجب الإتيان به لا بذلك الفعل؛ لأنه يحتمل أن تكون مسقطيته للواجب من باب تفويت ملاكه ومانعيته عن استيفائه، وإذا لم يتمكن مما علم بتعلق الوجوب به فمقتضى أصالة البراءة عدم لزوم الإتيان بذلك الفعل الآخر، وذكر (قدس سره) قبل التعرض للفروض الثلاثة فرضاً آخر، وهو الشك في أصل ثبوت التكليف المردد بين كونه تعيينياً أو تخييرياً، كما إذا شك في كون الارتماس في نهار شهر رمضان هل يقتضي وجوب الكفارة أم لا، وعلى تقدير اقتضائه هل يقتضي كفارة معينة أو المخيرة بين الخصال، وأنه لا ينبغي التأمل في رجوعه إلى أصالة البراءة؛ لأنّ الشك في أصل جعل التكليف على المرتمس في نهاره، والتزام الشيخ (قدس سره) بأن الاشتغال ليس راجعاً إلى هذا الفرض، فما نسبه بعض إلى ظاهر كلام الشيخ من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال في هذا الفرض أيضاً لا أساس له، والوجه في كون المرجع قاعدة الاشتغال في الفروض المتقدمة هو أن التعيين في التكليف وإن كان ضيقاً، وبتعبير آخر صفة التعيينية في التكليف تقتضي الضيق على المكلف، ولذا التزم بعض بجريان البراءة عن التكليف التعييني بالفعل، ولكن هذه الصفة ليست أمراً مجعولاً مرتبطاً بالتكليف المتعلق بالفعل، بل التعيينية تنتزع للتكليف من عدم التكليف بالفعل الآخر عدلاً، فإن تعلق التكليف بالفعل الآخر عدلاً يكون التكليف المعلق بالفعل تخييرياً وإن لم يتعلق التكليف بالفعل الآخر كذلك يكون وجوبه تعيينياً، فلو فرض جريان البراءة عن التكليف بالآخر وإن لم يجر لكونها على خلاف المنة، كان مقتضاها كون الوجوب المتعلق بهذا الفعل وجوباً تعيينياً، وعلى الجملة كما أن الوجوب التخييري في مقام الإثبات يحتاج إلى مزيد بيان غير بيان وجوب الفعل، والبيان المزيد هو بيان العدل للواجب، كذلك الأمر في مقام الثبوت فنفس التكليف المتعلق بفعل لا يختلف من ناحية نفسه في التعييني والتخييري، وإنما يختلف من وجوب فعل آخر عدلاً له، فليس في ناحية التكليف بالفعل أمر زائد في موارد التعيينية لتجري في نفي ذلك الزائد البراءة. أقول: لا ينبغي التأمل في جريان أصالة البراءة في الفرض الأول والثالث في ناحية احتمال الوجوب التعييني، وذلك فإنَّ التخييرية في الواجب ثبوتاً ليس تعلق الوجوب بالفعل الآخر أيضاً، فإن الأمر بفعل آخر أيضاً لا يوجب كون وجوب الفعل الأول تخييرياً، وليس للأمر بالفعل الآخر عدلاً واقعياً بحسب مقام الجعل، إلاّ تعلق التكليف في ذلك المقام بالجامع بينهما، سواءً كان ذلك لحصول الملاك الملحوظ بحصول أي منهما أو لعدم إمكان اجتماع الملاكين في الخارج للتضاد بينهما بحسب ملاكهما، ولا يدخل الفعلان مع تضادهما في الملاك في المتزاحمين، فإن التزاحم بين التكليفين إنما ينشأ عن عجز المكلف اتفاقاً من الجمع بين التكليفين في الامتثال مع تمكنه من امتثال كل منهما مع قطع النظر عن الآخر، وأن كلاً من التكليفين مجعول في حق المتمكن على الإتيان بمتعلقه، فالتخيير عقلاً في مقام التزاحم بين التكليفين في الامتثال مع تساوي التكليفين وعدم المرجح لتقديم أحدهما في الامتثال غير التخيير في التكليف في مقام الجعل للتضاد بين الفعلين ذاتاً أو بحسب الملاك، فإنه لا معنى لهذا التكليف وجعل الوجوب التخييري إلاّ بتعلق التكليف ثبوتاً بالجامع بينهما، كما أنه ليس للواجب التعييني في مقام الثبوت واقعية إلاّ تعلق التكليف بالفعل بعنوانه الخاصّ، نعم في مقام الإثبات وإبراز كون وجوب الفعل ثبوتاً تخييرياً يتعلق الوجوب بكل منهما مع عطف أحدهما على الآخر بـ(أو) أو ما يرادفه، فاحتياج الوجوب التخييري في مقام الإثبات بذلك يكشف عن تعلق التكليف ثبوتاً بالجامع بينهما، لا أنه تعلق بكل منهما نحو تعلق والتكليف في نفسه أمر اعتباري يمكن تعلقه بالجامع ولو كان ذلك الجامع أيضاً اعتبارياً لا جامعاً ذاتياً، بل لو كان التكليف عرضاً فهو عرض للآمر لا لمتعلق الأمر، ليقال: إن العرض لا يقوّم بشيء اعتباري، وعلى ذلك فمع تردد تعلق التكليف بخصوص فعل أو الجامع بينه وبين غيره، كما في الفرض الثالث تجري البراءة عن تعلق التكليف بخصوص ذلك الفعل ولا يعارض بأصالة البراءة عن تعلقه بالجامع بينهما؛ لأنّ رفع التكليف عن الجامع ظاهراً على تقدير تعلقه به واقعاً خلاف المنة، بخلاف رفعه ظاهراً إذا تعلق بخصوص أحدهما فإن في الوجوب التعييني ضيقاً على المكلف فيناسب الامتنان رفعه، ولا مجال للقول بجريان الاستصحاب في التكليف الواقعي بعد الإتيان بالعدل المحتمل، وذلك لما تقدم من أنَّ الاستصحاب فيه لا يثبت تعلق التكليف ثبوتاً بالفعل المتروك، بل مع جريان البراءة عن تعلق التكليف به ثبوتاً يكون مفادها عدم وجوب الاحتياط في التكليف المحتمل تعلقه به، وعدم استحقاق العقاب على مخالفته فلا يبقى للاستصحاب في ناحية الكلي أثر عقلي حتى يجري فيه بلحاظ ذلك الأثر العقلي على قرار ما تقدم.







وكذلك الحال في الفرض الأول حيث تجري أصالة البراءة في ناحية الوجوب التعييني المحتمل في كل من الأفعال ولا تعارض بأصالة البراءة عن تعلقه بالجامع بينهما.







واما ما ذكره (قدس سره) في الفرض الثاني من أنه مع تمكن المكلف من فعل الواجب لا يجوز له الإتيان بالمسقط لاحتمال أن تكون مسقطيته من تفويت ملاك الواجب ومانعيته عن استيفائه، نعم مع عدم التمكن تجري البراءة في احتمال وجوب الإتيان بذلك الفعل فلا يمكن المساعدة عليه، فإنه إذا كان شيء رافعاً لوجوب فعل لانتفاء الملاك في ذلك الواجب مع وجوده يؤخذ ذلك الفعل شرطاً في نفس وجوب الواجب، كاشتراط وجوب الصوم بعدم كون المكلف مسافراً، وإذا كان موجباً لتفويت ملاكه ومانعيته عن استيفائه يؤخذ ذلك الفعل في متعلق الواجب مانعاً بأن يكون تركه قيداً للواجب، وإذا دار أمر شيء بين كون عدمه شرطاً لوجوب الواجب أو عدمه قيداً لنفس الواجب، فأصالة البراءة عن وجوبه مع وجوده، مقتضاها عدم التكليف بذلك الواجب مع وجوده على ما هو المقرر في دوران أمر شيء بين كونه قيداً للوجوب أو للواجب، وكذا تجري أصالة البراءة في احتمال وجوب ذلك المسقط عند سقوط ذلك الواجب من جهة اُخرى هذا بحسب الكبرى.















حكم الايتمام ممن لا يتمكن من القراءة الصحيحة







وأما ما ذكره في مسألة القراءة والايتمام في الصلاة من أنه يستفاد مما ورد في كون سين بلال شيناً، أن الايتمام مجرد مسقط للقراءة وليس عدلاً للواجب حتى أن المكلف عند عدم تمكنه من القراءة التامة يصلي بما يحسن من القراءة، فقد أورد عليه بأنه لا دلالة في الرواية على ذلك، أولا: أن الرواية نبوية ضعيفة بالإرسال، وثانياً: أن ما يتحمله الإمام من القراءة ليس فيها حرف الشين ليتعين الايتمام عند عدم التمكن منها، بل حرف الشين واقع في تشهد الصلاة ولا فرق فيها بين صلاة المنفرد والايتمام، وإذا كانت القراءة الصحيحة معتبرة في الصلاة مطلقا نظير اعتبار الطهارة من الحدث فيسقط التكليف بالصلاة عمن لا يتمكن من قرائتها، فغاية ما تدل عليه الرواية عدم سقوط التكليف بالصلاة مع القراءة التامة، أضف إلى ذلك أن مدلولها تنزيل السين منزلة الشين لا التنزيل في مطلق ألفاظ القراءة، وثانياً: أن التمثيل للمقام بمسألة القراءة والايتمام غير صحيح، فإن الواجب على المكلف طبيعي الصلاة، فللمكلف أن يوجد الطبيعي في ضمن أي فرد، وكما أن الإتيان بالصلاة في أول الوقت أو في المسجد وغير ذلك من أفراد الطبيعي كذلك الصلاة فرادى أو الإتيان بها جماعة، وكما أنّه مع عدم التمكن من بعض الأفراد يتعين الإتيان بالطبيعي ولو في ضمن الفرد المتمكن منه، كذلك مع عدم التمكن من الفرادى يتعين الإتيان بالايتمام؛ لأنّ الامام يتحمل القراءة فيكون متمكناً من الفرد الصحيح من الطبيعي، هذا مع الإغماض عن نصوص كثيرة واردة تدل على جواز اكتفاء المكلف في قرائته في الصلاة بما يحسن وما يتيسر من القرآن، ولولا هذه النصوص كان مقتضى القاعدة لمن لا يتمكن من القراءة الصحيحة تعين الايتمام.







أقول: لو كانت صلاة الفرادى فرداً وصلاة الجماعة فرداً آخر من الواجب، كالصلاة في البيت والمسجد وأول الوقت وغير ذلك لكان ما ذكر صحيحاً، ولكن ظاهر ماورد في الصلاة جماعة أنها فعلان، صلاة وتبعية، واختلاف الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة، بأن الأول فعل واحد والثاني فعلان، أحدهما: واجب تعبدي، والثاني: مستحب توصلي، غاية الأمر الفعل الثاني مسقط للقراءة المعتبرة في الصلاة، وعليه فأصالة البراءة عن وجوب الايتمام لغير المتمكن من القراءة لا موجب لرفع اليد عنها، فإن المفروض أن من لا يتمكن من القراءة التامة لا تسقط الصلاة عنه، وعلى الجملة لو لم يكن في البين الروايات المشار إليها لقلنا أيضاً بعدم وجوب الايتمام على العاجز من القراءة التامة، هذا فيما لم يكن العجز ناشئاً من ترك التعلم، وأما مع العجز الناشئ عن تركه فيتعين عليه الايتمام حتى بلحاظ تلك الروايات؛ لأن الشخص التارك للتعلم مكلف بالصلاة مع القراءة التامة أو مأخوذ بملاك الصلاة التامة على ما هو المقرر في بحث وجوب تعلم الدين، وعدم معذوريته في مخالفة التكليف بنفسه أو بملاكه، فيما إذا كانت المخالفة ناشئة عن ترك التعلم، وعليه فعلى العاجز المزبور الايتمام في صلاته مع تمكنه من الايتمام، وأورد العراقي (قدس سره) على ما ذكره النائيني (قدس سره) من عدم الفرق بين الوجوب التعييني المتعلق بفعل والوجوب التخييري المتعلق به، وأن الوجوب التعييني لا يزيد على التخييري بشيء ليقال بنفي الزائد بأصالة البراءة، بأنه في مورد الأمر التعييني يكون طلب الفعل بحيث يطرد تمام فروض تركه، بخلاف الأمر التخييري فإن الطلب فيه لا يطرد تمام فروض تركه، بل يطرد بعضها، وإذا شك في الأمر بفعل أنه يحرم تمام فروض تركه أم لا، أو لا يحرم بعض فروض تركه فأصالة البراءة جارية في ناحية هذه الزيادة، كما إذا تردد الوجوب المتعلق بكل من الأفعال المتعددة تعيينياً أو تخييرياً فتجري البراءة في الناحية التعيينية.







ثم قال: نعم لو فرض وجوب فعل وشك في وجوب فعل آخر، وأنه يكون بديلاً أم لا فلا بأس بالالتزام بالاشتغال للعلم الإجمالي بأن على المكلف إما أن يأتي بالواجب بعد وجود ما يحتمل كونه بديلاً، أو أن عليه الإتيان بذلك البديل المحتمل عند ترك ذلك الواجب، فهذا العلم الإجمالي منجز يوجب الإتيان بذلك الواجب وعدم جواز تركه.







أقول: يرد على ما ذكره بأنّ الأمر بالشيء لا يطرد جميع فروض تركه إلاّ بتعلق الوجوب بنفس ذلك الفعل بعنوانه ثبوتاً ولا يطرد بعض فروض تركه إلاّ بتعلق الوجوب بالجامع ثبوتاً، ولو كان ذلك الجامع اعتبارياً أو كونه واجباً مشروطاً، وإذا فرض عدم الاشتراط في ناحية الوجوب المتعلق بالفعل بترك الفعل الآخر كما هو المقرر في بحث الواجب التخييري، فيدور الأمر بين تعلق الوجوب بالفعل بعنوانه الخاص أو بالجامع، فأصالة البراءة تجري في ناحية تعلقه بالفعل بعنوانه الخاص ولا يعارضها أصالة البراءة في تعلق الوجوب بالجامع، وتصوير العلم الإجمالي في فرض احتمال العدل للواجب، فرض لعلم إجمالي غير منجز، فإن العلم الإجمالي إما أن يتعلق بتكليف فعلي بين أطراف فعلية أو بين أطراف تدريجية يعلم المكلف بابتلائه بها، وفي المفروض مع التمكن من الواجب متمكن أيضاً من الفعل المحتمل كونه بديلاً وأطراف هذا العلم تعلق التكليف به أو بالجامع، والابتلاء بواقعة لا يتمكن فيها إلاّ بالمحتمل كونه عدلاً واقعة محتملة غير داخلة في أطراف العلم الإجمالي لعدم علمه بالابتلاء بها.































الثاني: أنه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه عقلا ونقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية والشرطية[1].







وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال كان صحيحاً،[2] ولو كان مشرعاً في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله فان تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به.















الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته















[1] إذا أحرز كون شيء جزءاً أو شرطاً للمامور به وشك في كون جزئيته أو شرطيته مطلقة أم لا، تكون الجزئية أو الشرطية فيه مطلقة، ولا يخفى أن الإطلاق في الجزئية والشرطية تلاحظ تارة بالإضافة إلى حالتي الذكر والنسيان، بمعنى أن دخالته في تمام متعلق التكليف لا يختص بحال الذكر، ونتيجة ذلك أن المكلف إن نسيه في تمام الوقت لا يكون في حقه تكليف لا بالإضافة إلى الكل أو المشروط، ولا بالإضافة إلى الخالي عن المنسي كما أنه لو نسيه بعض الوقت لا يكون الفاقد لما هو المنسي مصداقاً لمتعلق التكليف، بل التكليف بالكل أو المشروط باق، فعليه الإتيان بالمأمور به عند تذكره، وهذا بخلاف ما إذا كانت الجزئية أو الشرطية مختصة بحال الذكر فإنه يتعلق التكليف بالباقي في حال النسيان سواءً فيما كان النسيان مستوعباً في تمام الوقت أم في بعضه، ويترتب على ذلك عدم لزوم القضاء والإعادة، واُخرى يلاحظ الإطلاق في الجزئية والشرطية بالإضافة إلى زمان التمكن منه وعدمه، فإن كان شيء جزءً أو شرطاً بنحو الإطلاق يكون لازمه سقوط التكليف عن الكل والمشروط إذا استوعب عدم التمكن تمام الوقت وعدم الأمر بالباقي، وإذا كان في بعض الوقت يتعين امتثال التكليف بالكل أو المشروط عند تجدد تمكنه منه، بخلاف ما إذا كانت الجزئية أو الشرطية مختصة بحال الاختيار فقط، فإنه يتعين عليه الإتيان بالباقي مع استيعاب عجزه تمام الوقت، ويتخيّر بين الإتيان بالباقي حال عدم تمكنه أو الإتيان بالكل أو المشروط عند تجدد تمكنه قبل خروج الوقت مع عدم استيعابه، والكلام في هذا التنبيه في الإطلاق أو الاختصاص في الجزئية والشرطية بلحاظ حال النسيان، وأنه إذا ثبت كون شيء جزءً أو شرطاً للمأمور به، ولكن شك في إطلاقهما أو اختصاصهما بحال الذكر، وربما يقال بعدم إمكان اختصاص جزئية شيء أو شرطيته بحال الذكر، فإن ثبت فيه إحداهما تكون الشرطية أو الجزئية مطلقة، وإلاّ فلا يكون له جزئية ولا شرطية أصلاً، وذلك فإن ثبوت الجزئية لشيء أو الشرطية له يكون بالتكليف بالكل أو المشروط فهما مجعولتان بتبع التكليف لا محالة، ولو أراد المولى اختصاص الجزئية لشيء أو شرطيته لمتعلق الأمر بحال الذكر، فعليه أن يعتبر تكليفين أحدهما، التكليف: بالكل أو المشروط، وثانيهما: التكليف بالخالي عن الجزء المنسي أو الشرط المنسي في حق الناسي، واعتبار التكليف بالباقي كذلك غير معقول لعدم إمكان التفات المكلف حال عمله إلى كونه ناسياً، وألاّ يتذكر فلا يكون التكليف المفروض قابلا للبعث، وإمكان كون التكليف بحيث لا يمكن كونه داعياً لغو لا يصدر عن الحكيم، وعليه فإن ثبت في مورد الإجزاء وكفاية الباقي في سقوط التكليف بالكل أو المشروط فهو بالإتيان بالمسقط ولو لوفائه بالملاك في هذا الحال، كما في موارد نسيان ما لا يدخل في المستثنى في حديث «لا تعاد» من الاخلال بالجزء أو الشرط نسياناً، وعلى ما ذكر فإن اُحرز كون شيء جزءاً لمتعلق الأمر أو شرطاً فيه تكون جزئيته أو شرطيته مطلقة، ولا يبقى مجال لدعوى أن الشك في كون جزئية شيء أو شرطيته مطلقة أو مختصة بحال الذكر من صغريات دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر، وأنه يكون مقتضى البراءة في جزئيته أو شرطيته حال نسيانه جواز الاكتفاء بالإتيان بالباقي، فللقائل بالبراءة في المقام إثبات إمكان الأمر على الناسي بالباقي، وإثبات إمكان اختصاص جزئية شيء أو شرطيته للواجب بحال الذكر، وقد وجه الماتن (قدس سره) إمكان الأمر بالباقي كذلك بوجهين كما يأتي، ولكن لابد من فرض الكلام فيما إذا لم يثبت بالأدلة الاجتهادية إجزاء المأتي به أو عدم إجزائه، فإنه مع ثبوت أحدهما لا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل العملي ولا تترتب ثمرة عملية على البحث في إمكان اختصاص التكليف بالكل أو المشروط للذاكرين والتكليف على الناسي بالخالي عن المنسي، حيث إنّه مع قيام الدليل على الإجزاء لا حاجة إلى التدارك بعد التذكر سواء أمكن الاختصاص المذكور أم لم يمكن، بأن كان السقوط من باب الوفاء بالملاك ومع قيام الدليل على عدم الإجزاء لزم التدارك من غير فرق بين القولين، وعلى ذلك فإن كان لخطاب الأمر بالكل أو المشروط إطلاق، وكذلك لما دل على اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق تكون النتيجة الالتزام بالجزئية المطلقة أو الشرطية المطلقة، وكذا إذا لم يكن لخطاب الأمر بالكل أو الشرط إطلاق، ولكن كان للخطاب الدال على جزئية المنسي أو شرطيته إطلاق، فإنه يحكم أيضاً بإطلاق الشرطية والجزئية، وأما إذا انعكس الأمر بأن كان لخطاب الأمر بالكل والمشروط إطلاق بالإضافة إلى المنسي، ولكن لم يكن إطلاق في ناحية ما دل على جزئيته وشرطيته، كما إذا قام الإجماع على اعتبار شيء جزءاً أو شرطاً وشك في جزئيته وشرطيته حال النسيان، فإنه بناءً على إمكان تخصيص الجزئية والشرطية بحال الذكر يؤخذ بإطلاق خطاب الأمر بالكل والمشروط، فيحكم بعدم اعتبار جزئيته حال النسيان أو عدم شرطيته فيه، لا يقال: لا يمكن الأخذ بالخطاب الدال على جزئية شيء أو شرطيته حال نسيانه؛ لأن تكليف الناسي بالمنسي أمر غير ممكن، فلا فرق بين الفرض الأخير والفرضين السابقين في الالتزام بوجوب الباقي على تقدير إمكان الاختصاص، فإنه يقال: ليس مدلول الخطاب الدال على جزئية شيء أو شرطيته هو الأمر والتكليف بالإتيان به، ليقال إن التكليف المنسيّ على الناسي غير ممكن، بل مدلوله الإرشاد إلى الجزئية وعدم تحقق الكل أو المشروط بدونه، ولازم ذلك سقوط الأمر بالكل أو المشروط فيما إذا استوعب النسيان جميع الوقت والإعادة مع عدمه، وعلى الجملة ليس مدلول الخطاب الدال على الجزء أو الشرط هو التكليف بهما حتى فيما إذا كان بلسان الأمر بالجزء أو الشرط، بل الأمر بهما إرشاد إلى كون متعلقه دخيلاً في متعلق الأمر النفسي، وأن ذلك المتعلق لا يتحقق بدونه. ولذا لا تعتبر قدرة المكلف على متعلقه والتفاته إليه، وإنما تعتبر القدرة في متعلق الأمر النفسي المتعلق بالكل أو المشروط، وعلى ذلك فلو كان لما دل على جزئية شيء أو شرطيته إطلاق يحكم بسقوط التكليف عن الكل والمشروط مع استيعاب النسيان لتمام الوقت، وإن لم يستوعب يحكم ببقاء التكليف بالكل أو المشروط فعليه الإعادة، كما أنه لو لم يكن للدال على جزئيته أو شرطيته إطلاق يؤخذ بإطلاق الأمر بالكل وذات المشروط، فيحكم بعدم اعتبار الجزئية والشرطية حال نسيانهما، وأما إذا لم يكن إطلاق في ناحية الأمر بالكل والمشروط ولا في ناحية الدال على الجزئية والشرطية يكون المورد من دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر بناءً على إمكان اختصاص الجزئية والشرطية ثبوتاً بغير حال النسيان، نعم مع عدم إمكانه يكون المورد من موارد الاشتغال للعلم بالواجب والشك في كون غيره مسقطاً له أم لا، نعم هذا بالإضافة إلى الإعادة، وأما بالإضافة إلى القضاء فيرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب القضاء، حيث إن الاستصحاب في عدم جعل الفاقد مسقطاً لا يثبت فوت الفريضة في وقتها إذا كان التذكر بعد خروج وقت العمل، نعم مع التذكر في الوقت وعدم الإعادة يجب القضاء، ومما ذكرنا يظهر أن ما صنعه المصنف (قدس سره) من الجمع بين التمسك بحديث الرفع، وحديث «لا تعاد» غير صحيح، فإن حديث «لا تعاد» دليل اجتهادي حاكم على إطلاق أدلة الأجزاء والشرائط للصلاة وليس مدلوله في ناحية المستثنى أو ناحية المستثنى منه حكماً ظاهرياً، بخلاف حديث الرفع بفقرة «ما لا يعلمون» واحتمال كون مراده فقرة رفع النسيان غير صحيح؛ لأنّ رفع النسيان رفع واقعي لا يجري إلاّ مع نسيان الجزء أو الشرط في تمام الوقت، ولكن لا يثبت وجوب الباقي في الوقت ولا يجري مع نسيان الجزء حال العمل فضلاً عن إثباته الأمر بغير المنسي في ذلك الحال.







وقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن كون المقام من دوران الأمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر مبني على امكان اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر، وإلاّ بأن لم يمكن هذا الاختصاص، بل كان ثبوت الجزئية أو الشرطية في شيء ملازماً لجزئيته أو شرطيته مطلقة، وكان سقوط التكليف بالكل أو المشروط بدون الجزء أو الشرط من أجل الوفاء بالغرض، وإلاّ فسوف يكون المرجح عند الشك هو الاشتغال على ما تقدم، فالعمدة صرف الكلام إلى إمكان الاختصاص وعدمه، وقد وجه الماتن (قدس سره) هذا الإمكان بوجهين الأول: أن يوجه الخطاب المتضمن للتكليف إلى جميع المكلفين بغير المنسي من الأجزاء والشرائط، ووجه خطاباً آخر على دخل المنسي في متعلق الأمر بالإضافة إلى الذاكر، أو وجه خطاباً بإيجاب الإتيان بتمام الأجزاء مع شرائطه، ثم وجه خطاباً يتضمن الأمر على الناسي بالإتيان بغير المنسي من سائر الأجزاء والشرائط حال نسيانه، غاية الأمر لا يكون الموضوع في خطاب الأمر بالخالي الأمر به بعنوان الناسي، بل بعنوان آخر خاص أو عام بحيث لا يشمل الذاكر حال العمل.







أقول: ما ذكر على تقدير تماميته إنما يكون علاجاً بالإضافة إلى مقام الإثبات، وأما في مقام الثبوت فلابد من تصوير الأمر بتمام الأجزاء والشرائط بالإضافة إلى الذاكرين، بأن يكون في حق كل واحد من الذاكرين وجوب يتعلق بتمام الأجزاء والشرائط، ووجوب آخر بالإضافة إلى كل من الأفراد الناسين يتعلق الوجوب بغير منسيه من الأجزاء والشرائط حال العمل، حيث إن المفروض أن الواجب في حق كل من الذاكرين والناسين ارتباطي يتعلق ذلك الوجوب الواحد بتمام العمل الواجب في حقه ثبوتاً، وما ذكر الماتن (قدس سره) من الوجهين راجع إلى تصحيح مقام الإثبات وهو فرع إمكان ثبوت تكليف آخر للناسي ثبوتاً غير التكليف في حق الذاكر اللهم إلاّ أن يقال إنه يمكن أن يلاحظ الشارع الصلاة بتمام أجزائها وشرائطها ثم يوجبها كذلك على من يتمكن من الاتيان بها كذلك في كل جزء من أجزاء الوقت المضروب لوجوبها، وأما من يتمكن من الأجزاء الرئيسية كالأركان ولو في بعض الوقت فيجب عليه على نحو التخيير بين الإتيان بالصلاة بتمام أجزائها وشرائطها في وقت التمكن منها، وبين الإتيان بالأجزاء الرئيسة مع ما يتمكن منه من سائر الأجزاء حال عدم تمكنه من جميعها، وهذا العنوان يشمل الناسي أيضاً كسائر أفراد العاجز، غاية الأمر لا يكون الأمر بهذا العنوان داعياً للناسي إلى العمل إلاّ بنحو الخطأ في التطبيق بأن يرى الناسي نفسه أنه يأتي بالعمل بداعوية الأمر المتعلق بالصلاة بتمامها على المتمكن منها بتمامها، ولا يضر هذا التخلف والخطأ في صحة جعل الوجوب كما ذكر، حيث يمكن كونه داعياً لغير المتمكن إذا كان عدم تمكنه من غير ناحية النسيان، أو كان لنسيان نفس ما يطلق عليه الجزء أو الشرط، كما إذا نسي المكلف نفس السورة بعد الحمد مع التفاته بأن قرائتها جزء من الصلاة بحيث لو كان عنده المصحف وكان عارفاً بالكتابة لقرأها في المصحف في صلاته، وإنما لا يلتفت إلى نسيانه فيما كان منشأ تركه الجزء أو الشرط نسيان الجزئية أو الشرطية حال العمل أو بعده أيضاً، والمقدار المذكور من إمكان الداعوية في حق غير المتمكن كاف في جعل الوجوب التخييري المذكور، وإذا شك في كون الجزئية أو الشرطية في شيء مطلقة أو ساقطة حال النسيان عن الجزئية والشرطية، فمقتضى البراءة عن الوجوب التعييني المتعلق بالعمل الواجد به، مقتضاه جواز الاقتصار على المأتي به حال النسيان، وبتعبير آخر يدور الأمر في المقام بين كون التكليف تعيينياً أو تخييرياً، ومقتضى أصالة البراءة عدم التعيين، وبهذا يظهر أنه لا مجال في المقام لأصالة الاشتغال أو استصحاب بقاء التكليف بعد احتمال كون الوجوب في حق من يكون ناسياً للجزء أو الشرط في بعض الوقت تكليفاً تخييرياً، نعم لو لم يمكن التكليف التخييري فرضاً بل ثبوت الجزئية أو الشرطية لشيء ملازماً للاطلاق في الجزئية والشرطية كان مقتضى الأصل في عدم جعل المسقط للتكليف لزوم الإعادة في الوقت، فإن تركها يجب القضاء، بخلاف ما لم يتذكر إلاّ بعد خروج الوقت، وكان لفائته قضاء، حيث لا يجب القضاء لعدم إحراز فوت الواجب لكون ما أتى به حال النسيان مسقطاً ووافياً بالملاك، حيث إن الاستصحاب في عدم كونه مسقطاً لا يثبت الفوت الموضوع لوجوب القضاء.















في أن مقتضى أصالة البراءة عدم إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته







ينبغي التنبه في المقام لأمر وهو أن ما ذكرناه من أن مقتضى الأصل العملي فيما إذا شك في أصل جزئية شيء أو شرطيته أو فيما إذا شك في إطلاق الجزئية أو الشرطية يكون مقتضى الأصل هو عدم الاشتراط وعدم الجزئية أو عدم إطلاقهما يختص بأجزاء المأمور به وشرائطه، وأما إذا كان الشك في جزئية شيء أو شرطيته في المعاملة فلا مجرى لأصالة البراءة في شيء منها، بل يكون مقتضى الأصل بطلانها بدونه؛ لأنّ أدلة الإمضاء انحلالية يحرز ثبوت الإمضاء في المعاملة الواجدة لذلك القيد المحتمل وثبوت الإمضاء في غيره مشكوك، فالأصل عدمها بخلاف التكليف المتعلق بالكل أو المشروط، فإنّه مع ثبوت جزء أو شرط فيه يكون مقتضى حديث الرفع عدم الاحتياط فيه.















في الشك في مانعية الزيادة في الجزء والشرط







ذكر الماتن (قدس سره) أنه إذا شك في اعتبار عدم زيادة الجزء في متعلق الأمر سواء كان المحتمل أخذ عدم الزيادة في متعلق الأمر جزءاً أو شرطاً يكون المقام من صغريات دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر، ومقتضى حكم العقل بالاشتغال، وإن كان ترك الزيادة لإحراز سقوط التكليف المعلوم بالإجمال على ما تقدم من عدم انحلال العلم الإجمالي في دوران الأمر الواجب الارتباطي بينهما، إلاّ أن مقتضى حديث «رفع ما لا يعلمون» عدم لزوم الاحتياط بترك زيادة الجزء بل يجوز الاتيان بالمأمور به معها، وحيث إن في اعتبار عدم زيادة الجزء خفاء؛ لأنّ جزء متعلق الأمر إما أن يكون لا بشرط بالإضافة إلى زيادتها، أو يكون بشرط لا، ولو كان الجزء هو لا بشرط بالإضافة إلى زيادة نفسه فلا يكون تكراره من الزيادة، وإن تكراره وعدمه سيان بالإضافة إلى تحقق ذلك الجزء فلا يخل التكرار، وإن اُخذ بشرط لا بالإضافة إلى تكراره فمع التكرار لا يتحقق الجزء أصلاً، فيكون الإخلال بعدم تحقق الجزء ونقصه، فأوضح (قدس سره) بأن الجزء المأخوذ في متعلق الأمر يكون لا بشرط ومع ذلك يحتمل اعتبار عدم تكراره في نفس متعلّق الأمر النفسي بنحو لو حصل تكراره حصل جزئه، ولكن لا يحصل شرط متعلّق الأمر أو جزئه الآخر؛ لاحتمال اعتبار عدم تكراره في متعلق الأمر النفسي جزءاً أو شرطاً، ويترتب على جريان البراءة في ناحية احتمال اعتبار عدم زيادته بأحد النحوين جواز الاتيان بمتعلق الأمر النفسي مع تكراره، بل يصح العمل حتى فيما كان تكراره بقصد كون الزيادة جزءاً من العمل تشريعاً أو جهلاً قصوراً كان أو تقصيراً، أو مع عدم الالتفات والغفلة، نعم لو كان متعلق الأمر النفسي عبادة يحكم ببطلانها مع تلك الزيادة فيما إذا لم يكن الأمر النفسي داعياً له إلى العمل لولا تلك الزيادة، أما مطلقاً أو في صورة عدم دخل تلك الزيادة في متعلق الأمر النفسي واقعاً، وأما لو فرض دخل تلك الزيادة في متعلق الأمر واقعاً فرضاً فتصح تلك العبادة لعدم قصور في الامتثال في هذا الفرض، فقوله (قدس سره): «لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة» تعليل لصحة عبادته لو اتفق اعتبار تلك الزيادة واقعاً المفهوم من قوله: «أو في صورة عدم دخله» واقعاً فيكون المحتصل من كلامه انه لو كان متعلق الأمر عبادة وكرر فيها الجزء ولم يقصد الامتثال إلاّ على فرض تعلق الأمر بها، كما أتى بها من زيادة الجزء تشريعاً أو جهلاً أو قصوراً يكون العمل المزبور محكوماً بالبطلان إما مطلقا أي سواء كان الأمر النفسي في الواقع كما قصده أم لا، أو يختص البطلان بما إذا كان الأمر النفسي في الواقع متعلقاً بالمركب بنحو اللابشرط بالإضافة إلى تلك الزيادة، ووجه البطلان في هذه الصورة أن الأمر النفسي الواقعي لم يقصد امتثاله، وما قصد امتثاله من الأمر غير ثابت في الواقع. ويعبّر عن قصده كذلك بتقييد الامتثال، وأما الصحة فيما كان الأمر الواقعي متعلقاً بالمركب مع تلك الزيادة فلعدم قصور في قصد امتثاله، نعم مع عدم العلم بأخذ الزيادة في متعلق الأمر كذلك وجب إعادة العمل بغير زيادة قصد الجزئية لإحراز امتثال التكليف.







أقول: صحة العمل مع اتفاق اعتبار الزيادة واقعاً في متعلق الأمر النفسي تنحصر بما إذا كان حين العمل معتقداً باعتبارها، وأما مع التشريع وجهله باعتبارها حال العمل فيحكم ببطلانها، لعدم قصد التقرب بعدم الحسن الفاعلي في العمل فإنه لا يتحقق مع التشريع في أصل العمل، والحاصل إذا أتى المكلّف بالعبادة بزيادة الجزء وكان قصده موافقة الأمر المتعلق بالمأتي به خاصة مع جزمه أو جهله حال العمل بأن المأتي به زائد عن متعلق الأمر النفسي المتعلق بالعبادة لا يحصل التقرب المعتبر في صحة العمل عبادة، حتى لو فرض تصادف بنائه الواقع بكون الزائد جزءاً أيضاً، فإن القصور في الامتثال لأجل عدم كون العمل بداعوية الأمر بها شرعاً، بل الإتيان بها وقع بداعوية الأمر البنائي المفروض كونه بنحو التشريع، ولا فرق في عدم جواز التشريع والافتراء بين كون ما نسبه إلى الشارع مع عدم علمه به أو مع اعتقاده بعدمه حقاً أو باطلا والمعيار هو النسبة بغير علم.















في مبطلية الزيادة في الصلاة ونحوها















[2] مراده (قدس سره) أنه إذا زاد المكلّف في المأتي به جزءاً، ولكن كان قصده امتثال الأمر المتعلق بالعبادة واقعاً ولكن بنى أنه ينطبق على المأتي به بتمامه فيحكم بصحة العمل؛ لأنّ الداعي إلى الإتيان هو الأمر النفسي الواقعي، غاية الأمر أنه غير خال من التشريع في تطبيق متعلق ذلك الأمر النفسي على المأتي به، والتشريع في التطبيق وإن كان غير جائز، إلاّ أنّه لا يوجب بطلان أصل العبادة التي أتى بها بداعوية الأمر الشرعي الواقعي المتعلق بها، أقول: هذا إذا لم يكن عدم زيادة الجزء مأخوذاً في العبادة، وإلاّ يحكم بفسادها ثم لا يخفى أن المركب المفروض في المقام اعتباري فيكون زيادة شيء فيها بعنوان زيادة الجزء بقصد الجزئية فقط، ولو تكرّر الجزء من المركب لا بقصد الجزئية من ذلك العمل، بل بقصد كونه عملا آخر فلا يكون ذلك من زيادة الجزء، وكذا ما إذا كان الزائد من غير جنس الأجزاء، نعم ربما يرد التعبد بكون نفس الإتيان بشيء عند الاشتغال بالمركب زيادة فيه حتى ما لم يقصد كونه جزءاً، كما في السجود لقراءة آية العزيمة أو لاستماعها، حيث ورد أن سجودها أثناء الصلاة زيادة في الفريضة ويتعدى منه إلى الركوع أيضا، فإنه إذا كان السجود لا للصلاة زيادة، فلا يحتمل أن يكون الأمر في الركوع على خلاف ذلك، ويترتب على ذلك عدم جواز إقحام صلاة في صلاة، ولكن هذا خارج عن زيادة الجزء، فإن الكلام في المقام في زيادة الجزء في الصلاة وغيرها مع الإغماض عن نظير التعبد في السجود والركوع، وعلى ذلك فلا ينحصر احتمال مانعية الجزء على ما ذكر الماتن من إمكان كون شيء جزءاً للواجب لا بشرط، ومع ذلك يمكن أخذ عدم تكراره شرطاً أو جزءاً لنفس المركب، بل يمكن كون شيء بصرف وجوده جزءاً للمركب ويكون المركب أيضاً لا بشرط بالإضافة إلى تكراره، ولكن إذا كان تكراره بقصد كون المكرر أيضاً جزءاً من المركب تصدق على تكراره كذلك زيادة الجزء، ومثلها ما لو كان الزائد من غير جنس الأجزاء وقصد كونه من الأجزاء، وعلى ذلك كلما صح العمل من جهة قصد التقرب المعتبر فيه ولم يؤخذ عدم الزيادة أو عدم التكرار قيداً للعمل يحكم بصحته، بخلاف ما إذا أخذ عدم الزيادة قيداً كما في الصلاة والطواف ونحوهما، فإنه يحكم بالبطلان على تفصيل مذكور في الفقه، وملخصه على نحو الإجمال أنه لا ينبغي التأمل في أن الزيادة عمداً إذا كانت قبل إتمام الصلاة توجب بطلانها مطلقاً، سواء كان الزائد من الأركان أو من غيرها، مع كون غير الأركان بقصد كونه جزءاً من الصلاة أخذاً بقوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1) فإن هذا كأدلّة سائر الأجزاء والشرائط والموانع ناظر إلى بيان مانعية الزيادة، بخلاف حديث لا تعاد فإنه ناظر إلى تحديد اعتبار الأجزاء من حيث الجزئية وشرطية الشرائط ومانعية الموانع، ولكن الحديث لا يشمل صورة الإخلال بالجزء والشرط والمانع عمداً؛ لأنّ العامد حين العمل مكلف بالإتيان بالعمل وترك الزيادة وعدم الإخلال في العمل، وكذا لا يشمل صورة الإخلال بالجزء أو الشرط أو المانع حال العمل مع جهله تقصيراً، فإنه لو أخذ بحديث «لا تعاد» في صورة الجهل تقصيراً يلزم حمل أدلة الأجزاء والشرائط مما يكون لسانها إيجاب الإعادة مع الإخلال على صورة الإخلال مع العلم والعمد، وهذا من قبيل حمل تلك الخطابات على الفرد النادر من مدلولاتها وعلى ذلك فالداخل في مدلول حديث لا تعاد صورة الإخلال عن نسيان أو عن جهل قصوراً ونحوهما، ومقتضاه أن الإخلال كذلك لا يوجب بطلان الصلاة في غير الأركان ويوجبه إذا كان الإخلال بها سواء كان الإخلال بالزيادة أو بالنقيصة وعدم تصوير الزيادة في بعض المذكورات في المستثنى لا يوجب اختصاص الحكم في المستثنى والمستثنى منه بصورة الإخلال بالنقيصة، ونظائر ذلك في الخطابات كثيرة، ثم حديث «لا تعاد» حاكم على تمام ما دل على اعتبار شيء في الصلاة جزءاً أو شرطاً أو مانعاً حتى بالإضافة إلى قوله (عليه السلام) «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» ومقتضى حكومته عليه أن الزيادة إذا كانت في مثل الركوع والسجدتين معاً تبطل الصلاة حتى فيما كانت الزيادة سهوياً، وأما في غيرهما مما يدخل تحت المستثنى فلا تبطل الصلاة فيما كانت الزيادة عن عذر وغفلة فلا تلاحظ النسبة بين الحديث وقوله (عليه السلام)من زاد في صلاته فعليه الإعادة، أو من استيقن أنه زاد في صلاته فعليه الإعادة؛ لأنّ حديث «لا تعاد» حاكم بالإضافة إليهما.







لا يقال: قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الاعادة»، أو من استيقن انه زاد في صلاته فعليه الاعادة، مع حديث «لا تعاد» بلسان واحد واختلافهما بالنفي والإثبات فكيف يكون حديث «لا تعاد» حاكماً عليهما.







فإنه يقال: الأمر بالإعادة قد يقع في بيان أصل الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وربما يقع أو ينفي الإعادة بعد فرض ثبوت أصل الجزئية والشرطية والمانعية فيكون حاكماً على ما ورد في مقام بيان أصل الجزئية والشرطية والمانعية، فيفيد الأمر بالإعادة إطلاقها ونفي الإعادة انحصار الجزئية والشرطية والمانعية بغير صورة نفي الإعادة كما هو الحال بالإضافة إلى حديث «لا تعاد».















(1). وسائل الشيعة 8:231، الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.































ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة[1] وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى.







الرابع: أنّه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة، ودار الأمر بين أن يكون جزءاً أو شرطاً مطلقاً[2]، ولو في حال العجز عنه.







لا يقال: نعم، ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلاّ في حال التمكن منه[3].







نعم ربما يقال: بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضاً[4].







كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله (صلّى الله عليه وآله): «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»[5].







تذنيب: لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين[6].















التمسك باستصحاب الصحة عند الشك في مانعية الزيادة















[1] ذكر الشيخ (قدس سره) أنه قد يتمسك في إثبات عدم مانعية زيادة الجزء في المركب سواءً كان الزائد من مثل أجزائه أو غيرها بالاستصحاب في صحة الأجزاء السابقة بعد تحقق الزائد، وردّه بأن المستصحب إن كان الصحة الفعليّة فهذه لا يحصل إلاّ بعد الإتيان بمتعلق الأمر بتمامه، ومع الإتيان ببعضه لم تكن حاصلاً حتى يستصحب بعد الإتيان بما يحتمل كونه زيادة مانعة، وإن كان المستصحب صحة الأجزاء السابقة بمعنى كونها موافقة للأمر الغيري أو الضمني المتعلق بها المعبر عن ذلك بالصحة التأهليّة والشأنيّة، وهي كون الأجزاء بحيث لو انضم إليها سائر الأجزاء بشرائطها حصل متعلّق التكليف، فهذه الصحة مقطوع بقاؤها، ولكن لا يفيد العلم ببقائها حصول سائر الأجزاء بشرائطها التي يحتمل كون عدم الزيادة منها، واستشكل العراقي (قدس سره) بأن ما ذكر من عدم الحالة السابقة للصحة الفعلية مبني على كون تلك الصحة تحدث دفعة بحصول الجزء الأخير من المركّب، وأما إذا كان حصولها كحصول المركّب تدريجياً في مراتبها بحيث تحصل مرتبتها الأخيرة بتمام العمل، فحصولها ببعض مراتبها كاف في استصحابها نظير الاستصحاب في بقاء سائر الاُمور التدريجية.







و مما ذكر يظهر أنه لو كان المراد من الصحة موافقة الأمر فهي أيضاً قابلة للاستصحاب؛ لأنّ موافقة الأمر بالكلّ وإن تحصل تمامها بتمام العمل، إلاّ أن الإتيان بالمركب تدريجي فتكون موافقة الأمر بها تدريجياً وتكون فعلية الأمر بالجزء اللاحق عند الفراغ عن الجزء السابق، وعلى ذلك يشك في بقاء تلك الموافقة الفعلية التي كانت قبل الإتيان بالزيادة المحتملة مانعيتها، أقول: لا يخفى ما فيه، فإنه قد تقدم في تصوير زيادة الجزء واعتبار عدمها، بأن زيادته ومانعيتها بأخذ عدمها في المركب الذي هو عين الأجزاء خارجاً، فعدمه على تقدير اعتبار عدم زيادته مأخوذ في ناحية الأجزاء بأسرها، وعليه فلا يمكن إثبات صحة المركب مع تلك الزيادة المحتملة اعتبار عدمها بالاستصحاب في صحة الأجزاء السابقة؛ لأنّ المتيقن حصوله بالإتيان ببعض الأجزاء هي الصحة المهملة أي المردّدة بين كونها صحة فعلية كما إذا لم تكن عدم زيادة الجزء مأخوذاً في المركب أو تعليقية، كما إذا كان عدم تلك الزيادة قيداً للمركب المفروض كونه عين الأجزاء السابقة مع اللاحقة، والاستصحاب في الصحة المهملة لا يفيد الموافقة الفعلية اللازم إحرازها عقلا بعد تنجز التكليف، نعم لو جرت أصالة البراءة في ناحية عدم تعلّق التكليف بالمركب المأخوذ فيه عدم الزيادة تحرز الموافقة الفعلية اللازمة بعد بيان الشارع عدم لزوم الاحتياط من ناحية احتمال اعتبار عدم الزيادة، كما هو مفاد حديث الرفع عند دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر ومع إحرازها لا موضوع للاستصحاب ولا حاجة إليه.







والعجب أنه (قدس سره) أورد على نفسه بأن الصحة بالمعنى المذكور غير داخل في الحكم الشرعي، بل حكم عقلي فكيف يستصحب؟ وأجاب بأن الصحة قابلة للتعبد حيث إن منشأها أمر الشارع وتكليفه، ووجه العجب أنه إذا كان المنشأ أمر الشارع وتكليفه وجرى الأصل في نفس التكليف يعنى تعلقه بالأكثر فلا يبقى في الناشئ عنه شك، ليكون مورد الاستصحاب.







وقد يقال: في المقام أنه لو أتى المكلّف بالزيادة المحتمل مانعيتها أو ترك المشكوك في شرطيته، يكون مقتضى العلم الإجمالي بوجوب إتمام المأتي به أو وجوب إعادته الجمع بين الاتمام والإعادة؛ لأنّ هذا العلم الإجمالي متعلق بالمتباينين لا بوجوب الأقل أو الأكثر، ولكن هذا أيضاً غير صحيح؛ لأنه لا يحرم القطع في غير صلاة الفريضة من الواجبات، وليس الكلام في المقام منحصراً على صلاة الفريضة، وثانياً: أن مقتضى جريان البراءة في التكليف بالأكثر ينفي العقاب على ترك الأكثر، فكيف يجب إعادة العمل مع أن المكلف لا يعاقب على تركه من ناحية الجزء أو القيد المحتمل.















التمسك باستصحاب الصحة في موارد الشك في القاطعية







إن الشيخ (قدس سره) فصل في استصحاب الصحة بين موارد الشك في مانعية الشيء، وموارد الشك في القاطعية، إذ إن التعبير عن وقوع شيء أثناء العمل بالقاطعية ظاهره اعتبار الهيئة الاتصالية بين أجزائه كما في القهقهة أثناء الصلاة، أو البكاء لاُمور الدنيا، إذ بوقوع أحدهما أثناء الصلاة تنقطع الهيئة الاتصالية المعتبرة بين أجزائها كالفصل الطويل بين أجزائها التي تنتفي به تلك الهيئة الاتصالية وجداناً، ففيما شك في كون شيء قاطعاً للعمل ومزيلا لتلك الهيئة المعتبرة فلا بأس بالاستصحاب في بقائها، حيث يمكن أن تخرج الأجزاء السابقة بحصول ذلك الشيء عن قابليتها للحوق الأجزاء اللاحقة، وهذا بخلاف موارد الشك في مانعية الشيء، فإن الاستصحاب في بقاء صحة الأجزاء السابقة لا يفيد شيئاً في إحراز الصحة الفعلية، أقول: لا يخفى ما فيه فإن كون شيء قاطعاً أو مانعاً في الحقيقة اختلاف في التعبير وإلاّ لا يكون الشيء مبطلا للعمل إلاّ ويؤخذ عدمه فيه عند الأمر به، وإلاّ كيف يكون الشيء قاطعاً مع عدم أخذ عدمه فيه، أو اعتبار المولاة بين أجزائه. وعليه فلو جرت أصالة البراءة عن تعلق الأمر بالأكثر يعنى بما هو مقيد بعدم المشكوك فلا يبقى شك في إجزاء المأتي به ولو كان هو الأقل فتدبر.















لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة















[2] قد تقدم أن الشك في إطلاق جزئية الجزء أو إطلاق شرطية الشرط يلاحظ تارة بالإضافة إلى حال الذكر والنسيان واُخرى بالإضافة إلى حال التمكن منهما وحال العجز منهما، وإذا علم جزئية الشيء أو شرطيته لمتعلق الأمر ودار بين كونه جزءاً أو شرطاً حتى في حال عدم التمكن منه بأن يكون الأمر بالكل أو المشروط ساقطاً مع عدم التمكن منه من غير أن يتعلق بالباقي أو ذات المشروط وجوب، وبين كونه جزءاً أو شرطاً حال التمكن منه ومقتضاه تعلق الأمر مع عدم التمكن منه بالباقي أو بنفس المشروط، فإن وصلت النوبة إلى الأصل العملي، كما إذا لم يكن للخطاب الدالّ على اعتباره جزءاً أو شرطاً إطلاق يقتضي اعتباره مطلقاً، ولم يكن أيضاً في ناحية الأمر بذلك المركب أو المشروط إطلاق يقتضي عدم اعتبار المشكوك جزءاً أو شرطاً فيه، حيث إنه لو كان لدليل اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق يقتضي عدم تحقق المركب أو نفس المشروط بدونه يؤخذ به، ويحكم بسقوط الأمر النفسي مع عدم التمكن منه، فإن تقديم خطاب الجزء على إطلاق خطاب الأمر النفسي من قبيل رفع اليد عن إطلاق المتعلق بالخطاب الدالّ على القيد له، هذا مع الإطلاق في الخطاب الدال على الأمر النفسي، ومع عدم الإطلاق له بأن يكون مجملا كما في الأمر بالعبادات على القول الصحيحي أو مهملا كما في أكثر خطاباتها بناءً على الأعمي، فالأمر أوضح، وكذا إذا لم يكن في الدليل الدالّ على جزئية الشيء أو شرطيته إطلاق، وكان في ناحية الخطاب الدال على الأمر النفسي بالمركب إطلاق، حيث يدفع به اعتبار جزئية غير المقدور أو شرطيته عند الاضطرار إلى تركه فيثبت بالإطلاق المزبور الأمر بالباقي وذات المشروط، وإذا لم يكن إطلاق في شيء من ناحية الأمر النفسي بالمركب ولا من ناحية الدليل الدال على الجزئية أو شرطية الشيء له، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي تجري أصالة البراءة عن وجوب الباقي، وذات المشروط هذا مع استيعاب العجز جميع الوقت، ولا يقاس المقام بدوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين، حيث تقدم في دوران الأمر بينهما جريان البراءة عن وجوب الأكثر من غير معارضتها بالبراءة عن وجوب الأقل، وذلك فإن التكليف في تلك المسألة كان معلوماً بالإجمال، بخلاف هذه المسألة حيث يحتمل عدم التكليف رأساً بعد تعذر الجزء أو الشرط، نعم إذا كان العجز غير مستوعب للوقت فيبقى الأمر بالكل والمشروط بحاله لتمكن المكلف من صرف وجوده ولو في آخر الوقت، نعم لو لو يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاق بحيث يحتمل إجزاء الفاقد للجزء أو الشرط في فترة عدم التمكن بأن يسقط اعتبار الجزء أو الشرط المتعذر في تلك الفترة، فيدور الأمر بين كون الواجب التام تعيينياً إلى آخر الوقت أو تخييرياً في تلك الفترة بين الناقص فيها وبين الاتيان بالتام في غيرها ولو في آخر الوقت، وقد تقدم أن مقتضى البراءة عن الوجوب التعييني كفاية الفاقد.















[3] لا يخفى أنه لا مجال في المقام لهذا الكلام، حيث إنه مع استيعاب عدم التمكن من الجزء أو الشرط لا علم بثبوت أصل التكليف في الوقت، بخلاف مسألة دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين، ومع عدم إحراز أصل التكليف يرجع فيه إلى البراءة، ومع عدم استيعاب عدم التمكن لجميع الوقت يكون أصل التكليف محرزاً فتجري البراءة عن وجوب الأكثر تعيينياً، ونتيجة ذلك كفاية الفاقد في فترة عدم التمكن من الجزء أو الشرط على ما تقدم.







وما ذكر الماتن في المقام من أنه لا مجال في المقام للرجوع إلى رفع الجزئية والشرطية إلاّ في حال التمكن منه؛ لأنه ورد في مقام الامتنان فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته لا يخفى ما فيه، فإن حديث الرفع لا يثبت التكليف في موارد الشك حتى مع قطع النظر عن كونه وارداً مقام الامتثال، سواء كان المراد فقرة «رفع ما لا يعلمون» أو فقرة «ما اضطروا إليه» أما فقرة «ما لا يعلمون» فان «ما لا يعلمون» مع استيعاب عدم التمكن نفس التكليف بالباقي، ومع عدم الاستيعاب أصل التكليف معلوم بالوجدان، وبتعبير آخر الرفع فيما لا يعلمون رفع ظاهري في مقابل الوضع الظاهري والرفع الظاهري لجزئية المشكوك عبارة عن عدم إيجاب الاحتياط فيه، ونفيه فرع ثبوت أصل التكليف، وأما فقرة رفع الاضطرار فهو رفع واقعي إذا كان الاضطرار مستوعباً لجميع الوقت ويكون مقتضاه انتفاء أصل الأمر بالكل، والأمر بالباقي يحتاج إلى الدليل، ومع عدم استيعاب الاضطرار لا تجري فقرة رفع الاضطرار أصلاً كما لا يخفى.















[4] يمكن أن يراد من بعض الصور ما إذا كان المكلف متمكناً على التام في الأول ثم طرأ العجز عن بعض الأجزاء مما يشك في جزئيته مطلقاً أو في خصوص حال التمكن، بأن يقال في الفرض: إن كل واحد من الأجزاء كان على الوجوب الضمني قبل طرو العجز، ويحتمل بقاء كل منها على الوجوب الضمني أيضاً لعدم إطلاق لما دل على جزئية المتعذر حال تعذره، وفيه أن الوجوب الضمني الثابت لكل منها في الأول متيقن الارتفاع بارتفاع الوجوب المتعلق بالكل المتعذر بعض اجزائه ولو ثبت بعده وجوب ضمني لكل من الأجزاء المقدورة، كان هذا في ضمن وجوب استقلالي متعلق بالباقي الميسور من الكل، فيدخل الاستصحاب في الوجوب الضمني لكل منها في الاستصحاب الكلي من القسم الثالث، حيث إن المستصحب طبيعي الوجوب الضمني لكل من الأجزاء لا شخص الوجوب الضمني الثابت في الأول فإنه مقطوع الارتفاع، أضف إلى ذلك أن الاستصحاب المذكور من الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولا اعتبار به على ما تقرر في محله.







ومما ذكرنا يظهر الحال في الاستصحاب في الوجوب الاستقلالي الثابت سابقاً، حيث يقال: يحتمل بقاؤه ولو لتعلق الوجوب بقاءً بالباقي، ووجه الظهور أن المستصحب وهو طبيعي الوجوب الاستقلالي والفرد المتيقن السابق قد ارتفع بتعذر الجزء، ويشك في حدوث فرد آخر عند طرو العجز على بعض الأجزاء، ويحتمل أن يكون المراد من بعض الصور طرو العجز بالجزء أو الشرط بحيث لم يكن التعذر مقوماً للعنوان المتعلق به الوجوب عرفاً، بأن يصح أن يقال بنظرهم الوجوب مع بقائه هو نفس ذلك الوجوب ونفس ذلك الواجب، فيكون الاستصحاب في الشخص حيث يتسامح العرف في تعيين الموضوع.







أقول: يمكن أن يقال مع الغمض عن كون الاستصحاب في الشبهة الحكمية إن تسامح العرف محرز في ناحية الموضوع لا في ناحية متعلق التكليف، مثلاً إذا حكم الشارع على الماء الكر المتغير بالنجاسة، فالعرف يرى أن الموضوع للنجاسة نفس الماء وأن تغيره سبب للحكم عليه بالنجاسة، وبعد زوال التغير من قبل نفسه يشك في بقاء تلك النجاسة الثابتة من قبل، بخلاف المتعلق فهو يرى متعلق الطلب السابق من المأمور به الاختياري، والمطلوب عند الاضطرار المأمور به الاضطراري، وأن متعلق تكليف المتمكن غير متعلق تكليف العاجز، وهذا بناءً على أن الصلاة أو نحوها عنوان للمركب أو المشروط ظاهر، وأما بناءً على أنها بسائط ينطبق عليها بلحاظ الأثر وتختلف مصاديق ذلك العنوان بحسب الحالات فإنه وإن يمكن الاستصحاب في وجوبها، إلاّ أنه لا يثبت اعتبار الفاقد مصداقاً، بل عدم اعتباره مصداقاً يكون حاكماً، ولا أقل من كونه معارضاً في الاستصحاب في وجوبها.







ثم إنه كما ذكرنا يختص هذا الاستصحاب في ناحية التكليف بما إذا كان المكلف متمكناً من التام في أول الوقت، وأما إذا كان التعذر مقارناً لدخول الوقت أو قبله فلا مورد للاستصحاب أيضاً، ولكن المحكي عن النائيني (قدس سره) الالتزام بجريان الاستصحاب، ولو كان العجز عن الأول بدعوى أن جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية غير موقوف على فعلية الموضوع خارجاً، فإن إجرائه في الشبهات الحكمية وظيفة المجتهد، ومن ثم يتمسك الفقيه بالاستصحاب في حرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل اغتسالها، وفيه أن الاستصحاب في الشبهات الحكمية يتوقف على فرض فعليتها قبل زمان الشك حتى يجري الاستصحاب فيه بلحاظ ذلك الزمان، وكون الاستصحاب في الشبهة الحكمية وظيفة المجتهد لا ينافي أن يفرض الفعلية في التكليف المتوجه إلى الغير حتى يمكن الاستصحاب في ذلك التكليف في حقه، نعم في موارد الشك في بقاء جعل الحكم لاحتمال فسخه لا يحتاج إلى فرض الفعلية في الحكم المجعول، ولكن هذا أجنبي عن مورد الكلام فإن المقام عند الشك في كون جزئية شيء أو شرطيته مطلقة، أم أنها مختصة بحال التمكن.















في قاعدة الميسور















[5] كان ما تقدم بحسب الأصل العملي عند الشك في إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته أو اختصاصهما بحال التمكن منه، ولكن قد يقال في البين بعض الروايات يستفاد منها قاعدة كلية، وهي انتقال الوظيفة إلى الإتيان بالمقدار المتمكن من الواجب في أي مورد فيما إذا عد ذلك المقدار ميسوراً فيؤخذ بتلك القاعدة، إلاّ إذا قام الدليل في مورد على خلافها، ويعبّر عن تلك القاعدة بقاعدة الميسور، ويذكر في المدرك لها ثلاث روايات، الاُولى: ما روى عن أبي هريرة بطرق العامة قال: «خطبنا رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)فقال أيها الناس إن اللّه عزّ وجلّ قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول اللّه؟ فسكت (صلّى الله عليه وآله) حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله): لو قلت نعم لوجب، ولما استطعتم ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»(1)، ونقل في المتن ما يختلف عما نقلناه في الجملة، وكيف كان فالرواية ضعيفة سنداً، وقد تصدى بعض لإثبات أن الراوي من المتعمدين في الكذب على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) وقد نقل هذه الرواية عن كتاب عوالي اللآلي، وقد ناقش فيه وفي مؤلفه من ليس عادته القدح في كتب الاخبار كصاحب الحدائق (قدس سره)فلا مجال في المقام لدعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب، فإنه كما ياتي لم يعلم عمل بعض الأصحاب بها فضلاً عن عمل المشهور.







لا يحتاج إلى الرواية، بل هو مما يستقل به العقل في مقام الامتثال ولا يرتبط بقاعدة أضف إلى ذلك أنها في صحيح النسائي مروية بوجه آخر، وهو قوله (صلّى الله عليه وآله): «فإذا أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ولفظة (ما) بحسب هذا النقل زمانية فيكون مدلولها كون المكلف مأخوذاً بالأمر بالشيء زمان تمكّنه منه، ومع الإغماض عن ذلك وسندها لا دلالة لها على قاعدة الميسور، لا لأن لفظة (من) بمعنى الباء أو بيانية كما قيل، فإن ظهورها حيث ما تطلق في كونها تبعيضية مما لا ينكر، ولكن يقال كون التبعيض بحسب الأجزاء غير ظاهر، بل الظاهر بمناسبة المورد كونه بحسب الأفراد، فمدلولها أن الحكم الثابت للعام والطبيعي لا يسقط بعدم التمكن من سائر الأفراد، بل يبقى مع التمكن في بعض أفراده بحاله، وهذا الميسور، ولكن لا يخفى كما أن التبعيض بحسب الأجزاء لا يناسب مورد الخبر كذلك التبعيض بحسب الأفراد، فإنه لا يجب الحج إلاّ مرة واحدة حتى فيما إذا كان المكلف مستطيعاً في السنوات المتوالية، بل الظاهر من الخبر على تقدير صحتة كون المراد بالاستطاعة ما يتحمله نوع الناس كلفة التكليف بنحو لا يكون شاقاً لنوعهم بقرينة قوله «ولو قلت نعم لوجب»، و«ما استطعتم» فإنه لو كان بمعنى العجز فكيف يجب على مكلف يعجز عن الإتيان بمتعلق التكليف، وحاصل معنى الخبر إذا أمرتكم بشيء يجب منه، أي بحسب وجوداته ما يتحمله نوع الناس، وحدد ذلك في الحج بالمرة الواحدة طول زمان التكليف.















الاستدلال لقاعدة الميسور بحديث الميسور لا يسقط بالمعسور







الثانية: ما رواه في غوالي اللآلي أيضاً، وهو قوله على ما في الرواية: الميسور لا يسقط بالمعسور(2)، وقد اورد على الاستدلال بذلك بوجهين، الأول: أنه يمكن أن يكون المراد بالميسور، الميسور من أفراد العام بمعنى أن عدم التمكن من امتثال التكليف في بعض أفراد العام وسقوطه عن المكلف فيه لا يوجب السقوط فيما يتمكن فيه من الامتثال من سائر الأفراد فلا موجب لحمل الميسور على الميسور من أجزاء المركب بأن يكون مفاده تعلق التكليف بسائر الأجزاء المقدورة.







الوجه الثاني، من الاشكال هو أنه لو كان المراد الميسور من أجزاء المركب وشرائطه فلابد من الالتزام بعدم كون الحكم المستفاد من الحديث حكماً إلزامياً، بل مدلوله كون الإتيان بالمقدار الميسور أولى، حيث إنه لا يمكن الالتزام مع شمول الحديث للمستحبات أن الاتيان بالميسور منها واجب أو يقيد الميسور والمعسور فيه بالواجبات فلا يبقى فيه دلالة على جريان القاعدة في المستحبات، ويدفع هذا الإشكال بأن المراد من عدم السقوط ليس وجوب الميسور، بل المراد عدم سقوطه عن حكمه السابق، فإن كان في السابق واجباً لا يسقط ميسوره عن الوجوب، وإن كان مستحباً يستحب الإتيان بميسوره، فالالتزام بأن الحديث ناظر إلى المركب والمشروط الذي عسر الاتيان بجميع أجزائه وشرائطه لا يوجب الالتزام بشيء من الأمرين كما هو الحال في المراد من نفي الضرر، حيث إن المنفي فيه الحكم السابق في الفعل لولا الضرر من تكليف أو وضع.







وأما الوجه الأول، من الإشكال فيجاب عنه بأنه إن حمل الحديث على تعذر بعض الموافقة في بعض أفراد العام، وأن التكليف لا يسقط في أفراده الميسورة يكون مدلوله حكماً إرشادياً محضاً، حيث لا حاجة في إثبات بقاءالتكليف في الأفراد الميسورة إلى خطاب شرعي، بخلاف ما إذا كان المراد هو الميسور من المركب الاعتباري يعنى الكل، فإن لزوم الإتيان بالباقي في الواجبات واستحبابه في المستحبات يحتاج إلى قيام الدليل عليه، وإذا دار أمر الخطاب الصادر عن المعصوم كونه إرشاداً إلى حكم العقل أو بياناً للحكم الشرعي يحمل على الثاني، وقد يورد على ذلك بأن الحمل على المولوية ينحصر على موارد العلم بالمراد من المتعلق، ودوران الأمر بين كون طلبه حكماً شرعياً أو إرشادياً كالروايات الواردة في الأمر والترغيب في أكل بعض الثمار وشرب بعض المائعات، وأما إذا لم يعلم المراد من المتعلق ودار الأمر بين أن يراد منه شيء قابل للطلب المولوي أو ما يقبل الإرشاد فقط فلم يثبت ظهور الخطاب في كون المراد ما هو قابل للطلب المولوي.







أقول: الميسور من الشيء يعم الميسور من أفراد العام، والأجزاء الميسورة من المركب الاعتباري وظهور الطلب في المولوي إن كان مقتضاه اختصاص الحديث بمورد الكل الاعتباري وأنه لا يسقط ميسوره بتعسّر معسوره فهو، وإلا يلتزم بعموم الطلب حتى بالإضافة إلى موارد العام الاستغراقي، غاية الأمر يكون الطلب بالإضافة إلى موارد تعسّر بعض أجزاء المركب حكماً مولوياً وبالاضافة إلى موارد تعذر بعض أفراد العام إرشادياً، نظير ما ذكرنا في (أوفوا بالعقود) وأنه بالإضافة إلى مثل البيع إرشاد إلى لزومه، وبالإضافة إلى العهد والنذر تكليف، فإن المستعمل فيه في كل منهما شيء واحد، واختلاف التكليف عن الإرشاد إنما هو في الغرض الداعي إلى البعث الاعتباري، ونظير ذلك في الأمر بالوفاء بالشرط فإنه بالإضافة إلى موارد شرط الفعل تكليف، وبالإضافة إلى شرط الخيار إمضاء، ثم إن متعلق السقوط لا يكون حكم الفعل لولا تعذر بعض أجزائه ليقال بأن الالتزام بالتقدير أو العناية في الإسناد خلاف الظاهر، ومع سقوط الوجوب النفسي عن الكل المعسور يكون الثابت للميسور حكماً جديداً لم يكن له ثبوت سابقاً، ولا المراد بعد سقوطه عن عهدة المكلف بتعذر الكل، بل المراد عدم سقوط الميسور من الكل عن مقام الجعل في فرض تعذر الكل، فيجري هذا المفاد في الواجبات والمستحبات بخلاف كون المراد عدم السقوط عن عهدة المكلف فإنه معه يختص مدلوله بالواجبات ولا يجري في المستحبات، حيث لا يكون المستحب على عهدة المكلف، ولا يخفى أن صدق الميسور من الشيء ومطلوبيته عند تعذر الكل لحصول الملاك فيه ولو ببعض مراتبه، وإذا قام دليل في مورد على عدم مطلوبية ميسور الشيء فيه يعلم أن الميسور فاقد للملاك، كما أنه إذا أمر الشارع ببعض العمل مع عدم صدق أنه ميسور عرفاً يعلم بحصول الملاك فيه ببعض مراتبه فيكون الأمر في الثاني، وبيان عدم مطلوبية الباقي في الأول من التخطئة لنظر العرف، وذلك فإنه إذا كان الحكم في الحديث متعلقاً على الميسور الشرعي لكان مدلوله مجملاً بالإضافة إلى موارد الكل والجزء، فما في كلام الماتن من التردد بين التخطئة والتخصيص لا وجه له، وفي غير ذلك يؤخذ بالإطلاق، ولكن هذا كله مع الغمض عن ضعف السند فيه، وفيما رواه أيضاً في كتاب «غوالي اللآلي» من قوله: ما لا يدرك كله لا يترك كله(3)، ولا يبعد ظهور هذا في الإرشاد إلى نظير موارد العام الاستغراقي وموارد العلم بمطلوبية الفعل بجميع مراتبه كما يأخذون في العرف بالكلام المزبور في نظير هذه الموارد دون موارد، مثل المعجون الذي لا يدرك تمام ما هو معتبر فيه في معالجة الأمراض كما لا يخفى.















في دوران الأمر بين جزئية الشيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته















[6] إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لا يدخل الفرض في دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر ولا في دوران أمر التكليف بين المحذورين، بل يكون من موارد تردد الواجب بين المتباينين، كما إذا دار أمر المكلف بين كون الصلاة الواجبة عليه جهراً أو صلاة إخفاتية أو كونه مكلفاً بالصلاة عارياً أو في ثوب نجس، وعدم كونه من قبيل تردد الواجب بين الأقل والأكثر ظاهر، فإن متعلق التكليف في موارد تردده بين الأقل والأكثر مردد بين كونه الأقل بنحو اللابشرط أو الأقل بشرط، وفي مفروض الكلام أمر الواجب مردّد بين كونه بشرط بالإضافة إلى شيء أو بنحو بشرط لا بالإضافة إليه، نظير دوران أمر الصلاة الواجبة بين كونها قصراً أو تماماً، وأما عدم كونه من قبيل دوران الأمر بين المحذورين، فلأن الجهر في القراءة أو لبس الثوب النجس وإن يكن أمره مردداً بين كونه شرطاً أو مانعاً إلاّ أنه ليس بمتعلق التكليف، وإنما يتعلق التكليف بالصلاة المقيدة بالجهر أو المقيدة بعدمه، وكذا متعلقه، إما الصلاة عارياً أو الصلاة في الثوب النجس، وإذا تمكن المكلف من الصلاة في الوقت جهراً وإعادتها إخفاتاً أو الصلاة عارياً وإعادتها في الثوب النجس يكون متمكناً من إحراز الموافقة القطعية والمخالفة القطعية، وإذا لم يتمكن على التكرار لضيق الوقت ونحوه، فهو متمكن من المخالفة القطعية، والمعيار في دوران الأمر بين المحذورين عدم التمكن من شيء من الموافقة القطعية والمخالفة القطعية، ففي صورة التمكن من كلتا المرتبتين من التنجيز يجب إحراز الموافقة القطعية ومع عدم التمكن من الموافقة القطعية تعيّن الموافقة الاحتمالية.







ومن العجب عن الشيخ (قدس سره) أنه أدخل المقام في دوران الأمر بين المحذورين مع التزامه في دوران الواجب بين القصر والتمام بأنه من دوران أمر الواجب بين المتباينين مع وضوح عدم الفرق بينه وبين المفروض في المقام، ثم إنه إذا لم يكن المكلف متمكناً من إحراز الموافقة القطعية وأتى بإحدى الصلاتين في الوقت لم يجب عليه الإتيان بالمحتمل الآخر، كما إذا قام من النوم في وقت ولم يبق إلى آخر الوقت إلاّ بمقدار ثمانية ركعات ولم يصل الظهرين، ودار أمره في كل منهما بين الصلاة عارياً أو في ثوب نجس، فإنه في الفرض يلزم عليه الموافقة الاحتمالية إما بالإتيان بهما عارياً أو في الثوب النجس، وإذا أتى بما يحتمل معه الموافقة الاحتمالية لم يجب عليه الإتيان بالمحتمل الآخر خارج الوقت قضاءً؛ لأنّ الموضوع للقضاء فوت الواجب في الوقت، ولا يمكن إحراز الفوت بالاستصحاب في عدم امتثال التكليف بما أتى به لسقوط التكليف بالإتيان بأحد المحتملين إما للامتثال أو خروج الوقت، ولا يقاس بما إذا شك المكلف في وقت الصلاة في الإتيان بها فإن مع جريان الاستصحاب في عدم الإتيان، وتركه بعد ذلك الإتيان بها مع تمكنه يعلم وجداناً فوت الواجب المحرز بالاستصحاب، وقد يقال: إن المكلف المفروض الذي تردد أمر الواجب عليه بين الصلاة عارياً أو في ثوب نجس إذا كان متمكناً من الموافقة القطعية في الوقت ومع ذلك اقتصر على الموافقة الاحتمالية يلزم عليه قضاء الواجب الآخر في خارج الوقت، ولكن فيه أيضاً إشكال؛ لأنّ الاستصحاب بعد الإتيان بأحد المحتملين في بقاء التكليف الثابت في حقه من قبل لا يثبت أن الفائت عند خروج الوقت هو المحتمل الآخر، فأصالة البراءة بعد خروجه عن وجوب المحتمل الآخر جارية ومعها لا موجب للإتيان به.















(1). مسند أحمد 2:508، والسنن الكبرى 4:326.







(2). غوالي اللآلي 4:58. مع اختلاف يسير.







(3). غوالي اللآلي 4:58. مع اختلاف يسير.































خاتمة في شرائط الاُصول العملية







أما الاحتياط: فلا يعتبر في حسنه شيء أصلاً، بل يحسن على كل حال[1].







وأما البراءة العقلية: فلا يجوز اجراؤها إلاّ بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف[2].







واما البراءة النقلية: فقضية اطلاق أدلتها وإن كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها[3] كما هو حالها في الشبهات الموضوعية إلاّ أنه.























[1] لا ينبغي التأمل في حسن الاحتياط عقلاً وشرعاً، بمعنى أنه إذا أصاب التكليف الواقعي يكون موافقة وامتثالاً له، وإن لم يصب يحسب انقياداً، بل يظهر من بعض الروايات في كونه مستحباً نفسياً لترتب الملاك عليه وإن لم يصادف التكليف الواقعي بلا فرق بين موارد الشبهات الحكمية والموضوعية، بل في مطلق موارد احتمال التكليف الواقعي حتى مع قيام دليل معتبر على نفيه في تلك الموارد وبلا فرق بين كونه موجباً لتكرار العمل أم لا، سواءً كان في المعاملات أو في العبادات، نعم ما لم يستلزم اختلال النظام ومعه لا يكون احتياطاً كما لا يخفى، وقد تقدم في بحث العلم الإجمالي جواز ترك تحصيل العلم التفصيلي والاقتصار بالامتثال بالعلم الإجمالي حتى في العبادات مع استلزامه تكرار العمل، وان يورد على ذلك بأن الامتثال الإجمالي بتكرار العمل مع التمكن من الامتثال التفصيلي يعد عبثاً ولعباً بأمر المولى فينافي قصد التقرب المعتبر في العبادة، وأجاب الماتن (قدس سره) عن ذلك بوجهين، الأول: أنه ربما يكون التكرار لداع عقلائي معه لا يعدّ التكرار لعباً وعبثاً بأمر المولى، والثاني: أنَّ اللازم في العبادة صدور متعلق الأمر بداع أمر الشارع، وأما ما هو خارج عن متعلق التكليف فلا يعتبر فيه قصد التقرب، وإذا كان المكلف بحيث لولا أمر الشارع بأحد العملين أو الأعمال لم يكن يأتي به، فيكون الاتيان لتعلق الامر بالامتثال. وعلى الجملة كون الخصوصيات الخارجة عن متعلق الأمر صادرة بداع آخر لا يضر بصحة العمل ولو كان ذلك الداعي من الدواعي النفسانية، نعم قد تكون الخصوصية الصادرة بداع آخر موجبة لبطلان العمل، كما إذا أتى بصلاته في أول الوقت أو في مكان خاص كالمسجد رياءً، وهذا البطلان ثبت بخطاب شرعي ورد في بطلان العبادة بالرياء فيها ولا يجري في سائر الدواعي النفسانية، ثم إن المستفاد من الخطاب الوارد في الرياء هل هو خصوص الرياء فيما يتحد مع العبادة خارجاً كالمثالين، أو يجري حتى فيما كانت للخصوصية تحقق آخر كالقنوت في الصلاة ونحوها فموكول إلى بحث النية في بحث الفقه.







وكيف كان فما ذكرنا من جواز الاحتياط وحسنه حتى في العبادات مع استلزامه تكرار العمل فضلاً عن عدم استلزامه له يوجب أن يأخذ المكلف في الوقائع التي يبتلي بها بالاحتياط فيها ولو مع تمكنه من الاجتهاد أو التقليد فيها، نعم يعتبر معرفته بطريق الاحتياط فيها وإلاّ لا يكون احتياطاً، كما أنه إذا استلزم ذلك الإخلال بمعاشه لا يكون من الاحتياط على ما تقدم.















[2] وأما البراءة العقلية فلا يجوز الأخذ بها إلاّ بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف ولزوم الفحص واليأس عن الظفر بها يكونان معتبرين في جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، باشتراط داخلي لا شرطان خارجيان؛ لأن الموضوع لقبح العقاب وهو عدم البيان للتكليف لا يحصل بمجرد الجهل به ولو كان في البين ما يمكن مع الوصول إليه محرزاً للتكليف لكفى ذلك في البيان، فان المراد بالبيان في قاعدة قبح العقاب هو ما يكون مصححاً للعقاب لا خصوص العلم والإحراز هذا في الشبهة الحكمية، ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك حتى في الشبهة الموضوعية أيضاً، بمعنى لا استقلال للعقل بالبراءة وقبح العقاب بلا بيان، إلاّ مع عدم إمكان إحراز حال الموضوع للتكليف بالفحص والسؤال، بل قد يقال بأنه لا سبيل لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهة الموضوعية حتى بعد الفحص، فإن العلم بالكبرى الكلية وإحرازها بيان بالإضافة إلى التكليف فيجب موافقتها في مصاديقها المحتملة كالمصاديق المحرزة، ولكن لا يخفى ما فيه، فإن الكبرى إذا كانت منحلة إلى التكاليف باعتبار انحلال الموضوع الوارد فيها فمادام لم يحرز ولو بعد الفحص تحققه لم يكن مجرد إحراز الكبرى بياناً للتكليف في ذلك المورد على ما تقدم في البحث في البراءة العقلية.















[3] قد تقدم أن العمدة من أدلة البراءة الشرعية رفع ما لا يعلمون في حديث الرفع، وذكر أن المراد من الرفع بالإضافة إلى ما لا يعلمون مقابل وضعه، والوضع فيما لا يعلمون يكون بالأمر بالاحتياط فيه طريقياً فيكون الرفع عدم الأمر به كذلك، وما لا يعلمون يعم الإلزام والوضع في الشبهات الموضوعية والحكمية، ومقتضى إطلاق الرفع فيهما عدم لزوم الفحص، إلاّ أنه يتعين رفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى الشبهات الحكمية، بخلاف الشبهات الموضوعية فإنه يؤخذ فيها بالإطلاق إلاّ في موارد خاصة يعلم فيها باهتمام الشارع بالواقع حيث يجب الاحتياط فيها، ويستدل على رفع اليد عن الإطلاق في الشبهات الحكمية والالتزام بلزوم الفحص فيها عن التكليف أو الوضع الملزوم للتكليف بوجوه منها، الإجماع، ومنها حكم العقل، حيث يعلم إجمالاً بثبوت التكاليف الواقعية في الشبهات بنحو يمكن الوصول إليها بالفحص، ولازم ذلك عدم جواز الرجوع إلى أصالة البراءة في شبهة قبل إحراز خروجها عن أطراف العلم الإجمالي المفروض بالفحص، ولكن لا يخفى أن دعوى الإجماع التعبدي في مثل المسألة مما يحتمل أو يعلم مدرك القائلين بلزوم الفحص غير ممكن، والإجماع المدركي محصله لا يكون دليلاً فضلاً عن منقوله، وأما دعوى العلم الإجمالي فقد أورد الماتن عليه بما حاصله انه يفرض الشبهة الحكمية قبل الفحص في موارد يلاحظها المجتهد بعد انحلال العلم الإجمالي بالظفر بالتكاليف الواقعية في جل الوقائع التي فحص فيها عن التكليف الواقعي بحيث لا يبقى له علم إجمالي بتكاليف اُخرى في سائر الوقائع أو كانت الشبهات التي يعلم بثبوت التكاليف فيها إجمالاً جلّها خارجة عن ابتلاء المكلف ولو لعدم الالتفات إليها، فإنّه مع عدم الالتفات إليها تكون أصالة البراءة في الواقعة الملحوظة جارية لفعلية الشك في التكليف فيها، بخلاف سائر الوقائع فإن الشك التقديري فيها بحيث لو التفت إليها صار شكه فيها فعلياً لا أثر له لعدم كون الشك التقديري بموضوع في شيء من الاُصول العملية.







وفيه أن فرض الانحلال بدعوى عدم الالتفات إلى سائر الوقائع حين إجراء أصالة البراءة في شبهة حكمية لا يمكن المساعدة عليها، فإنه وإن فرض كون سائر الوقائع من المجتهد مغفولاً عنها في مقام ملاحظة واقعة يشك في التكليف فيها، لكن مع ملاحظة سائر الوقائع والابتلاء بها تدريجياً في البحث عن أحكامها يكون الأصل الجاري فيها معارضاً بالأصل الجاري النافي الذي أجراه في مسألة سابقة، وهذا نظير ما إذا لاقى شيء أحد أطراف العلم بالنجاسة وحكم للملاقي بالكسر بالطهارة بأصالة الطهارة، وبعد زمان لاقى شيء آخر سائر الأطراف فإنه مع بقاء الملاقي الأول تكون أصالة الطهارة الجارية فيه معارضة بأصالة الطهارة في الملاقى الآخر، نعم إذا لم يبق الملاقى الأول ولم يكن لطهارته ونجاسته سابقاً أثر شرعي فعلاً، فيمكن الرجوع في الملاقى الآخر بأصالة الطهارة، وبهذا أمكن الجواب عما يمكن أن يقال: إنه كيف يجوز للمكلف الرجوع إلى الاُصول النافية للتكليف أو الوضع الملزوم له في الشبهات الموضوعية مع أنه قد يحصل له بعد برهة من الزمان من الابتلاء بالشبهات الموضوعية أن التكليف كان في بعضها واقعاً، ووجه ظهور الجواب أنه لا يكون أثر لهذا العلم الإجمالي بالاضافة إلى الوقائع السابقة فعلاً بخلاف الواقعة المشكوكة التي ابتلى بها فعلاً فيجرى فيها الأصل النافي وأما الوقائع الكلية التي يفتي فيها المجتهد بالوظائف الفعلية، فلكون فتواها بنحو القضية الحقيقية تكون كلها ذا أثر فعلاً، ومع العلم بمخالفة فتواها بنفي التكليف في بعض الوقائع للواقع فثبوته فيها يسقط عن الاعتبار كل ما افتى بنفي التكليف أخذاً بالأصل النافي فيها.















الاستدلال على اعتبار الفحص في الشبهات الحكمية بالعلم الإجمالي بالتكاليف فيها







وذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن العمدة في عدم جريان أصالة البراءة في الشبهات الحكمية قبل الفحص هو العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الموارد التي يكون المدرك فيها بالتكليف بين أيدينا، والمعلوم بالإجمال المعنون بهذا العنوان من قبيل ما إذا علم بحرمة بعض الغنم البيض في قطيع غنم مركب من البيض والسود، ودار الأمر في البيض من الغنم بين الأقل والأكثر فإنه يجب في الفرض البحث عن سائر الغنم، وأنه من أفراد البيض أو السود ومجرد الظفر بمقدار من البيض يحتمل انحصار الحرام منها في ذلك المقدار لا يؤثر في انحلال العلم الإجمالي لاندراج المعلوم بالإجمال في كل ما يندرج في عنوان البيض، ووجه كون المقام من هذا القبيل. لا من قبيل العلم بحرمة بعض الغنم من قطيع جميعه من السود ودار الحرام فيها بين عشرة أو أكثر ظاهر؛ لأنّ العلم بالتكاليف إجمالاً في الوقائع التي فيها مدرك لها حاصل لكل من تصدى للاجتهاد، فلابد من الفحص عن تلك الوقائع، نظير ما إذا علم المكلف بكونه مديوناً للأشخاص الذين ضبط أسماءهم في دفتره فإنه لا يمكن له الرجوع إلى أصالة البراءة بعد أداء دين جملة من الأشخاص الذين يحتمل منه ضبط اسمه في الدفتر منحصر عليهم.







أقول: مع احتمال التطابق بين المعلوم بالإجمال والمعلوم بالتفصيل ينحل العلم الإجمالي لا محالة من غير فرق بين أن يكون للمعلوم بالإجمال عنوان خاص أم لا، وسواء كان ذلك العنوان أيضاً مردداً بين الأقل والأكثر كما في مسألة العلم بحرمة بعض البيض من الغنم أم لم يكن، كما إذا علم بنجاسة اناء زيد المردد بين الإناءات المعلوم بالإجمال نجاسة بعضها، وإذا علم تفصيلاً بنجاسة بعض الإناءات واحتمل أن يكون إناء زيد بعض ذلك المعلوم بالتفصيل بحيث يحتمل طهارة جميع الباقي فلا موجب لرفع اليد عن أصالة الطهارة في الباقي، فإن الموجب لتساقط الاُصول النافية في أطراف العلم هو لزوم الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل، وهذا المحذور يختص بما قبل الفحص وقبل انحلال العلم بالظفر بالتكاليف في الوقائع بمقدار يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال ولو بالعنوان عليها، وإذا انحل بعد الفحص بحيث احتمل خلو الوقائع الباقية عن التكليف والمدرك له فيرجع فيها إلى أصالة البراءة، ومما ذكر يظهر أنه لا وجه لدعوى أن لازم العلم الإجمالي عدم جواز الرجوع إلى الأصل النافي في الواقعة المشتبهة حتى بعد الفحص وعدم الظفر بالمدرك للتكليف فيها لبقاء العلم الإجمالي بحاله، ووجه الظهور هو أن المفروض ثبوت العنوان للمعلوم بالإجمال وهو التكليف في الوقائع التي مداركها ممكنة الوصول بالفحص، ومع عدم الظفر بالمدرك في واقعة بعد الفحص يعلم خروجها عن أطراف المعلوم بالإجمال، فيكون احتمال التكليف فيها من قبيل الشك في الشبهة البدوية بعد الفحص، وعلى الجملة اعتبار الفحص في الرجوع إلى أصالة البراءة في الشبهة الحكمية مطلقاً بدعوى أنَّ مقتضى العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقائع غير تام، لما تقدم من عدم جريانها في الشبهات الحكمية قبل الفحص حتى بعد انحلال العلم الإجمالي المزبور.































فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والأخبار على وجوب التفقه والتعلم[1] والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم.







نعم يشكل في الواجب المشروط والمؤقت، ولو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما، فضلاً عما إذا لم يؤد إليها[2].







وأما الأحكام فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة، بل في صورة الموافقة أيضاً في العبادة، فيما لا يتأتى منه قصد القربة[3].







إن قلت: على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سبباً لتفويت الواجب فعلاً، وما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام[4].







وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأموراً به بنحو الترتب[5].







ثم إنه قد ذكر لأصل البراءة شرطان آخران:







أحدهما: أن لا يكون موجباً لثبوت حكم شرعي[6] من جهة اُخرى.







ثانيهما: أن لا يكون موجباً للضرر على آخر.







وأما اعتبار أن لا يكون موجباً للضرر، فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة[7] كما هو حالها مع سائر القواعد.















اعتبار الفحص في الرجوع إلى الاُصول في الشبهات الحكمية















[1] ذكر الماتن (قدس سره) أن الأولى الاستدلال على اعتبار الفحص في الشبهات الحكمية وعدم اعتبار البراءة فيها قبل الفحص بما دل على وجوب التفقه والتعلم وترتب المؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم، ولعل نظره إلى آية السؤال، فإن الأمر بالسؤال عند الجهل مقتضاه لزوم تحصيل العلم، ومورده بالقرينة الداخلية والخارجية ما إذا كان فيه احتمال التكليف فإن الآية المباركة لا تعم الشبهة الموضوعية لما ورد في تفسيرها من كون المراد من أهل الذكر الأئمة (عليهم السلام)، ومن الظاهر أنه لا شأن للامام (عليه السلام) في إحراز المشتبه الخارجي في الشبهات الموضوعية، أضف إلى ذلك ماورد في الشبهات الموضوعية من عدم لزوم السؤال والفحص فيها، وعلى ذلك يكون مدلول الآية أخص بالإضافة إلى ماورد في حديث الرفع من فقرة رفع ما لا يعلمون، ولو بعد تقييدها بغير الشبهة الموضوعية فإنه ورد فيها الحكم بالحلية والعذر ما لم يعلم الحرمة، وبالعذر ما لم يعلم الإلزام وعدم لزوم الفحص عن الموضوع والسؤال عنه.







لا يقال ماورد في تفسير الآية لا يدل على انحصار مدلول الآية في الشبهة الحكمية كما يشهد بذلك مورد نزول الآية، وعليه يكون مدلولها عاماً يشمل الاُمور الاعتقادية والأحكام الفرعية فتكون النسبة بينها وبين حديث الرفع من فقرة «رفع ما لا يعلمون» العموم والخصوص من وجه، فإنه يقال لا مانع من شمول الآية للاُمور الاعتقادية أيضاً كما لا مانع عن شمول «رفع ما لا يعلمون» لها فيلزم الفحص في الاُمور الاعتقادية التي يجب فيها تحصيل العلم واليقين، وإذا لم يتمكن من العلم بها ولو بعد الفحص فترفع عن المكلف كما يرفع التكليف في الشبهة الحكمية بعد الفحص وعدم التمكن من إحرازه، وعلى الجملة مدلول الآية أخص بالإضافة إلى ما لا يعلمون، بل لو كانت النسبة بينها العموم من وجه فلابد من رفع اليد في مورد اجتماعهما عن إطلاق حديث الرفع فإن الخبر المخالف للكتاب العزيز غير حجة، وربما يحتمل أن نظر الماتن من قوله بما دل على التفقه آية النفر ولكن لا يخفى ما فيه، فإن التفقه الوارد في الآية وجوبه نفسي كفائي يعم الإلزاميات وغيرها من الأحكام التكليفية والوضعية حتى الأحكام المجعولة على صنف من المكلفين لا يدخل المكلف فيه كالأحكام للنساء، وهذا لا يرتبط بالمقام، فإن وجوب التعلم في المقام وجوبه طريقي بالإضافة إلى كل مكلف أو إرشادي له إلى تنجز التكليف في الوقائع التي يبتلي بها، ولا يكون جهله بالتكليف فيها عذراً مع تمكنه من الوصول إليه بالفحص.







وأما الأخبار فهي على طوائف ثلاث، منها مادل على عدم كون الجهل بالتكليف مع ترك التعلم عذراً كموثقة مسعدة بن زياد التي رواها في تفسير البرهان في ذيل آيه (فللّه الحجة البالغة)(1) عن أمالي الشيخ، قال: حدثنا محمد بن محمد (المفيد (قدس سره)) عن أبي القاسم جعفر بن محمد (يعني جعفر بن محمد بن قولويه) قال: حدثني محمد بن عبداللّه بن جعفر عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد، قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) وقد سئل عن قول اللّه تعالى: (فللّه الحجة البالغة) فقال: إن اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالماً فإن قال: نعم قال له: أفلا عملت بما علمت، وإن قال: كنت جاهلاً. قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة»(2) وظاهرها لزوم تعلم التكاليف ومتعلقاتها وعدم كون الجهل مع التمكن من التعلم عذراً، ويختص ذلك بالشبهات الحكمية حيث يكون التعلم في التكاليف ومتعلقاتها كالعبادات، ومنها ماورد في لزوم الفحص في الشبهة الحكمية ولزوم الاحتياط قبله، كصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان، الجزاء بينهما أو على كل منهما جزاء؟ فقال: لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، فقال: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعملوا»(3)، وظاهرها أيضاً عدم كون الجهل في الشبهة الحكمية قبل الفحص عذراً، وبهذه الصحيحة وما قبلها يجمع بين الأخبار الآمرة بالتوقف والاحتياط في الشبهات الحكمية، وبين الأخبار الواردة في السعة ورفع ما لا يعلمون، وجواز الارتكاب عند الجهل بالحرمة بحمل الثانية على ما بعد الفحص وعدم إحراز التكليف وحمل الاُولى على ما قبل الفحص، وهذا مع الفحص عما ذكرنا في الأخبار الواردة في التوقف عند الشبهات والأخذ بالاحتياط في الدين.







ومنها الأخبار الواردة في «كون طلب العلم فريضة»(4)، حيث إن تلك الأخبار كما تعم الاُمور الاعتقادية كذلك تعم التكاليف الواقعية في الوقائع التي يبتلي بها المكلف ووجوبه بالإضافة إلى الاُمور الاعتقادية نفسي، وبالإضافة إلى التكاليف طريقي يوجب عدم كون الجهل بها مع مخالفتها عذراً، والجمع بين الوجوب النفسي والطريقي لا يدخل في استعمال اللفظ في أكثر من معنى، كما لا يدخل فيه إرادة الوجوب النفسي والغيري في مثل قوله (عليه السلام) «إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور».







بقي في المقام امر وهو أنّ لزوم الفحص والتعلم بالإضافة إلى التكاليف في الوقائع التي يبتلي بها المكلف طريقي أو إرشادى إلى عدم كون الجهل بها مع إمكان الوصول اليها بإحرازها عذراً، وأما تعليم أحكام الشريعة بنحو الواجب الكفائي للتحفظ بالشريعة في الاُمور الاعتقادية والأحكام الفرعية للإبلاغ والنشر وتعليم الجاهلين فهو أمر آخر، كما هو المستفاد من آية النفر وغيرها، وعلى ذلك فإن أحرز المكلف ابتلاءه بواقعة ولو بنحو العلم الإجمالي فلا يكون ترك تعلم تكليفه فيها عذراً، بلا فرق بين كون ترك التعلم قبل حصول شرط التكليف ودخول وقته مع عدم تمكنه من التعلم بعد حصوله أو دخول وقته، أو كان ترك التعلم والفحص بعد فعلية التكليف بحصول شرطه أو دخول وقته فيما إذا تمكن من التعلم بعدهما، فإن أخبار وجوب التعلم بل آية السؤال تكشف عن أن ترك العمل الناشئ من ترك التعلم يوجب تفويت الملاك حتى فيما كان تركه موجباً للغفلة عن التكليف زمان حصول شرطه أو دخول وقته، وإنما الكلام بالإضافة إلى الوقائع التي لم يحرز الابتلاء بها، بل يكون الابتلاء بها مجرد احتمال فإنه قد يقال بعدم وجوب التعلم بالإضافة إليها أخذاً بالاستصحاب في عدم ابتلائه بها، حيث يجري الاستصحاب في الاُمور الاستقبالية كما يجرى في الاُمور الماضية، وأورد على هذا الاستصحاب المحقق النائيني (قدس سره) بأنه يعتبر في جريانه كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، والابتلاء بالواقعة وعدمه ليس بموضوع لوجوب تعلم حكمها، بل وجوبه يثبت في موارد احتمال الضرر وهذا الاحتمال محرز بالوجدان بمجرد احتمال الابتلاء بالتكليف.







ولكن لا يخفى ما فيه، فإن احتمال الضرر مترتب على ثبوت وجوب التعلم حتى بالإضافة إلى الواقعة التي يحتمل الابتلاء بها، وكيف يكون احتماله موضوعاً لوجوب التعلم بالإضافة إليها، وثانياً: أنه يأتي أنّ اعتبار كون المستصحب موضوعاً لحكم شرعي أو نفس حكم شرعي لامكان التعبد، ولو أمكن التعبد وإن كان المستصحب بحيث يمكن التعبد به ولو بأثره العقلي فلا بأس بالاستصحاب فيه، ولو لم يكن المستصحب من الموضوع لحكم شرعي أو نفس الحكم الشرعي كما في موارد الاستصحاب موجب لإحراز امتثال التكليف أو عدم امتثاله من حصول متعلق التكليف خارجاً وعدم حصوله فإن الاستصحاب فيهما موجب لإحراز امتثال التكليف أو عدم امتثاله.







وعلى ذلك فكما أن العقل يحكم بعدم الضرر في ترك التعلم بالإضافة إلى واقعة يعلم المكلف بعدم الابتلاء بها كذلك فيما إذا أحرز عدم الابتلاء بالاستصحاب، ولكن الصحيح أن إطلاق أخبار وجوب التعلم يعم الموارد التي يحتمل المكلف الابتلاء بمخالفة التكليف فيها على تقدير ترك التعلم ما لم يكن احتماله ضعيفاً، بحيث يكون هناك وثوق بعدم الابتلاء وخروج موارد إحراز عدم الابتلاء عن أخبار وجوب التعلم تخصصي، لكون وجوبه على تقديره شرعياً طريقي بالإضافة إلى التكاليف الشرعية العملية فلا يكون إيجابه طريقياً لمن يحرز عدم ابتلائه بالواقعة وجداناً، وعلى ذلك يجب التعلم باحتمال الابتلاء فلا يبقى للاستصحاب في عدم الابتلاء مورد؛ لأنّ عدم الابتلاء والابتلاء الواقعيين ليسا بموضوعين لعدم وجوب التعلم ووجوبه ليكون في البين موضوع للاستصحاب، والعمدة في المقام في عدم جريان الاستصحاب في عدم الابتلاء ما ذكرنا، لا ما يقال من أن تقديم الاستصحاب يستلزم حمل أخبار وجوب التعلم على الفرض النادر أو على موارد العلم الإجمالي بالابتلاء، وبتعبير آخر مع شمول ماورد في وجوب التعلم بالإضافة إلى مورد الابتلاء يثبت وجوب التعلم أي يحرز وجوبه فلا يكون في وجوبه شك ليكون لجريان استصحاب عدم الابتلاء موضوع، لما ذكر أن خروج موارد إحراز عدم الابتلاء ليس تقييداً فيما دل على وجوب التعلم، بل لعدم إمكان جعل الحكم الطريقي في تلك الموارد، والاستصحاب في عدم الابتلاء لا يثبت امتناع جعل الحكم الطريقي في مورده.















[2] لا ينبغي التأمل في استحقاق المكلف على مخالفة تكليف فعلي إذا أدى ترك الفحص والتعلم إلى مخالفته حتى فيما إذا كان عند مخالفته غافلاً عن كون عمله مخالفة للتكليف، إلاّ أنه حيث كانت مخالفته مستندة إلى ترك تعلمه فيستحق العقاب عليه، ولكن ربما يستشكل في وجوب التعلم واستحقاق العقاب فيما إذا كان الواجب مشروطاً بشرط أو كون وجوبه مؤقتاً بوقت، ويكون المكلف غير متمكن من الإتيان به بعد حصول الشرط أو دخول الوقت بترك التعلم من قبل، ووجه الإشكال أنه قبل حصول الشرط أو قبل حصول الوقت لم يكن وجوب الفعل في حق المكلف حتى يجب تعلمه، وبعد حصولهما لا يكون أيضاً في حقه تكليف لعدم تمكنه من إتيان الواجب أو غفلته عنه، والتزم الماتن في حل الإشكال بما ذكره المحقق الأردبيلي من الالتزام بكون وجوب التعلم نفسياً تهيئياً، فيكون العقاب على ترك التعلم لا على مخالفة الواجب في وقته وحصول شرطه بترك التعلم، وذكر أيضاً وجهاً آخر في حل الإشكال وهو الالتزام بكون الواجب قبل الشرط وقبل الوقت من الواجب التعليقي لا من قبيل الواجب المشروط، غاية الأمر قد أخذ سائر مقدماته بنحو لا يكاد يسرى إليها الوجوب الغيري قبل حصول الشرط أو دخول الوقت، وعليه فلا يكون العقاب على ترك التعلم، فإن التعلم من مقدماته الوجودية في الفرض، ولكن حيث يسري إليه الوجوب الغيري فيوجب استحقاق العقاب على ترك الواجب بعد حصول الشرط أو دخول الوقت إذا كان تركه مستنداً إلى ترك التعلم والفحص. أقول: ظاهر ماورد في ترك التعلم العقاب على ترك العمل لا على ترك التعلم فالتخلص عن الإشكال المتقدم بالالتزام بالعقاب على ترك التعلم طرح لظهوره، فلا يمكن الالتزام به في الواجبات المشروطة والمؤقتة قبل حصول شرطها أو وقتها فضلاً عن الالتزام به في غيرهما أيضاً، بدعوى استحقاق العقاب على ترك التعلم إذا لم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقاب على مخالفة تكليف معقول عنه بترك التعلم، كما لا يمكن الالتزام بالواجب التعليقي الذي ذكره، حيث إن الالتزام بأن التكاليف في الوقائع بنحو الواجب المعلق خلاف ظاهر الخطابات كما اعترف بذلك في بحث الواجب المطلق والمشروط، وكيف كان فيرد عليه بأنه بعد الالتزام بكون وجوب التعلم نفسياً تهيئياً توجب مخالفته العقاب، فيلزم عليه (قدس سره) الالتزام بعقابين في الواجبات والمحرمات المطلقين إذا أوجب ترك التعلم مخالفتهما، حيث إنه (قدس سره) يصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقاب على المخالفة، ولو كان مغفولاً عنه حين المخالفة، والصحيح في الجواب أن يقال: إن تفويت الغرض الملزم في الموارد التي تكون القدرة بالفعل شرطاً لاستيفائه لا دخيلاً في كون الفعل ذا ملاك غير جائز، وحيث إن ماورد في وجوب التعلم يعم جميع موارد احتمال الابتلاء على ما تقدم حتى الواجبات المشروطة والمؤقتة قبل حصول الشرط ودخول الوقت، فيعلم بأن الملاك حتى في تلك الواجبات من ناحية التعلم ملزم، وأن القدرة بها من ناحية تعلمها ولو قبل الشرط والوقت شرط الاستيفاء، بخلاف العجز الناشئ من ناحية سائر المقدمات، وكذا لا يجب تحصيل القدرة عليها بتحصيلها قبل الوقت أو قبل حصول شرط التكليف.







ثم إن استحقاق العقاب في صورة أداء ترك التعلم إلى مخالفة التكليف الواقعي أو تفويت الغرض والملاك الملزم، بحيث لو تعلم أو فحص يصل إلى الحجة بالتكليف أو الملاك الملزم ظاهر، وأما مع عدم أدائه إلى ذلك بحيث لو فحص أيضاً لم يظفر بالحجة على ذلك التكليف أو الملاك، فهل يستحق العقاب على مخالفته أيضاً لعدم المعذّر له حين الارتكاب أو لا يستحق العقاب إلاّ على هذا التجري بناءً على كونه موجباً لاستحقاقه، فقد يقال: بالأول لحكم العقل باستحقاق العبد العقاب على مخالفة التكليف الواقعي مع عدم المؤمن له عقلاً أو شرعاً، والمفروض في المقام عدمه لعدم حكم العقاب بقبح العقاب قبل الفحص واليأس عن الظفر بالحجة، وكذلك البراءة الشرعية كما هو المفروض في الشبهة الحكمية، وقد يقال بالثاني فإن عقاب الشارع على مخالفة تكليف أو فوات ملاك ملزم لم يصل بيانه إلى المكلف قبيح، والمفروض عدم البيان بالإضافة إلى التكليف أو الملاك في الواقعة، ولكن لا يخفى أن المراد من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو المصحح للعقاب على المخالفة وإذا لم يكن احتمال التكليف في الواقعة مورداً للبراءة الشرعية والعقلية قبل الفحص يكون نفس احتماله بياناً، ولذا يحكم العقل في الواقعة بالتخيير بين التعلم والفحص وبين الأخذ بالاحتياط، فما يظهر من الماتن (قدس سره) أن العقاب في هذه الصورة أيضاً لأجل التجري كما في صورة عدم التكليف في الواقعة واقعاً لا يمكن المساعدة عليه.







لا يقال المقدار الذي يرفع اليد فيه عن عموم «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» هو عدم العلم في مورد لو فحص المكلف فيه لظفر بالحجة على التكليف على تقدير وجوده واقعاً، فإنه يجب في هذه الموارد قبل الفحص التخيير بين التعلم والاحتياط، وأما المورد الذي لا يظفر فيه بالحجة حتى على تقديره واقعاً فلم تخرج عن عموم رفع ما لا يعلمون ولذا لا يجب فيه الفحص، وإذا احتمل المكلف أن الواقعة من القسم الأول أو الثاني، فالاستصحاب في عدم علمه بالتكليف ولو بعد الفحص بعدم الظفر بالحجة يدرجها في القسم الثاني، فلا يجب فيها الفحص فإنه يقال قد تقدم أن اختصاص لزوم الفحص بالقسم الأول؛ لأنّ الوجوب النفسي التعييني على المكلف الذي هو طريقي في القسم الثاني من اللغو المحض، فامتناع الطلب لغواً من الحكيم أوجب هذا الاختصاص في أدلة وجوب التعلم والاستصحاب في عدم الظفر بالحجة بعد الفحص أيضاً لا يثبت امتناع طلب الفحص في الواقعة وكونه لغواً ليوجب رفع اليد عن إطلاق أدلة وجوب الطلب والسؤال، نظير ما أجبنا به عن الاستصحاب في عدم ابتلاء المكلف بواقعة يحتمل وجداناً الابتلاء بها مستقبلاً.















[3] فصل فيما إذا عمل المكلف بلا فحص لازم عليه من تقليد أو اجتهاد، فنقول: إذا أخذ العامي بالعمل بلا تقليد معتبر ومن غير احتياط ففيه صور:







الاُولى: أن ينكشف مخالفة عمله للواقع بحسب فتوى من يجب عليه تقليده حين العمل، وبفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً، فإنه في هذه الصورة يحكم ببطلان عمله أي بعدم إجزائه لعدم مطابقته للواقع بحسب الحجة السابقة والحجة الفعلية.







الثانية: أن ينكشف مطابقة عمله للواقع بحسب الحجة حال عمله والحجة الفعلية، ولا ينبغي التأمل في الحكم بإجزاء عمله السابق ولو كانت عبادة حيث إن التقرب المعتبر فيها يحصل بالإتيان بها لاحتمال أنها الواقع.







الثالثة: مطابقة عمله لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً ومخالفته لفتوى من كان يجب عليه تقليده حال العمل، وفي هذه الصورة أيضاً لا يجب عليه تدارك العمل السابق بالإعادة أو القضاء، فإن الإجزاء مقتضى الحجة الفعلية التي يجب عليه اتباعها، ولكن عدم استحقاق العقاب على عدم تدارك الواقع إذا اتفق كون الواقع على خلاف الحجة الفعلية في هذه الصورة، وعلى خلاف الحجة السابقة أيضاً في الصورة السابقة لا يوجب عدم استحقاقه العقاب على مخالفة الواقع في الوقت، حيث إن تلك المخالفة في وقت العمل لم تكن عن عذر وبالاستناد إلى الحجة، كما إذا أتى يوم الجمعة سابقاً بصلاة الظهر في أيام الجمعة وكان الواجب الواقعي في علم اللّه وجوب صلاة الجمعة تعييناً، فإنه بما أنه لم يستند حين العمل بالفتوى يكون مستحقاً للعقاب على ترك صلاة الجمعة يوم الجمعة حتى مع فتوى المجتهد الفعلي والمجتهد السابق بوجوب صلاة الظهر.







الصورة الرابعة: ما إذا كان عمله مطابقاً لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل، ويخالف فتوى من يجب عليه الرجوع إليه فعلاً، وفي هذه الصورة يجب عليه تدارك عمله السابق بحسب فتوى المجتهد الفعلي بالإعادة أو القضاء حتى فيما لو كان ذلك العمل بتقليد من المجتهد السابق لم يجب عليه تداركه، كمن ترك السورة في صلاته مدة من الزمان ثم قلد مجتهداً يرى وجوب السورة بعد الحمد في الفريضة، فإنه يجب عليه قضاء تلك الصلوات حتى فيما لو كان حال العمل يفتي من كان يجب الرجوع إليه بعدم وجوب السورة بعد الحمد، والوجه في لزوم القضاء أن المكلف المفروض لو كان مقلداً لذلك المجتهد حال العمل كان بنظر المجتهد اللاحق الذي يرى وجوب السورة قاصراً يعمّه حديث «لا تعاد»، بخلاف فرض عدم تقليده فإنه بترك الاحتياط وترك التقليد كان مقصراً، فلا يعمه الحديث مع تردده في إجزاء عمله حال العمل، كما أن الفرض خارج عن مورد الإجماع على إجزاء العمل السابق على طبق التقليد السابق، ومما ذكرنا يظهر الحال في العمل السابق الصادر عن غير العامي بلا اجتهاد ومن غير احتياط في الواقعة، كما ظهر أن الجاهل فيما إذا أتى بعمل ثم ظهر أنه لم يكن مطابقاً للوظيفة الواقعية لزم تداركه بالإعادة أو القضاء فيما كان لفائته قضاء، ولكن ذكروا من غير خلاف أن المسافر الجاهل بوجوب القصر إن صلى تماماً فلا يجب عليه إعادتها ولا قضاؤها حتى فيما لو علم في الوقت بوجوب القصر على المسافر، والمستند في ذلك الروايات، والمنسوب إلى المشهور كما يظهر من الماتن أيضا أنه مع عدم وجوب الإعادة والقضاء يكون مستحقاً للعقاب على ترك القصر، وكذا الحال فيمن جهر في موضع الإخفات أو بالعكس جهلاً بالحكم ويشكل بأنه كيف يحكم بصحة العمل مع عدم الأمر به، وكيف يستحق المكلف العقاب على ترك ما تعلق به الأمر مع تمكنه من الإتيان به في وقته ولا يجب عليه الإعادة مع تمكنه منها، فالحكم بعدم لزوم الإعادة مع الاستحقاق للعقاب على ترك الواجب متهافتان، كما إذا علم المكلف بوجوب القصر عليه قبل خروج الوقت مع الإتيان بالصلاة إتماما، وكذا الحال في مورد الإخفات في موضع الجهر أو بالعكس، وأجاب الماتن (قدس سره) عن كلتا الجهتين بأن صحة العمل عبادة لا تتوقف على تعلق الأمر به فعلاً، بل لو كان فيه ملاك المحبوبية وأتى المكلف به على نحو قربي يحكم بصحته، كما ذكر ذلك في مزاحمة التكليف بالصلاة في أول وقتها مع التكليف بالأهم، كالأمر بالإزالة، والحاصل أن الصلاة تماماً جهلاً بوجوب القصر مشتملة لمقدار من المصلحة تكون ملزمة في نفسها، وإنما لم يؤمر بها لكون الصلاة قصراً ملاكها أكثر بمقدار لازم، وهذه المصلحة الأهم لا يمكن استيفاؤها بعد الصلاة تماماً، وهكذا الأمر في الجهر من الجاهل بوجوب الإخفات وبالعكس، ولذا يستحق المكلف العقاب على مخالفة التكليف بالقصر أو بالإخفات أو الجهر الذي فوته المكلف على نفسه بترك تعلمه حيث لا يمكن له بعد الإتيان بصلاته تماماً مع الجهل الإتيان بها قصراً، بحيث يتدارك ويستوفي ملاكه الملزم الأتم وكذا الحال في الجاهل بوجوب الجهر والإخفات.















[4] حاصله كيف يمكن الحكم بصحة الصلاة تماماً من الجاهل بوجوب القصر عليه مع كونها سبباً لفوات الصلاة قصراً والإتيان بما هو سبب لفوت الواجب غير جائز، والحرمة في العبادة موجبة لفسادها، وأجاب (قدس سره) بأن المتضادين في نفسهما أو بملاكهما يكون من قبيل المتلازمين في مرتبة واحدة ولا يكون الإتيان بأحدهما سبباً لترك الآخر كما بين في بحث الضد الخاص للمأمور به، ولذا لا يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضده الخاص، نعم اشتمال الصلاة تماماً لملاك ملزم في نفسه، وكذا الصلاة جهراً في موضع الإخفات أو بالعكس يختص بصورة جهل المكلف بالتكليف الاُولى، فبطلان الصلاة تماماً من العالم بوجوب القصر أو بطلانها جهراً من العالم والملتفت بوجوب الإخفات وبالعكس لا يكون منافياً لما ذكره في صورة الجهل.







أقول: الصحيح في الجواب هو القول بأن المسافر مع جهله بوجوب القصر عليه، له أن يأتي بصلاته تماماً، بمعنى أن مع جهله يتخير بين القصر والتمام، ولذا لو أتى بالقصر اتفاقاً يحكم بصحة صلاته، كما إذا اعتقد أنه في الركعة الرابعة وسلم فتذكر بعد السلام أنه سلم في الركعتين، وكذا الحال في وجوب الصلاة جهراً أو إخفاتاً، فإن الجاهل مخير وليس المراد من التخيير الوجوب التخييري المعروف وتوجيه خطاب إلى الجاهل بالأمر بإحدى الصلاتين، فإن تخصيص وجوب القصر تعييناً بالعالم به غير ممكن، بل المراد كما تقدم في نسيان الجزئية والشرطية جعل الفاقد مسقطاً لما تعلق به الوجوب التعييني، وعلى ذلك فلا يكون ماورد في وجوب التعلم موجباً لاستحقاقه العقاب على ترك القصر لسقوط التكليف الواقعي امتثالاً بالإتيان بالبدل في الامتثال، وكذا في الجهر موضع الإخفات وبالعكس، وما ذكر الماتن (قدس سره) من كون الإتمام واجد لملاك ملزم في نفسه في حق المسافر الجاهل، ولكن معه لا يمكن استيفاء المصلحة الأتم والأكمل في القصر، ولذا لا يؤمر المسافر إلاّ بالقصر، وبعد الإتيان بالتمام لا يبقى مجال للإعادة قصراً فيعاقب على تفويته المقدار من المصحلة الأتم لا يمكن المساعدة عليه، فإن تصويره وإن كان ممكناً إلاّ أن التضاد في الاستيفاء كما ذكر لا يساعد ماورد في الرواية من أنه تمت صلاته ولا إعادة عليه، ويمكن أن يورد عليه بأن لازم ما ذكره تعدد العقاب عند ترك الجاهل بوجوب الصلاة رأساً، أحدهما على ترك الواجب يعني القصر، والآخر العقاب على عدم استيفائه الملاك اللازم في نفسه مع تركه القصر على ما هو المقرر في باب التزاحم بين الواجبين، نعم لا يتعدد العقاب ممن ترك الصلاة رأساً مع العلم بوجوب القصر؛ لأن المفروض عدم مصلحة ملزمة في نفسها في الصلاة تماماً عند العلم بوجوب القصر، وهكذا الحال في الجهر موضع الإخفات وبالعكس.















[5] المحكي عن كاشف الغطاء (قدس سره) أن التضاد بين القصر والتمام في حق المسافر والجاهل بوجوب القصر يصحح الترتب بين التكليفين، بأن يكون المسافر الجاهل مكلفاً بوجوب القصر كالعالم به، ولكن الجاهل بوجوبه على تقدير تركه القصر حال جهله مكلف بالصلاة تماماً، وأورد عليه الماتن أن الأمر بالضدين بنحو الترتب غير ممكن كما بيناه في بحث النهي عن الضد بما لا مزيد عليه.







ولكن هذا كما ترى لا يصلح للجواب بعد إثبات إمكان الأمر بالضدين على نحو الترتب وعدم لزوم محذور منه.







ولكن أجاب عن الترتب المذكور المحقق النائيني (قدس سره) بأن المعتبر في الأمر بكل من الضدين على نحو الترتب أن يكون الموضوع للأمر بالمهم عصيان الأمر بالأهم، وهذا العنوان غير صالح لأنّ يكون موضوعاً في المقام؛ لأنّ الجاهل بوجوب القصر والآتي بالتمام لا يمكن أن يلتفت إلى عصيانه في وجوب القصر عليه، وإلا لانقلب إلى العالم بوجوب القصر، وأيضاً العصيان لا يتحقق إلاّ بانقضاء وقت الصلاة، ومن صلى تماماً ثم التفت إلى وجوب القصر عليه والوقت باق يمكن له موافقة الأمر بوجوب القصر، أضف إلى ذلك أن الترتب يثبت في موارد قيام الدليل على كل من التكليفين، بحيث يلزم على القادر على كل منهما الجمع بينهما في الامتثال، ويلتزم بالترتب عند عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما لوقوع المزاحمة.







ولكن لا يخفى أن ما ذكره كاشف الغطاء ترتب في مقام الجعل وما ذكره (قدس سره)ترتب في مقام التزاحم بين التكليفين في الامتثال، ولا يعتبر في الترتب بين التكليفين بحسب الجعل إلاّ جعلهما بحيث لا يقتضي الجمع بين الفعلين، لا تعليق التكليف بالثاني على عنوان العصيان بالإضافة إلى التكليف الأول، بل لا يلزم ذلك في الترتب بين التكليفين في مقام الامتثال أيضاً، كما ذكرنا في بحث الترتب، نعم الترتب بحسب الجعل يحتاج إلى قيام دليل عليه بخلاف الترتب بين التكليفين في مقام التزاحم في الامتثال، فإنه يكفي فيه الدليل على ثبوت كل من التكليفين في حق القادر على الإتيان بمتعلقه، وماورد في المقام من صحة الصلاة تماماً من الجاهل بوجوب القصر لا يدل على الترتب في مقام الجعل، بل غايته كون الإتمام من الجاهل مسقطاً لما يجب على المسافر من وجوب القصر، نعم يلزم على قول كاشف الغطاء أن يكون المسافر الجاهل بالقصر مكلفاً في اليوم والليلة بأزيد من الصلوات الخمس، بل يمكن أن يقال: إن الجاهل بوجوب القصر لا يلتفت إلى كونه جاهلاً به، ليكون إيجاب التمام على الجاهل بوجوب القصر داعياً له إلى الإتيان بالتمام.







بقي في المقام أمر وهو أنه قد تقدم عدم اعتبار الفحص في جريان البراءة في الشبهة الموضوعية، فإن قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وإن قلنا بأنها قاصرة لا تشمل لما قبل الفحص فيها، وإن إمكان تحصيل الحجة على التكليف الواقعي بإمكان استعلام حال المشتبه الخارجي بيان ومصحح للعقاب على مخالفته، إلاّ أن مادل على البراءة الشرعية غير قاصر عن الشمول لما قبل الفحص فيها، فإن الموضوع للرفع فيها عدم العلم بالتكليف، وقد يتمسك لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بما ورد في صحيحة زرارة: «من أنه ليس على المكلف عند احتمال وقوع النجاسة على ثوبه النظر» ولكن التمسك به في عدم اعتبار الفحص في الشبهات الموضوعية غير صحيح، حيث إن النجاسة في ثوب المصلى لا تكون مانعة عن الصلاة إلاّ مع إحرازها واعتبار الفحص المنفي في المقام في الشبهة الموضوعية فيما إذا كان الشيء بوجوده الواقعي موضوعاً للتكليف أو الوضع الملازم له.















في عدم اعتبار الفحص في الشبهات الموضوعية







وأيضا قد يقال باعتبار الفحص في بعض الشبهات الموضوعية وعدم جواز الرجوع فيها إلى الأصل النافي، وهذا في الموارد التي لا يكون إحراز الموضوع غالباً وعادة بالفحص كبلوغ السفر حد المسافة، فإنه يجب عند الجهل السؤال من أهل الخبرة وساكني تلك المواضع، فإن لم يحرز الحال بالفحص يرجع إلى عدم بلوغه حد المسافة في سفره، وكبلوغ المال الزكوي حد النصاب أو كفاية ماله لمؤنة الحج، أو كون المرأة قد طهرت من حيضها، أو كون الاستحاضة قليلة أو متوسطة أو كثيرة، أو زيادة ربحه على مؤنة سنته، ونحو ذلك مما يوجب ترك الفحص فيها إلى مخالفة التكاليف الواقعية، وفيه إن حصل للمكلف علم بمخالفة التكليف مع ترك الفحص في بعض الوقائع من الشبهات الموضوعية التي يبتلي بها ولو تدريجياً فهذا العلم الإجمالي الحاصل بمخالفة بعض الاُصول النافية الموجب للمخالفة القطعية للتكليف في بعض تلك الوقائع مانع عن الأخذ بالاُصول النافية فيها، وفي غير ذلك لا موجب لرفع اليد عنها مع شمول إطلاق خطاباتها أو عمومها لتلك الموارد، نعم إذا كان في مورد الشك في التكليف أصل مثبت له فلا يبقى فيه لاصالة البراءة موضوع، كما إذا شك في امرأة كونها أجنبية أو امرأته، فإن الاستصحاب في عدم زوجيتها له يدخلها فيما يحرم الاستمتاع بها، ومن هذا القبيل الشك في صرف ربح السنة في مؤنتها، سواءً قلنا بأن الخمس يتعلق بالربح إذا لم يصرف في المؤنة أو أن صرفه في المؤنة مسقط لوجوب الخمس فيه، فإن الاستصحاب في عدم صرفه في المؤنة محرز لوجوب الخمس فيه، بخلاف ما إذا قيل بتعلّقه بالربح الزائد على مؤنته، فإنه يكون من الشك في تحقق موضوع التكليف، ودعوى أن أصالة البراءة أصل امتناني لا يشمل موارد خلاف الامتنان لا يمكن المساعدة عليها، فإن الكلام في مطلق الأصل النافي، وعن النائيني (قدس سره)عدم جريان الأصل النافي في الموارد التي يحصل للمكلف مقدمات العلم بحال الموضوع، ويحتاج إلى مثل مجرد النظر والالتفات بدعوى أن النظر لا يصدق عليه الفحص المحكوم بعدم اعتباره في الشبهات الموضوعية في جريان الأصل، ولكن لا يخفى أن الفحص وعدمه ليسا بالموضوع في الاُصول، بل الموضوع لها هو الجهل وعدم العلم بالواقع ولا يفرق في صدق العلم وعدمه حصول مقدمات العلم وعدمه.















شرطان آخران للبراءة















[6] ذكر الفاضل التوني لجريان أصالة البراءة أمرين آخرين غير الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف الواقعي في الشبهة الحكمية، الأول: أن لا يثبت بأصالة البراءة حكم شرعي من جهة اُخرى، مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه، فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عنه، أو يقال بأن الأصل عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كراً، أو أن الأصل عدم تقدم الكرية، حيث يعلم بملاقاته للنجاسة على ملاقاتها، فإن أعمال الاُصول يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء، ولا يخفى أن المثالين الأخيرين لا يرتبطان بأصالة البراءة إلاّ أن يراد منها ما يعم الاستصحاب في عدم الشيء، وكيف ما كان فقد ذكر الماتن في الشرط الأول ما حاصله، أنه لو كانت الإباحة الظاهرية كما هو مفاد قاعدة الحل، ورفع التكليف كما هو مفاد حديث الرفع موضوعاً لحكم شرعي آخر أو ملازماً للإباحة ورفع التكليف حتى فيما كانا ظاهريين يثبت ذلك الحكم الآخر لثبوت موضوعه أو ثبوت حكم لا ينفك عن الحكم الآخر، ولو كان الحكم الآخر ظاهرياً، وأما إذا كان الحكم الشرعي مترتباً على نفي التكليف وعدمه واقعاً أو ملازمه لعدمه كذلك فلا يثبت ذلك الحكم الآخر بأصالة البراءة؛ لأنها لا تنفي التكليف واقعاً، ومما يمكن أن يمثل به في المقام فيما إذا لم يكن عند المكلف إلاّ ماء واحد يشك في حليته وحرمته، فإنه إذا جرت في ذلك الماء أصالة الحلية يثبت وجوب الوضوء أو الغسل لصلاته؛ لأنّ مع حكم الشرع بجواز تصرفه فيه يكون المكلف واجداً للماء فلا تصل النوبة إلى التيمّم لصلاته، وكذا إذا شك في ثبوت الدين عليه للناس بحيث يمنع عن استطاعته للحج فإنه بأصالة البراءة عن الدين عليه يحرز الاستطاعة الموضوع لوجوب الحج، نعم إذا ظهر بعد العمل أنه كان مديوناً فبناء على أن عدم وجوب الحج على المديون، لعدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج عرفاً، ظهر أن حجه لم يكن حجة الإسلام، وأما بناءً على أن عدم وجوبه على المديون لكون وجوب الحج معه حرجياً، فيحكم بتحقق حجة الإسلام؛ لأنّ نفي التكليف عند الحرج امتناني فلا يعم الفرض، وهذا بخلاف مالو ظهر أن الماء كان ملك الغير وأنه لم يكن راضياً في التصرف فيه، فإنه يحكم بصحة وضوئه وصلاته بناءً على أن الموجب للتقييد في خطاب الأمر بالوضوء للصلاة في باب اجتماع الأمر والنهي هو النهي المنجز لا النهي الواقعي، وإلاّ كان كالحج كما لا يخفى، وأما استصحاب عدم الكرية في الماء المفروض ملاقاته مع النجاسة فلا باس بجريانه وإثبات النجاسة بذلك؛ لأنّ الموضوع لانفعال الماء هو الماء إذا لم يكن كراً، كما هو مقتضى مفهوم قولهم (عليهم السلام) «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(5) وكون الماء المفروض ملاقياً للنجاسة محرز بالوجدان، وعدم كونه كراً محرز بالأصل، فيتم موضوع الانفعال، وأما مع إحراز كون الماء كراً وإحراز ملاقاته للنجاسة والشك في التقدم والتأخر، فيقال بأن الاستصحاب في عدم كرية الماء إلى زمان الملاقاة معارض بالاستصحاب في عدم ملاقاته للنجاسة إلى زمان حدوث الكرية فيتساقطان ويرجع إلى أصالة الطهارة في الماء، هذا مع الجهل بتاريخ حدوثهما، وأما مع العلم بتاريخ أحدهما فيجري الاستصحاب في ناحية عدم الآخر إلى زمانه فيحكم بمقتضاه، ولكن الصحيح الحكم بنجاسة الماء في فرضي الجهل بتاريخهما أو تاريخ أحدهما لجريان الاستصحاب في عدم كريته عند ملاقاته النجاسة، والاستصحاب في عدم ملاقاته إلى زمان الكرية لا يثبت ملاقاتها المفروضة التي كانت عند الكرية حتى لا ينفعل، وتمام الكلام في بحث الفقه.















[7] الثاني من الشرطين في كلام الفاضل التونى لجريان البراءة، هو أن لا يتضرر مسلم بإعمالها كما لو فتح قفص طائر وطار، أو حبس شاة فمات ولدها، أو أمسك رجلاً فشردت دابّته، فإن البراءة عن الضمان فيها وفي مثلها يوجب الضرر على مالك الطائر والشاة والدابة وغيرها، ويحتمل اندراج هذه الموارد في قاعدة الإتلاف وعموم قوله (صلّى الله عليه وآله) «لا ضرر ولا ضرار»(6) لأنّ المراد من نفي الضرر هو نفي الضرر غير المنجبر، وإلاّ فالضرر في نفسه غير منفي فلا العلم ولا الظن بأن الواقعة غير منصوصة، فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النص بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعى بالضار، ولكن لا يعلم أنه مجرد التعزير أو الضمان أو هما معاً، فينبغي تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح، ويرد عليه بأنه لو شملت قاعدة نفي الضرر الموارد المزبوره وثبت الضمان فيها لكون مفادها نفي الضرر غير المتدارك، فتلك الموارد وأمثالها وإن لم تكن من موارد أصالة البراءة إلا أن عدم كونها منها من جهة عدم بقاء الموضوع لأصالة البراءة، حيث لا موضوع للأصل العملي مع الدليل الاجتهادي، ولذا لو قلنا بشمول قاعدة الإتلاف لتلك الموارد وقلنا بأن نفي الضمان فيها خلاف الامتنان على المالك فلا يبقى موضوع لأصالة البراءة أيضاً، وعلى الجملة عدم وجود دليل اجتهادي على الإلزام الواقعي من التكليف أو الوضع لا يكون شرطاً زائداً على تحقق موضوع الأصل، نعم إذا لم يحرز استناد التلف إلى الفاعل في تلك الموارد أو بعضها فلا باس بالرجوع إلى أصالة عدم الضمان مع ثبوت التعزير فيها؛ لأنّ التصرف في ملك الغير بلا رضا مالكه كفتح قفصه أو إمساك دابته وكذا التصرف في بدنه إيذاءً حرام موجب للتعزير، وقد يوجه كلام الفاضل التوني بأن مراده عدم جريان أصالة البراءة لا استصحاب عدم ضمانه، حيث إن جريانها في مثل المقام مما يوجب تضرر المالك خلاف الامتنان، ولكن لا يخفى ما في التوجيه فإنه علل في آخر كلامه عدم جريان الأصل، بأن البراءة تجري في موارد عدم العلم والظن بعدم النص، وهذا لا يختص بأصالة البراءة، بل يجري في جميع الاُصول، بل مسألة خلاف الامتنان تختص بحديث الرفع، ولا تعم مثل: «كل شيء حلال حتى تعرف الحرام»، وما ذكر الفاضل التوني من أنّه مع احتمال دخول المورد في النص الموجود لا يجرى الأصل يلزم عليه عدم جريان أصالة البراءه في الشبهات الموضوعية؛ لأنّ شرط جريانها العلم أو الظن بعدم النص، ويحتمل في الشبهات الموضوعية دخول المشكوك في خطاب التكليف لحصول موضوعه خارجاً، ولا يحتمل الفرق بينها وبين ما ذكره من الامثلة، ان الشبهة فيما ذكره عن الشبهة المفهومية، حيث لا يحرز صدق الاتلاف في تلك الامثلة وكون الشبهة فيما ذكرنا موضوعية.















(1). سورة الأنعام: الآية 149.







(2). بحار الأنوار 2:29. عن أمالي الشيخ المفيد.







(3). وسائل الشيعة 13:46، الباب 18 من أبواب كفارات الصيد، الحديث 6.







(4). وسائل الشيعة 27:25، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الأحاديث 15ـ18 و 20 و 21 و 23ـ28.







(5). وسائل الشيعة 1:158، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 2 و 5.







(6). وسائل الشيعة 18:32، الباب 17 من أبواب الخيار، الحديث 3.































ثم إنه لا باس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار[1] وتوضيح مدركها وشرح مفادها.







وأما دلالتها: فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص[2] في النفس أو الطرف أو العرض أو المال تقابل العدم والملكة.







أو خصوص الغير المتدارك منه[3]، ومثله لو اُريد ذاك بنحو التقييد، فإنه وإن لم يكن ببعيد، إلاّ أنه بلا دلالة عليه غير سديد، وإرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلاّ أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب[4].















في قاعدة نفي الضرر















[1] يقع الكلام في قاعدة نفي الضرر في جهات، الاُولى: في الروايات التى ذكر لها مدركاً ومنها موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، فكان يمر إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة فلما تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) فشكا إليه، وخبّره الخبر فأرسل إليه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)وخبّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال: إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى، فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ماشاء اللّه، فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل، فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر ولا ضرار»(1)وفي رواية الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) بعد الإباء قال (صلّى الله عليه وآله) لسمرة: «ماأراك يا سمرة إلاّ مضاراً اذهب يا فلان فاقطعها، فاضرب بها وجهه»(2)، ورواية عقبة بن خالد عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع الشيء وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ، وقال: لا ضرر ولا ضرار»(3)، وبهذا السند روى عقبة ابن خالد عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال: «قضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أرّفت الاُرف وحددت الحدود فلا شفعة»(4)، والمروي في الفقيه في باب ميراث أهل الملل عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(5)، والثابت مما تقدم قوله (صلّى الله عليه وآله) لا ضرر ولا ضرار، وأما زيادة: على مؤمن، أو زيادة في الاسلام، فلم يثبت شيء منها، فإن رواية زرارة الوارد فيها على مؤمن(6) ضعيفة سنداً، حيث في سندها إرسال، وما رواه في الفقيه مرسل ولو رواه عنه صلوات اللّه وسلامه عليه وآله بالقطع.







لا يقال: العمدة في المقام من الروايات موثقة زرارة التي وردت في قضية سمرة بن جندب، وقد وردت هذه القضية في رواية أبي عبيدة الحذاء بلا نقل جملة لا ضرر ولا ضرار، فإنه يقال مع المناقشة في رواية الحسن بن زياد الصيقل سنداً أنها لا تنافي موثقة زرارة؛ لأنّ اختلاف النقلين بحسب الزيادة والنقيصة بمثل ذلك لا يوجب تعارضاً بل يؤخذ بالزيادة.







ثم إنه لايبعد أن يكون قوله (عليه السلام) في روايتى عقبة بن خالد: وقال لا ضرر ولا ضرار، من قبيل الجمع في الرواية لا في المروي بأن يكون قوله (صلّى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار، حكم مستقل لا يرتبط بمسألتي حق الشفعة ومسألة إعطاء فضول الماء، ولكن أبو عبداللّه (عليه السلام) قد جمع في الرواية لعقبة، ويؤيد ذلك أن الشفعة لا تثبتها قاعدة نفي الضرر، حيث ربما يكون بيع الشريك حصته من شخص آخر أرفق لشريكه الآخر لكون المشتري لحصته شخصاً خيّراً يراعى مصلحة الشريك بأزيد من بائع حصته، مع أن حق الشفعة على تقدير كون بيع الحصة ضررياً بالإضافة إلى الشريك، كان البيع محكوماً بالفساد لكونه ضررياً، وليس معنى لا ضرر تدارك الضرر وحق الشفعة للشريك تدارك، وأما مسألة عدم منع فضول الماء فهو حكم استحبابي لا يمكن أن يعلل بقاعدة نفي الضرر، ويؤكد ما ذكر من كونه من قبيل الجمع في الرواية تكرار (قال) في الروايتين بحرف العطف.







وقد يقال: بأن الوارد في الروايتين: وقال لا ضرر ولا ضرار، من قبيل الجمع في المروي، وأن نفي الضرر في الموردين حكمة التشريع، وأن الشارع قد سد سبيل الضرر في بعض الموارد لحكمة بجعل حق الشفعة للشريك الآخر بنحو القضية الكلية، كما أنه دفعاً لبعض الضرر منع منعاً تنزيهياً عن بيع فضول الماء، وهذا نظير نفي الحرج حيث إن نفيه قد يكون حكمة التشريع، كما في قوله سبحانه، (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام اُخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)(7) وقوله سبحانه: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط... فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج)(8)، حيث إن انتفاء الحرج عن المريض وغيره حكمة للتشريع، وقد يكون نفي الضرر قاعدة حاكمة على إطلاق خطابات التكاليف وعموماتها، نظير قاعدة نفي الحرج في قوله سبحانه: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(9)، ولكن لا يخفى أن نفي الضرر وإن يمكن كونه حكمة في جعل حق الشفعة ولكنه لا يكون حكمة في المنع عن بيع فضول الماء أو منعه تنزيهاً، حيث إن الحكمة في المنع هو أن يمنع فضل الكلأ، وعلى الجملة فتكرار (قال) مع (الواو) العاطفة في الروايتين يمنع عن ظهور كونهما من قبيل الجمع في المروي، ومع الإغماض عن ذلك فلابد من توجيه كون نفي الضرر حكمة التشريع.















[2] هذه الجهة الثانية، ويقع الكلام فيها في مفاد المفردات الواقعة في جملة لا ضرر ولا ضرار ومفاد الهيئة التركيبية، وقد ذكر الماتن (قدس سره) أن الضرر يقابل النفع كالعدم والملكة، وأن المراد من الضرر النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال، ولكن لا يخفى أنه لو كان الضرر يقابل النفع بالعدم والملكة لكان نفي الضرر عدم النفع في مورد قابل للنفع، لا أن يكون معناه النقص كما أن ظاهر النفع الزيادة فيما ذكر، وعلى الجملة بين الضرر وبين النفع الظاهر في الزيادة واسطة، نعم قد يطلق الضرر ويراد به عدم النفع كما في قوله (عليه السلام): «علامة الإيمان أن تُؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك»(10)، حيث لا يحتمل أن لا يكون اختيار الصدق فيما لا ينفع الشخص على الكذب النافع له من علامة الإيمان، ولكن هذا غير ظاهر الضرر، حيث ما يطلق بلا قرينة فإن، ظاهره كما ذكر النقص نفساً أو طرفاً أو عرضاً أو مالاً منه أو ممن يحسب النقص الوارد عليه نقصاً لهذا الشخص، كما أن النفع ظاهره الزيادة في شيء من ذلك، وقد يقال: بأنه لا يستعمل الضرر في موارد النقص في العرض ولا أقل من أن إطلاقه لا يعمّه، كما أن النفع كذلك بالإضافة إلى الزيادة في العرض، ولكن لا يخفى ما فيه، فإن صح أن يقال: نفعه فيما إذا فعل ما يزيد به عزّة وكرامته، كما يصح أن يقال: أضرّ به فيما إذا فعل ما يوجب نقص كرامته وشرفه، ولا يبعد أن يستشهد لذلك بما ورد في رواية أبي عبيدة الحذاء من قوله (صلّى الله عليه وآله) «يا سمرة ما أراك إلاّ مضاراً»، حيث إن الضرر الوارد في قضية سمرة من قبيل العرض، ودعوى أن الضرر في هذه الموارد يستعمل بمعنى إدخال المكروه والتضييق على الغير، ولذا ذكرا من معاني الضرر لا يمكن المساعدة عليها، فإن إدخال المكروه والضيق فيما لا يوجب نقصاً لم يدخل في ظاهر الضرر، وعلى الجملة الضرر حيث ما يطلق ظاهره النقص في شيء مما تقدم، وأما لفظ (ضرار) فليس المراد به الجزاء بالضرر لعدم كون ذلك ظاهره، سواءً قيل بأن (ضرار) مصدر للمجرد أو للمزيد من باب المفاعلة، كما أنه ليس المراد منه في الموثقة بمعنى المفاعلة بالمعنى المعروف، بقرينة قوله (صلّى الله عليه وآله): «ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً»، بل يقال: إن ما هو المعروف من معنى المفاعلة أنه فعل بين الاثنين لا أساس له، فإن التتبع في موارد استعمالات باب المفاعلة يشهد بخلافه، وأن هيئة مفاعلة وضعت لإفادة تصدى الفاعل لايجاد المادة، قال: عز من قائل (يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم)(11)، حيث أراد سبحانه وتعالى بأن المنافقين يتصدون لخديعة اللّه والمؤمنين، ولكن خدعتهم لا تقع إلاّ على أنفسهم، ولذا عبر عن تصديهم بهيئة المفاعلة وعن وقوعها على أنفسهم بهيئة المجرد، وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه، فإن الاستعمال في بعض الموارد كذلك على تقديره لا يثبت الظهور، فلاحظ مثل: عانقه وكاتبه ولازمه وخادعه وداينه وصالحه، إلى غير ذلك مما لا يحصى، والحاصل أنه لم يثبت غير معنى الضرر، إلاّ أن (الضرار) حيث ما يطلق ظاهره إيراد الضرر على الآخر.







وأما مفاد الهيئة التركيبية، فذكر الماتن ما حاصله أن (لا) الداخلة على طبيعي الضرر المسماة بـ(لا) النافية للجنس ظاهرها نفي الطبيعي، وإذا علم عدم كون نفيه بنحو الحقيقة خارجاً يحمل على نفيه بالادعاء وإرادة نفي الطبيعي من (لا) النافية للجنس معروفة في استعمالاتها يجده من أمعن النظر إليها، نعم لابد في البين من مصحح للادعاء وهو أن يكون انتفاء الوصف أو الأثر سواء كان أثر الطبيعي من الأمر الخارجي، أو الأمر الشرعي فلاحظ: يا أشباه الرجال ولا رجال، ولا علم إلاّ ما نفع، ولا ربا بين الوالد والولد، ولا صلاة إلاّ بطهور، ونفي الطبيعي ادعاءً بلحاظ كون المصحح له ما ذكر غير جعل مدخولها الوصف أو الأثر بنحو الإضمار أو باستعمال لفظة (لا) في نفي الأثر، أو الوصف بنحو المجاز في الكلمة، وعلى ذلك يكون معنى لا ضرر نفيه خارجاً، ولكن بنحو الادعاء والمصحح للنفي نفي أثره أي حكمه بمعنى أن كل عمل أو معاملة انطبق عليها عنوان الضرر والضرار فلا يترتب عليه الحكم المترتب لولا عنوان الضرر، فلا يكون الوضوء الضرري أو الصوم الضرري مما يتعلق به الوجوب، ولا يكون المرور إلى نخلته بلا استيذان من مالك الدار جائز إذا انطبق عليه عنوان الضرر إلى غير ذلك.















كون المنفي هو الفعل الضرري أو الحكم والتكليف الضرريين







وذكر الشيخ (قدس سره) أن المنفي بقاعدة نفي الضرر هو منشأ الضرر والسبب الذي يدخل في سلطان الشارع بما هو شارع، وهذا المنشأ والسبب يكون بتشريع الحكم الموجب له لا سائر الأسباب من الاُمور الخارجية، وأورد عليه في الكفاية مشيراً إليه بضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة سبب من أسبابه فيكون المفاد بناءً على ما ذكر الشيخ أن كل حكم وتكليف يكون منشأً للضرر فهو غير مجعول، ويمكن الجواب عما ذكره الماتن (قدس سره) في مقام الإيراد أن الضرر لم يستعمل في سبب من أسبابه، بل الضرر المنفي هو الضرر في مقام التشريع وأنه لم يشرع في ذلك المقام الضرر، والضرر في ذلك المقام ينطبق على الحكم والتكليف الموجب للضرر، ويؤيد ذلك المرسلة المروية في الفقيه «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» حيث إن الإسلام في فروعه هو الأحكام والتكاليف المجعولة على العباد، وإلاّ فما ذكره الماتن (قدس سره) من أن المنفي هو طبيعي الضرر خارجاً ويكون نفيه كذلك بنحو الادعاء والمصحح للادعاء نفي الحكم أو الوصف كما في سائر موارد استعمالات (لا) النافية للجنس بنحو الادعاء لا يمكن المساعدة عليه، فإن النفي كذلك ادعاءً إنما يكون بالإضافة إلى الموضوعات التي يترتب على وجوداتها الأثر، فإنه إذا لم يترتب الأثر المترقب من الشيء على الموجود أو لم يكن فيه الأثر المرغوب من الشيء ينفى ذلك الشيء خارجاً ولو بنحو الادعاء، وأما بالإضافة لمتعلقات التكاليف فعدم تعلق الوجوب بفعل يعد ضرراً على المكلف أو تعلق الحرمة مع تركه أو إيجاده خارجاً عصياناً لا يصحح نفي الضرر خارجاً، ولو بنحو الادعاء كما لا يخفى. وإن شئت قلت: إن ما ذكره الماتن (قدس سره) من حمل نفي الضرر على نفي الطبيعي خارجاً غاية الأمر أن نفيه خارجاً بالادعاء لانتفاء الأثر على غرار «لا صلاة إلاّ بطهور» و«يا أشباه الرجال ولا رجال» غير صحيح، فإن المنفي في تلك الموارد نفس الشيء ولو بداعي عدم الوصف والأثر المرغوب في أشباه الرجال أو في الصلاة من غير طهور، وفي موارد نفي الضرر لا ينتفي الأثر المرغوب أو المترتب لنفس عنوان الضرر وإنما ينتفي الأثر المترتب على مورد صدقه لولا انطباق عنوان الضرر، نظير ما تقدم في رفع الإكراه والاضطرار من حديث الرفع، وما ذكرنا في رافعية الإكراه والاضطرار ونفي الحرج غير جار في نفي الضرر أيضاً، فإن ما استكره عليه أو ما اضطر إليه عنوان لنفس العمل الذي كان متعلق التكليف أو الموضوع للوضع لولا طريانها بخلاف الضرر، فإنه كما تقدم بمعنى النقص في المال أو العرض أو الطرف أو النفس، وهذ لا ينطبق على نفس الوضوء والصوم وغير ذلك من متعلقات التكاليف، ليقال: إن عنوان الضرر كعنوان الإكراه والاضطرار والحرج من العناوين الرافعة للتكاليف، بل الضرر أمر مسبب عن الأفعال والأعمال ونفي السبب بنفي مسببه غير ظاهر من (لا) النافية للجنس، وإذا كان المراد نفي سببه بنحو العناية يكون التكليف والوضع أيضاً سبباً للضرر.







والصحيح كما يأتي ليس المراد من نفي الضرر ونفي الضرار نفيهما في الخارج ولو ادعاءً، بل المراد نفيهما في مقام التشريع بمعنى أن الشارع لم يجعل في مقام التشريع ما يوجب الضرر على المكلف أو غيره، ومرجعه إلى عدم جعل تكليف ضرري أو الحكم الوضعي الضرري لموضوع، ولعل هذا مراد الشيخ (قدس سره)، وكيف كان فقد يقال بظهور الثمرة بين ما ذكره الماتن في معنى نفي الضرر والضرار وما التزم به الشيخ (قدس سره)فيما إذا لم يكن الفعل أو المعاملة المتعلق بهما التكليف أو الوضع ضررياً، بل كان الضرر في ناحية نفس الحكم والتكليف الثابت أو المتعلق بأحدهما، كما إذا كان التكليف المعلوم إجمالاً للجهل بمتعلقه أو موضوعه وتردده بين أطراف إحرز موافقته ضررياً أو كان الضرر في لزوم المعاملة، كما في مورد خيار الغبن، ولكن الثمرة المذكورة في مورد الجهل بين أطراف العلم الإجمالي بالتكليف محل منع، كما إذا علم المكلف بكون أحد الماءين ملك الغير وغير راض بالتصرف فيه مع عطشه الذي يخاف على صحته مع تركه شربهما مع انحصار الماء عليهما، فإنه في الفرض لا يكون ترك شرب المغصوب منهما ضررياً، بل الضرر في ناحية نفس حرمة شربه فإنها مع العلم الإجمالي بها تقتضي الموافقة القطعية، هكذا قيل ولكن لا يخفى أن الضرر في ناحية إحراز امتثال التكليف في الفرض لا في ناحية أصل امتثاله، كما أنه في ناحية إحراز ترك المغصوب لا في ناحية نفس تركه فلا مجرى لنفي الضرر على كلا المسلكين، نعم مع اضطرار المكلف إلى شرب أحدهما يجوز له ذلك؛ لأنّ الحرام الواقعي إذا كان المكلف مضطراً إليه يجوز ارتكابه ويكون حلالاً فكيف بالمحتمل الحرمة من أطراف العلم، ولكن الجواز في الاضطرار إلى أحدهما غير المعين في المختار حلية ظاهرية مادام الجهل على ما تقدم في بحث الاضطرار إلى بعض أطراف العلم، وأما مسألة خيار الغبن فقد ذكرنا في بحث الخيارات في بحث المكاسب أنه لا مجرى لقاعدة نفي الضرر في المعاملة الغبنية فإن الضرر فيها ينشأ من نفس إمضاء المعاملة الغبنية، ولو كانت جارية لكان مقتضاه عدم صحة تلك المعاملة لا نفي لزومها؛ لأن نفي لزومها تدارك للضرر، ولكن المعاملات المبنية على التغابن والمداقة وسائر المعاملات المالية المعاوضية فيها شرط ارتكازي عند الإطلاق من المتعاملين بأن إقدام كل منهما على المعاملة على تقدير التزام الآخر بالخيار له على تقدير غبنه، ومع هذا الاشتراط لا يكون إمضاء المعاملة المنشأة كذلك خلاف الامتنان؛ لأنّ نفي صحته لا يفيد للمغبون شيئاً مع تمكنه من فسخها عند إطلاعه بالغبن فيها، وقد يقال بظهور الثمرة بين القولين فيما إذا تردد المكلف بكونه مديوناً لزيد أو عمرو أو تردد كون ما بيده لزيد أو لعمرو، فإنه لا يكون نفس أداء الدين إلى دائنه أو ردّ العين التي في يده على مالكها ضررياً، وإنما ينشأ الضرر من التكليف بالأداء أو ردّ المال على صاحبه، حيث إنّه مع الجهالة بالداين أو المالك وترددهما بين شخصين أو أشخاص يكون التكليف بالأداء والردّ ضررياً، ولكن قد ظهر مما تقدم كون الضرر في إحراز الأداء والرد، بل يمكن أن يقال إن إحرازهما أيضاً أمر ممكن لا ضرر فيه، وذلك بأن يؤدى الدين أو العين إلى أحدهما أولاً ثم أخذهما ممن أدى إليه ولو قهراً بلا رضاه، والرد على الثاني ثانياً حيث يعلم بسقوط الدين أو ردّ المال على صاحبه والأخذ ممن أعطاه أولاً ولو بلا رضاه مجرى أصالة الحلية وعدم الضمان، كما يمكن إحراز الامتثال بالمصالحة مع الشخصين أو الرجوع إلى القرعة بينهما.







وقد يقال بظهور الثمرة بين القولين فيما إذا توقف الاغتسال أو الوضوء على صرف المال الكثير بشراء المال ونحوه، فإن إيجاب الاغتسال أو الوضوء يكون ضررياً حيث يتوقف امتثاله على تحصيل الماء الموقوف على صرف المال المذكور بخلاف نفس الوضوء، فإن الوضوء لا ضرر في نفسه، بل الضرر في شراء الماء الذي يقتضيه التكليف به، وفيه أن نفس الوضوء كوجوبه في الفرض ضرري أيضاً حيث يوجب نقص ماله بالشراء.















[3] ربما يقال إن المنفي في قوله (صلّى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار» خصوص الضرر غير المتدارك، بأن استعمل الضرر في الضرر الخاص أي غير المتدارك منه، أو يقال بإرادة الضرر غير المتدارك بتعدد الدال والمدلول، فيكون مفاده أن كل ضرر في الخارج متدارك، ولا يوجب إرادته بنحو تعدد الدال والمدلول مجازاً، ولعل نظر القائل من الدال على القيد هو وقوع الضرر في الخارج غالباً، ولكن لا يخفى ما فيه فإن مجرد حكم الشارع بتدارك الضرر لا يكون تداركاً، ألا ترى أنه إذا أتلف ماله متلف وحكم على المتلف بالضمان مع كونه معسراً لم يصح أن يقال لا ضرر، وإذا كان هذا في مورد الضرر المالي فما الظن في موارد الضرر العرضي أو الطرفي وما حال الضرر الذي يورده الشخص على طرفه أو نفسه أو ماله أو يقع الضرر عليه من غير أن يستند إلى الغير، كانهدام داره بالزلزلة واحتراق بيته بوقوع النار فيها أو نحو ذلك، وعلى الجملة لا يتدارك كل ضرر في الخارج، والموارد التي يحكم فيها على الغير بالتدارك لا يعد مجرد الحكم تداركاً وما يتدارك بحق القصاص ونحوه لا يوجب صحة نفي الضرر الخارجي، ليقال إن المنفي هو الضرر الخارجي والمصحح لنفيه ادعاء لزوم تداركه مع أن هذا لا يناسب مورد الرواية.















فيما قيل بأن المراد من نفي الضرر والضرار تحريمهما















[4] وقد يقال إن المراد من النفي هو النهي، حيث إن الضرر والضرار عنوانان للفعل ويراد من نفيهما النهي عنها، وما ذكر الماتن (قدس سره) من عدم معهودية هذا النحو من الاستعمال في مثل هذا التركيب بأن يراد بـ(لا) النافية للجنس الداخلة على الاسم النهي، لا يمكن المساعدة عليه، لوقوع ذلك في قوله سبحانه: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)(12)، وكقوله (عليه السلام): «لا غش بين المسلمين»، وتوضيح ذلك أنه كما يصح الإخبار بالشيء خارجاً بداعي الأمر به كذلك في مقام النهي عنه يصح نفيه خارجاً، وكما أنه في صورة الإخبار بحصوله بداعي الأمر به إن كان المخبر به هو الفعل الخارجي يكون الأمر به تكليفاً بإيجاده، كذلك في مقام النهي نفيه، وأما إذا كان المخبر به فعلاً اعتبارياً يكون الإخبار بوقوعه إرشاداً إلى صحته ويكون نفيه إرشاداً إلى عدم صحته وإمضائه، كقوله «لا بيع فيما ليس بملك»، و«لا طلاق إلاّ بعد نكاح»، و«لا يمين للولد مع الوالد» إلى غير ذلك، فما عن بعض الأجلة من استعمال النفي في هذه الموارد في غير النهي لا يخفى ما فيه، فإن النفي في هذه الموارد من المعاملات كالنهي فيها إرشاد إلى عدم الإمضاء والمشروعية، والكلام في المقام في خصوص (لا) النافية للجنس الداخلة على الفعل الخارجي نظير الرفث والغش ونحوهما، وقد ذكر شيخ الشريعة في تأييد ما ذهب إليه من كون النفي بمعنى النهي بقوله (صلّى الله عليه وآله)«ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً»، فإنه بمنزلة الصغرى للكبرى لا ضرر ولا ضرار، وأن فعلك ضرار ويحرم الإضرار، والضرار بخلاف المعاني المتقدمة في معنى الكبرى فإنه لا يرتبط بقوله (صلّى الله عليه وآله)ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً.







أقول: الجواب عن هذا الوجه هو أن المنفي في المقام الضرر والضرار، والضرر ليس عنواناً للفعل الخارجي، بل هو بمعنى الاسم المصدري، والضرر بهذا المعنى يراد من نفيه نفي سببه، وكما أن الفعل سبب للضرر وموجب له كذلك الحكم والتكليف موجب له، ولو كان المراد من نفيه نفي الفعل فيكون من حمل نفيه على النهي على غرار ما ذكر في (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)(13) بخلاف ما اُريد الحكم والتكليف الموجب له، حيث يؤخذ بظاهر نفيه، وأن الحكم والتكليف الموجب له غير مجعول فلا قرينة على حمل النفي على النهي، وإن كان ذلك غير بعيد في نفي الضرار حيث إنه مصدر يمكن جعله عنواناً للفعل خصوصاً بملاحظة ما ورد في رواية أبي عبيدة من قوله (عليه السلام) «ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً».







وقد ذكر في مدلول لا ضرر ولا ضرار وجهاً آخر، وحاصله أن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله)له مناصب ثلاثة كونه نبياً مرسلاً أي مخبراً عن اللّه سبحانه بأحكام الدين الحنيف اُصولاً وفروعاً، وموصلاً إياها إلى العباد، ومجرياً للحدود، وقاضياً في فصل الخصومات، وكونه رئيساً وزعيماً للاُمة الاسلامية، فله ولاية الأمر والنهي على ما هو مقتضى رعاية مصالح الرعية وحفظ النظام، فيكون أمره ونهيه (صلّى الله عليه وآله) على سنخين، ففيما أمر بفعل أو نهى عنه بما هو مخبر عن اللّه سبحانه بأحكام الدين وأحكام اللّه يكون أمره ونهيه إرشاداً إلى أمر اللّه سبحانه، أو نهيه، فتكون مخالفته عصياناً للّه سبحانه في أمره ونهيه، بخلاف ما أمر أو نهى بما هو زعيم الاُمة الإسلامية وسائسهم فإن نفس أمره ونهيه يكون مولوياً وموافقته إطاعة له ومخالفته تركاً لطاعته، كما يشير إلى ذلك قوله سبحانه (اطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم)(14) والأئمة (عليهم السلام)من بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) أولياء في تبليغ أحكام الشريعة ولهم أيضاً ولاية القضاء وإجراء الحدود وولاية الأمر والنهي فيكون أمرهم ونهيهم إرشاداً إلى حكم اللّه وأحكام الشريعة، فيكون الملاك في الطاعة والعصيان موافقة الحكم المرشد إليه من أمر اللّه ونهيه، بخلاف ما إذا أمروا أو نهوا بما هم أولياء الأمر والنهي على الرعية.







ثم إن الأمر والنهي الواردين عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إن كانا ظاهرين في الأخبار بالشرع المبين، والوظائف المقررة على العباد من قبل اللّه سبحانه فلا كلام، وأما إذا لم يكن في البين ظهور في ذلك، كما ورد أنه (صلّى الله عليه وآله) قضى أو حكم ونحو ذلك، فإن كانت قرينة خارجية على أن مراده الإبلاغ وبيان الأحكام الشرعيه فلا كلام أيضاً، وإلاّ فظاهر الكلام المزبور أنه حكم مولوي من قبله (صلّى الله عليه وآله) ويؤيد ذلك أنه لم ترد مثل هذه التعبيرات فيما ورد عن غير الرسول (صلّى الله عليه وآله) وغير علي (عليه السلام) من سائر الأئمة الذين منعوا عن التصدي لحق الوصاية، وعلى ذلك فالمنقول في حديث لا ضرر ولو من طريق العامة أنه قضى بأنه لا ضرر ولا ضرار، وحيث إن المورد للحديث ليس من قبيل الشبهة الحكمية ولا الموضوعية لتحميل القضاء بمعنى فصل الخصومة في المرافعة في أحدهما يتعين كونه نهياً مولوياً سياسياً صدر للتحفظ عن وقوع الضرر، وهذا النهي المولوي عام لجميع الأدوار والأعصار صادر عن رئيس الملة والاُمة فاللازم اتباعه، فيكون كسراً لما عند العقلاء من سلطنة المالك على ماله، وإن هذه السلطنة لا تكون مع الإضرار والضرار، فيكون الحديث حاكماً على سلطنة الملاك بالإضافة إلى أموالهم ومناسباً لمورد الحديث، ويترتب على ذلك عدم صحة التمسك بالحديث في موارد كون تكليف الشرع ضررياً كالوضوء والغسل والصوم ونحو ذلك، بل يتعين حكومته على قاعدة سلطنة المالك.















في كون المستفاد من نفي الضرر والضرار حكم شرعي







ولكن لا يخفى ما فيه، أما اولاً: فإن للنبي (صلّى الله عليه وآله) إذن في التشريع بأن يجعل من شرعه وجوب فعل أو استحبابه وغيرهما، فالحكم الذي يجعله من شرعه حكم شرعي كسائر الأحكام بالإضافة إلى جميع الأدوار والأعصار، فإن ماسنّ النبي (صلّى الله عليه وآله)من التكاليف والأحكام تكليفاً أو وضعاً في مقابل فرض اللّه سبحانه، أمر معروف عند الخاصة والعامة، وهذه الولاية بالإيكال من اللّه، وكما أن الأئمة (عليهم السلام) مبينون لأحكام الشريعة في غير موارد السنن كذلك مبينون ومبلغون في موارد السنن، نعم هم (عليهم السلام)اُولو الأمر بالإضافة إلى الرعية كالنبي الأكرم، وكلٌ أولى بالمؤمنين من أنفسهم مثله صلوات اللّه عليه وعليهم على ما ذكر في بحث الولاية التي هي إحدى الخمس المبني عليها الإسلام، وما يحكى عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بحيث يعم، كسائر احكام الشريعة، جميع الأدوار والأعصار ظاهره التشريع أو إظهار التنزيل، سواء كان بلفظ (قضى) أو (حكم) أو (رخص) أو (نهى) كما في المحكي عنه، بأنه (صلّى الله عليه وآله) نهى عن بيع الضرر، وعن بيع ماليس عندك، مع أن قوله (صلّى الله عليه وآله) لاضرر ولاضرار، لم يحك في رواياتنا بقضائه وحكمه، بل وقع تعليلاً للترخيص للأنصاري في قلعه نخلة سمرة، وذكر أيضاً في روايات الشفعة والمنع عن بيع فضول الماء، وقد تقدم أنه إما من قبيل الجمع في الرواية أو بيان حكمة التشريع وحكمه المولوي صلوات اللّه وسلامه عليه بالإضافة إلى شخص أو أشخاص أو طائفة في عصره واقع لا محالة.







وثانياً: أنه لو فرض وقوع الحكم المولوي منه بالإضافة إلى جميع الرعية والمسلمين في جميع الأعصار والأدوار بحيث لا يدخل في التشريع فإثباته في قوله (صلّى الله عليه وآله) لا ضرر ولا ضرار غير ممكن؛ لأنّ التعبير بـ(قضى) في بعض روايات العامة مع عدم اعتبار النقل لا يكون قرينة على أنه من قبيل الحكم المولوي، أضف إلى ذلك احتمال كون المورد من موارد المرافعة في الشبهة الحكمية، ولعل سمرة كان يرى لنفسه الدخول والمرور في حائط الأنصاري بلا استيذان، ولعل الأنصاري أيضاً في بدو الأمر لا يعلم أنه حق له أم لا، ولذا شكا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، والحاصل إن اُريد بالنفي في لا ضرر، النهي عن الإضرار فلا يفرق في كونه خلاف الظاهر سواء كان النهي بما هو رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) أو بما هو زعيم المسلمين، وذلك فإن الضرر اسم مصدر وهو يترتب على الفعل لا أنه عنوان للإضرار وكون النفي كناية عن النهي عن الإضرار يحتاج إلى قرينة اُخرى، وإذا كان حمل نفيه على ظاهره في كون نفيه بمعنى انتفائه خارجاً ممكناً، غاية الأمر فيه خلاف ظاهر من جهة واحدة فيما لو ادعى أن المنفي هو الضرر الخارجي خارجاً، حيث يتوجه النفي إلى منشئه وسببه، وهو الحكم الشرعي الموجب له، فلا تصل النوبة معه إلى نفي سببه وجعل النفي كناية عن النهي عنه، كما إذا كان متعلق النفي الفعل الموجب للضرر هذا مع الإغماض عما ذكرنا من أن المنفي هو الضرر الخارجي في مقام التشريع لا في الخارج وإلاّ فلا مخالفة فيه للظاهر أصلاً.















في توجيه الحكم الوارد في قضية سمرة







نعم، قد يقال: بأن مقتضى قاعدة لاضرر أن لا يجوز لسمرة الدخول إلى حائط الأنصاري بلا استيذان، سواءً كان المنفي جواز الدخول والمرور بلا استيذان أو كان النفي بمعنى النهي، وأما قلع النخلة والرمي بها إليه فلا يكون مقتضاها حتى بناءً على أن نفي الضرر والضرار حكم مولوي، وعلى ذلك يقع الكلام في أنه (صلّى الله عليه وآله) كيف علل أمره بقلع النخلة بالكبرى المزبورة مع أنها لا تقتضيه، وذكر الشيخ (صلّى الله عليه وآله) بأن الجهل بكيفية تطبيق الكبرى على الحكم المذكور لا يضر بالأخذ بمفاد الكبرى.







وذكر النائيني (قدس سره) بأن نفي الإضرار كما يحصل برفع جواز الدخول بلا استيذان كذلك يرتفع بارتفاع حق سمرة في بقاء نخلته في حائط الأنصاري، وما نحن فيه من قبيل رفع المعلول برفع علته، وبتعبير آخر كما يرتفع الضرر عن الأنصاري برفع جواز دخول سمرة بلا استيذان كذلك يرتفع برفع الموضوع لجواز الدخول وهو رفع حق سمرة في بقاء نخلته في حائط الأنصاري، ونظير ذلك ما إذا كان جزء الواجب أو شرطه ضررياً فإن الضرر وإن كان ينشأ من وجوب الجزء والمقدمة إلاّ أنّه يرتفع بوجوب ذيها، ولا ينحصر بإيجاب الخالي عنه، وفيه أنّه لا يقاس المقام برفع وجوب المقدمة فإن رفع ذلك الوجوب يكون برفع وجوب ذيها ووضعه بوضع وجوب ذيها، ولذا لو لم نقل بوجوب المقدمة يكون الأمر أيضاً كذلك، بخلاف ما إذا كان الأمر الاعتباري موضوعاً للاحكام، وكان ثبوت بعض الأحكام في مورد ضررياً فلا موجب مع إمكان نفي ذلك البعض رفع نفس ذلك الأمر الاعتباري، كما إذا كان استمتاع الزوج من زوجته بالوطي ضررياً لها، فيرتفع جواز الوطي ولا ترتفع الزوجية بينهما، وإذا كان تصرف إنسان في ملكه ضررياً على الغير فلا يرتفع إلاّ جواز التصرف لا أصل ملكية ذلك المال، وحقه في بقائه.







وعلى الجملة فما ذكره رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) في قضية سمرة بن جندب مع الأنصاري أمران، أحدهما: نهي سمرة أن يدخل حائط الأنصاري بلا استيذان، وثانيهما: أمره (صلّى الله عليه وآله)بقلع النخلة، والإشكال في تطبيق قاعدة لا ضرر مبني على أن يكون قوله (صلّى الله عليه وآله): «فإنه لا ضرر ولا ضرار» تعليلاً للأمر الثاني أو لكلا الأمرين، وأما إذا كان تعليلاً للأمر الأول فقط فلا إشكال، وأما أمره الثاني، فقد يقال بأن مقتضى ولايته (صلّى الله عليه وآله)على الاُمة في أموالهم بل نفوسهم، وليس من قبيل الحكم الشرعي الثابت في الشريعة حتى يقال بأن الحكم المزبور ينافي قاعدة نفي الضرر، حيث إن جواز إتلاف مال الغير ضرر عليه أو لا أقل من عدم استفادة جواز الإتلاف من قاعدة لا ضرر فكيف يعلّل بها.







ويرجع إلى ذلك أيضاً ما يقال أن قوله (صلّى الله عليه وآله): «اذهب واقلعها وارم بها إليه» خطاباً للأنصاري وقوله (صلّى الله عليه وآله): «انطلق فاغرسها حيث شئت» خطاباً لسمرة من كونه في مقام تأديب سمرة وإظهار غضبه عليه، لا أنه من الحكم الشرعي من غير استعمال ولايته على الرعية، أقول: قد ذكرنا في بحث الولاية في بحث المكاسب وأشرنا إليه سابقاً أن كون نفي الضرر والضرار تعليلاً للحكم الأول صحيح، حيث إن مقتضى نفي الحكم الضرر وحرمة الضرار عدم جواز دخول سمرة حائط الأنصاري بلا استيذان، وليس في هذا أي ضرر على سمرة، والنافي فرض عدم اعتناء سمرة لعدم جواز الدخول بلا استيذان وعدم الإجابة لبيع النخلة بأي ثمن شاء، والأمر أو الترخيص للأنصاري بقلع النخلة حكم شرعي ولا يرتبط بمسألة ولاية النبي (صلّى الله عليه وآله) على الاُمة في أموالهم، ولا يستفاد من الحديث هذه الولاية ولا استعمالها، والوجه في ذلك دوران أمر الأنصاري بين أن يراعي وجوب التحفظ على عرضه، وبين عدم جواز التصرف في نخلة سمرة وإزالة حقه بقلعها، وفي مقام التزاحم لا يحتمل أن لا يكون وجوب حفظ عرضه أهم من إتلاف حق الغير بقلع نخلته، ولذا أمره (صلّى الله عليه وآله) بقلع نخلته نظير سائر ما لو دار الأمر في مقام التزاحم بين رعاية التكليف المحرز الأهمية أو محتملها، وبين التكليف الآخر يقدم التكليف الأهم أو محتمله، ولو كان ما ذكر (صلّى الله عليه وآله) للأنصاري من أعمال الولاية المشار إليها لم يكن حاجة إلى المذكور، بل كان للنبي (صلّى الله عليه وآله) تمليك النخلة للأنصاري مجاناً أو مع العوض، بل يمكن أن يقال إن مقتضى نفي الضرر أيضاً انتفاء حرمة التصرف عن قلع النخلة للانصاري لانّ ابقائها مع وجوب التحفظ عليه على عرضه وعياله في الفرض لغو محض، وليس كسائر موارد التزاحم مما يكون المكلف مؤاخذاً على ترك موافقة التكليف بالمهم على تقدير ترك العمل بالأهم كما يظهر ذلك بالتأمل.















(1). وسائل الشيعة 25:428، الباب 12 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 3.







(2). المصدر المتقدم: 427ـ428، الحديث الأول.







(3). وسائل الشيعة 25:420، الباب 7 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2.







(4). وسائل الشيعة 25:399-400، الباب 5 من أبواب كتاب الشفعة، الحديث الأول.







(5). من لا يحضره الفقيه 4:334.







(6). وسائل الشيعة 18:32، الباب 7 من أبواب الخيار، الحديث 5.







(7). سورة البقرة: الآية 185.







(8). سورة المائدة: الآية 6.







(9). سورة الحج: الآية 78.







(10). وسائل الشيعة 12:255، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 11.







(11). سورة البقرة: الآية 9.







(12). سورة البقرة: الآية 197.







(13). سورة النساء: الآية 59.







(14). سورة النساء: الآية 59.































ثم الحكم الذي اُريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر[1].







وأما لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه أن الدوران إذا كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين فلا مسرح إلاّ لاختيار أقلهما[2].























[1] قد تقدم أن عنوان الضرر عند الماتن (قدس سره) كعنوان الإكراه أو الاضطرار في أنه إذا انطبق على فعل خارجي أو اعتباري يكون انطباقه موجباً لارتفاع الحكم الثابت لذلك الفعل في نفسه أي بعنوانه الأولي أو المحتمل ثبوته له كذلك، ولذا يتقدم خطاب نفي الضرر على الخطاب الدال على ثبوت الحكم المفروض لذلك الفعل، حيث يجمع بين الخطابين، بأن الحكم الثابت للفعل اقتضائي بالإضافة إلى عنوان الضرر فيثبت له ويتعلق به ما لم يطرأ عليه عنوان الضرر، ولا تلاحظ النسبة بين الخطابين، ليقال: إن النسبة بينهما العموم من وجه، فإن ملاحظة النسبة ينحصر على ما كانت دلالة كل من الخطابين على حكم الفعل بالعنوان الأولي أو بالعنوان الثاني كما هو الحال أيضاً في الخطابات الدالة على حكم الأفعال بعناوينها الأولية مع خطاب نفي الاضطرار والإكراه والعسر والحرج، والحاصل أن قاعدة نفي الضرر لا تنفي الحكم الثابت لنفس عنوان الضرر وإنما يرفع الحكم فيما إذا تعلق به بعنوان ذلك الفعل إذا صار ضرراً، نعم إذا ثبت في مورد أن الحكم الثابت لفعل بعنوان ذلك الفعل لا يكون اقتضائياً، بل يثبت حتى مع طريان عنوان الضرر فلابد في ذلك المورد من رفع اليد عن إطلاق نفي الضرر.







أقول: لا يخفى الجمع العرفي بين الخطابين بالحمل على العنوان الأولي والثانوي فيما إذا ثبت حكم في أحدهما لمطلق الفعل وبعنوانه الأولي، وفي الآخر منهما حكم آخر لعنوان ثانوي يعم ذلك الفعل أيضاً في بعض الموارد، كما إذا ورد الأمر بالوضوء للصلاة في خطاب وورد النهي عن الغصب في خطاب آخر، ففيما انحصر ماء الوضوء بالمغصوب يجمع بين الخطابين بأن الوضوء بالماء المغصوب حرام، وأن الوضوء واجب لولا طرو المغصوب عليه، وكذلك إذا لم ينحصر بالماء المغصوب ولكن المكلف أراد الوضوء، فيقال الوضوء لا يجوز بذلك الماء بل عليه أن يتوضأ بغيره، حيث لا ترخيص في تطبيق طبيعي الوضوء على الوضوء بالمغصوب بل هو حرام، وأما في مثل قاعدة لاضرر فقد تقدم أن الماتن (قدس سره) بنى على أن نفي الضرر ادعائي والمصحح للادعاء لا يمكن أن يكون نفي الأثر المجعول لنفس الضرر كما اعترف به (قدس سره) حيث إن عنوان الموضوع تحققه يوجب تحقق الحكم المجعول له فلا يمكن أن يكون رافعاً له، بل نظير الحكم المجعول على عنوان الاضطرار أو الإكراه أو الخطأ والنسيان حيث يثبت ذلك الحكم بثبوتها.







فلابد من أن يكون المنفي نفس الفعل الذي يطرأ عليه عنوان كونه ضررياً بأن يكون المنفي نفس الوضوء أو الغسل، والصوم بأن يكون معنى لا ضرر، أنه لا وضوء ولا غسل ولا صوم مع الضرر، والمصحح لهذا النفي عدم الأثر لهذا الوضوء أو الغسل أو الصوم، وهكذا، وإذا كان الأمر كذلك وعلى هذا المنوال فيدخل نفي الضرر في الحكومة بالإضافة إلى الخطابات الدالة على ثبوت الآثار للوضوء والغسل والصوم بالتصرف في عقد الوضع في تلك الخطابات، نظير حكومة لا ربا بين الوالد وولده، حيث إنه نفي للربا بينهما بنحو الادعاء، والمصحح انتفاء ما يكون ثابتاً للربا في نفسه من الآثار، ونتيجة هذا النفي وإن يرجع إلى تقييد الحكم الثابت للربا في مقام الثبوت إلاّ أنه بالإضافة إلى مقام الإثبات يكون خطاب نفي الربا بين الوالد وولده حاكماً على الخطاب الدال على حرمة الربا بلا منافاة بين مدلولهما، حيث إن خطاب حرمة الربا لا يعين الربا خارجاً، وخطاب نفي الربا بين الوالد والولد ينفي الربا بين الوالد والولد كما هو الحال بالإضافة إلى حكومة: «لا شك للامام مع حفظ من خلفه»، بالإضافة إلى الخطاب الدال «إذا شككت فابن على الأكثر» أو أنّه «إذا شك في الاُوليين يعيد صلاته»، وهذا النحو من الحكومة قد يقتضي التضييق ثبوتاً في الحكم المستفاد من خطاب الدليل المحكوم كما في الأمثلة المتقدمة، وقد يفيد التوسعة كما في خطاب «الفقاع خمر» أو «إن الطواف بالبيت صلاة» ونحوهما.







وعلى الجملة فالجمع بين ما ذكره من أن نفي الضرر نفي الطبيعي ولكن ادعاءً والمصحح للادعاء انتفاء الأثر الثابت للفعل لولا نفيه بعنوان نفي الضرر وبين الالتزام بالجمع بين الخطاب الدال على ثبوت الأثر للفعل وخطاب نفي الضرر بالعنوان الأولي والثانوي غير تام، وأيضاً قد ذكرنا أن الضرر اسم مصدر فلابد من أن يكون المنفي ما يكون منه الضرر ويدور ما يكون منه الضرر بين نفس الفعل الضرري وبين التكليف والوضع الموجب رعايتهما الضرر، وأن يكون النفي في ارادة الفعل الضرري ادعائياً، بخلاف نفي الحكم من التكليف والوضع الملازم له فإن نفيهما يكون حقيقياً، ويترتب على نفي التكليف أو الوضع الملازم له أنه لا يعم مدلول نفي الضرر موارد الحكم الترخيصي حتى فيما كان الترخيص في الفعل مطلقاً، بل ينحصر النفي بقاعدة نفي الضرر في موارد ثبوت التكاليف والإلزامات فيما إذا شملت خطاباتها بإطلاقاتها صورة كون التكليف والإلزام ضررياً، وعلى الجملة بناءً على ما ذكرنا من كون نفي الضرر ناظراً إلى التكاليف والإلزامات التي تكون فيها مدلولات الخطابات الشرعية بياناً لعقد الحمل فيها، وأنه مثلا لم يجعل الوجوب للوضوء أو الغسل أو الصوم إذا كان ضررياً، وأما الأحكام الترخيصية فيما إذا كان الموجب للضرر اختيار المكلف فلا يكون بالإضافة إليها حكومة، فإن الضرر لم ينشأ من الترخيص، نعم الجمع العرفي بين الخطابين بحمل أحدهما على الحكم بالعنوان الأولي والآخر على الحكم بالعنوان الثانوي يصح بالإضافة إلى فقرة لا ضرار بناءً على أن نفيه بمعنى تحريم الإضرار بالغير، وتكون النتيجة بمقتضى الجمع مثلا جواز الفعل في غير صورة الإضرار بالغير وعدم الجواز معه.







وكذا يصح الجمع بهذا النحو بتقييد خطابات التكاليف بقاعدة نفي الضرر بناءً على أن معنى لا ضرر ولا ضرار بمعنى تحريمهما، فالوضوء الضرري يكون حراماً فيقيد لا محالة وجوبه واستحبابه بما إذا لم يكن ضررياً، وكذا غيره من الأفعال المحكومة بالجواز بالمعنى الأعم بحيث يشمل الوجوب والاستحباب والإباحة بالمعنى الأخص، والفرق بين كون نفي الضرر تحريماً للضرر أو نفياً لوجوبه عند كونه ضررياً، أنه إذا توضأ المكلف مع كونه ضررياً يحكم ببطلانه، بناءً على تحريم الضرر حيث إن تحريمه يعم الضرر على المكلف، بخلاف الضرار فإنه ظاهر في إضرار الغير ولا يعم ضرر الفاعل، وأما بناء على كون لا ضرر نفي الوجوب الضرري فلا يحكم ببطلانه إلاّ إذا كان الضرر بحيث يعد جناية على النفس فيحرم إيراد ذلك الضرر ولو كان على نفسه؛ لأنّ خطاب نفي الضرر وإن يرفع وجوب الوضوء، ولكن لا يرفع استحبابه مادام لم يصل إلى حدّ الضرر المحرم، بخلاف ما إذا قيل بأن معنى لا ضرر تحريم الضرر مطلقاً وإن لم يكن بتلك المرتبة فإن تحريمه مطلقاً يوجب التقييد في خطاب استحباب الوضوء أيضاً، وعلى الجملة التقيّيد في أدلة التكاليف بقاعدة نفي الضرر بنحو الجمع العرفي يصح بناءً على مسلك شيخ الشريعة من كون نفي الضرر والضرار بمعنى تحريمهما، فالوضوء الضرري يكون محرماً فيقيد إطلاق خطاب الأمر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ونحوها بما إذا لم يكن ضررياً.







ثم إنه قد يستشكل في الأخذ بعموم قاعدة نفي الضرر في غير الموارد التي قام فيها دليل خاص لنفي الحكم الضرري أو عمل فيها المشهور بالقاعدة، وذلك لثبوت الأحكام والتكاليف الضررية في الشريعة كثيراً، بدواً من الحكم بتنجس المائعات بملاقاة النجاسة المسقط لها عن المالية رأساً أو موجباً لنقص ماليتها كما هو الحال في بعض الجامدات، كتنجس الجلود حيث تنقص ماليتها بالغسل، وختماً إلى أبواب الغرامات من الضمانات المالية وغيرها كالحدود والتعزيرات، فإن كل واحد من الأحكام المشار إليها كوجوب الخمس والزكاة والجهاد وغير ذلك أحكام ضررية ثبتت في الشريعة، ولا يمكن تخصيص القاعدة بخروج هذه الموارد بمخصص منفصل، لاستهجان تخصيص العام بحيث لا يبقى تحته إلاّ القليل، فيعلم أن نفي الضرر كان مقترناً بقيد غير واصل إلينا فيكون خطاب نفيه مجملا لا يمكن التمسك به إلاّ مع إحراز أن نفي الضرر مع القيد المفروض يعم المورد، كما إذا عمل المشهور فيه بالقاعدة، والقيد المنكشف لا يتعين بكونه من قبيل القرينة اللفظية، بل يمكن كونه من قبيل قرينة الحال.















كثرة التخصيص في قاعدة لا ضرر







قد يجاب عن الإشكال كما عن الشيخ (قدس سره) باختصاص الاستهجان بما إذا كان المخصص متعدداً وبعناوين كثيرة، وأما إذا كان خروج الأفراد الكثيرة بورود مخصص يخرج الكثير بعنوان واحد فلا استهجان فيه، ولكن لا يخفى عدم الفرق في الاستهجان بينهما، كما إذا ورد في خطاب المولى عبده: أكرم كل عالم في البلد، وفرض أن كلهم من غير الهاشميين إلاّ واحد أو اثنين أو ثلاثة، فإنه كما يستهجن إخراج البقية بالخطابات المتعددة، كذلك ما إذا كان بخطاب واحد بأن يرد خطاب يذكر فيه: لا تكرم غير الهاشمي من علماء البلد، إلاّ إذا كان بنحو النسخ، والمفروض في المقام خلافه، نعم قد يقال: إن الاستهجان يختص بما إذا كان العام بمفاد القضية الخارجية كالمثال المتقدم، وأما إذا كان بمفاد القضية الحقيقية فقلة الأفراد بعد تخصيص ذلك العام غير مستهجن، وذلك: لأنّ القضية الحقيقية غير ناظرة إلى الفرد الخارجي إلاّ بنحو الفرض والتقدير، فيمكن أن لا يكون للعام فرد خارجاً بالفعل، ولكن مفاد خطاب قاعدة نفي الضرر قضية خارجية على ما تقدم في تقريب حكومتها على أدلة الأحكام المجعولة، وأنه ليس في مدلولاتها من الأحكام حكم ضرري، فالالتزام بالتخصيص بخطاب آخر ولو بعنوان واحد لا يوجب ارتفاع الاستهجان.







والتزم هذا القائل بأن الإشكال بلزوم تخصيص الأكثر غير صحيح، فإن الموارد المشار إليها في الإشكال قسم منها ما يكون أصل الحكم والتكليف المجعولين في الشريعة ضررياً، كما في تنجس المائعات بملاقاة النجاسة وكذا بعض الجامدات على ما تقدم، وكذا تعلق الزكاة بالمال الذي يعتبر في تعلقها به دوران الحول، وقاعدة نفي الضرر غير ناظرة إلى نفي هذه الأحكام لقيام الدليل على ثبوت الحكم والتكليف مع كونهما في أصلهما ضرريين، وقسم منها لا يرتبط أصلا بمدلول قاعدة نفي الضرر كالموارد التي قام الدليل فيها على تدارك الضرر والجناية، نظير ضمان المال المتلف في يده بإفراط أو تفريط، أو ضمان المال الذي أتلفه ودية الجناية التي ارتكبها، فإن هذه الموارد غير داخلة في عموم نفي الضرر فإن مفادها نفي الحكم والتكليف الموجب للضرر، لا نفي الحكم الموجب لتدارك الضرر، فإن شئت قلت نفي الضرر كنفي ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه للامتنان، ولا امتنان لنفي الضرر في موارد تدارك الضرر، فإن الحكم بعدم التدارك يفتح باباً لانتشار الضرر، نظير المصلحة الملزمة في القصاص الذي يفصح عنه قوله سبحانه: (ولكم في القصاص حياة يا اُولي الألباب لعلكم تتقون)(1)، ولذا يمكن دعوى أن خروج الموارد التي يكون التكليف في أصله ضررياً للمصلحة الموجودة في متعلقه جعله امتنان، فلا يعم مواردها قاعدة نفي الضرر، وهذه الدعوى على إطلاقها محل تأمل، إلاّ أنه إذا كان من قبيل جعل الحكم والتكليف لواقع الضرر بخصوصه فلا يرتفع كسائر الأحكام الموضوعة لعنوان الخطأ والنسيان وغيرهما، وعلى الجملة قاعدة نفي الضرر لا تشمل الموارد التي يكون الحكم والتكليف فيها موجباً لعدم نفع المكلف، كموارد تعلق الخمس بالمال حيث إن المكلف لا يملك من الربح مقدار الخمس، وكذا لا يشمل موارد الحكم بتدارك الضرر، بل لا يكون تخصيصها بالدليل القائم على ثبوت الحكم والتكليف الضرريين في أصلهما، نعم ثبوتهما في مورد كونهما ضرريين كشراء ماء الوضوء ولو بثمن غال تخصيص، وهذه الموارد ليست بحيث يوجب خروجها عن قاعدة نفي الضرر الاستهجان في خطاب نفيه، فيؤخذ بعموم القاعدة في الموارد التي يقتضي إطلاق خطاب التكليف والوضع اللازم له ثبوتهما حتى في حال كونهما ضرريين، ويحكم باختصاصهما بغير حال الضرر، وإذ قام دليل على ثبوت ذلك الحكم حتى في حال كونه ضررياً في مورد يكون مخصصاً للقاعدة كقيام الدليل على تنجس الزيت والمرق بملاقاة النجاسة أيضاً كسائر الأشياء الطاهرة، وقد ظهر مما ذكرنا أن قاعدة نفي الضرر تنحصر حكومتها على الموارد التي يكون إطلاق خطاب التكليف أو الوضع الملازم له مقتضياً لثبوت ذلك التكليف والوضع حتى في مورد كونهما ضرريين فيحكم بعدم ثبوتهما في مورد كونهما ضرريين، وأما الموارد التي يكون أصل جعل التكليف والوضع ضررياً فيمكن أن يقال بأن خروجها عن القاعدة بالتخصّص؛ لأنها من قبيل جعل الحكم لعنوان الضرر بخلاف ما إذا كان مقتضى خطاب التكليف أو الوضع الملازم له ثبوتهما حتى في مورد كونه ضررياً، فيكون الدليل المزبور مخصصاً لها نظير قيام الدليل على تنجس الملاقي للنجس ولو كان الملاقي مثل الزيت والسمن والجلود، فإن الأخذ بإطلاق ما دل على تنجس الطاهر لقيام الدليل الخاص في الزيت والسمن ونحوهما، وكبقاء الزوجية فيما إذا غاب زوجها المعلوم حياته فإنه تبقى الزوجية ما لم يطلقها زوجها، وإن لم يكن في البين من ينفق عليها من قبل زوجها.















موارد حكومة قاعدة نفي الضرر، وإن المراد بالضرر الضرر الواقعي







الأمر الثاني: قد تقدم أن المنفي بقاعدة نفي الضرر كل حكم يقتضي إطلاق خطابه وعمومه ثبوته في مورد الضرر، فإن لم يقم دليل خاص على ثبوته في ذلك المورد مع كونه ضررياً ينفى بقاعدة نفي الضرر، والضرر من العناوين الواقعية التي لا دخل للعلم والجهل فيهما، وعليه فلو فرض كون لزوم البيع ضررياً يرتفع سواءً كان المكلف عالماً بحال البيع والشراء أو جاهلاً به، مع أنهم ذكروا في خياري العيب والغبن أن المشتري إن كان عالماً بحال المبيع، وأنه معيوب أو أن القيمة السوقية أقل مما يشتري بها، فلا يثبت له خيار العيب أو الغبن، وكذلك ذكروا أن المكلف لو كان جاهلا بحال الوضوء أو الغسل من كونهما ضرريين فتوضأ أو اغتسل يحكم بصحة وضوئه وغسله، ولو كان الحكم الضرري منتفياً، لزم الحكم بثبوت خياري العيب والغبن في الصورة الاُولى، وبفساد الوضوء أو الغسل في الصورة الثانية، ولكن لا يخفى ما فيه، فإنه قد ذكرنا سابقاً عدم كون الدليل على ثبوت خيار الغبن والعيب هو قاعدة نفي الضرر، بل هو مقتضى اشتراط السلامة وعدم اختلاف القيمة السوقية مع الثمن المسمى باختلاف لا يتسامح فيه، ومع علم المشتري بحال المبيع من كونه معيباً أو مع علمه بالاختلاف الفاحش بين القيمتين بلا اشتراط بين المتبايعين، نعم أصل صحة البيع في مورد الغبن أو العيب وإن يكن ضررياً، إلاّ أن قاعدة نفي الضرر لا تنفي الصحة؛ لأنّ نفيها خلاف الامتنان، فإن المشتري مع جهله بالحال يمكن له فسخ المعاملة بتخلف شرطه، والعالم بالحال ربما يكون غرضه الوصول إلى المعيب أو المثمن ولو بثمن غال، ونفي الصحة سدّ لوصوله إلى غرضه، ولذلك قد فرقوا بين إكراه شخص بمعاملة أو اضطراره إليها، وقالوا إن نفي الإكراه يرفع صحة المعاملة المكره عليها، لكون الرفع موافقاً للامتنان، ورفع الاضطرار لا يعم المعاملة المضطر إليها لكون رفعها بعدم إمضائها خلاف الامتنان، وبهذا يظهر الحال في الوضوء والغسل الضرريين، فإنه لو كان الضرر المترتب على الوضوء أو الغسل بحيث لا يحرم ارتكابه يمكن أن يحكم بصحته، نظير كون الوضوء أو الغسل حرجياً فإن قاعدة نفي الضرر كقاعدة نفي الحرج، لا تعم الفرض لكون الرفع خلاف الامتنان مع الغفلة عن الضرر، بل لو حكم بعدم وجوبهما أمكن الحكم بصحتهما بأدلة استحباب الوضوء والغسل كقوله سبحانه: (إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين)(2) بخلاف ما إذا كان الضرر بحيث يكون إيراد ذلك الضرر محرماً على المكلف، فإن الفعل فيه غير قابل للتقرب به، وهذا بخلاف ما إذا صام المكلف في شهر رمضان مع كونه مريضاً يضرّ به الصوم فإنه يحكم ببطلانه حتى فيما إذا اعتقد عدم الضرر، وذلك لا لحكومة قاعدة نفي الضرر على وجوب الصوم، بل لأنّ المريض لم يشرع في حقه الصوم إذا أضرّ به؛ وعلى الجملة فيمكن الالتزام بأن الوضوء أو الغسل مع كونهما ضرريين بضرر لا يحرم إيراده على النفس صحيح، أخذاً، بعموم أدلة استحباب الطهارة من الحدث، وحديث لا ضرر لا حكومة له بالإضافة إلى أدلة المستحبات وسائر الأحكام الترخيصية إذا كان الضرر فيها متوجهاً إلى نفس المكلف، نعم إذا كان الضرر المتوجه إليه بحدّ الحرام فالوضوء أو الغسل محكوم بالبطلان إلاّ في فرض الغفلة والنسيان عن كونهما ضرريين، بناءً على عدم الحرمة الواقعية في حق الغافل، نظير ما ذكرنا في باب اجتماع الأمر والنهي من أنه مع الغفلة ونسيان الغصب يحكم بصحة الوضوء أو الغسل، ولو مع كون الماء ملك الغير فيما إذا لم يكن الغافل والناسي هو الغاصب، ولكن ذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن الوضوء أو الغسل في مورد كونهما ضرريين محكوم بالبطلان حتى فيما إذا لم يكن الضرر بحدّ الحرام، وبتعبير آخر لا فرق بين صوم المريض إذا كان ضررياً وبين الوضوء والغسل الضرريين، وذكر في وجه ذلك أن المكلف قد قسّم في الآية المباركة إلى واجد الماء وفاقده، وأن الأول مكلف بالوضوء أو الغسل لصلاته والثاني يجب عليه التيمم لها، والتقسيم قاطع الشركة، ومقتضى التخيير بين الوضوء والغسل وبين التيمم مع عدم كون الضرر بحدّ الحرام كون المكلف في زمان واحد فاقد الماء وواجده، فلا يجتمع هذا مع التقسيم وفيه أن هذا التقسيم بلحاظ وظيفة المكلف بالإضافة إلى صلاته إذا كان عند القيام إليها محدثاً، وفي موارد كون الوضوء أو الغسل حرجياً أو ضررياً لا بحدّ الحرام يكون الحكم بصحة الوضوء أو الغسل بما دلّ على استحباب الطهارة نفسياً للمحدث، ولا حكومة لقاعدتي نفي الحرج والضرر مع عدم كونه بحد الحرام بالإضافة إلى خطاب استحباب الطهارة، فيكون الوضوء أو الغسل صحيحاً، ومعه يخرج المكلف عن المحدث المفروض عند قيامه إلى الصلاة هذا أولا، وثانياً: أن الموضوع لوجوب التيمم للصلاة في الآية المباركة هو من لم يجد الماء، أي من لم يتمكن من استعماله لفقد الماء أو لمرضه كما هو مقتضى تفريع قوله سبحانه: (فلم تجدوا ماءً)(3) على قوله: (وإن كنتم مرضى أو على سفر...)(4) وإذا كان الضرر غير محرم فالمكلف متمكن من استعماله، ومقتضى التقسيم في الآية لزوم الوضوء أو الغسل في حقه، فإنما التزمنا بعدم وجوب الوضوء في حقه لقاعدة نفي الضرر كما هو الحال أيضاً في موارد كونه حرجياً.







وذكر النائيني (قدس سره) أنه إذا اعتقد الضرر في الوضوء أو الغسل ثم ظهر بعد ذلك عدم الضرر في استعمال الماء يحكم بصحة صلاته؛ لأنّ المكلف في فرض اعتقاده الضرر لا يتمكن من استعمال الماء، نظير ما إذا اعتقد عدم الماء فتيمّم وصلى ثم علم أن الماء كان موجوداً عنده.







أقول: إنما لا تجب الإعادة فيما إذا اعتقد عدم الماء وتيمّم وصلى إذا كان انكشاف وجود الماء عنده بعد خروج الوقت؛ لأنّ هذا الانكشاف لا يترتب عليه أثر؛ لأنه مع اعتقاده عدم الماء في تمام الوقت لا يتوجه إليه خطاب الوضوء أو الغسل للصلاة فيدخل في قوله سبحانه: (فلم تجدوا ماءً) حيث إن المراد منه عدم تمكنه من الوضوء والغسل لصلاته ولو لغفلته عن الماء واعتقاده عدمه، وأما في فرض اعتقاد الضرر وحتى مع خوفه من الضرر مع كون الضرر المحتمل مما يحرم إيقاع نفسه فيه كالهلاكة ويجب عليه التحفظ على نفسه منه، فالأمر كما ذكر في فرض الاعتقاد بعدم الماء من أنه لو انكشف بعد خروج الوقت أنه لم يكن في استعماله ذلك الضرر فيحكم بإجزاء ما صلى في الوقت بتيمم، نعم إذا انكشف في فرض الاعتقاد بعدم الماء، وجود الماء عنده حين الصلاة مع التيمم أو عدم الضرر كما ذكر في الوضوء أو الغسل يجب عليه إعادة الصلاة بالطهارة المائية في الوقت، وأما إذا كان اعتقاده بالضرر في استعمال الماء بالضرر غير المحرم، فتيمّم وصلى ثم انكشف بعد خروج الوقت أنه لم يكن في استعماله ذلك الضرر أيضاً، فاللازم الحكم بقضائها ولا يجرى في هذه الصورة حكم الاعتقاد بعدم الماء، وذلك فإنه بناءً على حرمة الإضرار بالنفس بهذه المرتبة كان عليه في الوقت أمر بالصلاة مع الطهارة المائية، غاية الأمر كان يعتقد أن هذا الأمر استحبابي وكان في الواقع واجباً لعدم الضرر أصلا، فالصلاة الواجبة قد فاتت فعليه قضاؤها، هذا كله بالإضافة إلى قاعدة لا ضرر مع قطع النظر عن الروايات الواردة في التيمّم في بعض هذه الفروض، وإلاّ مع النظر إليها فإن الذي اعتقد عدم الماء معه عند صلاته بتيمّم ثم ظهر قبل خروج الوقت وجوده فعليه الإعادة، وأما إذا اعتقد أو احتمل الضرر المحرم في الوضوء أو الغسل فتيمّم وصلى ثم انكشف قبل خروج الوقت أنه ليس في الوضوء أو الغسل ذلك الضرر فلا يجب عليه الإعادة.







وفي صحيحة أبي بصير قال: «سألته عن رجل كان في سفر، وكان معه ماءً فنسيه فتيمّم وصلى، ثم ذكر أن معه ماءً قبل أن يخرج الوقت، قال: عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة»(5)، وفي صحيحة عبداللّه بن سنان أنه سأل أبا عبداللّه (عليه السلام): «عن رجل أصابته الجنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل قال: يتيمم ويصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة»(6)، وتحمل الإعادة فيها على الاستحباب أو حصول الأمن قبل خروج الوقت على ما ذكرنا في بحث التيمم من أن استمرار الخوف إلى خروج الوقت كاف في جواز التيمم، كما يشهد بذلك مثل صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل ويتيمّم»(7) وظاهره كون الوظيفة مع استمرار الخوف هو التيمّم لصلاته حتى لو فرض عدم الضرر واقعاً.







بقي في المقام أمر، وهو ما يمكن أن يتوهم أن الضرر بالنفس أو الطرف وإن يكن حراماً إلاّ أنه لا ينطبق على نفس الوضوء ولا يتحدان وجوداً فيكون التكليف بالوضوء مع حرمة الإضرار بالنفس أو الطرف من المتزاحمين، ولازم ذلك الحكم بصحة الوضوء ولو مع علمه بالضرر، لا أنه يقع التعارض بين الأمر بالوضوء وحرمة الظلم والإضرار بالنفس ليقدم حرمتهما على خطاب الأمر بالوضوء بالتقييد، بل كما قيل في البين وجودان أحدهما: وصول الماء إلى الأعضاء بالكيفية الخاصة بقصد الوضوء، والثاني: حصول النقص في النفس والطرف، وهذا هو الضرر، ويحصل الثاني بحصول الأول فيتسبب الضرر من حصول الوضوء، ولكن لا يخفى لو سلمنا أن الضرر على النفس أو الطرف لا يتحد مع الوضوء وجوداً إلاّ أن الأمر بالوضوء على تقدير عصيان النهي المتعلق بالمسبب أمر غير معقول حتى لو كان الأمر استحبابياً، كما هو الحال في موارد التركيب الاتحادي وتقديم جانب النهي، وكما إذا كان الماء منحصراً بالمغصوب لا يمكن الأمر بالوضوء ولو بنحو الترتب، حيث إن عصيان النهي يكون بحصول الأمر المتحد مع المنهي عنه فيكون الأمر الترتبي به من قبيل طلب الحاصل كلا أو بعضاً، وكذا الحال في موارد تسبب المنهي عنه عما ينطبق عليه عنوان متعلق الأمر كلا أو بعضاً، وفي الفرض بما أن الضرر على النفس أو الطرف بأي سبب حرام، ومع فرض حصوله بغسل البدن تماماً كما في الغسل أو بعضه كما في الوضوء لا يمكن الأمر بهما لكونه من قبيل طلب الحاصل، ودعوى أن الأمر يتعلق بقصد الوضوء أو الغسل على تقدير غسل البدن أو الأعضاء كما ترى، فإن الأمر بالوضوء أو الغسل طلب إحداثهما لا قصدهما فقط، وبالجملة مع عدم الأمر بهما ولو ترتباً لا كاشف عن الملاك فيهما ليحكم بصحتهما حتى مع العلم، نعم مع الغفلة عن كونهما مضرّين يمكن الحكم بصحتهما لسقوط النهي عن الإضرار بالنفس أو الطرف للغفلة، ويؤخذ بإطلاق الأمر بالوضوء والغسل كما هو المقرر في باب اجتماع الأمر والنهي، وهذا الأخذ بالإطلاق مبني على سقوط النهي والحرمة مع الغفلة عن الفعل كنسيانه، وإلاّ فالصحة في فرض الغفلة أيضاً فيها تأمل بل منع.







ثم إنه قد يستظهر حرمة الإضرار بالنفس بأي مرتبة من الضرر من بعض الروايات كالتي رواها في الكافي في أول كتاب الأطعمة، حيث ورد فيها «ولكنه خلق الخلق وعلم عز وجل ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم»(8)، ولكن لا يخفى أن الإضرار بالنفس في مثل هذه الروايات يؤخذ حكمة للتحريم كتحريم الميتة والدم وغير ذلك، كما يجعل حكمة في النهي التنزيهي في بعض المأكولات، ومن الظاهر أن لحاظ الإضرار حكمة في بعض الأحكام غير كونه موضوعاً للحكم بالحرمة وعلة لها، وما ينفع في التعدي أو التمسك به هو الثاني لا الأول.







الأمر الثالث: قد يقال بأن قاعدة نفي الضرر كما تكون حاكمة على التكليف والوضع الملازم له، فيما إذا اقتضى إطلاق خطابهما ثبوتهما حال الضرر، وكذلك تكون حاكمة على الأحكام العدمية أي عدم الحكم فيما إذا كان عدمه في مورد ضررياً، مقتضى قوله (عليهم السلام) «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(9) عدم إمضاء الشارع الطلاق الصادر من غير الزوج، وإذا كان عدم الإمضاء ضررياً بالزوجة كما إذا امتنع الزوج عن إنفاقها وطلاقها يكون للحاكم أن يطلقها، حيث إن عدم إمضائه ضرري بالزوجة فنفيه يكون بإمضائه، وقد ذكر السيد اليزدي (قدس سره) على ما في ملحقات العروة في مسألة زوجة المفقود وأيّده ببعض الروايات الواردة في زوجة الغائب المفقود خبره، وكذا فيما حبسه شخص وشردت دابته فإن الحكم بعدم ضمان الحابس ضرر على المالك المحبوس، فيكون مقتضى رفع الضرر ضمانه، ونظيره ما إذا حبسه فأبق عبده أو فتح قفصه وطار طيره، ولكن لا يخفى أن الحكم بالضمان في هذا وما قبله من قبيل تدارك الضرر الناشئ عن اختيار الحابس وإرادته، وقاعدة نفي الضرر لا تتكفل بحكم تدارك الضرر على ما تقدم، ودعوى أن فتح القفص أو حبس المالك يعد إتلافاً لطيره أو دابته لا يمكن المساعدة عليها مطلقاً، نعم إذا صح الاستناد في مورد فلا بأس بالأخذ بقاعدة الاتلاف التي تقدم عدم حكومة قاعدة لا ضرر بالإضافة إليها، وأما إثبات صحة طلاق غير الزوج مع امتناعه عن إنفاقها فهو أيضاً لا يمكن؛ لأنّ الضرر ينشأ من ترك إنفاق الزوج وطلاق الحاكم يكون تداركاً للضرر، وإلاّ فالضرر في نفس بقاء الزوجية، فيكون مقتضى قاعدة نفيه انفساخ الزوجية، نعم جعل الشارع لتخلّصها طريقاً فيما إذا امتنع الزوج عن إنفاقها وطلاقها، فإن للحاكم الطلاق بعد ثبوت ذلك عنده وهذا لا يرتبط بنفي الضرر وقاعدة نفيه، ومما ذكرنا يظهر الحال فيما هو المبتلى به في عصرنا من تحمل الدائن بعض المصارف لتحصيل الدين على مديونه الممتنع عن الأداء، أو استخلاص ملكه عن يد الغير الغاصب، حيث إن الحكم بالضمان من قبيل تدارك الضرر يكون بامتناع المديون أو إمساك الغاصب داعياً له إلى صرف المالك المال، لا أنه سبب له بحيث يستند التلف إليه لا إلى المالك.















[2] يقع الكلام في حكم تعارض الضررين في مسائل: الاُولى، ما إذا دار أمر المكلف بإيراد أحد ضررين يكون كل منهما من قبيل الإضرار بالنفس لا بالغير، والثانية: ما إذا دار أمره بين ضررين يكون كل منهما من قبيل الإضرار بالغير، الثالثة: ما إذا دار أمره بين ضرر نفسه وضرر الغير.







أما المسألة الاُولى: فإن كان كل من الضررين من قسم غير الحرام أو أحدهما محلل والآخر محرم، فيتخير في الأول، ولزم اختيار المحلل في الثاني، وأما إذا كان كل منهما محرماً فلاينبغي التأمل في دخول الفرض في المتزاحمين، ويتعين اختيار المهم والاجتناب عن الأهم أو محتمل الأهمية، ومع التساوي أو احتمال الأهمية في كل منهما يكون الحكم هو التخيير على ما هو المألوف في باب التزاحم، وبهذا يظهر الحال في المسألة الثانية، فإن الاضرار بالغير بكل من الضررين محرم، فلابد من اختيار الأخف، وملاحظة احتمال الأهم، ويترتب على ذلك أنه إذا أدخل رأس دابته في إناء شخص آخر فإن للحاكم الأمر بكسر الإناء، فيما إذا لم يتراضيا بغيره، ويكون ضمان تلف الإناء عليهما بقاعدة العدل والإنصاف، فإنه لا يمكن للحاكم ذبح الحيوان أو الأمر به، حيث لا موجب لإدخال الضرر الكثير عليهما، نعم إذا كان إدخال رأسها بفعل شخص ثالث لا يبعد تخيير الثالث في اختيار كسر الإناء أو ذبح الحيوان؛ لأنه مكلف بإيصال أحد المالين إلى مالكه بعينه، والآخر إلى الآخر ببدله وضرر الإتلاف يتوجه إلى نفسه.







ومن هنا لو كان الإدخال بفعل أحد المالكين يتوجه عليه إتلاف مال نفسه، وتخليص مال صاحبه لو لم يرض صاحبه بإتلاف ماله مع الضمان أو بدونه، فإن إتلاف مال نفسه مقدمة لإيصال مال صاحبه إليه، لا يقال: إتلاف مال نفسه ضرري بالإضافة إليه فينفى بقاعدة لا ضرر، فإنه يقال: لا حكومة لقاعدة نفي الضرر في المقام حيث إن نفي وجوب رد مال صاحبه إليه ضرري مع أنه أقدم على ضرر نفسه بإدخاله رأس الحيوان في الإناء.







وهذا فيما إذا لم يحرز أهمية التحفظ على أحد الضررين، وإلاّ يتعين الاحتفاظ عليه ولو كان بفعل أحد المالكين، كما إذا أدخل مالك العبد رأس عبده في قدر شخص آخر، أو أدخل العبد رأسه فيه، أو أدخل شخص آخر رأسه حيث يجب التحفظ على النفس المحترمة.







وأما المسألة الثالثة: وهي ما إذا دار الأمر بين ضرر نفسه والإضرار بالغير، ويلحقها ما إذا دار الأمر بين حرمانه وعدم انتفاعه بملكه وبين ضرر الغير، كما لو كان حفر البالوعة في داره إضراراً بالجار، وترك حفرها ضرراً عليه أو فيه حرج عليه، وقد يقال: فيما إذا كان حفرها إضراراً بالجار وترك حفرها حرجاً أو ضرراً على نفسه بالجواز، فإنه في صورة الحرج في ترك حفرها ترتفع حرمة الإضرار بنفي الحرج، وفي صورة تضرّره إما يكون حديث نفي الضرر والإضرار مجملا للعلم بخروج الفرض إما من صدر الحديث أو من ذيله؛ لأنّ جواز تصرفه في ملكه بحفرها إضرار بالجار وحرمة حفرها ضرر على نفسه، فلا يمكن التمسك بشيء من الصدر والذيل فيرجع إلى أصالة البراءة بالإضافة إلى احتمال الحرمة في التصرف في ملكه بحفرها، وأما لأنّ فقرة لا ضرار لا يمكن التمسك بها فإنها للامتنان، ولا امتنان في ترك الإضرار بالغير بحرمانه من التصرف في ملكه إذا كان في تركه ضرر على نفسه، فيرجع إلى عموم ما دل على جواز تصرف المالك في ملكه وعموم سلطنته.







ولكن لا يخفى أنه لو كان ترك التصرف في ملكه وحرمانه عن الانتفاع به بحفر البالوعة فيه حرج لا يرتفع بقاعدة نفي الحرج، حرمة الإضرار بالغير؛ لأنّ قاعدة نفي الحرج كقاعدة نفي الضرر مورد جريانها موارد الامتنان في الرفع، ولا امتنان في رفع حرمة الإضرار بالغير، فيؤخذ فيه بقاعدة نفي الحرج، وعلى الجملة لا يجرى في الفرض لا قاعدة نفي الحرج ولا نفي الضرر، وعلى ذلك فإن كان في البين عموم أو إطلاق يدل على جواز تصرف المالك في ملكه ولم يرفع اليد عن إطلاقه فيما كان ذلك التصرف إضراراً بالغير وعدواناً عليه فهو، وإلاّ فالتصرف المزبور محكوم بعدم الجواز إلاّ إذا كان التصرف بحيث لا يتضرر الجار به، ولو فرض أن الضرر يتوجه إلى شخص لا بفعل شخص آخر فلا يجوز له دفع الضرر عن نفسه بإيراده على الغير، بخلاف ما إذا كان الضرر متوجهاً إلى ذلك الغير لا بفعله فإنه لا يجب عليه إيراد الضرر على نفسه بدفعه عن الغير، فإن توجيه الضرر إلى الغير لدفعه عن نفسه داخل في عنوان التعدي والإضرار على الغير، ولا حكومة في الفرض لقاعدتي لا ضرر ولا حرج، نعم إذا كان دفع الضرر عن نفسه أهم وإيراد الضرر على الغير مهم، كما إذا توقف حفظ حياته على إتلاف مال الغير تعين دفع الضرر عن نفسه ولو باتلاف مال الغير، كما إذا توقف حفظ حياة الجالس في السفينة على إلقاء مال الغير الموجود فيها في البحر، جاز إذا أكره بالقتل إذا لم يدفع إلى المكره بالكسر مال الغير، ولا يبعد الالتزام بعدم الضمان أيضاً لو لم يكن الإمساك بمال الغير لتلفه بغرق السفينة، أو بأخذ المكره لا محالة، وأما إذا لم يكن الأمر كذلك بأن لم يكن مال الغير تالفاً لولا إتلافه، فإتلافه وإن كان جائزاً إلاّ أنه يوجب الضمان، فإنّ الضمان لا ينافي جواز الفعل تكليفاً، وقاعدة نفي الضرر لا تنفي ضمان الإتلاف، فإن الضمان من الأحكام المجعولة لعنوان الضرر على الغير بل نفيه خلاف الامتنان، وقد يقال من هذا القبيل أي من قبيل توجه الضرر إلى الغير ما إذا أكرهه شخص على أخذ مال الغير ودفعه إلى المكرِه بالكسر، وإلاّ يأخذ ذلك المكره بالكسر من نفس المكره بالفتح بدعوى ما تقدم، من أنه لا يجب دفع الضرر المتوجه إلى الغير بتحمله، ولكن لا يخفى ما فيه فإن متعلق الإكراه في الفرض الجامع بين الأمرين، أحدهما: وهو دفع المال عن الغير تصرف حرام، والآخر: محلل وهو دفع ماله فلا موجب للبين لحلية التصرف في مال الغير، ولو كان أقل لعدم جريان قاعدة لا ضرر ولا حرج، لكون رفع حرمة التصرف في مال الغير خلاف الامتنان، نعم إذا كان ضرر المكره عليه بحيث يجب التحفظ منه فيجوز التصرف في مقام التزاحم، كما ذكرنا ذلك في قضية سمرة وفي المثال المتقدم في المقام.















(1). سورة البقرة: الآية 179.







(2). سورة البقرة: الآية 222.







(3) و (4). سورة النساء: الآية 43.


وأجاب الماتن عن الاستدلال بمنع الصغرى سواءً اُريد من الضرر العقاب أو المفسدة فإن استحقاق العقاب يترتب على العصيان المنوط بتنجّز التكليف الواقعي ولا يترتب على مخالفة التكليف الواقعي ولو مع عدم تنجّزه، وقد تقدم سابقاً أن الظن بالتكليف بنفسه لا يقتضي تنجز التكليف بل منجزيته تحتاج إلى الجعل والاعتبار.







ثم ذكر (قدس سره)، إلاّ أنْ يقال: بأنّ الظنّ بالتكليف وإن لم يكن بنفسه بحيث يستقل العقل بالعقاب على مخالفته، إلاّ أن العقل لا يستقل أيضاً بعدم العقاب على مخالفته، وعليه فالعقاب في المخالفة محتمل ودفع العقاب المحتمل كدفع الضرر المظنون لازم عقلا، هذا ولو كان المراد بالضرر في الصغرى المفسدة ففي موارد مخالفة المجتهد لما ظنه من الحرمة وإن يكون ظن بالمفسدة إلاّ أن المفسدة لا تكون من قبيل الضرر المتوجه إلى المكلف حيث إن الحزازة والمنقصة في الفعل وإن كانت موجودة بحيث يستحق الفاعل الذي عليه في موارد إرتكاب الحرام، إلاّ أنها لا تكون من قبيل الضرر على الفاعل دائماً، وأما في الواجبات فالفائت عن المكلف المصلحة وفي تفويتها لا يكون ضرر بل ربما يكون الضرر في استيفائها كالإحسان بالمال، وعلى الجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال واُنيطت بهما الأحكام من قبيل المضرة على الفاعل، كما أن ضرره ليس مناطاً في حكم العقل بالحسن والقبح على القول باستقلاله في الحكم بهما.







أقول: لو تم هذا الوجه كان مقتضاه أن الظنّ بالتكليف مقتض للتنجيز وأنه يكون موجباً لاستحقاق العقاب على مخالفته، وهكذا لو صحّ ما ذكر الماتن (قدس سره) من أن العقل وإن لا يستقل بالعقاب على المخالفة إلاّ أنه لا يستقل أيضاً بعدم استحقاق العقل بل يحتمل العقاب، وهذا ينافي ما ذكر في تأسيس الأصل في اعتبار الظن من أنه لا يقتضي العقاب على المخالفة بل كونه موجباً له يحتاج إلى الجعل والاعتبار، أو طرو حالات وثبوت مقدمات تقتضي كونه موجباً له ولا يصحّ التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان في موارد عدم ثبوت التكليف بوجه معتبر.







وما ذكر الماتن أيضاً من أنه لا يبعد حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل لا يخفى ما فيه، فإن الضرر إذا كان من قبيل العقاب فالعقل يستقل بلزوم دفعه حتى فيما إذا كان احتماله ضعيفاً، كما في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف فيما إذا كانت أطرافه كثيرة فإن احتمال العقاب في ارتكاب واحد منها ضعيف، ومع ذلك يجب عقلا رعايته. نعم لو رجع الأمر في أطراف العلم بحيث جرى الأصل النافي في بعضها يكون عدم العقاب في ارتكابها قطعياً كما هو في موارد عدم تنجيز العلم الإجمالي لخروج بعضها عن مورد تعلّق التكليف ولو لكون الشبهة غير محصورة وهذا أمر آخر، والحاصل أن الثابت من حكم العقل أو الفطرة الارتكازية الدفع والفرار من العقاب المحتمل، كيف والعقاب في مخالفة التكليف المعلوم بالتفصيل محتمل لا مقطوع لاحتمال العفو والشفاعة، وعلى الجملة مخالفة التكليف المنجز يوجب استحقاق العقاب والاستحقاق لا يلازم فعلية العقاب ولو مستقبلاً.







هذا بالإضافة إلى الضرر بمعنى العقاب، وأما غير العقاب من الضرر فمنع الصغرى في مخالفة الظن بالتكليف صحيح حتى في المحرمات الشرعية، فإن الثابت في المحرمات ـ بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ـ هي المفسدة، والمفسدة الملحوظة فيها في الغالب نوعية لا من قبيل الضرر على المرتكب، نعم الإضرار بالنفس بالجناية عليها أو بالعرض والأطراف والمال محرم لا مطلق الإضرار، كما يشهد بذلك تحمل العقلاء الضرر الدنيوي لتحصيل بعض الأغراض العقلائيّة، وأمّا ما ذكره من كون الملاك بناءً على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد لا يلزم أن يكون في متعلّقاتها بل يكون في نفس الأحكام والتكاليف فغير صحيح كما تقدّم بيان ذلك في التفرقة بين الحكم النفسي والطريقي، نعم يمكن أن لا يكون تمام الغرض في نفس المتعلق بل يتم بجعل التكليف وتعلّقه بالمتعلق كما في الواجبات التعبّدية بناءً على عدم إمكان أخذ القربة فيها في متعلق الأمر وإحتملناه أيضاً في مباحث القطع بالتكليف من إمكان كون الغرض أخص من متعلقه فتدبر، وعلى الجملة الضرر الذي لا يدخل في العقاب الاُخروي لا يظن في مورد الظن بالتكليف غايته يحتمل في بعض الموارد ولا دليل على لزوم دفعه عقلا إلاّ في مورد الخوف من الضرر الذي يدخل في عنوان الجناية على النفس والعرض والأطراف والإجحاف بالمال، فإن الخوف على ما يستفاد من الروايات الواردة في أبواب مختلفة طريق إلى إحراز الضرر ولا مورد معه للاُصول النافية.















[2] الوجه الثاني من الوجوه العقلية لاعتبار الظن بالتكليف أنه لو لم يؤخذ به لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا وتقريره أن لإمتثال التكليف الثابت في الوقايع الكثيرة واقعاً مراتب، الاُولى: الإمتثال التفصيلي بالعلم والعلمي والثانية: الامتثال الإجمالي وهو الأخذ بالإحتياط في الوقايع وفي كون ذلك مرتبة ثانية أو أنه في مرتبة الامتثال التفصيلي كلام تقدم في بحث جواز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي، وذكرنا أن الأظهر كون الامتثال الإجمالي مع التفصيلي في مرتبة واحدة، وعليه فالمرتبة الثانية الامتثال الظني والمراد بالظنّ ما لم يثبت اعتباره بالخصوص وإلاّ يدخل في الامتثال العلمي الذي هو المرتبة الاُولى من الامتثال، والمرتبة الثالثة: على ما ذكر، والرابعة: على من يرى الامتثال الإجمالي مرتبة ثانية هو الإمتثال الإحتمالي بأن ترك المكلّف الامتثال في موارد الظن بالتكليف كلاً أو بعضاً وأخذ بالامتثال ورعاية التكليف في موارد الشك في التكليف أو الوهم بالتكليف كلا أو بعضاً، فإن هذا يكون من قبيل ترجيح المرجوح على الراجح ويستقل العقل بقبحه، وفيه أن الاستدلال بما ذكر موقوف على ثبوت تنجز التكاليف في الوقايع وعدم التمكن من امتثالها بالمرتبة الاُولى ولا بالاحتياط أو عدم وجوبه، ودوران أمر الإمتثال بين المرتبتين الأخيرتين ولا يتمّ شيء من ذلك إلاّ بمقدمات الانسداد على تقدير تماميتها وبدونها لا يفيد ما ذكر من الوجه شيئاً في اعتبار الظن.















[3] ومما ذكرنا في الوجه السابق يظهر الحال في هذا الوجه الثالث الذي ذكره السيد الطباطبائي (قدس سره) على اعتبار الظن في الوقايع حيث نفى الريب عن ثبوت التكاليف في الوقايع المشتبهة حكمها عندنا بالعلم الإجمالي بها، ومقتضى العلم الإجمالي الأخذ بالاحتياط فيها ولكن الاحتياط كذلك موجب للعسر والحرج الأكيد، والجمع بين قاعدة نفي الحرج ومقتضى العلم الإجمالي هو الأخذ بجانب إحتمال التكليف في الوقايع المظنونة بثبوتها فيها، وترك رعايته في موهوماته ومشكوكاته؛ لأنّ الجمع بغير هذا النحو برعاية جانب التكليف في بعض مظنونات التكاليف وبعض المشكوكات أو الموهومات وترك رعايته في البعض الآخر من المظنونات والمشكوكات والموهومات باطل إجماعاً، ووجه الظهور ما ذكرنا من أن هذا بعض مقدمات الانسداد ولا يتم إلاّ بضم سائرها، وإلاّ فلقائل أن يقول بلزوم الأخذ بامتثال العلم والعلمي في مواردهما، والأخذ بمقتضى الاُصول العملية في غيرهما بحيث لا تصل النوبة إلى الاحتياط أصلا ولا يلزم حرج في امتثال التكاليف أصلا.















[4] الرابع من الوجوه المذكورة لاعتبار الظن في الوقايع المعروف بدليل الإنسداد ويبحث في المقام في جهات الاُولى: بيان المقدمات التي تعرف بمقدمات دليل الإنسداد، الثانية: التكلّم في تمامية تلك المقدمات أو عدم تماميتها كلا أو بعضاً، والثالثة: أنه على تقدير تماميتها تفيد اعتبار الظن بنحو الكشف أو الحكومة أم لا، والرابعة: أنه على تقدير كون نتيجتها اعتبار الظن فالنتيجة على تقدير الكشف أو على تقدير الحكومة مطلقة أو مهملة.















في مقدمات دليل الانسداد والجواب عنه







أما الجهة الاُولى: فالمعروف وعليه الماتن أن مقدماته خمس، الاُولى: العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية في كثير من الوقايع، والثانية: عدم التمكن من تحصيل العلم أو الطريق المعتبر إلى تعيين الوقايع التي يثبت التكليف فيها واقعاً غالباً، والثالثة: عدم جواز إهمال تلك التكاليف ورعاية الأحكام بترك التعرض لإمتثالها وموافقتها، والرابعة: بعد فرض عدم جواز إهمالها الاحتياط في كل من تلك الوقايع التي هي من أطراف العلم بالتكاليف غير لازم بل غير جائز كما لا يجوز فيها الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن ذلك العلم الإجمالي، بأنْ يرجع في واقعة إلى الاستصحاب وفي الاُخرى إلى البراءة، والثالثة إلى أصالة الاحتياط، والرابعة إلى أصالة التخيير بحسب ملاحظة الخصوصية في نفس الواقعة، كما لا يجوز لمجتهد فيها الرجوع إلى فتوى من يدعى الانفتاح بدعوى العلم أو الطريق الخاص فيها إلى التكاليف، والخامسة: أنّ الأخذ بالامتثال الظني فيها متعين والاّ لزم ترجيح المرجوح، وقد يقال: إن المقدمة الثالثة في كلام الماتن مستدرك لأنّه ذكر في المقدمة الاُولى العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية في الشريعة، ومقتضى فعليتها عدم جواز إهمالها ولزوم التعرض لامتثالها، فذكره (قدس سره) المقدمة الثالثة بأنه لا يجوز إهمالها وترك التعرض لامتثالها أصلاً لا تكون مقدمة اُخرى، ولو كان مراده هو العلم بأصل الشريعة وثبوت التكاليف فيها لا العلم بفعلية التكاليف الفعلية في حقنا فلا حاجة إلى ذكر المقدمة الاُولى، وإنْ كان المراد أمراً صحيحاً إذ ما يذكر من مقدمات دليل الانسداد هي المقدمات القريبة لا المقدمة البعيدة، وإنْ كان دليل الانسداد متوقفاً عليها في نفس الأمر وإلاّ لزم أنْ يجعل من مقدماته إثبات الصانع والنبوة إلى غير ذلك من المقدمات، وقد جعل الشيخ (قدس سره) مقدمات الانسداد أربعاً، ولم يذكر فيها المقدمة الاُولى التي عدّها الماتن من مقدماته.







أقول: لابد في مقدمات الانسداد من فرض العلم الإجمالي بثبوت تكاليف كثيرة في الوقايع المشتبهة وانسداد باب العلم والعلمي إلى كثير منها، كما هو المقدمة الاُولى والثانية فيما ذكره الماتن (قدس سره)، وبما أن العلم الإجمالي عنده مقتض للتنجيز وليس علة تامة كالعلم التفصيلي، فلابد من بيان أن العلم الإجمالي بتلك التكاليف لا يجوز إهمالها بأنه لم يثبت عقلا أو شرعاً الترخيص في ترك رعايتها، فذكر الفعلية في المقدمة الاُولى لا ينافي الثالثة حيث لم يذكر في الاُولى الفعلية المطلقة بل ذكر مطلق الفعلية الجامعة بين المطلقة والمقيدة بما دام لم يثبت الترخيص الظاهري في أطرافه على ما ذكره في البحث في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري نعم بناءً على الفعلية التي ذكرناها في فعلية الأحكام والتكاليف وكون العلم الإجمالي وصولا للتكليف الواقعي وأنه لايمكن للشارع الترخيص القطعي في مخالفته، تكون المقدمة الثالثة مستدركاً، فالإشكال على الماتن غير تام على مسلكه الذي ذكره في بحث العلم الإجمالي مع ملاحظة مطلق الفعلية التي ذكرها في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.















[5] يقع الكلام في تمامية تلك المقدمات، أما المقدمة الاُولى: فلا ينبغي التأمل في ثبوت التكاليف في كثير من الوقايع والعلم الإجمالي بثبوتها حاصل إلاّ أنه قد تقدم انحلال هذا العلم بالعلم الإجمالي بثبوت التكاليف في موارد الأخبار المأثورة في الكتب المعروفة عند الإمامية، حيث يحتمل انحصار التكاليف الواقعية في مواردها بأن لا تكون تكاليف اُخرى في موارد سائر الظنون، ومع احتمال الانحصار يقتصر في الاحتياط بموارد تلك الأخبار ولا يلزم من رعاية الاحتياط فيها عسر وحرج حيث يكون الفرض كما قيل باعتبار جميع أخبار تلك الكتب.







لا يقال: العلم الإجمالي الصغير لا يوجب انحلال العلم الإجمالي الكبير، نظير ما إذا علم أولا بنجاسة بعض الإناءات من مجموعة من الإناءات كانت النجاسة في مجموعها معلومة بالإجمال من الأول، بأن كانت جملة من الإناءات سوداء وجملة منها بيضاء، وعلم نجاسة البعض من الجملتين، ثم علم بالنجاسة في بعض الإناءات السود فإنه لا مجرى لأصالة الطهارة في الإناءات البيض لسقوط أصالة الطهارة فيها بالمعارضة مع أصالة الطهارة في السود من قبل، فإنّه يقال: عدم الانحلال في موارد كون المعلوم بالإجمال ثانياً أمراً جديداً حادثاً، كما إذا وقعت بعد العلم الإجمالي الأول النجاسة في بعض الآنية السود، فإن العلم الإجمالي الثاني لا يفيد في انحلال العلم الإجمالي الأول، وأما إذا كان المعلوم بالإجمال ثانياً نفس المعلوم بالإجمال أولا، بأن علم أن النجاسة التي أصابت الإناءات أصابت جملة من السود ويحتمل انحصار الإصابة عليها بأنْ لم يصب شيء من تلك النجاسة من الإناءات البيض، وفي مثل ذلك ينحل العلم الإجمالي الأول؛ لأنّ العلم الإجمالي الأول تبدّل إلى العلم الإجمالي الصغير بحدوث المعلوم بالإجمال الأول فيها من الأول، والشك في حدوثه في غيرها من الإناءات البيض كذلك، فتجري اصالة الطهارة في الإناءات البيض، ويجب الاحتياط في السود والعلم الإجمالي الكبير بالتكاليف في الوقايع الكثيرة مع العلم الإجمالي ثانياً بالتكاليف في موارد الأخبار من هذا القبيل، حيث إن التكاليف التي وردت فيها الأخبار كانت ثابتة في الوقايع من الأول، لا يقال: لا يحتمل كذب سائر الأمارات بجميعها التي لا تدخل في عنوان الأخبار المأثورة فيها فكيف ينحل العلم الإجمالي الأول، فإنّه يقال: نعم، ولكن سائر الأمارات التي في موردها تكليف واقعي وردت في مواردها الأخبار أيضاً في الكتب المعروفة للأخبار وثبوت التكليف في مورد سائر الأمارات التي لم يرد في الأخبار مؤداها غير معلوم ولو بالإجمال من الأول فتدبر؛ والمتحصل مما ذكرنا أنه لا ينحل العلم الإجمالي الأول فيما إذا كان عدم البقاء أو التبدل في ناحية المعلوم بالإجمال لتلف بعض أطراف العلم أو خروجه عن التمكن، أو صار بحدوث موضوع التكليف فيه المعلوم بالتفصيل مع بقاء العلم الإجمالي بحاله بالإضافة إلى الأزمنة السابقة حتى فعلا فإنه في الفرض لا يجري الأصل النافي في الطرف الآخر أو الأطراف الاُخرى لأنّ الأصل النافي فيه أو فيها قد سقط بالمعارضة مع الأصل النافي في غير الباقي قبل انتفائه أو تبدّل حكمه، بخلاف ما إذا كان عدم البقاء في ناحية نفس العلم الإجمالي السابق مع بقاء المعلوم به على حاله الواقعي، فإنه إذا تبدل نفس العلم الإجمالي السابق إلى العلم التفصيلي به أو إلى العلم الإجمالي الصغير بحيث يعلم أن المعلوم بالعلم الإجمالي السابق كان في هذا الطرف أو في ضمن هذه الأطراف من الأول يكون الطرف الآخر أو الأطراف الاُخرى مورداً للأصل النافي بلا معارض، لأنه قد علم أن التكليف المعلوم سابقاً بالعلم الإجمالي كان في هذا الطرف أو في ضمن هذه الأطراف من الأول فيكون الشك في الأطراف الاُخرى شكّاً في التكليف الزائد من الأول، ومما ذكرنا يظهر وجه انحلال العلم الإجمالي الصغير بناءً على مسلك الانفتاحي في مورد الروايات أيضاً فإنه مع قيام الدليل على اعتبار طوائف منها بخصوصها مما يحتمل انحصار التكاليف المعلومة بالإجمال في مواردها يخرج موارد غير تلك الطوائف من الأخبار عن أطراف المعلوم بالإجمال ولو حكماً، بمعنى أنه لا تجري الاُصول النافية وغيرها في موارد تلك الطوائف من الأخبار لاعتبار الشارع المكلف فيها عالماً بحكم الشريعة في تلك الوقايع، ومع هذا الاعتبار يكون رجوع المكلف إلى الاُصول في غيرها بلا محذور لكونه شاكّاً في ثبوت التكليف في كل منها كما لا يخفى.















[6] لا ينبغي التأمّل في عدم إمكان تحصيل العلم الوجداني التفصيلي بالأحكام والتكاليف الواقعية في معظم الوقايع بحيث يكون حكم كل واقعة معلوماً تفصيلا، وأما بالإضافة إلى الاعتباري المعبر عنه بالطريق الخاص فقد تقدم اعتبار ظواهر الكتاب المجيد، فإن ظواهرها من الطرق المعتبرة بالخصوص وكذا اعتبار خبر الثقة بل الحسان من الطرق الخاصة بالسيرة العقلائية الممضاة من الشارع، وما في عبارة الماتن من الاقتصار بخبر يوثق بصدقه أي الاطمينان بصدوره لا وجه له، فإن الوثوق بالصدق أي الاطمينان بالصدور في نفسه حجة في مقابل خبر الثقة كما هو أيضاً بالسيرة العقلائية، والحاصل أن ظواهر الكتاب المجيد والأخبار المشار إليها كافيان بمعظم الفقه مع ضم الموارد التي يمكن تحصيل العلم الوجداني فيها إلى الحكم والتكليف الواقعي، ومعه لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بثبوت تكاليف اُخرى في الشرع بحيث يلزم من الرجوع فيها إلى الاُصول طرح تكاليف واقعية عملا على ما بينا سابقاً وقد تقدم الوجه في انحلال العلم الإجمالي الصغير باعتبار الطوائف من الأمارات.















[7] ذكر (قدس سره) أنه لو بنى على عدم كون العلم الإجمالي بالتكليف منجزاً أصلا، كما هو مقتضى شمول الاُصول النافية لكل واحد من أطرافه، أو قيل بعدم كونه منجزاً فيما إذا اضطر المكلف إلى ترك رعاية التكليف المعلوم بالإجمال في بعض أطرافه المعين أو غير المعين فلا يجري هذا الكلام في المقام، فإنه لا يجوز ترك التعرض لامتثال التكاليف المعلومة بالإجمال حتى بناءً على عدم تنجيز العلم الإجمالي وذلك للعلم بأن الشارع لا يرضى بإهمال التكاليف المعلومة بالإجمال وأنه مرغوب عنه عنده وغير جائز إجماعاً.







لا يقال: إذا لم يكن العلم الإجمالي منجزاً للزوم الإرتكاب في بعض الأطراف على ما يأتي، فكيف لا يجوز الارتكاب في الباقي مع كون الباقي مورداً للبراءة عقلا، حيث يكون العقاب على تقدير مصادفة سائر الأطراف التكليف من العقاب بلا بيان، فإنّه يقال: هذا إذا لم يعلم باهتمام الشارع بالتكليف بالإضافة إلى سائر الأطراف، وأما مع العلم بذلك كما تقدم فيعلم إيجاب الاحتياط من قبله في الوقايع في الجملة، بل يمكن دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال وترك رعاية التكاليف في هذا الحال ومع استكشاف عدم الجواز شرعاً لا يكون العقاب على تقدير المصادفة عقاباً بلا بيان.







أقول: ظاهر كلمات غير الماتن أيضاً أن المقام من موارد الاضطرار إلى غير المعين من أطراف العلم الإجمالي وعلى ذلك فلو قيل في الاضطرار إلى غير المعيّن تنجز التكليف المعلوم بالإجمال بمعنى عدم جواز مخالفته القطعية كما عليه الشيخ ومن سلك مسلكه فلا يحتاج في إثبات عدم جواز إهمال التكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع إلى دعوى الضرورة باهتمام الشارع بالتكاليف أو دعوى الإجماع على لزوم التعرض لامتثالها في الجملة، بل دعوى الإجماع في المسألة المستحدثة غير المعنونة في كلمات القدماء كما ترى، بخلاف ما إذا قيل بأن الاضطرار إلى غير المعين كالاضطرار إلى المعين يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التأثير كما هو مسلك الماتن (قدس سره)، ولذا تصدى لدعوى الضرورة والإجماع على عدم جواز الاهمال ولكن الصحيح عدم الحاجة إلى ذلك حتى بناءً على هذا المسلك وأن العلم الإجمالي منجز في المقام على كلا المسلكين، فإن غير ما يدفع به الاضطرار في المقام ثبوت التكاليف الواقعية فيه مورد للعلم الإجمالي أيضاً، ومقتضى هذا العلم الإجمالي الثاني رعايتها في موارده كما لا يخفى والعجب من الماتن أنّه تشبث في لزوم الرعاية بما ذكر ولم يتنبه بما ذكرنا من خصوصية المقام.































وأما المقدمة الرابعة: فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام[1].







ولا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الإحتياط في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها[2].







وأما الرجوع إلى الاُصول فبالنسبة إلى الاُصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها[3].







وقد ظهر بذلك أن العلم الإجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الاُصول المثبتة وتلك الضميمة[4].







وأما المقدمة الخامسة: فلاستقلال العقل بها، وأنه لا يجوز التنزل ـ بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية[5].















نفي وجوب الإحتياط















[1] مراده (قدس سره) أنه إذا كان رعاية التكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع المجهولة حكمها الواقعي بالاحتياط في جميع أطرافها موجباً لاختلال النظام فلا كلام في دخول المقام في الاضطرار إلى الارتكاب في البعض غير المعين من الأطراف، نظير ما إذا علم النجاسة في إناءات يكون الاجتناب عن جميعها موجباً لتلف نفسه من العطش، فيلزم الارتكاب بمقدار الاضطرار منها. وفي رعاية العلم الإجمالي في سائر الأطراف ما تقدّم في المقدّمة الثالثة وقد ذكرنا رعاية التكليف فيها حتى بناءً على مسلك الماتن في الاضطرار إلى بعض أطراف العلم، وذلك للعلم الإجمالي بأنّه في سائر الأطراف أيضاً النجاسة معلومة إجمالا، وهذا العلم الإجمالي يوجب الاحتياط في سائر الأطراف هذا يعنى عدم وجوب الاحتياط التام في جميع الوقايع المجهولة حكمها مع العلم الإجمالي بثبوت التكاليف فيها مع لزوم اختلال النظام مما لا كلام فيه، وأما إذا كان الاحتياط التام فيها موجباً للعسر والحرج فقط فهل يجوز ترك الاحتياط التام بحيث لا يلزم من رعاية التكاليف المعلومة بالإجمال مع تركه حرج أو لا موجب لرفع اليد عن الاحتياط التام أصلا كما هو ظاهر كلام الماتن (قدس سره)، بدعوى أن مفاد دليل نفي الحرج والعسر نفي التكليف المتعلق بالفعل فيما إذا انطبق عليه، أي على الفعل أو الترك عنوانهما كما هو الحال في نفي الضرر أيضاً، وأما إذا لم ينطبق عنوانهما على الفعل أو الترك كما في المقام حيث إن المكلف لو كان عالماً بالتكاليف الواقعية، أو كان عنده طريق إليها لأمكن له الامتثال والموافقة بالإتيان بالواجبات وترك المحرمات من غير أنْ يكون في ذلك عسر أو حرج، ولزوم الحرج من ناحية الاحتياط بحكم العقل حيث إن لزومه مقتضى العلم الإجمالي بالتكاليف، نعم لو قيل بأن الحرج والضرر عنوان لنفس الحكم فيمكن التمسّك بقاعدة نفي الحرج في نفيه، حيث إن التكاليف الواقعية عند فقد العلم التفصيلي والطريق إليها يكون منشأ الحرج والضرر، وعلى الجملة الحرج في المقام ينشأ من الإتيان بغير متعلق التكليف بالجمع بينه وبين الإتيان بمتعلق التكليف لإحراز الامتثال وموافقة التكليف المعلوم بالإجمال، ولا ينطبق عنوان الحرج أو الضرر على نفس متعلق التكليف ولا يقاس المقام بما إذا كان الحرج أو الضرر فيما يتوقف عليه الفعل الواجب كحفر البئر أو النزول فيه، حيث إن الواجب للحرج في مقدمته أو كونها ضررياً يكون حرجياً أو ضررياً، بخلاف ما إذا كان الحرج أو الضرر في إحراز امتثال التكليف به على ما تقدم، وقد يذكر أيضاً في الفرق بين المسلكين ما إذا ظهر الغبن في المعاوضة حيث إن الضرر ينشأ من لزومها، فينفى، فيثبت الخيار بناءً على أنّ المنفي هو الحكم الضّرري بخلاف ما إذا قيل بأن المنفي نفس الفعل الضرري فإنه عليه لا يثبت الخيار وفيه ما لا يخفى، فإنه كما ذكرنا في بحث الخيارات أن اللزوم في المعاملة لا ينفى بقاعدة نفي الضرر على كلا المسلكين، حيث إن الضرر أي النقص في ما كان للمغبون يحصل بنفس المعاملة، ونفي اللزوم وثبوت الخيار يوجب تمكنه من تدارك ضرره ومفاد القاعدة نفي الضرر لا إثبات تداركه، كما أنه بالقاعدة لا ينفى إمضاء المعاملة ليحكم ببطلانها؛ لأنّ المعاملة مع الشرط الارتكازي فيها بعدم التفاوت الفاحش بين الثمن والقيمة السوقية خياري مع الغبن ولا امتنان في الحكم بفساد المعاملة الخيارية بنفي إمضائها.







وقد التزم بعض الاعلام طاب ثراه بحكومة قاعدة نفي الحرج في مثل المقام بلا فرق بين المسلكين فيما يكون الابتلاء بأطراف الشبهة تدريجياً، فإن الحرج مع تدريجية الأطراف يكون في الأطراف المتأخرة التي يكون رعاية احتمال التكليف فيها بالإتيان بمتعلقه حرجياً فيعلم بالقاعدة عدم التكليف فيها؛ لأن التكليف إذا كان في الأطراف السابقة فقد إمتثل التكليف فيها على الفرض، وإن كان في المتأخرة أيضاً يرتفع بقاعدة نفي الحرج، مثلا إذا نذر صوم بعض أيام الاُسبوع وتردّد المنذور بين أيامها، وفرض أن الصوم في جميعها حرجي وصام المكلف إلى يوم الجمعة، بحيث صار عليه الصوم فيها حرجياً فلا بأس بتركه فيها؛ لأنّه إنْ كان الصوم المنذور قبل يوم الجمعة فقد امتثله وإنْ كان صومها أيضاً فلا يجب لقاعدة نفي الحرج بلا فرق بين المسلكين، نعم تظهر الثمرة على المسلكين فيما إذا كانت أطراف الشبهة دفعية، بأنْ يمكن الإتيان بكل من الأطراف قبل الآخر، كما إذا علم بنجاسة بعض المايعات التي يكون الإجتناب عن جميعها حرجياً.







أقول: ما ذكر في الأطراف الشبهة إذا كان تدريجيّةً وإنْ كان صحيحاً، إلاّ أن لازمه الأخذ بالإحتياط في الوقايع التي يبتلى بها إلى أنْ يلزم منه العسر والحرج سواء كان من مظنونات التكليف أو من غيرها، بل قد يقال: لا توجب إلاّ لتعيّن هذا النحو من الاحتياط في الوقايع بلا فرق بين القول بأن المرفوع بقاعدتي نفي الحرج والضرر التكليف أو الفعل المنطبق عليه عنوان الحرج والضرر، ولا يخفى بناءً على رفع الحكم الحرجي حيث إن امتثال جميع التكاليف في المظنونات والمشكوكات والموهومات حرجي، والأمر يدور بين رفع اليد عن رعاية احتمال التكليف في المظنونات أو في الموضوعات والمشكوكات يكون رفع اليد عنه في الثاني أولى كما هو مفاد المقدمة الخامسة، بل يتعيّن في تصحيح ما ذكروه من الأخذ بالاحتياط في مظنونات التكليف وجواز تركه في المشكوكات والموهومات من التشبّت بما ذكرنا سابقاً من دعوى انحلال العلم الإجمالي بالعلم الإجمالي الآخر، بأن أكثر الموارد من المظنونات ثبوت التكاليف فيها واقعاً معلوم إجمالا بحيث يحتمل مع الأخذ بالاحتياط فيها والرجوع في غيرها من المشكوكات والموهومات بالأصل الجاري فيها بملاحظة خصوصية نفس الواقعة أنْ لا يقع المكلّف في محذور مخالفة التكليف الواقعي لانحصار التكاليف الواقعية بالمظنونات، والموارد التي يكون الأصل الجاري فيها مثبتاً للتكليف مضافاً إلى الموارد التي يكون التكليف في تلك الوقايع معلوماً تفصيلا، قد ظهر مما ذكرنا أنه لا حاجة في إثبات لزوم الاحتياط، في الوقايع المظنون ثبوت التكاليف فيها وجواز الرجوع في غيرها إلى الأصل الجاري فيها بملاحظة خصوصية الواقعة، إلى ضم مقدمة اُخرى يعني قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح لما ذكرنا من عدم المورد لها في المقام لعدم الدوران بينها لانحلال العلم الإجمالي على ما مرَّ.















[2] المراد من هذا الوجه جريان قاعدة نفي العسر والحرج في نفي لزوم الاحتياط التامّ لكون مفادها كمفاد قاعدة لا ضرر، نفي الحكم والتكليف الناشيء منه الحرج؛ فإنه إذا نفي وجوب الاحتياط التام بنفي التكليف الناشئ منه الضرر لا يبقى ما يوجب عقلا رعاية التكليف في سائر الأطراف أي مظنونات التكليف، ولابد في الالتزام بوجوب رعايتها من إثبات أن الشارع أوجب رعاية احتمال التكليف فيها كما التزم (قدس سره) بذلك في بيان المقدمة الثالثة.







أقول: قد تقدم أن الوقايع التي تكاليفها مظنونة، ثبوت التكاليف الواقعية فيها معلومٌ إجمالا، فرعاية احتمال التكليف فيها مع الوقايع التي يكون مقتضى ملاحظة خصوصيتها لزوم رعاية التكليف فيها أيضاً منضمة إلى موارد العلم التفصيلي فيها للتكاليف الواقعية توجب انحلال العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الشريعة، بحيث لا يكون مانع في غيرها من الأخذ بالبراءة العقلية فلا سبيل إلى إحراز إيجاب الاحتياط شرعاً كما ذكر فتدبر.







ثم لا يخفى أن وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وإنْ يكن بحكم العقل من باب دفع الضرر المحتمل، إلاّ أنه إذا وصل امتثال التكليف في الاحتياط في الأطراف إلى حدّ الحرج يكون رفع التكليف في تلك الأطراف بنفي وجوب الاحتياط فيها كما أن وضعه فيها يكون بايجاب الاحتياط، فيكون رفع التكليف فيها بالترخيص في ترك الإحتياط موجباً لانتفاء الموضوع لحكم العقل بمعنى أنه لا يحتمل الضرر بعد الترخيص فيصبح الرفع فيها حكماً ظاهرياً لا ينافي ثبوت التكليف الواقعي فيها كموارد الرفع في الشبهة البدوية وفائدة ثبوت التكليف الواقعي حسن الاحتياط في مورده.















دعوى إنحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالاُصول المثبتة















[3] ذكر (قدس سره) أنه كما يرجع بناءً على انفتاح باب العلم والعلمي إلى الاُصول المثبتة للتكليف في مواردها، كذلك لا مانع من الرجوع إليها على الانسداد بلا فرق بين كون الأصل المثبت بحكم العقل كما في مسألة العلم بوجوب القصر أو التمام، ومسألة وجوب الظهر أو الجمعة، حيث إن العلم الإجمالي بوجوب إحداها يقتضي الاحتياط بالجمع بينهما، أو كان أصلا شرعياً كالاستصحاب في بقاء التكليف أخذاً بعموم النقل حتى بناءً على ما سلكه الشيخ (قدس سره) من عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة، ولو كانت الحالة السابقة فيها ثبوت التكليف بدعوى أن شمول خطابات الاستصحاب لأطرافه فيه محذور المناقضة بين صدر تلك الخطابات وذيلها، فإن عموم النهي في كل من الأطراف رفع اليد عن الحالة السابقة، كما هو مقتضى صدرها يناقض ما في ذيلها من لزوم رفع اليد عن الحالة السابقة فيما علم فيه ارتفاع الحالة السابقة وهو المعلوم بالإجمال، والوجه في عدم المحذور على هذا المسلك أيضاً مع أن المجتهد يعلم إجمالا بانتقاض التكليف السابق في بعض الموارد التي يأخذ فيها بالحالة السابقة عدم كون شكّه في جميع الأطراف فعلياً لكون الاستنباط أمراً تدريجياً، وإذا وصل في مقام الاستنباط إلى واقعة يشك فيها في بقاء التكليف السابق في حال لغفلته عن سائر الوقايع التي لو وصل إليها وجد الحال فيها كهذه المسألة لا تكون تلك الوقايع مورد الاستصحاب فعلا كي يلزم النهي عن نقض الحالة السابقة في جميعها مع الأمر بالنقض في بعضها، ومما ذكر يظهر أنه لا مجال لدعوى محذور المناقضة في الرجوع إلى الاُصول النافية أيضاً في مواردها لو لم يكن من الرجوع إليها مانع آخر عقلا أو شرعاً، وليس مانع كذلك لو كانت موارد الاُصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه علمي بمقدار المعلوم بالإجمال، بل ولو كان أقل من ذلك المقدار أيضاً ولكن بحيث لم يكن لاستكشاف الإيجاب الشرعي للاحتياط فيها مجال.







أقول: ظاهر كلامه فرض اعتبار الاستصحاب وجواز الأخذ بعموم خطاباته في موارد إحراز الحالة السابقة مع أن خطاباتها من قبيل الأخبار الآحاد، والمفروض عدم ثبوت اعتبارها مع الغمض عن دليل الانسداد المقرر بنحو الكشف، نعم يمكن دعوى أن انحلال العلم الإجمالي الكبير بدعوى ثبوت التكاليف في موارد الاُصول المثبتة غير موقوف على ثبوت اعتبارها نظير ما تقدم من الانحلال في موارد الأخبار المأثورة في التكاليف مع عدم ثبوت اعتبارها، ولكن عبارة الماتن لا تساعد على ذلك.







وأما ما ذكره من أنّ الاستنباط تدريجي والمجتهد عند استنباط الحكم في بعض المسائل غافل ولا يلتفت إلى سائر الوقايع فلا يكون علم فعلي بالحالة السابقة فيها وشك فعلي في بقائها ليلزم العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة لا يخفى ما فيه، فإنّ المجتهد وإنْ لم يلتفت إلى جميع الموارد دفعة إلاّ أنه بعد تمام الاستنباط يعلم إجمالا بأن الحالة السابقة في بعض ما أخذ فيه بالاستصحاب منتقض فيسقط اعتباره فيها، ولا يقاس هذا بما إذا علم المجتهد بعد كتابة رسالته بأنّ بعض فتاواه وقع فيها الاشتباه والخطأ، فإنّه لا يبطل العلم برسالته بالعلم بذلك، فإنّ الخطأ المعلوم في الوقايع التي أفتى فيها بعدم التكليف غير محرز فلا يوجب هذا الخطأ إلاّ المخالفة الالتزامية، ولا محذور فيها إذا لم يكن بنحو التشريع وما يوجب عودة النظر العلم بالخطأ الموجب لإيقاع المراجعين في المخالفة العملية وهذا غير معلوم.















بطلان دعوى انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالاُصول المثبتة















[4] لا يخفى أنه مع العلم الإجمالي في موارد الأخبار المأثورة المتضمّنة لبيان التكاليف الواقعيّة، وأنّ كثيراً منها موافق للتكليف الواقعي كيف ينحلّ العلم الإجمالي بالاُصول المثبتة بضميمة الموارد التي تكون التكاليف الواقعية فيها معلومة تفصيلاً مع قلة تلك الموارد بالإضافة إلى غيرها، والمفروض في دليل الانسداد عدم قيام دليل علمي في الوقايع التي هي موارد تلك الأخبار، ومع عدم الانحلال لا مورد لأصالة البراءة إلاّ في الأطراف الخارجة عن العلم الإجمالي الصغير التي ذكرناها، وما ذكر (قدس سره)من أنه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد الاُصول النافية مطلقاً ولو من مظنونات عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا، ويرفع اليد عن الاحتياط في موارد الاُصول النافية كلا أو بعضاً بمقدار رفع اختلال النظام أو انتفاء رفع العسر على ما عرفت، ولا يرفع اليد عن الاحتياط في مطلق محتملات التكليف حتى لو كانت من موارد الاُصول المثبتة فإنه تؤخذ بالاُصول المثبتة لا محالة، لا يخفى ما فيه، فإن موارد الأخبار المشار إليها للعلم الإجمالي المنجز فيها لا تكون من موارد الاُصول النافية ومع خروجها عنها لا يكون في الرجوع إليها وترك الاحتياط فيها محذور. نعم، لو كانت واقعة بنفسها مورد العلم الإجمالي الخاص كمسألة دوران الأمر بين القصر والتمام فلا مجال فيها للأصل النافي.







وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنه على تقدير الالتزام بانسداد طريق العلم والعلمي بالإضافة إلى الأحكام الشرعية وغالب الوقايع التي تكون موارد ابتلاء المكلفين فاللازم الأخذ بالاحتياط في موارد الأخبار المأثورة المتضمنة للتكاليف، وفي غيرها إنْ لم يكن في المسألة علم إجمالي بالتكليف يرجع إلى الأصل النافي يعني البراءة العقلية، ولا يلزم من ذلك محذور آخر غير أن عمل المكلف في غالب الوقايع يكون بنحو الاحتياط من غير أنْ يعلم التكليف الواقعي فيها، ولذا يدعى أن هذا في نفسه محذور، ونعلم أن الشارع لا يرضى في شريعته أنْ يكون الطريق إلى معرفتها مسدوداً وعمل المكلفين بها على الاحتياط فيها؛ ولذا يستكشف أن الشارع جعل الظن ولو في الجملة طريقاً إلى معرفتها هذا مبنى مذهب الكشف لا مجرد اعتبار قصد الوجه والتمييز عند هذا القائل فإن هذا الاعتبار مع ضعف القول به مختص بالعبادات، ولا يجري في غيرها من الواجبات، والقائل بالحكومة لا يرى نفسه ملزماً لجعل الظن طريقاً بعد استقلال العقل بأنه يقبح من الشارع الحكيم إرادته من المكلفين في معظم الوقايع أزيد من الموافقة الظنية، ولا يجوز للمكلفين الاقتصار في امتثال التكاليف على الإطاعة الاحتمالية أو الوهمية، وقد ذكرنا أنه لا تصل النوبة إلى هذا الحكم أيضاً، وأن موارد الاحتياط هي الوقايع التي ورد فيها الخبر المأثور في الكتب المعروفة بثبوت التكليف في كل منها، وفي غيرها مع عدم إحراز الحكم الواقعي يؤخذ بالأصل يعني أصالة الاحتياط لو كانت الواقعة بنفسها مورد العلم الإجمالي بالتكليف وإلاّ فالأصل هي البراءة لاحتمال انحصار التكاليف في موارد الأخبار المأثورة والموارد الملحقة بها لعدم احتمال الفرق بينها وبين ما ورد فيه الخبر، ودعوى الإجماع على أن الشارع جعل لأحكامه وتكاليفه في الوقايع في كل زمان طريقاً للإجماع على عدم رضا الشارع بالامتثال الإجمالي في معظم أحكامه لا يمكن المساعدة عليها، فإن مسألة انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام معنون في كلمات المتأخرين، وكون المدرك لما ذكروه ما تقدم فأين يستفاد عدم رضا الشارع بالاحتياط وبطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ودعوى الظن بذلك كدعوى الجزم غير صحيحة وعلى تقدير الظن فالكلام في اعتبار الظن حيث لم يتم على اعتباره دليل، وما لم يحرز الاعتبار فالاصل عدم الاعتبار.















في قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح















[5] ذكروا أنه إذا لم تمكن الموافقة القطعية للتكاليف المعلومة بالإجمال أو لم تجب، ودار الأمر بين الموافقة الظنية وبين الاحتمالية والوهمية فاللازم رعاية الطاعة الظنية وعدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بعد قيام الدليل على عدم إهمالها رأساً، وذلك لقبح ترجيح المرجوح، وعلى ذلك فاللازم على المجتهد تحصيل الظن بالتكليف في كل واقعة ليعمل به هو أو مقلدوه، ومع عدم إمكان تحصيل الظنّ أو عدم حصوله يكون المرجع الأصل النافي، إلاّ إذا كان في خصوص المسألة علم إجمالي بالتكليف فيها، وقد ذكر الماتن (قدس سره) وغيره بأنه عند الدوران يتعيّن تقديم الإطاعة الظنية لاستقلال العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراحج، إلاّ أنه لا تصل النوبة إلى الدوران من جهة ما تقدم في المقدمة الأولى من انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقايع بالتكاليف الواردة في الأخبار المأثورة في الكتب المعروفة للأخبار، فإن العلم بصدق كثير من تلك الأخبار أي مطابقتها للتكاليف الواقعية يوجب انحلال العلم الإجمالي الكبير لاحتمال أنْ لا يكون في غير موارد تلك الأخبار من الموارد التي لا يعلم التكليف فيها تفصيلا أو بطريق علمي تكليف آخر واقعاً، ومقتضى ذلك الاحتياط التام في موارد تلك الأخبار ولا عسر ولا حرج فيه كما عند القائل باعتبارها كلها، وما أوردنا على المقدّمة الرابعة من إمكان الرجوع في غير موارد العلم التفصيلي والطريق المعتبر إلى الاُصول المثبتة والنافية إذا كانت التكاليف المحرزة بالاُصول المثبتة بضميمة موارد المعلوم بالتفصيل أو بطريق علميّ بمقدار المعلوم بالإجمال، بأن يحتمل انحصار التكاليف الواقعيّة على تلك الموارد وعدم وجود تكليف آخر في موارد الاُصول النافية أو وجوده فيها ولكن لم يكن من الأهمية بحيث يستكشف عدم جواز الإهمال والرجوع إلى تلك الاُصول، وإلاّ كانت موارد الاُصول النافية مورداً لحكومة العقل وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها بعد عدم وجوب الاحتياط التام فيها شرعاً أو عقلا لاستلزامه الحرج أو الاختلال.







أقول: قد ذكرنا أنه لا حاجة في المقام إلى المقدمة الخامسة حتى لو قيل بعدم ثبوت القبح في ترجيح الطاعة الاحتمالية أو التخيير بين الإطاعة الظنية والاحتمالية فإن اللازم على المجتهد تحصيل الظن في الوقايع بالتكاليف فيها مع إمكانه لعلمه إجمالا بأن كثيراً من الظنون فيها موافقة لما في الواقع فيها من التكاليف، وهذا العلم الإجمالي يوجب الأخذ بجانب الظن بالتكليف فيها وإذا احتمل انحصار التكاليف الواقعية على موارد الظنون التي يحصلها المجتهد فلا بأس بالرجوع إلى الأصل النافي في غيرها ما لم يكن في المسألة علم إجمالي خاص بها كما تقدم، وهذا ليس مما قالوا من دوران الأمر بين الإطاعة الظنية والطاعة الإحتمالية والوهمية، وبيان ذلك أن الصور الملحوظة في الدوران أربع، الاُولى: أن تكون الوقايع على قسمين: قسم يظن فيها ثبوت التكليف في كل من أطراف ذلك القسم، وقسم آخر يشك في ثبوت التكليف في كل من أطرافه، ومثال ذلك في الموضوعات ما إذا كان في البين آنية متعددة، قسم منها بيضاء واُخرى سوداء ويظن إصابة النجاسة لكل من الآنية البيض ويشك أو يحتمل ضعيفاً إصابتها لكل من السود، ولكن من غير علم اجمالي بإصابة النجاسة في القسمين بأن يحتمل طهارة كلّ الآنية بحسب الواقع، وفي هذا الفرض يرجع في كل من القسمين إلى أصالة الطهارة والحلية، ولا اعتبار بالظن ما لم يصل إلى حد الاطمينان، وهذا لا كلام فيه، الصورة الثانية: أنْ يحصل الظن بالتكليف في كل فرد من أفراد القسم الأول ويحتمل التكليف في كلّ من أفراد القسم الثاني مع العلم الإجمالي بإصابة الظنون بالتكاليف مع التكاليف الواقعيّة في الجملة من غير علم إجمالي كذلك في ناحية القسم الثاني، وفي هذه الصورة يجب الاحتياط في موارد الظنون فإنّه مقتضى العلم الإجمالي بالتكاليف في مواردها، ويرجع إلى الأصل النافي في كل فرد من أفراد المشكوكات من غير فرق بين كون رعاية التكليف المحتمل في جميع القسمين حرجياً أم لا، ومن غير فرق بين القول بقبح ترجيح المرجوح والقول بعدم قبحه.







والمقام بناءً على الالتزام بالانسداد وعدم انحلال العلم الإجمالي الكبير بالتكاليف الواقعية في موارد الأخبار الواردة في الكتب المعروفة من هذا القبيل، فيرجع في الوقايع التي لا يمكن للمجتهد تحصيل الظن بالتكليف إلى الأصل النافي لعدم العلم الإجمالي بالإضافة إلى التكليف والتكاليف الواقعية في تلك الوقايع.







الصورة الثالثة: ما إذا علم إجمالا بوجود التكليف الواقعي أو التكاليف الواقعية في كل من القسمين، والمكلف لا يتمكن أو لا يجب عليه الاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي في كل من القسمين، فاللازم في هذا الفرض التبعيض في الاحتياط في كل من الطائفتين؛ لما أشرنا سابقاً من أن الموافقة الاحتمالية لكل التكاليف مقدم على الموافقة القطعية لبعضها الملازمة للمخالفة القطعية لبعضها الآخر، والمقام بناءً على عدم انحلال العلم الإجمالي الكبير حتى بالعلم الإجمالي بالتكاليف في موارد الظنون من هذا القبيل، ولا مورد فيه للقول بقبح تقديم المرجوح على الراجح، الصورة الرابعة: ما إذا كان كل من أفراد القسمين طرفاً للعلم الإجمالي بالتكاليف، أو التكاليف بمعنى نعلم منه بثبوت تكليف أو تكاليف إما في أفراد القسم الأول، أو أنه ليس فيها تكليف أو تكاليف واقعية بل التكليف أو التكاليف في أفراد القسم الثاني، وتكون رعاية العلم الإجمالي في كل من أفراد القسمين غير جايز أو غير واجب للزوم الإخلال بالنظام أو الحرج، بخلاف رعاية احتمال التكليف أو التكاليف في أفراد قسم واحد، وفي هذه الصورة بناءً على تنجيز العلم الإجمالي أو قيام دليل بعدم جواز إهمال التكليف أو التكاليف المعلومة بالإجمال رأساً تقدم الطاعة الظنية برعاية المعلوم بالإجمال في المظنونات ويترك رعاية احتمالها في ناحية المشكوكات والموهومات بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح، والقبح في المقام بمعنى استحقاق العقاب على ترك الطاعة الظنية إذا أصابت الظنون أو بعضها التكليف الواقعي، والحاكم بذلك هو العقل ولكن في استقلاله بذلك تأمل إذا لم يكن رعاية الاحتياط في الظنون موجباً للوثوق بإمتثال التكاليف المعلومة بالإجمال كلا أو بعضاً.







ينبغي في المقام التنبيه إلى أمرين، الأول: أن حكم العقل في المقام برعاية التكاليف المظنونة من باب قاعدة الاشتغال في أطراف العلم الإجمالي لاحتمال ثبوت التكليف من المعلوم بالإجمال فيه، وهذا الحكم العقلي كحكمه في سائر موارد العلم الإجمالي بالتكليف لا يستتبع الحكم الشرعي المولوي؛ لأنّ الحكم الشرعي المولوي النفسي يتوقف على الملاك النفسي ولا حاجة إلى الحكم المولوي الطريقي لتنجز الوقايع بالاحتمال في أطراف العلم الإجمالي.







ولا يقاس حكمه في المقام بحكمه في القطع التفصيلي بالتكليف فإن القطع بالتكليف في نفسه موجب لتنجز متعلقه إذا أصاب بخلاف منجزية الظن في المقام، فإن المنجزية إذا أصابت الواقع بالعلم الإجمالي وكونه من أطرافه ويترتب على الظن ما يترتب على الاحتمال في أطراف المعلوم بالإجمال، فإنه كما إذا ورد الترخيص في البعض المعين من أطراف العلم بترخيص ظاهري لا يمنع عن منجزية العلم الإجمالي بالإضافة إلى سائر الأطراف كذلك الحال في المقام، فإنه إذا ورد النهي الطريقي عن اتباع ظن معين كالظن الحاصل من القياس حيث إنّه مع النهي المزبور لا يحتمل استحقاق العقاب على مخالفته إذا صادف التكليف الواقعي ثم لو بنى على العلم بأن الشارع لم يرض بالاحتياط في الوقايع أو لم يمكن الاحتياط في الوقايع العبادية لأنه يعتبر في صحة العبادة قصد الوجه والتمييز ولا يتمكن من قصدهما من دون طريق معتبر إلى إحراز العبادة، وحكمها يستكشف من مقدمات الانسداد أن الشارع اعتبر الظن في الوقايع طريقاً ولا يحتمل التفرقة بين الوقايع العبادية وغيرها وتكون النتيجة هو القول باعتبار الظن حال الانسداد شرعاً، ولكن البناء المزبور غير صحيح كما تقدم، الأمر الثاني: أنه بناءً على ما تقدم من الاحتياط في موارد الظن بالتكاليف من الوقايع للعلم الإجمالي بثبوتها في كثير منها يجري الاحتياط بلا فرق بين موارد الظن الشخصي بالتكليف وموارد الظن النوعي به، حيث إن التكاليف المعلومة بالإجمال تعمّ مواردهما، فإنّه لو قيل بعدم انحصار العلم بالتكاليف على موارد الأخبار المأثورة في الكتب المعروفة فلا مورد للتأمل في أن موارد تلك الأخبار داخلة في أطراف المعلوم بالإجمال مع أنه لا ظن شخصيّ بالتكليف في أكثر مواردها، وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا حول مقدمات الانسداد أن مقتضاها الإحتياط في المظنونات ويرجع في غيرها إلى الأصل ولا يبقى مجال لبعض المباحث المذكورة في الكتب الاُصولية من حكم الظن المانع والممنوع، وكون النتيجة حجية الظن بالواقع أو الظن بالطريق أو الظن بهما ونحو ذلك فلاحظ.























الظن في الاُصول الاعتقادية







خاتمة يذكر فيها أمران استطراداً، الأول: هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع؟[1].







نعم، يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها[2].







وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة عن وجوب معرفته محكمة[3].







الثاني: الظن الذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة[4] أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة، أو يرجح به أحد المتعارضين بحيث لولاه على وفقه لما كان ترجيح لأحدهما أو كان للآخر منهما أم لا؟























[1] ذكر الشيخ (قدس سره) بعد مباحث الانسداد أمرين، الأول: اتباع الظن في الاعتقاديّات إذا لم يمكن تحصيل العلم بها نظير إتباعه في الفروع عند عدم إمكان الوصول إليها بالعلم أو الطريق العلمي على ما تقدم، أو أنه لا يصل الأمر في الاُصول الإعتقادية إلى الاعتماد على الظن أصلا، الثاني: الظن الذي لا يكون معتبراً في نفسه في الفروع هل يكون جابراً لضعف الرواية سنداً أو دلالة بحيث تصير معتبرة، أو موهناً للرواية التي لولا خلاف الظن لكانت معتبرة؟ وهل يكون الظن المزبور مرجحاً لإحدى الروايتين المتعارضتين بحيث تؤخذ بالموافق وتطرح المخالف؟ وتبعه على ذلك الماتن (قدس سره)، يقع الكلام في المقام الأول.







أقول: لا ينبغي التأمل في أنّ الاُمور الاعتقادية على قسمين: قسم منها ما يجب الاعتقاد به بمعنى التباني وعقد القلب عليه على تقدير إخبار اللّه سبحانه أو النبي (صلّى الله عليه وآله)أو الإمام المعصوم (عليه السلام) فإن الاعتقاد والتسليم به قلباً يعد من تصديق النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام) كوقايع البرزخ وما بعد البعث والنشور من أحوال القيامة والصراط والميزان ودرجات الجنة ودركات الجحيم إلى غير ذلك مما يعدّ بعد ثبوت الأخبار بها الاعتقاد بها من التصديق للنبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) ولا مجال في هذا القسم للاعتماد على الظن المطلق بدعوى انسداد باب العلم بهذه الاُمور حتى بناءً على أن نتيجة مقدمات الانسداد الكشف عن حجية مطلق الظن شرعاً، وذلك لعدم جريان مقدمات دليله في هذه الاُمور الاعتقادية فإن من مقدماته عدم وجوب الاحتياط التام في الوقايع أو عدم جوازه على ما تقدم، والامتثال الإجمالي في الاُمور الاعتقادية ممكن لا محذور فيه، فإن للمكلف أن يعقد قلبه بما هو الواقع من هذه الاُمور فيكون هذا تصديقاً إجمالياً للنبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) فيما أخبروا بها، وبهذا يظهر أنه يكفي هذا التصديق الإجمالي حتى في الموارد التي يمكن للمكلف أنْ يعلم تفصيلا ويحصل المعرفة بها كذلك، نعم يقع الكلام في هذا القسم أنه إذا قام طريق معتبر شرعاً إلى بعض هذه الاُمور بأنْ كان الظن به من الظنون الخاصة فهل يجوز عقد القلب تفصيلا بما قام به هذا الطريق، أم لا اعتبار في ذلك بالظن الخاص كالظن المطلق؟ فقد يقال: إذا كان الخبر القائم بهذه الاُمور طريقاً معتبراً شرعاً لا مانع من الالتزام وعقد القلب عليه؛ لأنّ المفروض الشارع اعتبر علم المكلف بإخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام المعصوم به فيجوز الالتزام وعقد القلب عليه كما هو الحال في إحراز اخبارهما به وجداناً، وهذا بناءً على كون اعتبار الطريق علماً فظاهر، وأما بناءً على كون الاعتبار بمعنى جعل المنجزية والمعذرية له فإن الشارع جعل للخبر القائم به المنجزية والمعذرية بالإضافة إلى المخبر به المفروض كونه أمراً اعتقادياً، وإنما يفترق القول باعتبار العلم عن القول بجعل المنجزية والمعذرية فيما إذا كان المخبر به من الاُمور التكوينية والتاريخية وأحوال القرون الماضية، فإنه لو اعتبر الظن وقلنا بأن اعتباره بمعنى عدّه علماً جاز الإخبار بوقوعها على طبق الخبر لأنّ جواز الإخبار بالشيء منوط بالعلم به، والمفروض أن الشارع اعتبر الظنّ القائم علماً به بخلاف ما إذا قيل بأن اعتباره بمعنى جعل المنجزية والمعذرية، فإنه لابد من أن يكون المؤدّى الحكم الشرعيّ أو الموضوع له.







أقول: العمدة في اعتبار الخبر السيرة العقلائية الجارية من المتشرعة أيضاً في الاُمور الدينية ولم يحرز سيرتهم على الاعتقاد بمؤدّى الظن ولو كان ذلك الظن القائم معتبراً بالإضافة إلى الأحكام الفرعية، وعليه فالاعتقاد التفصيلي بما قام به الظن الخاص جوازه فضلا عن وجوبه محل تأمل بل وجواز الإخبار به كجواز الإخبار بالتكوينيات والقرون أو الاُمم الماضية ما لم يحصل الاطمينان بذلك أيضاً محل تأمل، لما ذكرنا من ان دليل اعتبار الظن الخاص هي السيرة العقلائية ولم يثبت عمومها بالإضافة إلى الاُمور الاعتقادية ونحوها ما لم يكن في البين اطمينان ولو بكثرة الأخبار وتعددها.















[2] هذا هو القسم الثاني من الاعتقاديات الواجب على كل مكلف تحصيل العلم بها، وهذا الوجوب نفسي وليس كوجوب تحصيل العلم بالأحكام الشرعية والعبادات والمعاملات من كون العلم فيها طريقاً إلى إحراز التكاليف وامتثالها والإتيان بالمعاملة الصحيحة ليرتب عليها آثارها، وبتعبير آخر معرفة هذه الاُمور من الاعتقاديات دخيل في كون الشخص مسلماً كمعرفة اللّه سبحانه وتوحيده والنبوة الخاصة والمعاد الجسماني أو في كونه مؤمناً كالعلم بعدله سبحانه والإمامة، ويقع الكلام في هذا القسم في جهات، الاُولى: هل يمكن فيه للجاهل القاصر بأنْ لا يتمكن من معرفة هذه الاُمور أو بعضها بعد الفراغ من عدم قيام الظن مقام العلم بمعنى أن الظن بهذه الاُمور لا يقوم مقام العلم؛ لما تقدم من أنّ الظن ولو كان من الظنون الخاصة لا يقوم مقام العلم المأخوذ على نحو الوصفية، والمفروض أن الواجب على المكلف تحصيل العلم والمعرفة واليقين بهذه الاُمور، والظن باعتباره علم في جهة الطريقية لا في الموضوعية، الثانية: أن الجاهل القاصر على تقدير إمكان تحققه محكوم بالكفر وعدم الإيمان أم لا حتى مع الظن بها، والثالثة: هل يعاقب الجاهل القاصر كالمقصر أو أن عقابه على ما لا يقدر على تحصيل العلم به خلاف العدل.







أما الجهة الاُولى: فلا يبعد دعوى أن الجاهل القاصر بالاضافة إلى العلم بوجود الصانع وتوحيده لا يوجد إلاّ نادراً، فإن التأمل في تحقق الشيء فضلا عن الموجودات الأرضية والسماوية والتأمل في النظام الموجود فيها يوصل الإنسان إلى اليقين بأن هذه الموجودات والنظام الموجود فيها لابد من أنْ ينتهي إلى الواجب بالذات الذي هو في ذاته قادر وعالم، والآيات من الكتاب المجيد المرشدة للإنسان إلى النظر والتأمل في خلق السماوات والارض هداية له في هذه الجهة، وأما الجهل قصوراً بالإضافة إلى النبوة الخاصة والمعاد الجسماني والإمامة فلا ينبغي التأمل في تحققه كما هو الحال في أكثر من عاش في بلاد الكفر وبلغ حداً فقد قوته وضعفت إدراكاته ولم يكن ملتفتاً وسامعاً إلى من يخبر بالإسلام ومعتقداته.







أما الجهة الثانية: فلا ينبغي التأمل أيضاً في أنه يترتب على القاصر جميع الأحكام المترتبة على الكفر وينتفي عنه جميع ما يترتب على الإسلام والمسلم من الأحكام؛ لأنّ القصور واالاستضعاف لا يمنع عن إنطباق عنوان الكفر على القاصر، ولا يوجب انطباق المسلم عليه، وإنما يفترق القصور عن التقصير بالإضافة إلى الجهة الثالثة، فإن القاصر وإنْ لا ينال لما هو جزاء الإيمان والإطاعة من درجات النعيم والجنة إلاّ أنه لا يستحق عقاباً ما لم يتحقق في ذلك العالم ما يوجب استحقاقه العقاب، فإن العقاب بلا بيان قبيح ينافي العدل إذا لم يكن معانداً للحق بل كان منقاداً له على الإجمال، وما في كلام الماتن (قدس سره) في بحث الطلب والإرادة من أن استحقاق العقاب من لوازم البعد المترتب على الكفر والعصيان الناشئين من خبث الباطن وسوء السريرة قد تقدم ما فيه فلا نعيد.















[3] ذكر (قدس سره) أن وجوب تحصيل العلم في بعض الاعتقاديات مع إمكانه عقلي بوجوب نفسي كمعرفة اللّه سبحانه وصفاته فإن وجوب معرفته سبحانه بصفاته من باب شكر المنعم، وكذا معرفة أنبيائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه وكذا معرفة الإمام (عليه السلام)فإن الإمام (عليه السلام) أيضاً واسطة نعمه سبحانه فيجب معرفة النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) لذلك، ولاحتمال الضرر في ترك تحصيل العلم والمعرفة ولا يجب معرفة غير ذلك عقلا بل وجوب تحصيل العلم به شرعي على تقدير قيام الدليل عليه كوجوب معرفة الإمام (عليه السلام)على الوجه الآخر غير الصحيح بناءً على أن الدليل على وجوب مثل ما ورد: «من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية»(1) وما ورد من بناء الإسلام على خمس التي خامسها وأعظمها الولاية(2).







أقول: ويعدّ من القسم الثاني المعاد الجسماني حيث إن مقتضى الآيات وجوب الإيمان والتصديق به تفصيلا كما في سائر الاعتقاديات، يكون الاعتقاد مع حصول العلم بها تفصيلياً، ولا يخفى أنّ شأن العقل هو الإدراك لا الإيجاب والبعث الاعتباري والوجوب حتى في معرفة اللّه ومعرفة النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام شرعي، غاية الأمر إيصال هذا الوجوب الشرعي يكون بطريق العقل فقط، كما في وجوب معرفة اللّه والنبي (صلّى الله عليه وآله) أو بطريق شرعي أيضاً كما في معرفة الإمام (عليه السلام) حيث إنّه مع احتمال العقل الضرر في ترك المعرفة إيصال للوجوب إلى العباد ودفع الضرر المحتمل كما ذكرنا أمر فطري كالضرر المقطوع ولا مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، حيث إنّ حكم العقل أي احتماله الضرر في الترك في نفسه بيان لذلك الوجوب، ولا يقاس بما إذا إحتمل وجوب فعل بعد الفحص وعدم الظفر بالبيان له بل يقاس المقام بما قبل الفحص بحيث يكون عالماً بذلك الوجوب بعده كما لا يخفى، وقد ذكرنا إمكان تحصيل العلم والمعرفة بوجوده سبحانه وتوحيده وقدرته وأنه عالم بالذات بالنظر في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار والتفكر في النظام الموجود في الكون على ما أشارت إليه الآيات، ولحكم العقل القطعي بأن الشيء الحادث إذا وجد لا يمكن أنْ يوجد بلا سبب وفاعل، ولذا يكون الجاهل بمعرفة اللّه سبحانه مقصراً لا قاصراً إلاّ نادراً بخلاف النبوة الخاصة والإمامة والمعاد الجسماني، بل العدل أيضاً فإنه قد يوجد القاصر بالإضافة إليها على ما مرّ، وعلى الجملة ما يجب المعرفة فيها واليقين بها لا يقوم الظن مقام العلم، فإن الظن لا يكون يقيناً واعتقاداً تفصيلياً بالإضافة، ولذا لا يجري في الاعتقاديات جواز التقليد، نعم إذا كان أقوال أهل المعرفة والبصيرة في مثل هذه الاُمور موجباً ليقين العامّي بهذه الاُمور بحيث جزم أنهم لم يذكروها بمجرد حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف والغرور بها يكون علمه ومعرفته بهذا النحو كافياً في المعرفة الواجبة، ودعوى أنه لا يوجد في الاعتقاديات الواجبة معرفتها وتحصيل العلم واليقين بها قاصر، بل غير الواصل إلى معرفتها مقصر لا محالة لقوله سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)(3) لا يمكن المساعدة عليه، فإن القاصر من لا يجد وسائل المجاهدة ولو لضعف قوى إدراكه بعد غفلته عن مثل هذه الاُمور رأساً، ثم إنه إذا أحرز في أمر اعتقادي أنه لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد الإجمالي بل يجب تحصيل العلم واليقين به فهو، وإلاّ فمقتضى الأصل كالشك في وجوب سائر الاُمور عدم وجوب تحصيل العلم والمعرفة به، وما عن الشيخ (قدس سره) من الحكم بوجوب تحصيل المعرفة به أخذاً بالأمر بالتفقه في الدين المستفاد من آية النفر وإطلاق المعرفة في المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس(4)، وما ورد في طلب العلم من الآيات والروايات وقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون)(5) لا يمكن المساعدة عليه، فإن آية النفر في بيان وجوب التفقه في الدين كفايةً، لا في بيان ما يجب على الناس عيناً، وآية السؤال ما دلّ على وجوب طلب العلم، وعدم كون الجهل عذراً في ترك المعرفة الواجبة وسائر التكاليف الشرعية، والمراد من (يعبدون) معرفة اللّه وعبادته والنبوي في مقام بيان فضيلة الصلوات لا في مقام بيان المعرفة الواجبة، وما في كلام الماتن من أن آية النفر كأخبار وجوب طلب العلم في بيان طريقة التوسّل إلى التفقه الواجب لا في بيان ما يجب فقهه ومعرفته لا يمكن المساعدة عليه، فإن آية النفر في بيان وجوب التفقه في الدين بنحو الواجب الكفائي، والكلام في بيان ما يجب تحصيل العلم به عيناً وأخبار وجوب الطلب ناظرة إلى عدم كون الجهل عذراً للمكلف في موارد التكاليف لا بيان موارد التكليف كما لا يخفى، وقد ظهر مما ذكرنا أن الجاهل القاصر في الاعتقاديات يوجد ويكون معذوراً غير معاقب ولكن عدم العقاب ما لم يكن معانداً، بل كان له اعتقاد وتسليم قلبي على ما هو الحق وإلاّ فيؤخذ بعناده مع جهله بالواقع، وحقيقة الحال كما ظهر أنه إذا حصل ببيان النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) بواقع أمر يجب الاعتقاد التفصيلي به، وإلاّ يكون تكذيباً أو تشكيكاً في نبوة النبي أو إمامة الإمام ووجوب الاعتقاد التفصيلي لا يكون في هذا القسم من الاُصول الإعتقادية بحيث يجب تحصيل العلم والمعرفة به، بل وجوب الإعتقاد كذلك متفرع على حصول العلم واليقين به من جهة بيان النبي (صلّى الله عليه وآله)أو الإمام (عليه السلام) فما يصنعه بعض من لا خبرة له من إدراج مثل هذه الاُمور في الاُصول الاعتقادية التي لا يحكم على الجاهل بها بالإسلام أو أنه من أهل الإيمان ناشئ عن عدم التفرقة بين الاُصول الاعتقادية وما يكون التكذيب أو التشكيك فيه ملازماً لتكذيب النبوة أو الإمامة أو التشكيك فيهما.















[4] الكلام في الأمر الثاني في جهتين، الاُولى: كون الظن الذي لم يتم على اعتباره دليل هل يجبر ضعف الرواية سنداً بحيث تصير حجة بموافقة هذا الظن أو يجبر به ضعف دلالتها، فقد تقدم الكلام في هذه الجهة في البحث في الشهرة الفتوائية وكذا في كونها على خلاف الرواية المعتبرة، لولا خلافها موهنة لها بحيث سقطت عن الاعتبار فراجع.







والجهة الثانية: هي أن الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره في نفسه هل يكون مرجحاً لأحد المتعارضين بحيث تكون موافقته موجبة لتعين حجيته وسقوط الآخر عن الاعتبار فيما كان الأصل لولا موافقته سقوط كليهما عن الاعتبار بناءً على ما هو الصحيح من كون السقوط هو الأصل في المتعارضين، أو لعدم الترجيح لأحدهما أو لا يكون هذا الظن موجباً للترجيح في المتعارضين أصلاً، ولكن لا يخفى أن الترجيح يجري في الخبرين المتعارضين فقط، وكما أن اعتبار الظن يحتاج إلى الدليل عليه كذلك كونه مرجحاً، وقد ذكرنا في بحث تعارض الخبرين أن الترجيح في المتعارضين بالشهرة الروائية في أحدهما أو كون أحدهما موافقاً للكتاب أو مخالفاً للعامة، وأما غير ذلك فلا دليل على الترجيح به، ومقتضى الأصل في المتعارضين سقوطهما عن الاعتبار، ثم إنه يظهر من الماتن أن الظن غير معتبر لعدم قيام الدليل على اعتباره يكون جابراً لضعف السند إذا كان مفيداً للظن بالصدور أو المضمون ولا يكون جابراً لضعف دلالته، فإن موافقة الظن لا يوجب الظهور في الرواية ما ولكنْ يوجب الوثوق بصدورها، أو كون مضمونها حكماً واقعياً، ثم ذكر أن مخالفة الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل مع الخبر المعتبر في نفسه لا يسقطه عن الاعتبار؛ لأنّ اعتبار خبر الثقة غير مقيد بصورة عدم الظن بعدم صدوره أو بعدم الظن بعدم إرادة ظهوره، وفيه أنه لو كان المراد بالظن في صورة الانجبار هو الوثوق يكون المراد في الموهن أيضاً الوثوق، والوثوق الشخصي في نفسه معتبر ولا يكون للتفرقة وجه.















(1). وسائل الشيعة 16:246، الباب 33 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 23.







(2). الكافي 2:22، باب دعائم الاسلام. دار التعارف.







(3). سورة العنكبوت: الآية 69.







(4). التهذيب 2:236.







(5). سورة الذاريات: الآية 56.































المقصد السابع: في الاُصول العملية[1]















[1] لا يخفى أن مفاد الاُصول العملية وهي القواعد التي يؤخذ بها في الوقائع بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل فيها على الأحكام الواقعية ربما يكون من الحكم الشرعي، ويسمى بالأصل العملي الشرعي، واُخرى يكون ما يسمى بحكم العقل أو الأصل العملي العقلي، فإن الأصل العقلي قد لا يجتمع مع الأصل الشرعي كقاعدة الاشتغال في أطراف العلم الإجمالي مع عدم كون الحالة السابقة في أطرافه تكليفاً، وقد يجتمع معه كما إذا كانت الحالة السابقة فيها تكليفاً أو موضوعاً للتكليف، وكالبراءة العقلية في الشبهات البدوية بعد الفحص، فإنها تجتمع مع البراءة العقلية من قاعدة قبح العقاب بلا بيان، سواءً اُريد من البيان العلم بالتكليف الواقعي حقيقة إجمالا أو تفصيلاً أو كان العلم به إعتبارياً، أو كان المراد من البيان المصحّح للمؤاخذة على مخالفة التكليف الواقعي، فإنه مع عدم المصحّح كذلك يقبح العقاب على مخالفة التكليف الواقعي سواءً حكم الشارع بالرفع والإباحة الظاهرية أم لا.







ثم إنَّ الاُصول العملية منحصرة على الأربعة: أصالة البراءة والاستصحاب والاحتياط وأصالة التخيير، وانحصار موارد هذه الاُصول الأربعة أي أقسام الشك لا يتجاوز الأربعة، كما هو الحال في تقسيم كل شيء إلى النفي والإثبات. فلا يمكن أنْ يوجد قسم خامس للشك، فإن الشك في واقعة في حكم تكليفي أو وضعي ملازم للتكليف، إما أنْ تلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا، فالأول مورد الاستصحاب ومع عدم ملاحظتها إما أنْ يكون فيها علم إجمالي بالتكليف أو بالوضع الملازم له أم لا، فالثاني مورد البراءة، وإذا كان في البين علم إجمالي إن أمكن الاحتياط فهو مورد قاعدة الاشتغال وإلاّ فمورده أصالة التخيير، وإنحصار الاُصول في أقسام الشكوك على الأربعة إستغراقي حيث يمكن للشارع أنْ يعتبر قاعدة اُخرى غيرها في بعض الوقايع من موارد الاُصول، بأنْ يحكم في دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته في غير العبادة الأخذ باحتمال الحرمة، بل يمكن الالتزام بوقوع مثل ذلك كما في قاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الحكمية، حيث لا فرق في مفاد الأصل والحكم الظاهري بين ما يكون من قبيل الحكم التكليفي أو الوضعي.















في قاعدة الطهارة وعدم كون البحث فيها من المسائل الاُصولية







ومن هنا وقع البحث في وجه حذف قاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية من المباحث الاُصولية مع انطباق ما ذكروا في وجه كون الاُصول العملية من المباحث الاُصولية فيشمل قاعدة الطهارة أيضاً، فإنها مما ينتهي إليها أمر الفقيه بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على النجاسة، واعتذر الماتن من ذلك بوجهين، الأول: أنّ قاعدة الطهارة لم يُختلف في اعتبارها بخلاف سائر الاُصول العملية، فإن ثبوت بعضها وتعيين مجاريها وتوضيح مفادها محل الكلام على ما يأتي.







الثاني: أن قاعدة الطهارة تختص بموارد الشك في باب من أبواب الفقه وعدم اختصاصها بالاُصول الأربعة، فإنها تجري على كل أبوابه، ولا يخفى عدم تمامية الوجه الثاني فإن استطراد المسألة الاُصولية في جميع أبواب الفقه غير لازم.







وقد حكي عن بعض الاعتذار بوجه ثالث: وهو أن الطهارة والنجاسة الواقعيتين ليستا من قبيل الحكم الشرعي، بل هما أمران واقعيان كشف عنهما الشارع في مواردهما، لعدم اطلاع الناس عليهما في جميع تلك الموارد، فيكون مورد الشك في كون الشيء طاهراً أو نجساً من قبيل الشبهة الموضوعية، فأصالة الطهارة الجارية فيها من قبيل الاُصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية.







وفيه إن اُريد أن للطهارة أو النجاسة منشأً واقعياً فهذا صحيح في الجملة، فإن الشارع لا يجعل النجاسة لشيء عبثاً وبلا ملاك، ولكن هذا يجري في سائر الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية، وإن اُريد أنهما بنفسهما أمران واقعيان لا يحصلان بالاعتبار فهذا خلاف ظاهر الخطابات، بل خلاف صراحة بعضها مثل ما ورد في الصحيح: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً»(1)، فإن صريحه اعتبار طهارة موضع إصابة البول بغسله بالماء لهذه الاُمة وإذا كانت طهارته بالغسل بالاعتبار فلا محالة تكون نجاسته أيضاً بالاعتبار، حيث لم تكن ترتفع بالغسل بالماء من بني إسرائيل، واعتبرها منتهية بالغسل بالماء لهذه الاُمة.







وكذا اعتبر غسالة الإستنجاء طاهرة ولم يعتبر غسالة غيره من مزيلة العين طاهرة فلا يمكن أنْ يكون بينهما فارق تكويني، وأمّا ما ذكرنا من كونهما أمرين تكوينيّين خلاف ظاهر الخطابات، فلأن ظاهرها صدورها عن الشارع بما هو شارع لا بما هو عالم بالاُمور الخفية ومخبر بها، وقد يقال كونهما أمرين واقعيّين لا يدخل الشك فيهما في الشبهة الموضوعية، وأنْ لا يكون الشك فيهما من الشبهة الحكمية، فإن الشبهة الحكمية ما يكون الشك فيها ناشئاً من فقد خطاب الشارع أو إجماله أو تعارضه، وإذا شك في نجاسة شيء كنجاسة العصير بعد غليانه، يكون منشأ الشك فقد النص أو إجماله أو تعارضه، بخلاف الشبهة الموضوعية فإن الشك فيها ينشأ من أمر لا يرتبط بفقد خطاب الشرع أو إجماله أو تعارضه. ولكن هذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليها، فإن منشأ الشك في الشبهة الحكمية هو فقد خطاب الشارع أو إجماله أو تعارضه، يعني خطاب الشارع بما هو شارع لا بما هو عالم بحقيقة الأمر الواقعي، والشك في نجاسة العصير بعد غليانه بناءً على كون النجاسة أمراً تكوينياً ينشأ من فقد خطاب الشارع بما هو مخبر صادق مطلع على الاُمور الخفية نظير الشك في بعض ما وقع في أول الخلقة أو ما يقع في آخر الدنيا، ولا يرتبط ذلك بالشبهة الحكمية التي يكون الشك فيها في مجعول الشارع ثبوتاً ناشئاً مما ذكر.







ثم إن الفرق بين الاُصول العملية وبعض القواعد الفقهية التي لا يتمكن العامي من تطبيقها على صغرياتها كقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، وقاعدة وجوب الوفاء بالشروط والنذور ونحوها غير خفي، فإنهما وإنْ كانتا تشتركان مع الاُصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية في تمكن المجتهد خاصة من التطبيق على الموارد والصغريات والعامي عاجز عن ذلك، أما في الاُصول العملية فظاهر، فإنها معتبرة عند عدم الظفر بالدليل على الحكم أو التكليف الواقعي، وفي تلك القواعد لتقيّد الموضوع فيها بقيد لا يتيسر إلاّ للفقيه إحرازه، ولكن التطبيق في القواعد الفقهية لبيان الحكم الواقعي في مورد التطبيق بحسب المستفاد من الأدلة الاجتهادية، وفي الاُصول العملية لبيان الوظيفة عند عدم إستفادة الحكم الواقعي بحسب تلك الأدلة، ولذا تخرج القواعد الفقهية عما ذكر في تعريف علم الاُصول (أو القواعد التي ينتهي إليها) أمر الفقيه بعد اليأس من الدليل على الحكم الواقعي.















أصالة التخيير أصل عملي مستقل أو أنها داخلة في أصالة البراءة







وينبغي التعرض في المقام لكون أصالة التخيير التي عدّوها من الاُصول العملية أصل عملي مستقل في مقابل الإستصحاب وقاعدة الإشتغال وأصالة البراءة، أو أنها ترجع إلى أصالة البراءة الجارية في ناحية كل من إحتمالي الوجوب والحرمة، وقد ذكر الشيخ العراقي (قدس سره) ما حاصله أنّه مع الشك في الحكم بالشبهة الحكمية وعدم لحاظ الحالة السابقة فيها إن لم يكن في البين بيان فالمرجع أصالة البراءة، سواءً أمكن فيها الإحتياط كدوران الأمر في حكم الفعل بين الحرمة والإباحة، أو لم يمكن الإحتياط كدوران حكمه بين الحرمة والوجوب والإباحة، وإنْ كان في البين بيان بالإضافة إلى التكليف وأمكن الإحتياط فيه فالمرجع قاعدة الإشتغال، وإنْ لم يمكن الإحتياط فيه أصلا فالمرجع أصالة التخيير، ولا يتوهم أن أصالة التخيير معناها أصالة البراءة، وأن العلم الإجمالي بحرمة الفعل أو وجوبه لعدم كونه منجزاً كالعدم، فتدخل الواقعة فيما لم يتم فيها البيان، فإن هذا فاسد، والوجه في فساده أن عدم البيان في الواقعة ناشي عن عدم منجزية العلم الناشي عن ترخيص العقل، حيث إن مع تمكن المكلف على كل من الفعل والترك يكون حكمه بالتنجز بإختيار الفعل بلا مرجح، فيكون ترخيصه في كل من الفعل والترك مخرجاً للعلم الإجمالي عن المنجزية بأنْ يكون حكمه بالترخيص مانعاً عن تأثير العلم الإجمالي، فعدم البيان الناشي عن ترخيص العقل الموجب لعدم منجزية العلم الإجمالي لا يرتبط بأصالة البراءة، فإن أصالة البراءة هي الترخيص الناشئ من عدم البيان لا الترخيص الموجب لعدم البيان.







أقول: لو قال (قدس سره) بأنه في موارد دوران الأمر بين المحذورين لا قصور في ناحية البيان، وإنما القصور في ناحية المكلف حيث لا يتمكن من الجمع بين الفعل والترك وإختيار أحدهما قهري، وإلاّ فلا فرق بين هذا العلم الإجمالي والعلم الإجمالي المنجّز في جهة البيان، وأصالة البراءة عقلا هو حكمه بقبح العقاب بلا بيان، لا حكمه بقبح العقاب لعدم تمكن المكلف من إحراز الامتثال، كان ذلك أقرب إلى الفهم واحتمال التصديق، ولكن لا يخفى أن الترخيص في الفعل أو الترك خارج من شأن العقل، وإنما يحكم العقل بقبح الفعل لإدراكه المفسدة فيه، ومعنى قبحه أنه يرى استحقاق فاعله الذم أو لنهي الشارع عن ارتكابه، والقبح في الأول فعلي يكشف عن نهي الشارع عنه، وفي الثاني فاعلي، وإذا لم يكن العلم الإجمالي بحيث يمكن موافقته القطعية ومخالفته القطعية فلا يكون التكليف الواقعي واصلاً بحيث يتحقق الفرض الذي لاحظه المولى عند جعله، فإن التكليف وإنْ لا يمكن تقييده بغير صورة هذا العلم على ما تقدم من عدم إمكان أخذ العلم بالتكليف في موضوع ذلك التكليف ويكون له إطلاق ذاتي لا محالة، إلاّ أن الغرض من جعله إمكان كونه داعياً إلى العمل فعلا أو تركاً عند وصوله، والعلم الإجمالي بحرمة فعل أو وجوبه لا يكون من هذا الوصول، والعقاب على مخالفة التكليف الواقعي يكون من العقاب بلا بيان، ولا يقاس ذلك بموارد عدم القدرة على متعلق التكليف، فإن التكليف معه قبيح، وحكمه بقبح خطاب العاجز وتكليفه أجنبيّ عن قبح العقاب بلا بيان، ومع الإغماض عن ذلك فدوران أمر الفعل بين الوجوب والحرمة لا يمنع من الرجوع إلى أدلّة البراءة الشرعية في ناحية احتمال كل من الوجوب والحرمة؛ لأنّ عدم جريان الاُصول النافية في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف للزوم الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بين الأطراف، وهذه المنافاة لا تحصل مع دوران الأمر بين المحذورين لعدم الوصول في التكليف الواقعي بحيث يدخل الفرض في الفرض الملحوظ عند جعل التكليف.















(1). وسائل الشيعة 1:133، الباب الأول من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.































فصل















لو شك في وجوب شيء أو حرمته ولم تنهض عليه حجّة، جاز شرعاً وعقلا ترك الأول وفعل الثاني[1].







وقد استدلّ على ذلك بالأدلة الأربعة:







أما الكتاب: فبآيات أظهرها قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)[2].







وأما السنة: فبروايات منها: حديث الرفع حيث عدّ «ما لا يعلمون» من التسعة المرفوعة[3].















أصالة البراءة















[1] إذا علم عدم حرمة فعل ودار أمره بين كونه واجباً أو مباحاً بالمعنى الأعم، أو علم عدم وجوبه ودار أمره بين كونه حراماً أو مباحاً أو احتمل حرمة الأول ووجوب الثاني أيضاً، بأنْ دار أمره بين كونه واجباً أو حراماً أو مباحاً، فالأقسام الثلاثة كلها مجرى أصالة البراءة عقلاً ونقلاً من غير فرق بين أنْ يكون منشأ الشك فقد النص أو إجماله أو تعارضه، فيما إذا كان المتعارضان من غير الأخبار، وأما إذا كانا خبرين فلا مورد لأصالة البراءة إذا كان لأحد الخبرين ترجيح، أي يكون فيه مزية اعتبرها الشارع بجعل الخبر المشتمل لها حجّة، فإنّه مع الدليل على الحكم الواقعي لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، بل مع عدم المزية لأحدهما أيضاً لم يكن مجال لأصالة البراءة إذا قيل بالتخيير بين الخبرين المتعارضين لإمكان الوصول إلى الحجة المعتبرة وإحراز الواقع باختيار المكلف أحد الخبرين، وما في كلام الماتن (قدس سره) لمكان وجود الحجة المعتبرة وهو أحد الخبرين لا يساعد على إرادة ما ذكرنا، فإن شيئاً من الخبرين المتعارضين لا يكون حجة في مدلوله المطابقي قبل الأخذ، بل في مدلوله الالتزامي أيضاً على ما يأتي بيانه في بحث التعادل والتراجيح.







ثم إنه قد ذكر الشيخ العراقي وبعض الأعلام أن مورد الخلاف بين المجتهدين هو أن الشبهات الحكمية التحريمية أو حتى الوجوبية أيضاً سواءً كانت الشبهة ناشئة من فقد الخطاب للحكم الواقعيّ أم من إجماله أو تعارضه من صغريات قاعدة قبح العقاب بلا بيان أم من صغريات قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل بعد اتفاق الفريقين على كلا الكبريين، ولا شبهة أيضاً أنه لو جرت في مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان لكانت واردة على قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، حيث لا يبقى مع جريانها فيه احتمال الضرر، وبتعبير آخر كل من الكبريين لا يثبت موضوعها في مورد كما هو شأن كل ما يكون بمفاد القضية الحقيقية، وإذا أحرز في مورد عدم البيان فيه للتكليف الواقعي وترتب عليه الحكم بقبح العقاب ينتفي الموضوع في كبرى قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، وعلى الجملة يدعي الأخباري أن العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقائع يوجب احتمال العقاب في ارتكاب الواقعة المشتبهة بالشبهة الحكمية، فعلى المجتهد بيان انحلال هذا العلم الإجمالي أو إثبات أن الواقعة المشتبهة بعد الفحص عن مدرك التكليف فيها وإحراز عدم ثبوته فيها تجعل تلك الواقعة خارجة عن أطراف العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الوقايع.







وأيضاً على المجتهد بيان أنه لم يرد من الشارع الإيجاب المولوي الطريقي بالإحتياط في المشتبهات بالشبهة الحكمية ولا يحسب تمسك المجتهد للبراءة في الشبهات التحريمية وغيرها بكبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، أو بالخطابات من الآية والروايات التي بمضمون القاعدة استدلالا على موضع النزاع والخلاف من الطرفين، كما أن استدلال الطرف الآخر للإحتياط في الشبهات بكبرى قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل وما هو بمفادها من الأخبار لا يكون استدلالا على محط البحث من الطرفين.







وقد ظهر أنه لا مجال للاستدلال على البراءة في الشبهات الحكمية بالأدلة الأربعة، وجعل حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان دليلاً عقلياً لها إذ الأخباري لا ينكره، وإنما ينكر صغراه، بل يتعين على القائل بالبراءة فيها إثبات الصغرى بنفي تنجيز العلم الإجمالي بإثبات انحلاله أو خروج الواقعة بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف فيها عن أطرافه، وقيل إثبات هذا الانحلال لا يفيدالتشبث بالخطابات الشرعية الدالة على الترخيص في الشبهات، فإن هذه الخطابات لا تفيد في الانحلال، ولذا لا يمكن الأخذ بها في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف في الشبهات الموضوعية، وإنما يصح التمسك بها لنفي الإيجاب الشرعي المولوي الطريقي في الشبهة البدوية الذي يدعيه الأخباري استظهاراً من بعض الخطابات، كالأخبار الدالة على التوقف في الشبهات والأخذ بالاحتياط فيها.







كما ظهر أنه لا يمكن أيضاً الاستدلال على البراءة بالإجماع، ووجه الظهور احتمال اتكالهم في حكمهم بالبراءة فيها على انحلال العلم الإجمالي المزبور وبعد إنحلاله تكون الشبهة من صغريات قاعدة قبح العقاب بلا بيان.







أقول: إذا فرضنا انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف، أو خروج الواقعة التي فحص المجتهد عن الدليل فيها على التكليف الواقعي فلم يظفر به عن أطراف العلم الإجمالي فلا يكفي ذلك في جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيها حتى مع فرض عدم ثبوت الاحتياط الشرعي بالأخبار التي تمسك بها الأخباريون، بل لابد من إثبات أن احتمال التكليف الواقعي بنفسه بعد الفحص عن الدليل عليه وعدم الظفر به لا يدخل في البيان، ووصول التكليف مع عدم ثبوت الاحتياط الشرعي في تلك الواقعة لتكون صغرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبتعبير آخر البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا يعم هذا الاحتمال مع عدم ثبوت الاحتياط الشرعي.







والحاصل يقع الكلام في جهتين، الاُولى: ثبوت البراءة العقلية في الشبهات الحكمية التحريمية والوجوبية ولو في الجملة في مقابل الأخباري الذي ينكر ثبوتها مطلقاً أو في الشبهات التحريمية، والثانية: في أن البراءة الشرعية أوسع من البراءة العقلية بأنْ تجري البراءة الشرعية في موارد لا مجرى فيها للبراءة العقلية، وما في عبارة الماتن من أنه: «لو شك في وجوب شيء أو حرمته ولم تنهض عليه حجة جاز شرعاً وعقلا ترك الأول وفعل الثاني»، مقتضاه أن احتمال التكليف بعد الفحص عن الدليل عليه وعدم الظفر به لا يكون بنفسه منجزاً، ويستدل على ذلك بالأدلة الأربعة.















[2] قد ذكر الماتن (قدس سره) أنه يستدل على البراءة في المشتبهات بالشبهة الحكمية البدوية بآيات أظهرها بحسب مقام الاستدلال قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)(1) حيث قال الشيخ (قدس سره): إن الآية إخبار بعدم وقوع العذاب في الاُمم السابقة قبل وصول التكليف، وبيان التكاليف عليهم ببعث الرسل، وبما أن الأخباري القائل بالتوقف ووجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية يلتزم بالملازمة بين عدم وقوع العذاب وعدم استحقاقه، فيكون المستفاد من الآية عدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف قبل بيانه ووصوله إلى العباد، وأورد عليه الماتن بوجهين، الأول: أنّه على فرض تسليم الأخباري بالملازمة بين عدم فعلية العقاب وعدم استحقاقه يكون الإستدلال على البراءة جدلياً يقصد به إسكات الخصم ولا يثبت به جواز الارتكاب، الثاني: أن الأخباري لا يلتزم بالملازمة ليكون الإخبار بعدم وقوع العذاب كاشفاً عنده عن عدم إستحقاقه، كيف فإنّ الشبهات عنده لا تزيد على المحرمات والواجبات، والأخباري لا ينكر عفوه سبحانه وعدم مؤاخذة العبد بالعذاب على ارتكابه الحرام أو ترك الواجب فعدم الوقوع فيهما لا يقتضي نفي الاستحقاق فكيف بالمشتبهات.







وأورد الشيخ (قدس سره) على الاستدلال على البراءة بالآية بوجه آخر، وهو أنَّ الإخبار عن الاُمم السابقة بعدم استحقاقهم العذاب الدنيوي قبل البيان لا يلازم عدم الاستحقاق بالإضافة إلى العقاب الاُخروي الذي هو مورد الكلام في المقام.







واُجيب عن هذا الإيراد بأن العذاب الدنيوي أخف وأهون بالإضافة إلى العقاب الاُخروي، وإذا لم يكن العبد مستحقاً لعذاب دنيوى مع عدم بيان التكليف وإيصاله إليه فلا يستحق العذاب الاُخروي بالأولوية، وقال: الوجه في دلالة الآية على نفي الاستحقاق بأن التعبير بجملة ما كان وما كنا وأمثالهما يدلّ بمقتضى الفهم العرفي على أن الفعل لا يليق بالمخبر ولا يناسب صدوره عنه، ويظهر ذلك باستقراء موارد استعمالاتها كقوله سبحانه: (ما كان اللّه ليضل قوماً بعد إذ هداهم)(2) و(ما كان اللّه ليذر المؤمنين)(3) و(وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم)(4) و(ما كنت متخذ المضلين عضداً)(5) إلى غير ذلك، فالفعل الماضي في مثل هذه الموارد منسلخ عن الزمان، فالمراد أن التعذيب قبل البيان لا يليق باللّه سبحانه ولا يناسب حكمته وعدله، فلا يبقى فرق في عدم الإستحقاق بين العذاب الدنيوي والاُخروي حيث إنه لا موجب لعدم لياقة الفعل للّه سبحانه مع عدم وصول التكليف إلى العباد إلاّ كون العقاب بلا مصحح.







أقول: عدم مناسبة الفعل للفاعل في بعض موارد استعمال الجملة مستفاد من قرينة خارجية وإلاّ فمعناها عدم وقوع الفعل فلاحظ موارد استعمالاتها، نظير قوله سبحانه: (وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم)(6) وعدم وقوع الفعل أي العذاب الدنيوي بل الاُخروي يمكن أنْ يكون للعفو نظير العفو عن الصغائر إذا اجتنب الشخص عن الكبائر، ولا يلازم نفي الاستحقاق، ويمكن أنْ يكون عدم العذاب قبل بعث الرسل حتى بالإضافة إلى الأفعال التي قبحها عقلي مع كون العذاب الدنيوي أهون من جهة إعطاء الفرصة لعلّهم يرتدعون عند مجيء الرسول وتأكيد النهي عنها من قبله، وهذا لا يلازم نفي الاستحقاق، وقد استدلّ الأخباريون بالآية على نفي الملازمة بين حكم العقل والشرع بدعواهم عموم الآية حتى بالإضافة إلى المستقلات العقلية، واُورد على استدلالهم بأن الآية تدلّ على عدم الوقوع لا على نفي الاستحقاق، فيمكن أنْ يكون عدم تعذيبهم حتى بالإضافة إلى تلك المستقلات العقلية للرأفة وإعطاء الفرصة في الارتداع إلى مجيء النبي من اللّه عزوجل، والمدّعى في المستقلاّت العقلية ثبوت استحقاق العقاب، ولذا ذكر المحقق القمي (قدس سره) أنه من جمع بين الاستدلال بالآية على البراءة في الشبهات وبين الردّ على الأخباري في استدلاله على نفي الملازمة بين حكم العقل والشرع، فقد جمع بين المتناقضين، حيث إن مقتضى الردّ عليهم عدم دلالة الآية على نفي الاستحقاق، والاستدلال بها على البراءة مقتضاه دلالتها على نفي الاستحقاق، واستظهر الشيخ (قدس سره) من استدلال الأخباري بالآية على نفي الملازمة أنهم يلتزمون بين نفي وقوع العذاب ونفي الاستحقاق به، واستدل بها على البراءة على مسلكهم في الشبهات التحريمية، بدعوى أن بعث الرسول كناية عن وصول التكليف حيث يكون في الغالب وصوله إلى العباد بابلاغ النبي، فمفاد الآية أن اللّه سبحانه لم يكن يعذّب قوماً قبل وصول التكليف إليهم، وإذا لم يكن في البين استحقاق العقاب كما يعترف به الأخباري تكون النتيجة عدم استحقاق العقاب على مخالفة تكليف لم يصل إلى العبد، وهذا مفاد أصالة البراءة في الشبهة البدوية التحريمية والوجوبية بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل عليه.







ولكن لا يخفى أن ظاهر الآية أنه ما لم يكن إبلاغ الرسل لم يكن عذاب، ولا يعم وصول التكليف من طريق العقل، فالصحيح في الرد على الأخباري أن نفي الوقوع لا يدلّ على عدم الاستحقاق.







والمتحصل أنه إذا لم يكن للآية دلالة على نفي الاستحقاق كما ذكرنا فلا يصح الاستدلال بها على البراءة في الشبهات، وعلى تقدير الإغماض عن ذلك فلا يكون مفادها بحيث تنفي وجوب التوقف والاحتياط في الشبهات، مستظهراً ذلك من الأخبار الواردة في الوقوف عند الشبهة والاحتياط إذا احتمل وجوب الفعل.







ومما ذكر يظهر الحال في الاستدلال على البراءة بقوله سبحان: (لا يكلف اللّه نفساً إلاّ ما آتاها)(7) بناءً على أن المراد من الصلة الإعلام والبيان، فيكون مدلولها أن اللّه لا يكلف نفساً بتكليف إلاّ تكليفاً بيّنه وأعلمهُ ولو بقرينة ما ورد في تفسير الآية حيث أجاب الإمام (عليه السلام) عن كون الناس مكلفين بالمعرفة، قال: لا، على اللّه البيان: (لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها)، و(لا يكلف اللّه نفساً إلاّ ما آتاها)(8)، ووجه الظهور أن غاية مدلولها هو أن التكليف الذي لا يتمكن العباد من معرفته، فهذا التكليف مرفوع عنهم، وأما التكاليف التي بيّنت للناس واختفى بعضها عن بعض الناس بممانعة بعض الظالمين عن وصولها إلى العباد، مع وصول الأمر إليهم بالاحتياط في موارد احتمالها كما يدعي الاخباري فليس في الآية دلالة على عدم أخذ العباد بها.







وناقش المحقق النائيني أولا: بأن الآية لا دلالة لها حتى على ما تقدم، فإن المحتملات من الموصول وصلته، ثلاثة الأول: أنْ يكون المراد بالموصول التكليف ومن الإيتاء الوصول والإعلام، والثاني: أنْ يكون المراد من الموصول المال ومن الإيتاء الملك يعني لا يكلف اللّه نفساً بمال إلاّ بعد ملكه، والثالث: أنْ يكون المراد مطلق الشيء ومن الإيتاء الإقدار عليه، يعني لا يكلف اللّه الناس إلاّ بشيء مقدور لهم، والمعنى الثاني يدخل في الثالث لا الأول، وذلك فإن تعلّق الفعل أي لا يكلّف اللّه بالموصول بمعنى التكليف، تعلّق الفعل بالمفعول المطلق لا المفعول به؛ لأنّ التكليف لا يتعلق بالتكليف، وتعلّقه بالمال والشيء من تعلّق الفعل بالمفعول المطلق ولا جامع بين التعلقين، كما أن المراد من الإيتاء على الأول بمعنى الإعلام وعلى الثاني والثالث بمعنى الإقدار ولاجامع بين الإعلام والإقدار، ولولم تكن الآية بالمعنى الثاني والثالث بقرينة ما قبلها فلا أقلّ من عدم ظهورها في المعنى الأول، ولا دلالة في استشهاد الإمام (عليه السلام) في الرواية بالآية على كون المراد من الصلة الإعلام والمراد من الموصول التكليف، وذلك فإن المراد من المعرفة في السؤال في الرواية المعرفة التفصيلية بصفات الباري وأحوال الحشر والنشر إلى غير ذلك مما لا يتمكن العباد من معرفته التفصيلية إلاّ بعد بيانها للعباد كعدم تمكنهم من الصلاة والحج قبل بيان الشارع اجزاءهما وشرائطهما، وبما أن اللّه سبحانه لا يجعل التكليف بما لا يطاق ولا يكلّف اللّه نفساً إلاّ بما أقدرها عليه يكون التكليف بالاعتقاد التفصيلي بعد المعرفة التفصيلية المتوقفة على بيان الشارع، والقرينة على كون المراد من المعرفة المعرفة التفصيلية أنه لو توقف التكليف بالمعرفة الإجمالية على بيان اللّه سبحانه لم تحصل الداعوية لذلك التكليف أصلا.







ثم ذكر (قدس سره) أنه يمكن أنْ يقال إن المراد بالموصول أعم من التكليف وموضوعه ومتعلّقه، والمراد من الإيتاء معناه العام أي الإعطاء، فإعطاء التكليف من اللّه للعباد عبارة عن إيصال بيانه إليهم، وإعطاء المال لهم إيصاله إليهم بأنْ يكونوا مالكين وإعطاء الفعل بصيرورتهم قادرين عليه، وما قيل في الفرق بين المفعول المطلق والمفعول به من أنه يكون لذات المفعول به نحو وجود وتحقق قبل ورود الفعل عليه، ويكون الفعل موجباً لتحقق وصف له كما في قولك: اضرب زيداً، وعلى هذا الفرق يبتنى إشكال الزمخشري في قوله سبحانه: (خلق اللّه السموات) من عدم امكان كون السماوات مفعولا به؛ لأنه لا وجود للسماوات قبل ورود الخلق عليها، وعليه لا يمكن جعل الموصول المراد به المفعول به عاماً بالإضافة إلى التكليف، حيث إن قول القائل كلف تكليفاً أو لا يكلف تكليفاً من المفعول المطلق، يمكن الجواب عنه، بأن المفعول المطلق النوعي أو العددي يمكن جعله مفعولاً به إذا اُريد منه معناه الاسم المصدري، وذكر في آخر كلامه: ولكن مفاد الآية مع ما ذكر لا يرتبط بالبراءة؛ لأنّ الكلام في البراءة ما إذا شك في تكليف فعلي بيّنه الشارع ووصل إلى بعض ولم يصل إلينا.







أقول: المتمسك بالآية للبراءة لم يدّع أن مفادها عدم جعل اللّه سبحانه تكليفاً لم يصل بيانه إلى العباد، فإن كون هذا القسم من التكليف والحكم مما سكت اللّه عن جعله ولا يحتاج إلى الاستدلال بالآية ولا يرتبط بالبراءة، فإن الغرض من جعل الحكم والتكليف كونه داعياً للعباد إلى العمل بعد وصوله إليهم، وكذا لم تكن دعواه أن مفادها التكليف غير الواصل إلى شخص لم يجعل في حقه، بل جعل في حق من وصل إليه خاصة؛ لأنّ هذا الاختصاص في الجعل أمر غير معقول، حيث إن لازمه أخذ العلم وبيان التكليف في موضوع ذلك التكليف، ومع ذلك لا يرتبط بالبراءة، بل المتمسك بها للبراءة يدعي أن المراد من نفي التكليف السؤال عن العمل به والمؤاخذة على مخالفته والمؤاخذة والسؤال عن العمل يكون في حقّ من وصل إليه ذلك التكليف، وفي هذا المفاد تكون (ما) الموصولة مفعولاً به (وآتاها) بمعنى أعلمها أو معنى يدخل فيه الإعلام والإبلاغ، والجواب عن هذا الاستدلال يتعين في أمرين، الأول: أن ظاهر (آتاها) بمعنى أقدرها لا أعلمها وهذا المعنى لا يدخل فيه الإعلام، والثاني: أن عدم السؤال عن تكليف وعدم المؤاخذة على مخالفته مع عدم إعلامه وبيانه تأكيد للبراءة العقلية المعبّر عنها بقبح العقاب بلا بيان، وقد تقدم أنها لا تفيد في مقابل دعوى الأخباري وصول البيان بأمر الشارع بالتوقف في الشبهات عن الارتكاب والأمر بالاحتياط فيها، ومما ذكر يظهر أن الآية أظهر في الدلالة على البراءة العقلية من آية (ما كنّا معذبين) فإن الأخبار بعدم المؤاخذة تعم كل مكلف بخلاف الآية السابقة فإنها كانت بالإضافة إلى العذاب الدنيوي في الاُمم السابقة.















[3] من الأخبار التي يتمسك بها على البراءة في الشبهات الحكمية ما ورد في حديث الرفع المروي في الخصال بسند لا بأس به من قوله (صلّى الله عليه وآله) رفع عن اُمتي تسعة، إلى أن قال: وما لا يعلمون(9)، وقد أورد الشيخ (قدس سره) على الاستدلال به بما حاصله، أن المراد من الموصول في فقرة «ما لا يعلمون» بقرينة أخواتها الفعل، والفعل في كل من الشبهة الحكمية والموضوعية وإن كان مجهولاً، إلاّ أن نسبة عدم العلم إليه في الشبهة الحكمية باعتبار حكمه لا باعتبار نفسه بخلاف الشبهة الموضوعية، فإن الجهل فيها في نفس الفعل بأن لا يعلم مثلا أن شرب هذا، شرب الخمر أو الخل، وحيث إن ظاهر الحديث كما هو في كل وصف أنه بلحاظ نفس الموصوف لا متعلّقه يكون الجهل في «ما لا يعلمون» بلحاظ نفس الفعل والحكم في الشبهات الحكمية وإنْ يكن بنفسه مما لا يعلم، إلاّ أن إرادته مع الفعل يستلزم استعمال الموصول في المعنيين.







والحاصل أن الأمر يدور بين أنْ يكون المراد من الموصول الفعل أو الحكم، وبما أن السياق قرينة على إرادة الفعل ينحصر مدلول الحديث على البراءة في الشبهة الموضوعية، أقول: ليس ببالي أن هذا الإشكال مذكور في كلام الشيخ ولا يخفى ما فيه، فإن (ما) الموصولة لم تستعمل في فقرات الحديث إلاّ في معنىً واحد وتختلف بعد تقييدها، حيث إنها بعد ذكر الصلة لا تنطبق إلاّ على الأفعال كما في «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه»، وتنطبق على الفعل والموضوع والحكم كما في «ما لا يعلمون»، وانطباق المعنى على الفعل والحكم ليس من استعمال اللفظ في معنيين ولا مورد لدعوى استعمال الموصول في معنى الفعل بقرينة سائر فقرات الحديث، وظاهر الماتن أنه طبق «ما لا يعلمون» على التكليف المجهول في الشبهات بلا فرق بين الحكم الجزئي المجهول كما في الشبهات الموضوعية أو الحكم الكلي كما في الشبهات الحكمية.







نعم قد يقال: إن إسناد الرفع إلى «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ» إسناد مجازي؛ لأنّ الفعل الاضطراري أو الإكراهي أو الخطأ وغيره واقع خارجاً فلابدّ من أنْ يكون المراد رفع الأثر والحكم والمؤاخذة، ومقتضى وحدة السياق أنْ يكون المرفوع أيضاً في «ما لا يعلمون» بنحو الإسناد المجازي هو أثر الفعل والمؤاخذة عليه، فيختص مدلولها بالشبهة الموضوعية، فإن استحقاق العقوبة يترتب على ارتكاب الفعل ولا يكون من المترتب على نفس التكليف والإلزام.







ولكن لا يخفى ما فيه، فإن رفع ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ وغيرها ليس رفعاً تكوينياً بل المراد رفعها في مقام التشريع، والرفع في مقام التشريع عبارة عن جعل الحكم والتكليف مضيقاً بحيث لا يثبت الحكم المجعول والتكليف ما يصدر عنه الإكراه والاضطرار، فالفعل المضطر إليه أو المستكره عليه أو الصادر عن الخطأ لا يكون متعلقاً للحرمة، وهكذا، وحيث إن الرفع الواقعي في مقام التشريع بالإضافة إلى «ما لا يعلمون» غير ممكن في الشبهات الحكمية وغير واقع في الشبهات الموضوعية، يكون الرفع الحقيقي بالإضافة إلى «ما لا يعلمون» رفعاً ظاهرياً، والرفع الظاهري عبارة إما عن عدم فعلية التكليف الواقعي كما هو مسلك الماتن ومن تبعه، وإما عبارة عن الترخيص الظاهري في الارتكاب في الشبهات التحريمية والترك في الشبهات الوجوبية بناءً على ما تقدم من عدم المنافاة بين الحكم الظاهري الطريقي الترخيصي مع التكليف الواقعي في فرض عدم وصوله، فالرفع الظاهري في «ما لا يعلمون» حقيقي، والقرينة على عدم إرادة النفي الحقيقي الواقعي في الشبهات الحكمية هو أن الحكم الواقعي والتكليف الواقعي لا يمكن أن يتقيد بصورة العلم، كما أن الأخبار الواردة في وجوب تعلم الأحكام قرينة خارجية على عموم الأحكام الواقعية والمجعولة في الشريعة وثبوتها حتى في فرض الجهل بها، وكذا في الأمر بالاحتياط والتوقف في الشبهات الشامل بإطلاقها أو عمومها للشبهات الموضوعية قرينة على أن الرفع في «ما لا يعلمون» حتى في الشبهات الموضوعية رفع ظاهري، بل نفس ما ورد في الشبهة الموضوعية من الترخيص في الارتكاب صريحة في ثبوت الحكم والتكليف بها واقعاً مع الترخيص الظاهري، نظير قوله (عليه السلام) «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام»(10)، و«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»(11)، فإن فرض العلم بالحرمة أو القذارة ظاهره فرض ثبوتهما مع مصادفة احتمالهما مع قطع النظر عن العلم بهما، أضف إلى ذلك أن الموصول في «ما لا يعلمون» بلحاظ صلته ينطبق على الحكم والتكليف في الشبهات الموضوعية والحكمية، ويكون رفعها بالترخيص في الارتكاب والترك الملازم لنفي وجوب الاحتياط، ويترتب على نفيه انتفاء استحقاق العقاب.







وما يقال من أن الرفع يقابل الوضع ويطلق الوضع في موارد كون الموضوع ثقيلاً وهو الفعل كما ترى، فإن الرفع في مقام يقابل الوضع بمعنى الجعل، وبما أن التكليف في جعله ثقل يوجب تحمل المكلف مشقة الفعل أو الاجتناب، يكون المراد من الرفع نفي الجعل إما واقعاً كما في «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه» أو ظاهراً كما في «ما لا يعلمون»، وعلى الجملة بما ان الوضع أو الرفع في الحديث بلحاظ مقام الجعل والتشريع يكون الوضع بجعل التكليف والرفع بنفيه كما هو ظاهر، نعم قد يقال: ظاهر الرفع إزالة الشيء بعد وجوده، وهذا ينحصر على موارد النسخ ولذا يقال: إن المراد من الرفع في المقام هو الدفع بعدم إيجاب التحفظ والاحتياط أو بلحاظ مقام الإثبات، حيث يعم الخطاب الأولي لبعض الموارد في بعض فقرات الحديث كالاضطرار والإكراه أو بلحاظ أن التسعة ولو في بعضها كانت موضوعة عن الأمم السابقة، وعلى الجملة فإسناد الرفع إلى «ما لا يعلمون» لا عناية فيه كما لا عناية في إسناده إلى «ما استكرهوا عليه، وما اضطروا إليه» بل لو كان المنفي الفعل الاضطراري والإكراهي في التكوين إدعاءً لا في مقام التشريع والجعل كما ذكرنا فلا محذور في كون إسناد شيء إلى أمرين، ويكون إسناده إلى أحدهما حقيقة وإلى الآخر مجازاً، كما في قولك عند سقوط المطر الكثير الشديد يجري النهر والميزاب، أو يجري الماء والميزاب، فإن استعمال اللفظ في أكثر من معنى غير إضافة معنىً إلى أمرين، ولا يحتاج في الثاني إلى كون المستعمل أحول العينين، نعم المراد بالرفع الدفع وعدم الجعل حقيقة، وقد يقال: باختصاص فقرة «رفع ما لا يعلمون» إلى الشبهات الموضوعية بتقريب أن الرفع في الحديث لم يسند إلى كل واحد واحد من الاُمور التسعة بنسبة مستقلة ليمكن أن يكون الإسناد في بعضها حقيقياً وفي بعضها بالمجاز، كما في المثال. بل الرفع اُسند إلى عنوان التسعة بنسبة واحدة، ولا يجوز في النسبة الواحدة إلاّ كونها حقيقياً أو مجازياً، وحيث لا يمكن أن يكون الإسناد في «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه» حقيقياً، وأنه لا بد من تقدير الأثر والمؤاخذة يكون الأمر فيما لا يعلمون أيضاً كذلك، ومعه يختص ما لا يعلمون بالشبهة الموضوعية؛ لأنّ استحقاق العقاب والمؤاخذة يكون على الفعل أو الترك لا على التكليف، ولكن لا يخفى أن عنوان التسعة انحلالي ومع الانحلال لا يفرق بين ذكر كل واحد من التسعة بنحو الانحلال أو بنحو الاستقلال.







وذكر النائيني (قدس سره) أنه لا عناية في إرادة الدفع من الرفع، فإن الرفع والدفع بمعنى واحد بناءً على ما هو الصحيح من حاجة الممكن إلى العلة في البقاء كما في حاجته إليها في الحدوث، وأن علة الحدوث بنفسها لا تكفي في البقاء، فإنه بناءً على ذلك يكون الرفع أيضاً لمزاحمة المانع لمقتضى الشيء في الأكوان المتجددة ولا يصح إطلاقه إذا كان انتفاء الشيء بانتفاء مقتضيه كما هو الحال في إطلاق الدفع أيضاً، وبتعبير آخر لا يطلق الدفع إلاّ إذا كان المانع مزاحماً لمقتضي الشيء في تأثيره والحال في الرفع أيضاً كذلك، نعم لو قيل بعدم حاجة الممكن في بقائه إلى علة يكون الرفع مغايراً للدفع، ولكن هذا القول غير صحيح، فإسناد الرفع بمعناه الحقيقي إلى «ما لا يعلمون» بلا عناية.







وأورد المحقق العراقي (قدس سره) بأنه لو كان كلمة (رفع) موضوعاً لانتفاء الشيء من جهة مانعه أي المانع لمقتضيه يكون الأمر كما ذكره، حيث يكون لفظ الدفع والرفع مترادفين، وأما إذا فرض أنه موضوع لانتفاء الشيء من جهة المانع لمقتضيه مع سبق وجوده فتصحيح صدق الرفع على الدفع بتدريجية إفاضة الفيض على الشيء يكون من إثبات اللغة بالعرفان.







أقول: المتبادر من الرفع قطع استمرار الشيء ومن الدفع المنع عن الحدوث فلابد من أن يكون في استعمال الرفع في مورد الدفع من عناية، وكأنه قطع الاستمرار، غاية الأمر بناءً على عدم حاجة الممكن في بقائه إلى علة يكون قطع استمرار وجود الشيء بإيجاد القالع والمزيل لوجوده، وبناءً على حاجته إلى العلة في بقائه ـ كما هو الصحيح ـ يكون بإيجاد المانع عن المقتضى لوجوده في الزمان اللاحق، ولكن هذا في غير الاعتباريات، فإن ثبوت الأمر الاعتباري بجعله واعتباره سعةً وضيقاً، كما أن عدم المنشأ يكون بعدم جعله واعتباره، سواء قيل في الممكن بحاجته في بقائه إلى العلة أو قيل باستغنائه عنها، فيكون المراد من رفع الحكم في الحقيقة بنسخه، والإزالة بمعنى إلغاء الاعتبار، وهذا لا يتحقق في الأحكام الشرعية حقيقة والمتصور في الأحكام الشرعية عدم جعل الحكم وسيعاً من الأول بالإضافة إلى الزمان الثاني، أو الحالة الطارئة، وهذا بالاضافة إلى الأحكام الشرعية في مقام الجعل، وأما بحسب مقام الفعلية يكون ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه وبقائه ببقاء موضوعه، وعلى كل تقدير فلابد من لحاظ العناية في التسعة المرفوعة الواردة في الحديث حيث إنها لم تكن مجعولة على الاُمة حتى ترفع، كما هو الحال في قوله (عليه السلام): رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق(12)، وكأن استعمال الرفع عن الاُمة بلحاظ ثبوتها في الاُمم السابقة في الجملة كما أن الرفع عن الصبي بلحاظ ثبوته في حق البالغين من العاقلين.















(1). سورة الإسراء: الآية 15.







(2). سورة التوبة: الآية 115.







(3). سورة آل عمران: الآية 179.







(4). سورة الأنفال: الآية 33.







(5). سورة الكهف: الآية 51.







(6). سورة الأنفال: الآية 33.







(7). سورة الطلاق: الآية 7.







(8). الكافي 1:163، الحديث 5.







(9). الخصال: 417 ـ باب التسعة، الحديث 9.







(10). وسائل الشيعة 17:87، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.







(11). مستدرك الوسائل 2:538.







(12). وسائل الشيعة 1:45، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.































ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية في «ما لا يعلمون»[1].







ثم لا يذهب عليك أن المرفوع فيما اضطر إليه وغيره، مما أخذ بعنوانه الثانوي إنما هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي[2].







ومنها: حديث الحجب وقد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا في حديث الرفع[3].







ومنها: قوله (عليه السلام) كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه[4].







ومنها قوله (صلّى الله عليه وآله): الناس في سعة ما لا يعلمون[5].







ومنها: قوله (عليه السلام) كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي[6].















مفاد حديث الرفع في ما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه















[1] قد تحصل مما تقدم أن الرفع في «ما لا يعلمون» يعم الشبهة الموضوعية والحكمية، حيث إن الحكم الجزئي في الأول والكلّي في الثاني لا يعلم، ويكون رفعه ظاهرياً بمعنى عدم وضعه الظاهري بإيجاب الاحتياط في الواقعة بخلاف الرفع في سائر الفقرات، فإن الرفع فيها واقعي بمعنى عدم جعل التكليف والوضع بالإضافة إلى «ما اضطروا إليه، وما استكرهوا عليه»، وهكذا ومن الظاهر أن الاضطرار والإكراه يطرآن على الفعل أو الترك وإذا كان المكلف مضطراً إلى عمل محرم لولا الاضطرار إليه أو مكرهاً عليه فترتفع حرمته، وبتعبير آخر في الموارد التي يكون الفعل متعلق التكليف لولا الاضطرار والإكراه لا يكون مع طريانهما متعلقاً له، وكذا الحال فيما إذا كان الفعل موضوعاً لحكم يكون في ثبوته له ثقل فلا يترتب ذلك الحكم على ارتكابه إذا كان ارتكابه للاضطرار أو الإكراه سواء كان ذلك الفعل فعلا خارجياً كشرب الخمر الموضوع لجريان الحدّ والكفارة الموضوع لوجوبهما الإفطار، أو كان فعلا اعتبارياً كإكراهه على بيع داره أو طلاق زوجته، نعم حيث كان الرفع للامتنان فلا يشمل مثل بيع داره للاضطرار إلى ثمنها.







هذا كله بالإضافة إلى الفعل المتعلق به التكليف أو الفعل الموضوع لحكم تكليفي أو وضعي فإن تعلق الإكراه أو الاضطرار بهما ظاهر، وأما إذا اُكره على ترك فعل تعلق التكليف بإيجاده أو كان تركه موضوعاً لحكم آخر ففي شمول «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه» إشكال، كما إذا اُكره المكلف على ترك صلاته في وقتها ووجه الإشكال أن ترك الصلاة في وقتها غير متعلق للحرمة، ليقال ترتفع الحرمة عنه مع الإكراه عليه، فإن الوجوب تعلق بإيجادها والواقع عليه الإكراه تركها، نعم لو قيل بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فيمكن دعوى أن مقتضى رفع الإكراه ارتفاع الحرمة عن تركها، ورفع الحرمة عن تركها يكون برفع الوجوب عن فعلها، ولكن من ينكر النهي عن الترك ويلتزم بأن المرفوع هو الحكم عما طرأ عليه الإكراه والاضطرار يشكل عليه التمسك بالحديث.







بل عن المحقق النائيني (قدس سره) أن حديث الرفع لا يعم ما إذا كان ترك فعل موضوعاً لتكليف أو حكم وضعي، كما إذا نذر شرب ماء دجلة فاُكره على تركه أو اضطر إلى تركه أو نسى شربه، فإنه لو لم يكن في خطاب حنث النذر وترتب الكفارة ظهور في أنها تترتب على التعمد والالتفات إلى الحنث، لقلنا بترتب الكفارة على ترك شربه ولو كان عن إكراه أو اضطرار أو نسيان، وذلك فإن شأن الرفع تنزيل الموجود معدوماً لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود، فإن تنزيل المعدوم موجوداً وضع لا رفع، والمفروض أنه لم يصدر عن المكلف فعل وإذا لم يمكن أن يكون عدم الشرب مرفوعاً بجعله كالشرب فلا مجال لدعوى عدم تحقق عنوان الحنث لينتفي وجوب الكفارة، ولكن لا يخفى ما فيه فإن جريان رفع الإكراه والاضطرار في الموارد التي يكون ترك الفعل موضوعاً لحكم تكليفي أو وضعي مما لا ينبغي التأمل فيه، فإن عنوان الفعل لم يذكر في الحديث ليدعي انصرافه إلى الارتكاب، بل المذكور فيه عنوان ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه ويتعلق كل منهما على ترك فعل كما يتعلق على ارتكابه، ومعنى رفع ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه ليس بمعنى تنزيل الفعل منزلة عدمه ونقيضه، بل رفعه في مقام التشريع عدم جعل الأثر المجعول له لولا الإكراه أو الاضطرار وحنث النذر ومخالفته الموضوع لوجوب الكفارة ينطبق على ترك المنذور واختيار نقيضه سواء كان المنذور فعلا أو تركاً، وأما بالإضافة إلى موارد إيجاب الفعل وطريان الاضطرار أو الإكراه على تركه فلا ينبغي التأمل أيضاً في جريان رفع ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه فيه، كما إذا اُكره على ترك صلاته في وقتها فإن الرفع والوضع كما يتعلق بمقام التشريع وجعل الحكم كذلك يتعلق بمقام امتثاله حيث إن الامتثال أيضاً قابل للرفع والوضع كما في موارد حكومة لا تعاد وقاعدة الفراغ والشك في الإتيان بفريضة الوقت قبل خروجه إلى غير ذلك، وأورد العراقي (قدس سره)على ما ذكره النائيني في عدم شمول مااستكرهوا عليه وما اضطروا إليه لموارد الاضطرار إلى ترك الواجب أو الإكراه عليه، فإنَّ الرفع تنزيل الموجود معدوماً لا تنزيل المعدوم موجوداً، فإنه وضع بأنا نفرض أن المكلف قد علم بتعلق نذره بشرب أحد المايعين ولا يدري تعيينه، واُكره أو اضطر إلى ترك شرب أحدهما معيناً أو غير معين، فلابد من التزامه بوجوب الوفاء بالنذر وإحراز موافقته القطعية بشربهما مع أنه لا يمكن الالتزام إلاّ بالتكليف التوسطي، أي لزوم الموافقة الاحتمالية وليس هذا إلاّ من جهة رفع الإضطرار.







أقول: لا يخفى ما في الإيراد فإنه لو أغمض عما ذكر والتزم بأن حديث رفع الاضطرار لا يشمل ترك الواجب لا يجب في المثال شربهما، فإنه إذا كان الاضطرار إلى ترك شرب المعين وكان النذر متعلقاً بشربه يرتفع وجوب شربه بقاعدة نفي الضرر ونفي الحرج الشامل لوجوب الوفاء بالنذر، وإن تعلق الاضطرار بترك شرب أحدهما لا بعينه فأيضاً كذلك، فإن الضرر المتوعد به في الإكراه أو المتوجه إليه في صورة الاضطرار مما يجب التحفظ عنه، فالعلم الإجمالي بوجوب شرب أحدهما لا يجب موافقته القطعية لما ذكر في محله من كون لزوم الموافقة القطعية لحكم العقل بتحصيل الأمن من احتمال مخالفة التكليف الواصل، والعقل لا يحكم بلزوم الموافقة القطعية الموجبة للمخالفة القطعية لتكليف آخر، فيتعين في الفرض لزوم المخالفة الاحتمالية، وعلى الجملة مفاد الحديث رفع تكليف يضطر المكلف إلى ترك امتثاله أو يكره عليه، ولكن الحديث لا يثبت التكليف بغير ما يضطر إليه، حيث إن شأن رفع الاضطرار أو الإكراه الرفع لا إثبات غيره، فإذا اضطر المكلف إلى ترك جزء أو شرط من متعلق التكليف في تمام الوقت المضروب شرعاً لذلك الواجب يكون رفع الجزء أو الشرط بعدم التكليف بالفعل المشتمل لذلك الجزء أو المقيد بذلك الشرط، ولكن لا يثبت التكليف بالخالي عنه، وكذا الحال إذا كان الفعل الخاص موضوعاً لحكم تكليفي أو وضعي واضطر المكلف إلى ترك ذلك الفعل الخاص فلا دلالة في الحديث على ترتب ذلك التكليف أو الوضع على ترتبهما على الفعل بلا تلك الخصوصية كما اعتبر الشارع القضاء من المجتهد نافذاً في حق المترافعين، فلا يدل حديث رفع الاضطرار على نفوذه من مطلق العالم وإن لم يكن مجتهداً، وهكذا حيث إن مقتضى حديث رفع ما اضطروا إليه أو ما إستكرهوا عليه هو رفع الأثر المترتب على الفعل لولا الإكراه والاضطرار عند طريانهما، لا إثباته لفعل آخر بل لا يرتفع ذلك الأثر عن ذلك الفعل في الموارد التي يكون عدم ترتبه على الفعل عند الاضطرار على خلاف الامتنان، كبيع المضطر داره لحاجته إلى ثمنها، كما أنه لو قام في مورد دليل على ثبوت التكليف بالفعل الخالي عن الشرط أو الجزء كما في الاضطرار إلى ترك بعض ما يعتبر في الصلاة يؤخذ به، وليس هذا راجعاً إلى استفادته من رفع الاضطرار، كما أنه إذا قام الدليل على ترتب الأثر على الفعل الخالي عن الخصوصية كترتب النفوذ على قضاء قاضي التحكيم يؤخذ به، لا يقال: ما الفرق بين رفع ما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه وبين رفع ما لا يعلمون، فإنهم ذكروا مع تردد الواجب الارتباطي بين الأقلّ والأكثر تجري البراءة في ناحية جزئية المشكوك أو شرطيته، فيكتفى في امتثال الواجب بالأقل، مع أن رفع الجزئية والشرطية تكون برفع التكليف النفسي المتعلق بالأكثر ولا علم بتعلقه بالأقل بنحو اللابشرط، فإنه يقال: الرفع في موارد الاضطرار والإكراه والنسيان أي نسيان الجزء أو الشرط في جميع الوقت واقعي ولا يكون في البين مثبت للتكليف بالإضافة إلى الباقي في حديث الرفع، وهذا بخلاف دوران المأمور به بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين، فإن الرفع عند عدم العلم بالإضافة إلى الأكثر رفع ظاهري فيختص الرفع بالإضافة إلى ترك المأمور به من ناحية ترك الجزء المشكوك أو الشرط المشكوك، فإن ثبوت التكليف بالإضافة إلى الأقل معلوم فإن الأمر به نفسياً أو ضمنياً معلوم وكذا ترتب العقاب في تركه محرز فلا يجري فيه قبح العقاب بلا بيان أو «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون»، بخلاف ترك المشكوك فإن تعلق التكليف به ولو ضمنياً أو ترتب العقاب في تركه غير محرز، وبتعبير آخر التكليف الموجود في البين قابل للتبعّض في التنجيز، أضف إلى ذلك أن رفع التكليف بالأقل ولو بنحو اللابشرط خلاف التوسعة فلا مجرى فيه لأصالة البراءة كما هو الحال في دوران الأمر الواجب بين المطلق والمقيد، حيث إنّ تعلق التكليف بالجامع بين المطلق والمقيد محرز وجريان البراءة في ناحية تعلق الوجوب بالمطلق ممنوع لكون رفعه الظاهري على خلاف الامتنان مع فرض العلم بالتكليف بالجامع بخلاف جريانها في ناحية المشروط والمقيد.















عدم جريان أصالة البراءة عند الشك في شرطية شيء للمعاملة أو قيديته لها







لا يقال: كما أن لحديث الرفع حكومة ـ بفقرة «ما لا يعلمون وما اضطروا إليه وما إستكرهوا عليه»، ـ ظاهرية أو واقعية بالإضافة إلى قيود متعلق التكليف، فليكن كذلك بالإضافة إلى القيود المعتبرة في صحة المعاملات فيرجع في القيد المشكوك اعتباره في المعاملة إلى أصالة البراءة أو في ترك القيود المعتبرة للاضطرار أو الإكراه برفع الاضطرار والإكراه، فإنه يقال معنى كون شيء قيداً للمعاملة تعلق الامضاء بأفرادها الواجدة لذلك القيد، فالأفراد الخالية عنه لم يتعلق بها الامضاء وليس في الافراد الخالية أثر ليقال برفعه يرفع الإكراه والاضطرار، وبتعبير آخر الإمضاء يتعلق بنحو الانحلال بانحلال المعاملة، فما وجد منها واجداً للقيد تعلق بها الإمضاء، والأصل عدم تعلق الإمضاء بغير الواجد فلابد في إثبات الإمضاء حتى بالإضافة إلى الفاقد من إطلاق أو عموم في دليل اعتبار تلك المعاملة أو قيام دليل خاص على إمضاء الفاقد أيضاً، هذا بالإضافة إلى فقرة ما لا يعلمون، وأما بالإضافة إلى صورة الإكراه أو الاضطرار أو النسيان فليس في الفاقد أثر حتى ينفى ذلك الأثر برفع الإكراه أو الاضطرار وثبوت الإمضاء ليس رفعاً، بل من إثبات الأثر الذي لايدخل في مدلول حديث الرفع، وبالجملة الشرطية والقيدية للمعاملة ينتزع من عدم انحلال الإمضاء بالإضافة إلى الأفراد الفاقدة وعدمهما ينتزعان من الانحلال، والأصل العملي مقتضاه عدم الانحلال في مقام الثبوت حتى بالإضافة إلى فقرة «ما لا يعلمون».







تذييل ـ الظاهر اختصاص الرفع في «ما لا يعلمون» برفع الحكم الإلزامي المحتمل فعلاً أو تركاً، وأما إذا علم بعدم الإلزام ودار أمر الفعل بين الإستحباب وعدمه فلا مجرى لحديث الرفع، حيث لا ثقل في استحباب الفعل كما لا مجرى للبراءة العقلية، حيث إن عدم العقاب فعلا أو تركاً معلوم، وقد يقال: إن عدم جريان مثل حديث الرفع إنما هو في احتمال الاستحباب النفسي للفعل، وأما الاستحباب الضمني كما إذا شك في أن المستحب هو الأقل أو الأكثر أو المطلق والمشروط فيمكن نفي دخالة المشكوك في المطلوب بحديث الرفع حيث لولا الرفع لما أمكن الإتيان بالأقل بداعوية الأمر المتعلق به أو بالأكثر، بل لابد في إحراز امتثال الأمر المعلوم من الإتيان بالأكثر حيث إن الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلقه أو في ضمن دعوته إلى تمام متعلقه، بخلاف ما إذا جرت البراءة عن تعلقه بالأكثر حيث يثبت أن المتعلق في الظاهر هو الأقل.







لا يقال: تبعّض الوجوب في التنجز على تقدير تعلقه بالأكثر أمر معقول، ولذا أمكن جريان البراءة عن وجوب الجزء الزائد، حيث يثبت بضم المعلوم بالاجمال تنجز الوجوب حتى على تقدير تعلقه بالأكثر في ناحية الأقل، بخلاف الاستحباب المتعلق بالأقل أو الأكثر فإن استحباب الاحتياط بالإتيان بالأكثر غير مرفوع للعلم بحسن الاحتياط ورجحانه والاكتفاء بالأقل لاحتمال كونه المستحب النفسي لا يحتاج إلى أصالة البراءة، كما أن الإتيان بالأقل بداع الأمر به مهملا لا يحتاج إليها وتعلقه به بنحو اللابشرط لا يثبت بالبراءة، فإنه يقال: معنى البراءة عن جزئية المشكوك أو قيديته، الحكم بتبعض الامتثال على تقدير تعلق الأمر بالأكثر بمعنى اكتفاء الشارع بالأقل مادام الجهل ولو على تقدير تعلق الأمر ثبوتاً بالأكثر.















[2] الظاهر اختصاص الرفع في فقرة «ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ والنسيان» بالحكم المترتب على الفعل لولا الإكراه والاضطرار والخطأ والنسيان، فإن مقتضى الحديث كون هذه العناوين رافعة سواءً كان الحكم الثابت للفعل لولاها من الحكم بالعنوان الأولي أو بالعنوان الثانوي، نعم الأثر الثابت للفعل بنفس هذه العناوين لا يرتفع، فإن هذه العناوين موجبة لثبوته فلا يرتفع بها، نعم هذا في غير الحسد والوسوسة في الخلق والطيرة، فإن المراد من الرفع بالإضافة إليها عدم جعل تكليف على المكلف فيها، وعلى ذلك فليس في جعل حكم للفعل بأحد العناوين الرافعة مثل وجوب سجود السهو المترتب على نسيان السجدة، أو وجوب الكفارة في القتل خطأ والدية فيه تخصيص في الحديث.







لا يقال: لا مانع عن كون مدلول الحديث رفع الفعل المكره عليه أو المضطر إليه ونحوهما في مقام التشريع، بأن لم يجعل عند الاضطرار إليه حكم وتكليف سواءً كان الحكم بعنوانه أو بعنوان الاضطرار أو الإكراه عليه، وكذا الحال في الخطأ والنسيان، وعلى هذا تكون الموارد التي ثبت فيها تكليف عند الاضطرار إلى فعل أو الإكراه عليه والخطأ والنسيان تخصيصاً في الحديث.







أقول: الجمع بين اللحاظين لو لم نقل بامتناعه فلا ينبغي التأمل في أنه خلاف الظاهر، وذلك فإن الموارد التي يكون الاضطرار أو الإكراه رافعاً لما تعلق بالفعل من التكليف به والحكم عليه لولا الاضطرار أو الإكراه، يلاحظ ذلك التكليف في مقام الجعل، ويقيد التعلق بالفعل أو الحكم عليه بعدم طرو عنوان الإكراه والاضطرار، حيث إن التكليف لا يرتفع عن متعلقه أو موضوعه عند طريان عنوان إلاّ بأخذ عدم طريانه عليهما عند الجعل، ومعنى رفعهما بلحاظ الأثر لنفسهما أنه لم يلاحظ في مقام التشريع حصولهما في الخارج، بأن يجعل الحكم لحصولهما أو التكليف بإيجادهما نظير رفع الحسد والوسوسة والطيرة والجمع بين لحاظ عدم طروهما وعدم لحاظ حصولهما في مقام التشريع بالإضافة إلى الفعل الواحد غير ممكن، وعلى تقدير التنزل والإغماض فلا أقل من أن الجمع يحتاج إلى قرينة، وبما أن الحديث قد طبق على نفي الحكم الثابت للفعل بطريان الإكراه عليه، فيعلم كون الرفع المشار إليه بالإضافة إلى الأحكام والتكاليف الثابتة للأفعال وأنها ترتفع عنها بطريان تلك العناوين في الموارد التي يكون في الارتفاع امتنان.















[3] من الأخبار التي استدل بها على البراءة في الشبهات الحكمية ما رواه الكليني عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(1) ووجه الاستدلال كون التكليف والإلزام والحكم الوضعي الموضوع لهما محجوباً علمه عن العباد فرع ثبوته واقعاً، وحيث إن العلم بحكم لا يمكن أن يكون مأخوذاً في ثبوت ذلك الحكم فيكون رفعه عند حجب علمه رفعاً ظاهرياً، بمعنى عدم وجوب الاحتياط فيه، وأن العباد لا يؤخذون بالمحجوب من التكليف والحكم، ولا يجري في الحديث ما جرى في حديث الرفع من كون «رفع ما لا يعلمون» ناظراً إلى الشبهات الموضوعية، فإن الوارد في الحديث من الموصول بملاحظة صلته لا يعم الشبهات الموضوعية.







نعم، قد يناقش في الاستدلال بها على البراءة في الشبهات الحكمية بأنه ناظر إلى الأحكام التي لم يبيّنها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) للناس وأوكل بيانها إلى وصيَّه الأخير عليه آلاف التحية والسلام، وتلك التكاليف والأحكام غير واردة في بحث البراءة في الشبهات الحكمية، فإن الكلام فيها في المشتبهات الحكمية التي بيّنها الشارع وقد خفيت بعضها عنا بفعل الظالمين والطوارئ الخارجية.







وكون علم تلك التكاليف محجوباً عن العباد غير مستند إلى اللّه سبحانه، وإنما يصح الإسناد إليه في خصوص ما أشرنا إليه من التكاليف والأحكام وكأن الماتن (قدس سره) قد سلّم بالإشكال حيث لم يذكر جواباً عن ذلك.







ولكن الصحيح المناقشة غير صحيحة فإنه كما يصح إسناد الحجب إلى اللّه سبحانه لعدم تعلق مشيئته لوصول الحكم إلى العباد في القسم المشار إليه، كذلك الحال في القسم الثاني أيضاً، حيث لو كانت مشيئته بوصولها إلى العباد لأمر الوصي الأخير سلام اللّه عليه بالظهور وإبلاغها لنا، ولعله لذلك لم يناقش صاحب الوسائل في دلالته على البراءة ولكنه خصّها بالشبهات الوجوبية بدعوى أنه قد ثبت الأمر بالتوقف وترك الاقتحام في الشبهات التحريمية بالأخبار الواردة في تثليث الاُمور وغيرها، وقال: لو وجب الاحتياط في الشبهات الوجوبية أيضاً لزم التكليف بما لا يطاق، إذ كثير من الأفعال أمرها دائر بين الوجوب والحرمة، ولذا لا يجب الاحتياط في الشبهة الوجوبية إلاّ إذا علم التكليف في خصوص الواقعة إجمالا كالقصر والتمام والجمعة والظهر وجزاء واحد للصيد الواحد أو جزاءين على شخصين(2)، أقول: لا يخفى ما في كلامه من التعليل لعدم جريان البراءة في الشبهات التحريمية ووجه رفع اليد عن إطلاق الحديث فيها والأخذ به في الشبهات الوجوبية، ويأتي التعرض لذلك في أدلة القائلين بوجوب الاحتياط.







وربما يقال: بأن الحديث كحديث الرفع يعم الشبهات الموضوعية أيضاً، حيث إن اللّه لو تعلّقت مشيئته بعدم كون علمها محجوباً لأوجد مقدمات العلم بها فمع عدم إيجاد مقدماته يصح إسناد الحجب إلى اللّه سبحانه. وفيه، أن الحديث لا تعم الشبهة الموضوعية فإنه لو تمكن المكلف فيها من العلم بحال الموضوع لا يكون العلم بها محجوباً من قبل اللّه سبحانه، فالحجب مستند فيها إلى نفس المكلف، بل لا يعمّها بعد الفحص وعدم العلم بها أيضاً، فإن ظاهر الحديث أن حجب اللّه علم الشيء هو الموجب لرفعه عنهم، والأمر في الشبهة الموضوعية ليس كذلك، فإن الموجب للرفع فيها نفس الحجب لا حجب اللّه سبحانه.







ثم إن الحديث مروي في الكافي في باب حجج اللّه على خلقه بالسند السابق: «ما حجب اللّه عن العباد فهو موضوع عنهم»(3)، والظاهر عدم الفرق في المفاد حيث إن ظاهر حجب اللّه الشيء عدم إعطاء طريق العلم به لهم، سواء كان ذلك من قبيل التكليف المتعلق بالأفعال أو من الاعتقاديات على تقدير العلم بها كما لا يخفى.















[4] وقد يستدل على البراءة في الشبهات الحكمية بروايات الحل، وترك الماتن الاستدلال بها غير ماورد فيما رواه الكليني (قدس سره) عن على بن ابراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) حيث ورد في صدره: «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه»(4)، ووجه الاستدلال ما أشار إليه في المتن من دلالته على حلية ما لم يعلم حرمته، سواءً كان ذلك في الشبهة الموضوعية أو الحكمية، بأن يكون عدم العلم بحرمته لعدم تمام الدليل عليه، وكان ذكر ما يجري في الشبهة الموضوعية بعده لا يوجب اختصاص الصدر بها، نعم الحديث لا يعم الشبهات الوجوبية إلاّ أن ذلك غير مهم، فإنه إذا ثبت اعتبار أصالة البراءة في الشبهة الحكمية التحريمية يلتزم بها في الشبهة الوجوبية أيضاً لعدم احتمال الفرق، بل يمكن أن يقال: بعمومه للشبهة الوجوبية أيضاً لدوران أمر الترك فيها بين الحلال والحرام بناءً على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام.







وقد ترك الشيخ الأنصاري (قدس سره) الاستدلال بهذا الحديث، وذكر صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه (عليه السلام)(5) ونحوها رواية معاوية بن عمار: «كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه»(6) ورواية عبداللّه بن سنان عن عبداللّه بن سليمان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن الجبن [إلى أن قال]: ساُخبرك عن الجبن وغيره: كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(7) والظاهر أن إعراض الماتن عن الاستدلال بهذه الروايات وجود القرينة فيها على اختصاصها بالشبهة الموضوعية، والقرينة تقسيم الشيء وفرض الحلال والحرام منه والحكم بحلية ما يشك من أنه من قسمه الحلال أو من الحرام حتى يعلم أنه من قسمه الحرام، وهذا يجري في الشبهة الموضوعية، حيث يكون العلم بوجود القسم الحرام منه خارجاً كقسمه الحلال، منشأً للشك في الفرد المشكوك منه كما إذا لم يعلم أن هذا العصير من قسمه المغلي الذي لم يذهب ثلثاه أو أنه من قسمه الحلال الذي ذهب ثلثاه، أو أن هذا اللحم من قسم المذكى أو من قسم غير المذكى إلى غير ذلك، وهذا بخلاف الشبهة الحكمية فإن الشك فيها في حرمة شيء أو حليته لتردد أمره بأن يجعل الشارع الحرمة فيه أو الحلية، ومنشأ الشك فيه فقد النص فيه أو إجماله أو تعارضه على ما تقدم، وعلى ذلك فروايات الحل التي ورد فيها فرض الحلال والحرام في الشيء تكون مختصة بالشبهة الموضوعية، ولا يمكن الاستدلال بها على البراءة في الشبهات الحكمية التي هي مورد الكلام في المقام.







ودعوى أنه يمكن تحقق القسمة الفعلية في الشبهة الحكمية أيضاً كاللحم المذكى فإن قسماً منه حلال كما إذا كان من لحم الغنم ونحوه، وقسماً منه حرام كلحم الذئب ويشك في المذكى من لحم الأرنب أنه حلال أو حرام لا يمكن المساعدة عليها؛ لما ذكر من أن منشأ الشك في لحم الأرنب فقد النص أو إجماله أو تعارضه، لا وجود قسمي الحلال والحرام من المذكى خارجاً، وذكر المحقق النائيني (قدس سره) في توجيه الاستدلال على البراءة بمثل صحيحة عبداللّه بن سنان أن الشيئية تساوي الوجود الخارجي والوجود الخارجي غير قابل للقسمة، بأنْ يكون لوجود واحد قسمان، فيكون المراد من قولهم فيه حلال وحرام احتمال كونه حلالا أو حراماً، وهذا كما ينطبق على الشبهات الموضوعية كذلك يجري في الشبهات الحكمية أيضاً.







وفيه أن عنوان الشيء ينطبق على الطبيعي، والمراد أن الطبيعي الذي فيه قسم الحلال وقسم الحرام، فتناول ذلك الطبيعي حلال إلى أن يعلم أنه من قسمه الحرام، وتحقق القسمين في الطبيعي وكونه منشأً للشك يختص بالشبهات الموضوعية كما تقدم، ولو كان المراد الشيء الخارجي فظهور تحقق القسمين قرينة على رجوع الضمير فيه إلى نوعه بطريق الاستخدام المفروض فيه تحقق الحلال والحرام، ثم إن تحقق القسمين من الطبيعي في الخارج وكونه منشأً للشك فيما يريد المكلف تناوله لا يلازم تنجيز العلم الإجمالي؛ لإمكان كون المعلوم بالإجمال من الشبهة غير المحصورة أو المحصورة التي لا تدخل جميع الأطراف في مقدور المكلف، واحتمال كون القسم الحرام مما هو خارج عن ابتلائه وتمكنه أو جريان الطريق الدال على الحلية في ناحية الداخل في الابتلاء، وما ورد في هذه الروايات من تقييد العلم بالحرام بعينه لا ينافي تنجيز العلم الإجمالى إذا تحقق في أطرافه شرايط التنجيز، فإن الترخيص في أطراف العلم الإجمالي بالحرمة بحيث يوجب الترخيص في المخالفة القطعية غير ممكن، وتقييد الحكم بالحلية إلى معرفة العلم بحرمة نفس المشكوك باعتبار العلم الإجمالي غير المنجز كقوله (عليه السلام): «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين، إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله»(8) ثم بعد ظهور كلمة (بعينه) في كونه تقييداً، وأن العلم الإجمالي بوجود الحرام خارجاً لا يوجب الاجتناب عن المشكوك فلا موجب لحملها على التأكيد كما صنع الشيخ (قدس سره) بدعوى أنه إذا علم حرمة شيء يعلم حرمة نفسه، فإن الحمل على التأكيد في الروايات المتعددة خلاف الظاهر، وعلى ذلك ذكر كلمة (بعينه) قرينة اُخرى على إختصاصها بالشبهات الموضوعية، وأن هذا العلم الإجمالي غير المنجز يكون منشأً للشك في المشكوك، حيث إن هذا العلم الإجمالي وكونه منشأً للشك لا يجري في الشبهات الحكمية، ومن ذلك يظهر الحال في رواية مسعدة بن صدقة(9) وكون قيد (بعينه) في صدرها قرينة على أن الكبرى الواردة فيها مختصة بالشبهات الموضوعية، وقد يذكر أن في الموثقة قرينتين اُخريين على اختصاصها بالشبهة الموضوعية، إحداهما: ذكر الأمثلة الواردة فيها فكلها من قبيل الشبهة الموضوعية، وثانيتهما: ما ورد فيها من «أن الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة فإن قيام البينة التي اُخذ فيها إحدى الغايتين للحلية لا يكون إلاّ في الموضوعات، ولعله لذلك ترك الشيخ (قدس سره) الاستدلال بها، وربما يقال ذكر قيام البينة إنما يكون قرينة على الاختصاص إذا اُريد منها شهادة العدلين، وأما إذا اُريد منها المبيّن والموضح كما هو معناها اللغوي فلا تكون قرينة عليه، فإن خبر الواحد المعتبر في الأحكام بيّنة على قول الإمام (عليه السلام)وحكم شرعي ثابت في الشريعة بنحو القضية الحقيقية، أقول: يكفي في عدم دلالة الرواية على الشبهات الحكمية ذكر قيام البينة، فإن البينة لو لم تكن في زمان الصادق (عليه السلام) بل قبله ظاهراً في خصوص شهادة العدلين فلا أقل من اكتناف الحديث بما يصلح للقرينية، فلا ينعقد له ظهور في عمومه للشبهات الحكمية، بأنْ يكون المراد منها الأشياء كلها على الحلية حتى تفحص عن حرمتها وتستكشفها أنت أو يقوم مبين ودليل على حرمتها من الخارج، بل ثبوت قاعدة الحلية بهذا الحديث مع ما ذكرنا من ضعف سنده لا يخلو عن تأمل، فإن المراد بقاعدتها أن يحكم بحلية المشكوك في كونه حراماً بما هو مشكوك والأمثلة الواردة فيها ليست كذلك، فإن الحلية فيها مستندة إلى قاعدة اليد أو استصحاب عدم الرضاع والنسب ولا ترتبط الحلية بقاعدة اليد أو الاستصحاب بقاعدتها إلاّ أن يكون المراد التنظير، بأن يكون المراد كما أن الحلية في هذه الأمثلة مغياة باستبانة خلافها أو بقيام البينة على خلافها، كذلك الحلية المحكوم بها على كل شيء مشكوك في الحلية والحرمة.















[5] من الأخبار التي يستدل بها على البراءة في الشبهة الحكمية ما رواه في المستدرك عن كتاب غوالي اللآلي مرسلا عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال «الناس في سعة ما لم يعلموا»(10) ووجه الاستدلال دلالة الحديث على كون المكلفين على سعة من تكليف لا يعلمونه بلا فرق بين كونه حرمة فعل أو وجوب فعل فهم مرخصون في ارتكاب الأول وترك الثاني ما لم يعلموا، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها في الشبهات الحكمية بتقييد بجهلهم بعد الفحص وعدم علمهم به، والحديث ينفي وجوب الاحتياط فإنه لو كان الاحتياط واجباً لما كانوا في سعة أصلا، وظاهر الماتن (قدس سره) عدم الفرق في دلالته على ذلك بين كون (ما) موصولة أو مصدرية زمانية، ولكن الظاهر الفرق بين الموصولة والمصدرية، وأن الموصول مع صلته ينطبق على الإلزام الواقعي على تقديره ويحكم بأن المكلف على سعة منه فلا يجب عليه رعايته بالإحتياط فيه، وأما لو كانت (ما) مصدرية لكانت أدلة الاحتياط واردة على الحديث في الإلزام المشتبه الواقعي، فإن مفاده على المصدرية الزمانية هو كون الناس على سعة زمان عدم علمهم، ومع إيجاب الاحتياط وقيام الدليل عليه يعلم الوظيفة زمان الجهل فلا سعة، وبتعبير آخر لو كانت (ما) موصولة فظاهره رجوع ضمير المفعول في صلته إلى نفس الموصول فيكون مفاده الناس في سعة من التكليف الذي لا يعلمونه، فهذا ينافي إيجاب الاحتياط فيه، وأما إذا كانت (ما) مصدرية زمانية فالمرجع للضمير المفعول غير مذكور، والمتيقن لولا الظهور رجوعه إلى الوظيفة زمان الجهل، ومع إيجاب الاحتياط وقيام الدليل عليه لا يفرض زمان للجهل في الشبهة الحكمية بالوظيفة، وبما أن (ما) في الحديث مردّدة ما بين الموصولة والمصدرية فمع الإغماض عن ضعفه سنداً لا يمكن الاستدلال بها على البراءة، بحيث تعارض ما دلّ على لزوم التوقف والاحتياط أو يوجب حمل الأمر بهما على الاستحباب، وقد يقال: إن مقتضى الاستقراء في مورد استعمال (ما) أنها تكون موصولة عند دخولها على المضارع بخلاف الداخلة على الفعل الماضي، أو ما يكون بمعناه فإنه يحتمل كونها مصدرية والاستقراء لا يقضي بكون الاستعمال على خلاف ذلك غلطاً، إلاّ أن مقتضاه أن الاستعمال في خلاف ذلك محتاج إلى القرينة، وبما أن (ما) في الحديث داخلة على المضارع فيصح الاستدلال بها على البراءة، ولكن ما ذكر مبني على ثبوت الحديث متناً كما في المتن، ولكنه في المستدرك: «الناس في سعة ما لم يعلموا» فالمدخول فعل ماض معنىً و(ما) الداخلة على الماضي تكون موصولة كما في قوله: «الناس أعداء ما جهلوا»(11) و(ليس للإنسان إلاّ ما سعى)(12) وللمرء ما تعلّم إلى غير ذلك، وتكون مصدرية كما في قوله: هم بخير ما صاموا وصلوا، إلى غير ذلك، فالحديث غير تام سنداً ودلالة، نعم ورد في حديث السفرة المطروحة في الفلاة وفيها اللحم أنه يؤكل منها، وقال الراوي إنه للمسلم والكافر فأجاب (عليه السلام): «هم في سعة ما لم يعلموا» ولكنه حكم في مورد خاص من الشبهة الموضوعية ولا يبعد دعوى أن أرض الإسلام أمارة الحلية والتذكية فلا يتعدى إلى غير مورده من الشبهات الموضوعية فضلا عن الشبهة الحكمية.















[6] روى في الفقيه في باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها عن الصادق (عليه السلام)«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»(13)، واستدل به على البراءة في الشبهات التحريمية، وقد أورد على الاستدلال كما في المتن بأن الاستدلال مبنيّ على أنْ يراد من ورود النهي العلم به ووصول بيانه، حيث ان الموضوع للحكم الظاهري ومنه الحلية الجهل بالتكليف الواقعي، وإرادة العلم والوصول إلى المكلف من الورود خلاف الظاهر، حيث إن مفاد الحديث كون الأشياء على الإباحة الواقعية إلى زمان صدور النهي ووروده من قبل الشارع، حيث إن التكاليف الشرعية ومنها حرمة جملة من الأشياء جعلت شيئاً فشيئاً ولم يصدر عن الشارع النهي عن جميع المحرمات دفعة، فقوله (عليه السلام): «كل شيء مطلق» أي مرسل واقعاً حتى يصدر ويرد النهي عنه من الشارح فينتهي أمد الإباحة الواقعية، وظاهر الماتن التسليم بالإيراد وأشار إلى ما يمكن أنْ يقال في وجه التمسك به في الشبهات الحكمية بقوله: نعم، ولكن بضميمة أصالة عدم ورود النهي عن المشكوك يحرز الموضوع لبقاء الحلية فيه وإنْ كان الحكم ببقائها من قبيل الحكم الظاهري فيكون نظير ما حكم الشارع بطهارة الماء القليل إلى أنْ يلاقي النجاسة، فباستصحاب عدم ملاقاته النجاسة يحكم بطهارته، غاية الأمر حيث إن إحراز الموضوع للحكم الواقعي بالأصل يكون الحكم المترتب عليه ظاهرياً، وإذا حكم الشارع بحلية شرب التتن إلى صدور النهي عنه ووروده، فبالإستصحاب في عدم صدور النهي عنه يكون الحكم بالحلية الظاهرية، ولكن هذه الحلية الظاهرية لا بما هو مشكوك حرمته وحليته كما هو مفاد أصالة البراءة وأصالة الحلية، بل بما هو متيقن إباحته سابقاً والشك في بقائها والحكم بالحلية بهذا العنوان لا يغني عن أصالة الحلية المعبر عنها بأصالة البراءة، فإن الاستصحاب لا يجري فيما إذا ورد النهي عن الشيء في زمان وتحليله في زمان آخر، وشك في المتقدم والمتأخر منهما، حيث إنه إما لا يجري الاستصحاب في شيء منهما أو يسقطان بالمعارضة على ماهو المقرر في بحث حدوث الحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما، ودعوى إتمام الحلية فيها بعدم القول بالفصل كما ترى، فإنه إنما يفيد ضميمة عدم القول بالفصل فيما إذا كان المثبت للحكم الظاهري الدليل حيث يتعدى إلى ما لا يحتمل الفرق كالتعدي من الشبهة التحريمية إلى الوجوبية، وأما إذا كان الحكم الظاهري في مورد لحصول الموضوع فيه كحصول الموضوع للحكم الواقعي فلا يتعدى إلى ما لا موضوع له فيه، فإن الفصل لعدم الموضوع لا لاختصاص الحكم والفصل فيه.







أقول: لو كان الحديث منقولا عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأنه قال كذا لكان ما ذكر في الإيراد على الاستدلال بالحديث على البراءة وجيهاً، ولكنه على ما نقل قول الصادق (عليه السلام)وفي زمانه كان جميع المحرمات الواقعية مجعولة وصادرة عن الشارع، فيتعين أن يكون المراد بالإطلاق الحكم الظاهري بالحلية، ومن الورود الوصول إلى المكلف بنحو متعارف فإن الحكم الظاهري يكون موضوعه الجهل بالحكم الواقعي لا محالة، وعليه فهذا الحديث لاختصاصه بالشبهة الحكمية أوضح، ولذا تصدى صاحب الوسائل (قدس سره)لتأويله وتوجيهه ومما ذكرنا من كون الإباحة الواقعية للأشياء إلى صدور النهي عنها خلاف ظاهره مع كون القائل الإمام (عليه السلام) يظهر أن الأمر كذلك لو كان المراد بالإطلاق اللاحرجية العقلية الثابتة لكل فعل قبل تشريع الحرمة والنهي عنه، مع أن اللاحرجية العقلية ليس حكماً شرعياً ليحمل عليه كلام الشارع فما ذكره النائيني (قدس سره)في معنى الحديث من كون الأشياء على اللأحرجية عند سكوت الشارع حتى يثبت تشريع الحرمة، وفرع على ذلك عدم إمكان التمسك به على أصالة البراءة والحلية، فإن الكلام في المقام في حرمة الفعل بعد تشريع المحرمات وإبلاغها للناس لا يمكن المساعدة عليه لما ذكرنا من أن بيان أن الأشياء على اللاحرجية العقلية قبل تحريم الشارع لبعضها، أو كل شيء على تلك الحلية حتى يشرع له الحرمة لا يفيد شيئاً إذا صدر هذا الكلام عن الصادق (عليه السلام)حيث إن المحللات والمحرمات كانتا مشروعتين في الصدر الأول، فإنْ كان بقاء تلك اللاحرجية واقعاً في اعتبار الشارع أيضاً إلى زمان النهي عنه فلا يمكن الإلتزام بذلك، فإن الحرمة الشرعية للمحرمات كانت عند تأسيس الشريعة كالمحللات فيها وكان التدريج في إبلاغها وبيانها للناس، وبالجملة الحلية الشرعية لا تكون مغياة واقعاً ببيان الحرمة كما أن حرمة المحرمات لا تكون مُغياة بشيء من إبلاغها وإنما يكون المغيا بوصول الحرمة الحلية الظاهرية التي يحسن الإعلام بها من الإمام (عليه السلام).















(1). وسائل الشيعة 27:163، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33.







(2). وسائل الشيعة 27:163، ذيل الحديث 33.







(3). الكافي 1:126.







(4). الكافي 5:313، الحديث 40.







(5). وسائل الشيعة 17:87، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.







(6). وسائل الشيعة 25:119، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 7.







(7). المصدر السابق: 117، الحديث الأول.







(8). وسائل الشيعة 25:119، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 5.







(9). وسائل الشيعة 17:89، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.







(10). المستدرك 18:20، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4. عن عوالي اللآلي 1:424، الحديث 109.







(11). شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 18:403.







(12). سورة النجم: الآية 39.







(13). وسائل الشيعة 6:289، الباب 19 من أبواب القنوت، الحديث 3.































وأما الاجماع: فقد نقل على البراءة إلاّ أنه موهون[1].







وأما العقل: فإنه قد استقلّ بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف[2].







وأما ضرر غير العقوبة فهو وإنْ كان محتملا إلاّ أن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلا[3].







واحتجّ للقول بوجوب الاحتياط فيما لم يقم فيه حجة بالأدلة الثلاثة[4].







وأما الأخبار فبما دلّ على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة[5].







مع أن هناك قرائن دالة على أنه للارشاد[6] فيختلف إيجاباً واستحباباً حسب اختلاف ما يرشد إليه.























[1] ويستدل على البراءة في الشبهات الحكمية بالإجماع، ولكنْ لا يخفى ما فيه فإن أصحابنا الأخباريين قد ذهبوا إلى لزوم التوقف والاحتياط في الشبهات التحريمية فليكن المراد إتفاق غيرهم، ومن الظاهر أن ما يمكن أنْ يكون من أدلة الأحكام هو الإجماع التعبدي لا مطلق الاتفاق على حكم مع ظهور مستندهم لذلك الحكم، فإن هذا الاتفاق مدركي يلاحظ المستند فيه، فإنْ تم يكون الاعتماد عليه لا على الاتفاق، وإلاّ يكون المستند مقتضى الدليل والقاعدة، وإذا كان هذا حال الإجماع المحصل فكيف بمنقوله.















[2] وقد يستدل على البراءة بحكم العقل فلا مجال للمناقشة في حكم العقل في قبح العقاب بلا بيان، والكلام في المقام في حكم القاعدة في مقابل قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، وفي مقابل ما ورد في الأخبار من الأمر بالاحتياط والتوقف في الشبهات، وأما الكلام في الجهة الأولى فلا ينبغي التأمل في أنه إذا جرت قاعدة قبح العقاب بلا بيان في مورد لانتفى فيه احتمال الضرر، أي استحقاق العقاب على الارتكاب كما أنه لو ثبت في مورد استحقاق على الارتكاب لا يكون فيه موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبتعبير آخر قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل لا يوجب بحكمها، أي لزوم الدفع، ارتفاع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل حصول الموضوع لقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل يلازم عدم حصول الموضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولذا لو قيل بعدم استقلال العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل فلا يكون في مورد احتمال العقاب المحتمل موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فوجوب دفع الضرر المحتمل لا يكون محققاً للضرر المحتمل الذي يعد من البيان، وعلى ذلك فإن لم يكن في المشتبه بيان بالإضافة إلى التكليف الواقعي على تقديره فمع حكم العقل بقبح العقاب على مخالفته مع الفحص التام عن موارد احتمال الطريق إليه واليأس من الظفر به لا يكون في ارتكابه احتمال الضرر، فحكم العقل بقبح العقاب يرفع في مورده احتمال العقاب، وهذا معنى ورود قاعدة قبح العقاب بلا بيان على قاعدة احتمال الضرر، وقد تقدم أن قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل أي العقاب المحتمل لا يوجب ثبوت احتماله، كما هو الحال في كل قضية حقيقية حيث إنها لا تثبت موضوعها.







ثم إنه قد ذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) أن دعوى أن قاعدة دفع الضرر المحتمل بيان للتكليف المحتمل في الشبهة الحكمية فلا يقبح بعده المؤاخذة على مخالفته على تقديره واقعاً مدفوعة، بأن لزوم دفع الضرر المحتمل على تقديره لا يكون بياناً للتكليف المجهول، بل يكون بياناً لقاعدة كلية ظاهرية وإنْ لم يكنْ في موردها تكليف واقعاً، فلو تمت القاعدة يكون العقاب على مخالفتها وإنْ لم يكنْ تكليف واقعاً في موردها لا على التكليف المحتمل على تقدير وجوده واقعاً، وأورد على ذلك المحقق النائيني (قدس سره) بأنا لم نكنْ نترقب مثل هذه الكلمات عن الشيخ (قدس سره) وذلك فإن لزوم دفع الضرر المحتمل لا يمكن أنْ يكون حكماً مولوياً شرعياً طريقياً؛ لأنّ المفروض أن التكليف المشتبه على تقديره منجز لغرض احتمال العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفعه كما في أطراف العلم الإجمالي والشبهة الحكمية قبل الفحص، كما لا يمكن أنْ يكون مولوياً نفسياً لاستقلال العقل ليس في دفع الضرر المحتمل غير عدم الابتلاء به فيكون لزوم دفعه كحكم الشارع بلزوم الإطاعة ارشادياً محضاً، وعلى ذلك فكيف يكون لزوم دفع الضرر حكماً نفسياً ظاهرياً مع أن الظاهرية لا تجتمع مع النفسية، حيث إن الأحكام الظاهرية على تقدير كونها محرزة يكون العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لو اتفق الواقع، وعلى تقدير كونها غير محرزة يكون العقاب على تركها بشرط أدائها إلى مخالفة التكليف الواقعي، ثم ذكر (قدس سره) في ضمن كلماته أن الوجه في عدم كون قاعدة لزوم الدفع بياناً للتكليف المشتبه أنه لا يرفع الشك والاشتباه فيه بأنْ تكون محرزة له.







أقول: قد تقدم أن الأمر بالاحتياط في شبهة لا يرفع الشك في التكليف الواقعي ومع ذلك يصير بياناً له، فالوجه في عدم البيانية ما ذكرنا، أن القاعدة لا توجب ثبوت احتمال العقاب في التكليف المشتبه، بل المذكور فيها حكم على تقدير ثبوت احتمال العقاب في التكليف المشتبه، وقاعدة قبح العقاب بلا بيان ترفع ثبوت احتماله فيه بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل عليه، نعم ما اُورد على الشيخ (قدس سره)كلام صحيح وأنه لا يمكن لزوم دفع الضرر المحتمل إلاّ ارشادياً حتى من العقل، حيث إن العقل شأنه الإدراك لا الإلزام، فالعقل يرشد إلى تحصيل الأمن من العقاب ولو كان محتملا له لا جازماً به، وأمّا ما ذكره من الفرق بين الأحكام الظاهرية المحرزة وغير المحرزة بأن العقاب في الثاني على مخالفتها بشرط أدائها إلى مخالفة التكليف الواقعي، وفي المحرزة على نفس مخالفة التكليف الواقعي لو اتفق مجرد دعوى، فإن المأخوذ على المكلف في كلا الموردين التكليف الواقعي، كما هو مقتضى تتبع الاحتجاجات العقلائية في الموردين.







فالمتحصل من جميع ما ذكر أن ثبوت احتمال الضرر في مخالفة التكليف الواقعي إنما يكون بوصول ذلك التكليف إلى المكلف بالنحو المتعارف، أو من حيث وظيفته في مراعاته بإيجاب الاحتياط عليه ولو مع احتماله وعدم زوال شكه ومع عدم وصوله بالنحو المتعارف كما هو فرض فحص المجتهد عن مدارك الأحكام وعدم وجدان طريق مثبت له، وعدم ثبوت إيجاب الشارع الاحتياط فيه، ترفع قاعدة قبح العقاب بلا بيان احتمال العقاب في ارتكاب الشبهة التحريمية، واحتماله في الترك في الشبهة الوجوبية، هذا مع عدم تمامية دعوى الأخباريين من الدليل على الأمر الوجوبي بالتوقف في الشبهات التحريمية أو بالاحتياط أيضاً حتى في الشبهات الوجوبية، وإلاّ يثبت في الشبهات الحكمية احتمال العقاب ولا تجري فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان لثبوت البيان فيها، وهذا الدليل العقلي على البراءة في الشبهات الحكمية ينفع في فرض عدم تمامية دعواهم، إما لقيام القرينة على أن الأمر بالاحتياط والتوقف في الشبهات استحبابي، كما ذكرنا في حديث الرفع وحديث الحجب وغيرهما، أو أن الأخبار الواردة في التوقف قاصرة في نفسها عن إثبات وجوب التوقف كما يأتي.















[3] وقد يقرر عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهات التحريمية بدعوى استقلال العقل بالإقدام على ما فيه احتمال الضرر، واحتمال الضرر متحقق في ارتكاب الشبهة الحكمية التحريمية، فيكون حكم العقل بقبح الإقدام بياناً للتحريم المحتمل على تقديره واقعاً فلا يكون العقاب على مخالفته من العقاب بلا بيان.







وفيه أنه لا سبيل للعقل إلى الحكم بقبح الإقدام على ما فيه الضرر القطعي فضلا عن الإقدام على ما فيه احتماله، بل ما يحكم به العقل بقبح الإقدام على ما فيه الضرر بمرتبة يكون ظلماً وتعدياً على النفس كجناية الإنسان على نفسه أو عرضه أو في ماله المؤدي إلى الجناية على أحدهما، ويمكن أنْ يقال حكمه بذلك جار حتى في الاقتحام على ما لا يؤمن فيه هذه المرتبة من الضرر، ومن الظاهر أن الملاك في حرمة المحرمات لا يكون الضرر في غالبها فضلا عن هذا الضرر، فإن اللازم في المحرمات وجود المفسدة فيها، والمفسدة لا تنحصر على الضرر ولا يكون حكم للعقل بقبح الإقدام على ما فيه المفسدة فضلا عن ما فيه احتمالها، والشاهد لذلك إقدام العقلاء على ما لا يؤمن فيه المفسدة بل فيه احتمال الضرر ببعض مراتبه لبعض الدواعي، كيف وقد أذن الشارع في الارتكاب في الشبهة الموضوعية التحريمية ولا يرخص الشارع في ارتكاب القبيح، وما ذكر الشيخ الطوسي (قدس سره) في مسألة أن الأشياء على الحظر أو الإباحة من حكم العقل بقبح الإقدام على ما فيه احتمال المفسدة(1) لا يمكن المساعدة عليه كما أشرنا إليه من شهادة ديدن العقلاء وسيرتهم على خلافه، ثم إنه قد يستدل على البراءة في الشبهات الحكمية باستصحاب البراءة وتقريره من وجهين؛ لأنّ للأحكام المجعولة في الشريعة مرتبتين كما هو الحال في كل حكم مجعول بنحو القضية الفعلية، مرتبة الجعل يعني الإنشاء، ومرتبة الفعلية، ويقال بجريان الاستصحاب في عدم جعل الحرمة بنحو القضية الحقيقية؛ لأنّ جعلها أمر حادث مسبوق بالعدم، ويورد على هذا التقريب بإيرادين، الأول: أن عدم جعل المتيقن سابقاً أمر أزليّ غير منتسب إلى الشارع والمطلوب فعلا إثبات نسبة عدم الجعل إلى الشارع، وهذا غير مسبوق بحالة سابقة محرزة، وفيه أن عدم الفعل في زمان يمكن للفاعل الفعل فيه عين انتساب عدمه إليه، فبقاء عدم جعل الحرمة لشرب التتن عند جعل الشريعة بعينه انتساب عدم جعل حرمته إلى الشارع فيستصحب عدم الجعل إلى آخر جعل أحكام الشريعة.







والإيراد الثاني: أن نفي الجعل بنحو القضية الحقيقية بالاستصحاب لا يثبت عدم حرمة شربه فعلا، فإثبات عدم المرتبة الاُولى بالإضافة إلى إثبات عدم المرتبة الفعلية مثبت، وبتعبير آخر المطلوب وما يترتب عليه الانبعاث والانزجار هو إحراز التكليف الفعلي أو عدمه، والاستصحاب في عدم الجعل بالإضافة إلى عدم الحرمة الفعلية من قبيل الأصل المثبت، ولكن لا يخفى ما فيه أيضاً فإن الحكم الفعلي عين الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية والفعلية وعدمها في الحكم ناش عن الفعلية، والتقدير في ناحية موضوعه؛ فإن الموضوع له في مقام الجعل تقديري وفي مقام الفعلية متحقق، وهذا التحقق وجداني ولذا لا يكون الاستصحاب في عدم نسخ الحكم المجعول في الشريعة مثبتاً بالإضافة إلى تحقق الحكم الفعلي.







لا يقال: كما يجري الاستصحاب في عدم جعل حرمة شربه على المكلفين بنحو القضية الحقيقية، كذلك يجري الاستصحاب في ناحية عدم جعل إباحته لهم فلا يثبت بالاستصحاب المزبور الترخيص في الفعل ليترتب عليه نفي استحقاق العقوبة، فلابد في نفيه من الانتهاء إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو إلى حديث الرفع ونحوه، فلا تثبت أصالة البراءة بالاستصحاب، وبتعبير آخر المعلوم في شرب التتن مثلا تحقق أحد الجعلين، ومعه لا يجري شيء من عدم جعل حرمته وعدم جعل إباحته لمعارضة كل منهما بالآخر، واُجيب عن المعارضة بجوابين، الأول: أنه ليس لنا علم بأنه لولم يجعل لفعل حرمة يجعل له إباحة وترخيصاً بعنوانه الخاص، ليقال بأن جريان الاستصحاب في عدم جعل الحرمة له معارض بالاستصحاب في عدم جريان الترخيص والإباحة فيه، فإنه من المحتمل أنْ يجعل له الإباحة بعنوان عام يجري على جميع الأفعال التي لم تنشأ الحرمة لها بأن جعل الترخيص لكل ما لم يجعل فيه إلزام وجوباً أو حرمة، وعليه يكون الاستصحاب في عدم جعل الحرمة له محققاً لثبوت الترخيص فيه لا أنه تعارضه أصالة عدم جعل الإباحة له وفيه أنه لو فرض جعل الإباحة له بالعنوان العام يجري أيضاً الاستصحاب في عدم جعل الإباحة له لكون ذلك العنوان انحلالياً، والشك في ثبوت الإباحة له بعنوانه الخاص أو العام، والجواب الثاني: عدم المعارضة بينهما؛ لأنّ الملاك في تعارض الاُصول ليس العلم الإجمالي بعدم مطابقة أحدهما الواقع، فإن ذلك يوجب التعارض في الطرق والأمارات، وأمّا الاُصول فالموجب للتعارض بين الأصلين أحد الأمرين، إما لكونهما من التعبد بالمتناقضين أو لكون التعبد بهما من الترخيص القطعي في مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال من حيث العمل، وشيء منهما غير لازم في المقام، فإن مقتضى الأصلين عدم جعل الحرمة له ولا جعل الإباحة له فيجوز ارتكابه؛ لأنّ المانع عن الارتكاب هو ثبوت المنع، نعم لو فرض في مورد أثر شرعي لإباحة الفعل شرعاً لا يترتب ذلك الأثر في مورد الاستصحاب في عدم جعل الإباحة له، وأما نفي استحقاق العقاب على ارتكابه فهو يترتب على عدم ثبوت الحرمة له.















الاستدلال على البراءة في الشبهات الموضوعية بالاستصحاب







ومما ذكر يظهر الحال في وجه جريان الاستصحاب في عدم جعل الحرمة أو الوجوب في الشبهات الموضوعيّة، لأنّ جعل الحرمة لشرب الخمر مثلا بعنوان القضية الحقيقية انحلالي يثبت جعلها في الأفراد المحرزة أنها خمر، وأما جعل الحرمة لما يشك في كونه خمراً مشكوك مسبوق بعدم الجعل، ومقتضى الاستصحاب بقاء عدم الجعل في المشكوك على عدمه؛ لاحتمال عدم كونه من أفراد الخمر، هذا مع قطع النظر عن الاستصحاب الموضوعي ولو بنحو العدم الأزلي فإنه مع الاستصحاب في عدم كونه خمراً لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.







الوجه الثاني: في الاستدلال على البراءة بالاستصحاب جريانه في عدم الحرمة الفعلية بالإضافة إلى كل مكلف قبل بلوغه فيجري في عدم هذه الحرمة بعد بلوغه أيضاً، وقد اُورد على هذا الاستصحاب أيضاً بوجوه: منها ما تقدم من أن عدم الحرمة الفعلية أمر أزليّ، وأن عدم التكليف الفعلي غير مجعول شرعاً وليس له أثر شرعي مجعول مع أنه يعتبر أنْ يكون المستصحب بنفسه مجعولا شرعياً أو يكون له أثر شرعي مجعول، وعدم استحقاق العقاب مع عدم حرمة الفعل من اللوازم العقلية لعدم التكليف قد نسب الماتن (قدس سره) في بحث الاستصحاب هذا الإيراد إلى الشيخ (قدس سره). وردّه بأنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب في عدم التكليف أنْ يكون له أثر شرعي فإن عدم التكليف كوجوده بنفسه قابل للتعبد، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب في شيء أنْ يكون ذلك الشيء بنفسه الأثر الشرعي أو أنْ يكون له أثر شرعي، بل المعتبر أنْ يكون قابلا للتعبد بنفسه أو بأثره، ونفي التكليف كثبوته بيد الشارع ويقبل التعبد، وبما أن عدم استحقاق العقاب أثر عقلي لمطلق نفي التكليف سواءً كان النفي واقعياً أو تعبدياً يترتب عليه لا محالة.







أقول: ظاهر كلام الشيخ (قدس سره) أن استصحاب براءة الذمة عن التكليف وعدم المنع عن الفعل لا يفيد في المقام؛ لأنّ المطلوب في المقام الجزم بعدم استحقاق العقاب على الارتكاب وإذا لم يترتب هذا المطلوب على الاستصحاب فيما ذكر احتمل العقاب في الارتكاب، فيحتاج في نفيه إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ومعها لا حاجة إلى الاستصحاب، وترتب نفي الاستحقاق على الاستصحاب فيما ذكر موقوف على اعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي المثبت للوازمه، حيث إنه مع الاستصحاب في نفي التكليف يثبت الترخيص فيه ومع ثبوت الترخيص ينتفي احتمال العقاب، وأما بناءً على اعتباره من باب الاخبار فلا يترتب عليه ثبوت الترخيص، والحاصل تأمل الشيخ في عدم جريان الاستصحاب لا لكونه في الأعدام الأزلية حتى فيما كان لها أثر شرعي، والصحيح في الجواب عن كلام الشيخ (قدس سره) بأن الاستصحاب في عدم التكليف كاف في نفي الاستحقاق في الارتكاب، فإن استحقاقه يترتب على ثبوت التكليف ويرتفع مع عدم ثبوته ولا يحتاج إلى إثبات الترخيص، وإلاّ فلو قيل باعتبار الاستصحاب من باب الظن فلا يفيد في نفي احتمال العقاب؛ لأنّ الاستصحاب في عدم التكليف يثبت الترخيص، والاستصحاب في عدم الترخيص الشرعي يثبت المنع فيتعارضان، فإن مفاد حديث: «رفع القلم عن الصبي» عدم ثبوت التكليف عليه في مورد ثبوته للبالغين، لا ثبوت الترخيص الشرعي في حقه، وإلاّ لم يكنْ في البين حاجة إلى إثباته بالاستصحاب في عدم التكليف.







وقد يورد على الوجه الثاني: بأنه لا يجري الاستصحاب إلاّ فيما كان الأثر المهم مترتباً على الواقع، وأما إذا كان مترتباً على الجهل به كما في حرمة التشريع والفتوى بغير علم فلا مورد له؛ لأنه بمجرد الشك يحرز موضوع الحرمة فلا معنى للتعبد بعدم الواقع بالأصل، والأثر المرغوب في المقام وهو نفي إستحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي يترتب على الجهل به.







وفيه أن نفي الاستحقاق لما يترتب على الجهل بالتكليف الواقعي بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل عليه كذلك يترتب على بيان عدم التكليف الواقعي، فإن قبح العقاب كما يترتب على عدم البيان للتكليف الواقعي كذلك يترتب على بيان عدمه على ما تقدم من أن العقاب بعد بيان العدم من خلف الوعد وهو قبيح من المولى الحكيم، ولا بأس للشارع أنْ يبدل الحكم الثابت لموضوع بالحكم الثابت مثله لموضوع آخر، كما في جريان الإستصحاب في طهارة الماء مع كون طهارته مفاد القاعدة.







ومما يورد على الوجه الثاني، أنه لا يجري الاستصحاب في عدم المنع السابق لكون الموضوع له الصبي والمجنون، حيث إن الشارع قد رفع القلم عن الصبي والمجنون ولو جرى عدم المنع بعد كون المكلف بالغاً لكان من إسراء الحكم من موضوع إلى آخر، وبتعبير آخر عنوان الصبي بالإضافة إلى عدم الحرمة الفعلية عنوان مقوم أو لا أقل من احتمال كونه من العنوان المقوم، وفيه أن معنى رفع القلم عن الصبي عدم جعل الإلزام لأفعاله التي تكون مورداً للإلزام في البالغين، وأما أفعاله التي لا تكون مورداً للإلزام في البالغين فلا موضوع للرفع بالإضافة إليها، وعليه فالصبي حال صباوته لم تكن في حقه حرمة شرب التتن، ويحتمل بقاء عدم الحرمة بحاله، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب إلاّ اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة، بأنْ يحتمل بقاء القضية المتيقنة بعينها، نظير ما إذا علم عدم نجاسة مايع كر سواءً كان ماءً أو غيره من المضاف، فإذا لاقته النجاسة فإنْ كان ماءً فعدم نجاسته باقية على حالها، وإذا لم يكن ماءً فقد إنفعل فلا بأس بالاستصحاب في عدم نجاسته إذا لم يكنْ في البين أصل حاكم عليه فتدبر جيداً.















[4] يستدل على لزوم التوقف والاحتياط في الشبهة الحكمية التحريمية بل الوجوبية أيضاً بالأدلة الثلاثة يعني الكتاب والأخبار وحكم العقل، أما الكتاب فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم(2) والناهية عن إلقاء النفس في التهلكة(3) والآمرة بالتقوى(4)، ولكنْ لا يخفى أنه مع ثبوت الإباحة الظاهرية الطريقية في الشبهة الحكمية لا يحتمل العقاب في مخالفة الحرمة الواقعية على تقديرها التي لم يظفر بالبيان لها بعد الفحص، ولا يكون القول بتلك الإباحة قولا بغير علم، ولا يكون الارتكاب مع هذا الترخيص منافياً للتقوى اللازم على المكلف، وأما التقوى في الاجتناب عن المفاسد الواقعية وعدم فوت المصالح فيما إذا كان المكلف معذوراً وغير مأخوذ بالتكليف الواقعي في مواردهما فهو غير واجب على المكلف حتى باعتراف الأخباريين بالالتزام بالبراءة في الشبهات الموضوعية بل الحكمية الوجوبية، ومما ذكر يظهر أنه لو كان المراد بالتهلكة في آية النهي عن إلقاء النفس فيها الهلاكة الدنيوية، فلا يقتضى لزوم الاجتناب عن الشبهات الحكمية التحريمية لما تقدم من أن المفاسد التي تلاحظ في المحرمات ملاكاتها لا تكون من قبيل الهلاكة الدنيوية.















[5] يستدل على لزوم الاجتناب عن المشتبه بالشبهه الحكمية التحريمية بالأخبار وهي على طائفتين، أحداهما: ماورد فيها من الأمر بالتوقف عند الشبهة، ويدخل في هذه الطائفة أخبار التثليث كقوله (عليه السلام): «إنما الاُمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك غيّه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فردّه إلى اللّه عزّ وجل»(5)، وفي خبر عمر بن حنظلة: «إنما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى اللّه وإلى رسوله، قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)«حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات، وهلك من حيث لا يعلم، [إلى أنْ قال] فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(6)، وقد أجاب الماتن (قدس سره) عن هذه الطائفة بأن الأمر بالوقوف عند الشبهة إرشاد إلى التحرز عن الهلاكة المحتملة في المشتبهات، فيختص الإرشاد بالشبهة التي يكون فيها احتمال الهلاكة أي العقاب الاُخروي، ومع حكم العقل في الشبهة الحكمية ـ بعد الفحص وعدم العثور على البيان ـ بقبح العقاب بلا بيان، وحكم الشرع برفع الحرمة المجهولة على تقديرها واقعاً مادام الجهل لا يحتمل الهلاكة في الشبهة البدوية التي فحص المجتهد عن الدليل على الحكم الواقعي فيها ولم يظفر بمثبت للحرمة فيها.















الاستدلال على وجوب الاحتياط بالأخبار







وثانيتهما: الأخبار الواردة في الأمر بالاحتياط في الشبهات وقد أجاب (قدس سره) عنها بأنه لو تمت دلالة هذه الطائفة على وجوب الاحتياط لكانت واردة على حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، حيث إن الأمر به طريقياً بيان ومصحح للعقاب على مخالفة التكليف في المشتبه، وما عن الشيخ (قدس سره) من عدم كون الأمر بالاحتياط مصححاً للعقاب، فإن وجوبه إذا كان غيرياً مقدمة للاحتراز عن عقاب مخالفة التكليف الواقعي المجهول، فالمفروض أن العقاب على مخالفته قبيح، وإنْ كان وجوبه نفسياً فالعقاب يترتب على مخالفته لا على مخالفة التكليف الواقعي المجهول كما يدعيه الخصم، فيتعين حمل الأمر به على الاستحباب أو على الإرشاد لا يمكن المساعدة عليه؛ لما تقدم من أن إيجابه طريقي ومعه يخرج العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لو اتفق عن كونه عقاباً بلا بيان، ولكن دلالتها على إيجاب الاحتياط طريقياً لا يتم لكونها معارضة بما هو أخص منها وأظهر في الترخيص في ارتكاب المشتبه، فإن ما ورد في حلية المشتبه الحرمة أخص من تلك الأخبار الشاملة للشبهات الوجوبية أيضاً، وبمثل ذلك كالصراحة في الترخيص في الارتكاب يخصص الأخبار الآمرة بالاحتياط بغير الشبهة البدوية التحريمية، فإن الأمر به غايته الظهور في الإيجاب في كل شبهة ومنها الشبهة التحريمية فيرفع اليد عنه بالخاص الوارد في الشبهة التحريمية.















[6] ذكر (قدس سره) بعد بيان أنه لابد من رفع اليد عن الأمر الطريقي الإيجابي بالاحتياط في المشتبهات في الشبهة الحكمية التحريمية بأخبار الحل، حمل الأمر به الوارد في الأخبار على الإرشاد إلى حكم العقل، بدعوى أن فيها قرائن على الإرشاد واُيّد الحمل المزبور بأنه لو كان الأمر به وجوباً طريقياً لزم تخصيص إيجاب الاحتياط الوارد ببعض الموارد لا محالة، مع أن الاحتياط في الدين والمشتبهات آب عن التخصيص، ولعل مراده (قدس سره) أن الإيجاب المولوي الطريقي لا يمكن في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف في الشبهة الموضوعية والحكمية لتنجز التكليف في أطرافه مع قطع النظر عن الأمر الطريقي بالاحتياط، وكذا في المشتبهات بالشبهة الحكمية قبل الفحص، لأن أخبار وجوب التعلم بل وغيرها توجب تنجز التكاليف التي يصل إليها المكلف بالفحص في غير ذلك ما يستفاد منه البراءة من حديث الرفع وغيره مما تقدم محكم، والعقل يستقل بلزوم رعاية التكليف في المشتبهات التي فيها منجز للتكليف الواقعي من أطراف العلم وفي الوقايع قبل الفحص وحسن رعاية احتماله في موارد ثبوت الترخيص في الارتكاب والترك، ويناسب ما ذكر أنْ تحمل الأخبار الواردة في الإحتياط في الدين والمشتبهات للإرشاد إلى حكمه، ومع الحمل عليه لا يكون فيها تخصيص بخلاف ما إلتزم بأن مفادها الوجوب المولوي الطريقي، فإنه يلزم من رفع اليد عن هذا الوجوب في بعض المشتبهات حتى على مسلك الأخباريين مع أن لسانها آب عن التخصيص، فإن حسن الاحتياط لا يختص بمورد دون مورد، بل لا يمكن غير الحمل على الإرشاد في بعض الأخبار، كقوله (عليه السلام): «وقفوا عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»(7) فإن ظاهر الهلاكة، الهلاكة الاُخروية يعني العقاب وقد فرض ثبوت الهلاكة في ارتكاب المشتبه قبل الأمر بالوقوف فيه، ومن الظاهر انه لا يكون مع قطع النظر عن الأمر بالوقوف والاحتياط ثبوت العقاب في الارتكاب، إلاّ إذا كان الأمر به إرشادياً ولا يمكن كونه أمراً مولوياً طريقياً بأنْ يكون في المشتبه منجز للتكليف مع قطع النظر عن هذا الأمر.







لا يقال: تعليل الأمر بالوقوف عند الشبهة بقوله (عليه السلام) «فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»، يستكشف بنحو الإن عن وجوب الاحتياط طريقياً، حيث إنّه مع إيجابه طريقياً من قبل يوجب احتمال الهلاكة فيها، وبتعبير آخر الأمر بالوقوف عند الشبهة في الرواية إرشاد إلى ذلك الوجوب الطريقي الموجب لثبوت الهلاكة في المشتبهات التي فيها تكليف واقعاً، فإنه يقال: الإيجاب الطريقي مع عدم وصول بيانه إلى المكلف لا يكون رافعاً لقبح العقاب بلا بيان، ولا يكون موجباً لاحتمال العقاب في ارتكاب الشبهة، فكيف يعلّل بيانه والإرشاد إليه بثبوت احتمال الهلاكة مع قطع النظر عن بيانه كما هو ظاهر الرواية، حيث لا يصح هذا التعليل إلاّ إذا كان احتمال العقاب منجزاً مع قطع النظر عن الأمر بالوقوف إرشاداً كما هو الحال في أطراف العلم الإجمالي، أو كون الشبهة الحكمية قبل الفحص، لا يقال: هذا كله إذا كان المراد من الهلاكة العقاب الاُخروي، وأما إذا كان المراد المفسدة فلا محذور في كون الأمر بالوقوف وجوباً طريقياً لئلا يقع في تلك المفسدة، فإنه يقال: لا يحتمل ذلك من الهلاكة فإن لسان الرواية آب عن التخصيص، فلو صحّ إطلاق الهلاكة على مطلق المفسدة وكثيراً ما لا يرجع إلى نفس الفاعل كما ذكرنا سابقاً، فلابد من إخراج الشبهات الموضوعية التحريمية بالتخصيص ولسانه آب عنه كما هو ظاهر.







وقد تلخص مما ذكر أن ثبوت الحكم العقلي في موارد المشتبهات ولو بملاحظة الترخيص الشرعي في ارتكاب جملة منها بلزوم رعاية احتمال التكليف في بعضها، وكون رعايته حسن في مقام الانقياد في بعضها الآخر قرينة على كون الأمر بالاحتياط في الدين والمشتبهات إرشاد إلى حكم العقل فيها، وليس من الأمر المولوي الطريقي، بل الأمر المولوي الطريقي الإيجابي أو غير الإيجابي بحسب الموارد غير ممكن؛ لأنه في موارد تنجيز التكليف الواقعي بالعلم الإجمالي أو بكون الشبهة قبل الفحص لا يكون الأمر بالاحتياط إيجابياً طريقياً؛ لأنّ تنجيز الواقع ثابت مع قطع النظر عن الأمر بالاحتياط، ولا يمكن الالتزام بالإيجاب الطريقي في غير تلك الموارد لثبوت الترخيص في الارتكاب والترك، والطريقي الاستحبابي فيها أيضاً غير ممكن؛ لثبوت حكم العقل فيها بحسن الاحتياط انقياداً، فلا يكون ترتب الثواب فيها إذا صادف التكليف الواقعي بالأمر الطريقي الاستحبابي، بل بحكم العقل فيكون الأمر بالاحتياط فيها إرشادياً لا محالة، وبتعبير آخر ليس في البين من المشتبهات ما يكون الأمر بالاحتياط فيها إيجاباً طريقياً ولو بملاحظة الترخيص، ورفع التكليف فيها أمراً ممكناً إلاّ الشبهات الحكمية قبل الفحص، إذا قيل بأن أدلة وجوب التعلم فيها لا يمنع عن شمول الأمر بالاحتياط لها فيختص أمر الطريقي بها، ثم إنه قد يجاب عن الأخبار التي ورد الأمر فيها بالوقوف عند الشبهة وعدم الاقتحام فيها بوجه آخر، وهو أن المراد من الشبهة فيها المشتبه المطلق وغير البين من أي جهة، فلا يعم ما يكون الترخيص الظاهري في ارتكابه محرزاً، حيث إنه إذا شمل للمشكوك دليل الترخيص في الارتكاب ما لم يعلم حرمته الواقعية يكون من الأمر البيّن وتدرج في الحلال البيّن، ويشهد لاختصاص الشبهة في تلك الأخبار بالمشتبه المطلق أن تلك الأخبار آبية عن التخصيص مع أنه لا خلاف في عدم وجوب التوقف في الشبهات الموضوعية بل في الشبهة الحكمية الوجوبية بعد الفحص وعدم ظهور الدليل على الوجوب، فلولا أن الترخيص الظاهري أخرجتهما عن الشبهة لزم الالتزام بالتخصيص في مثل قوله: «قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»(8)، أقول: الحديث المشار إليه ونحوه مما ورد فيه التعليل، فنفس التعليل فيه قرينة على تقييد الشبهة بما فيه احتمال الهلاكة مع قطع النظر عن الأمر بالوقوف عندها فلا حاجة إلى دعوى كون المراد من المشتبه من جهة الحكم الواقعي والظاهري وما لم يرد فيه التعليل فهو قابل للتخصيص، وعن المحقق النائيني (قدس سره) أنه يحتمل قريباً أنْ يكون المراد في الأخبار الوارد فيها الأمر بالوقوف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة أمر آخر، وهو أن الاقتحام في الشبهات يوجب وقوع المكلف في المحرمات لا أن نفس ارتكاب الشبهة حرام يوجب العقاب إذا صادف الحرام الواقعي، فإن الشخص إذا لم يجتنب عن الشبهات وعود نفسه على ارتكابها هان عليه ارتكاب المحرم، بخلاف من تعود نفسه على عدم ارتكابها، وقد ورد نظير ذلك في المكروهات حيث إن تعود النفس على ارتكابها وعدم مبالاته فيها رأساً يؤدي إلى جرأته على ارتكاب بعض المحرم، كما أن الشخص لولم يعتن بالمعصية الصغيرة، وارتكبها مراراً هانت عليه الكبيرة. وبالجملة يحصل من التعود على ترك المشتبهات ملكة التجنب عن المحرمات وإلى ذلك يشير قوله (عليه السلام) في خطبته على ما في مرسلة الفقيه: «والمعاصي حمى اللّه فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها»(9) ومن الظاهر أن الوقوف عند الشبهة كذلك أمر مستحب كما هو الظاهر من قوله (عليه السلام): «أورع الناس من وقف عند الشبهة»(10)، أقول: كون الاحتياط في الشبهات موجباً لتعود الإنسان على ترك الحرام وإنْ كان أمراً صحيحاً، وبهذا الاعتبار لا يبعد الالتزام بكونه أمراً مستحباً نفسياً، وقد ورد في ذيل خطبته (عليه السلام): «فمن ترك ما اشتبه له من الإثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حمى اللّه، فمن يرتع حولها يوشك أنْ يدخلها»، إلاّ أن كون المراد من قوله (عليه السلام) في الروايات المتعدّدة: «قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» ذلك غير ظاهر، بل غير محتمل في بعضها، وقد ورد ذلك في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة فيما فرض عمر بن حنظلة عن توافق حكامهم الخبرين بمعنى كون كل منهما موافقاً للعامة من قوله: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلق إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات(11)، فإن ظاهره كون الوقوف عند الشبهة لعدم الابتلاء بالهلاكة المحتملة فيها، نعم مورده كون الشبهة قبل الفحص اللازم والتمكن من تعلم التكليف الواقعي فيها، إلاّ أن تطبيق الكبرى شاهد لكون المراد بالهلاكة نفس الهلاكة المحتملة في الواقعة المشتبهة، وممّا ذكر يظهر أنه لو قيل بأن الأمر بالوقوف عند الشبهة إرشاد إلى الإيجاب الطريقي المجعول في الشبهات، ولذلك يصح تعليل الإرشاد إلى لزوم الوقوف عند الشبهة بثبوت الهلاكة في ارتكابها فلا ينبغي الريب بأن الأمر بالوقوف بهذا التعليل بإطلاقه وعمومه يقتضى التوقف عند الشبهة الحكمية التحريمية قبل الفحص وبعده، وبما أن أدلة البراءة في الشبهة الحكمية مقيدة بما بعد الفحص وأنه لا هلاكة في ارتكابها حتى ما لو صادف التكليف الواقعي فتكون الشبهة الحكمية بعد الفحص خارجاً عن العموم والإطلاق المزبور، فيختص الأمر بالتوقف بالشبهات الحكمية بما قبل الفحص وإمكان تحصيل العلم بالتكليف الواقعي على تقديره في الواقعة، ومما ذكرنا يظهر الحال في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلين أصاباً صيداً وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء؟ قال: لا، بل عليهما أنْ يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، فقال: إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا(12) فإن الأمر بالاحتياط فيها في مورد إمكان تحصيل العلم بالتكليف كما هو ظاهرها، أضف إلى ذلك أن الشبهة المفروضة الحكمية وجوبية ولا يلتزم الأخباري فيها بوجوب الاحتياط إلاّ أن يقال الجزاء الواجب في الصيد العين لا القيمة، فلا يكون الواجب مردداً بين الأقل والأكثر الاستقلاليين، بل من الارتباطيين ولا يلتزم الأخباري في الارتباطيين بالبراءة، نعم في كون الواجب من الارتباطيين في فرض إعطاء العين تأمل كما إذا أعطى بدنة من البدنتين المشتركتين بينه وبين آخر، فإن إعطاء النصف من أحدهما متيقن في تعلق التكليف به فتدبر.







وأما الاستدلال بوجوب الاحتياط بموثقة عبداللّه بن وضاح قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) «يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً وتستتر عنّا الشمس وترتفع فوق الليل (الجبل) حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون فاُصلي حينئذ واُفطر إن كنت صائماً، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة فوق الليل (الجبل) فكتب إليّ أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك»(13) وفيه أن الشبهة المفروضة المقام لو كانت موضوعية يجب الانتظار والامساك إلى إحراز دخول الوقت بمقتضى الاستصحاب في بقاء النهار وعدم دخوله وإنْ كانت الشبهة حكمية، ولعل ذلك ظاهرها فعلى الإمام (عليه السلام) بيان أن دخول الليل باستتار القرص أو بذهاب الحمرة، فعدوله عن الجواب بالتعيين والتصريح به إلى التعبير بالأخذ بالاحتياط لرعاية التقية لا محالة، وعلى كلا التقديرين فلا دلالة لها على عدم اعتبار البراءة في الشبهة الموضوعية الوجوبية إذا لم يكن في البين أصل حاكم، أو في الشبهة الوجوبية بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على الوجوب كما يعترف بذلك الأخباري أيضاً.















(1). العده في اصول الفقه 2:742، طبعة مؤسسة البعثة.







(2). كقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) سورة الاسراء: الآية 36.







(3). كقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) سورة البقرة: الآية 195.







(4). كقوله تعالى: (واتقوا اللّه واعلموا أن اللّه مع المتقين) سورة البقرة: الآية 194.







(5). وسائل الشيعة 27:162، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 28.







(6). المصدر السابق: 157، الحديث 9.







(7). وسائل الشيعة 27:159، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.







(8). وسائل الشيعة 20:258، الباب 157 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.







(9). وسائل الشيعة 27:161، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.







(10). وسائل الشيعة 27:106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.







(11). وسائل الشيعة 27:106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.







(12). وسائل الشيعة 27:154، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.







(13). وسائل الشيعة 10:124، الباب 52 من أبواب ما يمسك عنه الصائم... الحديث 2.































وأما العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته، حيث علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة[1].







وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الغير الضرورية قبل الشرع[2].







إنما تجري أصالة البراءة شرعاً وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي مطلقاً، ولو كان موافقاً لها فإنه معه لا مجال لها أصلا لوروده عليها[3].















الاستدلال في لزوم الاحتياط في الشبهات بحكم العقل















[1] قوله: «فيما اشتبه وجوبه أو حرمته مما لم يكن حجة على حكمه» متعلق بـ«لزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته» كما لا يخفى، وحاصله أنه يستدل على لزوم الاحتياط في الشبهات الحكمية الوجوبية، والشبهات الحكمية التحريمية بالعلم الإجمالي بالتكاليف في الوقائع التي لا تعلم أحكامها الواقعية، وهذه الوقائع وإن يكن التكليف الواقعي في جملة منها منجز بقيام الحجة عليه إلاّ أنه يلزم رعاية احتمال التكليف في غير تلك الجملة تفريغاً للذمة بعد اشتغالها بالعلم الإجمالي المذكور، وأجاب الماتن (قدس سره) بأن العلم الإجمالي المزبور ينحل بقيام الطرق والاُصول المثبتة للتكاليف في مواردها، حيث يحتمل انحصار التكاليف المعلومة بالإجمال عليها بأن لا يكون في سائر الموارد التي تجري الاُصول النافية فيها تكاليف كما هو شأن انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي.







لا يقال: العلم بالتكليف الفعلي في بعض أطراف العلم الإجمالي لا يوجب انحلال العلم الإجمالي الأول، فإنه يقال: إنما لا يوجب الانحلال إذا كان التكليف المعلوم في بعض الأطراف حادثاً بأن كان غير المعلوم بالإجمال السابق، وأما إذا لم يكن حادثاً بل كان نفس ما علم إجمالا أولا، كما إذا علم بنجاسة بعض الإناءات ثم علم نجاسة بعضها معيناً بتلك النجاسة واحتمل أن المعلوم بالإجمال أولا كان ذلك البعض ولا نجاسة في غيره، فينحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي لا محالة، واُورد على هذا الانحلال بوجه آخر أشار الماتن إليه بقوله «إن قلت إنما يوجب العلم...»، والمراد أن الانحلال إلى العلم التفصيلي والشك البدوي كان صحيحاً بناءً على مقتضى قيام الطريق بالتكليف في مورد هو ثبوت التكليف فيه فعلا، حيث يعلم بقيامه التكليف في ذلك المورد، وأما بناءً على أن مقتضى قيامه واعتباره تنجز التكليف الواقعي على تقدير أصابته الواقع والعذر فيما أخطأ، فلا انحلال إلى العلم التفصيلي والشك البدوي، فإن غاية قيامه واعتباره هو كون التكليف الواقعي في فرض الإصابة منجزاً بمنجزين، وفي الموارد الخالية عن الطريق منجزاً بمنجز واحد، وهو العلم الإجمالي المتقدم ذكره.







وأجاب (قدس سره) بأنه لا يختلف الحال ويثبت الانحلال حتى بناءً على أن معنى اعتبار الطريق شرعاً جعل المنجزية والمعذرية له، ومثل لذلك بما إذا علم بحرمة إناء زيد لنجاسته بين إناءين أو أكثر وقامت البينة بتعيين إنائه، فإنه لا ينبغي التأمل في أن قيامها كما إذا علم بأن إناء زيد ذاك الإناء في أنه لا يجب الاجتناب عن الباقي، ولولا هذا لما يفيد في الانحلال الالتزام بأن مقتضى الاعتبار جعل المدلول تكليفاً، فإن هذا التكليف حادث يكون بقيام الطريق أو الأصل المثبت، ثم ذكر (قدس سره) في ذيل كلامه هذا الانحلال الحكمي إذا لم نقل بأن غالب الطرق المعتبرة وجملة من الاُصول المثبتة مطابقة للتكاليف الواقعية في مواردهما، بحيث نحتمل انحصار التكاليف الواقعية على مواردهما حتى لا تكون تكاليف اُخرى في الوقائع المشتبهة الخالية عنهما، حيث ينحل العلم الإجمالي الأول بالعلم الإجمالي الصغير حقيقة فلا يكون مانع عن الرجوع إلى الاُصول النافية في سائر المشتبهات.







أقول: انحلال العلم الإجمالي بحرمه إناء زيد بالبينة القائمة بتعيين إنائه لا يستلزم الانحلال في المفروض في المقام، وذلك لثبوت الدلالة الالتزامية بأن الإناء الآخر ليس له، وهذه الدلالة الالتزامية كدلالتها المطابقية، وبما أن الإناء الذي ليس لزيد إما معلوم الطهارة أو محتملٌ نجاسته أيضاً، تجرى أصالة الطهارة أو الحلية فيه فلا موجب للاجتناب عنه، وهذه الدلالة الالتزامية غير موجودة في الأمارات والطرق القائمة بالتكاليف في جملة من الوقائع بل لها دلالة مطابقية فقط، وهي ثبوت تكاليف في مواردها، نعم لو علم بمطابقة تلك الأمارات في معظمها للواقع بحيث يحتمل انحصار التكاليف في الشريعة على موارد العلم التفصيلي وتلك الأمارات والأصل المثبت يكون الانحلال بالعلم التفصيلي وبالعلم الإجمالي الصغير، وكذا إذا بنى على العلم الإجمالي بالتكاليف في الشريعة إنما هو بالإضافة إلى موارد إمكان تحصيل العلم أو وجود الأمارات والطرق والاُصول المثبتة دون غير تلك الموارد، ومع إحراز كون واقعة من غيرها يرجع فيه إلى الاُصول النافية كما أن هذا البناء هو الصحيح.







وقد يقال: في انحلال العلم الإجمالي وجهان آخران، الأول: أن معنى اعتبار الأمارة اعتبارها علماً بالواقع فتكون التكاليف الواقعية في موارد قيامها معلومة بالتفصيل ولو اعتباراً، فيكون الشك في غير مواردها من الموارد الخالية عن العلم والأمارة شكاً بدوياً فيجري فيها الاُصول ولو كانت نافية، وبيان ذلك أن العلم الإجمالي المركب من قضيتين شرطيتين على سبيل مانعة الخلو إذا خرج إلى قضية حملية معلومة بالتفصيل وإلى قضية حملية مشكوكة كما هو الحال في موارد انحلاله إلى علم تفصيلي وشك بدوي لا يبقى العلم الإجمالي لا محالة وكما لو علم بغصبية بعض الغنم من القطيع المركب من السود والبيض ثم علم بأن بعض أفراده معيناً غصباً، ـ بحيث يحتمل انحصار المغصوب من القطيع عليه ـ تجري أصالة عدم الغصب والحلية في غيرها، كذلك فيما إذا قامت البينة على كون البعض المعين منها غصباً فإن البينة القائمة بحرمة البعض المعين علم تفصيلي بحرمته، ويمكن أن يكون مراد الشيخ الأنصاري في جوابه الثاني هذا المعنى، وأما جوابه الأول فيرجع إلى منعه عن فعلية التكاليف الواقعية في الوقايع في غير موارد الطرق والأمارات المثبتة للتكاليف على مقتضى ما سلكه في الجمع بين الأحكام الواقعية في الوقايع، وبين اعتبار الأمارات والاُصول، فإن ثبوت الأحكام الواقعية في الوقايع من غير موارد الطرق والأمارات إنشائية فلا يكون العلم الإجمالي بالتكاليف فيها إجمالا من العلم الإجمالي المنجّز.







لا يقال: بناءً على كون اعتبار الطريق اعتباره علماً تكون الأمارة القائمة بالتكليف في كل مورد علماً بالتكليف، ولكن هذا العلم الحادث لا يوجب انحصار المعلوم بالإجمال على موارد قيامها ولا زوال العلم الإجمالي السابق الموجب لتساقط الاُصول النافية في أطرافها، فإنه يقال: بما أن الأمارة تحكي عن نفس التكليف الذي كان طرفاً للعلم به إجمالا فاعتبارها علماً به يوجب تبدل العلم الإجمالي السابق إلى العلم التفصيلي التعبدي بحيث تصير الموارد الخالية عن الأمارات مشكوكة بدواً، كما لو كان الانحلال بالعلم التفصيلي الوجداني، فإن العلم التفصيلي التعبدي إبطال للترديد في مواردها من الأول فيكون الترديد في الموارد الخالية بدوياً قهراً.







الوجه الثاني: أنه على تقدير كون اعتبار الأمارة جعل المنجزية والمعذرية لها أو جعل حكم طريقي على طبق مدلولها الموجب لتنجز الواقع، إلاّ أنّهُ مع ذلك ينحل العلم الإجمالي المزبور حكمياً؛ لأنّ منجزية الأمارة القائمة بالتكليف لا تكون بإحراز قيامها، بل لإمكان الوصول إليها فالمتصدي للاجتهاد عند علمه إجمالا بوجود التكاليف في الوقايع تكون الأمارة الموجودة في الوقائع الموجودة منجزة للتكاليف في مواردها، فيكون العلم الإجمالي المفروض غير منجز بالإضافة إلى تلك الموارد، وإذا احتمل عدم التكليف في الموارد الخالية عن الأمارة بالتكليف عند حصول العلم الإجمالي فلا يكون بأس بالرجوع إلى الأصل النافي فيها، وعلى الجملة إذا كان التكليف في بعض أطراف العلم الإجمالي على تقديره منجزاً بمنجّز آخر عند حصوله لا يكون ذلك العلم الإجمالي منجّزاً، وعليه يبتنى الحكم بطهارة الملاقي بعضَ أطراف العلم الإجمالي، حيث يلتزم بعدم الأثر للعلم الإجمالي الحاصل ثانياً بنجاسة الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر الذي يكون عدلا للملاقى بالفتح.















[2] قد يستدل على التوقف في الشبهات بأن الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الحظر ولا أقل من الوقف بمعنى عدم حكم العقل وتجويزه الارتكاب، وما دلّ على جواز ارتكاب المشتبه شرعاً معارض بما دل على لزوم التوقف والاحتياط فيؤخذ بحكم العقل بالحظر أو الوقف.







وفيه أولا: أنّ حكم العقل بالحظر أو الوقف محل خلاف فلا يمكن أن يستند إليه وإلاّ لصح القول بالبراءة استناداً إلى القول بالإباحة في تلك المسألة، وثانياً: قد تقدم ثبوت الإباحة شرعاً، وما دلّ على الاحتياط والتوقف لا يعارض ما دلّ على البراءة على ما تقدم من الجمع العرفي بين الأخبار، وثالثاً: لو سلم حكم العقل في الأشياء بالحظر أو الوقف ومعارضة ما دلّ على البراءة شرعاً بما دلّ على الإحتياط والتوقف فليس لازم ذلك الأخذ بالحظر أو الإباحة، بل يؤخذ بالبراءة العقلية؛ لأنّ مسألة كون الأشياء على الحظر أو الإباحة راجعة إلى حكم العقل مع قطع النظر عن تشريع الأحكام والتكاليف، ومسألة قبح العقاب بلا بيان حكم العقل بعد تشريع الأحكام والتكاليف، والمقام من صغريات الثاني، وأما دعوى أن المقام يدخل في صغرى لزوم دفع الضرر المحتمل أو قاعدة استقلال العقل بدفع احتمال المفسدة المحتملة في الارتكاب فقد تقدم الكلام في كل منهما فلا نعيد.















[3] لا تجري أصالة البراءة العقلية ولا الشرعية مع الأصل الموضوعي، وليس المراد من الأصل الموضوعي خصوص ما يحرز به موضوع الحلية أو الحرمة كالاستصحاب في بقاء المائع على كونه خمراً إذا احتمل انقلابه، بل المراد ما يرتفع معه الشك في الحلية والحرمة الموضوع لأصالة البراءة سواءً اُحرز مع ارتفاعه موضوع الحلية أو الحرمة الواقعية كما في المثال المتقدم، أو اُحرز به نفس حلية الشيء أو حرمته، كما إذا شك في حلية فعل كان في السابق حراماً ويشك في ارتفاع حرمته كما في الشبهة الحكمية كالاستصحاب في حرمة وطء الحائض بعد النقاء وقبل الاغتسال، بناءً على اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية، فإن مع الاستصحاب في حرمة وطئها لا تصل النوبة إلى أصالة الحلية، إما لوروده عليها كما عليه الماتن أو لحكومته عليها على ما نذكره، وقد فرّعوا على ذلك عدم جريان أصالة الحلية في حيوان شك في حليته وقبوله للتذكية، فنقول للمسألة صور، الاُولى: ما إذا شك في حلية حيوان وحرمته لأجل الشك في أنه قابل للتذكية بالشبهة الحكمية، كما إذا تولد حيوان من الكلب والشاة وشك في أنه كالكلب غير قابل للتذكية أو أنه كالشاة، وإذا ذبح هذا الحيوان بسائر الشرائط المعتبرة للتذكية لا يحكم بحلية لحمه، لأنّ الاستصحاب في عدم التذكية يدرجه في غير المذكى المحكوم في الآية بحرمة أكله، ولكن جريان هذا الاستصحاب موقوف على ثبوت أمرين، أحدهما: أن تكون قابلية الحيوان للتذكية أمراً تكوينياً دخيلاً في تحقق التذكية، بأن تكون التذكية أمراً بسيطاً مسبباً من عدة اُمور أحدها قابليته لها أو كانت التذكية نفس تلك الاُمور التي منها قابلية الحيوان لها، وثانيهما: أن لا يكون في البين عموم أو إطلاق يثبت أن كل حيوان يقع عليه التذكية بحيث يكون الحكم بعدم قابلية حيوان لها محتاجاً إلى دليل على خروجه عن العموم والإطلاق.















في الشك في قابلية الحيوان للتذكية







وقد يقال: إنه إذا كانت التذكية أمراً بسيطاً مسبباً عن عدة اُمور منها قابلية الحيوان فلا بأس بجريان الاستصحاب في عدمها عند الشك في قابلية الحيوان مع فرض عدم عموم أو إطلاق مثبت لقابليته للتذكية، وأما إذا كانت التذكية عبارة عن نفس تلك الاُمور التي منها قابلية الحيوان فلا مجرى للاستصحاب؛ لأنّ غير القابلية من الاُمور الدخيلة محرزة بالوجدان، والقابلية أو عدمها ليست لها حالة سابقة ليجري الاستصحاب فيها أو في عدمها حتى بناءً على القول بجريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية؛ لأنّ القابلية وعدمها من لوازم الماهية لا الوجود، والأصل الجاري في العدم الأزلي يختص بالثاني فيرجع إلى أصالة الطهارة والحل في المذبوح بسائر الشرائط، وفيه أنه يجري الاستصحاب في عدم التذكية حتى بناءً على أنها مركبة من عدة اُمور منها قابلية الحيوان، حيث إنه لم يثبت أن القابلية كالزوجية من لوازم الماهية بل يحتمل كونها من لوازم الوجود، بل لو كانت من لوازم الذات فالأمر كذلك لأنّ الدخيل في التذكية القابلية بالحمل الشائع، فإن التذكية أمر خارجي يقع على الحيوان الخارجي والقابلية بهذا الحمل مسبوق بالعدم ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.







وقد يقال: ليست قابلية الحيوان للتذكية إلاّ أن لا يحكم الشارع عليه بالنجاسة بعد فري أوداجه بالحديد وتوجيهه إلى القبلة وكون الذابح مسلماً ذاكراً اسم اللّه عليه، بل يحكم بالطهارة، وإذا حكم بحلية أكل لحمه وشحمه بعد هذا الذبح فهو حيوان مأكول اللحم، حيث تكون حلية أكل لحمه وشحمه فعلية بعد الذبح المزبور، وعليه فيحرز بأصالة الطهارة الجارية في الحيوان بعد ذبحه أنه قابل لها كما يحرز بالاستصحاب في عدم جعل الحرمة لأكل لحمه وشحمه بعده أو بأصالة الحلية أنه مأكول اللحم.







ويمكن أن يقال: إن حكم الشارع بالطهارة في حيوان بعد ذبحه أو صيده وعدم حكمه بها في حيوان آخر إنما بلحاظ الخصوصية الخارجية في الأول، وعدمها في الثاني، ويعبّر عنها بقابلية الحيوان للتذكية، وعلى ذلك فعدم اعتبار النجاسة للحيوان بعد ذبحه كما ذكرنا كاشف عن قابليته للتذكية، كما أن الحكم بحلية أكل لحمه وشحمه كذلك، وأصالة الطهارة أو الحلية بما أنها تعبد بالطهارة ظاهراً أو الحلية كذلك فلا تكشف عن القابلية فيه فيجري الاستصحاب في ناحية عدم تذكية المشكوك حتى بناءً على أن التذكية عنوان لعدة اُمور يدخل فيها قابلية الحيوان شرطاً أو جزءاً، ومما ذكر يظهر أنه لا يفيد في إثبات التذكية أصالة الحلية مع أنها غير ثابتة في الشبهات الحكمية والمتحصل مع فري الأوداج في مثل الكلب لا يصدق أنه مذكى، لا أنّه مذكى ولا يترتب عليه حكم المذكي للتخصيص، وعدم صدقها عليه يكشف عن أخذ خصوصية للحيوان في التذكية، والأصل عدم تلك الخصوصية في الحيوان المشكوك المفروض في المقام. نعم لو ثبت ببعض الخطابات الشرعية بإطلاقها أو عمومها قابلية كل حيوان للتذكية فلا يكون لجريان الاستصحاب في ناحية عدمها مجال. فقد يستظهر ذلك من قوله سبحانه (إلاّ ما ذكّيتم)(1) بدعوى ان التذكية من الاُمور العرفية الثابت لها قيود شرعاً، فمع صدق العنوان في حيوان يحكم بحلية أكل لحمه نظير ذلك بخطاب حلّ البيع أو غيرها من العناوين العرفية التي جعلت موضوعات للأحكام الشرعية.







والحاصل أن التذكية لها معنى عرفي فيحمل عليه قوله سبحانه: (إلاّ ما ذكّيتم)غاية الأمر قد ثبتت لها بعض القيود شرعاً ومع صدق العنوان على ذبح حيوان يكون الإطلاق متبعاً فيه، وفيه أن التذكية في الحيوان اعتبار شرعي في الحيوان ولم يثبت أن معناها العرفي موضوع للحكم بالحلية مع قوله سبحانه (إلاّ ما ذكّيتم) استثناء عما نهى قبل ذلك من (المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)(2)، والظاهر أنه بيان للسبب الذي يجوز معه أكل الحيوان المحلل أكله نظير قوله سبحانه: (فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه)(3)، وقوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم)(4) لا في مقام بيان تمييز الحيوانات التي يحل أكل لحمها بعد التذكية والتي لا يحل أكلها ولو بعد التذكية.















في الشك في تذكية الحيوان







نعم يمكن استظهار قابلية كل حيوان ذي جلد للتذكية من بعض الروايات كصحيحة على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن لباس الفراء والسمور والفنك وجميع الجلود قال: لا بأس بذلك»(5)، فإنها بضميمة ما دلّ على النهي عن الانتفاع بالميتة تكون دالة على قبول كل حيوان ذي جلد للتذكية، وكذا يستفاد قابلية السباع لها من موثقة سماعة قال: «سألته عن جلود السباع أينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا»(6)، وعلى الجملة إذا أمكن استظهار كون الحيوان المفروض في المقام قابل للتذكية وسقط الاستصحاب في ناحية عدمها، يحكم بكونه محلل الأكل أخذاً بحديث الرفع و: «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» وإلاّ فمقتضاه عدم كون الحيوان مذكى فلا يجوز أكل لحمه، نعم لا يحكم بنجاسته فإن الاستصحاب في ناحية عدمها لا يثبت أنه ميتة، والنجاسة مترتبة في الأدلة على الميتة لا على عدم كون الحيوان مذكى، هذا كله في الشبهة الحكمية فيما إذا شك في قبول الحيوان التذكية، وأما إذا أحرز كون حيوان قابل للتذكية وشك في كونه محلل الأكل أو محرم الأكل بالشبهة الحكمية فلا بأس بأكل لحمه وشحمه أخذاً في الاستصحاب في ناحية جعل عدم الحرمة له بعد ذبحه وتذكيته، ودعوى أن هذا الاستصحاب معارض بالاستصحاب في عدم جعل الحلية لأكل لحمه فقد تقدم عدم المعارضة حيث لا يلزم من الاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالإجمال، وعلى تقدير المعارضة يرجع في احتمال حرمة أكل لحمه بحديث الرفع ونحوه مما يكون مقتضاه الترخيص في الارتكاب.







كما أنه لا مجال لدعوى أن مقتضى الاستصحاب في المفروض عدم جواز أكل لحمه وشحمه لأنّ الحيوان يحرم أكله حال حياته، ويحتمل بقاء تلك الحرمة بعد تذكيته أيضاً، والوجه في عدم المجال أن حرمة أكل لحمه وشحمه لكون المقطوع من الحيوان حتى إذا كان محلل الأكل لكونه من الجزء المبان من الحي، وحرمة أكل الحيوان حياً فيما إذا أمكن كالسمك الصغار لم تثبت حرمته، وعلى تقدير الإغماض وحرمة التسليم فالاستصحاب في بقاء الحرمة معارض بالاستصحاب في عدم جعل الحرمة لأكل لحمه بعد تذكيته.







ولا فرق في الرجوع بأصالة عدم جعل الحرمة لأكل لحم الحيوان وشحمه بعد إحراز كونه قابلا للتذكية وكونه مذكى والشك في حليته وحرمته بين أن تكون الشبهة حكمية أو موضوعية، بل يجري في الشبهة الموضوعية أصالة الحل التي استظهرنا من رواياتها عدم عمومها للشبهة الحكمية، فقد ذكرنا الحكم في الصور الثلاث، وأمّا الصورة الرابعة: وهي ما إذا اُحرز أن الحيوان كان قابلا للتذكية ويشك في بقائه على القابلية بالشبهة الحكمية، كما إذا لم يحرز أن الجلل في الحيوان يوجب ارتفاع قابليته للتذكية أم لا، ففي هذه الصورة يجري الاستصحاب في بقائه على ما كان بلا فرق بين القول باعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية أو قيل بعدم اعتباره للمعارضة أو لحكومة الاستصحاب في عدم الجعل على الاستصحاب في بقاء المجعول، وذلك لأنّ القابلية على تقدير اعتبارها في التذكية جزءاً أو شرطاً أمر تكويني يشك في بقائها وبضمها إلى سائر ما يعتبر في التذكية وجداناً يتم الموضوع لطهارة الحيوان وحلّه.







وقد يقال: بكون القابلية شرطاً لا جزءاً من تذكية الحيوان، فإن التذكية فعل الفاعل في ظاهر الخطابات كما في قوله سبحانه (إلاّ ما ذكّيتم) حيث إن ظاهر إسناد التذكية إلى الفاعلين، وقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير: «ذكّاه الذبح»(7) وقوله (عليه السلام) في جواب من سأله «أو ليس مما ذكّي بالحديد، قال: بلى»(8)، ولكن لا يمكن المساعدة عليه فإنه يمكن إسناد السبب إلى شخص إذا كان تمامه بفعله كما يمكن إسناد المسبب إليه إذا كان سببه أو تمام سببه بفعله.







الصورة الخامسة: ـ ولم يتعرض لها الماتن (قدس سره) ـ ما إذا شك في اعتبار شيء في التذكية من غير جهة القابلية لها، كما إذا شك في أن الذبح بالحديد معتبر فيها أو أنها تحصل بغير الحديد أيضاً، ومع ثبوت الإطلاق لرفع هذا الشك فهو، وإلاّ فقد يتوهم جريان أصالة البراءة في شرطية الحديد أو قيديته يمنع من جريان الاستصحاب في ناحية عدم التذكية إذا ذبح بغير الحديد، ولكن لا يخفى أنه لا مورد في المفروض في هذه الصورة لا لأصالة البراءة ولا لاستصحاب عدم التذكية، وأما عدم جريان الاستصحاب في عدم التذكية للشك في معناها الاعتباري فإن المقام داخل في الشبهة المفهومية، وأما عدم جريان أصالة البراءة في اعتبار قيدية الحديد فإن اعتبار التذكية لفري الأوداج بالحديد مقطوع، والشك في اعتبارها في فريها بغير الحديد، وبتعبير آخر إذا كان الحكم انحلالياً وشك في اعتبار قيد لموضوعه الانحلالي فمع عدم الإطلاق ـ كما هو المفروض ـ يثبت الحكم للأفراد الواجدة لذلك القيد، وجعله على الأفراد الفاقدة غير محرز، والأصل عدم جعله واعتبار التذكية يدخل في اعتبار الحكم الانحلالي وجعله ولا يقاس المقام بتردد متعلق التكليف بين المطلق والمقيد حيث تجري فيه أصالة البراءة عن تعلقه بالمقيد حيث إن الوجوب يتعلق بصرف الوجود من الطبيعي لا بشرط أو بالطبيعي المقيّد.







بقي في المقام أمر وهو أن الموضوع للنجاسة هو الميتة والمراد منها مقابل المذكى، والمذكى هو ما استند موته إلى التذكية فيكون المراد من الميتة ما استند موته إلى غير التذكية، والاستصحاب في موارد جريان عدم تذكية الحيوان يحرز كونه غير مذكى فلا يجوز أكل لحمه وشحمه، ولا يجوز لبس جلده ونحوه في الصلاة؛ لأنّ المذكى موضوع لجواز الأكل وجواز اللبس في الصلاة، وحيث إن الاستصحاب لا يثبت استناد موته إلى غير التذكية فيرجع في طهارته إلى أصالة الطهارة بل إلى عدم كونه ميتة، أقول: قد ذكرنا في بحث الفقه أنه لابد من رفع اليد عن هذه القاعدة في الحيوان الذي تكون تذكيته بالذبح أو النحر، فمع جريان الاستصحاب في عدم تذكيته يحكم بنجاسته وتفصيل الكلام في بحث نجاسة الميتة، وربما يقال: إن الموضوع للنجاسة كحرمة الأكل وعدم جواز الصلاة هو غير المذكى لا عنوان الميتة، ويستظهر ذلك من رواية قاسم الصيقل حيث ورد فيها «فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس»(9) والمراد بنفي البأس الطهارة، والمفهوم أنه إن لم يكن ما تعمل ذكياً فما تعمل نجس وعليه فالاستصحاب في عدم التذكية يثبت أنه نجس.







وفيه أنّه مع الغمض عن ضعفها سنداً لا دلالة لها على أن الموضوع للنجاسة عدم كون الحيوان مذكى، فإن القضية الشرطية فيها مفروضة في كلام السائل ونفي البأس فيها عن الصلاة مع إصابة الثوب ليس لها مفهوم، بل هي في مقابل ما فرضه السائل من عمله قبلا من جلود الحمر الميتة وكتابة ذلك إلى أبيه (عليه السلام) وأمره باتخاذ الثوب الآخر لصلاته، ومقتضى الجواب لا يلزم اتخاذ الثوب الآخر مع العمل من جلود الحمر الوحشية الذكية، وإلاّ فلم يكن لأخذ قيد الوحشية في الجواب وجهاً كما لا يخفى.















(1). سورة المائدة: الآية 3.







(2). سورة المائدة: الآية 3.







(3). سورة الأنعام: الآية 118.







(4). سورة المائدة: الآية 4.







(5). وسائل الشيعة 4:352، الباب 5 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.







(6). وسائل الشيعة 3:489، الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث 2.







(7). وسائل الشيعة 4:345، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.







(8). المصدر السابق: الحديث 2.







(9). وسائل الشيعة 3:489، الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.































الثاني: أنه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعاً وعقلاً[1].







وما قيل في دفعه: من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة[2] من جميع الجهات عدا نية القربة... قلت: لا يخفى أن منشأ الإشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها، مما يتعلق به الأمر[3].







فظهر أنه لو قيل بدلالة أخبار (من بلغه ثواب) على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب، ولو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه[4].







ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الأخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب[5].







الثالث: أنّه لا يخفى أن النهي عن شيء إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان...[6].







الرابع: أنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا، ولا يخفى أنه مطلقاً كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة[7].















في جريان الاحتياط في العبادات















[1] لا ينبغي التأمل في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا فإنه ورد الترغيب والإرشاد إليه في الخطابات الشرعية واستقل العقل بأن الاحتياط يوجب استحقاق الثواب للإطاعة أو الانقياد في الشبهات الحكمية والموضوعية التحريمية والوجوبية في العبادات وغيرها، ولكن ربما يشكل في إمكان الاحتياط في العبادات في الشبهة الوجوبية فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب، والوجه في الاشكال أن الاحتياط في الشبهة الوجوبية يتحقق بالإتيان بالواجب الواقعي على تقديره بتمام قيوده والاُمور المعتبرة فيه، غير أنه لا يعلم وجوبه واقعاً، وهذا لا يتحقق في الشبهة الوجوبية في العبادة المشار إليها؛ لأنّ من القيود المعتبرة في العبادة قصد التقرب عند الإتيان بالمعنى المتقدم في بحث التعبدي والتوصلي أي الإتيان بها بداعي الأمر بها، وهذا لا يمكن إلاّ إذا تردد أمر العبادة بين الوجوب والاستحباب، حيث يؤتى بالفعل بداعي ذلك الأمر الواقعي وإن لم يعلم أنه الوجوب أو الاستحباب، وأما مع عدم إحراز الأمر بها أصلا ـ كما في تردد أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب ـ فلا يمكن الإتيان بها بداعوية الأمر، بل أقصاه الإتيان بها بداعوية احتمال الأمر.







وقد اُجيب عن هذا الإشكال بإمكان الإتيان بها المحتمل كونها واجبة واقعاً بداعوية الأمر بالاحتياط، حيث إن حكم العقل بحسن الاحتياط كاشفاً بنحو اللم عن مطلوبيته شرعاً، كما أن ترتب الثواب عليه كاشف عن تلك المطلوبية بنحو الإن، وقد أشار الماتن (قدس سره) إلى هذا الجواب وردّه بأن حسن الاحتياط لا يجدي في رفع الإشكال؛ وذلك فإن تعلق الأمر الاستحبابي بالاحتياط لا يصحح انطباق عنوان الاحتياط على ما لا يكون عنوانه منطبقاً عليه بدون ذلك الأمر، فإن الأمر المتعلق بعنوان نظير العرض من معروضه، وكما أن المعروض لا يتمكن أن يتوقف في حصوله على عارضه وإلاّ لدار؛ لتوقف العارض في حصوله على المعروض، كذلك انطباق متعلق الأمر على عمل لا يمكن أن يتوقف على سراية الأمر به إلى ذلك العمل الخارجي، بل يعتبر أن ينطبق متعلق الأمر عليه مع قطع النظر عن ذلك الأمر حتى يسري الأمر إلى ذلك العمل، وعلى الجملة كما أن العارض لا يمكن أن يكون من مبادئ ثبوت المعروض وحصوله كذلك الأمر بشيء لا يمكن أن يكون من مبادئ ثبوت ذلك الشيء بمعنى انطباقه على الخارج وردّه ثانياً، بأن حكم العقل بحسن الاحتياط لا يكشف عن تعلق الأمر المولوي أي الاستحباب الشرعي بنحو اللم كما لا يكشف ترتب الثواب على الاحتياط عن استحبابه، كذلك بنحو الإن حيث إن حكمه بحسنه كحكمه بحسن الطاعة لا يستلزم حكماً مولوياً كما أن الحكم بترتب الثواب كالحكم بترتبه على الطاعة إرشادي حيث إن الاحتياط يدخل في عنوان الإطاعة والانقياد.















[2] هذا هو الوجه الذي ذكره الشيخ (قدس سره) في الجواب عن الإشكال المتقدم، حيث ذكر أن المراد بالاحتياط في العبادة الإتيان بالعمل المطابق لها من جميع الجهات غير جهة قصد التقرب، وأورد عليه الماتن (قدس سره) بأن الاحتياط المحكوم بالحسن شرعاً وعقلا له معنى واحد في العبادة وغيرها، وهو الإتيان بجميع ما يعتبر فيه واقعاً على تقدير التكليف به واقعاً، وهذا غير متحقق في العبادة التي يدور أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب، ولو تعلق الأمر بالعمل المطابق للعبادة من غير جهة قصد القربة لكان هذا مطلوباً مولوياً نفسياً لا يرتبط بحسن الاحتياط عقلا أو شرعاً، نعم لو قام دليل خاص في مورد دوران أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب أمر بالاحتياط فيها، فيحمل على أن المراد من الاحتياط في ذلك المورد ما ذكره إذا لم يكن الالتزام فيه بالاحتياط بمعناه الحقيقي ويكون الحمل عليه في الحقيقة التزاماً بالإشكال بعدم جريان الاحتياط في تلك العبادة حقيقة.







أقول: إذا ورد في خطاب الأمر بالاحتياط فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب لا يمكن حمله على أن المراد بالاحتياط المعنى الذي ذكره الماتن، واستظهره من كلام الشيخ (قدس سره) وأورد عليه بأن الأمر بالعمل المطابق للعبادة من جميع الجهات غير جهة قصد التقرب يكون مولوياً نفسياً متعلقاً بذات العمل المطابق للعبادة الواقعية على تقدير الوجوب واقعاً، فإنه على هذا التقدير لا دليل على اعتبار قصد التقرب في الإتيان بمتعلق هذا الأمر فيصبح توصلياً ولا أظن بالماتن أو الشيخ الالتزام بالاستحباب النفسي التوصلي، بل الظاهر أن مراد الشيخ (قدس سره) أن الشارع قد وسّع في قصد التقرب المعتبر في العبادة عند الجهل بوجوبها سواءً كان أمرها دائر بين الوجوب والاستحباب أو بين الوجوب وغير الاستحباب. فيجوز في الاحتياط فيها الإتيان بالعمل المطابق للعبادة من جميع الجهات من غير جهة قصد التقرب فإن قصده في مقام الاحتياط والجهل بالواقع بالإتيان بها لاحتمال وجوبها الواقعي، وهذا التقرب غير مطابق لقصد التقرب المعتبر فيها على تقدير العلم بوجوبها فيكون الأمر بالاحتياط عند الجهل طريقياً استحبابياً أو إرشادياً على ما يأتي.















[3] وأجاب الماتن (قدس سره) أن منشأ الإشكال في جريان الاحتياط فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب هو تخيل أن قصد التقرب المعتبر في العبادة كسائر شروطها وقيودها مما يؤخذ في متعلق الأمر بها، وبما أن الاحتياط في العبادة يكون بالاحتياط بمتعلق الوجوب على تقديره واقعاً، قيل بعدم إمكان الإتيان بالمتعلق عند الجهل بالوجوب ودوران أمرها بينه وبين غير الاستحباب، ولكن الأمر ليس كذلك فإن قصد التقرب المعتبر في العبادة غير مأخوذ في متعلق التكليف إنما يكون له دخل في حصول الغرض من متعلق الأمر فقط على ما ذكر في بحث التعبدي والتوصلي، وعليه يكون المأتي به في مقام الاحتياط تمام ما تعلق به الأمر الوجوبي على تقديره واقعاً من غير نقص فيه، غاية الأمر لابد من كون الإتيان به على نحو لو كان في الواقع أمر بها كان الإتيان المزبور مقرباً بأن يؤتى به بداعي احتمال الأمر أو احتمال كونه محبوباً للّه سبحانه، بحيث يكون على تقدير الأمر بها واقعاً الإتيان إطاعة وعلى عدمه انقياداً للّه سبحانه فيستحق الثواب على التقديرين، فإن الانقياد لجنابه يوجب استحقاقه كالطاعة له، فلا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات حتى فيما دار أمرها بين الوجوب وغير الاستحباب إلى تعلق الأمر بتلك العبادة.







أقول: لا يخفى أنه لا فرق بين القول بعدم إمكان أخذ قصد التقرب في متعلق الأمر أو القول بإمكانه وأنه يؤخذ في متعلق الأمر، فإنه لو كان قصد التقرب منحصراً على الإتيان بالعمل بداعوية الأمر به ولو كان الأمر به ضمنياً فلا يمكن الإتيان بالعبادة بداعوية الأمر بها فيما دار الأمر فيها بين الوجوب وغير الاستحباب، حيث لا يمكن الإتيان بها بداعوية الأمر بها حتى مع فرض أن الأمر يتعلق في العبادات بذات العمل، فإن الإتيان بداعوية الأمر يتوقف على إحراز الأمر بها وإلاّ كان الإتيان المزبور تشريعاً، وإن قلنا بأن قصد التقرب لا ينحصر على ذلك، بل المعتبر فيه انتساب الإتيان واضافته إلى اللّه سبحانه بنحو كما هو الصحيح، فهذه الإضافة كما تحصل بالإتيان بداعوية الأمر عند إحرازه كذلك تحصل بغيره أيضاً، ومنه الإتيان لاحتمال الأمر بها فيكون العمل مع انضمام هذا التقرب موجباً لتعنونه بعنوان الاحتياط، سواء قيل بأخذ قصد التقرب في متعلق الأمر أم لا، وعلى الجملة فما ذكره (قدس سره)من ابتناء الإشكال على أخذ قصد التقرب في متعلق الأمر بالعبادة غير صحيح، بل الإشكال مبني على انحصار قصد التقرب المعتبر في العبادة على الإتيان بها بداعوية الأمر بها فتدبر جيداً.







بقي في المقام أمران: الأول: أنه قد تقدم حسن الاحتياط عقلا وشرعاً ويقع الكلام في أن أمر الشارع بالاحتياط مولوي أو إرشادي وأن حكم العقل بحسنه يكشف عن أمر الشارع به من باب الملازمة، أو أن حكمه بالحسن في مرتبة الامتثال فاعلي لا يكشف عن الأمر المولوي من الشارع، ظاهر كلام الماتن عدم كشف حكمه بالحسن عن الأمر المولوي بنحو اللم ولا يكون أمر الشارع إلاّ إرشادياً، وقد صرح المحقق النائيني (قدس سره) أنه لا مورد للملازمة في المقام، فإن حكم العقل بحسنه للتحفظ على المصلحة الواقعية على تقديرها باستيفائها والاجتناب عن المفسدة الواقعية على تقديرها بعدم الابتلاء بها، وهذا الحكم من العقل واقع في سلسلة المعلومات والأحكام الشرعية لا يلازم حكماً شرعياً مولوياً، وتنحصر الملازمة على ما كان حكمه في سلسلة علل الأحكام وملاكاتها، وبالجملة حكم العقل بحسن الاحتياط كحكمه بحسن الطاعة في كونه غير قابل للحكم المولوي هذا بالإضافة إلى الحكم النفسي، وأما بالإضافة إلى الحكم الشرعي المولوي الطريقي فإن شأنه تنجيز الثواب في موارد الترخيص الظاهري، والمفروض استحقاق المكلف المثوبة بحكم العقل إما على الطاعة أو الانقياد مع قطع النظر عن أمر الشارع بالاحتياط.







أقول: يظهر من بعض الأخبار أن للاحتياط أثراً آخر مطلوباً غير استيفاء ما في الواقع من المصلحة على تقدير الوجوب وغير عدم الابتلاء بالمفسدة على تقدير الحرمة وهو توطين النفس للاجتناب عن المحارم وتعودها على المواظبة على الواجبات نظير قوله (عليه السلام): «من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حمى اللّه، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يدخلها»(1)، ولكن حكم العقل بحسنه ليس بهذا الملاك وظاهر عمدة الخطابات الشرعية أن الأمر بالاحتياط والوقوف عند الشبهات أنّه للتحفظ على احتمال التكليف وعدم الابتلاء بالمفسدة الواقعية، وهذا الأمر لا يكون إلاّ إرشادياً والكلام في الأمر به مولوياً طريقياً استحبابياً، وحيث إن هذا الأمر الطريقي لتنجيز الواقع عقاباً أو لا أقل ثواباً، والمفروض عدم ترتبه على الأمر به لاستقلال العقل باستحقاق المحتاط للمثوبة للطاعة أو للانقياد فلا يبقى موجب للأمر الطريقي به اللهم إلاّ أن يقال: استقلال العقل بما ذكر ما لم يكن في الاحتياط جهة مرجوحة، ويحتمل مع قطع النظر عن الأخبار الواردة فيها الأمر به أن يكون فيه الجهة المشار اليها الموجبة للمزاحمة مع المصلحة الواقعية أو المفسدة الواقعية، وتكون مرجوحة عند الشارع، فللشارع الأمر بها طريقياً غير لزومياً لتنجيز الثواب، وعليه فلا يقاس الأمر به بالأمر بالطاعة في موارد ثبوت التكليف وإحرازه، حيث لا يعقل الأمر به إلاّ ارشاداً وليس كل حكم للعقل في سلسلة الأحكام إرشادياً محضاً، بل ربما يكون مولوياً، وماورد في بعض الروايات المشار إليها من قبيل ذكر الفوائد المترتبة على الاحتياط وليس من بيان ملاك أمر الشارع بالاحتياط في الشبهات كما لا يخفى.







الأمر الثاني، ذكر النائيني (قدس سره) أنه على تقدير كون الأمر بالاحتياط مولوياً، والبناء على سراية هذا الأمر إلى العمل، فلا يكون العمل عبادة إذا أتى بداعوية الأمر بالاحتياط، بل الموجب لعباديته على تقدير وجوبه واقعاً وقوعه لاحتمال الوجوب الواقعي، وذلك فإن الأمر بالاحتياط في نفسه توصلي لجريانه في التوصليات أيضاً، ودعوى أن الأمر بالاحتياط يكتسب التعبدية من الوجوب الواقعي على تقديره غير صحيح، وذلك فإن العمل الواحد إذا تعلق به أمران أحدهما تعبدي والآخر توصلي، كما إذا نذر المكلف صلاة الليل يكتسب الأمر التوصلي وهو وجوب الوفاء بالنذر التعبدية من الاستحباب النفسي المتعلق بصلاة الليل، فإن الأمر بوجوب الوفاء يسري إلى صلاة الليل ولا يكون متعلقاً بصلاة الليل المستحبة، بأن يكون الأمر بها من ناحية وجوب الوفاء بالنذر طولياً، حيث إنه لا يمكن الإتيان بصلاتها المستحبةً بعد تعلق النذر مستحيل، فلا يتعلق النذر إلاّ بصلاة الليل والإتيان بها بداعوية الأمر بالوفاء بالنذر تجعلها عبادة، بخلاف ما إذا استؤجر للإتيان بعبادة مستحبة أو واجبة نيابة حيث يكون وجوب الوفاء بالإجارة في طول الأمر بتلك العبادة المستحبة أو الواجبة، فالموجب لعباديتها الإتيان بها لاستحبابها أو وجوبها في نفسها، وإذا أتى بتلك العبادة بداعوية الأمر بالإجارة لا بداعي وجوبها أو استحبابها في نفسها لا تكون عبادة لأنّ اكتساب العبادية لوجوب الوفاء بالإجارة عن الوجوب أو الاستحباب المتعلق بذلك الأمر لا يمكن لطولية الأمر بالإجارة وتعدد متعلق الأمرين، وفي المقام أيضاً، الأمر المتعلق بالفعل على تقديره واقعاً مع الأمر بالاحتياط، نظير الأمر بالعمل مع الأمر بالوفاء بالإجارة طولى مع تعدد المتعلقين، فلا يمكن أن يكتسب الأمر بالاحتياط العبادية من الوجوب المحتمل واقعاً، على تقدير تعلقه بالعمل، بل لابد في امتثال الوجوب المحتمل من الإتيان بالعبادة بداعى احتمال الأمر به لتقع عبادة.







أقول: قد ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي أن كون فعل عبادة لا يسقط الأمر به بمجرد الإتيان بذات الفعل لاعتبار قصد التقرب وأخذه في متعلق الأمر به، وإلاّ فلا فرق في ناحية نفس الأمر في التوصلي والتعبدي حيث يكون الغرض من نفس الأمر بالمتعلق فيهما إمكان دعوته إلى متعلقه بوصوله إلى المكلف والمصحح لقصد القربة إضافة العمل إلى اللّه سبحانه بأن يؤتى بالفعل له، ويحصل هذا إذا حصل الفعل في التوصلي بداعوية الأمر به إلى العمل والأمر بالاحتياط أيضاً توصلي، ولكن لا يكون الأمر به داعياً إلى العمل إلاّ إذا كان العمل مع قطع النظر عن الأمر بالاحتياط مصداقاً للاحتياط، ولو قيل بأن الاحتياط لا يتحقق إلاّ مع الإتيان بقصد التقرب الذي هو الإتيان بداعوية الأمر بالعمل فلا يتحقق هذا التقرب فيما دار أمر العبادة بين الوجوب وغير الاستحباب، ولكن لو قلنا بكفاية مطلق إضافة الفعل إلى اللّه يكفي في تحققه الإتيان لاحتمال وجوب العمل، وما ذكره (قدس سره) من أن المصحح لقصد التقرب للعبادة عن المنوب عنه الأمر النفسي التعبدي المتوجه إلى المنوب عنه فهذا لا يجري في النيابة عن الموتى، مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر المتوجه إلى المنوب عنه داعياً للأجير إلى العمل، نعم النيابة عن الميت في نفسها فيما فات عنه مستحب وإذا صلى نيابة عنه بداعوية الأمر الاستحبابي يتحقق قصد التقرب، وإذا آجر نفسه على القضاء عنه يكون متعلق الأمر بالإجارة ووجوب الوفاء بها عين متعلق ذلك الأمر الاستحبابي المتعلق بالنيابة فيكتسب الوجوب الآتي من قبل عقد الإجارة متحداً مع الأمر النفسي المتعلق بالنيابة نظير اتحاد متعلق وجوب الوفاء بالنذر مع متعلق الأمر بصلاة الليل، ولكن قد لا يكون ذلك الأمر النفسي، ومع ذلك تصح النيابة عن الغير وتصح الإجارة ويتحقق قصد التقرب في عمل الأجير أيضاً كما في بعث المستطيع الذي صار عاجزاً عن المباشرة للغير في الحج عنه في حجة الإسلام، فإن البعث تكليف للعاجز والنيابة عنه بلا بعثه بإجارة أو غيرها غير صحيحة، والسر في ذلك أن مع قيام الدليل على مشروعية البعث، لابد من الحكم بصحة النيابة عنه في الحج، ومجرد قصد النائب الحج عنه وفاءً لعقد الإجارة يوجب تحقق قصد التقرب وأخذ الاُجرة من قبيل الداعي إلى الداعي فلا ينافي قصده، وفيما نحن فيه أيضاً إذ أتى المكلف العبادة ـ المحتمل وجوبه ـ بداعوية الأمر بالاحتياط وكان في الواقع واجباً حصل قصد القربة فلا ينحصر قصد التقرب في كون الداعي إلى الإتيان به مجرد احتمال وجوبه بل يمكن أخذ احتمال الوجوب وصفاً في العمل ويؤتى بداعوية الأمر بالاحتياط.















[4] قد يقال: بأنه إذا قيل بدلالة أخبار من بلغ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف، فيمكن جريان الاحتياط في العبادة الدائرة بين الوجوب وغير الاستحباب أو الاستحباب وغير الوجوب مع ورود خبر ضعيف في وجوبها أو في استحبابها، حيث يمكن الإتيان بها بداعوية الأمر الاستحبابي المستفاد من تلك الأخبار، ويتحقق بذلك قصد التقرب المعتبر في العبادة، وأجاب الماتن (قدس سره) بأنه لو قيل باستحباب ذلك العمل بورود خبر ضعيف في وجوبها أو استحبابها لا يكون الإتيان بها بداعوية هذا الأمر احتياطاً، بل من قبيل الإتيان بعمل مستحب بعنوانه الثانوي.















[5] ثم قال: ولو قيل بأن ما ذكر فيما لو قيل بأن مفاد أخبار من بلغ استحباب العمل بعنوانه الثانوي، وأما إذا قلنا بأن مفادها استحبابها هو محتمل الوجوب أو الاستحباب بأن يستحب الإتيان بها بعنوان الاحتياط فيصح الإتيان بها بداعوية هذا الأمر الاستحبابي، فيكون احتياطاً مع تحقق قصد التقرب، وأجاب عن ذلك أولا: بأنه على ذلك، فالأمر المستفاد كالأمر بالاحتياط توصلي لا يوجب الإتيان بداعويته وقوع العمل عبادة، فإن الموجب لوقوع العمل عبادة قصد الأمر التعبدي بها، وأجاب ثانياً: بأنه لو كان الأمر بالاحتياط استحباباً تعبدياً فلا يجدي أيضاً في جريان الاحتياط في العبادة المرددة بين الوجوب وغير الاستحباب، أو بين الاستحباب وغير الوجوب؛ لأنّ الأمر الاستحبابي التعبدي تعلق بما يكون احتياطاً مع قطع النظر عن هذا الأمر كما تقدم سابقاً. أقول: قد تقدم أن قصد التقرب المعتبر في العبادة هو إضافة العمل إلى اللّه سبحانه عند الإتيان مع تعلق الأمر به واقعاً، وهذا القصد لا يتوقف على إحراز الأمر به واقعاً ولا على ثبوت الأمر المولوي المتعلق به بعنوان الاحتياط فلا نعيد، أقول: حيث انجر الكلام إلى أخبار من بلغ فلا بأس بالنظر اليها ليظهر أن مفادها استحباب نفس العمل البالغ عليه الثواب، كما هو ظاهر الماتن (قدس سره) أو استحباب الاحتياط مولوياً أو أن مفادها كمفاد الأخبار الواردة في الاحتياط إرشاد إلى حسن الاحتياط، وقد جعل في الوسائل من مقدمات العبادات باباً وروى فيه تسع روايات على اختلاف مضامينها، والتام سنداً منها روايتان، إحداهما: ما عن المحاسن، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من بلغه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) لم يقله»(2)، والاُخرى: ما عن الكليني (قدس سره) عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له، وإن لم يكن على ما بلغه»(3)، وذكر الماتن أن المستفاد استحباب نفس العمل ببلوغ الثواب وكأن بلوغه يوجب استحبابه، ووجه الاستفادة ظهور الصحيحة الاُولى في ترتب الثواب على نفس العمل مطلقاً، ولولم يكن الخبر البالغ به الثواب عليه صادقاً وترتب الثواب على نفس العمل يكشف عن استحبابه، فإنه لا معنى لترتبه على نفس عمل لم يكن محبوباً شرعاً، نعم لو كان ترتبه على العمل برجاء إدراك الواقع واحتمال كونه مطلوباً واقعاً، بأن كان بعنوان الاحتياط لم يكن كاشفاً عن استحباب نفس العمل حيث إن ترتب الثواب على الانقياد كترتبه على الطاعة لا يكشف عن الأمر المولوي بهما.







وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن مدلولها ترتب الثواب على العمل البالغ عليه الثواب فيما إذا أتى برجاء إدراك الواقع وبعنوان الاحتياط، وعليه فلا يكون ترتب الثواب عليه كاشفاً عن استحباب نفس العمل ولو بعنوانه الثانوي، ووجه كون مدلولها ما ذكر أمران، أحدهما: أنه سلام اللّه عليه فرّع العمل على بلوغ الخبر، وقال: «من بلغه عن النبي (صلّى الله عليه وآله)شيء من الثواب فعمله» ظاهره كون بلوغه داعياً له إلى العمل، وحيث إن داعوية الخبر البالغ عند ضعفه لاحتمال صدقه وأصابته الواقع فيكون الإتيان برجاء الواقع وترتب الثواب على العمل كذلك لا يكشف عن استحبابه، وثانيهما: أنه قد قيّد العمل المترتب عليه الثواب بما إذا كان الإتيان طلباً لقول النبي (صلّى الله عليه وآله) فيكون التقييد موجباً لحمل سائر الإطلاقات عليه.







وقد أورد الماتن على كل من الوجهين، أما ما أورد به على الوجه الأول فلأن ظاهر الصحيحة وإن يكن ترتب العمل على البلوغ وكونه هو الداعي له إلى الإتيان، إلاّ أن معنى الداعي أنه لولم يكن بلوغ الثواب عليه لم يعمل، وإذا دعاه البلوغ إلى العمل فتارة يقصده بما هو هو واُخرى يقصده برجاء إصابة قول النبي (صلّى الله عليه وآله) وحيث لم يقيد في الصحيحة الثواب المعطى بالصورة الثانية لولم يكن ظاهرها ترتبه على الإتيان بالنحو الأول يكون ذلك كاشفاً عن مطلوبية ذلك الشيء ببلوغ الثواب عليه، وبالجملة فرض كون بلوغ خبر الثواب داعياً له إلى العمل لا يوجب تقييد عمله برجاء إدراك الواقع.







وأما الوجه الثاني: فإن حمل المطلق على المقيد إنما هو في فرض وحدة الحكم بخلاف مثل المقام، حيث يمكن ترتب الثواب على العمل بالخبر الذي بلغ به الثواب عليه، وما إذا أتى بالعمل المزبور لرجاء إدراك الواقع ويمكن بعد فرض استحباب العمل ببلوغ الخبر أن يكون إعطاء الثواب للإطاعة أي امتثال الأمر المتعلق بذلك العمل لا للاحتياط والانقياد فيكون وزان الأخبار وزان من سرح لحيته أو من صام يوم كذا أو صلى بكذا فله كذا، ولذا أفتى المشهور باستحباب العمل في هذه الموارد.







أقول: إذا فرض البلوغ بخبر ضعيف فلا تكون داعويته إلى العمل إلاّ بالإتيان برجاء اصابة الواقع كما إذا كان البلوغ بخبر معتبر كان الإتيان به بنحو المطلوبية الواقعية لإحرازها، وترتب الثواب على العمل في بعض الروايات وإن كان صحيحاً، إلاّ أن المراد العمل على مقتضى البلوغ، والمراد من الأجر في الصحيحة هو خصوص الثواب البالغ في الخبر لا مطلق الأجر والثواب، ويفصح عن كون المراد الثواب البالغ ظاهر صحيحة هشام بن سالم(4) المروية في «الكافي» فإنها مع ما في «المحاسن»(5)رواية واحدة قد وصلت بطريقين، والحاصل لا تكون الصحيحة بظاهرها استحباب نفس العمل البالغ عليه الثواب حتى مع فرض عدم صدق الخبر، بل ولا استحباب العمل بالاحتياط مولوياً، فإن الثواب المعطى إما على الطاعة أو الانقياد، كما لا مجال لدعوى أن المستفاد من تلك الأخبار إلغاء الشرائط المعتبرة في اعتبار الخبر بالإضافة إلى الأخبار الواردة في المستحبات أو مطلق غير الإلزاميات، والوجه في عدم المجال لها أن الوارد في الأخبار إعطاء الثواب البالغ للعامل حتى في فرض عدم صدق الخبر، وهذا ليس من لوازم الحجية للخبر ليكون ترتّبه كاشفاً عن اعتبار الخبر، ولو كان المراد منها إلغاء الشرائط المعتبرة في حجية الخبر في الإلزاميات لو ردّ الأمر فيها بالعمل على الخبر سواء عرف المخبر بالعدالة أو الثقة أو جهل أو عرف بخلاف ذلك، ومما ذكر يظهر أنه لا يترتب على ذلك العمل الأثر المترتب على العمل المشروع والمستحب، كما إذا بنى على استغناء كل غسل مستحب أو واجب عن الوضوء فلا تترتب مشروعية الاستغناء واستحبابه على الغسل الوارد في خبر ضعيف أو ورد خبر ـ في طريقه ضعف ـ في ترتب الثواب عليه.







لا يقال: على ما ذكر فلا تكون أخبار من بلغ إلاّ متضمنة لحكم إرشادي محض ويصبح كاللغو، حيث إن الأمر بالاحتياط مغن عن هذا الإرشاد، والعقل مستقل باستحقاق المنقاد للتفضل عليه بالثواب كاستحقاق المطيع، مع أن ظاهر الأخبار ثبوت خصوصية في مدلولها، فإنه يقال يزيد مدلول هذه الأخبار على ما هو عند العقل بكون الانقياد موجباً للتفضل عليه بالثواب، وأما تعيين ذلك الثواب فلا سبيل للعقل إليه، وظاهر صحيحة هشام بن سالم بل وغيرها يعيّن الثواب بالثواب البالغ في الخبر سواء كان صدقاً أم لا.







فيكون مدلولها الوعد بالتفضل الخاص، نظير قوله سبحانه (ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار)(6) حيث لا يستقل العقل باستحقاق المطيع هذا الثواب قبل الوعد به.















في الثمرة بين الأقوال في أخبار من بلغ







وربما يقال بظهور الثمرة فيما إذا ورد خبر ضعيف في كون عمل ذا ثواب، ودل إطلاق أو عموم في خطاب معتبر على حرمته، فإنه بناءً على كون روايات من بلغ دالة على عدم اعتبار القيود المعتبرة في الخبر القائم بالاستحباب يكون الخبر المفروض مقيداً أو مخصصاً لإطلاق الحرمة أو عمومها، وبناءً على كون مفادها استحباب ذلك العمل ببلوغ ذلك الخبر يكون الاستحباب المستفاد من تلك الروايات مزاحماً للحرمة المستفادة من العموم أو الإطلاق، فيقدم التحريم لعدم صلاحية الحكم غير الإلزامي للمزاحمة مع الإلزامي.







وفيه أن الحكم الثابت للفعل بعنوانه الثانوي يتقدم على الحكم الثابت له بعنوانه الأولي، كما إذا ورد الترخيص في الكذب الدافع لضرر الغير عنه، أو مؤمن آخر فإنه يقدم على الحكم الثابت له بعنوانه الأولي، وما يقال من أن الحكم غير الإلزامي لا يزاحم الإلزامي، إنما هو في تزاحم الحكمين في مقام الموافقة والامتثال لا في مقام تزاحم الملاكات، فإن ملاك غير الإلزامي يمكن أن يمنع عن تمامية ملاك الحكم الإلزامي، والتزاحم مع وحدة الفعل في الحكمين إنما هو في ملاكهما لا محالة؛ لأنّ الفعل الواحد لا يتحمل حكمين مختلفين، ولكن الصحيح في المقام عدم تخصيص العام أو المطلق به سواءً قيل بأن مفاد أخبار من بلغ بيان صيرورة الفعل بقيام الخبر مستحباً أم قيل بأن مفادها عدم اعتبار الشرائط المعتبرة في ناحية الخبر القائم بالإلزاميات في الخبر القائم بغير الإلزاميات، فإنها ناظرة إلى العمل الذي ورد فيه ثواب فقط، ولا يعم ما ورد فيه الدلالة على العقاب أيضاً، كما هو مقتضى العموم في خطاب التحريم أو إطلاقه، فإن الخبر الضعيف لا يكون معتبراً في الفرض ولا موجباً لاستحبابه، وربما يقال: بظهور الثمرة فيما إذا أفتى بعض الفقهاء باستحباب عمل أو وجوبه فإنه بناء على عدم اعتبار الشرائط في البلوغ وصيرورته بلوغاً معتبراً يمكن للفقيه الآخر الفتوى باستحباب ذلك العمل ولولم يكن في البين إلاّ فتوى بعض الأصحاب إذا احتمل فيه إصابة الواقع، وفيه أنه لو قيل بعدم اعتبار الشرائط في الخبر الوارد في الثواب على عمل وأنه يكون مدركاً للاستحباب أو موجباً له فلا يتعدى إلى موارد فتوى البعض، لأنه إن علم المدرك للفتوى بالاستحباب أو الوجوب ولوحظ عدم تماميته فلا يصدق بلوغ الثواب فيه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أو المعصوم (عليه السلام)، ألا ترى أنه لا يصدق بلوغ نجاسة ماء البئر عن النبي (صلّى الله عليه وآله)بوقوع النجس فيه مع ملاحظة فتوى المشهور بها، بل إذا لم يحرز المدرك لم يحرز صدق البلوغ، حيث إن الفتوى إبراز لحدسه وإنشاء له لا نقل شيء عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أو المعصوم (عليه السلام)، ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر في الرسالة بظهور الثمرة في موردين: الأول: جواز المسح ببلّة المسترسل من اللحية كما لو قام خبر ضعيف على استحبابه وقلنا بثبوت الاستحباب بالخبر الضعيف، ولا يجوز المسح ببلته بناءً على عدم ثبوت الاستحباب بذلك الخبر، وناقش في ذلك الماتن (قدس سره) في تعليقته على الرسالة، بأنه إذا كان غسل المسترسل من قبيل المستحب في الواجب ولا يكون من أجزاء الوضوء ليجوز المسح ببلته، نعم لو كان مدلول الخبر كونه جزءاً مستحباً فلا بأس بالمسح ببلته، إلاّ أن يقال: ما دلّ على اعتبار المسح ببلة الوضوء كونها من بلة الأعضاء الأصلية، أقول: الجزء المستحب مع تغاير الواجب مع المستحب بأن يكون للمستحب وجود انضمامي إلى الواجب غير صحيح، بل يكون دائماً من قبيل المستحب النفسي في ضمن واجب فلا يجوز المسح ببلته إلاّ إذا كان استحبابه ملازماً لجواز المسح ببلته، كما إذا قيل باستحباب الغسل مرتين في أعضاء الوضوء، فإنه يستلزم هذا الاستحباب جواز المسح ببلة الغسلة الثانية.







الثاني: ما إذا قام خبر ضعيف باستحباب الوضوء للنوم مثلا فإنه بناءً على ثبوت الاستحباب بالخبر الضعيف يرتفع الحدث، وأما مع عدم ثبوته لا يحرز ارتفاع الحدث به، وفيه أن الوضوء في نفسه مستحب من المحدث، ولكن يعتبر في صحته قصد التقرب، وقد تقدم أن العمل برجاء الاستحباب من قصد التقرب فلا مجال للتأمل في كونه طهارة من الحدث بالأصغر، والحمد للّه رب العالمين.















أقسام النهي عن الشيء















[6] قد يقال بعدم جريان البراءة في الشبهة الموضوعية، ولا مورد فيها لقاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ لأنّ ما على المولى بيان النهي عن الطبيعي والمفروض أنه محرز وواصل إلى المكلف، ومع ارتكاب المشتبه لا يحرز امتثال النهي عن الطبيعي فيكون ترك المشكوك مقتضى قاعدة الاشتغال، وذكر الماتن (قدس سره) أن النهي عن الطبيعي على نحوين:







النحول الأول: ما إذا تعلّق بصرف وجود الطبيعي بحيث تكون موافقته بترك جميع أفراده، ومخالفته بارتكاب أول وجود منه، حيث بعد تحقق أول الوجود لا يبقى نهي عنه ليكون الاجتناب عنه موافقة وارتكابه مخالفة، عكس ما إذا تعلق الأمر بالطبيعي بمعنى طلب صرف الوجود، فإنه بالإتيان بصرف الوجود تحصل الموافقة، وبترك جميع أفراده تحصل المخالفة، ولو كان النهي عن الطبيعي بهذا النحو يلزم الاجتناب عن الفرد المشكوك لاحراز ترك الطبيعي وعدم ارتكاب المنهي عنه يعنى الاتيان بصرف الوجود.







نعم، إذا كان المكلف تاركاً لصرف الوجود من قبل فيحكم بجواز ارتكاب الفرد المشتبه بالاستصحاب في ترك الطبيعي مع الاتيان به، فإنه كما يحرز امتثال الواجب والإتيان بصرف وجوده بالأصل كما إذا جرى الاستصحاب في وضوئه، كذلك يحرز موافقة النهي وترك الطبيعي بالأصل، وعلى الجملة فالفرد المشتبه في هذا النحو من النهي عن الطبيعي خارج عن مورد أصالة البراءة، ولو جاز تركه كما إذا كان المكلف تاركاً لصرف وجود الطبيعي من قبل فجواز ارتكابه للاستصحاب لا لأصالة البراءة.







ودعوى العلم الإجمالي بعدم جواز ارتكاب المشتبه أو الفرد الآخر بعد ارتكابه، ومقتضى هذا العلم الاجتناب عن المشتبه أيضاً، كما ترى لعدم كون هذا العلم منجزاً مع جريان الاستصحاب في بقاء النهي بعد ارتكاب المشتبه، حيث إن مقتضاه ترك الفرد الآخر بعد ارتكاب المشتبه للعلم بمخالفة النهي بعد ارتكابه، وتحقق ما هو متعلقه إما بارتكابه أو بارتكاب الفرد المشتبه من قبل، وبعد إحراز بقاء التكليف بعد ارتكاب المشتبه بالاستصحاب بعدم كون المشتبه من فرد الطبيعي أو عدم تحقق صرف الوجود منه يلزم رعاية التكليف بترك الفرد الآخر، أقول: مما ذكرنا أخيراً يظهر أنه لا يختص جواز ارتكاب المشتبه بما إذا كان المكلف قبل فعلية النهي في حقه تاركاً لصرف الوجود من الطبيعي ليستصحب بعد ارتكاب المشتبه فيحرز به الامتثال، بل الاستصحاب يجري في ناحية عدم كون ارتكاب المشتبه من تحقق صرف وجود الطبيعي ويثبت به بقاء التكليف ولو كان ارتكاب المشتبه عند فعلية التكليف من بقاء ارتكابه، وقد يقال: ما نحن فيه من قبيل دوران تكليف النهي بين أن يتعلق بالأكثر أو بالأقل، وقد يأتي أن المرجع فيه أصالة البراءة عن تعلقه بالأكثر، وبيان ذلك أن تعلق النهي بحيث يكون الزجر عن جميع الأفراد ثبوتاً زجراً واحداً تعلقه بمجموع سائر الأفراد محرز، والشك في كون المشكوك أيضاً مزجور بزجر ضمني في ضمن تعلق ذلك بمجموع الأفراد أو لم يتعلق به زجر، فأصالة البراءة عن تعلقه بالمشكوك جارية، ولكن لا يخفى أن تعلق النهي بصرف الوجود ليس من تعلقه ثبوتاً بمجموع أفراده جميعاً، بل ترك جميع الأفراد حكم عقلي حيث إن الطبيعي لا ينعدم إلاّ بترك جميعها فإدخال المقام في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين غير تام.







النحو الثاني: من تعلق النهي بالطبيعي، ما إذا كان النهي عن الطبيعي انحلالياً بأن يعتبر ثبوتاً الحرمة لكل وجود منه لتحقق ملاك الحرمة في كل من وجوداته كما هو الحال في جل الخطابات في المحرمات، وفي هذا القسم تجري أصالة البراءة بالإضافة إلى حرمة المشكوك، فإن خطاب النهي عن الطبيعي على نحو الانحلال إنما يكون بياناً للحرمة بعد إحراز صغراها لعدم تكفل الخطاب الذي هو بمفاد القضية الحقيقية لتعيين صغرياتها، ومع عدم إحرازها في مورد يكون العقاب على المخالفة على تقدير الصغرى من العقاب بلا بيان، ولا أقل من أصالة البراءة وأصالة الحل فيه.







ثم إنه لا ينحصر النهي عن شيء على أحد النحوين المذكورين، بل يمكن كونه بأحد نحوين آخرين، أحدهما: كما إذا تعلق النهي بمجموع أفراد الطبيعي في زمان أو مكان، بأن يكون المراد والمزجور عنه الإتيان بجميع الأفراد فلا يكون الإتيان ببعضها مع ترك البعض الآخر منهياً عنه، ويجوز في الفرض الإتيان ببعض أفراده المحرز كونها أفراداً له، فكيف الإتيان بالمشكوك مع ترك أفراده، نعم يقع البحث في هذا الفرض في جواز الإتيان بجميع أفراده المحرز كونها أفراداً له مع ترك المشكوك، فيقال: الظاهر عدم البأس بذلك؛ لأنّ تعلق النهي بجميعها مع الاتيان بالمشكوك محرز وتعلقه بها مع ترك المشكوك غير معلوم فتجري أصالة البراءة في ناحية تعلقه بها بدون الإتيان بالمشكوك، والمقام عكس ما ذكر في الواجب الارتباطي المردد أمره بين الأقل والأكثر؛ لأنّ ترك الأقل في الواجب الارتباطي يوجب العلم بمخالفة التكليف الوجوبي، بخلاف ترك الجزء المشكوك جزئيته مع الاتيان بالباقي بخلاف المقام، فإن الإتيان بالأفراد المحرزة مع المشكوك يوجب العلم بمخالفة النهي، بخلاف الإتيان بها مع ترك المشكوك، أقول: هذا إذا لم يكن في البين أصل موضوعي يثبت عدم كون المشكوك من أفراد الطبيعي، وإلاّ يحرز عدم كونه داخلاً في تعلق النهي.







والنحو الآخر: أن يتعلق النهي عن جميع أفراد الشيء لحصول الأمر البسيط المطلوب من ترك الجميع، كما إذا قيل بأن المطلوب وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل لا اعتبار المانعية لكل ما يدخل في الأجزاء أو توابع ما لا يؤكل لتجري أصالة البراءة عن مانعية المشكوك، نعم لو كان المصلي بدأ صلاته في غير ما لا يؤكل لحمه يقيناً ثم لبس في الأثناء ما يشك كونه مما لا يؤكل فيمكن القول بجوازه بالاستصحاب في بقاء وقوع صلاته في غير ما لا يؤكل، بل لا يبعد جريان الاستصحاب فيما لم يكن مع المكلف ما لا يؤكل قبل الصلاة، ثم لبس عند الدخول بها ما يشك في كونه مما لا يؤكل إذا كان المعتبر في الصلاة عدم كون ما لا يؤكل معه، فإنه على هذا التقدير يكون المعتبر في الصلاة بمعنى (واو) الجمع، فالصلاة محرزة بالوجدان وعدم حصول ما لا يؤكل معه في زمان وقوعها بالأصل، وبضميمة الوجدان إلى ما اُحرز بالاستصحاب يحرز وقوع متعلّق التكليف، هذا على تقدير كون المأخوذ في الصلاة وصفاً للمصلي وأما إذا كان المأخوذ في الصلاة وصف اللباس، بأن لا يكون لباسه مما لا يؤكل لحمه، فبناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية يجري الاستصحاب في عدم كون الثوب مما لا يؤكل ولو بنحو العدم الأزلي، ولكن ما ذكر إنما هو في مقام التصوير. وإلاّ فظاهر النهي عن الطبيعي سواءً كان النهي تكليفياً أو وضعياً في الانحلال، وعليه فأصالة البراءة عن مانعية المشكوك للصلاة جارية، لا يقال: الاستصحاب في عدم كون اللباس من غير مأكول اللحم أو عدم كون المصلي لابساً غير مأكول اللحم لا يفيد شيئاً، فإن المستفاد من موثقة ابن بكير قوله (عليه السلام): لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل اللّه أكله»(7)، اشتراط كون الثوب ونحوه على تقدير كونه من الحيوان من مأكول اللحم، والاستصحاب في عدم كونه من غير مأكول اللحم لا يثبت كونه مما يؤكل، فإنه يقال: ظاهر الصدر كون ما لا يؤكل لحمه وتوابعه مع المصلي مبطل، وكونه معه حرام وضعاً، ولا يعتبر في الصلاة كونها في أجزاء الحيوان، وذكر مما أحل اللّه أكله في الذيل باعتبار عدم المانع معه، لا أن كونها فيما يؤكل لحمه شرط لها.















[7] لا ينبغي التأمل في أن حسن الاحتياط لا ينحصر على موارد جريان أصالة البراءة أو غيرها من الأصل النافي للتكليف، بل يجري حتى فيما قامت الأمارة المعتبرة على نفي التكليف في الواقع، فإنّه مع احتمال التكليف الواقعي يحسن عقلا بل شرعاً رعاية احتماله بموافقة ذلك التكليف على تقديره واستيفاء ملاكه، ويقال: إن حسن الاحتياط مقيّد بما إذا لم يكن موجباً لاختلال النظام، ولكن لا يخفى أن عدم حسن الاحتياط مع استلزامه اختلال النظام لعدم تحققه لا عدم حسنه مع تحققه، فإن الاحتياط هو الاتيان بما هو يحتمل كونه محبوباً وموافقته للتكليف الواقعي على تقديره، ومع بلوغه إلى حد الاختلال يكون العمل مبغوضاً من غير أن يكون احتياطاً، والملتفت إلى كون الاحتياط في جميع الوقائع كذلك له طريقان، الأول: أن يأخذ بالاحتياط في جميع ما يبتلي به بلا فرق بين كون التكليف المحتمل في بعضها غير أهم أو احتماله ضعيفاً إلى أن يصل إلى حد الاختلال، ويتركه بعد ذلك فيكون الاحتياط في جميع الوقايع ولكن في فترة من الزمان. الثاني: اختيار بعض الوقائع من الأول والاحتياط في مثلها مما كان التكليف المحتمل فيه أهم أو احتماله قوياً، وذكر الماتن وغيره أن اختيار الثاني لمن التفت إلى ما ذكر من أول الأمر أولى، ولعل وجه الأولوية ما ورد عنهم (عليهم السلام) أن القليل من الخير مع دوامه أولى من الخير الكثير الذي لا يدوم.







نعم، هذا مع فرض عدم وجوب الاحتياط كما هو المفروض في المقام لكون الموارد من موارد الأصل النافي أو الطريق النافي، وأما مع العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقايع ووصول النوبة إلى أصالة الاحتياط، وكونه مستلزماً لإخلال النظام أو الحرج، فالمتعين هو الوجه الأول إلاّ أن يدخل الفرض في مقدمات دليل الانسداد.















(1). وسائل الشيعة 27:161، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.







(2). وسائل الشيعة 1:81، الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.







(3). المصدر السابق: الحديث 6.







(4). الكافي 2:71، الحديث الأول.







(5). وسائل الشيعة 1:81، الباب 18 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 3، عن المحاسن: 25.







(6). سورة النساء: الآية 13.







(7). وسائل الشيعة 4:345، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.































فصل















إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته لعدم نهوض حجة على أحدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه[1].















أصالة التخيير















[1] مورد الكلام في المقام أن يدور حكم الفعل بين الوجوب والحرمة من غير احتمال إباحته واقعاً، وإلاّ لكان من مورد أصالة البراءة بل أولى بها مما تقدم الكلام فيه لعدم جريان ما ذكر وجهاً للاحتياط في الشبهات التحريمية على دوران حكم الفعل بين الوجوب والحرمة والإباحة، وأيضاً مورد الكلام ما إذا لم يكن واحد من الاحتمالين الوجوب أو الحرمة بعينه مورداً للاستصحاب، وإلاّ لانحل العلم الإجمالي بالاستصحاب في التكليف السابق في الشبهات الموضوعية بل الحكمية بناءً على اعتبار الاستصحاب فيها، ثم إنه قد يكون كل من الوجوب والحرمة على تقديره واقعاً توصلياً أو كان الوجوب على تقديره واقعاً تعبدياً، وفي كل من الفرضين قد تكون الواقعة مكررة ـ ولو بحسب عمود الزمان ـ أو لا يكون فيها تكرار، والكلام يقع في مقامات ثلاثة، الأول: ما إذا كان كل من الوجوب والحرمة توصلياً مع عدم تكرار الواقعة، الثاني: ما إذا كان أحدهما بعينه أو كلاهما تعبدياً مع عدم تكرارها، الثالث: ما إذا كان الدوران مع تكرار الواقعة. أما المقام الأول: فالاحتمالات بل الأقوال فيه خمسة أولها: جريان البراءة في كل من احتمالي الحرمة والوجوب عقلاً ونقلاً، وثانيها: الأخذ بجانب احتمال الحرمة بدعوى أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، وثالثها: التخيير في الأخذ بأحد الاحتمالين والالتزام به والعمل على طبقه، نظير التخيير بين الخبرين المتعارضين، ورابعها: التخيير في الواقعة بين الفعل والترك بتخيير عقلي قهري لعدم خلو الإنسان من الفعل أو الترك من غير أن يحكم الفعل بالبراءة عقلا وشرعاً، وخامسها: التخيير العقلي القهري مع الحكم بإباحة الفعل ظاهراً بأدلة الحل، والأخير مختار الماتن (قدس سره) ولكن الصحيح على ما نذكر هو الوجه الأول؛ لأنّ كلاً من الوجوب والحرمة تكليف محتمل ولم يتم له البيان، فيكون العقاب على خصوص أحدهما لو اتفق واقعاً قبيحاً كما يجري بالإضافة إلى كل من المحتملين، قوله (صلّى الله عليه وآله): «رفع عن اُمتي ما لا يعملون»(1). ودعوى أنه لا مجال في الواقعة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، حيث لا قصور في المقام في ناحية البيان. فإن العلم الإجمالي بيان وإنما يكون عدم تنجز التكليف لعدم التمكن من الموافقة القطعية كالمخالفة القطعية، ولذا لو كان متمكناً من الاحتياط كما إذا علم إجمالا بوجوب فعل أو حرمة الآخر لزم الإتيان بالأول، وترك الثاني إحرازاً لموافقة التكليف المعلوم بالإجمال لا يمكن المساعدة عليها؛ لما تقدم من أن المراد من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو المصحح للعقاب على المخالفة، ومن الظاهر أن العلم الإجمالي بالإلزام الجامع بين الوجوب والحرمة مع وحدة المتعلق كما هو المفروض في دوران الأمر بين المحذورين لا يصحح العقاب على مخالفة خصوص أحد المحتملين، بخلاف ما إذا كان العلم الإجمالي بأحدهما مع تعدد المتعلق كما في المثال، كما أن دعوى أنه لا مجال في المقام للبراءة الشرعية؛ لأنّ جعل الحكم الظاهري إنما يصح إذا لم يعلم بمخالفته الواقع، وأن يكون لذلك الحكم الظاهري أثر عملي، وبتعبير آخر إنما تجري البراءة عن التكليف المجهول إذا كان وضعه الظاهري ممكناً، والوضع الظاهري يكون بإيجاب الاحتياط. وهذا الوضع غير ممكن لعدم إمكان الوضع والاحتياط في الواقعة لا يمكن المساعدة عليها أيضاً؛ لأنّ البراءة الجارية في ناحية الوجوب المحتمل لا يعلم مخالفتها للواقع، وكذلك أصالة البراءة الجارية في ناحية خصوص الحرمة المحتملة، والعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع مع عدم إمكان إحراز المخالفة وعدم امكان الموافقة القطعية غير مانع من جريان الأصل، والأثر المترتب على البراءة، في كل من المحتملين عدم لزوم رعاية كل منهما بخصوصه.







وعلى الجملة الوضع في خصوص أحد المحتملين ممكن، يرفع احتماله بأصالة البراءة الجارية في كل منهما، وإنما لا يمكن وضعهما معاً، ولا يعتبر في جريان البراءة في خصوص تكليف محتمل إمكان وضع تكليف آخر محتمل معه، ثم إنه إن كان مراد الماتن من أصالة الإباحة أصالة البراءة في كل من الوجوب المحتمل والحرمة المحتملة فهو صحيح كما ذكرنا، وإن أراد الحلية المقابلة للحرمة والوجوب فهي للعلم بعدمها واقعاً غير ممكن، والحلية المستفادة من قوله (عليه السلام) «كل شيء هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه»(2) هي الحلية المقابلة للحرمة فقط، ومع جريانها في المقام يبقي احتمال الوجوب، فلابد من نفي احتمال لزوم رعايته من التمسك بأصالة البراءة.







وأما الأخذ بجانب الحرمة المحتملة بدعوى أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة والالتزام بحرمة الفعل غير صحيح، فإنه تشريع أولا، ومع الغمض عنه ان ارتكاب الفعل مع احتمال حرمته في الشبهة الحكميه أو الموضوعية التحريمية جائز كما تقدم، وجواز الارتكاب المزبور مقتضاه عدم لزوم رعاية المفسدة المحتملة مع العلم بعدم المصلحة في الفعل أصلاً فما الظن بارتكاب فعل يحتمل فيه المصلحة وعدم المفسدة كما في المفروض في المقام.







وكذا احتمال التخيير بين الأخذ بالوجوب المحتمل أو الحرمة المحتملة، فإنه لا دليل عليه، وقيام الدليل عليه في الخبرين المتعارضين على تقديره لا يوجب التعدي إلى المقام، فإنه لا يمكن التعدي إلى سائر الأمارات فضلا عما إذا لم يكن في البين إلاّ احتمال الوجوب والحرمة، وذكر الماتن (قدس سره) أن التخيير بين المتعارضين على مسلك السببية على القاعدة ولكنه أمر غير صحيح، فإن مقتضى القاعدة التساقط عند التعارض من غير فرق بين مسلكي السببية والطريقية؛ لما يأتي في باب التعارض من أن ثبوت المدلول الالتزامي لكل من الخبرين لنفي مدلول الآخر يوجب أن لا يتم الصلاح والفساد في ناحية الفعل الذي قام الخبران المتعارضان على حكمه، هذا بناءً على كون المراد من التخيير، التخيير في المسألة الاُصولية، وأما بالاضافة إلى التخيير في المسألة الفرعية بأن يلتزم بتعلق تكليف بالجامع بين الفعل والترك فهو أمر غير معقول، فإن حصول الجامع قهري لا يحتاج إلى التكليف ويكون التكليف به من طلب الحاصل، وأما التخيير في مقام التزاحم بين التكليفين فهو راجع إلى حكم العقل في مقام الامتثال بعد ثبوت كل من التكليفين بفعلية الموضوع لكل منهما وكون صرف القدرة في موافقة أحدهما موجباً لارتفاع الموضوع للآخر.







ومما ذكرنا يظهر أنه لا بأس بجريان الاستصحاب في ناحية عدم جعل كل من الوجوب والحرمة إذا كانت الشبهة حكمية، وعدم كون المورد من موضوع الوجوب وموضوع الحرمة فيما إذا كانت الشبهة موضوعية، ولزوم المخالفة الالتزامية مع عدم لزوم المخالفة العملية القطعية مع عدم إمكان الموافقة كذلك لا محذور فيه، كما إذا كان الواحد من الوجوب أو الحرمة حالة سابقة يؤخذ بها ويلزم العمل على طبقه، ولا يبقى للأصل النافي في المحتمل الآخر موضوع أو منافاة مع الاستصحاب الجاري في ناحية المحتمل الآخر.







المقام الثاني: ما إذا كان الفعل دائراً أمره بين الوجوب والحرمة مع كون أحدهما أو كلاهما تعبدياً، كما إذا دار أمر المرأة بين الطهر والحيض وبنى على حرمة الصلاة على الحائض ذاتاً، أو دار الأمر في تغسيل الأجنبي المرأة الميتة مع فقد المماثل والأرحام بين الوجوب والحرمة، وغير ذلك من الموارد التي لا يمكن فيها الموافقة القطعية للتكليف الواقعي، إلاّ أنه يمكن مخالفته القطعية باختيار الفعل من غير قصد التقرب، والصحيح في الفرض تنجيز العلم الإجمالي بسقوط الاُصول النافية في ناحية كل من الوجوب والحرمة حيث لا ينحصر تنجيز التكليف الواقعي على موارد إمكان الموافقة القطعية والمخالفة القطعية معاً، ولذا لو علم المكلف بوجوب أحد الضدين الذين لهما ثالث ليس له تركهما باختيار الثالث، فإنه كما لا يصح من المولى الحكيم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف في صورة إمكان موافقته القطعية كذلك لا يصح مع عدم إمكان الموافقة القطعية، فقد ظهر مما ذكر عدم جريان أصالة الإباحة في دوران الأمر بين وجوب الفعل تعبدياً أو حرمته لمعارضتها بأصالة البراءة عن وجوبه.







وعلى الجملة أصالة الحلية والبراءة عن الحرمة تعارضها أصالة البراءة في وجوبه، لكون جريانهما في ناحية كل منهما ترخيص قطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل، ولا يقاس بدوران أمر الفعل بين الوجوب والحرمة التوصليين، ويلحق بالمقام في دوران الأمر بين كون شيء جزءاً أو مانعاً عن العبادة، كما إذا شك في السجدة الثانية بعد الأخذ في القيام حيث يحتمل كونه دخولا في الغير فلا يعتني بالشك ولو رجع إلى السجدة تكون صلاته باطلة لزيادة السجدة عمداً، أو أنه لا يعدّ دخولا في الغير فيجب الرجوع إليها، فإن قلنا بعدم جواز إبطال الصلاة حتى في مثل الفرض فعليه إتمام الصلاة بأحد الاحتمالين، وإعادة تلك الصلاة ثانياً؛ لأنّ العلم الإجمالي بوجوب الرجوع مع قصد التقرب أو عدم جوازه وإن لا تكون موافقة قطعية بالأخذ بأحد الاحتمالين إلاّ أنه يمكن إحراز موافقتها بالإعادة بعد إتمامها ولزوم إعادتها، مقتضى الاستصحاب في عدم تحقق الصلاة المأمور بها الموضوع لبقاء التكليف بها كما لا يخفى.







ثم إنه قد تعجب المحقق العراقي (قدس سره) مما ذكره الماتن في صورة كون أحد التكليفين أو كليهما تعبدياً من لزوم اختيار أحد الاحتمالين والإتيان بالفعل بنحو التقرب أو الترك رأساً، حيث التزم في بحث الاضطرار إلى ارتكاب أحد الأطراف بسقوط العلم الإجمالي عن التأثير رأساً، فلا بأس بارتكاب باقي الأطراف بعد ارتكابه أحدها لاضطراره سواء كان الاضطرار إلى معين منها أو إلى غير معين، وفيما نحن فيه حيث إن المكلف مضطر إلى ترك الموافقة القطعية فلا بأس بعدم رعايته العلم الإجمالي أصلا، ولكن الظاهر أن عجبه (قدس سره) في غير محله، وبيان ذلك أن الماتن (قدس سره) قد بنى في بحث الاضطرار إلى بعض أطراف العلم معيناً أو غير معين، على أن المعين أو ما يدفع به الاضطرار محلل واقعاً عند الارتكاب كما هو مقتضى حديث رفع الاضطرار، وقولهم (عليهم السلام): ما من محرم إلاّ وقد أحلّه الاضطرار(3)، وبعد فرض أن ما يرتكبه لدفع اضطراره مُحللاًّ يكون التكليف في سائر الأطراف مشكوكاً من حيث التعلق من الأول بخلاف ما نحن فيه، فإن الاضطرار لم يفرض فيه، بل لا يمكن الموافقة القطعية لعدم إمكان الجمع بين الفعل بقصد التقرب والترك رأساً مع علم المكلف تفصيلا بعدم جواز الاقتصار على الفعل المجرد من قصد التقرب عند ارتكابه؛ لأنه إما إتيان بالحرام أو ترك للواجب، وهذا المحذور غير جار في ارتكاب سائر أطراف العلم الإجمالي عند الاضطرار إلى ارتكاب بعضها، ولا يقاس أيضاً الاضطرار إلى بعض الأطراف بتلف بعض الأطراف، حيث إن العلم الإجمالي ببقاء التكليف في التالف، إلى تلفه ليس لحصول الغاية للتكليف، بل من قبيل العلم الإجمالي بتعلق التكليف به أو بالطرف الآخر أيضاً بالنحو الذي تعلق به، وما ذكره (قدس سره)في التفرقة بين الاضطرار والتلف، وإن يكن محل التأمل بل المنع، إلاّ أنه لا يقاس المقام بمسألة الاضطرار كما ذكرنا.







المقام الثالث: في دوران الأمر بين المحذورين مع تكرار الواقعة، فنقول قد يكون الإلزام المتعلق بالواقعة المتأخرة كالواقعة الفعلية فعلياً كما هو مفاد الواجب المعلق، مثلا إذا حلف على وطء زوجته في ليلة جمعة وعلى تركه في جمعة اُخرى، واشتبهت الجمعتان فإنّه في مثل ذلك يكون لزوم الوفاء بالحلف فعلياً مع تحقق الحلف، والتأخر في زمان الوفاء والوطء في كل من الليلتين، وإن دار أمره بين الوجوب والحرمة إلاّ أنه لا يجوز للمكلف الفعل في كل منهما أو الترك فيهما معاً؛ لأنه يحرز معه المخالفة القطعية لأحد التكليفين، واحراز الموافقة القطعية معها لا يوجب جوازها لما ذكرنا من أن الحاكم بلزوم الموافقة القطعية هو العقل بملاك دفع الضرر المحتمل، ولا يحكم به العقل مع لزوم المخالفة القطعية التي هي للتكليف الآخر.







وقد ذكر المحقق النائينى (قدس سره) بلزوم رعاية الموافقة القطعية في ناحية أحد التكليفين إذا كان أهم من الآخر أو محتمل الأهمية، بدعوى أنه كما يقع التزاحم بين التكليفين في مقام الامتثال فيقدم فيه جانب التكليف الأهم أو محتمل الأهمية، كذلك يقع التزاحم بينهما في مقام إحراز الموافقة القطعية فيهما، وما ذكر في ناحية تقديم الأهم أو محتمل الأهمية في الأول يقتضي رعايته في الثاني أيضاً، وفيه ما لا يخفى فإن الموجب لتقديم الأهم أو محتمل الأهمية لا يجرى في عدم إمكان الموافقة القطعية في كل من التكليفين المعلوم إجمالا ثبوتهما، فإن الموجب لتقديم الأهم إما إحراز الإطلاق في خطابه والتقييّد في خطاب التكليف الآخر، أو للشك في تقييد إطلاق خطابه مع العلم بثبوت التقييد في خطاب التكليف الآخر، أو القطع بالمعذورية مع صرف القدرة في الأهم أو محتملها، وهذا يجري في ناحية عدم التمكن من إحراز الموافقة بالإضافة إلى كلا التكليفين، فإن الحاكم بلزوم إحرازها هو العقل بملاك دفع الضرر المحتمل، وليس له حكم بذلك مع استلزام إحرازها إحراز المخالفة القطعية بالإضافة إلى التكليف الآخر؛ ولذا لا يثبت التخيير مع تساوي التكليفين في الملاك، بل يلزم الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في كل منهما، وكذا الحال في تردد أفراد الواجب والحرام، وأما إذا لم يكن التكليف بالواقعة المتأخرة فعلياً، كما هو مفاد الواجب المشروط كما إذا رأت المرأة الدم مرتين مع عدم تخلل أقل الطهر بينهما وزيادتهما على عشرة أيام، فإن الصلاة في كل من الدمين وإن دار أمرها بين الوجوب والحرمة ذاتاً، فهل هذا مثل ما إذا كان التكليف بكل من الفعلين فعلياً فلا يجوز ترك الموافقة الاحتمالية في كل منهما أو يحسب كل منهما واقعة مستقلة، الأصح هو الأول كما يأتي من عدم الفرق بين التدريجيات والدفعيات في تساقط الاُصول النافية من أطراف العلم، هذا مع قطع النظر عما ورد في المثال من الحكم بكون الدم الأول حيضاً، والثاني استحاضة.















(1). وسائل الشيعة 15:370، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3.







(2). الكافي 5:313، الحديث 40. مع اختلاف يسير.







(3). وسائل الشيعة 23:228، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 18.































فصل















لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم فتارة لتردّده بين المتباينين[1].







ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها... الخ[2].















أصالة الاحتياط







تنجيز العلم الإجمالي في المتباينين















[1] قد يكون التكليف في موارد العلم الإجمالي بنوعه معلوماً كان الشك في متعلقه، كما إذا ترددت الوظيفة يوم الجمعة بين الظهر وبينها، وقد يكون التكليف بجنسه معلوماً كما إذا لم يعلم أن التكليف المعلوم بالإجمال وجوب متعلق بهذا الفعل أو حرمة متعلقة بذاك الفعل، وتردّد المتعلق بين الفعلين مع العلم بنوعه تارةً يفرض بين المتباينين سواء كان تباينهما بالذات كصلاتي الظهر والجمعة أو بالاعتبار كالقصر والتمام، حيث إن القصر يشترط فيه عدم لحوق الركعتين الأخيرتين، والتمام يعتبر فيه لحوقهما ويفرض في الأقل والأكثر الارتباطيين، حيث إن الأقل هو الفعل لا بشرط الزائد، والأكثر هو المشروط بالزائد، وقد ذكر الماتن (قدس سره) أن العلم بجنس التكليف مع إمكان موافقته القطعية ومخالفتها كذلك، وكذا العلم بالتكليف بنوعه مع تردد متعلّقه بين المتباينين يكون منجزاً للتكليف المعلوم بالإجمال فيما إذا كان التكليف فعلياً مطلقاً حتى مع العلم الإجمالي بمعنى تعلق إرادة المولى بفعل العبد أو كراهته حتى في هذا الحال، وتكون فعليته كذلك موجبة لتخصيص أدلة الاُصول النافية وحملها على غير أطراف هذا العلم بالتكليف، حيث لا يمكن الترخيص فيها مع الفعلية للمناقضة، بخلاف ما إذا لم يكن التكليف المعلوم فعلياً مطلقاً بأن كانت فعليته مادام لم يرخص في الارتكاب ظاهراً، كما هو الحال في صورة العلم به تفصيلا، حيث إن التكليف لو كان فعلياً مع قطع النظر عن العلم التفصيلي به لكان فعلياً معه أيضاً لا محالة، لعدم الموضوع للحكم الظاهري معه بخلاف العلم الإجمالي فإنه يمكن أن لا يكون التكليف فعلياً معه لثبوت الموضوع للحكم الظاهري في أطرافه.







أقول: ما ذكر (قدس سره) من أنّه مع فعلية التكليف الواقعي مطلقاً لا مجال للاُصول النافية في أطراف العلم، بخلاف ما إذا كانت فعليته غير مطلقة، فإن الفعلية غير المطلقة لا تنافي جعل الحكم الظاهري والترخيص في أطراف العلم الإجمالي لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا سبيل لنا نوعاً إلى إحراز الفعلية المطلقة في التكاليف الواقعية مع عموم خطابات الاُصول أو اطلاقاتها، فإن مدلولات الخطابات الشرعية عند الماتن (قدس سره)الأحكام الإنشائية، وتكون ظاهرة في فعليتها مع عدم القرينة على الخلاف، والعموم والإطلاق في أدلة الاُصول وخطاباتها قرينة على الخلاف، أضف إلى ذلك أن الفعلية تكون في جميع الأحكام الواقعية حتى إذا لم يكن التكليف إلزامياً، فالفعلية بالمعنى الذي فسّرها بإرادة المولى الفعل من العبد لا أساس لها أصلا، فإن حب المولى وبغضه وإن يتعلق بفعل العبد، ولكن الحب أو البغض لا يكون من الإرادة، والإرادة من المولى تتعلق بالمقدور، وفعل العبد غير مقدور للمولى بما هو مولى، ولو تعلقت إرادته سبحانه بفعل العباد لخرجت أفعالهم عن كونها اختيارية لهم، وإنما تتعلق إرادة المولى بإيجابه وتحريمه وغيرهما من أحكامه، والمفروض في المقام ثبوت الإيجاب أو التحريم من قبل المولى لفعلية الموضوع لهما، ويقع البحث في أن هذا العلم يكون وصولا للتكليف المعلوم بالإجمال ليكون التكليف منجزاً بحيث مع وصوله يقبح من المولى الحكيم الترخيص القطعي في مخالفته القطعية، ويلزم موافقته القطعية أم يمكن مع هذا العلم الأخذ بالإطلاق والعموم من خطابات الاُصول النافية في كل من أطراف العلم أو بعضها لتكون النتيجة لزوم الموافقة القطعية أو عدم جواز المخالفة القطعية، وذكر العراقي (قدس سره)أنه مع العلم الإجمالي بالتكليف يحكم العقل باشتغال الذمة به حتى يحصل الفراغ منه، ولا يمكن للشارع الترخيص في الارتكاب في جميع الأطراف أو ترك جميعها في الواجبات، حيث إن الترخيص فيهما كذلك ترخيص في المعصية كما لا يجوز الترخيص في بعضها، حيث إن مورد الترخيص يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه فيكون الترخيص على تقدير مصادفة احتماله ترخيصاً في المعصية أيضاً فيقبح من المولى الحكيم وينافي حكم العقل بالاشتغال، وبتعبير آخر ليس المدعى مناقضة الترخيص في جميع الأطراف أو بعضها مع فعلية التكليف، يعني الفعلية التي تقدمت في كلام الماتن، فإن الفعلية المزبورة لا تجتمع مع الترخيص حتى في الشبهة البدوية، وعلى المولى مع تلك الفعلية الإيصال إلى المكلف ولو بجعل الاحتياط في مورده، بل المراد من الفعلية ما هو المستفاد من الخطابات الشرعية في حرمة الأفعال أو وجوبها كون الغرض من التكليف التصدي لما فيه إمكان انبعاث العبد إلى الفعل أو منعه عنه بوصوله إليه، وبما أن العلم الإجمالي بالتكليف وصول فيستقل العقل بالاشتغال، ولزوم تحصيل الفراغ عن عهدته والترخيص في كلها أو بعضها غير ممكن، لكونه ترخيصاً في المعصية أو ما يحتمل كونه معصية، ولا ينتقض بموارد انحلال العلم الإجمالي؛ لأنه لا وصول مع الانحلال حتى يحكم العقل بالاشتغال، كما لا ينتقض بموارد جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز ونحوهما، ليقال: إنّه في مورد العلم التفصيلي بالتكليف يمكن أن لا تجب الموافقة القطعية، فكيف بالمعلوم بالإجمال، وذلك فإن مفاد قاعدتي الفراغ والتجاوز جعل البدل بالتعبد بحصول الامتثال وحكم العقل بالاشتغال حتى يحرز الامتثال الأعم من الامتثال الوجداني والتعبدي، ولا يستفاد من خطابات الاُصول النافية جعل البدل والتعبد بحصول التكليف لا بالدلالة المطابقية ولا الالتزامية كما لا يخفى، أقول: ما ذكر الماتن (قدس سره) من كون المراد من فعلية التكليف تعلق الإرادة الحقيقية من المولى بفعل العبد وإن لا يصح، فإن فعل العبد بما هو فعل العبد غير مقدور للمولى بما هو مولى، وتعلق مشيئة اللّه سبحانه بأفعال العباد أو الترك منهم، وان كان تعلّقها بفعل العباد موجباً لحصول الأفعال أو الترك منهم لا محالة، إلاّ أن ذلك يوجب وقوع الاضطرار وارتفاع اختيارهم حقيقة كما هو مقرر في محله، إلاّ أنه مع الغمض عن ذلك فلا يرد ما ذكره (قدس سره) من وجوب الإيصال؛ لأنّ إطلاق الإرادة أمر إضافي فيمكن إطلاقها بالإضافة إلى موارد العلم الإجمالي، وعدم الإطلاق بالإضافة إلى الشبهة البدوية فلا يجب عليه الإيصال، بل له الترخيص في موردها، وما ذكره من أنه لا يمكن للشارع الترخيص في بعض أطراف العلم؛ لأنه ترخيص في المعصية لو اتفق مصادفته المعلوم بالإجمال لا يخفى ما فيه، فإن حكم العقل بلزوم رعاية احتمال التكليف في جميع الأطراف لاحتمال الضرر في ترك رعايته في بعضها ومع ترخيصه الظاهري، لا احتمال للضرر. ويشهد لذلك موارد الانحلال الحكمي لا الحقيقي، ليقال بأنه لا علم بالتكليف في موارد الانحلال والتعبد الظاهري بالامتثال بالاستصحاب أو قاعدتي الفراغ والتجاوز مرجعه أو لازمه عدم أخذ المكلف بالمخالفة الواقعية لو اتفقت؛ لأنه لا معنى لجعل البدل الظاهري غير هذا المعنى، وعلى ذلك وبعد البناء على أن فعلية التكليف الواقعي إنما هو بفعلية الموضوع له كما في التكليف غير الإلزامي، والأحكام الوضعية التي تكون لسان خطاباتها الأحكام المجعولة بمفاد القضايا الحقيقية يكون الموضوع للاُصول محققاً في ناحية كل واحد من أطراف العلم في نفسه، ورفع اليد فيها عن خطابات الاُصول النافية يحتاج إلى ثبوت مقيد لإطلاقاتها من ناحية العقل أو الشرع، وذلك فان الحكم الظاهري والتكليف الواقعي لا يكونان متنافيين في البدء؛ لأنّ التكليف الواقعي نفسي ناشئ عن الملاك في متعلقه والحكم الظاهري طريقي ناش عن المصلحة في ثبوت نفس الحكم من غير أن يكون في متعلقه ملاكاً غير ما فيه من الملاك واقعاً، كما لا يكون بينهما منافاة في الغرض؛ لأنّ الغرض من التكليف الواقعي إمكان كونه داعياً للمكلف إلى الإتيان بمتعلّقه أو تركه، والغرض من الحكم الظاهري العمل به عند عدم وصول التكليف الواقعي ولو كان التكليف الواقعي معلوماً ولو بالإجمال لكان الترخيص في جميع أطراف العلم منافياً للتكليف الواقعي في ناحية الغرض، حيث لا يجتمع مع وصول التكليف المعلوم بالإجمال مع الترخيص في ارتكاب جميعها، وكون كل من الأطراف في نفسه مشكوكاً إنما يفيد في اعتبار الحكم الظاهري في خصوصه إذا كان لذلك البعض معيّن لدخوله تحت خطاب الأصل العملي، كما إذا كان سائر الأطراف موضوعاً لموضوع الأصل المثبت للتكليف أو لغير ذلك، أو قام دليل خطاب على ثبوت الترخيص في الارتكاب في أحدهما لا بعينه، كما إذا اضطر إلى شرب أحد الماءين مع علمه بنجاسة أحدهما إجمالا، فإنه قد تقدم إن الترخيص فيما يختاره لدفع اضطراره منهما حكم ظاهري مستفاد من فحوى أدلة رفع الاضطرار، بخلاف ما إذا لم يكن في البين معين لبعض الأطراف ولا دليل خاص، حيث يكون شمول خطاب الأصل النافي لكل واحد من الأطراف على حد سواء فيسقط في جميعها، لا يقال: لا بأس بجريان الأصل النافي في كل من الأطراف مشروطاً بترك الباقي، فإنّه مع هذا النحو من الترخيص لا يثبت الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل، فإنه يقال: لا يحتمل أن تكون الحلية الواقعية في كل من الأطراف مقيدة ومشروطة، بل الحكم الواقعي في كل طرف إما الحلية الواقعية أو الحرمة الواقعية المطلقتين، فلا تعارض بين خطاب التكليف الواقعي مع خطاب الحلية الواقعية، وأما الحلية الظاهرية في كل من الأطراف إنما يستفاد من خطاب واحد، لا أن لكل من الأطراف للحلية الظاهرية خطاباً يخصه حتى يجمع بين الخطابين بما ذكر، فالجمع بين الحكمين بالتخيير أو بتقييد كل منهما بترك الآخر إنما يصح ويعدُّ جمعاً عرفياً إذا كان لكل من الحكمين خطاب يخصه كان الحكمان مع احتمال التخيير واقعيين، نعم لو كان بين الأطراف تكليفاً إلزامياً أو وضعاً يستتبع الإلزام واحتمل ثبوت الإلزام أو الوضع في جميعها، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الاناءين أو الثوبين واحتمل نجاسة الآخر أيضاً، فلا مانع عن إجراء أصالة الطهارة في الإناء بعنوان الآخر منهما أو الثوب الآخر، فيحكم بصحة الصلاة إذا صلى في أحدهما وأعادها في الثوب الآخر، فإن ثاني الثوبين أو الإناءين محكوم بالطهارة ولو بعنوانه، وهذا الأمر غير مفروض في المقام للعلم بثبوت التكليف الواقعي في بعض الأطراف، وعدم ثبوته في البعض الآخر، ثم إنه لا فرق فيما ذكر من سقوط الاُصول النافية من أطراف العلم بالتكليف مع عدم المعين بين أصل وأصل آخر، وأما الاُصول المثبتة للتكليف في الأطراف فلا مانع من جريانها في كل منها؛ لانّ الموجب لتعارض الاُصول فيها لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بينها، ولا يلزم من جريان الاُصول المثبتة هذا المحذور، ولا يكون ملاك التعارض في الاُصول العملية عين ملاك التعارض في الطرق والأمارات، يعني العلم بعدم مطابقة كلتا الأمارتين للواقع؛ لأنّ مجرد العلم بالخلاف لا يضر في جريان الاُصول العملية فيما إذا لم يلزم المخالفة العملية للتكليف الواقعي، نعم قد ذكر الشيخ (قدس سره) وقوع المعارضة بمجرد العلم المزبور بدعوى لزوم المناقضة من شمول أدلتها لأطراف العلم، ولكنها ضعيفة كما بين في بحث الاستصحاب، ونذكر ضعفها في المقام إجمالا، وعن المحقق النائيني (قدس سره) عدم جريان الاُصول التنزيلية في أطراف العلم الإجمالي سواءً كانت نافية للتكليف أو مثبتة؛ لأنّ مفاد الاُصول التنزيلية هو العلم بالواقع من جهة البناء العلمي فيمتنع التعبد به مع العلم بخلافه في بعض الأطراف.







فنقول قد ذكر الشيخ (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي سواءً كان مفاده ثبوت التكليف فيها أو نفيها بدعوى أن شمول خطاباته لأطراف العلم يوجب التناقض في مدلولها من جهة صدرها وذيلها، حيث إن مفاد لا تنقض اليقين بالشك لو عمّ أطراف العلم يكون مفاده النهي عن نقض اليقين بالشك في كل منها بنحو السالبة الكلية. وما في ذيلها: «ولكن انقضه بيقين آخر» مفاده نقض اليقين السابق في بعض تلك الأطراف للعلم بالخلاف في بعضها، وهذه الموجبة الجزئية تناقض السالبة الكلية، وفيه أن: «لا تنقض» يعم جميع الأطراف كلا بملاحظة نفسه، واليقين السابق متعلق به كذلك، ولكن اليقين بالخلاف لم يتعلق به كذلك حتى ينافي الذيل صدره، وعلى تقدير الإغماض فعدم الشمول ما كان فيه الذيل المزبور فلا يمنع شمول ما لم يرد فيه الذيل المزبور، مع أن هذا البيان على تقدير تماميته يختص بأدلة الاستصحاب ولا يجري في خطابات سائر الاُصول، مثل قولهم: «رفع عن امتي ما لا يعلمون»(1) نعم يمكن الوهم في جريانه في مثل: «كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام»(2) أو «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر»(3).







وأما ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) فيرد عليه أن التعبد بالعلم بشيء إنما ينافي العلم بالخلاف في نفس ذلك الشيء وجداناً، بل لا معنى للتعبد فيه معه، وأما مع عدم العلم فيه بخصوصه فانما ينافي التعبد بالعلم فيه إذا استلزم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بينهما إجمالا، ولا يكون مجرد التعبد بالعلم من حيث البناء العملي في طرف منافياً للتعبد بالعلم في كل من سائر الأطراف أيضاً؛ لأنّ التعبد بالعلم فيه لا ينفي المتعبد به من سائر الأطراف، كما إذا توضأ بمائع مردّد بين الماء الطاهر والمضاف النجس، حيث إن التعبد ببقاء الحدث لا يثبت نجاسة الأعضاء حتى لا يجري الاستصحاب في طهارتها.















جريان الأصل الطولي النافي في بعض أطراف العلم إذا اختص خطابه بذلك البعض







ثم إنّ ما ذكرنا من تساقط الاُصول النافية في أطراف العلم للوجه المتقدم، وهو لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بين الأطراف وعدم المعين لبعض الأطراف ليؤخذ بالأصل النافي فيه، مقتضاه عدم المانع من جريان الأصل النافي في بعض الأطراف إذا كان لذلك الأصل النافي خطاب آخر مفاده غير مفاد الأصل النافي المشترك، ويكون أصلا طولياً بالإضافة إلى الأصل النافي المشترك، كما إذا علم بنجاسة ماء أو نجاسة ثوب، فإن الاستصحاب في طهارتهما أو قاعدتها فيهما وإن تسقط بالمعارضة؛ لأنّ شمول خطاب النهي عن نقض اليقين أو: «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر» بالإضافة إلى كل منهما على حد سواء، إلاّ أن خطاب «كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام» يختص بالماء فيجوز شربه وإن لم يجز استعماله في التطهير من الحدث أو الخبث؛ لأنّ أصالة الحلية لا مورد لها في ناحية الثوب، لعدم حرمة لبس الثوب المتنجس تكليفاً كما هو ظاهر الحلية والحرمة المضافة إلى الأشياء، ودعوى أن أصالة الحلية في ناحية الماء يعارضها أصالة الطهارة في ناحية الثوب لم يعلم لها وجه، بعد ما ذكرنا أن الموجب للمعارضة عدم المعين للأصل النافي في بعض الأطراف، نعم إذا كان الأصل الطولي مشتركاً بين الأطراف وكان المختص هو الأصل الحاكم على ذلك الأصل الطولي، كما إذا علم بنجاسة الماء أو غصبية الثوب تقع المعارضة بين أصالة الحلية في ناحية الثوب وبين أصالة الطهارة وأصالة الحلية في ناحية الماء، ولا مجال لدعوى أنه تسقط أصالة الطهارة في الماء وأصالة الحلية في الثوب بالمعارضة ويرجع إلى أصالة الحلية في الماء؛ لأنها في الماء أصل طولي لا تصل النوبة إليها مع أصالة الطهارة فيه، وذلك فإن معنى كونها أصلا طولياً أنه لا تصل النوبة إليها مع جريان الأصل الحاكم لا مع عدم جريانه كما هو الفرض في المقام، وبتعبير آخر الأصل الطولي المشترك مع عدم جريان الأصل الحاكم المختص ببعض الأطراف في عرض الأصل الحاكم، والطولية إنما هي في فرض جريان الأصل الحاكم، ولا يقاس ذلك بفرض اختصاص الأصل الطولي واشتراك الأصل الحاكم، فإن خطاب الأصل الطولي شموله للطرف المختص به بلا محذور، نعم إذا كان الأصل الطولي في أحد الطرفين مثبتاً وفي الآخر نافياً وبعد تساقط الأصلين الحاكمين في كل من الطرفين يجوز الرجوع إلى الأصل الطولي فيهما وينحل بهما العلم الإجمالي انحلالا حكمياً، كما إذا علم بعد صلاتي المغرب والعشاء إما بنقصان ركوع من صلاة العشاء أو بزيادته في صلاة المغرب، فإنه لا بأس بعد سقوط قاعدة الفراغ في ناحية كل من صلاة المغرب والعشاء بالرجوع إلى الاستصحاب في عدم الإتيان بالركوع الزائد في صلاة المغرب، وعدم الإتيان بالركوع الرابع في صلاة العشاء فيحكم ببطلان العشاء وصحة صلاة المغرب، ونظير ذلك ما إذا علم إما بعدم الاتيان بصلاة العصر أو نقصان ركوع صلاة المغرب التي صلاها فإن قاعدة الحيلولة الجارية في صلاة العصر معارضة بقاعدة الفراغ الجارية في صلاة المغرب وبعد تساقطهما يرجع إلى أصالة البراءة من وجوب قضاء العصر، بل استصحاب عدم فوتها حيث إن الاستصحاب في عدم الاتيان بها في وقتها لا يثبت فوتها، ولكن الاستصحاب في عدم الاتيان بصلاة المغرب جارية يثبت بقاء التكليف بها.















تنجيز العلم الاجمالي له مرتبتان ولا ملازمة بين ثبوتهما وسقوطهما







قد ظهر مما ذكرنا أنّ لتنجيز العلم الإجمالي مرتبتين ولا ملازمة بين التنجيز بالمرتبة الاُولى وهو عدم جواز مخالفته القطعية والتنجيز بالمرتبة الثانية يعني لزوم الموافقة القطعية، ولكن قد يقال الموارد التي اُشير إليها من تنجيز العلم الإجمالي التكليف بالمرتبة الاُولى دون الثانية غير صحيح، فإن العلم الإجمالي في تلك الموارد غير منجز أصلا، بل المنجز فيها الأصل المثبت في بعض الأطراف والترخيص فيها بالأصل النافي في بعضها الآخر، ولذا يعبّر عن هذه الموارد بانحلال العلم الإجمالي حكماً وعدم تأثيره في التنجز أصلا، وما ذكر في مسألة العلم بنجاسة هذا الماء أو نجاسة ذلك الثوب غير صحيح، بل يجب الاجتناب عن الماء كالثوب للعلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة الثوب.







والتمثيل لانفكاك مرتبتي التنجيز بما إذا علم الزوج بلزوم المبيت عند إحدى الزوجتين واشتبهتا، حيث لا يجوز ترك المبيت في تلك الليلة عندهما رأساً مع أنه لا تجب الموافقة القطعية غير صحيح؛ لأنّ المنكر في كلام، صاحب الكفاية والعراقي ما إذا كان بالترخيص من الشارع في بعض الأطراف للعلم الإجمالي بالتكليف فيها لا ما إذا كان عدم لزوم الموافقة القطعية لعدم تمكن العبد من إحراز الامتثال حيث إن فعلية التكليف ينافي ترخيصه لا معذورية المكلف من إحراز الامتثال لعدم تمكنه عقلاً لا يمكن المساعدة عليه، فإن سقوط قاعدة الفراغ في مسألة العلم بزيادة الركوع إما في صلاة المغرب أو نقصانه في العشاء مستند إلى تنجيز العلم الإجمالي، فإنه لولا لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للعلم الإجمالي بالتكليف بإعادة أحداهما لكانت كل من الصلاتين محكومة بالصحة، وقد تقدم أن الموجب للتساقط في الاُصول في أطراف العلم الإجمالي غير الموجب له في الأمارات، ولا يكون مجرد العلم الإجمالي موجباً للتساقط في الاُصول من أطراف العلم الإجمالي، ثم إنه بعد تساقط قاعدة الفراغ في ناحية كل من الصلاتين يكون ترك إعادة المغرب مستنداً إلى الأصل النافي المختص، وهذا معنى التفكيك في العلم الإجمالي في تنجيزه بين عدم جواز مخالفته القطعية وبين لزوم موافقتها القطعية في مورد كان الأصل النافي مختصاً ببعض أطرافه.







لا يقال: أصالة الحلية في ناحية الماء فيما إذا علم بنجاسته أو نجاسة الثوب غير جارية؛ لأنها معارضة بأصالة البراءة عن مانعية الثوب في الصلاة، فإنه يقال: إن أصالة البراءة عن مانعية الثوب مبتلاة بالمعارض أيضاً بأصالة البراءة عن حرمة استعمال الماء في الأكل والشرب، ولكن أصالة الحلية بما أن لها خطاباً خاصاً تجري في ناحية الماء بلا معارض.







بقي في المقام أمران، الأول: أن العلم بحدوث التكليف إجمالا كما أنه موجب لتنجزه كذلك العلم الإجمالي في مرحلة الامتثال موجب أيضاً لسقوط الاُصول الجارية في أطرافها، فما لم يكن في البين مايثبت الصحة في بعض الأطراف يجب الاحتياط في جميعها، ولو اقتصر المكلف في امتثال التكليف على بعض الأطراف ثم ظهر كونه مصادفاً للواقع يحكم بالإجزاء في التوصليات، وهل يحكم بالإجزاء في التعبديات، فظاهر كلام الشيخ (قدس سره) أن الحكم بالإجزاء يختص بما إذا كان عازماً على الموافقة القطعية ولو لم يكن عازماً إلاّ بالاقتصار على بعض المحتملات فلا يحكم بالصحة حتى ما إذا ظهر موافقة المأتي به للمكلف به، وما ذكره مبني على اعتبار قصد الجزم في نية العبادة بأن لا يكون قاصداً بالإتيان بها على تقدير، ولكن لم يرد في شيء من الأدلة اعتبار الجزم بهذا المعنى في صحة العلم، وقد يقال: إنه يترتب على ذلك أنه لو دار الأمر في الواجبين المترتبين بين تكرار كل منهما، كما إذا اشتبهت القبلة مع وجوب صلاة الظهرين بين طرفين أو أكثر، فما دام لم يفرغ من محتملات الواجب الأول لم يجز الإتيان بمحتمل الواجب الآخر بناء على اعتبار قصد الجزم، بخلاف ما إذا قيل بعدم اعتباره فإنه يجوز له قبل الفراغ الإتيان ببعض محتملات الواجب الآخر، كما إذا صلى الظهر إلى جهة يجوز صلاة العصر إلى تلك الجهة، ولا يعتبر الفراغ من محتملات صلاة الظهر، نعم لا يجوز له أن يأتي من محتملات العصر إلى غير الجهة التي صلى الظهر إليها وإلاّ علم بطلان العصر لفقد الترتيب أو لكونها إلى غير جهة القبلة، ولكن لا يخفى ما في هذا التفريع، فإنه بناءً على قصد الجزم في صحة العبادة فاللازم أن يكون قاصداً للامتثال الإجمالي، وهذا القصد لا ينافي الدخول في محتملات العصر على النحو الذي ذكرنا قبل الفراغ من محتملات صلاة الظهر.







الثاني: ما إذا كان للمعلوم بالإجمال في بعض الأطراف أثر زائد كما إذا علم بنجاسة الماء أو نجاسة اللبن فإن النجاسة في الماء أو اللبن موضوع لحرمة الأكل والشرب، ويختص الماء بأن النجاسة فيه توجب عدم جواز استعماله في رفع الحدث والخبث، وفي مثل ذلك تسقط أصالة الطهارة في كل من ناحية الماء وناحية اللبن، وكذا أصالة البراءة والحلية في استعمال كل منهما في الشرب والأكل، وأما بالإضافة إلى رفع الحدث أو الخبث باستعمال الماء المزبور فيرجع فيه إلى الأصل الجاري فيه سواءً كان مثبتاً كما في المثال فإنه يرجع إلى استصحاب بقاء الحدث أو الخبث، بمعنى أنه لم يغسل بماء طاهر أو لم يتوضأ أو لم يغتسل بالماء الطاهر، أو كان نافياً طولياً كما تقدم في مسألة العلم بنجاسة الماء أو الثوب بالإضافة إلى حلية شرب الماء.







وهذا بخلاف ما إذا كان الاختلاف في الموضوع المترتب عليه الأثر بأن كان الدوران بين الأقل والأكثر في الموضوع لا الأثر، فإنه لولم يكن في الفرض قدر مشترك كما إذا علم بنذره بقراءة سورة خاصة في صلاته بعد الحمد، وترددت السورة المنذورة بين سورة التوحيد وسورة يس، فعليه الاتيان بصلاتين بكل من السورتين بعد قراءة الحمد لسقوط الاُصول النافية في الطرفين، بخلاف ما إذا كان بينهما قدر مشترك خارجي في الأثر، كما إذا علم إجمالا بأنه استدان من زيد الفاً، أو أتلف عليه ألفين فإن الاستدانة والإتلاف وإن كانا موضوعين وليس بينهما قدر مشترك خارجي، إلاّ أن وجود القدر المشترك في حكمها وهو اشتغال الذمة بالأقل كاف في الانحلال.















[2] ظاهر كلامه (قدس سره) أنه مع عدم العلم بتكليف فعلي سواءً كان عدم العلم بفعليته من جهة عدم الابتلاء ببعض أطراف العلم أو من جهة الاضطرار إلى ارتكاب بعضها معيناً أو مردداً، أو من جهة العلم بموضوع يعلم بتحققه في طول الزمان كعلم المستحاضة بحيضها في بعض أيام الشهر لما وجب موافقته، بل جاز مخالفته، بخلاف ما إذا علم التكليف الفعلي فإن العلم الإجمالي يوجب تنجزه ولو كان بين أطراف تدريجية، فإن التدرج في متعلق التكليف لا ينافي فعليته ضرورة أنه كما يصح التكليف بأمر حالي، كذلك يصح بأمر استقبالي كوجوب الحج على المستطيع في موسمه، ومقتضى كلامه هذا أن العلم الإجمالي بحدوث تكليف، إما فعلا أو في المستقبل لا يوجب التنجز، بخلاف ما إذا كان التكليف المعلوم فعلياً والتدرج في متعلق ذلك التكليف، فإنه لا فرق في تنجزه بين كون أطراف التكليف المعلوم بالإجمال دفعية أو تدريجية.















تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات







وينبغي الكلام في المقام في أقسام التدرج فنقول إن التدرج قد يستند إلى اختيار المكلف كما إذا علم بكون أحد الثوبين غصباً فإنه يمكن للمكلف لبسهما معاً، ولكن اختار أن يلبس أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر، ولا إشكال في أن هذا القسم يدخل في العلم الإجمالي بالتكليف في الدفعيات والعلم بالحرمة الواقعية المتعلقة بلبس المغصوب يكون منجزاً لها، وقد يستند التدرج إلى عدم إمكان الجمع بين الأطراف في الارتكاب دفعة، كما إذا علم بحرمة أحد ضدين لهما ثالث، فإنه يتمكن من الإتيان بأي منهما أولا، ولكن لا يمكن الجمع بينهما في زمان، ولا ينبغي التأمل في دخول ذلك في الدفعيات على ما تقدم، وقد تستند التدريجية إلى تقيّد أحد الأطراف بزمان أو بزمان متأخّر، والتكليف المعلوم بالإجمال إما أن يكون فعلياً على كل تقدير أو لا يكون فعلياً إلاّ على تقدير دون تقدير آخر.







الأول: كما إذا نذر صوم يوم الخميس في هذا الاُسبوع أو يومه في الاُسبوع الآتي فإن وجوب الوفاء بالنذر يكون فعلياً من حين النذر وإن كان متعلّقه الأمر الاستقبالي، وقد التزم الماتن بكون العلم الإجمالي منجزاً في هذه الصورة، والثاني: وهو ما إذا لم يكن التكليف على فرض تأخّر متعلقه فعلياً كما في مسألة حيض المستحاضة في طول الشهر، فإن العلم الإجمالي يتعلق بتكليف فعلي على تقدير، واستقبالي على تقدير آخر، وفي مثل ذلك مقتضى كلام الماتن جواز الرجوع إلى الأصل النافي في كل الأطراف مع حصول طرفه، كما إذا رأت ناسية الوقت دماً مستمراً إلى خمسة عشر يوماً أو إلى آخر الشهر، فإنه لا يجب عليها محرمات الحائض في شيء من أيام الدم، حيث تتمسك المرأة بالاستصحاب في عدم الحيض في أول الدم إلى أن تبقى ثلاثة أيام من آخر دمها، وفي تلك الأخيرة يتعارض الاستصحاب في بقاء الحيض المعلوم إجمالا مع الاستصحاب في بقاء الطهر المعلوم كذلك فيتساقطان، أو لا يجري شيء من الاستصحابين، فيؤخذ بأصالة الحلية في محرمات الحائض؛ لانّ خطاب قاعدة الحلية، يختص بتلك المحرمات.







ولكن المحقق النائيني (قدس سره) ذكر عدم جواز الرجوع إلى الأصل النافي في شيء من الصورتين، وأنه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين الدفعيات والتدريجيات، وعن الشيخ (قدس سره) التفصيل بين ما كان التكليف المتأخر تاماً من جهة الملاك، بأن تكون القدرة في المتأخر شرطاً في الاستيفاء أو لم يكن تاماً، بأن لم يحرز الملاك فيه إلاّ على تقدير القدرة عليه في ظرفه، ولكن المراجعة إلى كلامه في الرسالة لا يناسب هذا النقل، حيث ذكر (رحمه الله) في الأمر السادس التحقيق أنه لا فرق بين الموجودات فعلاً والموجودات تدريجاً في وجوب الاجتناب نعم قد يمنع الابتلاء دفعة في الدريجيات كما في مثال الحيض، فإنّه في مثل الحيض تنجّز التكليف على الزوج بترك وطء الحائض قبل زمان حيضها ممنوع، وظاهر هذا الكلام هو بعينه ما ذكره الماتن من أنه لا فرق بين الدفعيات والتدريجيات إذا كان التكليف فعلياً، وأنه إذا وجب رعاية المعلوم بالإجمال في الدفعيات لفعلية التكليف لزم رعايته في التدريجيات أيضاً، وإن لم يجب في الثاني لم يجب في الأول أيضاً، لاتحاد ملاك وجوب الاجتناب وهو تعلق العلم بالتكليف المتوجه إلى المكلف فعلا، ولذا التزم (قدس سره) بوجوب الاجتناب في مسألة الحلف على ترك الوطء في ليلة خاصة، واشتبهت تلك الليلة بين ليلتين، وفي مسألة علم التاجر بابتلائه في يومه أو شهره بمعاملة ربوية، نعم ما ذكر في مسألة علم التاجر خارج عن البحث في المقام فلا يجوز للتاجر الدخول في معاملة لا يعلم حكمها ويحتمل دخولها في معاملة ربوية حتى مع عدم العلم الإجمالي؛ لأنّ جريان البراءة في الشبهة الحكمية مشروط بالفحص ومع عدمه كما هو الفرض لا يكون معذوراً، بل يحكم بفساد المعاملة بمعنى عدم جواز ترتيب الأثر عليها؛ لأنه لا يتمسك فيها بعموم (أوفوا بالعقود) لعلمه بخروج المعاملة الربوية عن مثله، وأن التمسك بالعام موقوف على الفحص وعدم الظفر بالدليل على التخصيص، وعلى الجملة العلم الإجمالي في التدريجيات في الشبهة الحكمية قبل الفحص خارج عن مورد الكلام في المقام، والموضوع للكلام في المقام ما إذا كانت الشبهة موضوعية أو حكمية بعد الفحص، وإن العلم الاجمالي في التدريجيات كالعلم الإجمالي به في الدفعيات، وقد ذكرنا أنه لو كان التكليف المعلوم بالإجمال على تقدير تعلقه بأمر استقبالي فعلياً بنحو الواجب المعلق يكون تساقط الاُصول النافية في أطرافه كتساقطها فيما كان المعلوم بالإجمال أطرافه دفعية، وأما إذا كان نفس التكليف على بعض التقادير أمراً استقبالياً وبنحو الواجب المشروط بنحو الشرط المقارن أو الموقت فمع العلم بحصوله مستقبلا إن لم يكن المعلوم بالإجمال فعلياً فرضان، احدهما: أن تكون القدرة في ظرفه على موافقة التكليف شرطاً في الاستيفاء للملاك لا لنفس الملاك، بمعنى أن المكلف إذا عجز عن الفعل يفوت عنه ملاك الواجب كفوته ممن يكون قادراً عليه ويترك الفعل اختياراً، وفي هذا الفرض يجب على المكلف التحفظ على القدرة عليه في زمانه لاستقلال العقل بعدم جواز تفويت الملاك الملزم ويكون التكليف المردّد بين الفعلي والاستقبالي خارجاً عن خطابات الاُصول النافية، حيث إن العلم بالملاك كاف في عدم جواز التفويت، وبتعبير آخر كما يقبح الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال مع فعلية أطرافه كذلك يقبح هذا الترخيص في تفويت الملاك الملزم، والفرض الثاني: ما إذا كان الملاك على تقدير حصول التكليف متأخراً ينحصر على القادر في ذلك الظرف بأن تكون القدرة عليه في ظرفه دخيلة في الملاك لا في استيفائه، فهل يجوز للمولى الترخيص في مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال المردّد بين كونه فعلياً أو تكليفاً استقبالياً بهذا النحو؟ فالظاهر عدم الفرق في قبح الترخيص مع العلم بحصول التكليف في ظرفه وقدرة المكلف على موافقته سواء كان فعلياً أو استقبالياً، وعدم لزوم حفظ القدرة في هذا الفرض لا ينافي عدم جواز الترخيص في مخالفته في ظرفه سواءً كان ظرفه فعليا أم استقبالياً؛ لأنّ المفروض أنه لولم يكن ظرفه فعلياً يكون حصوله في المستقبل، ولفعلية ملاكه ولزوم استيفائه في ذلك الظرف لا يصح من المولى الترخيص القطعي في المخالفة القطعية في المعلوم بالإجمال المردّد بين كونه تكليفاً فعلياً وكونه استقبالياً. كما هو المفروض، وإن جاز للمكلف تفويت قدرته على الموافقة قبل مجيء الظرف الاستقبالي، إلاّ أنه يعلم بأنه لا يفوته ويحصل التكليف في المستقبل لولم يحصل فعلا، وما في ظاهر تقريرات العراقي (قدس سره) من حفظ القدرة عليه في الفرض الثاني أيضاً، وتعليل تنجيز العلم الإجمالي بتعلقه بتكليف إما متعلق بالطرف الفعلي أو بحفظ القدرة على الاستقبالي من غير ناحية شرط الوجوب وقيده كما ترى، وتوجيهه أخيراً بتنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات كالدفعيات بما سلكه في فعلية التكاليف من أن الإرادة الباعثة من المولى تتعلق بالفعل الاستقبالي بعنوانه، وحصول الشرط ودخول الوقت خارجاً لا يكون بنفسه دخيلا في تعلق إرادة المولى، بل الدخيل في تعلقها لحاظهما طريقاً ومشيراً إلى الخارج فيكون التفاوت في ناحية الانبعاث الناشئ عن الخطاب المتوجه إلى المكلف بتلك الإرادة، حيث لا يكون الانبعاث إلاّ بعد تطبيق الشرط والوقت على المورد وكيفية الانبعاث بل أصله خارج عن مدلول الخطاب ولا يمكن أخذهما في مدلوله، حيث إنه متفرع على الخطاب ومدلوله ووصوله إلى المكلف، وعلى كل تقدير يتعلق العلم الإجمالي بالإرادة الباعثة الفعلية الموجبة عند العلم بها لزوم حفظ القدرة على موافقة التكليف المشروط أو الموقت الحاصل فيما بعد من غير ناحية شرط التكليف أو قيده لا يخفى ما فيه، فإن الإرادة الباعثة للمولى تتعلق بجعل التكليف، والتكليف أمر اعتباري فتارة يعتبر الوجوب المتعلق فعلياً، والاستقبالية إنما تكون في نفس الفعل، واُخرى يعتبر الحكم والوجوب بعد حصول الشرط أو دخول الوقت خارجاً، ففي الثاني لا يجب حفظ القدرة على الفعل إلاّ بعد تحقق الشرط أو دخول الوقت بخلاف الأول، فإن نفس التكليف فيه فعلي وتقتضي فعليته حفظ القدرة على الفعل الاستقبالي، ولو قبل حصول الشرط ودخول الوقت، كما أوضحنا كل ذلك في بحث الواجب المشروط بالشرط المقارن والواجب المعلق، وعلى ذلك لم يبق في البين وجه لتنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات التي يكون نفس التكليف مردداً بين كونه فعلياً أو أمراً استقبالياً غير ما ذكرنا من قبح الترخيص القطعي من المولى في المخالفة القطعية للتكليف الذي هو إما فعلي أو يعلم المكلف بصيرورته فعلياً مستقبلا.















(1). مستدرك الوسائل 6:423، الباب 26، الحديث 7136.







(2). الكافي 5:313، الحديث 39.







(3). التهذيب 1:284، الحديث 119.































تنبيهات















الأول، أن الاضطرار كما يكون مانعاً عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين، كذلك يكون مانعاً...[1].







الثاني: أنه لما كان النهي عن الشيء، إنما هو لأجل أن يصير داعياً للمكلف نحو تركه لولم يكن له داع آخر[2].















الاضطرار إلى بعض أطراف العلم















[1] ذكر الماتن (قدس سره) أن الاضطرار إلى بعض أطراف العلم سواءً كان الاضطرار إلى معين أو غير معين يوجب عدم العلم بفعلية التكليف، مثلا إذا علم نجاسة أحد المايعين أحدهما خل والآخر ماء، واضطر إلى شرب الماء لدفع عطشه المهلك، أو علم نجاسة أحد الماءين واضطر إلى شرب أحدهما لدفعه فشرب الماء في المثال الأول، وشرب أحد الماءين في المثال الثاني حلال واقعاً بلا فرق بين كونه هو النجس الواقعي أم لا، والخل في الأول وغير المختار في الثاني تعلق التكليف به مشكوك فتجري فيه أصالة الحلية، ثم إنه (قدس سره) ذكر عدم الفرق في مانعية الاضطرار عن العلم بالتكليف الفعلي بين ما كان الاضطرار إلى المعين أو غيره قبل العلم الاجمالي أو طرو الاضطرار بعدم حصول العلم الإجمالي، والتزم بأن العلم الإجمالي في موارد الاضطرار إلى بعض أطرافه غير منجز، حيث لا يكون في هذه الموارد علم بالتكليف الفعلي ولو إجمالا، وتعرض (قدس سره) لما يقال بأن مانعية الاضطرار عن تنجيز العلم الإجمالي إذا كان الاضطرار سابقاً على العلم صحيح، وأما المانعية فيما إذا طرأ بعد العلم الإجمالي لم يحرز وجهه، ولم يعلم الفرق بين طرو الاضطرار بعد العلم الإجمالي، وبين فقد بعض الأطراف، حيث إنّه مع فقد بعضها بعد العلم لا يوجب عدم لزوم رعاية احتمال التكليف في الأطراف الباقية، وأجاب بالفرق بينهما، وحاصله أن الأحكام الإلزامية المجعولة لموضوعاتها بالإضافة إلى تلك الموضوعات ليست بمقيدة بل تثبت لها بحصولها خارجاً وترتفع عنها بارتفاعها، مثال حرمة شرب الخمر تكون فعلية بحصول الخمر، واعتصام الماء الكر يكون فعلياً بحصول الماء الكر وبقائه، وإذا ارتفع الموضوع بأن صار الخمر الخارجي خلا أو زالت الكرية من الماء ترتفع الحرمة في الأول والاعتصام في الثاني، وهذا الارتفاع قهري وليس من تقييد الحكم وعدم إطلاقه، وعلى ذلك فلو علم إجمالا بخمرية أحد الاناءين فيعلم بالحرمة الفعلية المطلقة في أحدهما، وبعد فقد أحدهما يشك في ارتفاع تلك الحرمة بعد فعليتها وتنجزها، وهذا بخلاف طرو الاضطرار حيث إن طروه غاية للتكليف وحدّ له قيداً، فالماء المغصوب بعد طرو الاضطرار إلى شربه باق، ولكن لا حرمة في شربه فمع الاضطرار إلى شرب أحد المائعين معيناً أو إلى غير معين، لا يصح القول بأنه كان لنا العلم بالحرمة الفعلية المطلقة في أحدهما ويشك في ارتفاع ما تعلقت به، بل الصحيح أن يقال قد علمنا بالحرمة المغياة الفعلية التي نحتمل حصول غايتها فيكون الشك في الحرمة بعد طرو الاضطرار في الآخر شكاً بدوياً، وبتعبير آخر طرو الاضطرار غاية للمعلوم بالإجمال أي التكليف الفعلي بخلاف فقد أحد الأطراف فإنه ليس غاية للمعلوم بالإجمال، بل غاية للعلم به والشك في الحرمة بعد طرو الاضطرار إلى أحدها من الشك البدوي في حدوث حرمة مطلقة من الأول، بخلاف فقد بعض الأطراف فإن العلم الإجمالي بحدوث حرمة مطلقة بحاله، غاية الأمر لا علم ببقائها، ومقتضى قاعدة الاشتغال إحراز الخروج عن عهدتها بترك الأطراف الاُخرى في موارد العلم بالحرمة أو بالاتيان بها في موارد العلم بالوجوب.







أقول: لا فرق بين غاية الاضطرار وسائر القيودات والغايات للتكليف، ولو كان العلم الإجمالي غير منجز للتكليف بعد طرو الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً أو غير معين يكون الأمر كذلك في غيره أيضاً، كما إذا علم إجمالا بكون أحد العصيرين من العصير العنبي الذي غلى ولم يذهب ثلثاه، والآخر عصير زبيب مغلي فيجب الاجتناب عنهما، وإذا ذهب ثلثا أحدهما فلا يجب الاجتناب عن الآخر، والحلّ ما تقدم في بحث مفهوم الشرط من أن القيود وإن اختلفت بحسب مقام الإثبات وترجع إلى الحكم الوارد في الخطاب تارة واُخرى إلى الموضوع الوارد فيه، إلاّ أن هذا في مقام الإثبات فقط، وأما بحسب مقام الثبوت فكلها ترجع إلى الموضوع، حيث تفرض في مقام جعل الحكم مفروض الوجود تارة واُخرى مفروض العدم، وكما أن الموضوع للاعتصام هو الماء الكر كذلك الموضوع للحرمة الخمر المفروض عدم كون شربها اضطرارياً، وكذلك الحال في سائر الأحكام بالإضافة إلى موضوعاتها، وثانياً لو فرضنا أن العلم الإجمالي بالإضافة إلى الحكم المغيَّا، بالاضطرار ونحوه غير منجز بعد طرو الاضطرار أو غيره من الغاية على بعض الأطراف، ولكن إذا لم يعلم المكلف بطرو الاضطرار إلى أحدهما من قبل، كما إذا كان أحد المائعين ماءً والآخر خلا، وعلم أيضاً بحدوث اضطراره إلى شرب الماء لدفع عطشه فإنه مع العلم فعلا بنجاسة أحدهما يعلم إجمالا إما بحرمة شرب الماء عليه فعلا إلى طرو الاضطرار، أو بحرمة شرب الخل عليه مطلقاً لعدم الاضطرار إليه ولو مستقبلا، حيث إنه لا يرفع العطش، فأصالة البراءة عن التكليف في كل منهما معارضة بأصالة البراءة عن التكليف المتعلق بالآخر، وبعد تساقطهما يرجع إلى الاستصحاب في بقاء التكليف الفعلي إلى ما بعد الاضطرار إلى شرب الماء، فإن هذا الاستصحاب من القسم الثاني من الاستصحاب في الكلي، بل الأمر كذلك في حصول الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه كما لا يخفى.







ثم إن في الاضطرار إلى بعض أطراف العلم صوراً الاُولى: ما إذا كان الاضطرار إلى بعض معين ثم يحصل العلم الإجمالي، كما إذا علم بوقوع نجاسة في أحد مايعين أحدهما ماء والآخر خل، وكان المكلف قبل وقوع النجاسة مضطراً إلى شرب الماء لدفع عطشه، ولا ينبغي التأمّل في هذه الصورة في عدم تنجيز العلم الإجمالي بالإضافة إلى الخل أيضاً؛ لأنّ الماء المزبور يجوز شربه لمكان الاضطرار إليه سواء وقعت النجاسة فيه أم لا، فيكون الشك في حرمة شرب الخل شكاً بدوياً فتجري أصالة الحل فيه، ولكن لا يخفى أن عدم تنجيز العلم الإجمالي والحكم بجواز شرب الخل بأصالة الحلية إذا كان الماء بقدر رفع الاضطرار لا أزيد، وإلاّ فالتنجيز بحاله للعلم الإجمالي عند وقوع النجاسة بحرمة شرب الخل أو الباقي من الماء.







ولا يخفى أيضاً أن أصالة الطهارة في ناحية الخل في الفرض تسقط بالمعارضة مع أصالة الطهارة في ناحية الإناء الذي فيه الماء، ولكن لا مجرى لأصالة الطهارة في ظاهر شفتيه بعد شرب الماء، بدعوى أن نجاستهما مانعة عن الصلاة قبل التطهير، وذلك فإن أصالة الحلية الجارية في الخل لها خطاب خاص وأصل طولي فيؤخذ بها على ما تقدم سابقاً، وأما أصالة الطهارة لظاهر شفتيه فلا أثر لها حتى تقع المعارضة بينها وبين أصالة حلية الخل، حيث إن المفروض عدم تمكن المكلف من التطهير لفقد الماء، نعم إذا بقي الخل إلى أن وجد الماء لتطهيره فلا يجوز شربه لوقوع المعارضة.







الصورة الثانية: ما إذا كان الاضطرار إلى بعض الأطراف لا بعينه، ثم حصل العلم الإجمالي كما إذا اضطر إلى شرب أحد الماءين ثم علم إجمالا بوقوع النجاسة في أحدهما، وقد يقال في هذه الصورة بعدم تنجيز العلم الإجمالي كالصورة الاُولى، بدعوى أن ما يدفع المكلف اضطراره بشربه حلال وحرمة شرب الآخر بعده مشكوك بدواً، فيؤخذ بأصالة الحلية فيه، ولكن هذا القول ضعيف، والصحيح تنجيز العلم الإجمالي؛ لأنّ الاضطرار يرفع الحرمة إذا كان طارئاً على ارتكاب الحرام كما هو مفاد رفع الاضطرار، وقوله (عليه السلام): ما من محرّم إلاّ وقد أحلّ لمن اضطر إليه(1)، والمفروض في هذه الصورة عدم طرو الاضطرار إلى شرب الماء المتنجس، ولذا لو كان المتنجس منهما محرزاً كان على المكلف دفع اضطراره بغيره، وعلى الجملة النجس منهما واقعاً باق على حرمته وموجب لتساقط الاُصول النافية فيهما، غاية الأمر لا تجب الموافقة القطعية في الفرض؛ لأنّ حكم العقل بلزومها للتحرز عن العقاب المحتمل، ومع كون الموافقة القطعية موجبة للابتلاء بمحذور آخر كالقاء النفس في التهلكة لا يحكم العقل بلزومها، أضف إلى ذلك أن الشارع إذا رخص في ارتكاب المحرم لدفع الاضطرار فالترخيص في ارتكاب محتمل الحرمة أولى، غاية الأمر الترخيص في الأول واقعي وفي الثاني ظاهري، وقد تقدم أن كلام الماتن ظاهره كون الترخيص واقعياً، وكذا يظهر ذلك من المحقق النائيني (قدس سره) ولكن يختلف ما ذكره عما ذكره الماتن، حيث قال: ما يدفع به الاضطرار قبل دفعه كان محرماً على تقدير كون المعلوم بالإجمال فيه، ولذا يجب رعاية العلم الإجمالي في الطرف الباقي حتى بعد دفع اضطراره، حيث لم يطرأ الاضطرار على خصوص الحرام الواقعي، وانما يكون اختياره لدفع اضطراره موجباً لسقوط حرمته الواقعية، ولكن لا يخفى أن تعلق الحرمة الواقعية بفعل قبل ارتكابه وسقوطها عند اختيار ارتكابه أمر غير معقول؛ لأنّ التكليف للزجر عن اختيار متعلقه، وإذا جاز الفعل واقعاً باختيار ارتكابه فلا يبقى معنى لتحريمه، والحل أن اختيار شيء لدفع اضطراره إلى الجامع لا يوجب طرو الاضطرار عليه ليكون التكليف به ساقطاً باختياره لدفع اضطراره، والمتعين ما ذكرنا من عدم حكم العقل في الفرض بلزوم الموافقة القطعية، ولا يبعد أن يجري الاستصحاب في بقاء النجس بعد رفع الاضطرار بأحدهما في هذا الفرض أيضاً، كما يأتي في الصورة الثالثة. ومما ذكرنا يظهر الحال في الصورة الثالثة: وهي ما إذا كان طرو الاضطرار إلى شرب أحد ماءين بعد العلم بنجاسة أحدهما، فإنه عند طرو الاضطرار فالمختار لدفعه باق على حرمته الواقعية فيما إذا انطبق عليه المعلوم بالإجمال، غايته أنه لا تجب الموافقة القطعية عقلا على ما تقدم، بل يمكن في الفرض الالتزام بوجوب الاجتناب عن الآخر للاستصحاب في بقاء ما تنجس واقعاً، ولا يعارض بالاستصحاب في عدم وقوع النجس في الباقي لسقوطه بالمعارضة مع عدم وقوعه في المدفوع به الاضطرار قبل طرو الاضطرار إلى شرب أحدهما.







لا يقال: كيف يكون المدفوع به الاضطرار محرماً واقعاً عند اختياره لدفعه، وما فائدة تحريمه عنده مع كون الغرض من النهي الزجر عن متعلقه، والتأمل في فائدة النهي والغرض منه يجري في كل من الصورتين الثانية والثالثة، فإنه يقال نعم الغرض من النهي الزجر عن متعلقه، وهذا الغرض حاصل، حيث إنه لو علم أثناء الارتكاب أن ما يرتكبه نجس يجب قطع الارتكاب ودفع اضطراره بغيره، بخلاف ما إذا كان الاضطرار إلى معين، فإنه لو علم نجاسته حين ارتكابه فلا يضر لسقوط النهي عنه بالاضطرار إليه.







والصورة الرابعة: ما إذا علم بنجاسة أحد مائعين، أحدهما ماء والآخر خل، ثم طرأ الاضطرار إلى شرب الماء لدفع عطشه، ففيها ما تقدم من عدم الفرق بين طرو الاضطرار إلى بعض الأطراف وبين فقده، في أن العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما قبل طرو الاضطرار أو فقد بعض الأطراف مقتضاه لزوم الاجتناب عن الآخر؛ لأنّ الاُصول النافية في جميع الأطراف قد سقطت قبل طروه أو فقد بعض الأطراف، بل يمكن في الفرض الاستصحاب في بقاء ما وقعت النجاسة فيه سابقاً، فإن المقام من قبيل القسم الثاني من الكلي، ومقتضاه رعاية التكليف المحتمل في غير المضطر إليه أو الباقي من الأطراف، ولا مجال في المقام لدعوى معارضة الاستصحاب في عدم وقوع النجاسة في الخل مع الاستصحاب في بقاء الكلي بعد دفع الاضطرار بالماء، أو بعد فقد بعض الأطراف، وذلك لسقوط جميع الاُصول النافية في الأطراف قبل طرو الاضطرار أو فقد بعضها.







وهذا بخلاف الصورة الاُولى، من حصول العلم بوقوع النجاسة بعد الاضطرار إلى معين، حيث ذكرنا أن أصالة الحلية في الخل جارية ولم تسقط ومع أصالة الحلية لا يجرى الاستصحاب في بقاء النجاسة السابقة؛ لأنه لا أثر لبقاء النجاسة إلاّ الاحتياط لاحتمال دفع الضرر ولا يثبت نجاسة الخل، واحتمال الضرر مدفوع في شرب الخل بجريان أصالة الحلية فيه كما أوضحنا ذلك في بحث الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي إذا احتمل التكليف في الفرد الباقي المحتمل، وكان احتماله فيه مدفوعاً بالأصل النافي، ولا يخفى أن الملاك في تنجيز العلم الإجمالي وعدم تنجيزه في موارد الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً، هو حصول العلم الإجمالي لا المعلوم بالإجمال، بمعنى أن سبق المعلوم بالإجمال على الاضطرار للبعض المعين من الأطراف لا يفيد في تنجيز العلم الإجمالي، وإنما الموجب لتنجيزه ما إذا كان نفس العلم الإجمالي قبل الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً، ولو كان لاحقاً بالاضطرار فلا يفيد التنجيز لأن الموجب لتنجيزه تساقط الاُصول النافية في أطرافه، وأطرافه تكون مورداً لها عند حصول العلم، فإن الموضوع لها الشك في الأطراف، الحاصل بحصول العلم الإجمالي وسبق المعلوم بالإجمال على الاضطرار لا يؤثر في المعارضة، إذا كان نفس العلم به لاحقاً على الاضطرار، ومما ذكرنا يظهر أنه لو كان العلم الإجمالي مقارناً لحصول الاضطرار إلى بعض الأطراف بعينه، وأنه لا يكون في الفرض للأصل النافي في غير المضطر إليه معارض حتى وإن كان نفس المعلوم بالإجمال سابقاً على الاضطرار فتدبر.















اشتراط الابتلاء بجميع أطراف العلم الإجمالي في تنجيزه















[2] اعتبر جماعة في تنجيز العلم الإجمالي بالحرمة الابتلاء بجميع أطرافه، وذكر في وجهه أنه لا ينبغي التأمل في اعتبار التمكن من فعل في صحة النهي عنه، حيث إن النهي عن فعل لا يتمكن المكلف منه لغو لا يصدر عن المولى الحكيم، وإذا كان الوجه في عدم صحة النهي في فرض عدم التمكن من المتعلق ما ذكر جرى فيما كان الفعل مما يترك عادة ولا يحصل للمكلف داع إلى ارتكابه مع اطلاعه بما عليه من الخصوصيات، ولذلك التزموا كالماتن (قدس سره) باشتراط الابتلاء في فعلية النهي؛ لأنه مع عدم الابتلاء لا يترتب على النهي عنه دعوة للمكلف إلى الترك، وقد يقال لازم ما ذكر اشتراط الابتلاء في التكليف الوجوبي أيضاً، بأن يعتبر في الوجوب الفعلي إمكان ترتب دعوته إلى الفعل وإذا فرض فعل لا يحصل للمكلف داع إلى تركه عادة يكون الأمر به لغواً، كايجاب ستر العورة عن غير الزوجة ووجوب الانفاق على النفس والولد، واعترف الماتن (قدس سره) بذلك في هامش الكفاية، وقد ذكر النائيني (قدس سره) أن اشتراط الابتلاء يختص بالتكاليف التحريمية، والمراد من الخروج عن الابتلاء كون الموضوع لحرمة الفعل بحيث يحتاج الاتيان بمتعلق النهي إلى تهيئة مقدمات للوصول إليه بحيث لا يرغب عادة إلى تلك الهيئة، ككون المايع النجس أو الغصبي في أرض يحتاج الوصول إليها إلى سفر طويل، وهذا النحو من الفعل لا يصح النهي عنه، ولكن يصح الأمر بمثل هذا الفعل؛ لأنّ الأمر يكون داعياً له إلى تهيئة المقدمات، وأما إذا لم يكن الموضوع كذلك بل عدم ارتكابه لوجود داع آخر يدعو إلى تركه ولا يتخلف الداعي عادة، كتحريم أكل الخبائث فيصح النهي عنه كما يصح الأمر بستر العورة، حيث يكون النهي والأمر مؤكدين للارتداع أو الاتيان، ولكن قد يناقش في الفرق بين ما إذا كان الوصول إلى الموضوع محتاجاً إلى تهيئة مقدمات لا يحصل للمكلف عادة الداعي إليها، وبين ما إذا كان الموضوع بيد المكلف ولكن يكون له داع آخر إلى ترك متعلق النهي لا يتخلف عنه عادة، بحيث لا يحصل للنهي المفروض داعوية إلى الترك، ولو كان النهي في الفرض الأول لغواً لكان في الثاني أيضاً كذلك، وبتعبير آخر كما يصح أخذ القدرة في متعلق النهي بأن يضاف النهي إلى الفعل المقدور كذلك يصح أخذ الابتلاء بمعنى عدم الداعي الآخر الذي لا يتخلف عادة في متعلقه بأن يختص النهي بالفعل الذي يمكن فيه حصول الداعي إلى الارتكاب عادة، ولكن الصحيح عدم اعتبار الزائد على القدرة لا في الإيجاب ولا في التحريم، حيث إن النهي مع الداعي الآخر إلى الفعل أو الترك مؤكد يكون موجباً للقرب فيما إذا كان كل منهما مستقلا في الدعوة بمعنى أنه لولم يكن للمكلف داع آخر إلى الفعل أو الترك لكان الأمر أو النهي داعياً له إلى الاتيان أو الترك، وحيث إن الغرض في الأوامر الشرعية والنواهي الشرعية ليس مجرد الفعل أو الترك، بل الغرض منهما استناد الفعل إلى أمر الشارع به، واستناد الترك إلى نهيه، لصح للشارع الأمر والنهي حتى فيما كان للمكلف داع آخر إلى الفعل أو الترك، ولا يقاس ذلك بالموارد التي يكون الغرض من الأمر والنهي مجرد الاتيان بالمتعلق أو تركه خارجاً، ليكون الأمر والنهي مع داع آخر لا يتخلف عادة عبثاً، لا يقال: لو كان الغرض في الأوامر الشرعية ونواهيه الاستناد في الفعل أو الترك إلى أمر الشارع ونهيه لكانت التكاليف كلها من التعبدي مع أن النواهي كلها والأوامر جلّها توصليات.







فإنه يقال: إنما يكون المتعلق توصلياً أو تعبدياً لملاك فيه، فإن كان الملاك فيه غير موقوف على قصد التقرب فهو توصلي، وإن كان موقوفاً على الاستناد وقصد التقرب فهو تعبدي، وبتعبير آخر في موارد العبادة يتعلق الأمر بالفعل مع قصد التقرب بخلاف التوصلي فإنه يتعلق بذات الفعل على ما أوضحنا في بحث التعبدي والتوصلي، وأما الغرض من التكليف في كل من التعبدي والتوصلي الاستناد، وربما يشير إلى ذلك قوله سبحانه: (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا اللّه)(2)، نعم رعاية هذا الغرض في كل الأوامر والنواهي من مراتب تكميل النفس والتقرب إليه سبحانه، وعلى الجملة الغرض من النهي عن فعل إمكان كونه داعياً إلى تركه حتى فيما إذا كان له داع آخر إلى تركه، وكذلك الغرض من الإيجاب إمكان كونه داعياً إلى الفعل ولو مع فرض داع آخر له إلى الإتيان.







والمشهور بين القوم أنه إذا صح التكليف بما هو خارج عن الابتلاء بالمعنى المتقدم في كلام النائيني (قدس سره)، بل وغيره مما يكون التكليف فيها للتأكيد والتكرار في الداعوية بالمعنى المتقدم يترتب على ذلك تنجيز العلم الإجمالي بالتكليف بين الداخل في الابتلاء أو غيره، بخلاف ما إذا قيل باختصاص التكليف بمورد الابتلاء، فإنه تجرى الاُصول النافية في الداخل في الابتلاء بلا معارض، ولكن لا يخفى ما فيه، فإن تنجيز العلم الإجمالي يكون بتعارض الاُصول النافية في الأطراف، وإذا اختص بعض الأطراف بأصل طولي ناف فلا يكون تنجيز للعلم الإجمالي، وعلى ذلك فالاُصول النافية كالاستصحاب في عدم الموضوع وعدم التكليف في الأطراف متعارضة، وكذلك أصالة الطهارة والحلية، إلاّ أن حديث الرفع بفقرة: «رفع ما لا يعلمون» يختص بما إذا كان الموضوع للحرمة أو الحرمة في الداخل في الابتلاء، حيث إن الوضع فيه ثقل على المكلف بخلاف الوضع فيما هو خارج عن الابتلاء فإنه لا ثقل فيه، حيث لا يرتكبه المكلف فيكون الرفع في الداخل في محل الابتلاء امتناناً دون غيره، نعم إذا اختص الخارج عن الابتلاء بأصل مختص لا يجري في الداخل في مورد الابتلاء تقع المعارضة بينه وبين أصالة البراءة الجارية في الداخل فيه.







ثم على تقدير اعتبار الابتلاء في صحة التكليف، فإن شك في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء بالشبهة المفهومية فإن للخروج عن الابتلاء مراتب، فبعض تلك المراتب متيقن وبعضها مشكوك، فهل يصح مع المرتبة المشكوكة التمسك بإطلاق خطاب تحريم الشيء وتثبت الحرمة في الفرض بين الاطراف؟ ويكون العلم الإجمالي منجزاً كما عليه الشيخ (قدس سره)، أو أنه لا يصح معها التمسك بالإطلاق في الخطاب حيث يعتبر في التمسك بالإطلاق في خطاب الحكم في مورد إحراز إمكان ثبوت الحكم فيه بحسب مقام الثبوت كما عليه ظاهر الماتن، فيجري الأصل النافي في الطرف الداخل في الابتلاء، فالصحيح على القول باشتراط التكليف بالابتلاء هو الأول، فإنه كما يصح التمسك بالإطلاق من الخطاب في موارد الشك في ثبوت الحكم من سائر الجهات، كذلك يتمسك به في مورد احتمال عدم إمكان ثبوت الحكم فيه ثبوتاً، حيث إنه بالإطلاق المزبور يستكشف ثبوته وإمكانه، ولذا لم يحصل إحراز هذا الإمكان من مقدمات الإطلاق وإلاّ لم يمكن التمسك بالإطلاق في موارد الشك في ثبوت الحكم ثبوتاً، لاحتمال عدم الملاك له فيها، مع أن ثبوت الحكم وجعله في مورد عدم ملاكه فيه قبيح على المولى الحكيم، وعلى الجملة مع الأخذ بالإطلاق المقتضي لثبوت الحكم بين الأطراف تكون الاُصول النافية فيها متعارضة إلاّ في الفرض الذي ذكرناه، نعم لو قيل بانصراف خطابات التكليف إلى ثبوته في موارد الابتلاء، كما يدعى ذلك بانصرافها إلى القادرين على متعلقات التكليف لما يمكن التمسك بها في موارد الشك في الابتلاء بنحو الشبهة المفهومية، ولكن الدعوى بمراحل عن الواقع، ولو كان مراد الماتن ذلك كان المتعين تعليل عدم جواز التمسك بعدم إحراز ظهور الخطاب لا بصحة إطلاق الحكم وإمكانه ثبوتاً، وإلاّ يؤخذ بالإطلاق في الخطاب في موارد تقييد الحكم ثبوتاً أو إمكان إطلاقه كذلك كما ذكرنا.







هذا كله في الشبهة المفهومية للابتلاء، وأما إذا شك في الخروج عنه بالشبهة المصداقية فلا يمكن التمسك بإطلاق الخطاب لإثبات التكليف للموضوع الموجود بين أطراف يحتمل وجودها خارج الابتلاء أو الخارج عن القدرة، كما إذا علم بنجاسة إناء زيد أو عمرو، وإناء عمرو مردّد بين كونه هو المتناول بيده أو خارج عن ابتلائه أو قدرته، فإنه لا يمكن في الفرض التمسك بخطاب تحريم شرب النجس لإثبات التكليف على ماهو المقرر في بحث عدم جواز التمسك بالعام أو المطلق في شبهتهما المصداقية، سواء كان التخصيص أو التقييد نقلياً أو عقلياً، وعليه فيجري الأصل النافي في الأطراف الداخلة في موارد الابتلاء أو القدرة لاحتمال وجود الموضوع فيما هو خارج عن ابتلائه أو قدرته.















في الشك في كون بعض الأطراف مقدوراً أو داخلا في الابتلاء







لا يقال كيف تجري أصالة البراءة أو غيرها من الأصل النافي في الداخل في الابتلاء أو القدرة مع أن المعروف فيما بينهم أن الشك في القدرة مورد الاحتياط كما إذا شك في تمكنه من تجهيز الميت فإنه لا يجوز له تركه أخذاً بالأصل النافي، فإنه يقال: يختص لزوم الاحتياط بموارد العلم بالملاك وعدم اختصاصه بصورة التمكن كما في المثال، وأما إذا لم يعلم ذلك واحتمل انحصاره على صورة التمكن من الفعل، فالشك في القدرة المساوق للشك في التكليف مجرى للبراءة، بخلاف الصورة الاُولى حيث يلزم فيها الاحتياط؛ لأنّ العلم بالملاك الملزم كالعلم بالتكليف في لزوم الرعاية غاية الأمر يكون المكلف مع عجزه وفوت الملاك لقصوره معذوراً، بخلاف تفويته، لكن لا علم لنا غالباً بهذا النحو من الملاك، حيث إن الغالب يكون الكاشف عنه التكليف، ومع عدم ثبوته في حق العاجز لا يحرز الملاك، نعم إذا علم من الخارج أو دل دليل من خطاب شرعي كما في صورة العجز الناشئ عن ترك التعلم، حيث يستفاد من الروايات الواردة في وجوبه، العجز الناشئ عن تركه لا يكون عذراً فيحرز فوت الملاك مع العجز الناشئ عن تركه.















في استفادة عموم الملاك من خطابات التكاليف







وأما دعوى استفادة عموم الملاك من إطلاق الخطابات لكون مفادها ثبوت التكاليف في حق المتمكن والعاجز، غاية الأمر يكون التكليف بالإضافة إلى العاجز بداعي الإعلام بالملاك والتصدي للفعل مع عدم إحراز عجزه واحتمال تمكنه، ولذا يكون مع إحراز عجزه معذوراً ويكون التمكن شرطاً لتنجز التكليف لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ التكاليف من الإيجاب والتحريم بل الترخيص كونها بداعي البعث والزجر والإذن في الارتكاب، فينحصر مدلولها ثبوتاً بحكم العقل على المتمكن من متعلقاتها وأن يكون مدلولها الاستعمالي مطلقاً بالإضافة إلى المتمكن والعاجز.







وعلى الجملة اعتبار القدرة في التكليف عقلا من قبيل ثبوت القيد ثبوتاً ولا يوجب انتقاض ظهوره الاستعمالي، بل يوجب عدم اعتباره، نعم إذا كان مفاد الخطاب القضية الخارجية فالأمر كما ذكر لا يكون المكلف معذوراً في مخالفة التكليف إلاّ مع إحراز عجزه، وذلك فإن إحراز حال المكلف فيما كان الخطاب بمفاد القضية الخارجية يكون على المولى توجيه خطابه إلى عبده، ظاهره أنه أحرز تمكنه من الفعل، بقي في المقام أمران: أحدهما: قد يقال كما أن خروج بعض الأطراف عن القدرة العقلية أو حتى عن الابتلاء بناء على ما تقدم يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي كذلك العجز الشرعي في بعض أطرافه يمنع عن تنجيزه، كما إذا علم بإصابة النجاسة في الماء أو الثوب الغصبي فإنه تجري أصالة الطهارة في الماء، ولا يعارضها أصالة الطهارة في الثوب، فإن الثوب المزبور لا يجوز الصلاة فيه سواءً كان طاهراً أو نجساً فلا مورد للأصل فيه، أقول: لو كان غير المقدور شرعاً بحيث لم يكن للمعلوم بالإجمال أي أثر فيه أصلا فيجري في المقدور الاُصول النافية بلا معارض، بخلاف ما كان له أثر فيه، فإن أصالة الطهارة في الثوب الغصبي مقتضاها طهارة ما يلاقيه ولو بعد ذلك، ويكون هذا الأصل على تقدير جريانه حاكماً على أصالة الطهارة في ناحية الملاقي بالكسر فأصالة الطهارة في الماء معارضة بأصالة الطهارة في الثوب، نعم لا بأس بشرب الماء المزبور أخذاً بأصالة الحل فيه على ما تقدم من أنها أصل طولي يستفاد من خطاب يختص ببعض الأطراف.







وبتعبير آخر طهارة شيء أو نجاسته وإن كانت جزء الموضوع أو قيده في تنجس ملاقيه إلاّ أن جزء الموضوع أو قيده فيما كان قابلا للجعل في نفسه يمكن التعبد به قبل تمام الموضوع مع احتمال تمامه، بخلاف ما إذا كان الجزء أو القيد غير مجعول بحيث لا معنى للتعبد به إلاّ جعل حكمه، فإن التعبد به لا يمكن إلاّ في فرض جزئه الآخر أو ذات المقيد، وعليه فالعلم الإجمالي بنجاسة الماء أو الثوب الغصبي كاف في وقوع المعارضة في الأصل المقتضي لطهارة كل منهما.







وثانيهما: ما إذا فرض تحقق المعلوم بالإجمال في بعض الأطراف يكون الحكم فيه فعلياً بخلاف ما إذا تحقق في البعض الآخر فإن الحكم لا يكون فعلياً، كما إذا علم بوقوع النجاسة في الماء أو التراب مع انحصار طهور المكلف بهما، فهل يمكن الالتزام بجريان أصالة الطهارة في الماء؛ لأنّ وقوع النجاسة في التراب على تقديره لا أثر له؛ لأنّ بطلان التيمم به على هذا التقدير غير مستند إلى نجاسته، بل إلى كون المكلف واجداً للماء، أقول: هذا أيضاً صحيح فيما إذا لم يكن لطهارة التراب أثر شرعي كجواز السجود عليه أو يعلم ملاقاته طاهراً بالرطوبة المسرية ولو بعد ذلك، لتقع المعارضة بين أصالة الطهارة الجارية في الماء وأصالة الطهارة الجارية في التراب، وإلاّ يجمع المكلف بين الوضوء بالماء المزبور ثم بعد يبس أعضائه يتيمم به، فإن نجاسة الأعضاء على تقدير كون الماء نجساً لا يضر بصحة التيمم بالتراب وإن كان الأولى التيمم به أولاً ثم يزيل التراب عن مواضعه ويتوضأ، وأما إذا علم بنجاسة الماء أو كون التراب مغصوباً مع انحصار طهوره عليهما وعدم مرتبة اُخرى مما يتيمم به، فبما أن المكلف في الفرض يعلم بوجوب الصلاة عليه مع الطهور إما بالماء أو بالتراب يتعين عليه رعايته، ولكن الموافقة القطعية للتكليف بالصلاة بالجمع بين الوضوء والتيمم يوجب المخالفة الاحتمالية للتكليف المحتمل المنجز، أعني حرمة التصرف في التراب لسقوط أصالة الحلية فيه بالمعارضة مع أصالة الطهارة والحلية في الماء على ما تقدم يقتصر في موافقة التكليف بالصلاة على موافقته الاحتمالية أي بالوضوء مع الماء المفروض، نعم إذا تمكن من المرتبة اللاحقة مما يتيمم به تعين الموافقة القطعية للتكليف بالصلاة بالجمع بين الوضوء والتيمم بتلك المرتبة، ولو عكس الأمر بأن علم إما بغصبية الماء أو كون التراب نجساً تعين مع انحصار الطهور عليهما التيمم بالتراب المزبور، لاحتمال كون الماء غصباً وتنجز حرمة التصرف فيه بمعارضة أصالة الحلية فيه بأصالة الطهارة في ناحية التراب.















(1). وسائل الشيعة 23:228، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 18.







(2). سورة البينة: الآية 5.































الثالث: أنه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن تكون أطرافه محصورة، وأن تكون غير محصورة[1].







الرابع: أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها، وإن كان حاله حال بعضها في كونه محكوماً بحكمه واقعاً[2].







وأنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم اجمالا بالنجس بينها[3].















العلم الإجمالي في أطرافه الغير المحصورة















[1] اشتهر في الألسنة عدم الاعتبار بالعلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، وأن تنجيز العلم الإجمالي يختص بما إذا كانت أطرافه محصورة، ولذا تصدوا لذكر المعيار في كون الشبهة أطرافها محصورة أو غير محصورة، وذكر الماتن (قدس سره) عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين قلة أطرافه وكثرتها، نعم ربما تكون كثرة الأطراف في بعض الموارد موجبة لعسر الموافقة القطعية للمعلوم بالإجمال بالاجتناب عن جميع الأطراف أو الاتيان بجميعها أو كان رعايته موجبة في جميع الأطراف الضرر أو غيره مما يوجب رفع التكليف وعدم فعليته، وهذا الأمر قد يتفق مع قلة الأطراف أيضاً، فلابد من ملاحظة ما يوجب رفع التكليف وعدم فعليته وأنه محقق في مورد العلم الإجمالي أم لا، أو أنه محقق مع كثرة الأطراف ومع أي مرتبة منها، فإن اُحرز تحققه فهو وإلاّ يحكم بتنجز التكليف المعلوم بالإجمال فيما كان في البين عموم أو إطلاق في خطاب ذلك التكليف، ومع عدمهما يكون المرجع أصالة البراءة لكون الشك في تحقق تكليف فعلي في البين.







أقول: المفروض في الشبهة غير المحصورة عدم دخولها في مورد الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف لا بعينه وإلاّ جرى فيها ما تقدم، بل المفروض كون الاجتناب عن جميع الأطراف عسراً أو حرجاً، وقد ذكر الماتن (قدس سره) في قاعدة نفي الحرج أنها ترفع التكليف إذا انطبق عنوان الحرج كالضرر على الفعل الذي تعلق به التكليف، وفي موارد الشبهة غير المحصورة لا ينطبق عنوان الحرج أو الضرر على الفعل فعلا أو تركاً، بل يكون الحرج أو الضرر في الإتيان بجميع أطراف العلم الإجمالي أو تركها فلا مجرى لقاعدة نفي الحرج أو قاعدة نفي الضرر في موارد الشبهة غير المحصورة، نعم لو قيل بأن الضرر أو الحرج عنوان لنفس التكليف وأن المنفي نفس التكليف الحرجي أو الضرري، فقد يدعى أن التكليف مع العلم الإجمالي به في أطراف كثيرة حرجي؛ لأنّ الحرج في التكليف عبارة عن كون امتثاله حرجياً فينفي بقاعدة نفيه أو نفي الضرر، وبعده لا موجب لرعاية العلم الإجمالي أصلا.







لا يقال: كيف تكون قاعدة نفي الحرج أو الضرر حاكمة في أطراف العلم الاجمالى؛ لأنّ الاجتناب عن الحرام الواقعي أو الاتيان بالواجب الواقعي لا حرج ولا ضرر فيهما، وإنما يكون الحرج أو الضرر في إحراز الاجتناب عن الحرام الواقعي أو إحراز الإتيان بالواجب الواقعي، وهذا الإحراز المعبر عنه بالموافقة القطعية لزومها عقلي لا يدخل في المجعول الشرعي ليكون منفياً بنفي جعل الحرج أو الضرر، فلا فرق في عدم شمول القاعدتين بين القول بأن الحرج أو الضرر عنوان لنفس الفعل المتعلق به التكليف، أو على التكليف المتعلق به الفعل، بل لو فرض انطباقه على التكليف لازمه ارتفاعه واقعاً فتصير الحلية في كل واحد من أطراف العلم واقعية لا ظاهرية، ولا يظن التزام القائلين بعدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة بذلك.







فإنه يقال: يصدق الحرج على التكليف الثابت في طرف واحد من أطراف كثيرة، وإن امتثاله في هذا الحال حرجي، حيث إنه يتوقف على الإتيان بجميع الأطراف أو ترك جميعها ورفعه في هذا الحال أي مقيداً بحال الجهل وبقاء التردد يكون رفعاً ظاهرياً، فإن كونه ظاهرياً مقتضى تقييد الرفع بحال الجهل وبقاء التردد، نعم بناءً على اعتبار انطباق عنوان الحرج أو الضرر على الفعل المنطبق عليه عنوانهما التكليف فلا مجرى لهما في الشبهة غير المحصورة، نعم بناء على ذلك يتعين في موارد العلم الإجمالي بالواجب في أطراف غير محصورة الإتيان من أطراف العلم إلى أن يصل رعاية الاحتياط في الباقي بحد الحرج في الفعل، فيعلم بعدم التكليف بعد ذلك إما للاتيان بالواجب قبل ذلك أو ارتفاع التكليف على تقدير بقائه، فيكون نظير الاضطرار اللاحق على البعض المعين من أطراف العلم حيث لا يجب رعاية العلم في الطرف المضطر إليه.







وأما في موارد العلم الإجمالي بالحرمة في الشبهة غير المحصورة فإن كان بعض أطرافه خارجاً عن القدرة فلا بأس بارتكاب أي طرف مما هو داخل في القدرة إذا لم يعلم بوجود الحرام في تلك الأطراف ولو في طول الزمان، وأما إذا كانت جميع الأطراف داخلة تحت قدرته كذلك، فاللازم الاجتناب عن جميعها إلى أن يصل إلى حد الاضطرار إلى ارتكاب البعض، أو يصل مع الاجتناب عن جميعها في طول الزمان إلى بقاء بعض الأطراف فقط مما هو بمقدار الحرام المعلوم بالإجمال الأول، ولكن كان الاجتناب عنها أمراً حرجياً، ويتعين ما ذكر أيضاً بناءً على أن الحرج والضرر وإن يكونا عنوانين لنفس التكليف، إلاّ أن التكليف الواقعي ليس في موافقته حرج أو ضرر، وإنما الحرج والضرر في إحراز الموافقة القطعية ولزوم الموافقة القطعية حكم عقلي لا يرتفع بنفي الحرج والضرر في مقام الجعل، أو أن خطاب نفي الحرج أو الضرر لا يرفع التكليف برفع ظاهري وإنما مدلولهما نفي الجعل واقعاً بالإضافة إلى التكليف المجعول في الشريعة.















كلام النائيني (قدس سره) في الشبهة غير المحصورة وبيانه الملاك في كونها غير محصورة







ومما ذكرنا يظهر الخلل فيما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) حيث قال: لا يجب الاجتناب عن أطراف الشبهة التحريمية غير المحصورة، وذلك؛ لأنّ المكلف لا يتمكن من ارتكاب جميع أطراف الشبهة ومع عدم تمكنه من ذلك لا يمكن المخالفة القطعية للحرمة الواقعية، وإذا لم يمكن المخالفة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية أيضاً، فإن لزوم الموافقة القطعية تابعة لحرمة المخالفة القطعية، ولهذا يختص عدم لزوم الاجتناب عن الأطراف بالشبهة التحريمية غير المحصورة، وأما التكليف الوجوبي المعلوم بالإجمال بين أطراف كثيرة فيمكن فيها المخالفة القطعية بترك جميع أطراف العلم، ولذا يجب فيها الإتيان بمحتملات التكليف الوجوبي إلى أن يلزم الحرج أو الضرر أو يكتفى بالموافقة الظنية بناءً على تعين الامتثال الظني بعد تعذر الامتثال القطعي، ومع تعذره أيضاً تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي على ما هو المقرر في بحث مراتب الامتثال، فتحصل أن الملاك في كون الشبهة التحريمية غير محصورة وعدم تنجيز العلم الاجمالي بالحرام فيها هو عدم التمكن من المخالفة القطعية من جهة كثرة أطراف العلم الإجمالي بالحرام.















في الاستدلال على حكم الشبهة الغير المحصورة







أقول: إن كان المراد أنه لا يتمكن من ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة حتى بحسب طول الزمان لم يشترطوا ذلك عند قولهم بعدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، أضف إلى ذلك أن ما ذكره (قدس سره) من أنه إذا لم يمكن المخالفة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية أيضاً، وأن وجوب الموافقة القطعية تابع لعدم جواز المخالفة القطعية لا يمكن المساعدة عليه، فإن جواز المخالفة القطعية لا يجتمع مع وجوب الموافقة القطعية، وأما اجتماع وجوب الموافقة القطعية مع عدم إمكان المخالفة القطعية فهو أمر واقع في الشبهة المحصورة أيضاً، فإنه إذا تردد الحرام في زمان بين ضدين لهما ثالث فإنه لا يمكن الجمع بين الضدين في ذلك الزمان حتى تحصل المخالفة القطعية، ولكن يمكن موافقتها القطعية بتركهما إلى ضد ثالث، فاللازم أن لا يكون العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة منجزاً بدعوى أنه لا مانع في مثل ذلك من الأخذ بالاُصول النافية في كل من الضدين، حيث لا يلزم من الأخذ بها في كل منهما المخالفة القطعية لعدم إمكان تلك المخالفة، نظير الاُصول النافية في كل من الوجوب والحرمة في دوران الأمر بين المحذورين.







والوجه في عدم صحة هذا القول في الشبهة المحصورة المفروضة أنه مع إمكان الموافقة القطعية باختيار الضد الثالث يكون التكليف واصلا، ومقتضى وصوله عقلا رعاية احتمال التكليف في كل من الضدين فيكون ترخيص الشارع في كل منهما منافياً للتكليف الواقعي المعلوم بالإجمال بينهما، ولا يقاس المثال بدوران الأمر بين المحذورين، حيث إن مع عدم إمكان شيء من المخالفة القطعية والموافقة القطعية لا يعتبر التكليف بنوعه واصلا، والتكليف المردد بين الوجوب والحرمة مع وحدة المتعلق لا أثر له ولا يترتب عليه الانبعاث حتى ينافي الحكم الظاهري في المتعلق ويجري ما ذكرنا في المثال في الشبهة غير المحصورة أيضاً إذا اعتبر فيها عدم التمكن من المخالفة القطعية ولو في طول الزمان.







وذكر الشيخ (قدس سره) في الوجوه التي يمكن الاستناد إليها في الالتزام بعدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، واختار الوجه هو أن العلم الإجمالي المزبور لا يعتنى به عند العقلاء ويعاملون مع أطرافه الشبهة البدوية، ولذا لا يرى العقل هذا العلم بياناً، ويجري في كل من أطرافه حكمه بقبح العقاب بلا بيان، وفسّر كلامه (قدس سره) بأن احتمال التكليف مع كثرة الأطراف في كل منها يكون موهوماً، فيجوز الارتكاب مادام الوهم في الأطراف، ويرد على ذلك بأنه إن كان المراد أنه لا يعتني بمجرد كون الاحتمال ضعيفاً بأنه لا يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي في أطراف محصورة تساوي احتمال التكليف في كل من أطرافها، بل يكون العلم الإجمالي منجزاً حتى فيما كان احتمال المعلوم بالإجمال في بعضها ضعيفاً، وإن كان المراد من الاحتمال الموهوم الاطمئنان بعدم المعلوم بالإجمال فيما يرتكبه فلازمه جواز الارتكاب مادام الاطمئنان والوثوق بأن المعلوم بالإجمال في سائر الأطراف، لا عدم تنجيز العلم الإجمالي في شيء من الأطراف كما هو ظاهر كلامهم بعدم الاعتبار بالعلم الإجمالي مع كون الشبهة غير محصورة.







ويمكن أن يكون مراده (قدس سره) مما ذكره، ما ذكرناه في بحث الفقه في مسألة العلم بالنجاسة في الشبهة غير المحصورة من أن المراد من العلم هو الذي يغفل عنه عامة الناس ولا يرونه علماً مع كونه في الحقيقة علماً، وذكرنا عدم اختصاص ذلك بالعلم الإجمالي، بل يجري في التفصيلي أيضاً، ومثلنا بالبيضة أو الدجاجة التي يشتريها أو يتملكها بغير الشراء، حيث إن جريان اليد العادية في طول سابق الزمان على اُصولهما أمر قطعي، ولكن لا يعتنى به فتدبر.







ثم إن الثمرة بين ما ذكره المحقق النائيني في وجه عدم وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة، وما ذكره الشيخ (قدس سره) في وجه عدم تنجيز العلم الإجمالي بناءً على ما فسروا كلامه به يظهر فيما لو كان الشك في الشيء بنفسه مورداً للاحتياط، كما لو اشتبه مائع مضاف بين أطراف كثيرة من الآنية التي فيها ماء فيكتفى بالوضوء بواحد منها، بناءً على الوجه الذي ذكره الشيخ لكون المختار للوضوء ماءً، فإن احتمال كونه غير ماء موهوم، بخلاف ما ذكره النائيني (قدس سره) فإنه يجب تكرار الوضوء بما في الآخر لإحراز التوضؤبالماء، وبتعبير آخر لا يكون الشك في كل من الأطراف كالعدم، ولكن العجب منه (قدس سره) حيث التزم بكفاية الوضوء الواحد، وعلله بأن المضاف المزبور لكثرة أطرافه بحكم التألف، والوجه في العجب أنه إن كان المراد بالتلف الاستهلاك وارتفاع الموضوع بأن يكون كثرة الأطراف موجباً لانتفاء المضاف فهو غير تام صغرى وكبرى، أما الصغرى فإنه يلزم على الاستهلاك لوكان درهم واحد من الدراهم الكثيرة ملك الغير أن يحكم بكل الدراهم أنها ملك لمن كان له سائر الدراهم، وأما الكبرى فقد ذكرنا في بحث المطهرات أن الاستهلاك لا يوجب انتفاء الموضوع وجواز شرب الماء الكثير الواقع فيه البول أو غيره من النجاسة، لما دل على اعتصام الماء وجواز شربه واستعماله في الوضوء، فهذا من التبعية لحكم الماء الطاهر، ولذا يقتصر على مورد قيام الدليل على التبعية.







وقد يستدل على عدم اعتبار العلم في الشبهة غير المحصورة بالإجماع، ولا يخفى ما فيه فإن هذه المسألة لم يتعرض لها القدماء من أصحابنا، فكيف يمكن دعوى الإجماع على حكمها، وعلى تقديره فلا يمكن إثبات الإجماع التعبدي لاحتمال كون مدركهم أحد الوجوه المتقدمة، كما يستدل على عدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة ببعض الروايات، كرواية أبي الجارود، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة؟ فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، واللّه إني لأعترض السوق، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن، واللّه ما أظنُّ كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان»(1) ولا يخفى ما فيه، فإنه يجوز ارتكاب الماخوذ في أمثال ذلك لا لكون الشبهة غير محصورة، بل لأنه مع عدم العلم بحرمة المأخوذ بعينه تجري فيه أصالة الطهارة أو الحلية، ويحكم بكونه مذكى ليد المسلم؛ لأنّ غير المأخوذ محرم عليه قطعاً، فإنه إما ملك للغير أو حرام، كما ذكرنا ذلك في بحث جوائز السلطان، نعم إذا علم الحرام في المأخوذ ولو تدريجياً جرى عليه حكم الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، بقي في المقام أمر، وهو أنه ذكر بعض أنَّ كثرة أطراف الشبهة توجب كون الشبهة غير محصورة فيما إذا لم يكن المعلوم بالإجمال كثيراً، وأما مع كثرة المعلوم بالإجمال كما إذا علم أن ثلث الآنية المنتشرة في البلد بأنه نجس فيجري عليها حكم الشبهة المحصورة، ويسمى هذا بشبهة الكثير في الكثير، والصحيح ملاحظة الموجب لتنجز العلم الإجمالي وجوداً وعدماً، فإنه في مثل جوائز السلطان لا يضر العلم بكثرة الحرام بخلاف ما إذا علم المكلف بكثرة الحرام فيما يبتلي بجميع الأطراف ولو في طول الزمان.















في ملاقي بعض أطراف العلم







[2] لا ينبغي التأمل في أن العلم الإجمالي بالموضوع بين طرفين أو اكثر يوجب تنجز التكليف المترتب عليه بسقوط الاُصول النافية في الأطراف فيما كان المعلوم بالإجمال تمام الموضوع له، أو كان في البين ما يحرز به تمام الموضوع، وأما إذا كان جزء الموضوع أو قيده فقط فلا يكون العلم الإجمالي به موجباً للتنجز ولا تساقط الاُصول النافية، كما إذا علم المكلف في جسدين أحدهما جسد إنسان ميت لم يغسل والآخر جسد حيوان ميتة، فإن الملاقي لأحدهما وإن يكن نجساً إذا كان مع الرطوبة المسرية، إلاّ أن المكلف إذا مس أحدهما لا يوجب ذلك غسل مس الميت؛ لأنه بالملاقاة المزبورة وإن تحرز النجاسة، إلاّ أنه لا يحرز بها تمام الموضوع لوجوب غسل مس الميت، بل مقتضى الأصل أنه لم يمس ميت الإنسان، وهذا بخلاف ما إذا كان العلم الإجمالي بموضوع مساوقاً لإحراز حصول الموضوع لحكم آخر أيضاً، كما إذا علم إجمالا بطهارة أحد شيئين كانا في السابق متنجسين، فإنه إذا فرض ملاقاة طاهر لأحدهما مع الرطوبة يحكم بنجاسة الطاهر؛ لأنه مع العلم بالملاقاة يحرز تمام الموضوع لتنجس الطاهر، فإنه لاقى شيئاً محكوماً بالنجاسة مع الرطوبة والملاقاة معها أمر وجداني، وكون الملاقى بالفتح نجساً بالاستصحاب، وهذا بحسب الكبرى واضح.















جريان الأصل النافي بالإضافة إلى تكليف لم يتم موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل







وإنما وقع الخلاف في بعض الموارد في أنها الصغرى للكبرى المذكورة، وأنّه بالعلم الإجمالي يحرز تمام الموضوع أم لا، كما إذا علم المكلف بأن إحدى العينين في يده غصب فلا يجوز له التصرف فيها، وإذا كان لأحدهما نماء منفصل بعد ذلك ولم يكن تناول النماء بالتصرف في أحدهما كتناول بيضة الدجاجة، فهل يجب عليه الاجتناب عن ذلك النماء أيضاً ويحكم بضمان النماء أيضاً، أم لا يجب الاجتناب عن النماء ولا يحكم بضمانه، فقد يقال كما عن المحقق النائيني (قدس سره) بلزوم الاجتناب عن النماء، ودخوله في الضمان كالعين المتبوعة له، وذكر في وجهه أن وضع اليد على عين عدواناً وضع لها على منافعها ونماءاتها، ولذا لو استلم ثالث العين من الغاصب وحصل نماؤها بيده كان لمالكها الرجوع إلى كل منهما على قرار تعاقب الأيدي على مال الغير، فأصالة عدم الضمان من ناحية العين التي لها نماء قد سقطت بالمعارضة مع أصالة عدم الضمان بالإضافة إلى العين التي لم يتجدد لها نماء، هذا بالإضافة إلى الوضع، وأما التكليف فلمبغوضية التصرف في النماء كالتصرف في نفس العين المتبوعة، أقول لا يخفى ما فيه، فإن النماء المتجدد مال آخر، ولو كانت العين للغير يكون التصرف في النماء المفروض محرماً آخر غير التصرف في العين، ولا تكون حرمة التصرف فيه عند وضع اليد على نفس العين، بل عند حدوثه ولو في يد شخص ثالث، كما أن وضع اليد عليها عدواناً يوجب ضمان نمائها أيضاً عند حصوله، فإنه مادام لم يردها على مالكها فما يفوت من منافعها ونماءاتها عن مالكها يدخل في الضمان أيضاً، فيكون على العين المملوكة للغير عدواناً استيلاء على نمائها المتجدد عند تجدده ولو في يد ثالث، كما هو مقتضى السيرة العقلائية في موارد ضمان اليد، وعلى ذلك فحرمة التصرف والضمان في النماء عند تجدده على تقدير كون النماء ملك الغير ولو بتبع العين، ومقتضى الاستصحاب عدم كون النماء عند حصوله ملكاً للغير لتتعلق به الحرمة والضمان في النماء، ولا يحتاج في جواز إثبات جواز التصرف في النماء وعدم الضمان فيه إلى إحراز كونه ملكاً لنفسه، كما يظهر عن الشيخ الأنصاري (قدس سره)، حيث استظهر عدم جواز التصرف، ولزوم الاحتياط في المال المشتبه من قوله (عليه السلام) على المروي «لا يحل مال إلاّ من وجه أحله اللّه»(2) والوجه في عدم الحاجة أن الرواية مع إرسالها لا تجري في الفرض، فإن استصحاب عدم كون النماء للغير أو أصالة الحلية فيه إحراز لما أحله اللّه، ولا مجال لدعوى معارضة أصالة عدم كون النماء ملك الغير بأصالة عدم كونه له، وذلك فإن الموضوع للحرمة والضمان مال الغير ونفيه كاف في ثبوت الجواز ولا أثر لأصالة عدم كونه ملك نفسه بالاضافة إلى حرمة التصرف فيه، والضمان حيث لا يثبت كونه ملك الغير، وعلى تقدير المعارضة أو عدم الجريان تصل النوبة إلى أصالة البراءة عن الحرمة والضمان، وقد يقال: هذا فيما إذا لم تكن الأطراف مسبوقة بملك الغير، كما لو اصطاد كل من اثنين صيداً فغصب أحدهما من الآخر، ثم اشتبه المغصوب بغيره وحصل لأحدهما نماء فإنه لا اشكال في الفرض على ما تقدم، وأما إذا كانت مسبوقة بملك الغير كما إذا اشترى شجرة وغصب الاخرى، واشتبهتا وحصل لاحدهما نماء فانه يجب في الفرض الاجتناب والتصرف في النماء يضمنه، فإن الاستصحاب في عدم كون الشجرة التي منها النماء، مقتضاه كون الثمرة ملك الغير، ولا مجال لدعوى المعارضة بينه وبين الاستصحاب في بقاء الشجرة الاُخرى على ملك الغير، والوجه في عدم المجال ما تقدم من أن الاُصول المثبتة للتكليف تجرى في أطراف العلم، ومجرد العلم الإجمالي بالانتقاض لا يوجب المعارضة بينها كما هو الحال في تعارض الطرق والأمارات، أقول: في التفصيل المزبور تأمل، وذلك فإن عدم المعارضة في الاُصول المثبتة يختص بموارد يتعين فيها العمل بتلك الاُصول، وأما مع العلم بعدم لزومه شرعاً ولو بحسب الظاهر كالعلم الإجمالي بكون أحد المالين للغير فالمعارضة بحالها، وعليه فلا بأس بالرجوع في النماء إلى الأصل النافي من غير فرق بين كون الأطراف مسبوقة بملك الغير أم لا.







ومما ذكرنا يظهر الحال في ملاقي بعض أطراف العلم بالنجاسة، فإن خطاب النهي عن شرب المتنجس أو أكله كسائر الخطابات انحلالية، ولو كان الملاقى بالفتح نجساً في الواقع يحدث بملاقاته فرد آخر من المتنجس محكوم بحرمة مستقلة وضعاً أو تكليفاً، وبما أن حدوث فرد آخر بالملاقاة غير معلوم، فيجري الاستصحاب، وأصالة الطهارة في الملاقي بالكسر بلا معارض.







وقد يقال: المستفاد من بعض الروايات أن الاجتناب عن الملاقي بالكسر بعينه مقتضى وجوب الاجتناب عن ملاقيه بالفتح لا أنه حكم آخر يثبت لفرد آخر، كما فيما رواه في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أتاه رجل فقال له: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبوجعفر (عليه السلام) «لا تأكله فقال له الرجل: الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي لأجلها، قال: فقال له أبو جعفر (عليه السلام): إنك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك إن اللّه حرم الميتة من كل شيء»(3)، ووجه الاستفادة أن السائل لم يرد أكل الفأرة، بل أراد أكل السمن أو الزيت الملاقى لها، فيستفاد من الجواب أن تحريم الميتة يدخل في الاجتناب عن السمن أو الزيت المفروضين في السؤال.







ولكن لا يخفى، أن المراد من التحريم في الرواية الحكم بالنجاسة وكونها منجسة لا الحرمة التكليفية، بأن يكون مقتضى تحريم الشيء تكليفاً الاجتناب عن ملاقيه، ولذا لا بأس بأكل ملاقي الميتة من غير ذي النفس أضف إلى ذلك ضعف الرواية سنداً.







والحاصل نجاسة الملاقي بالكسر غير نجاسة الملاقى بالفتح، وكل منهما محكوم بحكم مستقل، غاية الأمر إذا أحرز نجاسة أحد الشيئين إجمالا، ثم لاقى أحدهما شيئاً ثالثاً، يحكم بطهارة ذلك الثالث للشك في حدوث فرد آخر والأصل عدمه.







لا يقال: بعد الملاقاة يعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي بالكسر أو نجاسة الطرف الآخر، فهذا علم إجمالي ثان يكون منجزاً لنجاسة الملاقي على تقديرها، فإنه يقال: حيث إن الأصل النافي قد سقط في الطرف الآخر عند حصول العلم الإجمالي الأول، فلا مانع عن الرجوع إلى الأصل النافي في الملاقي، نعم إذا كان للطرف الآخر أصل طولي لم يسقط من الأول كما إذا علم إجمالا بنجاسة ثوب أو ماء ثم وقع الثوب في إناء ثالث يجب الاجتناب عن الإناء الثالث؛ لأنّ أصالة الطهارة والحلية فيها تسقطان بالمعارضة مع أصالة الحلية في الماء الذي كان طرفاً للعلم الإجمالي الأول على ما تقدم بيان ذلك سابقاً، وأما ما أجاب به الشيخ (قدس سره) عن شبهة العلم الإجمالي الثاني بعد العلم بالملاقاة، بأن العلم الثاني لا يمنع من جريان الأصل في الملاقي بالكسر لكون الشك في الملاقي ناشئاً من الشك في نجاسة الملاقى بالفتح فيكون الأصل الجاري في الملاقي بالكسر في طول الأصل الجاري في الملاقى بالفتح؛ لأنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي ولو جرت أصالة الطهارة في الملاقي لما كان لها مورد في ناحية الملاقي بالكسر، وبعد سقوط الأصل في الملاقى بالفتح للمعارضة بينه وبين الأصل في الطرف الآخر تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي بالكسر بلا معارض، فقد تقدم أن مجرد كون الأصل طولياً في أحد الأطراف لا يوجب خروجه من أطراف المعارضة، حيث ذكرنا أن الطولية إنما هي في فرض جريان الأصل الحاكم، وأما مع عدم جريانه يكون الأصل في الطرف الآخر معارضاً مع الأصل الطولي أيضاً، وقد أورد على الشيخ (قدس سره) بأن الساقط في الملاقى بالفتح وطرفه الآخر هو أصالة الطهارة لكون أصالة الطهارة فيه حاكماً على أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر، ولكن أصالة الحلية في ناحيته غير حاكمه، فأصالة الطهارة في الملاقي بالكسر تتعارض مع أصالة الحلية في الطرف الآخر الذي هو طرف للملاقي، وهذا هو المعروف بالشبهة الحيدرية، والصحيح في الجواب ما ذكرنا من أنه لا تجرى أصالة الطهارة في الملاقي إلاّ بعد فعلية الملاقاة وإحرازها، وقبل ذلك قد سقطت كل من أصالة الطهارة والحلية في ناحية الملاقى بالفتح وطرفه، فإنه لم يكن في ذلك الزمان ملاقاة وإحرازها ليكون الشك في طهارة الملاقي أو حليته من أطراف الاُصول المتعارضة، وعليه فلا أساس صحيح للشبهة الحيدرية.















[3] ذكر (قدس سره) لملاقي بعض الأطراف فروضاً ثلاثة، وأنه يجب الاجتناب في الفرض الأول عن الملاقى بالفتح وطرفه دون الملاقي بالكسر، وهذا يكون فيما إذا كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بوجود النجس بين الأطراف، وذكر في الفرض الثاني لزوم الاجتناب عن الملاقي بالكسر والطرف الآخر دون الملاقى بالفتح، وهذا يكون في صورتين، إحداهما: ما إذا علم أولاً بنجاسة الملاقي بالكسر والطرف الآخر أولاً، ثم علم بالملاقاة وأنه كان قبلها إما الملاقى بالفتح نجساً أو الطرف الآخر، فإن حال الملاقى بالفتح في هذا الفرض كحال الملاقي بالكسر في الفرض الأول من عدم كون الأصل الجاري فيه من أطراف المعارضة، وثانيتهما: ما إذا علم الملاقاة أولا، ثم حدث العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر، ولكن كان عند حدوث العلم الإجمالي الملاقى بالفتح خارجاً عن محل الابتلاء وصار مبتلى به بعد حصول العلم.







أقول: ما ذكر في الاُولى من الصورتين إنما يصح فيما إذا علم أولا بوقوع النجاسة إما في الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر، ثم حصل العلم بالملاقاة، وأن نجساً آخر كان واقعاً في الملاقى بالفتح أو الطرف الآخر، وأما إذا علم فعلا أن منشأ نجاسة الملاقي بالكسر على تقديرها هي الملاقاة السابقة لكانت أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح مثبتة لطهارة الملاقي فعلا، وعلى ذلك فاللازم الاجتناب عن الطرف الآخر فقط فيكون هذا فرضاً رابعاً زائداً على الفروض الثلاثة، ولا يقاس المقام بما إذا علم بنجاسة أحد شيئين ثم علم بأن النجس أحدهما أو الشيء الثالث، حيث يجب في ذلك الاجتناب عن الجميع لا خصوص أحد الشيئين الأولين، بدعوى أن جريان الأصل النافي في الشيء الثالث بلا معارض، والوجه في عدم صحة القياس أنه في مثل ذلك يعلم ثانياً خطأ الأول وبطلانه من أصله، فيكون الشك في كل من الأطراف بعد العلم الثاني شكاً جديداً فتسقط الاُصول النافية فيها بالمعارضة، وبالنتيجة يجب الاجتناب عن الجميع، وهذا بخلاف المفروض في المقام فإنه لا يعلم الخطأ في العلم الإجمالي الأول، بل يحصل علم إجمالي ثان غاية الأمر لا يكون التكليف في أحد طرفيه على تقديره تكليفاً فعلياً منجزاً بهذا العلم الإجمالي الثاني.







وأما المثال الثاني: فهو ما إذا علم بملاقاة شيء كالثوب لمائع ثم علم بنجاسة ذلك المائع أو شيء آخر، ولكن كان المائع الملاقى بالفتح خارجاً عن الابتلاء حين حصول العلم الإجمالي بالنجاسة وصار داخلاً في الابتلاء بعد ذلك، فإنه عند حصول العلم الإجمالي بالنجاسة تسقط أصالة الطهارة في كل من الملاقى بالكسر أو الشيء الآخر بالمعارضة، وبعد دخول الملاقى بالفتح في الابتلاء تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، ولكن لا يخفى ما فيه فإن جريان أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح عند العلم بنجاسته أو نجاسة شيء آخر لا يتوقف على بقائه حين حصول العلم أو دخوله في محل الابتلاء بنفسه، فإن لطهارته ولو مع فقده قبل أن يخرج عن محل الابتلاء أثراً شرعياً وهو طهارة ملاقيه فعلا، فالعلم الإجمالي بنجاسته أو الشيء الآخر يوجب سقوط أصالة الطهارة في كل منه وما لاقاه، والطرف الآخر، فيدخل هذا في القسم الثالث الذي أشار إليه بقوله: «وثالثة: يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم الملاقاة، ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان».







ثم لا يخفى أنه كما لا تجرى الاُصول النافية في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف أو حصول الموضوع له بينها لما ذكرنا من أن العلم الإجمالي بأحدهما فرض وصول التكليف فيكون الترخيص فيها ترخيصاً قطعياً في التكليف الواصل وهو قبيح من المولى الحكيم، وعبّرنا عن ذلك بالمضادة بين التكليف الواصل والترخيص في الأطراف من جهة المنتهى والغرض من التكليف، كذلك لا تجرى الاُصول النافية في أطراف الطريق الإجمالي القائم بالتكليف أو الموضوع بينها، كما إذا قامت البينة بوقوع نجس في أحد إناءين ونحتمل خطئها وعدم أصابة النجس لشيء منهما، فإنه لا مجال في مثل الفرض لتوهم وقوع المعارضة بين مادل على اعتبار ذلك الطريق وبين خطابات الاُصول النافية في كل من الإناءين، والوجه في عدم المجال هو أن مقتضى إطلاق اعتبار الطريق العلم بنجاسة أحدهما، فالنجاسة على تقديرها تكون واصلة فلا يمكن مع وصولها الترخيص في الأطراف، وبتعبير آخر إطلاق اعتبار الطريق يثبت القرينة العقلية على تقييد اعتبار خطاب الاُصول النافية في أطرافه لعدم شمول خطاب الأصل النافي لكلا الإناءين؛ لأنّ نجاسة أحدهما معلومة وشموله للآخر منهما غير معقول للعلم بطهارة الآخر واقعاً، وإن اُريد المعين فالحكم بطهارة المعين منهما ترجيح بلا مرجح على قرار ما تقدم، وعلى الجملة لا فرق بين العلم الإجمالي الوجداني وبين الطريق المعتبر القائم بالتكليف بين الأطراف غاية الأمر تكون القرينة على تقييد خطاب الأصل النافي في الأول نفس العلم الإجمالي، وفي الطريق المعتبر بملاحظة اعتباره، حيث إن معنى اعتباره كونه علماً بالتكليف، نعم لتوهم المعارضة وجه بناء على أن المجعول جعل المنجزية لها ولكنه مدفوع أيضاً، فإنه إذا لم يكن للأصل العملي مع الطريق التفصيلي مجال فلا يكون له المجال مع الطريق الإجمالي أيضاً كما يأتي في وجه تقديم الأمارات على الاُصول، وحاصله أن مفاد خطاب الأصل يدفع بدليل اعتبار الأمارة حتى لو قلنا بأن مفاد دليل اعتباره جعل المنجزية، وذلك فإن الجهل بالواقع غير مأخوذ في اعتبار الأمارة بل مدلولها جعل المنجزية لها، حيث ما أمكن جعل المنجزية ومع شمول الاعتبار للأمارة القائمة بين الأطراف لا يمكن للمولى الحكيم الترخيص في مخالفه التكليف الواصل منجزيته إلى المكلف.















(1). وسائل الشيعة 25:119، الباب 61 من أبواب الأطمعة المباحة، الحديث 5.







(2). وسائل الشيعة 27:156، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 8.







(3). وسائل الشيعة 1:206، الباب 5 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2.































المقام الثاني: في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.







والحق أن العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضاً يوجب الاحتياط عقلا[1].







هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلاّ بالأكثر بناءً على ما ذهب إليه المشهور من العدلية[2].







وأما النقل فالظاهر أنّ عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته[3].















في دوران متعلق التكليف بين الأقل والأكثر الارتباطيين















[1] لا يخفى أن الشك فيما إذا تعلق بنفس التكليف يكون مجرى لأصالة البراءة بخلاف ما إذا علم التكليف، وكان الشك والتردد في متعلّقه، فإنه يكون مجرى لقاعدة الاشتغال، ويقال الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين بحث صغروي وإن الشك فيهما يرجع إلى الشك في التكليف ليرجع إلى أصالة البراءة، أو أن التردد في متعلقه فقط فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال، ثم إن لدوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين صورتين، الاُولى: ما كان الشك في جزئية شيء للمأمور به بأن تردد التكليف الواحد ثبوتاً بين تعلّقه بمجموع اُمور يكون لا بشرط بالإضافة إلى المشكوك، وبين تعلقه بذلك المجموع مع ذلك المشكوك، والصورة الثانية: احتمال شرطية شيء أو مانعيته لمتعلق التكليف، بأن يدور متعلق التكليف بين كونه مطلقاً بالإضافة إلى المشكوك أو مقيداً بوجوده أو عدمه مع العلم بأن نفس المشكوك لا يدخل في متعلق ذلك التكليف، ويلحق بالصورة الثانية: دوران متعلق التكليف بين كونه جنساً أو نوعاً أو مردداً بين كونه نوعاً أو صنفاً، وبتعبير آخر يكون متعلق التكليف مردداً بين كونه فعلا عاماً أو خاصاً، ومما ذكر يظهر أن دوران الوظيفة يوم الجمعة بين الظهر أو الجمعة أم دورانها بين القصر والتمام لا يدخل في مباحث الأقل والأكثر، حيث إن الأولين متباينان بالعنوان والقصر والتمام متباينان بشرط لا وبشرط شيء، فتدخلان في دوران متعلق التكليف بين المتباينين.







ويقع البحث أولا في الصورة الاُولى: يعني الشك في جزئية شيء لمتعلق التكليف، وقد يقال مع العلم الإجمالي بتعلق الوجوب بالأقل أو الأكثر الارتباطيين لا انحلال في ناحية العلم في التكليف لا حقيقة ولا حكماً ولا عقلا ولا شرعاً، فيجب الاحتياط بالاتيان بالأكثر كما قد يقال بانحلال العلم المزبور عقلا وشرعاً فتجري في ناحية وجوب الأكثر البراءة العقلية والنقلية، كما يظهر ذلك من كلمات الشيخ الانصاري في الرسالة، وقد ذهب جمع منهم المحقق الخراساني والمحقق النائيني (قدس سرهما)إلى أنه لا انحلال في ناحية العلم بالتكليف حقيقة، ولكن مع ذلك لا يجب الاحتياط بالاتيان بالأكثر للانحلال الحكمي المستفاد من خطابات البراءة الشرعية، والكلام في جريان البراءة العقلية وعدمه، وقد وجّه الشيخ (قدس سره) الانحلال عقلا بأن تعلق التكليف بالأقل وترتب العقاب على تركه محرز؛ لأنه إما واجب نفسياً أو غيرياً فلابد من الإتيان به، وأما تعلق التكليف بالجزء المشكوك وترتب العقاب على ترك الأكثر بتركه فهو غير معلوم، فيكون مجرى قبح العقاب بلا بيان كسائر موارد الشك في التكليف، وقد أورد الماتن على ما ذكره بوجهين، الأول: كون الانحلال بالنحو المذكور خلفاً، والثاني: استلزامه عدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه مستحيل، وذلك فإن تنجّز التكليف بالأقل ولزوم الاتيان به على كل تقدير يتوقف على تنجز التكليف الواقعي حتى ما لو كان متعلقاً بالأكثر لتوقف لزوم الاتيان بالمقدمة على تنجز التكليف بذيها، ففرض لزوم الاتيان بالأقل على كل تقدير فرض لتنجز التكليف الواقعي ولو كان متعلقاً بالأكثر، ولو كان لزوم الاتيان بالأقل على كل تقدير موجباً لعدم تنجز التكليف ولو كان بالأكثر لكان خلفاً بالإضافة إلى فرض تنجز التكليف على كل تقدير.







وأيضاً عدم تنجز التكليف على تقدير تعلقه بالأكثر يستلزم عدم كون وجوب الأقل منجزاً على كل تقدير؛ لأنه لا يترتب على ترك المقدمة شيء فيما إذا جاز ترك ذيها، وعدم كون وجوب الأقل منجزاً على كل تقدير، يستلزم عدم الانحلال فيلزم من الانحلال عدمه، أي يلزم من عدم تنجز التكليف ولو كان متعلقاً بالأكثر عدم كون الأقل متيقناً في لزوم الإتيان به وعدم كونه متيقناً يستلزم عدم الانحلال، فالانحلال يستلزم عدمه.







أقول: لا يتم ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المقام ولا ما ذكره الماتن في الايراد عليه، اما الأول: فلان الأجزاء في الواجب الارتباطي لا تكون واجبة بالوجوب الغيري ليقال بأن الأقل متعلق للوجوب نفسياً أو غيرياً، فإن المقدمية بين الجزء والكل غير واردة على ما تقرر في بحث مقدمة الواجب، بل الجزء يتعلق به الوجوب النفسي في ضمن تعلقه بسائر الأجزاء، فالغيرية والنفسية تستلزم عدم الانحلال؛ لأنه يعتبر في الانحلال أن يكون المنحل إليه أي المعلوم بالتفصيل من سنخ المعلوم بالإجمال ومع عدمه يبقى العلم الإجمالي بحاله.







وأما ما ذكره الماتن (قدس سره) من توقف الانحلال على تنجز التكليف الواقعي على كل تقدير فغير تام، فإن الانحلال إلى العلم التفصيلي للعلم بتعلق الوجوب النفسي بالأقل لا محالة، حيث إن الوجوب لو كان متعلقاً بالأكثر لكان الأقل أيضاً متعلقاً بذلك الوجوب في ضمن تعلقه بالأكثر، وإذا اُحرز تعلق الوجوب المعلوم بالإجمال بالأقل فيستحق المكلف العقاب في فرضين يقيناً، الأول: ما إذا تعلق الوجوب النفسي بالأقل خاصة وترك المكلف الاتيان بالأقل، والثاني: أن يتعلق الوجوب بالأكثر وكان مخالفته بترك الأقل، وأما إذا تعلق بالأكثر وخالفه بترك الجزء المشكوك فالاستحقاق غير محرز، وبتعبير آخر يمتاز كل واحد من سائر الأجزاء عن الجزء المشكوك، فإن المكلف يستحق العقاب بمخالفة التكليف بترك كل من سائر الأجزاء، بخلاف ترك الجزء المشكوك فيه، فإن تعلق الوجوب النفسي ولو ضمنياً غير محرز، كما أن الاستحقاق على فرض تركه غير محرز ولم يتم له بيان، والحاصل لا يتوقف الانحلال على ما ذكره، بل على كون الأقل متعلق الوجوب لا محالة، وعدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف على تقدير تعلقه بالأكثر بترك الجزء المشكوك من أثر الانحلال والتكليف النفسي وإن يكن واحداً حقيقة إلاّ أن له في ناحية متعلقه سعة، ودخول الأقل وأخذه في متعلق الوجوب محرز، ولكن أخذ المشكوك ليتعلق به الوجوب غير معلوم، وهذا التبعيض في ناحية المتعلق يستدعي في التكليف الواحد التبعيض في تنجزه ولا محذور فيه، وبتعبير آخر التبعض في التكليف الواحد مع كون متعلقه متعدداً بحسب تنجزه لا محذور فيه عقلا ولا يستلزم خلفاً، ولا عدم الانحلال، حيث إن التبعّض بحسب التنجز غير التبعّض بحسب الثبوت والسقوط واقعاً.







لا يقال: لا مجال في المقام للرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ناحية تعلق الوجوب بالأكثر ولا يدفع احتمال العقاب على مخالفته من جهة ترك الجزء المشكوك، بل المرجع قاعدة الاشتغال؛ لأنّ التكليف تعلقه بالأقل محرز سواءً كان نفسياً أو ضمنياً فيكون منجزاً، ولابد من إحراز سقوطه سواء كان نفسياً أو ضمنياً وإذا ترك المكلف الجزء المشكوك واقتصر على الأقل يحتمل أن لا يسقط التكليف المتعلق بالأقل لكونه متعلقاً بالأكثر ثبوتاً، حيث إن التكليف الضمني لا يسقط إلاّ مع الاتيان بتمام الواجب، والشك في سقوط التكليف المعلوم مورد لقاعدة الاشتغال، فإنه يقال: إحراز سقوط التكليف سقوطاً واقعياً غير لازم في حكم العقل، بل اللازم في حكمه أن لا يحتمل العقاب، فإن العلم بمخالفة التكليف المحرز المعلوم إجمالا بترك الأقل بيان بالإضافة إلى وجوبه، وأما إحراز سقوطه الواقعي مع فرض تبعض التكليف في تنجزه فغير لازم في حكم العقل، لا يقال: لو كان التكليف متعلقاً بالأكثر بحسب الواقع فلا يكون الإتيان بالأقل من الإتيان بمتعلق الأمر الضمني، فإن الإتيان بمتعلقه يكون في ضمن الإتيان بمتعلق الأمر النفسي كما هو مقتضى الارتباطية في التكليف، فإنه يقال هذا أي الانحصار على صورة الإتيان بالكل مبني على عدم إمكان تبعض التكليف الواحد في التنجز وتعين إحراز سقوطه ثبوتاً لأجل أن التكليف الواحد بحسب الواقع لا يقبل التبعض في الثبوت والسقوط.







لا يقال: لا يوجد في الخارج الأقل لا بشرط الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي في المقام، بل ما يؤتى به خارجاً إما بشرط لا بحسب الخارج أو بشرط شيء بحسبه، نعم مايوجد خارجاً (بشرط لا) ربما يمكن تبديله بحسبه إلى بشرط الشيء المشكوك جزئيته، كما إذا أمر المولى بالاتيان بمجموع عدة اُمور يحصل بها غرض واحد، ويشك في دخل شيء معها في حصول ذلك الغرض الموجب لأمره بها، بحيث لو كان المشكوك دخيلا يمكن تداركه ولو بالاتيان به بعد تحقق تلك الاُمور خارجاً، ففي مثل هذا يمكن دعوى تنجز التكليف بالإضافة إلى الأقل، حيث إن تركه مخالفة للتكليف المعلوم إجمالا يقيناً، وترتب العقاب على تركه محرز سواء كان وجوبه نفسياً أو ضمنياً، وأما إذا لم يمكن تبديل ما وقع خارجاً بشرط لا إلى بشرط شيء فلا يمكن دعوى أن المكلف قد أتى بالمعلوم إجمالا، يعني بالأقل المردد كون وجوبه نفسياً أو ضمنياً، كما إذا شك في كون السورة جزءاً من الصلاة بعد قراءة الحمد وقبل الركوع، حيث إنه إذا صلى بلا سورة لا يمكن له دعوى أنه قد أتى بالأقل، حيث إن الأمر الضمني على تقدير وجوب الأكثر تعلق بالركوع بعد قراءة السورة وبالحمد قبل السورة، حيث إنّه في الواجبات الارتباطية كالصلاة يكون الاتيان بالجزء البعدي شرطاً في الجزء القبلي والقبلي شرطاً في الجزء البعدي، فلا يحرز حصول متعلق الطلب المحرز نفسياً أو ضمنياً، بل مقتضى قاعدة الاشتغال في ناحية الأمر المعلوم تعلقه بالأقل نفسياً أو ضمنياً هو الإتيان بالأكثر.







فإنه يقال: الوجوب المتعلق بالأقل على تقدير كونه ضمنياً فالأقل مشروط بالمشكوك ثبوتاً لا محالة، كما ذكر، إلاّ أن عدم البيان لوجوب الأكثر المساوق لعدم البيان لاشتراط الأقل بالمشكوك موضوع لقبح العقاب على ترك الأكثر المساوق لقبحه على عدم رعاية الشرط في ناحية الأقل بلا فرق بين ما أمكن تبديل المأتي به خارجا بنحو بشرط لا، إلى بشرط شيء أم لا؛ وعلى الجملة مع حكم العقل بقبح العقاب على مخالفة التكليف الواقعي لو كان متعلقاً بالأكثر وكانت مخالفته بترك المشكوك لم يبق مجال لقاعدة الاشتغال، فإن موضوعها احتمال العقاب، والفرق بين ما نحن فيه والمتباينين أن أحد طرفي العلم الإجمالي في المتباينين كان كالطرف الآخر في احتمال تعلق التكليف به من غير أن يكون في البين تعين لأحدهما بخصوصه، ولذا كان المتعين لرعاية التكليف المعلوم إجمالا في كل منهما بخلاف العلم الإجمالي المفروض في المقام، فإن كون وجوب الأقل متيقناً يوجب أن لا تُجرى في ناحيته قاعدة قبح العقاب بلا بيان، بخلاف احتمال وجوب الأكثر، فإن عدم جواز تركه بترك المشكوك مما لا سبيل للعقل إليه، فتحصل أن الانحلال في المقام حتى بحسب البراءة العقلية متحقق ولكنه حكمي لا حقيقي، بمعنى أن الوجوب المعلوم بالإجمال لا يخرج عن تردده عن كونه متعلقاً بالأقل أو الأكثر قد ظهر مما ذكرنا في تقريب البراءة العقلية بالإضافة إلى وجوب الأكثر يظهر أن التبعض في التنجز عقلا لا يختص بموارد تردد الوجوب بين النفسي والضمني، بل يجري في مورد تردد الوجوب بين النفسي والغيري أيضاً، وحتى لو لم نقل بالوجوب الغيري الشرعي للمقدمة، كما إذا علم المكلف بتعلق نذره إما بصلاة ركعتين قبل الزوال أو الوضوء قبله، حيث إن ترتب العقاب على ترك الوضوء قبله أو مع تركه قبله محرز وجداناً، سواء كان المنذور قبل الزوال الوضوء أو الصلاة، فإن الصلاة قبله لا تكون بدون الوضوء وأما إذا توضأ قبله فلا يحرز ترتب استحقاق العقاب على تركها لعدم تمام البيان بالإضافة إلى وجوبها فتدبر.















في انحلال العلم الإجمالي عقلاً في موارد دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين







ثم إنه قد التزم العراقي (قدس سره) في دوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر، بأن شك في جزئية شيء لمتعلّق الأمر وعدمها بالانحلال الحقيقي، وقال في تقريبه ما حاصله، إن تعلق الوجوب وانبساطه على الأقل معلوم تفصيلا، والشك في انبساط ذلك الوجوب على المشكوك وأن اللابشرطية أو بشرطية الشيء لم تؤخذ قيداً لمتعلق الوجوب، بل يتعلق الوجوب بذات الأقل أو ذات الأكثر، حيث إن المولى عندما لاحظ متعلق وجوبه بلحاظ الغرض الكامن فيه يرى تارة دخالة شيء في متعلقه كدخالة غيره من الأجزاء، فينشأ الوجوب الواحد بحيث ينبسط على الجميع فيعبر عن ذلك بأن المتعلق بالإضافة إلى ذلك الشيء بشرط شيء، واُخرى عدم دخالته فيه بلحاظ حصول الغرض بدونه فينشأ الوجوب بذات الأقل ولا ينبسط الوجوب المنشأ لذلك الشيء، ويعبر عن ذلك بلا بشرطية المتعلّق، وعلى ذلك فجعل الوجوب الواحد وانبساطه على الأقل معلوم تفصيلا، وانبساطه على ذلك الشيء غير معلوم لا تفصيلا ولا إجمالا، فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ناحية تعلقه بالمشكوك.







أقول: انبساط الوجوب المنشأ على ذات الأقل وإن كان محرزاً في الجملة أي في الموارد التي لا يلاحظ الترتيب الخاص بين الأجزاء، إلاّ أن الوجوب المنبسط على الأقل بما أنه دائر أمره بين الاستقلالية والضمنية فلا يحرز سقوط ذلك التكليف عن الأقل على تقدير جزئية المشكوك، فيبقى في البين دعوى أن الشك يرجع إلى سقوط ذلك الوجوب المنبسط على الأقل بالإتيان به، فلا يقاس المقام بدوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الاستقلاليين وينتهي الأمر إلى تقريب التبعض في التكليف في مرحلة التنجز لو كان متعلقاً بالأكثر وهذا انحلال حكمي لا حقيقي.







وأما في الموارد التي تعتبر الترتيب بين الأجزاء يكون الدخيل في حصول الغرض حصول الجزء بنحو خاص كما في أجزاء الصلاة، فذات الملحوظ في مقام إنشاء الوجوب يختلف فيكون المأخوذ في متعلّقه على تقدير جزئية السوره بعد الحمد الركوع الخاص، وهو الركوع بعد قراءة السورة وعلى تقدير عدم جزئيتها ذات الركوع بعد الحمد وهكذا، ومع هذا الاختلاف كيف يمكن دعوى أن تعلق الوجوب وانبساطه على ذات الأقل محرز تفصيلا، وأن الانحلال حقيقي فلم يبق في البين مع عدم إمكان تبعض التكليف الواحد في الثبوت والسقوط إلاّ دعوى التبعض في مقام التنجز، وهو انحلال حكمي؛ لأنّ العلم الإجمالي بالإضافة إلى التكليف المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر بيان ولا يجرى معه قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالإضافة إلى تعلقه بالاقلّ، ولا بالإضافة إلى تعلقه بالأكثر من ناحية ترك الأقل، وأما بالإضافة إليه من ناحية جزئية المشكوك فلا منع من جريانها كما لا يخفى.















[2] وقد يستدل على لزوم الاحتياط عقلا في دوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر في الارتباطيين وأنه لا مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان في ناحية وجوب الأكثر بوجه آخر، وقد تعرض الشيخ (قدس سره) لهذا الوجه وأجاب عنه وحاصله أنه في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين يعلم الغرض الملزم في البين وتحصيل الغرض الملزم للشارع لازم عقلا، ولذا تكون الواجبات الشرعية ألطافاً في الواجبات العقلية، والغرض اللازم استيفاؤه لا يحرز حصوله بالاتيان بالأقل فقط بل يكون بالاحتياط والاتيان بالأكثر.







وأجاب عن ذلك تارة بأن مسألة الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين غير مبيّن على المشهور عند العدلية من وجود المصالح أو المفاسد في الواجبات أو المحرمات ليقال: إنّ استيفاءها والتحرز عن تلك المفاسد لازم عقلا لكونهما من الغرض الملزم للشارع، بل تجري على القول الأشعري المنكر لهما، بل وتجري على غير المشهور عند العدلية من تحقق المصلحة في نفس الحكم والتكليف، واُخرى بأنه على تقدير المصالح والمفاسد في المتعلقات لم يحرز في المقام لزوم الاستيفاء، حيث يحتمل دخالة قصد الوجه في حصول الغرض بعد العلم باعتبار قصد التقرب والامتثال في حصوله، ولا يتمكن المكلف مع دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من قصد الوجه، فيبقى في البين الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال المنحل إلى وجوب الأقل على ما تقدم، حيث إن الخروج من عهدة التكليف المعلوم لازم عقلا، وإن لم يكن في المتعلق غرض بحيث يلزم على المكلف استيفاؤه.















الاستدلال على لزوم الاحتياط بالاتيان بالأكثر للوجه العقلي







وقد صحح الماتن (قدس سره) الاستدلال المذكور للزوم الاحتياط بالإتيان بالأكثر، وقال: إن ما ذكره الشيخ (قدس سره) في الجواب عنه غير مفيد، فإن من التزم بالمصلحة الملزمة في الواجب وكونها غرضاً داعياً للشارع إلى إيجابه عليه أن يلتزم بالإتيان بالأكثر لاستيفاء الغرض، وقول الأشعري المنكر للمصلحة الملزمة لا يرفع عنه هذا الالتزام، وما ذكره من عدم ابتناء البراءة والاشتغال في المسألة على قول المشهور من العدلية لا يفيد من التزم بالمصالح والمفاسد في الواجبات والمحرمات، بل التزم بما عليه غير المشهور من العدلية من احتمال كون المصالح في نفس التكاليف فإن حصولها في المتعلق عنده محتمل، وأما ما ذكره ثانياً من احتمال دخالة قصد الوجه في حصول الامتثال المحصّل للغرض، ولا يتمكن المكلف في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من قصده فيدفعه أنه على تقدير اعتبار قصد الوجه يتمكن منه المكلف في نفس العمل، وإنما لا يتمكن من قصد التمييز في الجزء المشكوك جزئيته، وقصد الوجه والتمييز في خصوص كل جزء غير معتبر عقلا في صحة العمل، وإلاّ لزم عدم إمكان الاحتياط في المقام، وإمكان الاحتياط فيه كالاحتياط في العلم الإجمالي في المتباينين واضح، فللمكلّف مع اعتبار قصد الوجه الإتيان بالأكثر فإنه مصداق للواجب أي متعلق الوجوب فيما دار أمر المشكوك بين كونه جزءاً واجباً أو جزءاً مستحباً المعبر عنه بجزء الفرد، نعم إذا كان أمره دائراً بين كونه جزءاً من المتعلق أو مقارناً خارجاً للمتعلق ينطبق متعلق الوجوب عليه بسائر أجزائه، هذا مع أن الكلام في البراءة والاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين يجري فيما كان الواجب توصلياً ولا مجال في التوصلي لاحتمال دخل قصد الوجه في العمل فضلا عن أجزائه.







وذكر (قدس سره) في آخر كلامه في المقام أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في العبادات حتى في أجزائها بنحو ينافيه التردد لما يجب الامتثال حتى بالإتيان بالأقل لعدم إحراز الغرض فيه، وعدم إمكان تحصيله لو كان متعلقاً بالأكثر ولولم يعتبر قصد الوجه كذلك، بل اعتبر بنحو لا ينافيه التردد في بعض أجزائه لزم الإتيان بالأكثر للزوم إحراز حصول الغرض.







أقول: يرد على الماتن (قدس سره) أنه مع تردد الغرض والملاك في كونه في المتعلق أو نفس التكليف لم يمكن الالتزام بلزوم الاحتياط من ناحية العلم بالغرض، ووجهه ظاهر، فإنه إنما يلزم رعاية العلم بالغرض إذا كان الغرض مترتباً على فعل العبد بحيث يكون مطلوباً منه، ومع كون الغرض في نفس التكليف أو احتماله فلا يعلم المكلف باشتغال عهدته بالغرض ليلزم عليه إحراز رعايته وظاهر كلامه (قدس سره) لزوم رعايته حتى في هذا الفرض.







وما ذكره أخيراً من عدم لزوم الاتيان بالأقل مع اعتبار قصد الوجه والتمييز بحيث ينافيه التردد أيضاً لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنه ذكر في بحث الواجب التعبدي والتوصلي أن قصد الوجه والتمييز كقصد التقرب مما لا يمكن أخذه في متعلق التكليف، وإنما يتعلق التكليف بذات المتعلق، ولكن العقل حاكم بلزوم رعاية ما ذكر إذا احتمل دخالتها في حصول الامتثال والغرض من إيجاب ذلك المتعلق، وعليه ففي المقام بناءً على الانحلال تعلق الأمر النفسي بذات الأقل محرز، وإنما الشك في حصول الغرض بالإتيان بالأقل المحرز وجوبه على الفرض، والتردد في تعلق الوجوب وانبساطه على الجزء المشكوك فلا يمكن قصد التمييز والوجه في ذلك الجزء المشكوك لا في الأقل المحرز وجوبه يقيناً خصوصاً فيما إذا لم يكن الترتيب معتبراً بين الأجزاء على ما تقدم، وعلى الجملة يجب الإتيان بالأقل لاحتمال حصول الغرض المعلوم في البين به، وأجاب المحقق النائيني (قدس سره) عن الوجه العقلي بأن مجرد العلم بالغرض في متعلق التكليف لا يوجب لزوم رعايته، وذلك فإن الغرض المترتب على متعلق التكليف يكون تارة بمنزلة المعلول من علته بأن يكون المتعلق من العلة التامة له كما في ترتب زهوق الروح على فري الأوداج، واُخرى يكون الإتيان بالمتعلق من قبيل المقدمة الإعدادية لحصول الغرض كما في ترتب نبات الزرع على حرث الأرض وإلقاء الحب فيها، وإذا كان الغرض من قبيل الأول لتعلق الوجوب يلزم على المكلف إحراز حصوله، بخلاف ما إذا كان من قبيل الثاني فإنه لا يجب على المكلف إلاّ الإتيان بمتعلق التكليف، حيث إن الغرض خارج عن فعله فلا يطلب منه وإنما يطلب منه فعله، وفيما إذا لم يحرز أن الغرض من أي القسمين لا يثبت في حقه إلاّ التكليف بالفعل، والحاصل أن مجرد العلم بالغرض في متعلق التكليف مع تردده بين القسمين لا يوجب القول بلزوم رعاية الاحتياط لإحراز حصول الغرض، حيث إن الغرض في القسم الأول مطلوب من المكلف، ولذا لا يفرق بين أمره بقطع الأوداج أو إزهاق روحه، بخلاف القسم الثاني فإنه لا يتعلق التكليف إلاّ بنفس الفعل فإنه المقدور للمكلف، وترتب الغرض يحتاج إلى أمر أو اُمور خارجة عن اختياره فلا تطلب منه، بل لا يبعد أن يستفاد من تعلق الأمر في الخطاب بعنوان الفعل مع عدم معروفية الملاك بأن الملاك من قبيل الثاني.







وقد أورد بعض الأجلة (قدس سرهم) على ما ذكر، بأن متعلق الوجوب وإن يمكن كونه من قبيل المعدّ للغرض الأقصى للمولى، إلاّ أن الغرض المطلوب من المكلف هو الغرض المترتب على فعله لا الغرض الأقصى، وفعله بالإضافة إلى الغرض المطلوب منه المعبر عنه بالغرض الأدنى مما يترتب على فعله يكون من قبيل ترتب المعلول على علّته، وإذا شك المكلف في ترتب الغرض الأدنى واحتمل عدم حصوله بالإتيان بالفعل لزمه الاحتياط بالإتيان بالأكثر لإحراز حصوله، فلا يمكن إبطال الوجه العقلي بتقسيم الغرض وترديده في موارد الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين بين ما لا يطلب عن المكلف لاحتمال كون فعله معدّاً للغرض لا علة وبين ما يطلب لكونه علة له.







ثم ذكر أن الصحيح في الجواب عن الوجه العقلي المزبور ما حاصله أن الغرض المترتب على الفعل إذا كان معلوماً بعنوان الخاص بلا فرق بين كون الغرض الأقصى وكون الفعل علة تامة له وبين كونه أدنى، فاللازم على المكلف إحراز حصوله، وأما إذا لم يكن بعنوانه الخاص معلوماً واحرز وجوده بالبرهان ونحوه من غير أن يعرف المكلف عنوانه الخاص فلا حكم للعقل بلزوم خروج المكلف عن عهدته، بل اللازم عنده الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بالفعل مع إحرازه، فإن عدم حصول هذا الغرض مع عدم علم المكلف بعنوان الخاص غير مربوط بالمكلف، فالمسؤول هو المولى حيث يكون عليه أن يوصله بعنوانه إلى المكلف بحيث يكون عليه رعايته.







وتوضيح ذلك أنه لا ينبغي التأمل في أن تدارك غرض المولى ليس واجباً مولوياً آخر غير إيجاب الفعل الذي يعلم المكلف بوجوبه نفسياً ليكون المكلف مستحقاً لعقابين عند ترك الفعل، كما لا ينبغي التأمل في أن حكم العقل بلزوم رعاية غرض المولى ليس من الحكم العقلي المستقل نظير حكمه بقبح الظلم ليستتبع حكماً شرعياً مولوياً بقانون الملازمة لتكون النتيجة وجوب كل من الفعل واستيفاء الغرض وجوباً نفسياً، بل لزوم رعايه غرض المولى حكم العقل في مقام الامتثال، يعني إذا أمر المولى بفعل يحكم العقل بموافقته أو إطاعته بحيث يحصل الغرض الداعي له إلى إيجاب الفعل، وعلى ذلك نقول لا حكم للعقل بذلك في موارد عدم معلومية الغرض بعنوانه، بل على المولى أن يأمر بالفعل المحصل له ويوصل إلى عبده بيانه، وإذا علم المكلف الغرض بعنوان الخاص يكون العلم به وصولا، وإن تعلق الإيجاب في خطابه بنفس الفعل فإن ذلك الإيجاب أما غيري أو إرشادي إلى إيجاب تدارك الغرض نظير أمر الوالد ولده بالذهاب إلى المكتب، فإنه إرشاد أو كناية إلى أمره بالتعلم أو أن الأمر بالذهاب غيري، وأما إذا لم يعلم الغرض بعنوانه بأن لم يدل عليه خطاب الأمر أو غيره فلا وجوب إلاّ لمتعلق الأمر، ولا يرى العقل إلاّ لزوم متابعته حيث إن المولى هو المسؤول عن إيصال غرضه إلى عبده بعنوانه فالوجه العقلي المزبور فاسد من أصله.







أقول: قد ذكرنا في بحث الواجب النفسي والغيري أن العلم بالملاك وترتبه على الفعل لا يوجب كون وجوب الفعل غيرياً، فإن الدليل على كشف الملاك في الفعل المعلق به الوجوب حكمة المولى وعدم جعل التكليف على العباد عبثاً، وهذا لا يقتضي أن تكون المصلحة الملحوظة بالإضافة إلى الفعل من قبيل المعلول إلى علته بلا فرق بين كون تلك المصلحة الغرض الأعلى أو الأدنى، بل يمكن أن تكون من قبيل الحكمة التي قد تترتب على الفعل وقد لا تترتب أو تترتب على الفعل أولا تترتب على فعل كل واحد منهم، ويكون أمر الشارع الجميع بذلك الفعل لئلا يكون اختلاف بين المكلفين حتى فيما إذا علم تلك الحكمة بعنوانه كالأمر بغسل الجمعة لإزالة أرياح الآباط، والحاصل مجرد العلم بعنوان الغرض والمصلحة لا يوجب كون وجوب الفعل إرشادياً أو غيرياً، بل يكون الفعل واجباً نفسياً، نعم في موارد كون الغرض بالإضافة إلى الفعل المتعلق به الوجوب بنحو المعلول على تقدير الإحراز فالأمر كما ذكر بعض الأجلة.















[3] يقع الكلام في جريان البراءة الشرعية عند دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين، فيقال بجريانها ولو لم يكن في البين الانحلال العقلي، لذا اختار الماتن (قدس سره)الانحلال الشرعي مع إنكاره انحلال العلم الإجمالي عقلاً، وذكر في وجهه ما تقريبه: أن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر وإن لا ينحل عقلاً إلاّ أنه لا يجب الاحتياط بالإتيان بالأكثر حيث إن عدم الانحلال إنما هو في ناحية العلم بالتكليف بأحدهما ثبوتاً، ولكن الانحلال شرعاً في ناحية الحكم الوضعي المجعول للأجزاء، فإنه يعلم بثبوت الجزئية لكل من أجزاء الأقل وهذا علم تفصيلي بالإضافة إلى ثبوت الجزئية للأقل، وأما ثبوت الجزئية للمشكوك غير معلوم فيكون مقتضى حديث الرفع رفعها؛ لأنّ الموضوع للرفع في الحديث ما لا يعلمون، وهو يعم جزئية الجزء المشكوك، فيتعين الواجب في الأقل بثبوت الجزئية لأجزاء الأقل وعدم ثبوتها للمشكوك.







ولا يتوهم أن الانحلال في الحكم الوضعي كان بحسب العقل أيضاً مع أنه (قدس سره)أنكر جريان البراءة العقلية رأساً، وذلك فإن العلم الإجمالي بوجوب الأقل بنحو اللابشرط أو بوجوبه بشرط المشكوك يعني وجوب الأكثر كان بياناً حتى فيما كان التكليف ثبوتاً متعلقاً بالاكثر بثبوت الجزئية للمشكوك، فقاعدة قبح العقاب بلا بيان لم يكن لها مورد بخلاف البراءة الشرعية فإن الموضوع لها ليس عدم البيان، بل عدم العلم بالحكم تكليفاً أو وضعاً، والجهل المفروض في المقام وهو الجهل بجزئية المشكوك يعمها ما لا يعلمون فيحكم عليها بالرفع.







لا يقال: جزئية الجزء المشكوك أو المنسي ليست حكماً شرعياً مجعولاً، كما أنه ليست للجزئية أثر شرعي مجعول ولزوم الإعادة عند ارتفاع الجهل أو النسيان أثر عقلي لا للجزئية، بل لبقاء التكليف الواقعي بلا امتثال، وحديث الرفع لا يجري إلاّ فيما كان المجهول بنفسه حكماً شرعياً أو كان له أثر شرعي، وأجاب (قدس سره) عن ذلك بأن الجزئية وإن لم تكن مجعولة شرعاً بنفسها، إلاّ أنها تكون مجعولة شرعاً بتبع جعل منشأ انتزاعها وهو التكليف بالأكثر، وكونها مجعولاً شرعياً بهذا المقدار كاف في جريان البراءة الشرعية في ناحيتها، لا يقال: إنما يكون رفع المجعول بالتبع برفع منشأ انتزاعها، وإذا ارتفع التكليف بالأكثر فلا مثبت لثبوت التكليف بالأقل، بل يكون التكليف بالأقل ثبوتاً من المشكوك بدواً، وأجاب عن ذلك بأنه وإن يكون رفع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه إلاّ أن التكليف بالأقل ثبوتاً لا يكون من المشكوك بدواً، فإن نسبة حديث الرفع بالإضافة إلى خطابات سائر الأجزاء بمنزلة الاستثناء، فإن إطلاق كل من تلك الخطابات مقتضاه بقاء الوارد فيه على جزئيته، سقط وجوب شيء آخر عن الجزئية بنسيانه أو الجهل به أم لم يسقط، فيكون هذا الإطلاق مثبتاً لوجوب الإتيان بالأقل.







أقول: لا يخفى ما في هذا الجواب، فإن ما دل على جزئية شيء للعمل، مقتضاه أن ذلك العمل لا يكون بدونه، وأما ذلك العمل متعلق الأمر فعلا أم لا فلا نظر له إلى ذلك، وعليه فاللازم إثبات الأمر الفعلي بالأقل أو غير المنسي فعلاً، ويؤخذ بإطلاق أدلة الجزئية، فيقال: إن مقتضاه بقاؤها على الجزئية في هذا الحال أيضاً، والمفروض عدم إحراز الأمر بأصل العمل بعد إحراز سقوط الأمر بالأكثر، وهذا فيما كان الرفع فيه رفعاً واقعياً كما في موردي النسيان والاضطرار، فإنه في مثل ذلك يكون رفع جزئية الشيء برفع الأمر النفسي عن مجموع الأجزاء لو قيل بعدم اعتبار الاستيعاب في النسيان والاضطرار لجميع الوقت، وذلك فإن الجزئية بنفسها غير قابلة للرفع الواقعي بنفسها، وبعد سقوط الأمر بالمجموع المشتمل للمنسي أو المضطر إلى تركه يحتاج إثبات الوجوب النفسي الاستقلالي لسائر الأجزاء إلى قيام دليل عليه، ويقال بأن الدليل على ثبوته إطلاق ما دل على جزئية كل من سائر الأجزاء، وهذا الجواب وإن كان غير تام كما أشرنا إليه، فإن مقتضى إطلاق أدلتها جزئية كل منها عند الأمر بالعمل المركب لا ثبوت الأمر بالمركب فعلاً، إلاّ أن ما ذكر لا مورد له في موارد الرفع الظاهري كمورد الجهل بجزئية شيء، حيث إن الرفع الظاهري يقابله الوضع الظاهري والوضع الظاهري لجزئية المشكوك الأمر بالاحتياط عند الإتيان بالمركب فيكون رفعها عند الجهل بالجزئية عدم لزوم الاحتياط حتى على تقدير تعلق الأمر بالأكثر واقعاً والإتيان بسائر الأجزاء، يعني الأقل لعدم سقوط التكليف الواقعي حقيقة كان متعلقاً بالاقل أو الاكثر، بل العلم بكون الأقل متعلقاً للتكليف واقعاً إما استقلالا أو في ضمن الأمر بالأكثر منجز للتكليف الواقعي بالإضافة إلى غير الجزء المشكوك في جزئيته، بمعنى أنه لو كان متعلق التكليف في الواقع الأقل أو الأكثر فالمكلف معاقب على مخالفته من ناحية ترك الأقل، ومعذور لو كانت مخالفته من ناحية ترك الجزء المشكوك، والتبعض في تنجز التكليف الواقعي أمر معقول لا محذور فيه على ما مر في بيان الانحلال الحكمي العقلي.















في بيان جريان أصالة البراءة الشرعية في ناحية وجوب الأكثر







نعم، جريان أصالة البراءة في نفي الجزئية بأن يكون مفادها نفي الحكم الوضعي ظاهراً غير صحيح، وذلك لوجهين، الأول: فإنه إما أن يلتزم بعدم جريان البراءة في نفس التكليف المتعلق بالأكثر؛ لأنها تعارض بأصالة البراءة الجارية في تعلق الوجوب النفسى المستقل بالأقل، ففي هذه الصورة كما أن أصالة البراءة في وجوب الأقل تعارض البراءة عن وجوب الأكثر كذلك تعارض أصالة البراءة عن جزئية المشكوك؛ لما تقدم من أن الأصل النافي في أحد طرفي العلم الإجمالي يعارض الأصل النافي في الطرف الآخر، ولو كان الأصل النافي فيه متعدداً وبعضها بالإضافة إلى البعض الآخر طولياً، كما اعترف الماتن (قدس سره) بذلك في مسألة ملاقى أحد أطراف العلم فيما إذا حصل العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين والملاقاة لأحدهما دفعة واحدة، وذكرنا أنّه مع اختصاص الأصل الطولي بخطاب مستقل لا يجري على الطرف الآخر لا مانع من الرجوع إليه والأخذ بمفاده، ولكن هذا لا يجرى في المقام، فإن أصالة البراءة في الحكم التكليفي والوضعي مستفاد من حديث الرفع، وإما أن يلتزم بجريان أصالة البراءة الشرعية في ناحية تعلق الوجوب بالأكثر ولا يعارضها أصالتها في ناحية وجوب الأقل حيث إنه مع العلم الإجمالي بوجوبه استقلالاً أو ضمناً وترتب العقاب على تركه لا يبقي للأصل النافي فيه مورد، وعلى ذلك يكون التكليف الواقعي منجزاً بالإضافة إلى الأكثر أيضاً من ناحية ترك الأقل أولا تجري أصالة البراءة في تعلق التكليف بالأقل لكونه خلاف الامتنان بعد علم المكلف بأنه لا يجوز له ترك الصلاة رأساً، فتجري في ناحية تعلق الوجوب بالأكثر، ومع جريانها فيه لا يبقى لجريانها في نفس جزئية المشكوك مجال للعلم بعدم وجوب الاحتياط من ناحية احتمال تعلقه بالأكثر، لا يقال: من التزم بالاحتياط عقلاً في دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر بالوجه العقلي السابق من لزوم إحراز الغرض لا يمكن له الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الأكثر أو جزئية المشكوك، فإن ترتب الغرض الملزم على الأقل لا بشرط أو الأكثر محرز، وأصالة البراءة عن وجوب الأكثر لا يثبت ترتّبه على الأقل لا بشرط حتى يرتفع موضوع حكم العقل بلزوم رعايته، نعم يمكن هذا الإثبات فيما قام الدليل على نفي جزئية المشكوك أو كان خطاب الأصل النافي وارداً في مورد دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر ليحمل على إثبات الغرض أيضاً صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية.







فإنه يقال: إن الغرض كما تقدم ليس لزوم تحصيله واجباً شرعياً آخر، بل هو حكم العقل لاحتمال الاستحقاق للعقاب مع احتمال بقائه ببقاء التكليف، وإذا اكتفى الشارع في مقام امتثال التكليف بالإتيان بالأقل كما هو مقتضى جريان البراءة في تعلق التكليف بالأكثر أو جزئية المشكوك، فلا سبيل للعقل بالحكم بلزوم رعايته كما هو الحال في موارد جريان قاعدة التجاوز والفراغ ونحوهما.







وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا ان القائل بالبراءة الشرعية في دوران الأمر في الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر إما أن يلتزم بانحلال العلم الإجمالي عقلاً ولو كان هذا الانحلال حكمياً على ما تقدم، فالمجرى لأصالة البراءة الشرعية وهو تعلق التكليف بالأكثر أي تعلقه بالجزء المشكوك؛ لأنّ تعلق الوجوب به ضمناً مما لا يعلم، ورفعه عن الاكثر ظاهري بمعنى عدم وجوب الاحتياط في التكليف الواقعي من ناحيته، بخلاف تعلقه بالأقل فإنه محرز وجداناً نفسياً مستقلاً أو ضمنياً فلا موضوع لرفعه، وعليه فيتنجز التكليف النفسي على تقدير تعلّقه بالأقل، وعلى تقدير تعلقه بالأكثر من ناحية ترك الأقل والتنجز في التكليف الواحد والتبعض في تنجزه أمر ممكن كما تقدم، فيؤتى بالأقل بداعي الأمر به على كل تقدير لثبوت الإطلاق الظاهري في متعلقه وإن التزم بعدم الانحلال عقلاً حتى حكماً فالتزامه بالبراءة الشرعية ممكن أيضاً، لأنّ الموضوع للبراءة الشرعية الجهل بالحكم وما لا يعلم فينطبق هذا على تعلق التكليف الواقعي بالأكثر ولا يرفع الوجوب النفسى عن الأقل؛ لأن تعلق الوجوب النفسي به ولو في ضمن الأكثر محرز كما ذكرنا، ولا أقل من كون رفع الوجوب المتعلق بالأقل بنحو اللابشرط خلاف الامتنان، والبراءة الشرعية بكل من التقريبين لا تنافي عدم انحلال العلم الإجمالي عقلاً، فإن الموضوع في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو عدم البيان بمعنى عدم المصحح للعقاب، والعلم الإجمالي المزبور عقلاً وإن يكن مصححاً للعقاب إلاّ أن ملاك استحقاقه احتمال العقوبة في ترك كل من الطرفين إذا كان التكليف المعلوم بالإجمال فيه، ومع جريان البراءة الشرعية في ناحية احتمال وجوب الأكثر كما تقدم لا احتمال لاستحقاق العقاب في ناحية ترك الأكثر بترك الجزء المشكوك، ولذا تكون البراءة الشرعية في موارد جريانها واردة على حكم العقل فيه بالاحتياط.















في التمسك بالاستصحاب لاثبات لزوم الاحتياط بالاتيان بالأكثر







بقي في المقام أمر وهو أنه قد يتمسك في المقام بالاستصحاب للزوم الإتيان بالأكثر تارة، ولجواز الاقتصار على الاتيان بالأقل اُخرى، أما الأول فيقال: إن المكلف بعد الاتيان بالأقل يحتمل بقاء التكليف المعلوم له إجمالاً من قبل، حيث إن التكليف على تقدير تعلّقه بالأكثر باق على حاله، ومقتضى الاستصحاب الجاري فيه إحراز بقائه على حاله وهذا الاستصحاب من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي ولا يثبت تعلق التكليف ثبوتاً بالأكثر إلاّ أنه يتعين الإتيان به ليرتفع الموضوع له في ناحية الكلي.







ويجاب عن هذا الاستصحاب بأنه إنما تصل النوبة إلى الاستصحاب في ناحية الكلي إذا سقط الأصل في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل بالمعارضة مع الأصل النافي في ناحية الفرد القصير، وأما إذا جرى الأصل النافي في ناحية الفرد الطويل بلا معارضة في ناحية الفرد القصير فلا مورد للاستصحاب في ناحية الكلي، كما إذا كان المكلف محدثاً بالأصغر ثم خرج منه بلل مردّد بين البول والمني، فإن الاستصحاب في بقاء الحدث الأصغر وفي عدم حدوث الجنابة له يعيّن أن رافع حدثه هو الوضوء فلا حدث له بعد الوضوء، بخلاف ما إذا كان متطهراً من الحدثين وخرج منه بلل مردد بين البول والمني فإنه بعد الوضوء يجري الاستصحاب في ناحية بقاء الحدث؛ لأن الاستصحاب في عدم حدوث جنابته قد سقط بالمعارضة مع الاستصحاب في عدم حدوثه بالبول المعبر عنه بالحدث الأصغر، وما نحن فيه من قبيل الأول؛ لأنّ الاستصحاب في عدم تعلق التكليف بالأكثر جار بلا معارض الاستصحاب في ناحية عدم تعلقه بالأقل لا موضوع له للعلم بتعلقه به استقلالاً أو ضمناً، والاستصحاب في عدم تعلقه بالأقل بنحو اللابشرط لا يثبت تعلقه بالأكثر. وعلى الجملة لا مورد لاحتمال جواز ترك الأقل ليجري الاستصحاب في عدم تعلق التكليف به كما لا مجال لإثبات تعلقه بالأكثر فإنه من الأصل المثبت.







أقول: مجرد عدم المعارضة بين الأصل الجاري في ناحية الفرد الطويل والفرد القصير لا يوجب سقوط الاستصحاب في ناحية بقاء الكلي، ولذا لو كان المكلف متطهراً من الحدثين ومع ذلك توضأ تجديداً وبعد الوضوء علم بخروج بلل منه قبل الوضوء مردد بين البول والمني فيجري الاستصحاب في ناحية عدم جنابته فيجوز له ما يحرم على الجنب كالمكث في المساجد قبل الغسل، ولكن لا يجوز له مس كتابة القرآن من غير اغتسال لجريان الاستصحاب في ناحية بقاء الحدث، وذلك فإن الاستصحاب في عدم الجنابة في هذا المثال لا يعين حال البلل وأنه كان بولاً، بخلاف ماخرج البلل المشتبه بعد كون المكلف محدثاً بالأصغر فإن الاستصحاب في بقاء الأصغر بعد البلل وعدم تبدله بالأكبر يترتب عليه أن رافعه هو الوضوء هذا بناءً على مسلك هذا القائل، وأما بناءً على ما ذكرنا في محله من أن المحدث إذا لم يكن جنباً فهو مكلف بالوضوء يحكم بطهارته في المثال أيضاً فعلاً كما يحكم بذلك إذا خرج البلل المشتبه من المتطهر من الحدثين بعد وضوئه بعد البلل؛ لأنّ المستفاد من آية (إذا قمتم إلى الصلاة...)(1)، هو أن المحدث إذا لم يكن جنباً ولم يحصل منه ما يوجب الغسل يرتفع حدثه بالوضوء عند وجدانه الماء، وإلاّ يتيمم لصلاته وسائر ما يشترط فيه الطهارة.







والصحيح في الجواب عن الاستصحاب أنه لا مجرى للاستصحاب في ناحية الكلي في أمثال المقام مما يكون المستصحب هو التكليف الثابت سابقاً المردد بين تكليف يقطع بعدم بقائه وبين تكليف يشك في حدوثه من الأول وكان متعلق التكليفين بحيث لم يكن للأصل مجرى في ناحية عدم التكليف بمتيقن الارتفاع، كما في المقام؛ لأنّ الاستصحاب في بقاء التكليف في فرض الإتيان بالأقل ليس له إلاّ أثر عقلي وهو احتمال استحقاق العقاب على تقدير بقاء التكليف بأن يتعلق التكليف بالأكثر، وإذا جرى الأصل في ناحيه عدم تعلقه بالأكثر لا يبقى في البين الأثر العقلي؛ لأن احتماله لاحتمال التكليف بالأكثر.







لا يقال: الاستصحاب في ناحية عدم تعلقه بالأكثر قبل الإتيان بالأقل معارض بعدم تعلقه بالأقل، لأنه يقال الاستصحاب في ناحية عدم تعلقه بالأقل لا أثر له بعد العلم بلزوم الإتيان به، فإنه إما واجب مستقل أو واجب ضمني، وإنه يترتب على تركه مخالفة التكليف الواقعي يقيناً، هذا فيما إذا كان المطلوب بالتكليف ذات الأقل أو ذات الأكثر بلا اعتبار ترتيب بين الأجزاء، وأما إذا كان المعتبر الترتيب بين الأجزاء بحيث لا يتحقق الأقل أيضاً إذا كان الواجب هو الأكثر كما في اعتبار السورة المشكوك اعتبارها بعد الحمد وقبل الركوع فعلى تقدير وقوع المعارضة بين الاستصحاب في ناحية عدم وجوب الأقل والاستصحاب في ناحية عدم وجوب الاكثر، تجري أصالة البراءة في ناحية عدم وجوب الأكثر ولا يعارض بأصالة البراءة في ناحية عدم وجوب الأقل؛ لكون البراءة في ناحية الأقل خلاف الامتنان، ومع جريان البراءة عن وجوب الأكثر لا مجال للاستصحاب في ناحية بقاء الكلي؛ لأنّ الاستصحاب فيه لا يثبت تعلق التكليف الواقعي بالأكثر، وذكرنا أن أثره العقلي يعني احتمال استحقاق العقاب على تقدير بقائه فينتفي بجريان البراءة في ناحية احتمال وجوب الأكثر.















(1). سورة المائدة: الآية 6































الأوّل: أنه ظهر مما مرّ حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه وبين الخاص كالانسان وعامّه كالحيوان[1].















دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه















[1] يقع الكلام في دوران أمر الواجب بين كونه مطلقاً بالإضافة إلى المشكوك أو مشروطاً به، ولا يخفى أن الشك في شرطية شيء ودخل خصوصية في متعلق الأمر يكون على أنحاء: فإنه قد يكون لما يطلق عليه الشرط وجود منحاز خارجاً، كما إذا تردّد في تقيّد الصلاة بالستر، واُخرى لا يكون لما يطلق عليه الشرط وجود منحاز خارجاً، بل تكون من قبيل خصوصية قائمة بمتعلق متعلق التكليف عرضاً، كما إذا تردد الواجب بين عتق رقبة أو عتق رقبة مؤمنة، بأن يكون الشرط من قبيل العرض لمتعلق متعلق التكليف، وثالثة لا تكون الخصوصية فعلاً ممتازاً في الخارج ولا من قبيل العرض لمتعلق متعلق التكليف، بل من قبيل المقوم الداخل في المتعلق أو اللازم له، كما إذا دار الأمر بين كون الواجب بين المجيء بالإنسان أو مطلق الحيوان، أو كون الواجب عتق الرقبة الشامل للذكر والاُنثى، أو خصوص عتق العبد، ويطلق على النحو الثالث دوران الأمر بين وجوب العام أو الخاص، وعلى النحوين الأولين دوران الأمر بين المطلق والمشروط، والتزم الماتن (قدس سره) بعدم انحلال العلم الإجمالي في الصور الثلاث عقلاً ولو التزم بالانحلال العقلي في موارد الشك في الجزئية، نعم تجري البراءة الشرعية في موارد الشك في الشرطية في ناحية شرطية المشكوك، ولكن لا مجرى لها في موارد دوران الواجب بين العام والخاص، وأشار إلى عدم الانحلال العقلي في مورد الشك في الشرطية حتى بناءً على الانحلال عقلاً في موارد الشك في الجزئية بما تقريبه أنه لو كان الستر مثلاً شرطاً في الصلاة ولوحظ فيها عند الأمر بها، يكون ما في الخارج مع رعايته عين المأمور به، وإذا لم يراع في الإتيان بها يكون ما في الخارج مبايناً لما تعلق الأمر به، بخلاف موارد الشك في جزئية شيء فإنه لو لم يراع لم يكن المأتي به مبايناً على تقدير تعلق الأمر بالأكثر، بل كان بعضه، ولذا قيل بأن تعلق الوجوب بالأقل في تلك المسألة يقيني، نفسياً أو غيرياً، ولكن هذا لا يجري في الشك في الشرطية حيث لا يمكن الالتزام بالوجوب الغيري عند الشك في كون الواحب هو المطلق أو المشروط، حيث إن انحلال المشروط إلى الطبيعي وتقيده بما يسمى شرطاً عقلى، والأجزاء العقلية لا يتعلق بها الوجوب، بخلاف انحلال الكلي إلى الأجزاء، فإن الانحلال فيه إليها خارجي فيتعلق الوجوب بكل منها غيرياً أو ضمنياً على ما تقدم.







ثم ذكر (قدس سره) أنه يمكن الأخذ بالبراءة الشرعية في موارد الشك في شرطية شيء، حيث إن شرطيته مما لا يعلم فيمكن رفعها بحديث الرفع، بخلاف دوران الأمر بين العام والخاص فإنه لا مجرى للبراءة الشرعية في ناحية خصوصية الخاص.







وتقريبه، أن في اشتراط الصلاة بالستر مثلاً نفس الصلاة ملحوظة في مقام الأمر لا محالة، والشك في لحاظ أمر زائد على لحاظ نفسها، بخلاف تردد المأمور به بين العام والخاص، فإنّ الملحوظ في مقام الأمر إما مجيء الحيوان أو الإنسان، وليس بينهما أمر متيقن بحسب اللحاظ في ذلك المقام، فيدور المتعلق بحسب اللحاظ بين أمرين، وإن كان بين الملحوظين مورد تصادق خارجاً، ففي النتيجة تكون شرطية الستر أمراً مجعولاً قابلاً للوضع والرفع زائداً على ذات المشروط، بخلاف العموم والخصوص فإنه لا يزيد على ذات الملحوظ في تعلق الأمر بالخاص، والمتحصل أنه لا مجرى للبراءة العقلية في شيء من الأقسام الثلاثة المتقدمة حتى بناءً على انحلال العلم الإجمالي عقلاً في موارد الشك في الجزئية، وأما البراءة الشرعية فلا بأس بجريانها عند الشك في شرطية شيء بكلا قسميه الأول والثاني؛ لأنّ الشرط فيهما منتزع عن أخذ شيء ولحاظه في متعلق الأمر زائداً على لحاظ ذات المشروط فتكون مجعولة بالأمر بالمشروط لا محالة، بخلاف خصوصية الخاص فإن لحاظها لا يكون أمراً زائداً على لحاظ العام في مقام الأمر، بل يتردد الملحوظ فيه بين أمرين مختلفين على ما تقدم، أقول: فيما ذكره (قدس سره) للمناقشة مجال بوجهين، الأول: أن التفرقة بين الشك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته بإمكان الالتزام بالانحلال عقلاً في الأول دون الثاني لا تتم فيما إذا كان المشكوك على تقدير كونه جزء يؤتى في محل خاص، أو اعتبر الموالاة بينه وبين سائر الأجزاء، وإلاّ فلا يكون الأقل المأتي به القدر المعلوم من تعلق التكليف به نفسياً أو ضمنياً، بل يدور أمره بين أن يكون عين متعلق التكليف مصداقا أو مباينا له، كما في دوران الأمر بين المتباينين، الثاني: أنه إنما يفترق الجزء المشكوك والشرط المشكوك عن العام والخاص إذا كان الانحلال في الجزء أو الشرط حقيقياً، وأما بناءً على كونه انحلالاً حكمياً، بأن قلنا بجريان البراءة في ناحية الأمر بالأكثر أو المشروط لكون رفعه الظاهري من ناحية جزئية المشكوك أو شرطيته بعدم إيجاب الاحتياط من أجلهما موافقاً للإمتنان بخلاف جريان البراءة في ناحية وجوب الأقل لا بشرط، أو ذات المشروط، فإن رفعه خلاف الامتنان فيجري هذا الانحلال الحكمي في مورد دوران الأمر بين وجوب العام أو الخاص بعين البيان في الفرق.















في دوران الواجب بين كونه تعيينياً أو تخييرياً







ثم إن المحقق النائيني (قدس سره) قد أدخل دوران الأمر بين كون الواجب هو العام أو الخاص في دوران الأمر بين كون الواجب فعلاً واحداً تعيينياً أو متعدداً تخييرياً، وذلك فإن الجنس لا يمكن أن يتعلق به الأمر فإنه لا تَحصُل له في الخارج إلاّ في ضمن الفصل فيتعلق به الأمر متميزاً بالفصل، فإن كان الفصل المتميز به فصلاً معيناً يكون الواجب تعيينياً، أو كان فصلاً ما (أي فصل) كان الواجب تخييرياً، وعليه يكون المقام من دوران الأمر بين كون الواجب تعيينياً أو تخييرياً لا من دوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر؛ لأنه لا يعقل أن يقال إن تعلق التكليف بالجنس متيقن والشك في تقيد الجنس بالفصل، بل لابد من القول بأن تقيده بالفصل يقيني والأمر دائر بين كونه فصلاً معيناً أو فصلاً ما، ويكون المقام من موارد قاعدة الاشتغال، ولا مجال للرجوع إلى البراءة عن كلفة التعيين، وذلك لأنه لا يمكن أن يقال إن تعلق التكليف فيه بالجامع بين الفعلين أو الافعال معلوم والشك في تعيّن فعل خاص، ثم إنه (قدس سره) قد تعرض لجميع أقسام دوران الأمر بين التعيين والتخيير مع الالتزام بأن الحكم في جميعها الاشتغال، ولا بأس في المقام من التعرض لما ذكره من الأقسام والحكم بالاشتغال الذي ذكره فيها، فالقسم الأول: وهو الذي يدور الأمر فيه بين جعل الحكم على نحو التخيير أو التعيين في مقام جعل التكليف، وله فروض، الأول: أن يعلم التكليف في كل واحد منهما ولكن يتردد التكليف في كل منها بين أن يكون تعيينياً أو تخييرياً كما في الإفطار بالمحرم، حيث يدور أمر التكليف بين وجوب كل واحد من الخصال تعييناً أو تخييراً، والفرض الثاني: ما إذا علم كون فعل مسقطاً للواجب ودار الأمر فيه بين أن يكون عدلاً للواجب بنحو الواجب التخييري أو أنه غير واجب، بل هو فعل مسقط للواجب فقط، نظير السفر في شهر رمضان حيث يسقط وجوب الصوم بالسفر فيه.















في دوران امر الفعل بين كونه مسقطاً للواجب أو عدلاً له







والثمرة بين كون شيء عدلاً للواجب مسقطاً له، وبين كونه مجرد مسقط، تظهر فيما إذا تعذر ذلك الواجب، فإن كان الفعل الآخر عدلاً مسقطاً يتعين الإتيان به، وأما مع كونه مجرد مسقط لا يجب الإتيان به، وربما مثلوا لذلك بالايتمام في الصلاة فإنه مسقط للقراءة عن المأموم، فيدور الأمر بين كون الايتمام عدلاً للقراءة المعتبرة في الصلاة أو أن الايتمام مستحب مسقط لاعتبار القراءة، وإذا لم يتمكن المكلف من القراءة الصحيحة في صلاته فمع كون الايتمام عدلاً مسقطاً يتعين الايتمام، بخلاف ما إذا كان فعلاً مستحباً مسقطاً لها فإنه لا يجب الايتمام، بل يكفي الإتيان بالقراءة التي يحسنها المكلف ويأتي الكلام في المثال مفصلاً، الفرض الثالث: ما إذا علم بوجوب فعل ودار الأمر بين كون وجوبه تعيينياً لا يكفي الإتيان بفعل آخر في سقوط التكليف به، وبين كون وجوبه تخييرياً يكفي الإتيان بفعل آخر في سقوطه، كما في المظاهر، حيث يعلم بوجوب شهرين متتابعين عليه، ولكن يحتمل كونه تخييرياً بينه وبين إطعام ستين مسكيناً فيسقط بالإطعام، ويحتمل أن يكون وجوبه تعيينياً فلا يكفي في سقوطه الإطعام، وقد التزم (قدس سره) في الفروض الثلاثة بأن كلاً منها مورد لقاعدة الاشتغال، نعم ذكر في الفرض الثاني أنه إذا دار أمر الفعل بين كونه مباحاً أو مستحباً مسقطاً للواجب، أو كونه عدلاً مسقطاً للواجب فمقتضى الاشتغال الإتيان مع التمكن من الواجب الإتيان به لا بذلك الفعل؛ لأنه يحتمل أن تكون مسقطيته للواجب من باب تفويت ملاكه ومانعيته عن استيفائه، وإذا لم يتمكن مما علم بتعلق الوجوب به فمقتضى أصالة البراءة عدم لزوم الإتيان بذلك الفعل الآخر، وذكر (قدس سره) قبل التعرض للفروض الثلاثة فرضاً آخر، وهو الشك في أصل ثبوت التكليف المردد بين كونه تعيينياً أو تخييرياً، كما إذا شك في كون الارتماس في نهار شهر رمضان هل يقتضي وجوب الكفارة أم لا، وعلى تقدير اقتضائه هل يقتضي كفارة معينة أو المخيرة بين الخصال، وأنه لا ينبغي التأمل في رجوعه إلى أصالة البراءة؛ لأنّ الشك في أصل جعل التكليف على المرتمس في نهاره، والتزام الشيخ (قدس سره) بأن الاشتغال ليس راجعاً إلى هذا الفرض، فما نسبه بعض إلى ظاهر كلام الشيخ من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال في هذا الفرض أيضاً لا أساس له، والوجه في كون المرجع قاعدة الاشتغال في الفروض المتقدمة هو أن التعيين في التكليف وإن كان ضيقاً، وبتعبير آخر صفة التعيينية في التكليف تقتضي الضيق على المكلف، ولذا التزم بعض بجريان البراءة عن التكليف التعييني بالفعل، ولكن هذه الصفة ليست أمراً مجعولاً مرتبطاً بالتكليف المتعلق بالفعل، بل التعيينية تنتزع للتكليف من عدم التكليف بالفعل الآخر عدلاً، فإن تعلق التكليف بالفعل الآخر عدلاً يكون التكليف المعلق بالفعل تخييرياً وإن لم يتعلق التكليف بالفعل الآخر كذلك يكون وجوبه تعيينياً، فلو فرض جريان البراءة عن التكليف بالآخر وإن لم يجر لكونها على خلاف المنة، كان مقتضاها كون الوجوب المتعلق بهذا الفعل وجوباً تعيينياً، وعلى الجملة كما أن الوجوب التخييري في مقام الإثبات يحتاج إلى مزيد بيان غير بيان وجوب الفعل، والبيان المزيد هو بيان العدل للواجب، كذلك الأمر في مقام الثبوت فنفس التكليف المتعلق بفعل لا يختلف من ناحية نفسه في التعييني والتخييري، وإنما يختلف من وجوب فعل آخر عدلاً له، فليس في ناحية التكليف بالفعل أمر زائد في موارد التعيينية لتجري في نفي ذلك الزائد البراءة. أقول: لا ينبغي التأمل في جريان أصالة البراءة في الفرض الأول والثالث في ناحية احتمال الوجوب التعييني، وذلك فإنَّ التخييرية في الواجب ثبوتاً ليس تعلق الوجوب بالفعل الآخر أيضاً، فإن الأمر بفعل آخر أيضاً لا يوجب كون وجوب الفعل الأول تخييرياً، وليس للأمر بالفعل الآخر عدلاً واقعياً بحسب مقام الجعل، إلاّ تعلق التكليف في ذلك المقام بالجامع بينهما، سواءً كان ذلك لحصول الملاك الملحوظ بحصول أي منهما أو لعدم إمكان اجتماع الملاكين في الخارج للتضاد بينهما بحسب ملاكهما، ولا يدخل الفعلان مع تضادهما في الملاك في المتزاحمين، فإن التزاحم بين التكليفين إنما ينشأ عن عجز المكلف اتفاقاً من الجمع بين التكليفين في الامتثال مع تمكنه من امتثال كل منهما مع قطع النظر عن الآخر، وأن كلاً من التكليفين مجعول في حق المتمكن على الإتيان بمتعلقه، فالتخيير عقلاً في مقام التزاحم بين التكليفين في الامتثال مع تساوي التكليفين وعدم المرجح لتقديم أحدهما في الامتثال غير التخيير في التكليف في مقام الجعل للتضاد بين الفعلين ذاتاً أو بحسب الملاك، فإنه لا معنى لهذا التكليف وجعل الوجوب التخييري إلاّ بتعلق التكليف ثبوتاً بالجامع بينهما، كما أنه ليس للواجب التعييني في مقام الثبوت واقعية إلاّ تعلق التكليف بالفعل بعنوانه الخاصّ، نعم في مقام الإثبات وإبراز كون وجوب الفعل ثبوتاً تخييرياً يتعلق الوجوب بكل منهما مع عطف أحدهما على الآخر بـ(أو) أو ما يرادفه، فاحتياج الوجوب التخييري في مقام الإثبات بذلك يكشف عن تعلق التكليف ثبوتاً بالجامع بينهما، لا أنه تعلق بكل منهما نحو تعلق والتكليف في نفسه أمر اعتباري يمكن تعلقه بالجامع ولو كان ذلك الجامع أيضاً اعتبارياً لا جامعاً ذاتياً، بل لو كان التكليف عرضاً فهو عرض للآمر لا لمتعلق الأمر، ليقال: إن العرض لا يقوّم بشيء اعتباري، وعلى ذلك فمع تردد تعلق التكليف بخصوص فعل أو الجامع بينه وبين غيره، كما في الفرض الثالث تجري البراءة عن تعلق التكليف بخصوص ذلك الفعل ولا يعارض بأصالة البراءة عن تعلقه بالجامع بينهما؛ لأنّ رفع التكليف عن الجامع ظاهراً على تقدير تعلقه به واقعاً خلاف المنة، بخلاف رفعه ظاهراً إذا تعلق بخصوص أحدهما فإن في الوجوب التعييني ضيقاً على المكلف فيناسب الامتنان رفعه، ولا مجال للقول بجريان الاستصحاب في التكليف الواقعي بعد الإتيان بالعدل المحتمل، وذلك لما تقدم من أنَّ الاستصحاب فيه لا يثبت تعلق التكليف ثبوتاً بالفعل المتروك، بل مع جريان البراءة عن تعلق التكليف به ثبوتاً يكون مفادها عدم وجوب الاحتياط في التكليف المحتمل تعلقه به، وعدم استحقاق العقاب على مخالفته فلا يبقى للاستصحاب في ناحية الكلي أثر عقلي حتى يجري فيه بلحاظ ذلك الأثر العقلي على قرار ما تقدم.







وكذلك الحال في الفرض الأول حيث تجري أصالة البراءة في ناحية الوجوب التعييني المحتمل في كل من الأفعال ولا تعارض بأصالة البراءة عن تعلقه بالجامع بينهما.







واما ما ذكره (قدس سره) في الفرض الثاني من أنه مع تمكن المكلف من فعل الواجب لا يجوز له الإتيان بالمسقط لاحتمال أن تكون مسقطيته من تفويت ملاك الواجب ومانعيته عن استيفائه، نعم مع عدم التمكن تجري البراءة في احتمال وجوب الإتيان بذلك الفعل فلا يمكن المساعدة عليه، فإنه إذا كان شيء رافعاً لوجوب فعل لانتفاء الملاك في ذلك الواجب مع وجوده يؤخذ ذلك الفعل شرطاً في نفس وجوب الواجب، كاشتراط وجوب الصوم بعدم كون المكلف مسافراً، وإذا كان موجباً لتفويت ملاكه ومانعيته عن استيفائه يؤخذ ذلك الفعل في متعلق الواجب مانعاً بأن يكون تركه قيداً للواجب، وإذا دار أمر شيء بين كون عدمه شرطاً لوجوب الواجب أو عدمه قيداً لنفس الواجب، فأصالة البراءة عن وجوبه مع وجوده، مقتضاها عدم التكليف بذلك الواجب مع وجوده على ما هو المقرر في دوران أمر شيء بين كونه قيداً للوجوب أو للواجب، وكذا تجري أصالة البراءة في احتمال وجوب ذلك المسقط عند سقوط ذلك الواجب من جهة اُخرى هذا بحسب الكبرى.















حكم الايتمام ممن لا يتمكن من القراءة الصحيحة







وأما ما ذكره في مسألة القراءة والايتمام في الصلاة من أنه يستفاد مما ورد في كون سين بلال شيناً، أن الايتمام مجرد مسقط للقراءة وليس عدلاً للواجب حتى أن المكلف عند عدم تمكنه من القراءة التامة يصلي بما يحسن من القراءة، فقد أورد عليه بأنه لا دلالة في الرواية على ذلك، أولا: أن الرواية نبوية ضعيفة بالإرسال، وثانياً: أن ما يتحمله الإمام من القراءة ليس فيها حرف الشين ليتعين الايتمام عند عدم التمكن منها، بل حرف الشين واقع في تشهد الصلاة ولا فرق فيها بين صلاة المنفرد والايتمام، وإذا كانت القراءة الصحيحة معتبرة في الصلاة مطلقا نظير اعتبار الطهارة من الحدث فيسقط التكليف بالصلاة عمن لا يتمكن من قرائتها، فغاية ما تدل عليه الرواية عدم سقوط التكليف بالصلاة مع القراءة التامة، أضف إلى ذلك أن مدلولها تنزيل السين منزلة الشين لا التنزيل في مطلق ألفاظ القراءة، وثانياً: أن التمثيل للمقام بمسألة القراءة والايتمام غير صحيح، فإن الواجب على المكلف طبيعي الصلاة، فللمكلف أن يوجد الطبيعي في ضمن أي فرد، وكما أن الإتيان بالصلاة في أول الوقت أو في المسجد وغير ذلك من أفراد الطبيعي كذلك الصلاة فرادى أو الإتيان بها جماعة، وكما أنّه مع عدم التمكن من بعض الأفراد يتعين الإتيان بالطبيعي ولو في ضمن الفرد المتمكن منه، كذلك مع عدم التمكن من الفرادى يتعين الإتيان بالايتمام؛ لأنّ الامام يتحمل القراءة فيكون متمكناً من الفرد الصحيح من الطبيعي، هذا مع الإغماض عن نصوص كثيرة واردة تدل على جواز اكتفاء المكلف في قرائته في الصلاة بما يحسن وما يتيسر من القرآن، ولولا هذه النصوص كان مقتضى القاعدة لمن لا يتمكن من القراءة الصحيحة تعين الايتمام.







أقول: لو كانت صلاة الفرادى فرداً وصلاة الجماعة فرداً آخر من الواجب، كالصلاة في البيت والمسجد وأول الوقت وغير ذلك لكان ما ذكر صحيحاً، ولكن ظاهر ماورد في الصلاة جماعة أنها فعلان، صلاة وتبعية، واختلاف الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة، بأن الأول فعل واحد والثاني فعلان، أحدهما: واجب تعبدي، والثاني: مستحب توصلي، غاية الأمر الفعل الثاني مسقط للقراءة المعتبرة في الصلاة، وعليه فأصالة البراءة عن وجوب الايتمام لغير المتمكن من القراءة لا موجب لرفع اليد عنها، فإن المفروض أن من لا يتمكن من القراءة التامة لا تسقط الصلاة عنه، وعلى الجملة لو لم يكن في البين الروايات المشار إليها لقلنا أيضاً بعدم وجوب الايتمام على العاجز من القراءة التامة، هذا فيما لم يكن العجز ناشئاً من ترك التعلم، وأما مع العجز الناشئ عن تركه فيتعين عليه الايتمام حتى بلحاظ تلك الروايات؛ لأن الشخص التارك للتعلم مكلف بالصلاة مع القراءة التامة أو مأخوذ بملاك الصلاة التامة على ما هو المقرر في بحث وجوب تعلم الدين، وعدم معذوريته في مخالفة التكليف بنفسه أو بملاكه، فيما إذا كانت المخالفة ناشئة عن ترك التعلم، وعليه فعلى العاجز المزبور الايتمام في صلاته مع تمكنه من الايتمام، وأورد العراقي (قدس سره) على ما ذكره النائيني (قدس سره) من عدم الفرق بين الوجوب التعييني المتعلق بفعل والوجوب التخييري المتعلق به، وأن الوجوب التعييني لا يزيد على التخييري بشيء ليقال بنفي الزائد بأصالة البراءة، بأنه في مورد الأمر التعييني يكون طلب الفعل بحيث يطرد تمام فروض تركه، بخلاف الأمر التخييري فإن الطلب فيه لا يطرد تمام فروض تركه، بل يطرد بعضها، وإذا شك في الأمر بفعل أنه يحرم تمام فروض تركه أم لا، أو لا يحرم بعض فروض تركه فأصالة البراءة جارية في ناحية هذه الزيادة، كما إذا تردد الوجوب المتعلق بكل من الأفعال المتعددة تعيينياً أو تخييرياً فتجري البراءة في الناحية التعيينية.







ثم قال: نعم لو فرض وجوب فعل وشك في وجوب فعل آخر، وأنه يكون بديلاً أم لا فلا بأس بالالتزام بالاشتغال للعلم الإجمالي بأن على المكلف إما أن يأتي بالواجب بعد وجود ما يحتمل كونه بديلاً، أو أن عليه الإتيان بذلك البديل المحتمل عند ترك ذلك الواجب، فهذا العلم الإجمالي منجز يوجب الإتيان بذلك الواجب وعدم جواز تركه.







أقول: يرد على ما ذكره بأنّ الأمر بالشيء لا يطرد جميع فروض تركه إلاّ بتعلق الوجوب بنفس ذلك الفعل بعنوانه ثبوتاً ولا يطرد بعض فروض تركه إلاّ بتعلق الوجوب بالجامع ثبوتاً، ولو كان ذلك الجامع اعتبارياً أو كونه واجباً مشروطاً، وإذا فرض عدم الاشتراط في ناحية الوجوب المتعلق بالفعل بترك الفعل الآخر كما هو المقرر في بحث الواجب التخييري، فيدور الأمر بين تعلق الوجوب بالفعل بعنوانه الخاص أو بالجامع، فأصالة البراءة تجري في ناحية تعلقه بالفعل بعنوانه الخاص ولا يعارضها أصالة البراءة في تعلق الوجوب بالجامع، وتصوير العلم الإجمالي في فرض احتمال العدل للواجب، فرض لعلم إجمالي غير منجز، فإن العلم الإجمالي إما أن يتعلق بتكليف فعلي بين أطراف فعلية أو بين أطراف تدريجية يعلم المكلف بابتلائه بها، وفي المفروض مع التمكن من الواجب متمكن أيضاً من الفعل المحتمل كونه بديلاً وأطراف هذا العلم تعلق التكليف به أو بالجامع، والابتلاء بواقعة لا يتمكن فيها إلاّ بالمحتمل كونه عدلاً واقعة محتملة غير داخلة في أطراف العلم الإجمالي لعدم علمه بالابتلاء بها.































الثاني: أنه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه عقلا ونقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية والشرطية[1].







وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال كان صحيحاً،[2] ولو كان مشرعاً في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله فان تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به.















الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته















[1] إذا أحرز كون شيء جزءاً أو شرطاً للمامور به وشك في كون جزئيته أو شرطيته مطلقة أم لا، تكون الجزئية أو الشرطية فيه مطلقة، ولا يخفى أن الإطلاق في الجزئية والشرطية تلاحظ تارة بالإضافة إلى حالتي الذكر والنسيان، بمعنى أن دخالته في تمام متعلق التكليف لا يختص بحال الذكر، ونتيجة ذلك أن المكلف إن نسيه في تمام الوقت لا يكون في حقه تكليف لا بالإضافة إلى الكل أو المشروط، ولا بالإضافة إلى الخالي عن المنسي كما أنه لو نسيه بعض الوقت لا يكون الفاقد لما هو المنسي مصداقاً لمتعلق التكليف، بل التكليف بالكل أو المشروط باق، فعليه الإتيان بالمأمور به عند تذكره، وهذا بخلاف ما إذا كانت الجزئية أو الشرطية مختصة بحال الذكر فإنه يتعلق التكليف بالباقي في حال النسيان سواءً فيما كان النسيان مستوعباً في تمام الوقت أم في بعضه، ويترتب على ذلك عدم لزوم القضاء والإعادة، واُخرى يلاحظ الإطلاق في الجزئية والشرطية بالإضافة إلى زمان التمكن منه وعدمه، فإن كان شيء جزءً أو شرطاً بنحو الإطلاق يكون لازمه سقوط التكليف عن الكل والمشروط إذا استوعب عدم التمكن تمام الوقت وعدم الأمر بالباقي، وإذا كان في بعض الوقت يتعين امتثال التكليف بالكل أو المشروط عند تجدد تمكنه منه، بخلاف ما إذا كانت الجزئية أو الشرطية مختصة بحال الاختيار فقط، فإنه يتعين عليه الإتيان بالباقي مع استيعاب عجزه تمام الوقت، ويتخيّر بين الإتيان بالباقي حال عدم تمكنه أو الإتيان بالكل أو المشروط عند تجدد تمكنه قبل خروج الوقت مع عدم استيعابه، والكلام في هذا التنبيه في الإطلاق أو الاختصاص في الجزئية والشرطية بلحاظ حال النسيان، وأنه إذا ثبت كون شيء جزءً أو شرطاً للمأمور به، ولكن شك في إطلاقهما أو اختصاصهما بحال الذكر، وربما يقال بعدم إمكان اختصاص جزئية شيء أو شرطيته بحال الذكر، فإن ثبت فيه إحداهما تكون الشرطية أو الجزئية مطلقة، وإلاّ فلا يكون له جزئية ولا شرطية أصلاً، وذلك فإن ثبوت الجزئية لشيء أو الشرطية له يكون بالتكليف بالكل أو المشروط فهما مجعولتان بتبع التكليف لا محالة، ولو أراد المولى اختصاص الجزئية لشيء أو شرطيته لمتعلق الأمر بحال الذكر، فعليه أن يعتبر تكليفين أحدهما، التكليف: بالكل أو المشروط، وثانيهما: التكليف بالخالي عن الجزء المنسي أو الشرط المنسي في حق الناسي، واعتبار التكليف بالباقي كذلك غير معقول لعدم إمكان التفات المكلف حال عمله إلى كونه ناسياً، وألاّ يتذكر فلا يكون التكليف المفروض قابلا للبعث، وإمكان كون التكليف بحيث لا يمكن كونه داعياً لغو لا يصدر عن الحكيم، وعليه فإن ثبت في مورد الإجزاء وكفاية الباقي في سقوط التكليف بالكل أو المشروط فهو بالإتيان بالمسقط ولو لوفائه بالملاك في هذا الحال، كما في موارد نسيان ما لا يدخل في المستثنى في حديث «لا تعاد» من الاخلال بالجزء أو الشرط نسياناً، وعلى ما ذكر فإن اُحرز كون شيء جزءاً لمتعلق الأمر أو شرطاً فيه تكون جزئيته أو شرطيته مطلقة، ولا يبقى مجال لدعوى أن الشك في كون جزئية شيء أو شرطيته مطلقة أو مختصة بحال الذكر من صغريات دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر، وأنه يكون مقتضى البراءة في جزئيته أو شرطيته حال نسيانه جواز الاكتفاء بالإتيان بالباقي، فللقائل بالبراءة في المقام إثبات إمكان الأمر على الناسي بالباقي، وإثبات إمكان اختصاص جزئية شيء أو شرطيته للواجب بحال الذكر، وقد وجه الماتن (قدس سره) إمكان الأمر بالباقي كذلك بوجهين كما يأتي، ولكن لابد من فرض الكلام فيما إذا لم يثبت بالأدلة الاجتهادية إجزاء المأتي به أو عدم إجزائه، فإنه مع ثبوت أحدهما لا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل العملي ولا تترتب ثمرة عملية على البحث في إمكان اختصاص التكليف بالكل أو المشروط للذاكرين والتكليف على الناسي بالخالي عن المنسي، حيث إنّه مع قيام الدليل على الإجزاء لا حاجة إلى التدارك بعد التذكر سواء أمكن الاختصاص المذكور أم لم يمكن، بأن كان السقوط من باب الوفاء بالملاك ومع قيام الدليل على عدم الإجزاء لزم التدارك من غير فرق بين القولين، وعلى ذلك فإن كان لخطاب الأمر بالكل أو المشروط إطلاق، وكذلك لما دل على اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق تكون النتيجة الالتزام بالجزئية المطلقة أو الشرطية المطلقة، وكذا إذا لم يكن لخطاب الأمر بالكل أو الشرط إطلاق، ولكن كان للخطاب الدال على جزئية المنسي أو شرطيته إطلاق، فإنه يحكم أيضاً بإطلاق الشرطية والجزئية، وأما إذا انعكس الأمر بأن كان لخطاب الأمر بالكل والمشروط إطلاق بالإضافة إلى المنسي، ولكن لم يكن إطلاق في ناحية ما دل على جزئيته وشرطيته، كما إذا قام الإجماع على اعتبار شيء جزءاً أو شرطاً وشك في جزئيته وشرطيته حال النسيان، فإنه بناءً على إمكان تخصيص الجزئية والشرطية بحال الذكر يؤخذ بإطلاق خطاب الأمر بالكل والمشروط، فيحكم بعدم اعتبار جزئيته حال النسيان أو عدم شرطيته فيه، لا يقال: لا يمكن الأخذ بالخطاب الدال على جزئية شيء أو شرطيته حال نسيانه؛ لأن تكليف الناسي بالمنسي أمر غير ممكن، فلا فرق بين الفرض الأخير والفرضين السابقين في الالتزام بوجوب الباقي على تقدير إمكان الاختصاص، فإنه يقال: ليس مدلول الخطاب الدال على جزئية شيء أو شرطيته هو الأمر والتكليف بالإتيان به، ليقال إن التكليف المنسيّ على الناسي غير ممكن، بل مدلوله الإرشاد إلى الجزئية وعدم تحقق الكل أو المشروط بدونه، ولازم ذلك سقوط الأمر بالكل أو المشروط فيما إذا استوعب النسيان جميع الوقت والإعادة مع عدمه، وعلى الجملة ليس مدلول الخطاب الدال على الجزء أو الشرط هو التكليف بهما حتى فيما إذا كان بلسان الأمر بالجزء أو الشرط، بل الأمر بهما إرشاد إلى كون متعلقه دخيلاً في متعلق الأمر النفسي، وأن ذلك المتعلق لا يتحقق بدونه. ولذا لا تعتبر قدرة المكلف على متعلقه والتفاته إليه، وإنما تعتبر القدرة في متعلق الأمر النفسي المتعلق بالكل أو المشروط، وعلى ذلك فلو كان لما دل على جزئية شيء أو شرطيته إطلاق يحكم بسقوط التكليف عن الكل والمشروط مع استيعاب النسيان لتمام الوقت، وإن لم يستوعب يحكم ببقاء التكليف بالكل أو المشروط فعليه الإعادة، كما أنه لو لم يكن للدال على جزئيته أو شرطيته إطلاق يؤخذ بإطلاق الأمر بالكل وذات المشروط، فيحكم بعدم اعتبار الجزئية والشرطية حال نسيانهما، وأما إذا لم يكن إطلاق في ناحية الأمر بالكل والمشروط ولا في ناحية الدال على الجزئية والشرطية يكون المورد من دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر بناءً على إمكان اختصاص الجزئية والشرطية ثبوتاً بغير حال النسيان، نعم مع عدم إمكانه يكون المورد من موارد الاشتغال للعلم بالواجب والشك في كون غيره مسقطاً له أم لا، نعم هذا بالإضافة إلى الإعادة، وأما بالإضافة إلى القضاء فيرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب القضاء، حيث إن الاستصحاب في عدم جعل الفاقد مسقطاً لا يثبت فوت الفريضة في وقتها إذا كان التذكر بعد خروج وقت العمل، نعم مع التذكر في الوقت وعدم الإعادة يجب القضاء، ومما ذكرنا يظهر أن ما صنعه المصنف (قدس سره) من الجمع بين التمسك بحديث الرفع، وحديث «لا تعاد» غير صحيح، فإن حديث «لا تعاد» دليل اجتهادي حاكم على إطلاق أدلة الأجزاء والشرائط للصلاة وليس مدلوله في ناحية المستثنى أو ناحية المستثنى منه حكماً ظاهرياً، بخلاف حديث الرفع بفقرة «ما لا يعلمون» واحتمال كون مراده فقرة رفع النسيان غير صحيح؛ لأنّ رفع النسيان رفع واقعي لا يجري إلاّ مع نسيان الجزء أو الشرط في تمام الوقت، ولكن لا يثبت وجوب الباقي في الوقت ولا يجري مع نسيان الجزء حال العمل فضلاً عن إثباته الأمر بغير المنسي في ذلك الحال.







وقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن كون المقام من دوران الأمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر مبني على امكان اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر، وإلاّ بأن لم يمكن هذا الاختصاص، بل كان ثبوت الجزئية أو الشرطية في شيء ملازماً لجزئيته أو شرطيته مطلقة، وكان سقوط التكليف بالكل أو المشروط بدون الجزء أو الشرط من أجل الوفاء بالغرض، وإلاّ فسوف يكون المرجح عند الشك هو الاشتغال على ما تقدم، فالعمدة صرف الكلام إلى إمكان الاختصاص وعدمه، وقد وجه الماتن (قدس سره) هذا الإمكان بوجهين الأول: أن يوجه الخطاب المتضمن للتكليف إلى جميع المكلفين بغير المنسي من الأجزاء والشرائط، ووجه خطاباً آخر على دخل المنسي في متعلق الأمر بالإضافة إلى الذاكر، أو وجه خطاباً بإيجاب الإتيان بتمام الأجزاء مع شرائطه، ثم وجه خطاباً يتضمن الأمر على الناسي بالإتيان بغير المنسي من سائر الأجزاء والشرائط حال نسيانه، غاية الأمر لا يكون الموضوع في خطاب الأمر بالخالي الأمر به بعنوان الناسي، بل بعنوان آخر خاص أو عام بحيث لا يشمل الذاكر حال العمل.







أقول: ما ذكر على تقدير تماميته إنما يكون علاجاً بالإضافة إلى مقام الإثبات، وأما في مقام الثبوت فلابد من تصوير الأمر بتمام الأجزاء والشرائط بالإضافة إلى الذاكرين، بأن يكون في حق كل واحد من الذاكرين وجوب يتعلق بتمام الأجزاء والشرائط، ووجوب آخر بالإضافة إلى كل من الأفراد الناسين يتعلق الوجوب بغير منسيه من الأجزاء والشرائط حال العمل، حيث إن المفروض أن الواجب في حق كل من الذاكرين والناسين ارتباطي يتعلق ذلك الوجوب الواحد بتمام العمل الواجب في حقه ثبوتاً، وما ذكر الماتن (قدس سره) من الوجهين راجع إلى تصحيح مقام الإثبات وهو فرع إمكان ثبوت تكليف آخر للناسي ثبوتاً غير التكليف في حق الذاكر اللهم إلاّ أن يقال إنه يمكن أن يلاحظ الشارع الصلاة بتمام أجزائها وشرائطها ثم يوجبها كذلك على من يتمكن من الاتيان بها كذلك في كل جزء من أجزاء الوقت المضروب لوجوبها، وأما من يتمكن من الأجزاء الرئيسية كالأركان ولو في بعض الوقت فيجب عليه على نحو التخيير بين الإتيان بالصلاة بتمام أجزائها وشرائطها في وقت التمكن منها، وبين الإتيان بالأجزاء الرئيسة مع ما يتمكن منه من سائر الأجزاء حال عدم تمكنه من جميعها، وهذا العنوان يشمل الناسي أيضاً كسائر أفراد العاجز، غاية الأمر لا يكون الأمر بهذا العنوان داعياً للناسي إلى العمل إلاّ بنحو الخطأ في التطبيق بأن يرى الناسي نفسه أنه يأتي بالعمل بداعوية الأمر المتعلق بالصلاة بتمامها على المتمكن منها بتمامها، ولا يضر هذا التخلف والخطأ في صحة جعل الوجوب كما ذكر، حيث يمكن كونه داعياً لغير المتمكن إذا كان عدم تمكنه من غير ناحية النسيان، أو كان لنسيان نفس ما يطلق عليه الجزء أو الشرط، كما إذا نسي المكلف نفس السورة بعد الحمد مع التفاته بأن قرائتها جزء من الصلاة بحيث لو كان عنده المصحف وكان عارفاً بالكتابة لقرأها في المصحف في صلاته، وإنما لا يلتفت إلى نسيانه فيما كان منشأ تركه الجزء أو الشرط نسيان الجزئية أو الشرطية حال العمل أو بعده أيضاً، والمقدار المذكور من إمكان الداعوية في حق غير المتمكن كاف في جعل الوجوب التخييري المذكور، وإذا شك في كون الجزئية أو الشرطية في شيء مطلقة أو ساقطة حال النسيان عن الجزئية والشرطية، فمقتضى البراءة عن الوجوب التعييني المتعلق بالعمل الواجد به، مقتضاه جواز الاقتصار على المأتي به حال النسيان، وبتعبير آخر يدور الأمر في المقام بين كون التكليف تعيينياً أو تخييرياً، ومقتضى أصالة البراءة عدم التعيين، وبهذا يظهر أنه لا مجال في المقام لأصالة الاشتغال أو استصحاب بقاء التكليف بعد احتمال كون الوجوب في حق من يكون ناسياً للجزء أو الشرط في بعض الوقت تكليفاً تخييرياً، نعم لو لم يمكن التكليف التخييري فرضاً بل ثبوت الجزئية أو الشرطية لشيء ملازماً للاطلاق في الجزئية والشرطية كان مقتضى الأصل في عدم جعل المسقط للتكليف لزوم الإعادة في الوقت، فإن تركها يجب القضاء، بخلاف ما لم يتذكر إلاّ بعد خروج الوقت، وكان لفائته قضاء، حيث لا يجب القضاء لعدم إحراز فوت الواجب لكون ما أتى به حال النسيان مسقطاً ووافياً بالملاك، حيث إن الاستصحاب في عدم كونه مسقطاً لا يثبت الفوت الموضوع لوجوب القضاء.















في أن مقتضى أصالة البراءة عدم إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته







ينبغي التنبه في المقام لأمر وهو أن ما ذكرناه من أن مقتضى الأصل العملي فيما إذا شك في أصل جزئية شيء أو شرطيته أو فيما إذا شك في إطلاق الجزئية أو الشرطية يكون مقتضى الأصل هو عدم الاشتراط وعدم الجزئية أو عدم إطلاقهما يختص بأجزاء المأمور به وشرائطه، وأما إذا كان الشك في جزئية شيء أو شرطيته في المعاملة فلا مجرى لأصالة البراءة في شيء منها، بل يكون مقتضى الأصل بطلانها بدونه؛ لأنّ أدلة الإمضاء انحلالية يحرز ثبوت الإمضاء في المعاملة الواجدة لذلك القيد المحتمل وثبوت الإمضاء في غيره مشكوك، فالأصل عدمها بخلاف التكليف المتعلق بالكل أو المشروط، فإنّه مع ثبوت جزء أو شرط فيه يكون مقتضى حديث الرفع عدم الاحتياط فيه.















في الشك في مانعية الزيادة في الجزء والشرط







ذكر الماتن (قدس سره) أنه إذا شك في اعتبار عدم زيادة الجزء في متعلق الأمر سواء كان المحتمل أخذ عدم الزيادة في متعلق الأمر جزءاً أو شرطاً يكون المقام من صغريات دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر، ومقتضى حكم العقل بالاشتغال، وإن كان ترك الزيادة لإحراز سقوط التكليف المعلوم بالإجمال على ما تقدم من عدم انحلال العلم الإجمالي في دوران الأمر الواجب الارتباطي بينهما، إلاّ أن مقتضى حديث «رفع ما لا يعلمون» عدم لزوم الاحتياط بترك زيادة الجزء بل يجوز الاتيان بالمأمور به معها، وحيث إن في اعتبار عدم زيادة الجزء خفاء؛ لأنّ جزء متعلق الأمر إما أن يكون لا بشرط بالإضافة إلى زيادتها، أو يكون بشرط لا، ولو كان الجزء هو لا بشرط بالإضافة إلى زيادة نفسه فلا يكون تكراره من الزيادة، وإن تكراره وعدمه سيان بالإضافة إلى تحقق ذلك الجزء فلا يخل التكرار، وإن اُخذ بشرط لا بالإضافة إلى تكراره فمع التكرار لا يتحقق الجزء أصلاً، فيكون الإخلال بعدم تحقق الجزء ونقصه، فأوضح (قدس سره) بأن الجزء المأخوذ في متعلق الأمر يكون لا بشرط ومع ذلك يحتمل اعتبار عدم تكراره في نفس متعلّق الأمر النفسي بنحو لو حصل تكراره حصل جزئه، ولكن لا يحصل شرط متعلّق الأمر أو جزئه الآخر؛ لاحتمال اعتبار عدم تكراره في متعلق الأمر النفسي جزءاً أو شرطاً، ويترتب على جريان البراءة في ناحية احتمال اعتبار عدم زيادته بأحد النحوين جواز الاتيان بمتعلق الأمر النفسي مع تكراره، بل يصح العمل حتى فيما كان تكراره بقصد كون الزيادة جزءاً من العمل تشريعاً أو جهلاً قصوراً كان أو تقصيراً، أو مع عدم الالتفات والغفلة، نعم لو كان متعلق الأمر النفسي عبادة يحكم ببطلانها مع تلك الزيادة فيما إذا لم يكن الأمر النفسي داعياً له إلى العمل لولا تلك الزيادة، أما مطلقاً أو في صورة عدم دخل تلك الزيادة في متعلق الأمر النفسي واقعاً، وأما لو فرض دخل تلك الزيادة في متعلق الأمر واقعاً فرضاً فتصح تلك العبادة لعدم قصور في الامتثال في هذا الفرض، فقوله (قدس سره): «لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة» تعليل لصحة عبادته لو اتفق اعتبار تلك الزيادة واقعاً المفهوم من قوله: «أو في صورة عدم دخله» واقعاً فيكون المحتصل من كلامه انه لو كان متعلق الأمر عبادة وكرر فيها الجزء ولم يقصد الامتثال إلاّ على فرض تعلق الأمر بها، كما أتى بها من زيادة الجزء تشريعاً أو جهلاً أو قصوراً يكون العمل المزبور محكوماً بالبطلان إما مطلقا أي سواء كان الأمر النفسي في الواقع كما قصده أم لا، أو يختص البطلان بما إذا كان الأمر النفسي في الواقع متعلقاً بالمركب بنحو اللابشرط بالإضافة إلى تلك الزيادة، ووجه البطلان في هذه الصورة أن الأمر النفسي الواقعي لم يقصد امتثاله، وما قصد امتثاله من الأمر غير ثابت في الواقع. ويعبّر عن قصده كذلك بتقييد الامتثال، وأما الصحة فيما كان الأمر الواقعي متعلقاً بالمركب مع تلك الزيادة فلعدم قصور في قصد امتثاله، نعم مع عدم العلم بأخذ الزيادة في متعلق الأمر كذلك وجب إعادة العمل بغير زيادة قصد الجزئية لإحراز امتثال التكليف.







أقول: صحة العمل مع اتفاق اعتبار الزيادة واقعاً في متعلق الأمر النفسي تنحصر بما إذا كان حين العمل معتقداً باعتبارها، وأما مع التشريع وجهله باعتبارها حال العمل فيحكم ببطلانها، لعدم قصد التقرب بعدم الحسن الفاعلي في العمل فإنه لا يتحقق مع التشريع في أصل العمل، والحاصل إذا أتى المكلّف بالعبادة بزيادة الجزء وكان قصده موافقة الأمر المتعلق بالمأتي به خاصة مع جزمه أو جهله حال العمل بأن المأتي به زائد عن متعلق الأمر النفسي المتعلق بالعبادة لا يحصل التقرب المعتبر في صحة العمل عبادة، حتى لو فرض تصادف بنائه الواقع بكون الزائد جزءاً أيضاً، فإن القصور في الامتثال لأجل عدم كون العمل بداعوية الأمر بها شرعاً، بل الإتيان بها وقع بداعوية الأمر البنائي المفروض كونه بنحو التشريع، ولا فرق في عدم جواز التشريع والافتراء بين كون ما نسبه إلى الشارع مع عدم علمه به أو مع اعتقاده بعدمه حقاً أو باطلا والمعيار هو النسبة بغير علم.















في مبطلية الزيادة في الصلاة ونحوها















[2] مراده (قدس سره) أنه إذا زاد المكلّف في المأتي به جزءاً، ولكن كان قصده امتثال الأمر المتعلق بالعبادة واقعاً ولكن بنى أنه ينطبق على المأتي به بتمامه فيحكم بصحة العمل؛ لأنّ الداعي إلى الإتيان هو الأمر النفسي الواقعي، غاية الأمر أنه غير خال من التشريع في تطبيق متعلق ذلك الأمر النفسي على المأتي به، والتشريع في التطبيق وإن كان غير جائز، إلاّ أنّه لا يوجب بطلان أصل العبادة التي أتى بها بداعوية الأمر الشرعي الواقعي المتعلق بها، أقول: هذا إذا لم يكن عدم زيادة الجزء مأخوذاً في العبادة، وإلاّ يحكم بفسادها ثم لا يخفى أن المركب المفروض في المقام اعتباري فيكون زيادة شيء فيها بعنوان زيادة الجزء بقصد الجزئية فقط، ولو تكرّر الجزء من المركب لا بقصد الجزئية من ذلك العمل، بل بقصد كونه عملا آخر فلا يكون ذلك من زيادة الجزء، وكذا ما إذا كان الزائد من غير جنس الأجزاء، نعم ربما يرد التعبد بكون نفس الإتيان بشيء عند الاشتغال بالمركب زيادة فيه حتى ما لم يقصد كونه جزءاً، كما في السجود لقراءة آية العزيمة أو لاستماعها، حيث ورد أن سجودها أثناء الصلاة زيادة في الفريضة ويتعدى منه إلى الركوع أيضا، فإنه إذا كان السجود لا للصلاة زيادة، فلا يحتمل أن يكون الأمر في الركوع على خلاف ذلك، ويترتب على ذلك عدم جواز إقحام صلاة في صلاة، ولكن هذا خارج عن زيادة الجزء، فإن الكلام في المقام في زيادة الجزء في الصلاة وغيرها مع الإغماض عن نظير التعبد في السجود والركوع، وعلى ذلك فلا ينحصر احتمال مانعية الجزء على ما ذكر الماتن من إمكان كون شيء جزءاً للواجب لا بشرط، ومع ذلك يمكن أخذ عدم تكراره شرطاً أو جزءاً لنفس المركب، بل يمكن كون شيء بصرف وجوده جزءاً للمركب ويكون المركب أيضاً لا بشرط بالإضافة إلى تكراره، ولكن إذا كان تكراره بقصد كون المكرر أيضاً جزءاً من المركب تصدق على تكراره كذلك زيادة الجزء، ومثلها ما لو كان الزائد من غير جنس الأجزاء وقصد كونه من الأجزاء، وعلى ذلك كلما صح العمل من جهة قصد التقرب المعتبر فيه ولم يؤخذ عدم الزيادة أو عدم التكرار قيداً للعمل يحكم بصحته، بخلاف ما إذا أخذ عدم الزيادة قيداً كما في الصلاة والطواف ونحوهما، فإنه يحكم بالبطلان على تفصيل مذكور في الفقه، وملخصه على نحو الإجمال أنه لا ينبغي التأمل في أن الزيادة عمداً إذا كانت قبل إتمام الصلاة توجب بطلانها مطلقاً، سواء كان الزائد من الأركان أو من غيرها، مع كون غير الأركان بقصد كونه جزءاً من الصلاة أخذاً بقوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1) فإن هذا كأدلّة سائر الأجزاء والشرائط والموانع ناظر إلى بيان مانعية الزيادة، بخلاف حديث لا تعاد فإنه ناظر إلى تحديد اعتبار الأجزاء من حيث الجزئية وشرطية الشرائط ومانعية الموانع، ولكن الحديث لا يشمل صورة الإخلال بالجزء والشرط والمانع عمداً؛ لأنّ العامد حين العمل مكلف بالإتيان بالعمل وترك الزيادة وعدم الإخلال في العمل، وكذا لا يشمل صورة الإخلال بالجزء أو الشرط أو المانع حال العمل مع جهله تقصيراً، فإنه لو أخذ بحديث «لا تعاد» في صورة الجهل تقصيراً يلزم حمل أدلة الأجزاء والشرائط مما يكون لسانها إيجاب الإعادة مع الإخلال على صورة الإخلال مع العلم والعمد، وهذا من قبيل حمل تلك الخطابات على الفرد النادر من مدلولاتها وعلى ذلك فالداخل في مدلول حديث لا تعاد صورة الإخلال عن نسيان أو عن جهل قصوراً ونحوهما، ومقتضاه أن الإخلال كذلك لا يوجب بطلان الصلاة في غير الأركان ويوجبه إذا كان الإخلال بها سواء كان الإخلال بالزيادة أو بالنقيصة وعدم تصوير الزيادة في بعض المذكورات في المستثنى لا يوجب اختصاص الحكم في المستثنى والمستثنى منه بصورة الإخلال بالنقيصة، ونظائر ذلك في الخطابات كثيرة، ثم حديث «لا تعاد» حاكم على تمام ما دل على اعتبار شيء في الصلاة جزءاً أو شرطاً أو مانعاً حتى بالإضافة إلى قوله (عليه السلام) «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» ومقتضى حكومته عليه أن الزيادة إذا كانت في مثل الركوع والسجدتين معاً تبطل الصلاة حتى فيما كانت الزيادة سهوياً، وأما في غيرهما مما يدخل تحت المستثنى فلا تبطل الصلاة فيما كانت الزيادة عن عذر وغفلة فلا تلاحظ النسبة بين الحديث وقوله (عليه السلام)من زاد في صلاته فعليه الإعادة، أو من استيقن أنه زاد في صلاته فعليه الإعادة؛ لأنّ حديث «لا تعاد» حاكم بالإضافة إليهما.







لا يقال: قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الاعادة»، أو من استيقن انه زاد في صلاته فعليه الاعادة، مع حديث «لا تعاد» بلسان واحد واختلافهما بالنفي والإثبات فكيف يكون حديث «لا تعاد» حاكماً عليهما.







فإنه يقال: الأمر بالإعادة قد يقع في بيان أصل الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وربما يقع أو ينفي الإعادة بعد فرض ثبوت أصل الجزئية والشرطية والمانعية فيكون حاكماً على ما ورد في مقام بيان أصل الجزئية والشرطية والمانعية، فيفيد الأمر بالإعادة إطلاقها ونفي الإعادة انحصار الجزئية والشرطية والمانعية بغير صورة نفي الإعادة كما هو الحال بالإضافة إلى حديث «لا تعاد».















(1). وسائل الشيعة 8:231، الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.































ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة[1] وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى.







الرابع: أنّه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة، ودار الأمر بين أن يكون جزءاً أو شرطاً مطلقاً[2]، ولو في حال العجز عنه.







لا يقال: نعم، ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلاّ في حال التمكن منه[3].







نعم ربما يقال: بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضاً[4].







كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله (صلّى الله عليه وآله): «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»[5].







تذنيب: لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين[6].















التمسك باستصحاب الصحة عند الشك في مانعية الزيادة















[1] ذكر الشيخ (قدس سره) أنه قد يتمسك في إثبات عدم مانعية زيادة الجزء في المركب سواءً كان الزائد من مثل أجزائه أو غيرها بالاستصحاب في صحة الأجزاء السابقة بعد تحقق الزائد، وردّه بأن المستصحب إن كان الصحة الفعليّة فهذه لا يحصل إلاّ بعد الإتيان بمتعلق الأمر بتمامه، ومع الإتيان ببعضه لم تكن حاصلاً حتى يستصحب بعد الإتيان بما يحتمل كونه زيادة مانعة، وإن كان المستصحب صحة الأجزاء السابقة بمعنى كونها موافقة للأمر الغيري أو الضمني المتعلق بها المعبر عن ذلك بالصحة التأهليّة والشأنيّة، وهي كون الأجزاء بحيث لو انضم إليها سائر الأجزاء بشرائطها حصل متعلّق التكليف، فهذه الصحة مقطوع بقاؤها، ولكن لا يفيد العلم ببقائها حصول سائر الأجزاء بشرائطها التي يحتمل كون عدم الزيادة منها، واستشكل العراقي (قدس سره) بأن ما ذكر من عدم الحالة السابقة للصحة الفعلية مبني على كون تلك الصحة تحدث دفعة بحصول الجزء الأخير من المركّب، وأما إذا كان حصولها كحصول المركّب تدريجياً في مراتبها بحيث تحصل مرتبتها الأخيرة بتمام العمل، فحصولها ببعض مراتبها كاف في استصحابها نظير الاستصحاب في بقاء سائر الاُمور التدريجية.







و مما ذكر يظهر أنه لو كان المراد من الصحة موافقة الأمر فهي أيضاً قابلة للاستصحاب؛ لأنّ موافقة الأمر بالكلّ وإن تحصل تمامها بتمام العمل، إلاّ أن الإتيان بالمركب تدريجي فتكون موافقة الأمر بها تدريجياً وتكون فعلية الأمر بالجزء اللاحق عند الفراغ عن الجزء السابق، وعلى ذلك يشك في بقاء تلك الموافقة الفعلية التي كانت قبل الإتيان بالزيادة المحتملة مانعيتها، أقول: لا يخفى ما فيه، فإنه قد تقدم في تصوير زيادة الجزء واعتبار عدمها، بأن زيادته ومانعيتها بأخذ عدمها في المركب الذي هو عين الأجزاء خارجاً، فعدمه على تقدير اعتبار عدم زيادته مأخوذ في ناحية الأجزاء بأسرها، وعليه فلا يمكن إثبات صحة المركب مع تلك الزيادة المحتملة اعتبار عدمها بالاستصحاب في صحة الأجزاء السابقة؛ لأنّ المتيقن حصوله بالإتيان ببعض الأجزاء هي الصحة المهملة أي المردّدة بين كونها صحة فعلية كما إذا لم تكن عدم زيادة الجزء مأخوذاً في المركب أو تعليقية، كما إذا كان عدم تلك الزيادة قيداً للمركب المفروض كونه عين الأجزاء السابقة مع اللاحقة، والاستصحاب في الصحة المهملة لا يفيد الموافقة الفعلية اللازم إحرازها عقلا بعد تنجز التكليف، نعم لو جرت أصالة البراءة في ناحية عدم تعلّق التكليف بالمركب المأخوذ فيه عدم الزيادة تحرز الموافقة الفعلية اللازمة بعد بيان الشارع عدم لزوم الاحتياط من ناحية احتمال اعتبار عدم الزيادة، كما هو مفاد حديث الرفع عند دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر ومع إحرازها لا موضوع للاستصحاب ولا حاجة إليه.







والعجب أنه (قدس سره) أورد على نفسه بأن الصحة بالمعنى المذكور غير داخل في الحكم الشرعي، بل حكم عقلي فكيف يستصحب؟ وأجاب بأن الصحة قابلة للتعبد حيث إن منشأها أمر الشارع وتكليفه، ووجه العجب أنه إذا كان المنشأ أمر الشارع وتكليفه وجرى الأصل في نفس التكليف يعنى تعلقه بالأكثر فلا يبقى في الناشئ عنه شك، ليكون مورد الاستصحاب.







وقد يقال: في المقام أنه لو أتى المكلّف بالزيادة المحتمل مانعيتها أو ترك المشكوك في شرطيته، يكون مقتضى العلم الإجمالي بوجوب إتمام المأتي به أو وجوب إعادته الجمع بين الاتمام والإعادة؛ لأنّ هذا العلم الإجمالي متعلق بالمتباينين لا بوجوب الأقل أو الأكثر، ولكن هذا أيضاً غير صحيح؛ لأنه لا يحرم القطع في غير صلاة الفريضة من الواجبات، وليس الكلام في المقام منحصراً على صلاة الفريضة، وثانياً: أن مقتضى جريان البراءة في التكليف بالأكثر ينفي العقاب على ترك الأكثر، فكيف يجب إعادة العمل مع أن المكلف لا يعاقب على تركه من ناحية الجزء أو القيد المحتمل.















التمسك باستصحاب الصحة في موارد الشك في القاطعية







إن الشيخ (قدس سره) فصل في استصحاب الصحة بين موارد الشك في مانعية الشيء، وموارد الشك في القاطعية، إذ إن التعبير عن وقوع شيء أثناء العمل بالقاطعية ظاهره اعتبار الهيئة الاتصالية بين أجزائه كما في القهقهة أثناء الصلاة، أو البكاء لاُمور الدنيا، إذ بوقوع أحدهما أثناء الصلاة تنقطع الهيئة الاتصالية المعتبرة بين أجزائها كالفصل الطويل بين أجزائها التي تنتفي به تلك الهيئة الاتصالية وجداناً، ففيما شك في كون شيء قاطعاً للعمل ومزيلا لتلك الهيئة المعتبرة فلا بأس بالاستصحاب في بقائها، حيث يمكن أن تخرج الأجزاء السابقة بحصول ذلك الشيء عن قابليتها للحوق الأجزاء اللاحقة، وهذا بخلاف موارد الشك في مانعية الشيء، فإن الاستصحاب في بقاء صحة الأجزاء السابقة لا يفيد شيئاً في إحراز الصحة الفعلية، أقول: لا يخفى ما فيه فإن كون شيء قاطعاً أو مانعاً في الحقيقة اختلاف في التعبير وإلاّ لا يكون الشيء مبطلا للعمل إلاّ ويؤخذ عدمه فيه عند الأمر به، وإلاّ كيف يكون الشيء قاطعاً مع عدم أخذ عدمه فيه، أو اعتبار المولاة بين أجزائه. وعليه فلو جرت أصالة البراءة عن تعلق الأمر بالأكثر يعنى بما هو مقيد بعدم المشكوك فلا يبقى شك في إجزاء المأتي به ولو كان هو الأقل فتدبر.















لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة















[2] قد تقدم أن الشك في إطلاق جزئية الجزء أو إطلاق شرطية الشرط يلاحظ تارة بالإضافة إلى حال الذكر والنسيان واُخرى بالإضافة إلى حال التمكن منهما وحال العجز منهما، وإذا علم جزئية الشيء أو شرطيته لمتعلق الأمر ودار بين كونه جزءاً أو شرطاً حتى في حال عدم التمكن منه بأن يكون الأمر بالكل أو المشروط ساقطاً مع عدم التمكن منه من غير أن يتعلق بالباقي أو ذات المشروط وجوب، وبين كونه جزءاً أو شرطاً حال التمكن منه ومقتضاه تعلق الأمر مع عدم التمكن منه بالباقي أو بنفس المشروط، فإن وصلت النوبة إلى الأصل العملي، كما إذا لم يكن للخطاب الدالّ على اعتباره جزءاً أو شرطاً إطلاق يقتضي اعتباره مطلقاً، ولم يكن أيضاً في ناحية الأمر بذلك المركب أو المشروط إطلاق يقتضي عدم اعتبار المشكوك جزءاً أو شرطاً فيه، حيث إنه لو كان لدليل اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق يقتضي عدم تحقق المركب أو نفس المشروط بدونه يؤخذ به، ويحكم بسقوط الأمر النفسي مع عدم التمكن منه، فإن تقديم خطاب الجزء على إطلاق خطاب الأمر النفسي من قبيل رفع اليد عن إطلاق المتعلق بالخطاب الدالّ على القيد له، هذا مع الإطلاق في الخطاب الدال على الأمر النفسي، ومع عدم الإطلاق له بأن يكون مجملا كما في الأمر بالعبادات على القول الصحيحي أو مهملا كما في أكثر خطاباتها بناءً على الأعمي، فالأمر أوضح، وكذا إذا لم يكن في الدليل الدالّ على جزئية الشيء أو شرطيته إطلاق، وكان في ناحية الخطاب الدال على الأمر النفسي بالمركب إطلاق، حيث يدفع به اعتبار جزئية غير المقدور أو شرطيته عند الاضطرار إلى تركه فيثبت بالإطلاق المزبور الأمر بالباقي وذات المشروط، وإذا لم يكن إطلاق في شيء من ناحية الأمر النفسي بالمركب ولا من ناحية الدليل الدال على الجزئية أو شرطية الشيء له، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي تجري أصالة البراءة عن وجوب الباقي، وذات المشروط هذا مع استيعاب العجز جميع الوقت، ولا يقاس المقام بدوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين، حيث تقدم في دوران الأمر بينهما جريان البراءة عن وجوب الأكثر من غير معارضتها بالبراءة عن وجوب الأقل، وذلك فإن التكليف في تلك المسألة كان معلوماً بالإجمال، بخلاف هذه المسألة حيث يحتمل عدم التكليف رأساً بعد تعذر الجزء أو الشرط، نعم إذا كان العجز غير مستوعب للوقت فيبقى الأمر بالكل والمشروط بحاله لتمكن المكلف من صرف وجوده ولو في آخر الوقت، نعم لو لو يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاق بحيث يحتمل إجزاء الفاقد للجزء أو الشرط في فترة عدم التمكن بأن يسقط اعتبار الجزء أو الشرط المتعذر في تلك الفترة، فيدور الأمر بين كون الواجب التام تعيينياً إلى آخر الوقت أو تخييرياً في تلك الفترة بين الناقص فيها وبين الاتيان بالتام في غيرها ولو في آخر الوقت، وقد تقدم أن مقتضى البراءة عن الوجوب التعييني كفاية الفاقد.















[3] لا يخفى أنه لا مجال في المقام لهذا الكلام، حيث إنه مع استيعاب عدم التمكن من الجزء أو الشرط لا علم بثبوت أصل التكليف في الوقت، بخلاف مسألة دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين، ومع عدم إحراز أصل التكليف يرجع فيه إلى البراءة، ومع عدم استيعاب عدم التمكن لجميع الوقت يكون أصل التكليف محرزاً فتجري البراءة عن وجوب الأكثر تعيينياً، ونتيجة ذلك كفاية الفاقد في فترة عدم التمكن من الجزء أو الشرط على ما تقدم.







وما ذكر الماتن في المقام من أنه لا مجال في المقام للرجوع إلى رفع الجزئية والشرطية إلاّ في حال التمكن منه؛ لأنه ورد في مقام الامتنان فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته لا يخفى ما فيه، فإن حديث الرفع لا يثبت التكليف في موارد الشك حتى مع قطع النظر عن كونه وارداً مقام الامتثال، سواء كان المراد فقرة «رفع ما لا يعلمون» أو فقرة «ما اضطروا إليه» أما فقرة «ما لا يعلمون» فان «ما لا يعلمون» مع استيعاب عدم التمكن نفس التكليف بالباقي، ومع عدم الاستيعاب أصل التكليف معلوم بالوجدان، وبتعبير آخر الرفع فيما لا يعلمون رفع ظاهري في مقابل الوضع الظاهري والرفع الظاهري لجزئية المشكوك عبارة عن عدم إيجاب الاحتياط فيه، ونفيه فرع ثبوت أصل التكليف، وأما فقرة رفع الاضطرار فهو رفع واقعي إذا كان الاضطرار مستوعباً لجميع الوقت ويكون مقتضاه انتفاء أصل الأمر بالكل، والأمر بالباقي يحتاج إلى الدليل، ومع عدم استيعاب الاضطرار لا تجري فقرة رفع الاضطرار أصلاً كما لا يخفى.















[4] يمكن أن يراد من بعض الصور ما إذا كان المكلف متمكناً على التام في الأول ثم طرأ العجز عن بعض الأجزاء مما يشك في جزئيته مطلقاً أو في خصوص حال التمكن، بأن يقال في الفرض: إن كل واحد من الأجزاء كان على الوجوب الضمني قبل طرو العجز، ويحتمل بقاء كل منها على الوجوب الضمني أيضاً لعدم إطلاق لما دل على جزئية المتعذر حال تعذره، وفيه أن الوجوب الضمني الثابت لكل منها في الأول متيقن الارتفاع بارتفاع الوجوب المتعلق بالكل المتعذر بعض اجزائه ولو ثبت بعده وجوب ضمني لكل من الأجزاء المقدورة، كان هذا في ضمن وجوب استقلالي متعلق بالباقي الميسور من الكل، فيدخل الاستصحاب في الوجوب الضمني لكل منها في الاستصحاب الكلي من القسم الثالث، حيث إن المستصحب طبيعي الوجوب الضمني لكل من الأجزاء لا شخص الوجوب الضمني الثابت في الأول فإنه مقطوع الارتفاع، أضف إلى ذلك أن الاستصحاب المذكور من الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولا اعتبار به على ما تقرر في محله.







ومما ذكرنا يظهر الحال في الاستصحاب في الوجوب الاستقلالي الثابت سابقاً، حيث يقال: يحتمل بقاؤه ولو لتعلق الوجوب بقاءً بالباقي، ووجه الظهور أن المستصحب وهو طبيعي الوجوب الاستقلالي والفرد المتيقن السابق قد ارتفع بتعذر الجزء، ويشك في حدوث فرد آخر عند طرو العجز على بعض الأجزاء، ويحتمل أن يكون المراد من بعض الصور طرو العجز بالجزء أو الشرط بحيث لم يكن التعذر مقوماً للعنوان المتعلق به الوجوب عرفاً، بأن يصح أن يقال بنظرهم الوجوب مع بقائه هو نفس ذلك الوجوب ونفس ذلك الواجب، فيكون الاستصحاب في الشخص حيث يتسامح العرف في تعيين الموضوع.







أقول: يمكن أن يقال مع الغمض عن كون الاستصحاب في الشبهة الحكمية إن تسامح العرف محرز في ناحية الموضوع لا في ناحية متعلق التكليف، مثلاً إذا حكم الشارع على الماء الكر المتغير بالنجاسة، فالعرف يرى أن الموضوع للنجاسة نفس الماء وأن تغيره سبب للحكم عليه بالنجاسة، وبعد زوال التغير من قبل نفسه يشك في بقاء تلك النجاسة الثابتة من قبل، بخلاف المتعلق فهو يرى متعلق الطلب السابق من المأمور به الاختياري، والمطلوب عند الاضطرار المأمور به الاضطراري، وأن متعلق تكليف المتمكن غير متعلق تكليف العاجز، وهذا بناءً على أن الصلاة أو نحوها عنوان للمركب أو المشروط ظاهر، وأما بناءً على أنها بسائط ينطبق عليها بلحاظ الأثر وتختلف مصاديق ذلك العنوان بحسب الحالات فإنه وإن يمكن الاستصحاب في وجوبها، إلاّ أنه لا يثبت اعتبار الفاقد مصداقاً، بل عدم اعتباره مصداقاً يكون حاكماً، ولا أقل من كونه معارضاً في الاستصحاب في وجوبها.







ثم إنه كما ذكرنا يختص هذا الاستصحاب في ناحية التكليف بما إذا كان المكلف متمكناً من التام في أول الوقت، وأما إذا كان التعذر مقارناً لدخول الوقت أو قبله فلا مورد للاستصحاب أيضاً، ولكن المحكي عن النائيني (قدس سره) الالتزام بجريان الاستصحاب، ولو كان العجز عن الأول بدعوى أن جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية غير موقوف على فعلية الموضوع خارجاً، فإن إجرائه في الشبهات الحكمية وظيفة المجتهد، ومن ثم يتمسك الفقيه بالاستصحاب في حرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل اغتسالها، وفيه أن الاستصحاب في الشبهات الحكمية يتوقف على فرض فعليتها قبل زمان الشك حتى يجري الاستصحاب فيه بلحاظ ذلك الزمان، وكون الاستصحاب في الشبهة الحكمية وظيفة المجتهد لا ينافي أن يفرض الفعلية في التكليف المتوجه إلى الغير حتى يمكن الاستصحاب في ذلك التكليف في حقه، نعم في موارد الشك في بقاء جعل الحكم لاحتمال فسخه لا يحتاج إلى فرض الفعلية في الحكم المجعول، ولكن هذا أجنبي عن مورد الكلام فإن المقام عند الشك في كون جزئية شيء أو شرطيته مطلقة، أم أنها مختصة بحال التمكن.















في قاعدة الميسور















[5] كان ما تقدم بحسب الأصل العملي عند الشك في إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته أو اختصاصهما بحال التمكن منه، ولكن قد يقال في البين بعض الروايات يستفاد منها قاعدة كلية، وهي انتقال الوظيفة إلى الإتيان بالمقدار المتمكن من الواجب في أي مورد فيما إذا عد ذلك المقدار ميسوراً فيؤخذ بتلك القاعدة، إلاّ إذا قام الدليل في مورد على خلافها، ويعبّر عن تلك القاعدة بقاعدة الميسور، ويذكر في المدرك لها ثلاث روايات، الاُولى: ما روى عن أبي هريرة بطرق العامة قال: «خطبنا رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)فقال أيها الناس إن اللّه عزّ وجلّ قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول اللّه؟ فسكت (صلّى الله عليه وآله) حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله): لو قلت نعم لوجب، ولما استطعتم ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»(1)، ونقل في المتن ما يختلف عما نقلناه في الجملة، وكيف كان فالرواية ضعيفة سنداً، وقد تصدى بعض لإثبات أن الراوي من المتعمدين في الكذب على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) وقد نقل هذه الرواية عن كتاب عوالي اللآلي، وقد ناقش فيه وفي مؤلفه من ليس عادته القدح في كتب الاخبار كصاحب الحدائق (قدس سره)فلا مجال في المقام لدعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب، فإنه كما ياتي لم يعلم عمل بعض الأصحاب بها فضلاً عن عمل المشهور.







لا يحتاج إلى الرواية، بل هو مما يستقل به العقل في مقام الامتثال ولا يرتبط بقاعدة أضف إلى ذلك أنها في صحيح النسائي مروية بوجه آخر، وهو قوله (صلّى الله عليه وآله): «فإذا أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ولفظة (ما) بحسب هذا النقل زمانية فيكون مدلولها كون المكلف مأخوذاً بالأمر بالشيء زمان تمكّنه منه، ومع الإغماض عن ذلك وسندها لا دلالة لها على قاعدة الميسور، لا لأن لفظة (من) بمعنى الباء أو بيانية كما قيل، فإن ظهورها حيث ما تطلق في كونها تبعيضية مما لا ينكر، ولكن يقال كون التبعيض بحسب الأجزاء غير ظاهر، بل الظاهر بمناسبة المورد كونه بحسب الأفراد، فمدلولها أن الحكم الثابت للعام والطبيعي لا يسقط بعدم التمكن من سائر الأفراد، بل يبقى مع التمكن في بعض أفراده بحاله، وهذا الميسور، ولكن لا يخفى كما أن التبعيض بحسب الأجزاء لا يناسب مورد الخبر كذلك التبعيض بحسب الأفراد، فإنه لا يجب الحج إلاّ مرة واحدة حتى فيما إذا كان المكلف مستطيعاً في السنوات المتوالية، بل الظاهر من الخبر على تقدير صحتة كون المراد بالاستطاعة ما يتحمله نوع الناس كلفة التكليف بنحو لا يكون شاقاً لنوعهم بقرينة قوله «ولو قلت نعم لوجب»، و«ما استطعتم» فإنه لو كان بمعنى العجز فكيف يجب على مكلف يعجز عن الإتيان بمتعلق التكليف، وحاصل معنى الخبر إذا أمرتكم بشيء يجب منه، أي بحسب وجوداته ما يتحمله نوع الناس، وحدد ذلك في الحج بالمرة الواحدة طول زمان التكليف.















الاستدلال لقاعدة الميسور بحديث الميسور لا يسقط بالمعسور







الثانية: ما رواه في غوالي اللآلي أيضاً، وهو قوله على ما في الرواية: الميسور لا يسقط بالمعسور(2)، وقد اورد على الاستدلال بذلك بوجهين، الأول: أنه يمكن أن يكون المراد بالميسور، الميسور من أفراد العام بمعنى أن عدم التمكن من امتثال التكليف في بعض أفراد العام وسقوطه عن المكلف فيه لا يوجب السقوط فيما يتمكن فيه من الامتثال من سائر الأفراد فلا موجب لحمل الميسور على الميسور من أجزاء المركب بأن يكون مفاده تعلق التكليف بسائر الأجزاء المقدورة.







الوجه الثاني، من الاشكال هو أنه لو كان المراد الميسور من أجزاء المركب وشرائطه فلابد من الالتزام بعدم كون الحكم المستفاد من الحديث حكماً إلزامياً، بل مدلوله كون الإتيان بالمقدار الميسور أولى، حيث إنه لا يمكن الالتزام مع شمول الحديث للمستحبات أن الاتيان بالميسور منها واجب أو يقيد الميسور والمعسور فيه بالواجبات فلا يبقى فيه دلالة على جريان القاعدة في المستحبات، ويدفع هذا الإشكال بأن المراد من عدم السقوط ليس وجوب الميسور، بل المراد عدم سقوطه عن حكمه السابق، فإن كان في السابق واجباً لا يسقط ميسوره عن الوجوب، وإن كان مستحباً يستحب الإتيان بميسوره، فالالتزام بأن الحديث ناظر إلى المركب والمشروط الذي عسر الاتيان بجميع أجزائه وشرائطه لا يوجب الالتزام بشيء من الأمرين كما هو الحال في المراد من نفي الضرر، حيث إن المنفي فيه الحكم السابق في الفعل لولا الضرر من تكليف أو وضع.







وأما الوجه الأول، من الإشكال فيجاب عنه بأنه إن حمل الحديث على تعذر بعض الموافقة في بعض أفراد العام، وأن التكليف لا يسقط في أفراده الميسورة يكون مدلوله حكماً إرشادياً محضاً، حيث لا حاجة في إثبات بقاءالتكليف في الأفراد الميسورة إلى خطاب شرعي، بخلاف ما إذا كان المراد هو الميسور من المركب الاعتباري يعنى الكل، فإن لزوم الإتيان بالباقي في الواجبات واستحبابه في المستحبات يحتاج إلى قيام الدليل عليه، وإذا دار أمر الخطاب الصادر عن المعصوم كونه إرشاداً إلى حكم العقل أو بياناً للحكم الشرعي يحمل على الثاني، وقد يورد على ذلك بأن الحمل على المولوية ينحصر على موارد العلم بالمراد من المتعلق، ودوران الأمر بين كون طلبه حكماً شرعياً أو إرشادياً كالروايات الواردة في الأمر والترغيب في أكل بعض الثمار وشرب بعض المائعات، وأما إذا لم يعلم المراد من المتعلق ودار الأمر بين أن يراد منه شيء قابل للطلب المولوي أو ما يقبل الإرشاد فقط فلم يثبت ظهور الخطاب في كون المراد ما هو قابل للطلب المولوي.







أقول: الميسور من الشيء يعم الميسور من أفراد العام، والأجزاء الميسورة من المركب الاعتباري وظهور الطلب في المولوي إن كان مقتضاه اختصاص الحديث بمورد الكل الاعتباري وأنه لا يسقط ميسوره بتعسّر معسوره فهو، وإلا يلتزم بعموم الطلب حتى بالإضافة إلى موارد العام الاستغراقي، غاية الأمر يكون الطلب بالإضافة إلى موارد تعسّر بعض أجزاء المركب حكماً مولوياً وبالاضافة إلى موارد تعذر بعض أفراد العام إرشادياً، نظير ما ذكرنا في (أوفوا بالعقود) وأنه بالإضافة إلى مثل البيع إرشاد إلى لزومه، وبالإضافة إلى العهد والنذر تكليف، فإن المستعمل فيه في كل منهما شيء واحد، واختلاف التكليف عن الإرشاد إنما هو في الغرض الداعي إلى البعث الاعتباري، ونظير ذلك في الأمر بالوفاء بالشرط فإنه بالإضافة إلى موارد شرط الفعل تكليف، وبالإضافة إلى شرط الخيار إمضاء، ثم إن متعلق السقوط لا يكون حكم الفعل لولا تعذر بعض أجزائه ليقال بأن الالتزام بالتقدير أو العناية في الإسناد خلاف الظاهر، ومع سقوط الوجوب النفسي عن الكل المعسور يكون الثابت للميسور حكماً جديداً لم يكن له ثبوت سابقاً، ولا المراد بعد سقوطه عن عهدة المكلف بتعذر الكل، بل المراد عدم سقوط الميسور من الكل عن مقام الجعل في فرض تعذر الكل، فيجري هذا المفاد في الواجبات والمستحبات بخلاف كون المراد عدم السقوط عن عهدة المكلف فإنه معه يختص مدلوله بالواجبات ولا يجري في المستحبات، حيث لا يكون المستحب على عهدة المكلف، ولا يخفى أن صدق الميسور من الشيء ومطلوبيته عند تعذر الكل لحصول الملاك فيه ولو ببعض مراتبه، وإذا قام دليل في مورد على عدم مطلوبية ميسور الشيء فيه يعلم أن الميسور فاقد للملاك، كما أنه إذا أمر الشارع ببعض العمل مع عدم صدق أنه ميسور عرفاً يعلم بحصول الملاك فيه ببعض مراتبه فيكون الأمر في الثاني، وبيان عدم مطلوبية الباقي في الأول من التخطئة لنظر العرف، وذلك فإنه إذا كان الحكم في الحديث متعلقاً على الميسور الشرعي لكان مدلوله مجملاً بالإضافة إلى موارد الكل والجزء، فما في كلام الماتن من التردد بين التخطئة والتخصيص لا وجه له، وفي غير ذلك يؤخذ بالإطلاق، ولكن هذا كله مع الغمض عن ضعف السند فيه، وفيما رواه أيضاً في كتاب «غوالي اللآلي» من قوله: ما لا يدرك كله لا يترك كله(3)، ولا يبعد ظهور هذا في الإرشاد إلى نظير موارد العام الاستغراقي وموارد العلم بمطلوبية الفعل بجميع مراتبه كما يأخذون في العرف بالكلام المزبور في نظير هذه الموارد دون موارد، مثل المعجون الذي لا يدرك تمام ما هو معتبر فيه في معالجة الأمراض كما لا يخفى.















في دوران الأمر بين جزئية الشيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته















[6] إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لا يدخل الفرض في دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر ولا في دوران أمر التكليف بين المحذورين، بل يكون من موارد تردد الواجب بين المتباينين، كما إذا دار أمر المكلف بين كون الصلاة الواجبة عليه جهراً أو صلاة إخفاتية أو كونه مكلفاً بالصلاة عارياً أو في ثوب نجس، وعدم كونه من قبيل تردد الواجب بين الأقل والأكثر ظاهر، فإن متعلق التكليف في موارد تردده بين الأقل والأكثر مردد بين كونه الأقل بنحو اللابشرط أو الأقل بشرط، وفي مفروض الكلام أمر الواجب مردّد بين كونه بشرط بالإضافة إلى شيء أو بنحو بشرط لا بالإضافة إليه، نظير دوران أمر الصلاة الواجبة بين كونها قصراً أو تماماً، وأما عدم كونه من قبيل دوران الأمر بين المحذورين، فلأن الجهر في القراءة أو لبس الثوب النجس وإن يكن أمره مردداً بين كونه شرطاً أو مانعاً إلاّ أنه ليس بمتعلق التكليف، وإنما يتعلق التكليف بالصلاة المقيدة بالجهر أو المقيدة بعدمه، وكذا متعلقه، إما الصلاة عارياً أو الصلاة في الثوب النجس، وإذا تمكن المكلف من الصلاة في الوقت جهراً وإعادتها إخفاتاً أو الصلاة عارياً وإعادتها في الثوب النجس يكون متمكناً من إحراز الموافقة القطعية والمخالفة القطعية، وإذا لم يتمكن على التكرار لضيق الوقت ونحوه، فهو متمكن من المخالفة القطعية، والمعيار في دوران الأمر بين المحذورين عدم التمكن من شيء من الموافقة القطعية والمخالفة القطعية، ففي صورة التمكن من كلتا المرتبتين من التنجيز يجب إحراز الموافقة القطعية ومع عدم التمكن من الموافقة القطعية تعيّن الموافقة الاحتمالية.







ومن العجب عن الشيخ (قدس سره) أنه أدخل المقام في دوران الأمر بين المحذورين مع التزامه في دوران الواجب بين القصر والتمام بأنه من دوران أمر الواجب بين المتباينين مع وضوح عدم الفرق بينه وبين المفروض في المقام، ثم إنه إذا لم يكن المكلف متمكناً من إحراز الموافقة القطعية وأتى بإحدى الصلاتين في الوقت لم يجب عليه الإتيان بالمحتمل الآخر، كما إذا قام من النوم في وقت ولم يبق إلى آخر الوقت إلاّ بمقدار ثمانية ركعات ولم يصل الظهرين، ودار أمره في كل منهما بين الصلاة عارياً أو في ثوب نجس، فإنه في الفرض يلزم عليه الموافقة الاحتمالية إما بالإتيان بهما عارياً أو في الثوب النجس، وإذا أتى بما يحتمل معه الموافقة الاحتمالية لم يجب عليه الإتيان بالمحتمل الآخر خارج الوقت قضاءً؛ لأنّ الموضوع للقضاء فوت الواجب في الوقت، ولا يمكن إحراز الفوت بالاستصحاب في عدم امتثال التكليف بما أتى به لسقوط التكليف بالإتيان بأحد المحتملين إما للامتثال أو خروج الوقت، ولا يقاس بما إذا شك المكلف في وقت الصلاة في الإتيان بها فإن مع جريان الاستصحاب في عدم الإتيان، وتركه بعد ذلك الإتيان بها مع تمكنه يعلم وجداناً فوت الواجب المحرز بالاستصحاب، وقد يقال: إن المكلف المفروض الذي تردد أمر الواجب عليه بين الصلاة عارياً أو في ثوب نجس إذا كان متمكناً من الموافقة القطعية في الوقت ومع ذلك اقتصر على الموافقة الاحتمالية يلزم عليه قضاء الواجب الآخر في خارج الوقت، ولكن فيه أيضاً إشكال؛ لأنّ الاستصحاب بعد الإتيان بأحد المحتملين في بقاء التكليف الثابت في حقه من قبل لا يثبت أن الفائت عند خروج الوقت هو المحتمل الآخر، فأصالة البراءة بعد خروجه عن وجوب المحتمل الآخر جارية ومعها لا موجب للإتيان به.















(1). مسند أحمد 2:508، والسنن الكبرى 4:326.







(2). غوالي اللآلي 4:58. مع اختلاف يسير.







(3). غوالي اللآلي 4:58. مع اختلاف يسير.































خاتمة في شرائط الاُصول العملية







أما الاحتياط: فلا يعتبر في حسنه شيء أصلاً، بل يحسن على كل حال[1].







وأما البراءة العقلية: فلا يجوز اجراؤها إلاّ بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف[2].







واما البراءة النقلية: فقضية اطلاق أدلتها وإن كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها[3] كما هو حالها في الشبهات الموضوعية إلاّ أنه.























[1] لا ينبغي التأمل في حسن الاحتياط عقلاً وشرعاً، بمعنى أنه إذا أصاب التكليف الواقعي يكون موافقة وامتثالاً له، وإن لم يصب يحسب انقياداً، بل يظهر من بعض الروايات في كونه مستحباً نفسياً لترتب الملاك عليه وإن لم يصادف التكليف الواقعي بلا فرق بين موارد الشبهات الحكمية والموضوعية، بل في مطلق موارد احتمال التكليف الواقعي حتى مع قيام دليل معتبر على نفيه في تلك الموارد وبلا فرق بين كونه موجباً لتكرار العمل أم لا، سواءً كان في المعاملات أو في العبادات، نعم ما لم يستلزم اختلال النظام ومعه لا يكون احتياطاً كما لا يخفى، وقد تقدم في بحث العلم الإجمالي جواز ترك تحصيل العلم التفصيلي والاقتصار بالامتثال بالعلم الإجمالي حتى في العبادات مع استلزامه تكرار العمل، وان يورد على ذلك بأن الامتثال الإجمالي بتكرار العمل مع التمكن من الامتثال التفصيلي يعد عبثاً ولعباً بأمر المولى فينافي قصد التقرب المعتبر في العبادة، وأجاب الماتن (قدس سره) عن ذلك بوجهين، الأول: أنه ربما يكون التكرار لداع عقلائي معه لا يعدّ التكرار لعباً وعبثاً بأمر المولى، والثاني: أنَّ اللازم في العبادة صدور متعلق الأمر بداع أمر الشارع، وأما ما هو خارج عن متعلق التكليف فلا يعتبر فيه قصد التقرب، وإذا كان المكلف بحيث لولا أمر الشارع بأحد العملين أو الأعمال لم يكن يأتي به، فيكون الاتيان لتعلق الامر بالامتثال. وعلى الجملة كون الخصوصيات الخارجة عن متعلق الأمر صادرة بداع آخر لا يضر بصحة العمل ولو كان ذلك الداعي من الدواعي النفسانية، نعم قد تكون الخصوصية الصادرة بداع آخر موجبة لبطلان العمل، كما إذا أتى بصلاته في أول الوقت أو في مكان خاص كالمسجد رياءً، وهذا البطلان ثبت بخطاب شرعي ورد في بطلان العبادة بالرياء فيها ولا يجري في سائر الدواعي النفسانية، ثم إن المستفاد من الخطاب الوارد في الرياء هل هو خصوص الرياء فيما يتحد مع العبادة خارجاً كالمثالين، أو يجري حتى فيما كانت للخصوصية تحقق آخر كالقنوت في الصلاة ونحوها فموكول إلى بحث النية في بحث الفقه.







وكيف كان فما ذكرنا من جواز الاحتياط وحسنه حتى في العبادات مع استلزامه تكرار العمل فضلاً عن عدم استلزامه له يوجب أن يأخذ المكلف في الوقائع التي يبتلي بها بالاحتياط فيها ولو مع تمكنه من الاجتهاد أو التقليد فيها، نعم يعتبر معرفته بطريق الاحتياط فيها وإلاّ لا يكون احتياطاً، كما أنه إذا استلزم ذلك الإخلال بمعاشه لا يكون من الاحتياط على ما تقدم.















[2] وأما البراءة العقلية فلا يجوز الأخذ بها إلاّ بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف ولزوم الفحص واليأس عن الظفر بها يكونان معتبرين في جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، باشتراط داخلي لا شرطان خارجيان؛ لأن الموضوع لقبح العقاب وهو عدم البيان للتكليف لا يحصل بمجرد الجهل به ولو كان في البين ما يمكن مع الوصول إليه محرزاً للتكليف لكفى ذلك في البيان، فان المراد بالبيان في قاعدة قبح العقاب هو ما يكون مصححاً للعقاب لا خصوص العلم والإحراز هذا في الشبهة الحكمية، ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك حتى في الشبهة الموضوعية أيضاً، بمعنى لا استقلال للعقل بالبراءة وقبح العقاب بلا بيان، إلاّ مع عدم إمكان إحراز حال الموضوع للتكليف بالفحص والسؤال، بل قد يقال بأنه لا سبيل لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهة الموضوعية حتى بعد الفحص، فإن العلم بالكبرى الكلية وإحرازها بيان بالإضافة إلى التكليف فيجب موافقتها في مصاديقها المحتملة كالمصاديق المحرزة، ولكن لا يخفى ما فيه، فإن الكبرى إذا كانت منحلة إلى التكاليف باعتبار انحلال الموضوع الوارد فيها فمادام لم يحرز ولو بعد الفحص تحققه لم يكن مجرد إحراز الكبرى بياناً للتكليف في ذلك المورد على ما تقدم في البحث في البراءة العقلية.















[3] قد تقدم أن العمدة من أدلة البراءة الشرعية رفع ما لا يعلمون في حديث الرفع، وذكر أن المراد من الرفع بالإضافة إلى ما لا يعلمون مقابل وضعه، والوضع فيما لا يعلمون يكون بالأمر بالاحتياط فيه طريقياً فيكون الرفع عدم الأمر به كذلك، وما لا يعلمون يعم الإلزام والوضع في الشبهات الموضوعية والحكمية، ومقتضى إطلاق الرفع فيهما عدم لزوم الفحص، إلاّ أنه يتعين رفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى الشبهات الحكمية، بخلاف الشبهات الموضوعية فإنه يؤخذ فيها بالإطلاق إلاّ في موارد خاصة يعلم فيها باهتمام الشارع بالواقع حيث يجب الاحتياط فيها، ويستدل على رفع اليد عن الإطلاق في الشبهات الحكمية والالتزام بلزوم الفحص فيها عن التكليف أو الوضع الملزوم للتكليف بوجوه منها، الإجماع، ومنها حكم العقل، حيث يعلم إجمالاً بثبوت التكاليف الواقعية في الشبهات بنحو يمكن الوصول إليها بالفحص، ولازم ذلك عدم جواز الرجوع إلى أصالة البراءة في شبهة قبل إحراز خروجها عن أطراف العلم الإجمالي المفروض بالفحص، ولكن لا يخفى أن دعوى الإجماع التعبدي في مثل المسألة مما يحتمل أو يعلم مدرك القائلين بلزوم الفحص غير ممكن، والإجماع المدركي محصله لا يكون دليلاً فضلاً عن منقوله، وأما دعوى العلم الإجمالي فقد أورد الماتن عليه بما حاصله انه يفرض الشبهة الحكمية قبل الفحص في موارد يلاحظها المجتهد بعد انحلال العلم الإجمالي بالظفر بالتكاليف الواقعية في جل الوقائع التي فحص فيها عن التكليف الواقعي بحيث لا يبقى له علم إجمالي بتكاليف اُخرى في سائر الوقائع أو كانت الشبهات التي يعلم بثبوت التكاليف فيها إجمالاً جلّها خارجة عن ابتلاء المكلف ولو لعدم الالتفات إليها، فإنّه مع عدم الالتفات إليها تكون أصالة البراءة في الواقعة الملحوظة جارية لفعلية الشك في التكليف فيها، بخلاف سائر الوقائع فإن الشك التقديري فيها بحيث لو التفت إليها صار شكه فيها فعلياً لا أثر له لعدم كون الشك التقديري بموضوع في شيء من الاُصول العملية.







وفيه أن فرض الانحلال بدعوى عدم الالتفات إلى سائر الوقائع حين إجراء أصالة البراءة في شبهة حكمية لا يمكن المساعدة عليها، فإنه وإن فرض كون سائر الوقائع من المجتهد مغفولاً عنها في مقام ملاحظة واقعة يشك في التكليف فيها، لكن مع ملاحظة سائر الوقائع والابتلاء بها تدريجياً في البحث عن أحكامها يكون الأصل الجاري فيها معارضاً بالأصل الجاري النافي الذي أجراه في مسألة سابقة، وهذا نظير ما إذا لاقى شيء أحد أطراف العلم بالنجاسة وحكم للملاقي بالكسر بالطهارة بأصالة الطهارة، وبعد زمان لاقى شيء آخر سائر الأطراف فإنه مع بقاء الملاقي الأول تكون أصالة الطهارة الجارية فيه معارضة بأصالة الطهارة في الملاقى الآخر، نعم إذا لم يبق الملاقى الأول ولم يكن لطهارته ونجاسته سابقاً أثر شرعي فعلاً، فيمكن الرجوع في الملاقى الآخر بأصالة الطهارة، وبهذا أمكن الجواب عما يمكن أن يقال: إنه كيف يجوز للمكلف الرجوع إلى الاُصول النافية للتكليف أو الوضع الملزوم له في الشبهات الموضوعية مع أنه قد يحصل له بعد برهة من الزمان من الابتلاء بالشبهات الموضوعية أن التكليف كان في بعضها واقعاً، ووجه ظهور الجواب أنه لا يكون أثر لهذا العلم الإجمالي بالاضافة إلى الوقائع السابقة فعلاً بخلاف الواقعة المشكوكة التي ابتلى بها فعلاً فيجرى فيها الأصل النافي وأما الوقائع الكلية التي يفتي فيها المجتهد بالوظائف الفعلية، فلكون فتواها بنحو القضية الحقيقية تكون كلها ذا أثر فعلاً، ومع العلم بمخالفة فتواها بنفي التكليف في بعض الوقائع للواقع فثبوته فيها يسقط عن الاعتبار كل ما افتى بنفي التكليف أخذاً بالأصل النافي فيها.















الاستدلال على اعتبار الفحص في الشبهات الحكمية بالعلم الإجمالي بالتكاليف فيها







وذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن العمدة في عدم جريان أصالة البراءة في الشبهات الحكمية قبل الفحص هو العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الموارد التي يكون المدرك فيها بالتكليف بين أيدينا، والمعلوم بالإجمال المعنون بهذا العنوان من قبيل ما إذا علم بحرمة بعض الغنم البيض في قطيع غنم مركب من البيض والسود، ودار الأمر في البيض من الغنم بين الأقل والأكثر فإنه يجب في الفرض البحث عن سائر الغنم، وأنه من أفراد البيض أو السود ومجرد الظفر بمقدار من البيض يحتمل انحصار الحرام منها في ذلك المقدار لا يؤثر في انحلال العلم الإجمالي لاندراج المعلوم بالإجمال في كل ما يندرج في عنوان البيض، ووجه كون المقام من هذا القبيل. لا من قبيل العلم بحرمة بعض الغنم من قطيع جميعه من السود ودار الحرام فيها بين عشرة أو أكثر ظاهر؛ لأنّ العلم بالتكاليف إجمالاً في الوقائع التي فيها مدرك لها حاصل لكل من تصدى للاجتهاد، فلابد من الفحص عن تلك الوقائع، نظير ما إذا علم المكلف بكونه مديوناً للأشخاص الذين ضبط أسماءهم في دفتره فإنه لا يمكن له الرجوع إلى أصالة البراءة بعد أداء دين جملة من الأشخاص الذين يحتمل منه ضبط اسمه في الدفتر منحصر عليهم.







أقول: مع احتمال التطابق بين المعلوم بالإجمال والمعلوم بالتفصيل ينحل العلم الإجمالي لا محالة من غير فرق بين أن يكون للمعلوم بالإجمال عنوان خاص أم لا، وسواء كان ذلك العنوان أيضاً مردداً بين الأقل والأكثر كما في مسألة العلم بحرمة بعض البيض من الغنم أم لم يكن، كما إذا علم بنجاسة اناء زيد المردد بين الإناءات المعلوم بالإجمال نجاسة بعضها، وإذا علم تفصيلاً بنجاسة بعض الإناءات واحتمل أن يكون إناء زيد بعض ذلك المعلوم بالتفصيل بحيث يحتمل طهارة جميع الباقي فلا موجب لرفع اليد عن أصالة الطهارة في الباقي، فإن الموجب لتساقط الاُصول النافية في أطراف العلم هو لزوم الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل، وهذا المحذور يختص بما قبل الفحص وقبل انحلال العلم بالظفر بالتكاليف في الوقائع بمقدار يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال ولو بالعنوان عليها، وإذا انحل بعد الفحص بحيث احتمل خلو الوقائع الباقية عن التكليف والمدرك له فيرجع فيها إلى أصالة البراءة، ومما ذكر يظهر أنه لا وجه لدعوى أن لازم العلم الإجمالي عدم جواز الرجوع إلى الأصل النافي في الواقعة المشتبهة حتى بعد الفحص وعدم الظفر بالمدرك للتكليف فيها لبقاء العلم الإجمالي بحاله، ووجه الظهور هو أن المفروض ثبوت العنوان للمعلوم بالإجمال وهو التكليف في الوقائع التي مداركها ممكنة الوصول بالفحص، ومع عدم الظفر بالمدرك في واقعة بعد الفحص يعلم خروجها عن أطراف المعلوم بالإجمال، فيكون احتمال التكليف فيها من قبيل الشك في الشبهة البدوية بعد الفحص، وعلى الجملة اعتبار الفحص في الرجوع إلى أصالة البراءة في الشبهة الحكمية مطلقاً بدعوى أنَّ مقتضى العلم الإجمالي بالتكاليف في الوقائع غير تام، لما تقدم من عدم جريانها في الشبهات الحكمية قبل الفحص حتى بعد انحلال العلم الإجمالي المزبور.































فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والأخبار على وجوب التفقه والتعلم[1] والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم.







نعم يشكل في الواجب المشروط والمؤقت، ولو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما، فضلاً عما إذا لم يؤد إليها[2].







وأما الأحكام فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة، بل في صورة الموافقة أيضاً في العبادة، فيما لا يتأتى منه قصد القربة[3].







إن قلت: على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سبباً لتفويت الواجب فعلاً، وما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام[4].







وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأموراً به بنحو الترتب[5].







ثم إنه قد ذكر لأصل البراءة شرطان آخران:







أحدهما: أن لا يكون موجباً لثبوت حكم شرعي[6] من جهة اُخرى.







ثانيهما: أن لا يكون موجباً للضرر على آخر.







وأما اعتبار أن لا يكون موجباً للضرر، فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة[7] كما هو حالها مع سائر القواعد.















اعتبار الفحص في الرجوع إلى الاُصول في الشبهات الحكمية















[1] ذكر الماتن (قدس سره) أن الأولى الاستدلال على اعتبار الفحص في الشبهات الحكمية وعدم اعتبار البراءة فيها قبل الفحص بما دل على وجوب التفقه والتعلم وترتب المؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم، ولعل نظره إلى آية السؤال، فإن الأمر بالسؤال عند الجهل مقتضاه لزوم تحصيل العلم، ومورده بالقرينة الداخلية والخارجية ما إذا كان فيه احتمال التكليف فإن الآية المباركة لا تعم الشبهة الموضوعية لما ورد في تفسيرها من كون المراد من أهل الذكر الأئمة (عليهم السلام)، ومن الظاهر أنه لا شأن للامام (عليه السلام) في إحراز المشتبه الخارجي في الشبهات الموضوعية، أضف إلى ذلك ماورد في الشبهات الموضوعية من عدم لزوم السؤال والفحص فيها، وعلى ذلك يكون مدلول الآية أخص بالإضافة إلى ماورد في حديث الرفع من فقرة رفع ما لا يعلمون، ولو بعد تقييدها بغير الشبهة الموضوعية فإنه ورد فيها الحكم بالحلية والعذر ما لم يعلم الحرمة، وبالعذر ما لم يعلم الإلزام وعدم لزوم الفحص عن الموضوع والسؤال عنه.







لا يقال ماورد في تفسير الآية لا يدل على انحصار مدلول الآية في الشبهة الحكمية كما يشهد بذلك مورد نزول الآية، وعليه يكون مدلولها عاماً يشمل الاُمور الاعتقادية والأحكام الفرعية فتكون النسبة بينها وبين حديث الرفع من فقرة «رفع ما لا يعلمون» العموم والخصوص من وجه، فإنه يقال لا مانع من شمول الآية للاُمور الاعتقادية أيضاً كما لا مانع عن شمول «رفع ما لا يعلمون» لها فيلزم الفحص في الاُمور الاعتقادية التي يجب فيها تحصيل العلم واليقين، وإذا لم يتمكن من العلم بها ولو بعد الفحص فترفع عن المكلف كما يرفع التكليف في الشبهة الحكمية بعد الفحص وعدم التمكن من إحرازه، وعلى الجملة مدلول الآية أخص بالإضافة إلى ما لا يعلمون، بل لو كانت النسبة بينها العموم من وجه فلابد من رفع اليد في مورد اجتماعهما عن إطلاق حديث الرفع فإن الخبر المخالف للكتاب العزيز غير حجة، وربما يحتمل أن نظر الماتن من قوله بما دل على التفقه آية النفر ولكن لا يخفى ما فيه، فإن التفقه الوارد في الآية وجوبه نفسي كفائي يعم الإلزاميات وغيرها من الأحكام التكليفية والوضعية حتى الأحكام المجعولة على صنف من المكلفين لا يدخل المكلف فيه كالأحكام للنساء، وهذا لا يرتبط بالمقام، فإن وجوب التعلم في المقام وجوبه طريقي بالإضافة إلى كل مكلف أو إرشادي له إلى تنجز التكليف في الوقائع التي يبتلي بها، ولا يكون جهله بالتكليف فيها عذراً مع تمكنه من الوصول إليه بالفحص.







وأما الأخبار فهي على طوائف ثلاث، منها مادل على عدم كون الجهل بالتكليف مع ترك التعلم عذراً كموثقة مسعدة بن زياد التي رواها في تفسير البرهان في ذيل آيه (فللّه الحجة البالغة)(1) عن أمالي الشيخ، قال: حدثنا محمد بن محمد (المفيد (قدس سره)) عن أبي القاسم جعفر بن محمد (يعني جعفر بن محمد بن قولويه) قال: حدثني محمد بن عبداللّه بن جعفر عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد، قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) وقد سئل عن قول اللّه تعالى: (فللّه الحجة البالغة) فقال: إن اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالماً فإن قال: نعم قال له: أفلا عملت بما علمت، وإن قال: كنت جاهلاً. قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة»(2) وظاهرها لزوم تعلم التكاليف ومتعلقاتها وعدم كون الجهل مع التمكن من التعلم عذراً، ويختص ذلك بالشبهات الحكمية حيث يكون التعلم في التكاليف ومتعلقاتها كالعبادات، ومنها ماورد في لزوم الفحص في الشبهة الحكمية ولزوم الاحتياط قبله، كصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان، الجزاء بينهما أو على كل منهما جزاء؟ فقال: لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، فقال: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعملوا»(3)، وظاهرها أيضاً عدم كون الجهل في الشبهة الحكمية قبل الفحص عذراً، وبهذه الصحيحة وما قبلها يجمع بين الأخبار الآمرة بالتوقف والاحتياط في الشبهات الحكمية، وبين الأخبار الواردة في السعة ورفع ما لا يعلمون، وجواز الارتكاب عند الجهل بالحرمة بحمل الثانية على ما بعد الفحص وعدم إحراز التكليف وحمل الاُولى على ما قبل الفحص، وهذا مع الفحص عما ذكرنا في الأخبار الواردة في التوقف عند الشبهات والأخذ بالاحتياط في الدين.







ومنها الأخبار الواردة في «كون طلب العلم فريضة»(4)، حيث إن تلك الأخبار كما تعم الاُمور الاعتقادية كذلك تعم التكاليف الواقعية في الوقائع التي يبتلي بها المكلف ووجوبه بالإضافة إلى الاُمور الاعتقادية نفسي، وبالإضافة إلى التكاليف طريقي يوجب عدم كون الجهل بها مع مخالفتها عذراً، والجمع بين الوجوب النفسي والطريقي لا يدخل في استعمال اللفظ في أكثر من معنى، كما لا يدخل فيه إرادة الوجوب النفسي والغيري في مثل قوله (عليه السلام) «إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور».







بقي في المقام امر وهو أنّ لزوم الفحص والتعلم بالإضافة إلى التكاليف في الوقائع التي يبتلي بها المكلف طريقي أو إرشادى إلى عدم كون الجهل بها مع إمكان الوصول اليها بإحرازها عذراً، وأما تعليم أحكام الشريعة بنحو الواجب الكفائي للتحفظ بالشريعة في الاُمور الاعتقادية والأحكام الفرعية للإبلاغ والنشر وتعليم الجاهلين فهو أمر آخر، كما هو المستفاد من آية النفر وغيرها، وعلى ذلك فإن أحرز المكلف ابتلاءه بواقعة ولو بنحو العلم الإجمالي فلا يكون ترك تعلم تكليفه فيها عذراً، بلا فرق بين كون ترك التعلم قبل حصول شرط التكليف ودخول وقته مع عدم تمكنه من التعلم بعد حصوله أو دخول وقته، أو كان ترك التعلم والفحص بعد فعلية التكليف بحصول شرطه أو دخول وقته فيما إذا تمكن من التعلم بعدهما، فإن أخبار وجوب التعلم بل آية السؤال تكشف عن أن ترك العمل الناشئ من ترك التعلم يوجب تفويت الملاك حتى فيما كان تركه موجباً للغفلة عن التكليف زمان حصول شرطه أو دخول وقته، وإنما الكلام بالإضافة إلى الوقائع التي لم يحرز الابتلاء بها، بل يكون الابتلاء بها مجرد احتمال فإنه قد يقال بعدم وجوب التعلم بالإضافة إليها أخذاً بالاستصحاب في عدم ابتلائه بها، حيث يجري الاستصحاب في الاُمور الاستقبالية كما يجرى في الاُمور الماضية، وأورد على هذا الاستصحاب المحقق النائيني (قدس سره) بأنه يعتبر في جريانه كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، والابتلاء بالواقعة وعدمه ليس بموضوع لوجوب تعلم حكمها، بل وجوبه يثبت في موارد احتمال الضرر وهذا الاحتمال محرز بالوجدان بمجرد احتمال الابتلاء بالتكليف.







ولكن لا يخفى ما فيه، فإن احتمال الضرر مترتب على ثبوت وجوب التعلم حتى بالإضافة إلى الواقعة التي يحتمل الابتلاء بها، وكيف يكون احتماله موضوعاً لوجوب التعلم بالإضافة إليها، وثانياً: أنه يأتي أنّ اعتبار كون المستصحب موضوعاً لحكم شرعي أو نفس حكم شرعي لامكان التعبد، ولو أمكن التعبد وإن كان المستصحب بحيث يمكن التعبد به ولو بأثره العقلي فلا بأس بالاستصحاب فيه، ولو لم يكن المستصحب من الموضوع لحكم شرعي أو نفس الحكم الشرعي كما في موارد الاستصحاب موجب لإحراز امتثال التكليف أو عدم امتثاله من حصول متعلق التكليف خارجاً وعدم حصوله فإن الاستصحاب فيهما موجب لإحراز امتثال التكليف أو عدم امتثاله.







وعلى ذلك فكما أن العقل يحكم بعدم الضرر في ترك التعلم بالإضافة إلى واقعة يعلم المكلف بعدم الابتلاء بها كذلك فيما إذا أحرز عدم الابتلاء بالاستصحاب، ولكن الصحيح أن إطلاق أخبار وجوب التعلم يعم الموارد التي يحتمل المكلف الابتلاء بمخالفة التكليف فيها على تقدير ترك التعلم ما لم يكن احتماله ضعيفاً، بحيث يكون هناك وثوق بعدم الابتلاء وخروج موارد إحراز عدم الابتلاء عن أخبار وجوب التعلم تخصصي، لكون وجوبه على تقديره شرعياً طريقي بالإضافة إلى التكاليف الشرعية العملية فلا يكون إيجابه طريقياً لمن يحرز عدم ابتلائه بالواقعة وجداناً، وعلى ذلك يجب التعلم باحتمال الابتلاء فلا يبقى للاستصحاب في عدم الابتلاء مورد؛ لأنّ عدم الابتلاء والابتلاء الواقعيين ليسا بموضوعين لعدم وجوب التعلم ووجوبه ليكون في البين موضوع للاستصحاب، والعمدة في المقام في عدم جريان الاستصحاب في عدم الابتلاء ما ذكرنا، لا ما يقال من أن تقديم الاستصحاب يستلزم حمل أخبار وجوب التعلم على الفرض النادر أو على موارد العلم الإجمالي بالابتلاء، وبتعبير آخر مع شمول ماورد في وجوب التعلم بالإضافة إلى مورد الابتلاء يثبت وجوب التعلم أي يحرز وجوبه فلا يكون في وجوبه شك ليكون لجريان استصحاب عدم الابتلاء موضوع، لما ذكر أن خروج موارد إحراز عدم الابتلاء ليس تقييداً فيما دل على وجوب التعلم، بل لعدم إمكان جعل الحكم الطريقي في تلك الموارد، والاستصحاب في عدم الابتلاء لا يثبت امتناع جعل الحكم الطريقي في مورده.















[2] لا ينبغي التأمل في استحقاق المكلف على مخالفة تكليف فعلي إذا أدى ترك الفحص والتعلم إلى مخالفته حتى فيما إذا كان عند مخالفته غافلاً عن كون عمله مخالفة للتكليف، إلاّ أنه حيث كانت مخالفته مستندة إلى ترك تعلمه فيستحق العقاب عليه، ولكن ربما يستشكل في وجوب التعلم واستحقاق العقاب فيما إذا كان الواجب مشروطاً بشرط أو كون وجوبه مؤقتاً بوقت، ويكون المكلف غير متمكن من الإتيان به بعد حصول الشرط أو دخول الوقت بترك التعلم من قبل، ووجه الإشكال أنه قبل حصول الشرط أو قبل حصول الوقت لم يكن وجوب الفعل في حق المكلف حتى يجب تعلمه، وبعد حصولهما لا يكون أيضاً في حقه تكليف لعدم تمكنه من إتيان الواجب أو غفلته عنه، والتزم الماتن في حل الإشكال بما ذكره المحقق الأردبيلي من الالتزام بكون وجوب التعلم نفسياً تهيئياً، فيكون العقاب على ترك التعلم لا على مخالفة الواجب في وقته وحصول شرطه بترك التعلم، وذكر أيضاً وجهاً آخر في حل الإشكال وهو الالتزام بكون الواجب قبل الشرط وقبل الوقت من الواجب التعليقي لا من قبيل الواجب المشروط، غاية الأمر قد أخذ سائر مقدماته بنحو لا يكاد يسرى إليها الوجوب الغيري قبل حصول الشرط أو دخول الوقت، وعليه فلا يكون العقاب على ترك التعلم، فإن التعلم من مقدماته الوجودية في الفرض، ولكن حيث يسري إليه الوجوب الغيري فيوجب استحقاق العقاب على ترك الواجب بعد حصول الشرط أو دخول الوقت إذا كان تركه مستنداً إلى ترك التعلم والفحص. أقول: ظاهر ماورد في ترك التعلم العقاب على ترك العمل لا على ترك التعلم فالتخلص عن الإشكال المتقدم بالالتزام بالعقاب على ترك التعلم طرح لظهوره، فلا يمكن الالتزام به في الواجبات المشروطة والمؤقتة قبل حصول شرطها أو وقتها فضلاً عن الالتزام به في غيرهما أيضاً، بدعوى استحقاق العقاب على ترك التعلم إذا لم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقاب على مخالفة تكليف معقول عنه بترك التعلم، كما لا يمكن الالتزام بالواجب التعليقي الذي ذكره، حيث إن الالتزام بأن التكاليف في الوقائع بنحو الواجب المعلق خلاف ظاهر الخطابات كما اعترف بذلك في بحث الواجب المطلق والمشروط، وكيف كان فيرد عليه بأنه بعد الالتزام بكون وجوب التعلم نفسياً تهيئياً توجب مخالفته العقاب، فيلزم عليه (قدس سره) الالتزام بعقابين في الواجبات والمحرمات المطلقين إذا أوجب ترك التعلم مخالفتهما، حيث إنه (قدس سره) يصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقاب على المخالفة، ولو كان مغفولاً عنه حين المخالفة، والصحيح في الجواب أن يقال: إن تفويت الغرض الملزم في الموارد التي تكون القدرة بالفعل شرطاً لاستيفائه لا دخيلاً في كون الفعل ذا ملاك غير جائز، وحيث إن ماورد في وجوب التعلم يعم جميع موارد احتمال الابتلاء على ما تقدم حتى الواجبات المشروطة والمؤقتة قبل حصول الشرط ودخول الوقت، فيعلم بأن الملاك حتى في تلك الواجبات من ناحية التعلم ملزم، وأن القدرة بها من ناحية تعلمها ولو قبل الشرط والوقت شرط الاستيفاء، بخلاف العجز الناشئ من ناحية سائر المقدمات، وكذا لا يجب تحصيل القدرة عليها بتحصيلها قبل الوقت أو قبل حصول شرط التكليف.







ثم إن استحقاق العقاب في صورة أداء ترك التعلم إلى مخالفة التكليف الواقعي أو تفويت الغرض والملاك الملزم، بحيث لو تعلم أو فحص يصل إلى الحجة بالتكليف أو الملاك الملزم ظاهر، وأما مع عدم أدائه إلى ذلك بحيث لو فحص أيضاً لم يظفر بالحجة على ذلك التكليف أو الملاك، فهل يستحق العقاب على مخالفته أيضاً لعدم المعذّر له حين الارتكاب أو لا يستحق العقاب إلاّ على هذا التجري بناءً على كونه موجباً لاستحقاقه، فقد يقال: بالأول لحكم العقل باستحقاق العبد العقاب على مخالفة التكليف الواقعي مع عدم المؤمن له عقلاً أو شرعاً، والمفروض في المقام عدمه لعدم حكم العقاب بقبح العقاب قبل الفحص واليأس عن الظفر بالحجة، وكذلك البراءة الشرعية كما هو المفروض في الشبهة الحكمية، وقد يقال بالثاني فإن عقاب الشارع على مخالفة تكليف أو فوات ملاك ملزم لم يصل بيانه إلى المكلف قبيح، والمفروض عدم البيان بالإضافة إلى التكليف أو الملاك في الواقعة، ولكن لا يخفى أن المراد من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو المصحح للعقاب على المخالفة وإذا لم يكن احتمال التكليف في الواقعة مورداً للبراءة الشرعية والعقلية قبل الفحص يكون نفس احتماله بياناً، ولذا يحكم العقل في الواقعة بالتخيير بين التعلم والفحص وبين الأخذ بالاحتياط، فما يظهر من الماتن (قدس سره) أن العقاب في هذه الصورة أيضاً لأجل التجري كما في صورة عدم التكليف في الواقعة واقعاً لا يمكن المساعدة عليه.







لا يقال المقدار الذي يرفع اليد فيه عن عموم «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» هو عدم العلم في مورد لو فحص المكلف فيه لظفر بالحجة على التكليف على تقدير وجوده واقعاً، فإنه يجب في هذه الموارد قبل الفحص التخيير بين التعلم والاحتياط، وأما المورد الذي لا يظفر فيه بالحجة حتى على تقديره واقعاً فلم تخرج عن عموم رفع ما لا يعلمون ولذا لا يجب فيه الفحص، وإذا احتمل المكلف أن الواقعة من القسم الأول أو الثاني، فالاستصحاب في عدم علمه بالتكليف ولو بعد الفحص بعدم الظفر بالحجة يدرجها في القسم الثاني، فلا يجب فيها الفحص فإنه يقال قد تقدم أن اختصاص لزوم الفحص بالقسم الأول؛ لأنّ الوجوب النفسي التعييني على المكلف الذي هو طريقي في القسم الثاني من اللغو المحض، فامتناع الطلب لغواً من الحكيم أوجب هذا الاختصاص في أدلة وجوب التعلم والاستصحاب في عدم الظفر بالحجة بعد الفحص أيضاً لا يثبت امتناع طلب الفحص في الواقعة وكونه لغواً ليوجب رفع اليد عن إطلاق أدلة وجوب الطلب والسؤال، نظير ما أجبنا به عن الاستصحاب في عدم ابتلاء المكلف بواقعة يحتمل وجداناً الابتلاء بها مستقبلاً.















[3] فصل فيما إذا عمل المكلف بلا فحص لازم عليه من تقليد أو اجتهاد، فنقول: إذا أخذ العامي بالعمل بلا تقليد معتبر ومن غير احتياط ففيه صور:







الاُولى: أن ينكشف مخالفة عمله للواقع بحسب فتوى من يجب عليه تقليده حين العمل، وبفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً، فإنه في هذه الصورة يحكم ببطلان عمله أي بعدم إجزائه لعدم مطابقته للواقع بحسب الحجة السابقة والحجة الفعلية.







الثانية: أن ينكشف مطابقة عمله للواقع بحسب الحجة حال عمله والحجة الفعلية، ولا ينبغي التأمل في الحكم بإجزاء عمله السابق ولو كانت عبادة حيث إن التقرب المعتبر فيها يحصل بالإتيان بها لاحتمال أنها الواقع.







الثالثة: مطابقة عمله لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً ومخالفته لفتوى من كان يجب عليه تقليده حال العمل، وفي هذه الصورة أيضاً لا يجب عليه تدارك العمل السابق بالإعادة أو القضاء، فإن الإجزاء مقتضى الحجة الفعلية التي يجب عليه اتباعها، ولكن عدم استحقاق العقاب على عدم تدارك الواقع إذا اتفق كون الواقع على خلاف الحجة الفعلية في هذه الصورة، وعلى خلاف الحجة السابقة أيضاً في الصورة السابقة لا يوجب عدم استحقاقه العقاب على مخالفة الواقع في الوقت، حيث إن تلك المخالفة في وقت العمل لم تكن عن عذر وبالاستناد إلى الحجة، كما إذا أتى يوم الجمعة سابقاً بصلاة الظهر في أيام الجمعة وكان الواجب الواقعي في علم اللّه وجوب صلاة الجمعة تعييناً، فإنه بما أنه لم يستند حين العمل بالفتوى يكون مستحقاً للعقاب على ترك صلاة الجمعة يوم الجمعة حتى مع فتوى المجتهد الفعلي والمجتهد السابق بوجوب صلاة الظهر.







الصورة الرابعة: ما إذا كان عمله مطابقاً لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل، ويخالف فتوى من يجب عليه الرجوع إليه فعلاً، وفي هذه الصورة يجب عليه تدارك عمله السابق بحسب فتوى المجتهد الفعلي بالإعادة أو القضاء حتى فيما لو كان ذلك العمل بتقليد من المجتهد السابق لم يجب عليه تداركه، كمن ترك السورة في صلاته مدة من الزمان ثم قلد مجتهداً يرى وجوب السورة بعد الحمد في الفريضة، فإنه يجب عليه قضاء تلك الصلوات حتى فيما لو كان حال العمل يفتي من كان يجب الرجوع إليه بعدم وجوب السورة بعد الحمد، والوجه في لزوم القضاء أن المكلف المفروض لو كان مقلداً لذلك المجتهد حال العمل كان بنظر المجتهد اللاحق الذي يرى وجوب السورة قاصراً يعمّه حديث «لا تعاد»، بخلاف فرض عدم تقليده فإنه بترك الاحتياط وترك التقليد كان مقصراً، فلا يعمه الحديث مع تردده في إجزاء عمله حال العمل، كما أن الفرض خارج عن مورد الإجماع على إجزاء العمل السابق على طبق التقليد السابق، ومما ذكرنا يظهر الحال في العمل السابق الصادر عن غير العامي بلا اجتهاد ومن غير احتياط في الواقعة، كما ظهر أن الجاهل فيما إذا أتى بعمل ثم ظهر أنه لم يكن مطابقاً للوظيفة الواقعية لزم تداركه بالإعادة أو القضاء فيما كان لفائته قضاء، ولكن ذكروا من غير خلاف أن المسافر الجاهل بوجوب القصر إن صلى تماماً فلا يجب عليه إعادتها ولا قضاؤها حتى فيما لو علم في الوقت بوجوب القصر على المسافر، والمستند في ذلك الروايات، والمنسوب إلى المشهور كما يظهر من الماتن أيضا أنه مع عدم وجوب الإعادة والقضاء يكون مستحقاً للعقاب على ترك القصر، وكذا الحال فيمن جهر في موضع الإخفات أو بالعكس جهلاً بالحكم ويشكل بأنه كيف يحكم بصحة العمل مع عدم الأمر به، وكيف يستحق المكلف العقاب على ترك ما تعلق به الأمر مع تمكنه من الإتيان به في وقته ولا يجب عليه الإعادة مع تمكنه منها، فالحكم بعدم لزوم الإعادة مع الاستحقاق للعقاب على ترك الواجب متهافتان، كما إذا علم المكلف بوجوب القصر عليه قبل خروج الوقت مع الإتيان بالصلاة إتماما، وكذا الحال في مورد الإخفات في موضع الجهر أو بالعكس، وأجاب الماتن (قدس سره) عن كلتا الجهتين بأن صحة العمل عبادة لا تتوقف على تعلق الأمر به فعلاً، بل لو كان فيه ملاك المحبوبية وأتى المكلف به على نحو قربي يحكم بصحته، كما ذكر ذلك في مزاحمة التكليف بالصلاة في أول وقتها مع التكليف بالأهم، كالأمر بالإزالة، والحاصل أن الصلاة تماماً جهلاً بوجوب القصر مشتملة لمقدار من المصلحة تكون ملزمة في نفسها، وإنما لم يؤمر بها لكون الصلاة قصراً ملاكها أكثر بمقدار لازم، وهذه المصلحة الأهم لا يمكن استيفاؤها بعد الصلاة تماماً، وهكذا الأمر في الجهر من الجاهل بوجوب الإخفات وبالعكس، ولذا يستحق المكلف العقاب على مخالفة التكليف بالقصر أو بالإخفات أو الجهر الذي فوته المكلف على نفسه بترك تعلمه حيث لا يمكن له بعد الإتيان بصلاته تماماً مع الجهل الإتيان بها قصراً، بحيث يتدارك ويستوفي ملاكه الملزم الأتم وكذا الحال في الجاهل بوجوب الجهر والإخفات.















[4] حاصله كيف يمكن الحكم بصحة الصلاة تماماً من الجاهل بوجوب القصر عليه مع كونها سبباً لفوات الصلاة قصراً والإتيان بما هو سبب لفوت الواجب غير جائز، والحرمة في العبادة موجبة لفسادها، وأجاب (قدس سره) بأن المتضادين في نفسهما أو بملاكهما يكون من قبيل المتلازمين في مرتبة واحدة ولا يكون الإتيان بأحدهما سبباً لترك الآخر كما بين في بحث الضد الخاص للمأمور به، ولذا لا يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضده الخاص، نعم اشتمال الصلاة تماماً لملاك ملزم في نفسه، وكذا الصلاة جهراً في موضع الإخفات أو بالعكس يختص بصورة جهل المكلف بالتكليف الاُولى، فبطلان الصلاة تماماً من العالم بوجوب القصر أو بطلانها جهراً من العالم والملتفت بوجوب الإخفات وبالعكس لا يكون منافياً لما ذكره في صورة الجهل.







أقول: الصحيح في الجواب هو القول بأن المسافر مع جهله بوجوب القصر عليه، له أن يأتي بصلاته تماماً، بمعنى أن مع جهله يتخير بين القصر والتمام، ولذا لو أتى بالقصر اتفاقاً يحكم بصحة صلاته، كما إذا اعتقد أنه في الركعة الرابعة وسلم فتذكر بعد السلام أنه سلم في الركعتين، وكذا الحال في وجوب الصلاة جهراً أو إخفاتاً، فإن الجاهل مخير وليس المراد من التخيير الوجوب التخييري المعروف وتوجيه خطاب إلى الجاهل بالأمر بإحدى الصلاتين، فإن تخصيص وجوب القصر تعييناً بالعالم به غير ممكن، بل المراد كما تقدم في نسيان الجزئية والشرطية جعل الفاقد مسقطاً لما تعلق به الوجوب التعييني، وعلى ذلك فلا يكون ماورد في وجوب التعلم موجباً لاستحقاقه العقاب على ترك القصر لسقوط التكليف الواقعي امتثالاً بالإتيان بالبدل في الامتثال، وكذا في الجهر موضع الإخفات وبالعكس، وما ذكر الماتن (قدس سره) من كون الإتمام واجد لملاك ملزم في نفسه في حق المسافر الجاهل، ولكن معه لا يمكن استيفاء المصلحة الأتم والأكمل في القصر، ولذا لا يؤمر المسافر إلاّ بالقصر، وبعد الإتيان بالتمام لا يبقى مجال للإعادة قصراً فيعاقب على تفويته المقدار من المصحلة الأتم لا يمكن المساعدة عليه، فإن تصويره وإن كان ممكناً إلاّ أن التضاد في الاستيفاء كما ذكر لا يساعد ماورد في الرواية من أنه تمت صلاته ولا إعادة عليه، ويمكن أن يورد عليه بأن لازم ما ذكره تعدد العقاب عند ترك الجاهل بوجوب الصلاة رأساً، أحدهما على ترك الواجب يعني القصر، والآخر العقاب على عدم استيفائه الملاك اللازم في نفسه مع تركه القصر على ما هو المقرر في باب التزاحم بين الواجبين، نعم لا يتعدد العقاب ممن ترك الصلاة رأساً مع العلم بوجوب القصر؛ لأن المفروض عدم مصلحة ملزمة في نفسها في الصلاة تماماً عند العلم بوجوب القصر، وهكذا الحال في الجهر موضع الإخفات وبالعكس.















[5] المحكي عن كاشف الغطاء (قدس سره) أن التضاد بين القصر والتمام في حق المسافر والجاهل بوجوب القصر يصحح الترتب بين التكليفين، بأن يكون المسافر الجاهل مكلفاً بوجوب القصر كالعالم به، ولكن الجاهل بوجوبه على تقدير تركه القصر حال جهله مكلف بالصلاة تماماً، وأورد عليه الماتن أن الأمر بالضدين بنحو الترتب غير ممكن كما بيناه في بحث النهي عن الضد بما لا مزيد عليه.







ولكن هذا كما ترى لا يصلح للجواب بعد إثبات إمكان الأمر بالضدين على نحو الترتب وعدم لزوم محذور منه.







ولكن أجاب عن الترتب المذكور المحقق النائيني (قدس سره) بأن المعتبر في الأمر بكل من الضدين على نحو الترتب أن يكون الموضوع للأمر بالمهم عصيان الأمر بالأهم، وهذا العنوان غير صالح لأنّ يكون موضوعاً في المقام؛ لأنّ الجاهل بوجوب القصر والآتي بالتمام لا يمكن أن يلتفت إلى عصيانه في وجوب القصر عليه، وإلا لانقلب إلى العالم بوجوب القصر، وأيضاً العصيان لا يتحقق إلاّ بانقضاء وقت الصلاة، ومن صلى تماماً ثم التفت إلى وجوب القصر عليه والوقت باق يمكن له موافقة الأمر بوجوب القصر، أضف إلى ذلك أن الترتب يثبت في موارد قيام الدليل على كل من التكليفين، بحيث يلزم على القادر على كل منهما الجمع بينهما في الامتثال، ويلتزم بالترتب عند عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما لوقوع المزاحمة.







ولكن لا يخفى أن ما ذكره كاشف الغطاء ترتب في مقام الجعل وما ذكره (قدس سره)ترتب في مقام التزاحم بين التكليفين في الامتثال، ولا يعتبر في الترتب بين التكليفين بحسب الجعل إلاّ جعلهما بحيث لا يقتضي الجمع بين الفعلين، لا تعليق التكليف بالثاني على عنوان العصيان بالإضافة إلى التكليف الأول، بل لا يلزم ذلك في الترتب بين التكليفين في مقام الامتثال أيضاً، كما ذكرنا في بحث الترتب، نعم الترتب بحسب الجعل يحتاج إلى قيام دليل عليه بخلاف الترتب بين التكليفين في مقام التزاحم في الامتثال، فإنه يكفي فيه الدليل على ثبوت كل من التكليفين في حق القادر على الإتيان بمتعلقه، وماورد في المقام من صحة الصلاة تماماً من الجاهل بوجوب القصر لا يدل على الترتب في مقام الجعل، بل غايته كون الإتمام من الجاهل مسقطاً لما يجب على المسافر من وجوب القصر، نعم يلزم على قول كاشف الغطاء أن يكون المسافر الجاهل بالقصر مكلفاً في اليوم والليلة بأزيد من الصلوات الخمس، بل يمكن أن يقال: إن الجاهل بوجوب القصر لا يلتفت إلى كونه جاهلاً به، ليكون إيجاب التمام على الجاهل بوجوب القصر داعياً له إلى الإتيان بالتمام.







بقي في المقام أمر وهو أنه قد تقدم عدم اعتبار الفحص في جريان البراءة في الشبهة الموضوعية، فإن قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وإن قلنا بأنها قاصرة لا تشمل لما قبل الفحص فيها، وإن إمكان تحصيل الحجة على التكليف الواقعي بإمكان استعلام حال المشتبه الخارجي بيان ومصحح للعقاب على مخالفته، إلاّ أن مادل على البراءة الشرعية غير قاصر عن الشمول لما قبل الفحص فيها، فإن الموضوع للرفع فيها عدم العلم بالتكليف، وقد يتمسك لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بما ورد في صحيحة زرارة: «من أنه ليس على المكلف عند احتمال وقوع النجاسة على ثوبه النظر» ولكن التمسك به في عدم اعتبار الفحص في الشبهات الموضوعية غير صحيح، حيث إن النجاسة في ثوب المصلى لا تكون مانعة عن الصلاة إلاّ مع إحرازها واعتبار الفحص المنفي في المقام في الشبهة الموضوعية فيما إذا كان الشيء بوجوده الواقعي موضوعاً للتكليف أو الوضع الملازم له.















في عدم اعتبار الفحص في الشبهات الموضوعية







وأيضا قد يقال باعتبار الفحص في بعض الشبهات الموضوعية وعدم جواز الرجوع فيها إلى الأصل النافي، وهذا في الموارد التي لا يكون إحراز الموضوع غالباً وعادة بالفحص كبلوغ السفر حد المسافة، فإنه يجب عند الجهل السؤال من أهل الخبرة وساكني تلك المواضع، فإن لم يحرز الحال بالفحص يرجع إلى عدم بلوغه حد المسافة في سفره، وكبلوغ المال الزكوي حد النصاب أو كفاية ماله لمؤنة الحج، أو كون المرأة قد طهرت من حيضها، أو كون الاستحاضة قليلة أو متوسطة أو كثيرة، أو زيادة ربحه على مؤنة سنته، ونحو ذلك مما يوجب ترك الفحص فيها إلى مخالفة التكاليف الواقعية، وفيه إن حصل للمكلف علم بمخالفة التكليف مع ترك الفحص في بعض الوقائع من الشبهات الموضوعية التي يبتلي بها ولو تدريجياً فهذا العلم الإجمالي الحاصل بمخالفة بعض الاُصول النافية الموجب للمخالفة القطعية للتكليف في بعض تلك الوقائع مانع عن الأخذ بالاُصول النافية فيها، وفي غير ذلك لا موجب لرفع اليد عنها مع شمول إطلاق خطاباتها أو عمومها لتلك الموارد، نعم إذا كان في مورد الشك في التكليف أصل مثبت له فلا يبقى فيه لاصالة البراءة موضوع، كما إذا شك في امرأة كونها أجنبية أو امرأته، فإن الاستصحاب في عدم زوجيتها له يدخلها فيما يحرم الاستمتاع بها، ومن هذا القبيل الشك في صرف ربح السنة في مؤنتها، سواءً قلنا بأن الخمس يتعلق بالربح إذا لم يصرف في المؤنة أو أن صرفه في المؤنة مسقط لوجوب الخمس فيه، فإن الاستصحاب في عدم صرفه في المؤنة محرز لوجوب الخمس فيه، بخلاف ما إذا قيل بتعلّقه بالربح الزائد على مؤنته، فإنه يكون من الشك في تحقق موضوع التكليف، ودعوى أن أصالة البراءة أصل امتناني لا يشمل موارد خلاف الامتنان لا يمكن المساعدة عليها، فإن الكلام في مطلق الأصل النافي، وعن النائيني (قدس سره)عدم جريان الأصل النافي في الموارد التي يحصل للمكلف مقدمات العلم بحال الموضوع، ويحتاج إلى مثل مجرد النظر والالتفات بدعوى أن النظر لا يصدق عليه الفحص المحكوم بعدم اعتباره في الشبهات الموضوعية في جريان الأصل، ولكن لا يخفى أن الفحص وعدمه ليسا بالموضوع في الاُصول، بل الموضوع لها هو الجهل وعدم العلم بالواقع ولا يفرق في صدق العلم وعدمه حصول مقدمات العلم وعدمه.















شرطان آخران للبراءة















[6] ذكر الفاضل التوني لجريان أصالة البراءة أمرين آخرين غير الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف الواقعي في الشبهة الحكمية، الأول: أن لا يثبت بأصالة البراءة حكم شرعي من جهة اُخرى، مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه، فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عنه، أو يقال بأن الأصل عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كراً، أو أن الأصل عدم تقدم الكرية، حيث يعلم بملاقاته للنجاسة على ملاقاتها، فإن أعمال الاُصول يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء، ولا يخفى أن المثالين الأخيرين لا يرتبطان بأصالة البراءة إلاّ أن يراد منها ما يعم الاستصحاب في عدم الشيء، وكيف ما كان فقد ذكر الماتن في الشرط الأول ما حاصله، أنه لو كانت الإباحة الظاهرية كما هو مفاد قاعدة الحل، ورفع التكليف كما هو مفاد حديث الرفع موضوعاً لحكم شرعي آخر أو ملازماً للإباحة ورفع التكليف حتى فيما كانا ظاهريين يثبت ذلك الحكم الآخر لثبوت موضوعه أو ثبوت حكم لا ينفك عن الحكم الآخر، ولو كان الحكم الآخر ظاهرياً، وأما إذا كان الحكم الشرعي مترتباً على نفي التكليف وعدمه واقعاً أو ملازمه لعدمه كذلك فلا يثبت ذلك الحكم الآخر بأصالة البراءة؛ لأنها لا تنفي التكليف واقعاً، ومما يمكن أن يمثل به في المقام فيما إذا لم يكن عند المكلف إلاّ ماء واحد يشك في حليته وحرمته، فإنه إذا جرت في ذلك الماء أصالة الحلية يثبت وجوب الوضوء أو الغسل لصلاته؛ لأنّ مع حكم الشرع بجواز تصرفه فيه يكون المكلف واجداً للماء فلا تصل النوبة إلى التيمّم لصلاته، وكذا إذا شك في ثبوت الدين عليه للناس بحيث يمنع عن استطاعته للحج فإنه بأصالة البراءة عن الدين عليه يحرز الاستطاعة الموضوع لوجوب الحج، نعم إذا ظهر بعد العمل أنه كان مديوناً فبناء على أن عدم وجوب الحج على المديون، لعدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج عرفاً، ظهر أن حجه لم يكن حجة الإسلام، وأما بناءً على أن عدم وجوبه على المديون لكون وجوب الحج معه حرجياً، فيحكم بتحقق حجة الإسلام؛ لأنّ نفي التكليف عند الحرج امتناني فلا يعم الفرض، وهذا بخلاف مالو ظهر أن الماء كان ملك الغير وأنه لم يكن راضياً في التصرف فيه، فإنه يحكم بصحة وضوئه وصلاته بناءً على أن الموجب للتقييد في خطاب الأمر بالوضوء للصلاة في باب اجتماع الأمر والنهي هو النهي المنجز لا النهي الواقعي، وإلاّ كان كالحج كما لا يخفى، وأما استصحاب عدم الكرية في الماء المفروض ملاقاته مع النجاسة فلا باس بجريانه وإثبات النجاسة بذلك؛ لأنّ الموضوع لانفعال الماء هو الماء إذا لم يكن كراً، كما هو مقتضى مفهوم قولهم (عليهم السلام) «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(5) وكون الماء المفروض ملاقياً للنجاسة محرز بالوجدان، وعدم كونه كراً محرز بالأصل، فيتم موضوع الانفعال، وأما مع إحراز كون الماء كراً وإحراز ملاقاته للنجاسة والشك في التقدم والتأخر، فيقال بأن الاستصحاب في عدم كرية الماء إلى زمان الملاقاة معارض بالاستصحاب في عدم ملاقاته للنجاسة إلى زمان حدوث الكرية فيتساقطان ويرجع إلى أصالة الطهارة في الماء، هذا مع الجهل بتاريخ حدوثهما، وأما مع العلم بتاريخ أحدهما فيجري الاستصحاب في ناحية عدم الآخر إلى زمانه فيحكم بمقتضاه، ولكن الصحيح الحكم بنجاسة الماء في فرضي الجهل بتاريخهما أو تاريخ أحدهما لجريان الاستصحاب في عدم كريته عند ملاقاته النجاسة، والاستصحاب في عدم ملاقاته إلى زمان الكرية لا يثبت ملاقاتها المفروضة التي كانت عند الكرية حتى لا ينفعل، وتمام الكلام في بحث الفقه.















[7] الثاني من الشرطين في كلام الفاضل التونى لجريان البراءة، هو أن لا يتضرر مسلم بإعمالها كما لو فتح قفص طائر وطار، أو حبس شاة فمات ولدها، أو أمسك رجلاً فشردت دابّته، فإن البراءة عن الضمان فيها وفي مثلها يوجب الضرر على مالك الطائر والشاة والدابة وغيرها، ويحتمل اندراج هذه الموارد في قاعدة الإتلاف وعموم قوله (صلّى الله عليه وآله) «لا ضرر ولا ضرار»(6) لأنّ المراد من نفي الضرر هو نفي الضرر غير المنجبر، وإلاّ فالضرر في نفسه غير منفي فلا العلم ولا الظن بأن الواقعة غير منصوصة، فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النص بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعى بالضار، ولكن لا يعلم أنه مجرد التعزير أو الضمان أو هما معاً، فينبغي تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح، ويرد عليه بأنه لو شملت قاعدة نفي الضرر الموارد المزبوره وثبت الضمان فيها لكون مفادها نفي الضرر غير المتدارك، فتلك الموارد وأمثالها وإن لم تكن من موارد أصالة البراءة إلا أن عدم كونها منها من جهة عدم بقاء الموضوع لأصالة البراءة، حيث لا موضوع للأصل العملي مع الدليل الاجتهادي، ولذا لو قلنا بشمول قاعدة الإتلاف لتلك الموارد وقلنا بأن نفي الضمان فيها خلاف الامتنان على المالك فلا يبقى موضوع لأصالة البراءة أيضاً، وعلى الجملة عدم وجود دليل اجتهادي على الإلزام الواقعي من التكليف أو الوضع لا يكون شرطاً زائداً على تحقق موضوع الأصل، نعم إذا لم يحرز استناد التلف إلى الفاعل في تلك الموارد أو بعضها فلا باس بالرجوع إلى أصالة عدم الضمان مع ثبوت التعزير فيها؛ لأنّ التصرف في ملك الغير بلا رضا مالكه كفتح قفصه أو إمساك دابته وكذا التصرف في بدنه إيذاءً حرام موجب للتعزير، وقد يوجه كلام الفاضل التوني بأن مراده عدم جريان أصالة البراءة لا استصحاب عدم ضمانه، حيث إن جريانها في مثل المقام مما يوجب تضرر المالك خلاف الامتنان، ولكن لا يخفى ما في التوجيه فإنه علل في آخر كلامه عدم جريان الأصل، بأن البراءة تجري في موارد عدم العلم والظن بعدم النص، وهذا لا يختص بأصالة البراءة، بل يجري في جميع الاُصول، بل مسألة خلاف الامتنان تختص بحديث الرفع، ولا تعم مثل: «كل شيء حلال حتى تعرف الحرام»، وما ذكر الفاضل التوني من أنّه مع احتمال دخول المورد في النص الموجود لا يجرى الأصل يلزم عليه عدم جريان أصالة البراءه في الشبهات الموضوعية؛ لأنّ شرط جريانها العلم أو الظن بعدم النص، ويحتمل في الشبهات الموضوعية دخول المشكوك في خطاب التكليف لحصول موضوعه خارجاً، ولا يحتمل الفرق بينها وبين ما ذكره من الامثلة، ان الشبهة فيما ذكره عن الشبهة المفهومية، حيث لا يحرز صدق الاتلاف في تلك الامثلة وكون الشبهة فيما ذكرنا موضوعية.















(1). سورة الأنعام: الآية 149.







(2). بحار الأنوار 2:29. عن أمالي الشيخ المفيد.







(3). وسائل الشيعة 13:46، الباب 18 من أبواب كفارات الصيد، الحديث 6.







(4). وسائل الشيعة 27:25، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الأحاديث 15ـ18 و 20 و 21 و 23ـ28.







(5). وسائل الشيعة 1:158، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 2 و 5.







(6). وسائل الشيعة 18:32، الباب 17 من أبواب الخيار، الحديث 3.































ثم إنه لا باس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار[1] وتوضيح مدركها وشرح مفادها.







وأما دلالتها: فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص[2] في النفس أو الطرف أو العرض أو المال تقابل العدم والملكة.







أو خصوص الغير المتدارك منه[3]، ومثله لو اُريد ذاك بنحو التقييد، فإنه وإن لم يكن ببعيد، إلاّ أنه بلا دلالة عليه غير سديد، وإرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلاّ أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب[4].















في قاعدة نفي الضرر















[1] يقع الكلام في قاعدة نفي الضرر في جهات، الاُولى: في الروايات التى ذكر لها مدركاً ومنها موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، فكان يمر إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة فلما تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) فشكا إليه، وخبّره الخبر فأرسل إليه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)وخبّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال: إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى، فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ماشاء اللّه، فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل، فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر ولا ضرار»(1)وفي رواية الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) بعد الإباء قال (صلّى الله عليه وآله) لسمرة: «ماأراك يا سمرة إلاّ مضاراً اذهب يا فلان فاقطعها، فاضرب بها وجهه»(2)، ورواية عقبة بن خالد عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع الشيء وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ، وقال: لا ضرر ولا ضرار»(3)، وبهذا السند روى عقبة ابن خالد عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال: «قضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أرّفت الاُرف وحددت الحدود فلا شفعة»(4)، والمروي في الفقيه في باب ميراث أهل الملل عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(5)، والثابت مما تقدم قوله (صلّى الله عليه وآله) لا ضرر ولا ضرار، وأما زيادة: على مؤمن، أو زيادة في الاسلام، فلم يثبت شيء منها، فإن رواية زرارة الوارد فيها على مؤمن(6) ضعيفة سنداً، حيث في سندها إرسال، وما رواه في الفقيه مرسل ولو رواه عنه صلوات اللّه وسلامه عليه وآله بالقطع.







لا يقال: العمدة في المقام من الروايات موثقة زرارة التي وردت في قضية سمرة بن جندب، وقد وردت هذه القضية في رواية أبي عبيدة الحذاء بلا نقل جملة لا ضرر ولا ضرار، فإنه يقال مع المناقشة في رواية الحسن بن زياد الصيقل سنداً أنها لا تنافي موثقة زرارة؛ لأنّ اختلاف النقلين بحسب الزيادة والنقيصة بمثل ذلك لا يوجب تعارضاً بل يؤخذ بالزيادة.







ثم إنه لايبعد أن يكون قوله (عليه السلام) في روايتى عقبة بن خالد: وقال لا ضرر ولا ضرار، من قبيل الجمع في الرواية لا في المروي بأن يكون قوله (صلّى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار، حكم مستقل لا يرتبط بمسألتي حق الشفعة ومسألة إعطاء فضول الماء، ولكن أبو عبداللّه (عليه السلام) قد جمع في الرواية لعقبة، ويؤيد ذلك أن الشفعة لا تثبتها قاعدة نفي الضرر، حيث ربما يكون بيع الشريك حصته من شخص آخر أرفق لشريكه الآخر لكون المشتري لحصته شخصاً خيّراً يراعى مصلحة الشريك بأزيد من بائع حصته، مع أن حق الشفعة على تقدير كون بيع الحصة ضررياً بالإضافة إلى الشريك، كان البيع محكوماً بالفساد لكونه ضررياً، وليس معنى لا ضرر تدارك الضرر وحق الشفعة للشريك تدارك، وأما مسألة عدم منع فضول الماء فهو حكم استحبابي لا يمكن أن يعلل بقاعدة نفي الضرر، ويؤكد ما ذكر من كونه من قبيل الجمع في الرواية تكرار (قال) في الروايتين بحرف العطف.







وقد يقال: بأن الوارد في الروايتين: وقال لا ضرر ولا ضرار، من قبيل الجمع في المروي، وأن نفي الضرر في الموردين حكمة التشريع، وأن الشارع قد سد سبيل الضرر في بعض الموارد لحكمة بجعل حق الشفعة للشريك الآخر بنحو القضية الكلية، كما أنه دفعاً لبعض الضرر منع منعاً تنزيهياً عن بيع فضول الماء، وهذا نظير نفي الحرج حيث إن نفيه قد يكون حكمة التشريع، كما في قوله سبحانه، (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام اُخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)(7) وقوله سبحانه: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط... فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج)(8)، حيث إن انتفاء الحرج عن المريض وغيره حكمة للتشريع، وقد يكون نفي الضرر قاعدة حاكمة على إطلاق خطابات التكاليف وعموماتها، نظير قاعدة نفي الحرج في قوله سبحانه: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(9)، ولكن لا يخفى أن نفي الضرر وإن يمكن كونه حكمة في جعل حق الشفعة ولكنه لا يكون حكمة في المنع عن بيع فضول الماء أو منعه تنزيهاً، حيث إن الحكمة في المنع هو أن يمنع فضل الكلأ، وعلى الجملة فتكرار (قال) مع (الواو) العاطفة في الروايتين يمنع عن ظهور كونهما من قبيل الجمع في المروي، ومع الإغماض عن ذلك فلابد من توجيه كون نفي الضرر حكمة التشريع.















[2] هذه الجهة الثانية، ويقع الكلام فيها في مفاد المفردات الواقعة في جملة لا ضرر ولا ضرار ومفاد الهيئة التركيبية، وقد ذكر الماتن (قدس سره) أن الضرر يقابل النفع كالعدم والملكة، وأن المراد من الضرر النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال، ولكن لا يخفى أنه لو كان الضرر يقابل النفع بالعدم والملكة لكان نفي الضرر عدم النفع في مورد قابل للنفع، لا أن يكون معناه النقص كما أن ظاهر النفع الزيادة فيما ذكر، وعلى الجملة بين الضرر وبين النفع الظاهر في الزيادة واسطة، نعم قد يطلق الضرر ويراد به عدم النفع كما في قوله (عليه السلام): «علامة الإيمان أن تُؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك»(10)، حيث لا يحتمل أن لا يكون اختيار الصدق فيما لا ينفع الشخص على الكذب النافع له من علامة الإيمان، ولكن هذا غير ظاهر الضرر، حيث ما يطلق بلا قرينة فإن، ظاهره كما ذكر النقص نفساً أو طرفاً أو عرضاً أو مالاً منه أو ممن يحسب النقص الوارد عليه نقصاً لهذا الشخص، كما أن النفع ظاهره الزيادة في شيء من ذلك، وقد يقال: بأنه لا يستعمل الضرر في موارد النقص في العرض ولا أقل من أن إطلاقه لا يعمّه، كما أن النفع كذلك بالإضافة إلى الزيادة في العرض، ولكن لا يخفى ما فيه، فإن صح أن يقال: نفعه فيما إذا فعل ما يزيد به عزّة وكرامته، كما يصح أن يقال: أضرّ به فيما إذا فعل ما يوجب نقص كرامته وشرفه، ولا يبعد أن يستشهد لذلك بما ورد في رواية أبي عبيدة الحذاء من قوله (صلّى الله عليه وآله) «يا سمرة ما أراك إلاّ مضاراً»، حيث إن الضرر الوارد في قضية سمرة من قبيل العرض، ودعوى أن الضرر في هذه الموارد يستعمل بمعنى إدخال المكروه والتضييق على الغير، ولذا ذكرا من معاني الضرر لا يمكن المساعدة عليها، فإن إدخال المكروه والضيق فيما لا يوجب نقصاً لم يدخل في ظاهر الضرر، وعلى الجملة الضرر حيث ما يطلق ظاهره النقص في شيء مما تقدم، وأما لفظ (ضرار) فليس المراد به الجزاء بالضرر لعدم كون ذلك ظاهره، سواءً قيل بأن (ضرار) مصدر للمجرد أو للمزيد من باب المفاعلة، كما أنه ليس المراد منه في الموثقة بمعنى المفاعلة بالمعنى المعروف، بقرينة قوله (صلّى الله عليه وآله): «ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً»، بل يقال: إن ما هو المعروف من معنى المفاعلة أنه فعل بين الاثنين لا أساس له، فإن التتبع في موارد استعمالات باب المفاعلة يشهد بخلافه، وأن هيئة مفاعلة وضعت لإفادة تصدى الفاعل لايجاد المادة، قال: عز من قائل (يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم)(11)، حيث أراد سبحانه وتعالى بأن المنافقين يتصدون لخديعة اللّه والمؤمنين، ولكن خدعتهم لا تقع إلاّ على أنفسهم، ولذا عبر عن تصديهم بهيئة المفاعلة وعن وقوعها على أنفسهم بهيئة المجرد، وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه، فإن الاستعمال في بعض الموارد كذلك على تقديره لا يثبت الظهور، فلاحظ مثل: عانقه وكاتبه ولازمه وخادعه وداينه وصالحه، إلى غير ذلك مما لا يحصى، والحاصل أنه لم يثبت غير معنى الضرر، إلاّ أن (الضرار) حيث ما يطلق ظاهره إيراد الضرر على الآخر.







وأما مفاد الهيئة التركيبية، فذكر الماتن ما حاصله أن (لا) الداخلة على طبيعي الضرر المسماة بـ(لا) النافية للجنس ظاهرها نفي الطبيعي، وإذا علم عدم كون نفيه بنحو الحقيقة خارجاً يحمل على نفيه بالادعاء وإرادة نفي الطبيعي من (لا) النافية للجنس معروفة في استعمالاتها يجده من أمعن النظر إليها، نعم لابد في البين من مصحح للادعاء وهو أن يكون انتفاء الوصف أو الأثر سواء كان أثر الطبيعي من الأمر الخارجي، أو الأمر الشرعي فلاحظ: يا أشباه الرجال ولا رجال، ولا علم إلاّ ما نفع، ولا ربا بين الوالد والولد، ولا صلاة إلاّ بطهور، ونفي الطبيعي ادعاءً بلحاظ كون المصحح له ما ذكر غير جعل مدخولها الوصف أو الأثر بنحو الإضمار أو باستعمال لفظة (لا) في نفي الأثر، أو الوصف بنحو المجاز في الكلمة، وعلى ذلك يكون معنى لا ضرر نفيه خارجاً، ولكن بنحو الادعاء والمصحح للنفي نفي أثره أي حكمه بمعنى أن كل عمل أو معاملة انطبق عليها عنوان الضرر والضرار فلا يترتب عليه الحكم المترتب لولا عنوان الضرر، فلا يكون الوضوء الضرري أو الصوم الضرري مما يتعلق به الوجوب، ولا يكون المرور إلى نخلته بلا استيذان من مالك الدار جائز إذا انطبق عليه عنوان الضرر إلى غير ذلك.















كون المنفي هو الفعل الضرري أو الحكم والتكليف الضرريين







وذكر الشيخ (قدس سره) أن المنفي بقاعدة نفي الضرر هو منشأ الضرر والسبب الذي يدخل في سلطان الشارع بما هو شارع، وهذا المنشأ والسبب يكون بتشريع الحكم الموجب له لا سائر الأسباب من الاُمور الخارجية، وأورد عليه في الكفاية مشيراً إليه بضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة سبب من أسبابه فيكون المفاد بناءً على ما ذكر الشيخ أن كل حكم وتكليف يكون منشأً للضرر فهو غير مجعول، ويمكن الجواب عما ذكره الماتن (قدس سره) في مقام الإيراد أن الضرر لم يستعمل في سبب من أسبابه، بل الضرر المنفي هو الضرر في مقام التشريع وأنه لم يشرع في ذلك المقام الضرر، والضرر في ذلك المقام ينطبق على الحكم والتكليف الموجب للضرر، ويؤيد ذلك المرسلة المروية في الفقيه «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» حيث إن الإسلام في فروعه هو الأحكام والتكاليف المجعولة على العباد، وإلاّ فما ذكره الماتن (قدس سره) من أن المنفي هو طبيعي الضرر خارجاً ويكون نفيه كذلك بنحو الادعاء والمصحح للادعاء نفي الحكم أو الوصف كما في سائر موارد استعمالات (لا) النافية للجنس بنحو الادعاء لا يمكن المساعدة عليه، فإن النفي كذلك ادعاءً إنما يكون بالإضافة إلى الموضوعات التي يترتب على وجوداتها الأثر، فإنه إذا لم يترتب الأثر المترقب من الشيء على الموجود أو لم يكن فيه الأثر المرغوب من الشيء ينفى ذلك الشيء خارجاً ولو بنحو الادعاء، وأما بالإضافة لمتعلقات التكاليف فعدم تعلق الوجوب بفعل يعد ضرراً على المكلف أو تعلق الحرمة مع تركه أو إيجاده خارجاً عصياناً لا يصحح نفي الضرر خارجاً، ولو بنحو الادعاء كما لا يخفى. وإن شئت قلت: إن ما ذكره الماتن (قدس سره) من حمل نفي الضرر على نفي الطبيعي خارجاً غاية الأمر أن نفيه خارجاً بالادعاء لانتفاء الأثر على غرار «لا صلاة إلاّ بطهور» و«يا أشباه الرجال ولا رجال» غير صحيح، فإن المنفي في تلك الموارد نفس الشيء ولو بداعي عدم الوصف والأثر المرغوب في أشباه الرجال أو في الصلاة من غير طهور، وفي موارد نفي الضرر لا ينتفي الأثر المرغوب أو المترتب لنفس عنوان الضرر وإنما ينتفي الأثر المترتب على مورد صدقه لولا انطباق عنوان الضرر، نظير ما تقدم في رفع الإكراه والاضطرار من حديث الرفع، وما ذكرنا في رافعية الإكراه والاضطرار ونفي الحرج غير جار في نفي الضرر أيضاً، فإن ما استكره عليه أو ما اضطر إليه عنوان لنفس العمل الذي كان متعلق التكليف أو الموضوع للوضع لولا طريانها بخلاف الضرر، فإنه كما تقدم بمعنى النقص في المال أو العرض أو الطرف أو النفس، وهذ لا ينطبق على نفس الوضوء والصوم وغير ذلك من متعلقات التكاليف، ليقال: إن عنوان الضرر كعنوان الإكراه والاضطرار والحرج من العناوين الرافعة للتكاليف، بل الضرر أمر مسبب عن الأفعال والأعمال ونفي السبب بنفي مسببه غير ظاهر من (لا) النافية للجنس، وإذا كان المراد نفي سببه بنحو العناية يكون التكليف والوضع أيضاً سبباً للضرر.







والصحيح كما يأتي ليس المراد من نفي الضرر ونفي الضرار نفيهما في الخارج ولو ادعاءً، بل المراد نفيهما في مقام التشريع بمعنى أن الشارع لم يجعل في مقام التشريع ما يوجب الضرر على المكلف أو غيره، ومرجعه إلى عدم جعل تكليف ضرري أو الحكم الوضعي الضرري لموضوع، ولعل هذا مراد الشيخ (قدس سره)، وكيف كان فقد يقال بظهور الثمرة بين ما ذكره الماتن في معنى نفي الضرر والضرار وما التزم به الشيخ (قدس سره)فيما إذا لم يكن الفعل أو المعاملة المتعلق بهما التكليف أو الوضع ضررياً، بل كان الضرر في ناحية نفس الحكم والتكليف الثابت أو المتعلق بأحدهما، كما إذا كان التكليف المعلوم إجمالاً للجهل بمتعلقه أو موضوعه وتردده بين أطراف إحرز موافقته ضررياً أو كان الضرر في لزوم المعاملة، كما في مورد خيار الغبن، ولكن الثمرة المذكورة في مورد الجهل بين أطراف العلم الإجمالي بالتكليف محل منع، كما إذا علم المكلف بكون أحد الماءين ملك الغير وغير راض بالتصرف فيه مع عطشه الذي يخاف على صحته مع تركه شربهما مع انحصار الماء عليهما، فإنه في الفرض لا يكون ترك شرب المغصوب منهما ضررياً، بل الضرر في ناحية نفس حرمة شربه فإنها مع العلم الإجمالي بها تقتضي الموافقة القطعية، هكذا قيل ولكن لا يخفى أن الضرر في ناحية إحراز امتثال التكليف في الفرض لا في ناحية أصل امتثاله، كما أنه في ناحية إحراز ترك المغصوب لا في ناحية نفس تركه فلا مجرى لنفي الضرر على كلا المسلكين، نعم مع اضطرار المكلف إلى شرب أحدهما يجوز له ذلك؛ لأنّ الحرام الواقعي إذا كان المكلف مضطراً إليه يجوز ارتكابه ويكون حلالاً فكيف بالمحتمل الحرمة من أطراف العلم، ولكن الجواز في الاضطرار إلى أحدهما غير المعين في المختار حلية ظاهرية مادام الجهل على ما تقدم في بحث الاضطرار إلى بعض أطراف العلم، وأما مسألة خيار الغبن فقد ذكرنا في بحث الخيارات في بحث المكاسب أنه لا مجرى لقاعدة نفي الضرر في المعاملة الغبنية فإن الضرر فيها ينشأ من نفس إمضاء المعاملة الغبنية، ولو كانت جارية لكان مقتضاه عدم صحة تلك المعاملة لا نفي لزومها؛ لأن نفي لزومها تدارك للضرر، ولكن المعاملات المبنية على التغابن والمداقة وسائر المعاملات المالية المعاوضية فيها شرط ارتكازي عند الإطلاق من المتعاملين بأن إقدام كل منهما على المعاملة على تقدير التزام الآخر بالخيار له على تقدير غبنه، ومع هذا الاشتراط لا يكون إمضاء المعاملة المنشأة كذلك خلاف الامتنان؛ لأنّ نفي صحته لا يفيد للمغبون شيئاً مع تمكنه من فسخها عند إطلاعه بالغبن فيها، وقد يقال بظهور الثمرة بين القولين فيما إذا تردد المكلف بكونه مديوناً لزيد أو عمرو أو تردد كون ما بيده لزيد أو لعمرو، فإنه لا يكون نفس أداء الدين إلى دائنه أو ردّ العين التي في يده على مالكها ضررياً، وإنما ينشأ الضرر من التكليف بالأداء أو ردّ المال على صاحبه، حيث إنّه مع الجهالة بالداين أو المالك وترددهما بين شخصين أو أشخاص يكون التكليف بالأداء والردّ ضررياً، ولكن قد ظهر مما تقدم كون الضرر في إحراز الأداء والرد، بل يمكن أن يقال إن إحرازهما أيضاً أمر ممكن لا ضرر فيه، وذلك بأن يؤدى الدين أو العين إلى أحدهما أولاً ثم أخذهما ممن أدى إليه ولو قهراً بلا رضاه، والرد على الثاني ثانياً حيث يعلم بسقوط الدين أو ردّ المال على صاحبه والأخذ ممن أعطاه أولاً ولو بلا رضاه مجرى أصالة الحلية وعدم الضمان، كما يمكن إحراز الامتثال بالمصالحة مع الشخصين أو الرجوع إلى القرعة بينهما.







وقد يقال بظهور الثمرة بين القولين فيما إذا توقف الاغتسال أو الوضوء على صرف المال الكثير بشراء المال ونحوه، فإن إيجاب الاغتسال أو الوضوء يكون ضررياً حيث يتوقف امتثاله على تحصيل الماء الموقوف على صرف المال المذكور بخلاف نفس الوضوء، فإن الوضوء لا ضرر في نفسه، بل الضرر في شراء الماء الذي يقتضيه التكليف به، وفيه أن نفس الوضوء كوجوبه في الفرض ضرري أيضاً حيث يوجب نقص ماله بالشراء.















[3] ربما يقال إن المنفي في قوله (صلّى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار» خصوص الضرر غير المتدارك، بأن استعمل الضرر في الضرر الخاص أي غير المتدارك منه، أو يقال بإرادة الضرر غير المتدارك بتعدد الدال والمدلول، فيكون مفاده أن كل ضرر في الخارج متدارك، ولا يوجب إرادته بنحو تعدد الدال والمدلول مجازاً، ولعل نظر القائل من الدال على القيد هو وقوع الضرر في الخارج غالباً، ولكن لا يخفى ما فيه فإن مجرد حكم الشارع بتدارك الضرر لا يكون تداركاً، ألا ترى أنه إذا أتلف ماله متلف وحكم على المتلف بالضمان مع كونه معسراً لم يصح أن يقال لا ضرر، وإذا كان هذا في مورد الضرر المالي فما الظن في موارد الضرر العرضي أو الطرفي وما حال الضرر الذي يورده الشخص على طرفه أو نفسه أو ماله أو يقع الضرر عليه من غير أن يستند إلى الغير، كانهدام داره بالزلزلة واحتراق بيته بوقوع النار فيها أو نحو ذلك، وعلى الجملة لا يتدارك كل ضرر في الخارج، والموارد التي يحكم فيها على الغير بالتدارك لا يعد مجرد الحكم تداركاً وما يتدارك بحق القصاص ونحوه لا يوجب صحة نفي الضرر الخارجي، ليقال إن المنفي هو الضرر الخارجي والمصحح لنفيه ادعاء لزوم تداركه مع أن هذا لا يناسب مورد الرواية.















فيما قيل بأن المراد من نفي الضرر والضرار تحريمهما















[4] وقد يقال إن المراد من النفي هو النهي، حيث إن الضرر والضرار عنوانان للفعل ويراد من نفيهما النهي عنها، وما ذكر الماتن (قدس سره) من عدم معهودية هذا النحو من الاستعمال في مثل هذا التركيب بأن يراد بـ(لا) النافية للجنس الداخلة على الاسم النهي، لا يمكن المساعدة عليه، لوقوع ذلك في قوله سبحانه: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)(12)، وكقوله (عليه السلام): «لا غش بين المسلمين»، وتوضيح ذلك أنه كما يصح الإخبار بالشيء خارجاً بداعي الأمر به كذلك في مقام النهي عنه يصح نفيه خارجاً، وكما أنه في صورة الإخبار بحصوله بداعي الأمر به إن كان المخبر به هو الفعل الخارجي يكون الأمر به تكليفاً بإيجاده، كذلك في مقام النهي نفيه، وأما إذا كان المخبر به فعلاً اعتبارياً يكون الإخبار بوقوعه إرشاداً إلى صحته ويكون نفيه إرشاداً إلى عدم صحته وإمضائه، كقوله «لا بيع فيما ليس بملك»، و«لا طلاق إلاّ بعد نكاح»، و«لا يمين للولد مع الوالد» إلى غير ذلك، فما عن بعض الأجلة من استعمال النفي في هذه الموارد في غير النهي لا يخفى ما فيه، فإن النفي في هذه الموارد من المعاملات كالنهي فيها إرشاد إلى عدم الإمضاء والمشروعية، والكلام في المقام في خصوص (لا) النافية للجنس الداخلة على الفعل الخارجي نظير الرفث والغش ونحوهما، وقد ذكر شيخ الشريعة في تأييد ما ذهب إليه من كون النفي بمعنى النهي بقوله (صلّى الله عليه وآله)«ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً»، فإنه بمنزلة الصغرى للكبرى لا ضرر ولا ضرار، وأن فعلك ضرار ويحرم الإضرار، والضرار بخلاف المعاني المتقدمة في معنى الكبرى فإنه لا يرتبط بقوله (صلّى الله عليه وآله)ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً.







أقول: الجواب عن هذا الوجه هو أن المنفي في المقام الضرر والضرار، والضرر ليس عنواناً للفعل الخارجي، بل هو بمعنى الاسم المصدري، والضرر بهذا المعنى يراد من نفيه نفي سببه، وكما أن الفعل سبب للضرر وموجب له كذلك الحكم والتكليف موجب له، ولو كان المراد من نفيه نفي الفعل فيكون من حمل نفيه على النهي على غرار ما ذكر في (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)(13) بخلاف ما اُريد الحكم والتكليف الموجب له، حيث يؤخذ بظاهر نفيه، وأن الحكم والتكليف الموجب له غير مجعول فلا قرينة على حمل النفي على النهي، وإن كان ذلك غير بعيد في نفي الضرار حيث إنه مصدر يمكن جعله عنواناً للفعل خصوصاً بملاحظة ما ورد في رواية أبي عبيدة من قوله (عليه السلام) «ما أراك يا سمرة إلاّ مضاراً».







وقد ذكر في مدلول لا ضرر ولا ضرار وجهاً آخر، وحاصله أن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله)له مناصب ثلاثة كونه نبياً مرسلاً أي مخبراً عن اللّه سبحانه بأحكام الدين الحنيف اُصولاً وفروعاً، وموصلاً إياها إلى العباد، ومجرياً للحدود، وقاضياً في فصل الخصومات، وكونه رئيساً وزعيماً للاُمة الاسلامية، فله ولاية الأمر والنهي على ما هو مقتضى رعاية مصالح الرعية وحفظ النظام، فيكون أمره ونهيه (صلّى الله عليه وآله) على سنخين، ففيما أمر بفعل أو نهى عنه بما هو مخبر عن اللّه سبحانه بأحكام الدين وأحكام اللّه يكون أمره ونهيه إرشاداً إلى أمر اللّه سبحانه، أو نهيه، فتكون مخالفته عصياناً للّه سبحانه في أمره ونهيه، بخلاف ما أمر أو نهى بما هو زعيم الاُمة الإسلامية وسائسهم فإن نفس أمره ونهيه يكون مولوياً وموافقته إطاعة له ومخالفته تركاً لطاعته، كما يشير إلى ذلك قوله سبحانه (اطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم)(14) والأئمة (عليهم السلام)من بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) أولياء في تبليغ أحكام الشريعة ولهم أيضاً ولاية القضاء وإجراء الحدود وولاية الأمر والنهي فيكون أمرهم ونهيهم إرشاداً إلى حكم اللّه وأحكام الشريعة، فيكون الملاك في الطاعة والعصيان موافقة الحكم المرشد إليه من أمر اللّه ونهيه، بخلاف ما إذا أمروا أو نهوا بما هم أولياء الأمر والنهي على الرعية.







ثم إن الأمر والنهي الواردين عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إن كانا ظاهرين في الأخبار بالشرع المبين، والوظائف المقررة على العباد من قبل اللّه سبحانه فلا كلام، وأما إذا لم يكن في البين ظهور في ذلك، كما ورد أنه (صلّى الله عليه وآله) قضى أو حكم ونحو ذلك، فإن كانت قرينة خارجية على أن مراده الإبلاغ وبيان الأحكام الشرعيه فلا كلام أيضاً، وإلاّ فظاهر الكلام المزبور أنه حكم مولوي من قبله (صلّى الله عليه وآله) ويؤيد ذلك أنه لم ترد مثل هذه التعبيرات فيما ورد عن غير الرسول (صلّى الله عليه وآله) وغير علي (عليه السلام) من سائر الأئمة الذين منعوا عن التصدي لحق الوصاية، وعلى ذلك فالمنقول في حديث لا ضرر ولو من طريق العامة أنه قضى بأنه لا ضرر ولا ضرار، وحيث إن المورد للحديث ليس من قبيل الشبهة الحكمية ولا الموضوعية لتحميل القضاء بمعنى فصل الخصومة في المرافعة في أحدهما يتعين كونه نهياً مولوياً سياسياً صدر للتحفظ عن وقوع الضرر، وهذا النهي المولوي عام لجميع الأدوار والأعصار صادر عن رئيس الملة والاُمة فاللازم اتباعه، فيكون كسراً لما عند العقلاء من سلطنة المالك على ماله، وإن هذه السلطنة لا تكون مع الإضرار والضرار، فيكون الحديث حاكماً على سلطنة الملاك بالإضافة إلى أموالهم ومناسباً لمورد الحديث، ويترتب على ذلك عدم صحة التمسك بالحديث في موارد كون تكليف الشرع ضررياً كالوضوء والغسل والصوم ونحو ذلك، بل يتعين حكومته على قاعدة سلطنة المالك.















في كون المستفاد من نفي الضرر والضرار حكم شرعي







ولكن لا يخفى ما فيه، أما اولاً: فإن للنبي (صلّى الله عليه وآله) إذن في التشريع بأن يجعل من شرعه وجوب فعل أو استحبابه وغيرهما، فالحكم الذي يجعله من شرعه حكم شرعي كسائر الأحكام بالإضافة إلى جميع الأدوار والأعصار، فإن ماسنّ النبي (صلّى الله عليه وآله)من التكاليف والأحكام تكليفاً أو وضعاً في مقابل فرض اللّه سبحانه، أمر معروف عند الخاصة والعامة، وهذه الولاية بالإيكال من اللّه، وكما أن الأئمة (عليهم السلام) مبينون لأحكام الشريعة في غير موارد السنن كذلك مبينون ومبلغون في موارد السنن، نعم هم (عليهم السلام)اُولو الأمر بالإضافة إلى الرعية كالنبي الأكرم، وكلٌ أولى بالمؤمنين من أنفسهم مثله صلوات اللّه عليه وعليهم على ما ذكر في بحث الولاية التي هي إحدى الخمس المبني عليها الإسلام، وما يحكى عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بحيث يعم، كسائر احكام الشريعة، جميع الأدوار والأعصار ظاهره التشريع أو إظهار التنزيل، سواء كان بلفظ (قضى) أو (حكم) أو (رخص) أو (نهى) كما في المحكي عنه، بأنه (صلّى الله عليه وآله) نهى عن بيع الضرر، وعن بيع ماليس عندك، مع أن قوله (صلّى الله عليه وآله) لاضرر ولاضرار، لم يحك في رواياتنا بقضائه وحكمه، بل وقع تعليلاً للترخيص للأنصاري في قلعه نخلة سمرة، وذكر أيضاً في روايات الشفعة والمنع عن بيع فضول الماء، وقد تقدم أنه إما من قبيل الجمع في الرواية أو بيان حكمة التشريع وحكمه المولوي صلوات اللّه وسلامه عليه بالإضافة إلى شخص أو أشخاص أو طائفة في عصره واقع لا محالة.







وثانياً: أنه لو فرض وقوع الحكم المولوي منه بالإضافة إلى جميع الرعية والمسلمين في جميع الأعصار والأدوار بحيث لا يدخل في التشريع فإثباته في قوله (صلّى الله عليه وآله) لا ضرر ولا ضرار غير ممكن؛ لأنّ التعبير بـ(قضى) في بعض روايات العامة مع عدم اعتبار النقل لا يكون قرينة على أنه من قبيل الحكم المولوي، أضف إلى ذلك احتمال كون المورد من موارد المرافعة في الشبهة الحكمية، ولعل سمرة كان يرى لنفسه الدخول والمرور في حائط الأنصاري بلا استيذان، ولعل الأنصاري أيضاً في بدو الأمر لا يعلم أنه حق له أم لا، ولذا شكا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، والحاصل إن اُريد بالنفي في لا ضرر، النهي عن الإضرار فلا يفرق في كونه خلاف الظاهر سواء كان النهي بما هو رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) أو بما هو زعيم المسلمين، وذلك فإن الضرر اسم مصدر وهو يترتب على الفعل لا أنه عنوان للإضرار وكون النفي كناية عن النهي عن الإضرار يحتاج إلى قرينة اُخرى، وإذا كان حمل نفيه على ظاهره في كون نفيه بمعنى انتفائه خارجاً ممكناً، غاية الأمر فيه خلاف ظاهر من جهة واحدة فيما لو ادعى أن المنفي هو الضرر الخارجي خارجاً، حيث يتوجه النفي إلى منشئه وسببه، وهو الحكم الشرعي الموجب له، فلا تصل النوبة معه إلى نفي سببه وجعل النفي كناية عن النهي عنه، كما إذا كان متعلق النفي الفعل الموجب للضرر هذا مع الإغماض عما ذكرنا من أن المنفي هو الضرر الخارجي في مقام التشريع لا في الخارج وإلاّ فلا مخالفة فيه للظاهر أصلاً.















في توجيه الحكم الوارد في قضية سمرة







نعم، قد يقال: بأن مقتضى قاعدة لاضرر أن لا يجوز لسمرة الدخول إلى حائط الأنصاري بلا استيذان، سواءً كان المنفي جواز الدخول والمرور بلا استيذان أو كان النفي بمعنى النهي، وأما قلع النخلة والرمي بها إليه فلا يكون مقتضاها حتى بناءً على أن نفي الضرر والضرار حكم مولوي، وعلى ذلك يقع الكلام في أنه (صلّى الله عليه وآله) كيف علل أمره بقلع النخلة بالكبرى المزبورة مع أنها لا تقتضيه، وذكر الشيخ (صلّى الله عليه وآله) بأن الجهل بكيفية تطبيق الكبرى على الحكم المذكور لا يضر بالأخذ بمفاد الكبرى.







وذكر النائيني (قدس سره) بأن نفي الإضرار كما يحصل برفع جواز الدخول بلا استيذان كذلك يرتفع بارتفاع حق سمرة في بقاء نخلته في حائط الأنصاري، وما نحن فيه من قبيل رفع المعلول برفع علته، وبتعبير آخر كما يرتفع الضرر عن الأنصاري برفع جواز دخول سمرة بلا استيذان كذلك يرتفع برفع الموضوع لجواز الدخول وهو رفع حق سمرة في بقاء نخلته في حائط الأنصاري، ونظير ذلك ما إذا كان جزء الواجب أو شرطه ضررياً فإن الضرر وإن كان ينشأ من وجوب الجزء والمقدمة إلاّ أنّه يرتفع بوجوب ذيها، ولا ينحصر بإيجاب الخالي عنه، وفيه أنّه لا يقاس المقام برفع وجوب المقدمة فإن رفع ذلك الوجوب يكون برفع وجوب ذيها ووضعه بوضع وجوب ذيها، ولذا لو لم نقل بوجوب المقدمة يكون الأمر أيضاً كذلك، بخلاف ما إذا كان الأمر الاعتباري موضوعاً للاحكام، وكان ثبوت بعض الأحكام في مورد ضررياً فلا موجب مع إمكان نفي ذلك البعض رفع نفس ذلك الأمر الاعتباري، كما إذا كان استمتاع الزوج من زوجته بالوطي ضررياً لها، فيرتفع جواز الوطي ولا ترتفع الزوجية بينهما، وإذا كان تصرف إنسان في ملكه ضررياً على الغير فلا يرتفع إلاّ جواز التصرف لا أصل ملكية ذلك المال، وحقه في بقائه.







وعلى الجملة فما ذكره رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) في قضية سمرة بن جندب مع الأنصاري أمران، أحدهما: نهي سمرة أن يدخل حائط الأنصاري بلا استيذان، وثانيهما: أمره (صلّى الله عليه وآله)بقلع النخلة، والإشكال في تطبيق قاعدة لا ضرر مبني على أن يكون قوله (صلّى الله عليه وآله): «فإنه لا ضرر ولا ضرار» تعليلاً للأمر الثاني أو لكلا الأمرين، وأما إذا كان تعليلاً للأمر الأول فقط فلا إشكال، وأما أمره الثاني، فقد يقال بأن مقتضى ولايته (صلّى الله عليه وآله)على الاُمة في أموالهم بل نفوسهم، وليس من قبيل الحكم الشرعي الثابت في الشريعة حتى يقال بأن الحكم المزبور ينافي قاعدة نفي الضرر، حيث إن جواز إتلاف مال الغير ضرر عليه أو لا أقل من عدم استفادة جواز الإتلاف من قاعدة لا ضرر فكيف يعلّل بها.







ويرجع إلى ذلك أيضاً ما يقال أن قوله (صلّى الله عليه وآله): «اذهب واقلعها وارم بها إليه» خطاباً للأنصاري وقوله (صلّى الله عليه وآله): «انطلق فاغرسها حيث شئت» خطاباً لسمرة من كونه في مقام تأديب سمرة وإظهار غضبه عليه، لا أنه من الحكم الشرعي من غير استعمال ولايته على الرعية، أقول: قد ذكرنا في بحث الولاية في بحث المكاسب وأشرنا إليه سابقاً أن كون نفي الضرر والضرار تعليلاً للحكم الأول صحيح، حيث إن مقتضى نفي الحكم الضرر وحرمة الضرار عدم جواز دخول سمرة حائط الأنصاري بلا استيذان، وليس في هذا أي ضرر على سمرة، والنافي فرض عدم اعتناء سمرة لعدم جواز الدخول بلا استيذان وعدم الإجابة لبيع النخلة بأي ثمن شاء، والأمر أو الترخيص للأنصاري بقلع النخلة حكم شرعي ولا يرتبط بمسألة ولاية النبي (صلّى الله عليه وآله) على الاُمة في أموالهم، ولا يستفاد من الحديث هذه الولاية ولا استعمالها، والوجه في ذلك دوران أمر الأنصاري بين أن يراعي وجوب التحفظ على عرضه، وبين عدم جواز التصرف في نخلة سمرة وإزالة حقه بقلعها، وفي مقام التزاحم لا يحتمل أن لا يكون وجوب حفظ عرضه أهم من إتلاف حق الغير بقلع نخلته، ولذا أمره (صلّى الله عليه وآله) بقلع نخلته نظير سائر ما لو دار الأمر في مقام التزاحم بين رعاية التكليف المحرز الأهمية أو محتملها، وبين التكليف الآخر يقدم التكليف الأهم أو محتمله، ولو كان ما ذكر (صلّى الله عليه وآله) للأنصاري من أعمال الولاية المشار إليها لم يكن حاجة إلى المذكور، بل كان للنبي (صلّى الله عليه وآله) تمليك النخلة للأنصاري مجاناً أو مع العوض، بل يمكن أن يقال إن مقتضى نفي الضرر أيضاً انتفاء حرمة التصرف عن قلع النخلة للانصاري لانّ ابقائها مع وجوب التحفظ عليه على عرضه وعياله في الفرض لغو محض، وليس كسائر موارد التزاحم مما يكون المكلف مؤاخذاً على ترك موافقة التكليف بالمهم على تقدير ترك العمل بالأهم كما يظهر ذلك بالتأمل.















(1). وسائل الشيعة 25:428، الباب 12 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 3.







(2). المصدر المتقدم: 427ـ428، الحديث الأول.







(3). وسائل الشيعة 25:420، الباب 7 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2.







(4). وسائل الشيعة 25:399-400، الباب 5 من أبواب كتاب الشفعة، الحديث الأول.







(5). من لا يحضره الفقيه 4:334.







(6). وسائل الشيعة 18:32، الباب 7 من أبواب الخيار، الحديث 5.







(7). سورة البقرة: الآية 185.







(8). سورة المائدة: الآية 6.







(9). سورة الحج: الآية 78.







(10). وسائل الشيعة 12:255، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 11.







(11). سورة البقرة: الآية 9.







(12). سورة البقرة: الآية 197.







(13). سورة النساء: الآية 59.







(14). سورة النساء: الآية 59.































ثم الحكم الذي اُريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر[1].







وأما لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه أن الدوران إذا كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين فلا مسرح إلاّ لاختيار أقلهما[2].























[1] قد تقدم أن عنوان الضرر عند الماتن (قدس سره) كعنوان الإكراه أو الاضطرار في أنه إذا انطبق على فعل خارجي أو اعتباري يكون انطباقه موجباً لارتفاع الحكم الثابت لذلك الفعل في نفسه أي بعنوانه الأولي أو المحتمل ثبوته له كذلك، ولذا يتقدم خطاب نفي الضرر على الخطاب الدال على ثبوت الحكم المفروض لذلك الفعل، حيث يجمع بين الخطابين، بأن الحكم الثابت للفعل اقتضائي بالإضافة إلى عنوان الضرر فيثبت له ويتعلق به ما لم يطرأ عليه عنوان الضرر، ولا تلاحظ النسبة بين الخطابين، ليقال: إن النسبة بينهما العموم من وجه، فإن ملاحظة النسبة ينحصر على ما كانت دلالة كل من الخطابين على حكم الفعل بالعنوان الأولي أو بالعنوان الثاني كما هو الحال أيضاً في الخطابات الدالة على حكم الأفعال بعناوينها الأولية مع خطاب نفي الاضطرار والإكراه والعسر والحرج، والحاصل أن قاعدة نفي الضرر لا تنفي الحكم الثابت لنفس عنوان الضرر وإنما يرفع الحكم فيما إذا تعلق به بعنوان ذلك الفعل إذا صار ضرراً، نعم إذا ثبت في مورد أن الحكم الثابت لفعل بعنوان ذلك الفعل لا يكون اقتضائياً، بل يثبت حتى مع طريان عنوان الضرر فلابد في ذلك المورد من رفع اليد عن إطلاق نفي الضرر.







أقول: لا يخفى الجمع العرفي بين الخطابين بالحمل على العنوان الأولي والثانوي فيما إذا ثبت حكم في أحدهما لمطلق الفعل وبعنوانه الأولي، وفي الآخر منهما حكم آخر لعنوان ثانوي يعم ذلك الفعل أيضاً في بعض الموارد، كما إذا ورد الأمر بالوضوء للصلاة في خطاب وورد النهي عن الغصب في خطاب آخر، ففيما انحصر ماء الوضوء بالمغصوب يجمع بين الخطابين بأن الوضوء بالماء المغصوب حرام، وأن الوضوء واجب لولا طرو المغصوب عليه، وكذلك إذا لم ينحصر بالماء المغصوب ولكن المكلف أراد الوضوء، فيقال الوضوء لا يجوز بذلك الماء بل عليه أن يتوضأ بغيره، حيث لا ترخيص في تطبيق طبيعي الوضوء على الوضوء بالمغصوب بل هو حرام، وأما في مثل قاعدة لاضرر فقد تقدم أن الماتن (قدس سره) بنى على أن نفي الضرر ادعائي والمصحح للادعاء لا يمكن أن يكون نفي الأثر المجعول لنفس الضرر كما اعترف به (قدس سره) حيث إن عنوان الموضوع تحققه يوجب تحقق الحكم المجعول له فلا يمكن أن يكون رافعاً له، بل نظير الحكم المجعول على عنوان الاضطرار أو الإكراه أو الخطأ والنسيان حيث يثبت ذلك الحكم بثبوتها.







فلابد من أن يكون المنفي نفس الفعل الذي يطرأ عليه عنوان كونه ضررياً بأن يكون المنفي نفس الوضوء أو الغسل، والصوم بأن يكون معنى لا ضرر، أنه لا وضوء ولا غسل ولا صوم مع الضرر، والمصحح لهذا النفي عدم الأثر لهذا الوضوء أو الغسل أو الصوم، وهكذا، وإذا كان الأمر كذلك وعلى هذا المنوال فيدخل نفي الضرر في الحكومة بالإضافة إلى الخطابات الدالة على ثبوت الآثار للوضوء والغسل والصوم بالتصرف في عقد الوضع في تلك الخطابات، نظير حكومة لا ربا بين الوالد وولده، حيث إنه نفي للربا بينهما بنحو الادعاء، والمصحح انتفاء ما يكون ثابتاً للربا في نفسه من الآثار، ونتيجة هذا النفي وإن يرجع إلى تقييد الحكم الثابت للربا في مقام الثبوت إلاّ أنه بالإضافة إلى مقام الإثبات يكون خطاب نفي الربا بين الوالد وولده حاكماً على الخطاب الدال على حرمة الربا بلا منافاة بين مدلولهما، حيث إن خطاب حرمة الربا لا يعين الربا خارجاً، وخطاب نفي الربا بين الوالد والولد ينفي الربا بين الوالد والولد كما هو الحال بالإضافة إلى حكومة: «لا شك للامام مع حفظ من خلفه»، بالإضافة إلى الخطاب الدال «إذا شككت فابن على الأكثر» أو أنّه «إذا شك في الاُوليين يعيد صلاته»، وهذا النحو من الحكومة قد يقتضي التضييق ثبوتاً في الحكم المستفاد من خطاب الدليل المحكوم كما في الأمثلة المتقدمة، وقد يفيد التوسعة كما في خطاب «الفقاع خمر» أو «إن الطواف بالبيت صلاة» ونحوهما.







وعلى الجملة فالجمع بين ما ذكره من أن نفي الضرر نفي الطبيعي ولكن ادعاءً والمصحح للادعاء انتفاء الأثر الثابت للفعل لولا نفيه بعنوان نفي الضرر وبين الالتزام بالجمع بين الخطاب الدال على ثبوت الأثر للفعل وخطاب نفي الضرر بالعنوان الأولي والثانوي غير تام، وأيضاً قد ذكرنا أن الضرر اسم مصدر فلابد من أن يكون المنفي ما يكون منه الضرر ويدور ما يكون منه الضرر بين نفس الفعل الضرري وبين التكليف والوضع الموجب رعايتهما الضرر، وأن يكون النفي في ارادة الفعل الضرري ادعائياً، بخلاف نفي الحكم من التكليف والوضع الملازم له فإن نفيهما يكون حقيقياً، ويترتب على نفي التكليف أو الوضع الملازم له أنه لا يعم مدلول نفي الضرر موارد الحكم الترخيصي حتى فيما كان الترخيص في الفعل مطلقاً، بل ينحصر النفي بقاعدة نفي الضرر في موارد ثبوت التكاليف والإلزامات فيما إذا شملت خطاباتها بإطلاقاتها صورة كون التكليف والإلزام ضررياً، وعلى الجملة بناءً على ما ذكرنا من كون نفي الضرر ناظراً إلى التكاليف والإلزامات التي تكون فيها مدلولات الخطابات الشرعية بياناً لعقد الحمل فيها، وأنه مثلا لم يجعل الوجوب للوضوء أو الغسل أو الصوم إذا كان ضررياً، وأما الأحكام الترخيصية فيما إذا كان الموجب للضرر اختيار المكلف فلا يكون بالإضافة إليها حكومة، فإن الضرر لم ينشأ من الترخيص، نعم الجمع العرفي بين الخطابين بحمل أحدهما على الحكم بالعنوان الأولي والآخر على الحكم بالعنوان الثانوي يصح بالإضافة إلى فقرة لا ضرار بناءً على أن نفيه بمعنى تحريم الإضرار بالغير، وتكون النتيجة بمقتضى الجمع مثلا جواز الفعل في غير صورة الإضرار بالغير وعدم الجواز معه.







وكذا يصح الجمع بهذا النحو بتقييد خطابات التكاليف بقاعدة نفي الضرر بناءً على أن معنى لا ضرر ولا ضرار بمعنى تحريمهما، فالوضوء الضرري يكون حراماً فيقيد لا محالة وجوبه واستحبابه بما إذا لم يكن ضررياً، وكذا غيره من الأفعال المحكومة بالجواز بالمعنى الأعم بحيث يشمل الوجوب والاستحباب والإباحة بالمعنى الأخص، والفرق بين كون نفي الضرر تحريماً للضرر أو نفياً لوجوبه عند كونه ضررياً، أنه إذا توضأ المكلف مع كونه ضررياً يحكم ببطلانه، بناءً على تحريم الضرر حيث إن تحريمه يعم الضرر على المكلف، بخلاف الضرار فإنه ظاهر في إضرار الغير ولا يعم ضرر الفاعل، وأما بناء على كون لا ضرر نفي الوجوب الضرري فلا يحكم ببطلانه إلاّ إذا كان الضرر بحيث يعد جناية على النفس فيحرم إيراد ذلك الضرر ولو كان على نفسه؛ لأنّ خطاب نفي الضرر وإن يرفع وجوب الوضوء، ولكن لا يرفع استحبابه مادام لم يصل إلى حدّ الضرر المحرم، بخلاف ما إذا قيل بأن معنى لا ضرر تحريم الضرر مطلقاً وإن لم يكن بتلك المرتبة فإن تحريمه مطلقاً يوجب التقييد في خطاب استحباب الوضوء أيضاً، وعلى الجملة التقيّيد في أدلة التكاليف بقاعدة نفي الضرر بنحو الجمع العرفي يصح بناءً على مسلك شيخ الشريعة من كون نفي الضرر والضرار بمعنى تحريمهما، فالوضوء الضرري يكون محرماً فيقيد إطلاق خطاب الأمر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ونحوها بما إذا لم يكن ضررياً.







ثم إنه قد يستشكل في الأخذ بعموم قاعدة نفي الضرر في غير الموارد التي قام فيها دليل خاص لنفي الحكم الضرري أو عمل فيها المشهور بالقاعدة، وذلك لثبوت الأحكام والتكاليف الضررية في الشريعة كثيراً، بدواً من الحكم بتنجس المائعات بملاقاة النجاسة المسقط لها عن المالية رأساً أو موجباً لنقص ماليتها كما هو الحال في بعض الجامدات، كتنجس الجلود حيث تنقص ماليتها بالغسل، وختماً إلى أبواب الغرامات من الضمانات المالية وغيرها كالحدود والتعزيرات، فإن كل واحد من الأحكام المشار إليها كوجوب الخمس والزكاة والجهاد وغير ذلك أحكام ضررية ثبتت في الشريعة، ولا يمكن تخصيص القاعدة بخروج هذه الموارد بمخصص منفصل، لاستهجان تخصيص العام بحيث لا يبقى تحته إلاّ القليل، فيعلم أن نفي الضرر كان مقترناً بقيد غير واصل إلينا فيكون خطاب نفيه مجملا لا يمكن التمسك به إلاّ مع إحراز أن نفي الضرر مع القيد المفروض يعم المورد، كما إذا عمل المشهور فيه بالقاعدة، والقيد المنكشف لا يتعين بكونه من قبيل القرينة اللفظية، بل يمكن كونه من قبيل قرينة الحال.















كثرة التخصيص في قاعدة لا ضرر







قد يجاب عن الإشكال كما عن الشيخ (قدس سره) باختصاص الاستهجان بما إذا كان المخصص متعدداً وبعناوين كثيرة، وأما إذا كان خروج الأفراد الكثيرة بورود مخصص يخرج الكثير بعنوان واحد فلا استهجان فيه، ولكن لا يخفى عدم الفرق في الاستهجان بينهما، كما إذا ورد في خطاب المولى عبده: أكرم كل عالم في البلد، وفرض أن كلهم من غير الهاشميين إلاّ واحد أو اثنين أو ثلاثة، فإنه كما يستهجن إخراج البقية بالخطابات المتعددة، كذلك ما إذا كان بخطاب واحد بأن يرد خطاب يذكر فيه: لا تكرم غير الهاشمي من علماء البلد، إلاّ إذا كان بنحو النسخ، والمفروض في المقام خلافه، نعم قد يقال: إن الاستهجان يختص بما إذا كان العام بمفاد القضية الخارجية كالمثال المتقدم، وأما إذا كان بمفاد القضية الحقيقية فقلة الأفراد بعد تخصيص ذلك العام غير مستهجن، وذلك: لأنّ القضية الحقيقية غير ناظرة إلى الفرد الخارجي إلاّ بنحو الفرض والتقدير، فيمكن أن لا يكون للعام فرد خارجاً بالفعل، ولكن مفاد خطاب قاعدة نفي الضرر قضية خارجية على ما تقدم في تقريب حكومتها على أدلة الأحكام المجعولة، وأنه ليس في مدلولاتها من الأحكام حكم ضرري، فالالتزام بالتخصيص بخطاب آخر ولو بعنوان واحد لا يوجب ارتفاع الاستهجان.







والتزم هذا القائل بأن الإشكال بلزوم تخصيص الأكثر غير صحيح، فإن الموارد المشار إليها في الإشكال قسم منها ما يكون أصل الحكم والتكليف المجعولين في الشريعة ضررياً، كما في تنجس المائعات بملاقاة النجاسة وكذا بعض الجامدات على ما تقدم، وكذا تعلق الزكاة بالمال الذي يعتبر في تعلقها به دوران الحول، وقاعدة نفي الضرر غير ناظرة إلى نفي هذه الأحكام لقيام الدليل على ثبوت الحكم والتكليف مع كونهما في أصلهما ضرريين، وقسم منها لا يرتبط أصلا بمدلول قاعدة نفي الضرر كالموارد التي قام الدليل فيها على تدارك الضرر والجناية، نظير ضمان المال المتلف في يده بإفراط أو تفريط، أو ضمان المال الذي أتلفه ودية الجناية التي ارتكبها، فإن هذه الموارد غير داخلة في عموم نفي الضرر فإن مفادها نفي الحكم والتكليف الموجب للضرر، لا نفي الحكم الموجب لتدارك الضرر، فإن شئت قلت نفي الضرر كنفي ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه للامتنان، ولا امتنان لنفي الضرر في موارد تدارك الضرر، فإن الحكم بعدم التدارك يفتح باباً لانتشار الضرر، نظير المصلحة الملزمة في القصاص الذي يفصح عنه قوله سبحانه: (ولكم في القصاص حياة يا اُولي الألباب لعلكم تتقون)(1)، ولذا يمكن دعوى أن خروج الموارد التي يكون التكليف في أصله ضررياً للمصلحة الموجودة في متعلقه جعله امتنان، فلا يعم مواردها قاعدة نفي الضرر، وهذه الدعوى على إطلاقها محل تأمل، إلاّ أنه إذا كان من قبيل جعل الحكم والتكليف لواقع الضرر بخصوصه فلا يرتفع كسائر الأحكام الموضوعة لعنوان الخطأ والنسيان وغيرهما، وعلى الجملة قاعدة نفي الضرر لا تشمل الموارد التي يكون الحكم والتكليف فيها موجباً لعدم نفع المكلف، كموارد تعلق الخمس بالمال حيث إن المكلف لا يملك من الربح مقدار الخمس، وكذا لا يشمل موارد الحكم بتدارك الضرر، بل لا يكون تخصيصها بالدليل القائم على ثبوت الحكم والتكليف الضرريين في أصلهما، نعم ثبوتهما في مورد كونهما ضرريين كشراء ماء الوضوء ولو بثمن غال تخصيص، وهذه الموارد ليست بحيث يوجب خروجها عن قاعدة نفي الضرر الاستهجان في خطاب نفيه، فيؤخذ بعموم القاعدة في الموارد التي يقتضي إطلاق خطاب التكليف والوضع اللازم له ثبوتهما حتى في حال كونهما ضرريين، ويحكم باختصاصهما بغير حال الضرر، وإذ قام دليل على ثبوت ذلك الحكم حتى في حال كونه ضررياً في مورد يكون مخصصاً للقاعدة كقيام الدليل على تنجس الزيت والمرق بملاقاة النجاسة أيضاً كسائر الأشياء الطاهرة، وقد ظهر مما ذكرنا أن قاعدة نفي الضرر تنحصر حكومتها على الموارد التي يكون إطلاق خطاب التكليف أو الوضع الملازم له مقتضياً لثبوت ذلك التكليف والوضع حتى في مورد كونهما ضرريين فيحكم بعدم ثبوتهما في مورد كونهما ضرريين، وأما الموارد التي يكون أصل جعل التكليف والوضع ضررياً فيمكن أن يقال بأن خروجها عن القاعدة بالتخصّص؛ لأنها من قبيل جعل الحكم لعنوان الضرر بخلاف ما إذا كان مقتضى خطاب التكليف أو الوضع الملازم له ثبوتهما حتى في مورد كونه ضررياً، فيكون الدليل المزبور مخصصاً لها نظير قيام الدليل على تنجس الملاقي للنجس ولو كان الملاقي مثل الزيت والسمن والجلود، فإن الأخذ بإطلاق ما دل على تنجس الطاهر لقيام الدليل الخاص في الزيت والسمن ونحوهما، وكبقاء الزوجية فيما إذا غاب زوجها المعلوم حياته فإنه تبقى الزوجية ما لم يطلقها زوجها، وإن لم يكن في البين من ينفق عليها من قبل زوجها.















موارد حكومة قاعدة نفي الضرر، وإن المراد بالضرر الضرر الواقعي







الأمر الثاني: قد تقدم أن المنفي بقاعدة نفي الضرر كل حكم يقتضي إطلاق خطابه وعمومه ثبوته في مورد الضرر، فإن لم يقم دليل خاص على ثبوته في ذلك المورد مع كونه ضررياً ينفى بقاعدة نفي الضرر، والضرر من العناوين الواقعية التي لا دخل للعلم والجهل فيهما، وعليه فلو فرض كون لزوم البيع ضررياً يرتفع سواءً كان المكلف عالماً بحال البيع والشراء أو جاهلاً به، مع أنهم ذكروا في خياري العيب والغبن أن المشتري إن كان عالماً بحال المبيع، وأنه معيوب أو أن القيمة السوقية أقل مما يشتري بها، فلا يثبت له خيار العيب أو الغبن، وكذلك ذكروا أن المكلف لو كان جاهلا بحال الوضوء أو الغسل من كونهما ضرريين فتوضأ أو اغتسل يحكم بصحة وضوئه وغسله، ولو كان الحكم الضرري منتفياً، لزم الحكم بثبوت خياري العيب والغبن في الصورة الاُولى، وبفساد الوضوء أو الغسل في الصورة الثانية، ولكن لا يخفى ما فيه، فإنه قد ذكرنا سابقاً عدم كون الدليل على ثبوت خيار الغبن والعيب هو قاعدة نفي الضرر، بل هو مقتضى اشتراط السلامة وعدم اختلاف القيمة السوقية مع الثمن المسمى باختلاف لا يتسامح فيه، ومع علم المشتري بحال المبيع من كونه معيباً أو مع علمه بالاختلاف الفاحش بين القيمتين بلا اشتراط بين المتبايعين، نعم أصل صحة البيع في مورد الغبن أو العيب وإن يكن ضررياً، إلاّ أن قاعدة نفي الضرر لا تنفي الصحة؛ لأنّ نفيها خلاف الامتنان، فإن المشتري مع جهله بالحال يمكن له فسخ المعاملة بتخلف شرطه، والعالم بالحال ربما يكون غرضه الوصول إلى المعيب أو المثمن ولو بثمن غال، ونفي الصحة سدّ لوصوله إلى غرضه، ولذلك قد فرقوا بين إكراه شخص بمعاملة أو اضطراره إليها، وقالوا إن نفي الإكراه يرفع صحة المعاملة المكره عليها، لكون الرفع موافقاً للامتنان، ورفع الاضطرار لا يعم المعاملة المضطر إليها لكون رفعها بعدم إمضائها خلاف الامتنان، وبهذا يظهر الحال في الوضوء والغسل الضرريين، فإنه لو كان الضرر المترتب على الوضوء أو الغسل بحيث لا يحرم ارتكابه يمكن أن يحكم بصحته، نظير كون الوضوء أو الغسل حرجياً فإن قاعدة نفي الضرر كقاعدة نفي الحرج، لا تعم الفرض لكون الرفع خلاف الامتنان مع الغفلة عن الضرر، بل لو حكم بعدم وجوبهما أمكن الحكم بصحتهما بأدلة استحباب الوضوء والغسل كقوله سبحانه: (إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين)(2) بخلاف ما إذا كان الضرر بحيث يكون إيراد ذلك الضرر محرماً على المكلف، فإن الفعل فيه غير قابل للتقرب به، وهذا بخلاف ما إذا صام المكلف في شهر رمضان مع كونه مريضاً يضرّ به الصوم فإنه يحكم ببطلانه حتى فيما إذا اعتقد عدم الضرر، وذلك لا لحكومة قاعدة نفي الضرر على وجوب الصوم، بل لأنّ المريض لم يشرع في حقه الصوم إذا أضرّ به؛ وعلى الجملة فيمكن الالتزام بأن الوضوء أو الغسل مع كونهما ضرريين بضرر لا يحرم إيراده على النفس صحيح، أخذاً، بعموم أدلة استحباب الطهارة من الحدث، وحديث لا ضرر لا حكومة له بالإضافة إلى أدلة المستحبات وسائر الأحكام الترخيصية إذا كان الضرر فيها متوجهاً إلى نفس المكلف، نعم إذا كان الضرر المتوجه إليه بحدّ الحرام فالوضوء أو الغسل محكوم بالبطلان إلاّ في فرض الغفلة والنسيان عن كونهما ضرريين، بناءً على عدم الحرمة الواقعية في حق الغافل، نظير ما ذكرنا في باب اجتماع الأمر والنهي من أنه مع الغفلة ونسيان الغصب يحكم بصحة الوضوء أو الغسل، ولو مع كون الماء ملك الغير فيما إذا لم يكن الغافل والناسي هو الغاصب، ولكن ذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن الوضوء أو الغسل في مورد كونهما ضرريين محكوم بالبطلان حتى فيما إذا لم يكن الضرر بحدّ الحرام، وبتعبير آخر لا فرق بين صوم المريض إذا كان ضررياً وبين الوضوء والغسل الضرريين، وذكر في وجه ذلك أن المكلف قد قسّم في الآية المباركة إلى واجد الماء وفاقده، وأن الأول مكلف بالوضوء أو الغسل لصلاته والثاني يجب عليه التيمم لها، والتقسيم قاطع الشركة، ومقتضى التخيير بين الوضوء والغسل وبين التيمم مع عدم كون الضرر بحدّ الحرام كون المكلف في زمان واحد فاقد الماء وواجده، فلا يجتمع هذا مع التقسيم وفيه أن هذا التقسيم بلحاظ وظيفة المكلف بالإضافة إلى صلاته إذا كان عند القيام إليها محدثاً، وفي موارد كون الوضوء أو الغسل حرجياً أو ضررياً لا بحدّ الحرام يكون الحكم بصحة الوضوء أو الغسل بما دلّ على استحباب الطهارة نفسياً للمحدث، ولا حكومة لقاعدتي نفي الحرج والضرر مع عدم كونه بحد الحرام بالإضافة إلى خطاب استحباب الطهارة، فيكون الوضوء أو الغسل صحيحاً، ومعه يخرج المكلف عن المحدث المفروض عند قيامه إلى الصلاة هذا أولا، وثانياً: أن الموضوع لوجوب التيمم للصلاة في الآية المباركة هو من لم يجد الماء، أي من لم يتمكن من استعماله لفقد الماء أو لمرضه كما هو مقتضى تفريع قوله سبحانه: (فلم تجدوا ماءً)(3) على قوله: (وإن كنتم مرضى أو على سفر...)(4) وإذا كان الضرر غير محرم فالمكلف متمكن من استعماله، ومقتضى التقسيم في الآية لزوم الوضوء أو الغسل في حقه، فإنما التزمنا بعدم وجوب الوضوء في حقه لقاعدة نفي الضرر كما هو الحال أيضاً في موارد كونه حرجياً.







وذكر النائيني (قدس سره) أنه إذا اعتقد الضرر في الوضوء أو الغسل ثم ظهر بعد ذلك عدم الضرر في استعمال الماء يحكم بصحة صلاته؛ لأنّ المكلف في فرض اعتقاده الضرر لا يتمكن من استعمال الماء، نظير ما إذا اعتقد عدم الماء فتيمّم وصلى ثم علم أن الماء كان موجوداً عنده.







أقول: إنما لا تجب الإعادة فيما إذا اعتقد عدم الماء وتيمّم وصلى إذا كان انكشاف وجود الماء عنده بعد خروج الوقت؛ لأنّ هذا الانكشاف لا يترتب عليه أثر؛ لأنه مع اعتقاده عدم الماء في تمام الوقت لا يتوجه إليه خطاب الوضوء أو الغسل للصلاة فيدخل في قوله سبحانه: (فلم تجدوا ماءً) حيث إن المراد منه عدم تمكنه من الوضوء والغسل لصلاته ولو لغفلته عن الماء واعتقاده عدمه، وأما في فرض اعتقاد الضرر وحتى مع خوفه من الضرر مع كون الضرر المحتمل مما يحرم إيقاع نفسه فيه كالهلاكة ويجب عليه التحفظ على نفسه منه، فالأمر كما ذكر في فرض الاعتقاد بعدم الماء من أنه لو انكشف بعد خروج الوقت أنه لم يكن في استعماله ذلك الضرر فيحكم بإجزاء ما صلى في الوقت بتيمم، نعم إذا انكشف في فرض الاعتقاد بعدم الماء، وجود الماء عنده حين الصلاة مع التيمم أو عدم الضرر كما ذكر في الوضوء أو الغسل يجب عليه إعادة الصلاة بالطهارة المائية في الوقت، وأما إذا كان اعتقاده بالضرر في استعمال الماء بالضرر غير المحرم، فتيمّم وصلى ثم انكشف بعد خروج الوقت أنه لم يكن في استعماله ذلك الضرر أيضاً، فاللازم الحكم بقضائها ولا يجرى في هذه الصورة حكم الاعتقاد بعدم الماء، وذلك فإنه بناءً على حرمة الإضرار بالنفس بهذه المرتبة كان عليه في الوقت أمر بالصلاة مع الطهارة المائية، غاية الأمر كان يعتقد أن هذا الأمر استحبابي وكان في الواقع واجباً لعدم الضرر أصلا، فالصلاة الواجبة قد فاتت فعليه قضاؤها، هذا كله بالإضافة إلى قاعدة لا ضرر مع قطع النظر عن الروايات الواردة في التيمّم في بعض هذه الفروض، وإلاّ مع النظر إليها فإن الذي اعتقد عدم الماء معه عند صلاته بتيمّم ثم ظهر قبل خروج الوقت وجوده فعليه الإعادة، وأما إذا اعتقد أو احتمل الضرر المحرم في الوضوء أو الغسل فتيمّم وصلى ثم انكشف قبل خروج الوقت أنه ليس في الوضوء أو الغسل ذلك الضرر فلا يجب عليه الإعادة.







وفي صحيحة أبي بصير قال: «سألته عن رجل كان في سفر، وكان معه ماءً فنسيه فتيمّم وصلى، ثم ذكر أن معه ماءً قبل أن يخرج الوقت، قال: عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة»(5)، وفي صحيحة عبداللّه بن سنان أنه سأل أبا عبداللّه (عليه السلام): «عن رجل أصابته الجنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل قال: يتيمم ويصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة»(6)، وتحمل الإعادة فيها على الاستحباب أو حصول الأمن قبل خروج الوقت على ما ذكرنا في بحث التيمم من أن استمرار الخوف إلى خروج الوقت كاف في جواز التيمم، كما يشهد بذلك مثل صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل ويتيمّم»(7) وظاهره كون الوظيفة مع استمرار الخوف هو التيمّم لصلاته حتى لو فرض عدم الضرر واقعاً.







بقي في المقام أمر، وهو ما يمكن أن يتوهم أن الضرر بالنفس أو الطرف وإن يكن حراماً إلاّ أنه لا ينطبق على نفس الوضوء ولا يتحدان وجوداً فيكون التكليف بالوضوء مع حرمة الإضرار بالنفس أو الطرف من المتزاحمين، ولازم ذلك الحكم بصحة الوضوء ولو مع علمه بالضرر، لا أنه يقع التعارض بين الأمر بالوضوء وحرمة الظلم والإضرار بالنفس ليقدم حرمتهما على خطاب الأمر بالوضوء بالتقييد، بل كما قيل في البين وجودان أحدهما: وصول الماء إلى الأعضاء بالكيفية الخاصة بقصد الوضوء، والثاني: حصول النقص في النفس والطرف، وهذا هو الضرر، ويحصل الثاني بحصول الأول فيتسبب الضرر من حصول الوضوء، ولكن لا يخفى لو سلمنا أن الضرر على النفس أو الطرف لا يتحد مع الوضوء وجوداً إلاّ أن الأمر بالوضوء على تقدير عصيان النهي المتعلق بالمسبب أمر غير معقول حتى لو كان الأمر استحبابياً، كما هو الحال في موارد التركيب الاتحادي وتقديم جانب النهي، وكما إذا كان الماء منحصراً بالمغصوب لا يمكن الأمر بالوضوء ولو بنحو الترتب، حيث إن عصيان النهي يكون بحصول الأمر المتحد مع المنهي عنه فيكون الأمر الترتبي به من قبيل طلب الحاصل كلا أو بعضاً، وكذا الحال في موارد تسبب المنهي عنه عما ينطبق عليه عنوان متعلق الأمر كلا أو بعضاً، وفي الفرض بما أن الضرر على النفس أو الطرف بأي سبب حرام، ومع فرض حصوله بغسل البدن تماماً كما في الغسل أو بعضه كما في الوضوء لا يمكن الأمر بهما لكونه من قبيل طلب الحاصل، ودعوى أن الأمر يتعلق بقصد الوضوء أو الغسل على تقدير غسل البدن أو الأعضاء كما ترى، فإن الأمر بالوضوء أو الغسل طلب إحداثهما لا قصدهما فقط، وبالجملة مع عدم الأمر بهما ولو ترتباً لا كاشف عن الملاك فيهما ليحكم بصحتهما حتى مع العلم، نعم مع الغفلة عن كونهما مضرّين يمكن الحكم بصحتهما لسقوط النهي عن الإضرار بالنفس أو الطرف للغفلة، ويؤخذ بإطلاق الأمر بالوضوء والغسل كما هو المقرر في باب اجتماع الأمر والنهي، وهذا الأخذ بالإطلاق مبني على سقوط النهي والحرمة مع الغفلة عن الفعل كنسيانه، وإلاّ فالصحة في فرض الغفلة أيضاً فيها تأمل بل منع.







ثم إنه قد يستظهر حرمة الإضرار بالنفس بأي مرتبة من الضرر من بعض الروايات كالتي رواها في الكافي في أول كتاب الأطعمة، حيث ورد فيها «ولكنه خلق الخلق وعلم عز وجل ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم»(8)، ولكن لا يخفى أن الإضرار بالنفس في مثل هذه الروايات يؤخذ حكمة للتحريم كتحريم الميتة والدم وغير ذلك، كما يجعل حكمة في النهي التنزيهي في بعض المأكولات، ومن الظاهر أن لحاظ الإضرار حكمة في بعض الأحكام غير كونه موضوعاً للحكم بالحرمة وعلة لها، وما ينفع في التعدي أو التمسك به هو الثاني لا الأول.







الأمر الثالث: قد يقال بأن قاعدة نفي الضرر كما تكون حاكمة على التكليف والوضع الملازم له، فيما إذا اقتضى إطلاق خطابهما ثبوتهما حال الضرر، وكذلك تكون حاكمة على الأحكام العدمية أي عدم الحكم فيما إذا كان عدمه في مورد ضررياً، مقتضى قوله (عليهم السلام) «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(9) عدم إمضاء الشارع الطلاق الصادر من غير الزوج، وإذا كان عدم الإمضاء ضررياً بالزوجة كما إذا امتنع الزوج عن إنفاقها وطلاقها يكون للحاكم أن يطلقها، حيث إن عدم إمضائه ضرري بالزوجة فنفيه يكون بإمضائه، وقد ذكر السيد اليزدي (قدس سره) على ما في ملحقات العروة في مسألة زوجة المفقود وأيّده ببعض الروايات الواردة في زوجة الغائب المفقود خبره، وكذا فيما حبسه شخص وشردت دابته فإن الحكم بعدم ضمان الحابس ضرر على المالك المحبوس، فيكون مقتضى رفع الضرر ضمانه، ونظيره ما إذا حبسه فأبق عبده أو فتح قفصه وطار طيره، ولكن لا يخفى أن الحكم بالضمان في هذا وما قبله من قبيل تدارك الضرر الناشئ عن اختيار الحابس وإرادته، وقاعدة نفي الضرر لا تتكفل بحكم تدارك الضرر على ما تقدم، ودعوى أن فتح القفص أو حبس المالك يعد إتلافاً لطيره أو دابته لا يمكن المساعدة عليها مطلقاً، نعم إذا صح الاستناد في مورد فلا بأس بالأخذ بقاعدة الاتلاف التي تقدم عدم حكومة قاعدة لا ضرر بالإضافة إليها، وأما إثبات صحة طلاق غير الزوج مع امتناعه عن إنفاقها فهو أيضاً لا يمكن؛ لأنّ الضرر ينشأ من ترك إنفاق الزوج وطلاق الحاكم يكون تداركاً للضرر، وإلاّ فالضرر في نفس بقاء الزوجية، فيكون مقتضى قاعدة نفيه انفساخ الزوجية، نعم جعل الشارع لتخلّصها طريقاً فيما إذا امتنع الزوج عن إنفاقها وطلاقها، فإن للحاكم الطلاق بعد ثبوت ذلك عنده وهذا لا يرتبط بنفي الضرر وقاعدة نفيه، ومما ذكرنا يظهر الحال فيما هو المبتلى به في عصرنا من تحمل الدائن بعض المصارف لتحصيل الدين على مديونه الممتنع عن الأداء، أو استخلاص ملكه عن يد الغير الغاصب، حيث إن الحكم بالضمان من قبيل تدارك الضرر يكون بامتناع المديون أو إمساك الغاصب داعياً له إلى صرف المالك المال، لا أنه سبب له بحيث يستند التلف إليه لا إلى المالك.















[2] يقع الكلام في حكم تعارض الضررين في مسائل: الاُولى، ما إذا دار أمر المكلف بإيراد أحد ضررين يكون كل منهما من قبيل الإضرار بالنفس لا بالغير، والثانية: ما إذا دار أمره بين ضررين يكون كل منهما من قبيل الإضرار بالغير، الثالثة: ما إذا دار أمره بين ضرر نفسه وضرر الغير.







أما المسألة الاُولى: فإن كان كل من الضررين من قسم غير الحرام أو أحدهما محلل والآخر محرم، فيتخير في الأول، ولزم اختيار المحلل في الثاني، وأما إذا كان كل منهما محرماً فلاينبغي التأمل في دخول الفرض في المتزاحمين، ويتعين اختيار المهم والاجتناب عن الأهم أو محتمل الأهمية، ومع التساوي أو احتمال الأهمية في كل منهما يكون الحكم هو التخيير على ما هو المألوف في باب التزاحم، وبهذا يظهر الحال في المسألة الثانية، فإن الاضرار بالغير بكل من الضررين محرم، فلابد من اختيار الأخف، وملاحظة احتمال الأهم، ويترتب على ذلك أنه إذا أدخل رأس دابته في إناء شخص آخر فإن للحاكم الأمر بكسر الإناء، فيما إذا لم يتراضيا بغيره، ويكون ضمان تلف الإناء عليهما بقاعدة العدل والإنصاف، فإنه لا يمكن للحاكم ذبح الحيوان أو الأمر به، حيث لا موجب لإدخال الضرر الكثير عليهما، نعم إذا كان إدخال رأسها بفعل شخص ثالث لا يبعد تخيير الثالث في اختيار كسر الإناء أو ذبح الحيوان؛ لأنه مكلف بإيصال أحد المالين إلى مالكه بعينه، والآخر إلى الآخر ببدله وضرر الإتلاف يتوجه إلى نفسه.







ومن هنا لو كان الإدخال بفعل أحد المالكين يتوجه عليه إتلاف مال نفسه، وتخليص مال صاحبه لو لم يرض صاحبه بإتلاف ماله مع الضمان أو بدونه، فإن إتلاف مال نفسه مقدمة لإيصال مال صاحبه إليه، لا يقال: إتلاف مال نفسه ضرري بالإضافة إليه فينفى بقاعدة لا ضرر، فإنه يقال: لا حكومة لقاعدة نفي الضرر في المقام حيث إن نفي وجوب رد مال صاحبه إليه ضرري مع أنه أقدم على ضرر نفسه بإدخاله رأس الحيوان في الإناء.







وهذا فيما إذا لم يحرز أهمية التحفظ على أحد الضررين، وإلاّ يتعين الاحتفاظ عليه ولو كان بفعل أحد المالكين، كما إذا أدخل مالك العبد رأس عبده في قدر شخص آخر، أو أدخل العبد رأسه فيه، أو أدخل شخص آخر رأسه حيث يجب التحفظ على النفس المحترمة.







وأما المسألة الثالثة: وهي ما إذا دار الأمر بين ضرر نفسه والإضرار بالغير، ويلحقها ما إذا دار الأمر بين حرمانه وعدم انتفاعه بملكه وبين ضرر الغير، كما لو كان حفر البالوعة في داره إضراراً بالجار، وترك حفرها ضرراً عليه أو فيه حرج عليه، وقد يقال: فيما إذا كان حفرها إضراراً بالجار وترك حفرها حرجاً أو ضرراً على نفسه بالجواز، فإنه في صورة الحرج في ترك حفرها ترتفع حرمة الإضرار بنفي الحرج، وفي صورة تضرّره إما يكون حديث نفي الضرر والإضرار مجملا للعلم بخروج الفرض إما من صدر الحديث أو من ذيله؛ لأنّ جواز تصرفه في ملكه بحفرها إضرار بالجار وحرمة حفرها ضرر على نفسه، فلا يمكن التمسك بشيء من الصدر والذيل فيرجع إلى أصالة البراءة بالإضافة إلى احتمال الحرمة في التصرف في ملكه بحفرها، وأما لأنّ فقرة لا ضرار لا يمكن التمسك بها فإنها للامتنان، ولا امتنان في ترك الإضرار بالغير بحرمانه من التصرف في ملكه إذا كان في تركه ضرر على نفسه، فيرجع إلى عموم ما دل على جواز تصرف المالك في ملكه وعموم سلطنته.







ولكن لا يخفى أنه لو كان ترك التصرف في ملكه وحرمانه عن الانتفاع به بحفر البالوعة فيه حرج لا يرتفع بقاعدة نفي الحرج، حرمة الإضرار بالغير؛ لأنّ قاعدة نفي الحرج كقاعدة نفي الضرر مورد جريانها موارد الامتنان في الرفع، ولا امتنان في رفع حرمة الإضرار بالغير، فيؤخذ فيه بقاعدة نفي الحرج، وعلى الجملة لا يجرى في الفرض لا قاعدة نفي الحرج ولا نفي الضرر، وعلى ذلك فإن كان في البين عموم أو إطلاق يدل على جواز تصرف المالك في ملكه ولم يرفع اليد عن إطلاقه فيما كان ذلك التصرف إضراراً بالغير وعدواناً عليه فهو، وإلاّ فالتصرف المزبور محكوم بعدم الجواز إلاّ إذا كان التصرف بحيث لا يتضرر الجار به، ولو فرض أن الضرر يتوجه إلى شخص لا بفعل شخص آخر فلا يجوز له دفع الضرر عن نفسه بإيراده على الغير، بخلاف ما إذا كان الضرر متوجهاً إلى ذلك الغير لا بفعله فإنه لا يجب عليه إيراد الضرر على نفسه بدفعه عن الغير، فإن توجيه الضرر إلى الغير لدفعه عن نفسه داخل في عنوان التعدي والإضرار على الغير، ولا حكومة في الفرض لقاعدتي لا ضرر ولا حرج، نعم إذا كان دفع الضرر عن نفسه أهم وإيراد الضرر على الغير مهم، كما إذا توقف حفظ حياته على إتلاف مال الغير تعين دفع الضرر عن نفسه ولو باتلاف مال الغير، كما إذا توقف حفظ حياة الجالس في السفينة على إلقاء مال الغير الموجود فيها في البحر، جاز إذا أكره بالقتل إذا لم يدفع إلى المكره بالكسر مال الغير، ولا يبعد الالتزام بعدم الضمان أيضاً لو لم يكن الإمساك بمال الغير لتلفه بغرق السفينة، أو بأخذ المكره لا محالة، وأما إذا لم يكن الأمر كذلك بأن لم يكن مال الغير تالفاً لولا إتلافه، فإتلافه وإن كان جائزاً إلاّ أنه يوجب الضمان، فإنّ الضمان لا ينافي جواز الفعل تكليفاً، وقاعدة نفي الضرر لا تنفي ضمان الإتلاف، فإن الضمان من الأحكام المجعولة لعنوان الضرر على الغير بل نفيه خلاف الامتنان، وقد يقال من هذا القبيل أي من قبيل توجه الضرر إلى الغير ما إذا أكرهه شخص على أخذ مال الغير ودفعه إلى المكرِه بالكسر، وإلاّ يأخذ ذلك المكره بالكسر من نفس المكره بالفتح بدعوى ما تقدم، من أنه لا يجب دفع الضرر المتوجه إلى الغير بتحمله، ولكن لا يخفى ما فيه فإن متعلق الإكراه في الفرض الجامع بين الأمرين، أحدهما: وهو دفع المال عن الغير تصرف حرام، والآخر: محلل وهو دفع ماله فلا موجب للبين لحلية التصرف في مال الغير، ولو كان أقل لعدم جريان قاعدة لا ضرر ولا حرج، لكون رفع حرمة التصرف في مال الغير خلاف الامتنان، نعم إذا كان ضرر المكره عليه بحيث يجب التحفظ منه فيجوز التصرف في مقام التزاحم، كما ذكرنا ذلك في قضية سمرة وفي المثال المتقدم في المقام.















(1). سورة البقرة: الآية 179.







(2). سورة البقرة: الآية 222.







(3) و (4). سورة النساء: الآية 43.

/ 1