دروس فی مسائل علم الاصول جلد 4

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دروس فی مسائل علم الاصول - جلد 4

المیرزا جواد التبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







فهرس المطالب




مباحث الاستصحاب




في الفرق بين المسألة الاُصولية والمسألة الفقهية




في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وعدمه




في اختصاص اعتبار الاستصحاب بمورد الشك في الرافع وعدمه




المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك في أخبار لا تنقض




المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك في الصحيحة وغيرها




التفصيل بين موارد الشك في الرافع والمقتضي وبيان المراد منهما




الاستدلال على الاستصحاب بصحيحة زرارة الثانية




تعليل عدم لزوم الإعادة بالاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة




عدم الفرق في المقام بين الالتزام بشرطية طهارة الثوب والبدن أو مانعية نجاستهما




عدم دلالة الصحيحة الثالثة على اعتبار الاستصحاب




الاستدلال على اعتبار الاستصحاب بحديث الأربعمئة




في إمكان شمول الروايات لقاعدة الطهارة والحلية وبيان الحكم الواقعي للأشياء




في السببية والشرطية والمانعية لنفس التكليف




في القسم الثالث من الأحكام الوضعية




القسم الثالث من الحكم الوضعي




جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية وعدمه




في عدم جريان الاستصحاب في القسم الأول من الأحكام الوضعية




تنبيهات




تنبيهات الاستصحاب




جريان الاستصحاب في مورد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة




جريان الاستصحاب في مورد ثبوت الحالة السابقة بالأصل العملي




في جريان الاستصحاب في أقسام الكلي




جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي




الإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي




كلام العراقي (قدس سره) في الفرق بين الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وبين الاستصحاب في الفرد المردد




عدم الفرق بين جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وبين ما سمّاه بالفرد المردد




موارد جريان الاستصحاب في الفرد الذي سمّوه بالفرد المردد




تذنيب




عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي




عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ولو احتمل حدوث فرد آخر مع حدوث الفرد المقطوع زواله




هل مقتضى الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان بعد زهوق روحه كونه ميتة أم لا؟




جريان الاستصحاب في القسم الرابع




عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي مع تخلل العدم بين الفردين




جريان الاستصحاب في التدريجيات




عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية بلا فرق بين عناوين الأزمنة وغيرها




جريان الاستصحاب في الزمان فيما إذا شك في الفعل المقيد




إحراز بقاء التكليف المتعلق بالفعل المقيد بالزمان بالاستصحاب في ناحية الزمان المشروط به التكليف




كفاية الاستصحاب في الزمان بمفاد كان التامة في إحراز تحقق الفعل المقيد بالزمان




الشك في التكليف بعد انقضاء الزمان الذي كان قيداً للواجب




في عدم جريان الاستصحاب في وجوب الفعل المقيد بزمان بعد انقضاء ذلك الزمان




عدم جريان الاستصحاب في بقاء التكليف مع عدم الدليل على إطلاقه




الاستصحاب في الحكم التعليقي




ما قيل في تقرير جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية




في الجواب عما قيل في جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية




في عدم اعتبار الاستصحاب بالإضافة إلى اللازم العقلي والعادي والمعارضة بين الاستصحابين على تقدير القول به




الفرق بين الأمارة والأصل




انتبه رجاءً: لقد قطّعنا البحث الآتي إلى قسمين:




الموارد التي وقع الخلاف فيها في الاُصول الجارية فيها






في تعاقب الحالتين والشك في المتقدم منهما




في ما ورد في إهراق الإناءين مع انحصار الماء فيهما




الاستصحاب في صحة العمل عند الشك في مانعية شيء فيه




في التمسك بالعام بعد ورود التخصيص فيه في زمان




جريان الاستصحاب في موارد الظن غير المعتبر




اعتبار بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب وبيان المراد من بقائه




عدم جريان الاستصحاب في موارد الأمارات المعتبرة




في حكومة دليل اعتبار الأمارة على خطابات الاستصحاب




تقدم الاستصحاب على البراءة الشرعية




في تقدم الاستصحاب على البراءة العقلية وأصالة التخيير




في تعارض الاستصحابين




تقديم قاعدة التجاوز والفراغ وأصالة الصحة وقاعدة اليد على الاستصحاب في مواردها




قاعدة الفراغ




في اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة التجاوز أو قاعدة الفراغ أيضاً أم لا




عدم جواز الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في الجزء المستحب وجواز الاكتفاء بالدخول في جزء الجزء




عدم الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في مقدمة الجزء اللاحق




عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء قبل الفراغ منه




في جريان قاعدة التجاوز والفراغ في الغسل




عدم جريان قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز في الشك في العناوين القصدية في قصد عناوينها




في أصالة الصحة الجارية على عمل الغير




في الاستدلال على اعتبار أصالة الصحة




موارد الرجوع إلى أصالة الصحة في عمل الغير




ما يقال من عدم جريان أصالة الصحة عند الشك في الأركان




عدم جريان أصالة الصحة في موارد الشك في قابلية الفاعل للفعل أو قابلية المورد له




جريان أصالة الصحة في الأفعال التي عناوينها قصدية




عدم اعتبار أصالة الصحة في موارد جريانها بالإضافة إلى مثبتاتها




عدم جريان الاستصحاب في ناحية عدم الشرط مع جريان أصالة الصحة




قاعدة اليد




في تقدم قاعدة اليد على الاستصحاب




في اعتبار قاعدة اليد في موارد إثبات ملكية المنفعة ونحوها




القرعة




في تقديم الاستصحاب على خطابات القرعة







































فصل في الاستصحاب وفي حجيته إثباتاً أو نفياً أقوال للأصحاب ولا يخفى أن عباراتهم في تعريفه وإن كانت شتى إلاّ أنها تشير [1]







ثمّ لا يخفى أن البحث في حجيته مسألة اُصولية حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية [2]







وكيف ما كان فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده: القطع بثبوت شيء، والشك في بقائه [3]







ثمّ إنّه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقاً، وعدم حجيته كذلك، والتفصيل[4]







منها صحيحة زرارة: «قال له الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاُذن، وإذا نامت العين والاُذن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فإن حرك في جنبه شيء ولم يعلم به قال: لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين، وإلاّ فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك، وإنما ينقضه بيقين آخر [5]























[1] ذكر الماتن (قدس سره) في تعريف الاستصحاب الذي وقع الخلاف في إثباته ونفيه مطلقاً أو في الجملة هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه، والسند للحكم بالبقاء إما بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية مطلقاً أو في الجملة تعبداً أو من جهة الظن بالبقاء الناشي من ملاحظة ثبوت الشيء سابقاً أو من جهة قيام النص أو الإجماع عليه، وهذا المعنى قابل ليقع الخلاف في ثبوته ونفيه مطلقاً أو في الجملة، ويقع الكلام في وجه ثبوته مطلقاً أو في الجملة.









وتعريفه في بعض الكلمات بما ينطبق على وجه ثبوته وإن يوهم أن الاستصحاب غير الحكم بالبقاء عند الشك فيه كقول بعضهم أن الاستصحاب هو الظن بالبقاء أو كون موضوع أو حكم يقيني الحصول ومشكوك البقاء إلى غير ذلك، إلاّ أنه لا يقتضي كون الاستصحاب ذلك الوجه، بل المذكور للإشارة إلى ثبوته من ذلك الوجه نظير ما يذكر في التعريف الذي من قبيل شرح الاسم كما هو الغالب على التعاريف؛ ولذا لا مورد للمناقشة فيها بعدم الاطراد تارة، وبعدم الانعكاس اُخرى، وبتعبير آخر لو كان الاستصحاب هو نفس الوجه للثبوت لما تقابلت فيه الأقوال؛ لأن نفي وجه للثبوت لا ينافي ثبوت وجه آخر له كما هو ظاهر.









وذكر الشيخ (قدس سره)(1) أن للاستصحاب في كلمات القوم تعاريف أسدّها أنه إبقاء ما كان، كما أن هذا أخصرها، وأزيفها ما قيل من كون حكم أو وصف يقيني الحصول في السابق مشكوك البقاء في اللاحق، وقال في وجه كونه أسدها وأخصرها: إن المراد من الإبقاء ليس هو الإبقاء الخارجي بل التعبدي أي الحكم بالبقاء وتوصيف ما بـ(كان) مع استفادته من الإبقاء للإشعار بأن الموجب للحكم ببقاء الشيء هو أنه (كان) فيخرج عن التعريف الحكم بالبقاء لثبوت علّته في الزمان الثاني كثبوته في الزمان الأول، أو لقيام الدليل على ثبوته في الزمان الثاني أو العلم الوجداني بثبوته فيه، وأما كون الأخير أزيف التعاريف فإن كون حكم أو وصف يقيني الحصول في السابق مشكوك البقاء مورد للحكم بالبقاء لا أنه بنفسه استصحاب.









أقول: كون الاستصحاب أمارة أو أصلاً مذكور في كلماتهم ولو قيل بأنه من الأمارات يتعين أن يكون الاستصحاب غير الحكم بالبقاء حيث إن الحكم نتيجة اعتبار الاستصحاب لا نفس الاستصحاب حيث إنّ الأمارة ما يكشف عن الواقع ظناً لو كان ظناً نوعياً، وأيضاً مجرد ثبوت الشيء سابقاً بنفسه غير موجب للظنّ بالبقاء ولا يكون ظناً بالبقاء بل الممكن دعوى الملازمة الغالبية بين ثبوت الشي سابقاً وبقائه لاحقاً، وهذه الغلبة هي الموجبة للظن بالبقاء في موارد احتماله، وهذا بخلاف القول بأنه أصل عملي فإنه عليه حكم ظاهري، وهل الحكم متعلقه بقاء الشيء بنفسه أو بحكمه؟ كما عليه الماتن أو نفس اليقين بالثبوت بأن يعتبر اليقين بالثبوت سابقاً يقيناً بالبقاء لاحقاً، أو أن متعلقه العمل على وفق الحالة السابقة ومقتضاها المعبر عن ذلك بالإبقاء العملي والأمر بترتيب آثارها زمان الشك؟ نتعرض لذلك عند التعرض لمدارك اعتباره، وظاهر كلام الماتن لا يساعد على كون الاستصحاب هو الإبقاء العملي فإن الحكم بالبقاء بجعل الحكم المماثل للسابق فيما كان المستصحب هو الحكم الشرعي أو جعل أثره الشرعي فيما كان المستصحب الموضوع من فعل الشارع، وعبارة الشيخ (قدس سره)تساعد على الإبقاء العملي؛ ولذا يستند الاستصحاب إلى المكلف لا إلى الشارع، نعم حكم الشارع المستفاد من أدلة اعتبار الاستصحاب هو منشأ الإبقاء العملي عند المكلف فيكون المستفاد من أدلتها اعتبار الاستصحاب بخلاف ما إذا قيل إنه ـ يعني الحكم بالبقاء ـ هو الاستصحاب فإنه يكون من فعل الشارع.

















[2] لا يخفى أنه بناءً على تعريفه (قدس سره) حقيقة الاستصحاب بأنه هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم لا يكون البحث عن حجيته بل يكون البحث عن نفس ثبوت الاستصحاب يعني الحكم وعدم ثبوته، نعم بناءً على أنه نفس الإبقاء العملي يمكن البحث عن اعتبار هذا الإبقاء أو عدمه سواء فسر الاعتبار بالحكم الوضعي أو بالحكم التكليفي، كما أنه بناءً على ما نذكره ـ من أن الاستصحاب عبارة عن كون اليقين المتعلق بالحالة السابقة يقيناً بالبقاء عند الشك فيه ـ أيضاً يكون البحث في الاستصحاب بحثاً عن ثبوته وعدم ثبوته لا عن حجيته، وكيف ما كان، ذكر الماتن أن البحث عن حجية الاستصحاب من المسائل الاُصولية حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية، ولكنه (قدس سره) قد ذكر في تعريف علم الاُصول وبيان الميزان في مسائلها ـ في أول الكتاب ـ أنه يعرف بها القواعد التي تقع في طريق الاستنباط أو التي ينتهي إليها أمر المجتهد في مقام العمل، وقال: إن الاُصول العملية ـ ومنها الاستصحاب في الشبهات الحكمية بناءً على أنه أصل عملي ـ داخلة فيما ينتهي إليه أمر المجتهد في مقام العمل ولا يستنبط منها حكم شرعي فرعي، وما ذكر في المقام يناقض المذكور هناك، نعم نفى في المقام أيضاً كون الاستصحاب قاعدة فقهية وقال ليس مفاد قاعدة الاستصحاب حكم العمل بلا واسطة، وإن كان ينتهي إلى حكم العمل وعلله بأنها كيف تكون قاعدة فقهية وهي قد تجري في مسألة اُصولية كما إذا شك في بقاء حجية خبر العدل أو الثقة، إذا خرج بعد إخباره عن وصف العدالة أو الثقة، والقاعدة الفقهية هي التي يكون الحكم الوارد فيها بنفسه حكماً فرعياً عملياً سواء كان ذلك الحكم من سنخ التكليف كوجوب الوفاء بالنذر واليمين أو من سنخ الوضع كمسألة وجوب الوفاء بالشرط إذا كان المراد من الوجوب نفوذه، ومسألة كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وإن كانت نتيجة تطبيق القاعدة الفقهية على صغراها هي الحكم الشرعي الكلي بأن يقال بثبوت الضمان في البيع الفاسد كثبوته في صحيحه.









أقول: لا ينبغي التأمل في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الموضوعية وأن ما دل على اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية بعينه يدلّ على اعتباره في الشبهات الموضوعية وإذا كان شمول خطاب لا تنقض اليقين بالشك لحكم اُصولي شك في بقائه لاحقاً كالحجية في المثال المتقدم شاهداً لعدم كون قاعدة الاستصحاب في الشبهة الحكمية الفرعية الكلية من القواعد الفقهية لاقتضى أن لا يكون جريانه في الشبهة الموضوعية أيضاً بعدم كونها من القواعد الفقهية مع أن المتسالم عليه عند الكل أن الاستصحاب الجاري في الشبهة الموضوعية قاعدة فقهية خصوصاً فيما كان المستصحب هو الحكم الجزئي، وكما يقال في وجه ذلك إنّ مدلول أخبار «لا تنقض»(2) انحلالي وهو الحكم بالبقاء عند الشك فيه فيكون الحكم بالبقاء بالإضافة إلى الشبهات الموضوعية قاعدة فقهية كذلك يقال بأن مدلولها بالإضافة إلى استصحاب الحكم الاُصولي ليس قاعدة فقهية ولكن بالإضافة إلى الشبهة الحكمية الكلية كموارد استصحاب الحرمة أو الوجوب أو الإباحة أو الوضع كالضمان والملكية ونحوها قاعدة فقهية، والإلتزام بأن الاستصحاب فيها قاعدة اُصولية يحتاج إلى بيان الفارق بينه وبين القواعد الفقهية.

















في الفرق بين المسألة الاُصولية والمسألة الفقهية








ونقول في بيان الفارق: بأن الاستصحاب بناءً على كونه قاعدة مستفادة من الأخبار بحيث تجري في الشبهة الحكمية ولو في الجملة يدخل في القواعد الاُصولية لا الفقهية سواء قلنا بأن ظاهر تلك الأخبار اعتبار علم المكلف بالحالة السابقة علماً بالحالة اللاحقة أيضاً، أو قلنا بأن المستفاد منها الحكم ببقاء المتيقن فإنه على الأول يكون نتيجة ضمّ كبرى الاستصحاب إلى صغراها في الشبهة الحكمية العلم بالحكم الواقعي الفرعي الكلي لا نفس الحكم الفرعي الكلي، وكون النتيجة العلم بالحكم الواقعي الفعلي من خواص المسألة الاُصولية منفردة أو منضمة إلى مسألة اُخرى من المسائل الاُصولية، وهذا بخلاف المسائل الفقهية فإن القياس فيها نتيجة ثبوت نفس الحكم الفرعي سواء كان الثابت جزئياً أو كلياً، وبتعبير آخر يكون المحمول في كبرى المسألة الاُصولية هو العلم بالحكم بخلاف المسألة الفقهية فإن المحمول فيها نفس الحكم الشرعي العملي، وكذا ما إذا قيل بأن المستفاد من أخبار لا تنقض الحكم ببقاء المتيقن بجعل المماثل للحكم السابق مادام الجهل بالبقاء أو الأمر بالعمل على طبق الحالة السابقة مادام الجهل فإن الفرق بين الاستصحاب والقواعد الفقهية التي تكون نتيجتها عند التطبيق حكماً كلياً أيضاً هو أن الحكم المجعول في مورد الاستصحاب حكم طريقي يكون الغرض منه تنجيز الواقع أو التعذير عنه كما هو مفاد دليل اعتبار الأمارة أيضاً عند الشيخ (قدس سره) وهذا بخلاف القاعدة الفقهية فإن المذكور في القاعدة الفقهية التي تكون نتيجة التطبيق الحكم الفرعي نفس الحكم الفرعي الكلي النفسي يعني مقابل الطريقي.









لا يقال: ما الثمرة بين كون الاستصحاب في الشبهة الحكمية مسألة اُصولية وبين كون قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» مسألة فقهية مع كون الأخذ بهما من وظيفة المجتهد فإنه يقال: الثمرة تظهر بناءً على ما يأتي في مسألة جواز التقليد على العامي من اختصاص الجواز بالمسائل الفرعية فإنه إذا أفتى المجتهد بأن كل عقد لا يضمن بصحيحه لا ضمان في فاسده أيضاً، وأفتى بأن العين المستأجرة لا تدخل في ضمان المستأجر في الإجارة الصحيحة والأحوط مراعاة الضمان في الإجارة الفاسدة فإنه يكون الاحتياط استحبابياً لا محالة حيث إن الاحتياط وجوباً نقض لفتواه فيجوز للعامي عدم مراعاة الاحتياط بخلاف ما إذا بنى على اعتبار الاستصحاب في الشبهة الحكمية، وذكر في رسالته العملية أن العصير الزبيبي وإن لم يثبت دليل على حرمته بالغليان إلاّ أن الأحوط وجوباً الاجتناب عنه فإن هذا الاحتياط لا يكون نقضاً للفتوى حيث إنه لم يفتِ في المسألة الفرعية فيتعين للعامي الاحتياط أو الرجوع إلى المجتهد الآخر الذي أفتى في تلك المسألة فتدبر.









ثمّ إن الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين هو اختلاف زمان المتيقن والمشكوك، وسبق الأول على الثاني في الاستصحاب، والمفروض في قاعدة اليقين اختلاف نفس زمان الشك مع زمان اليقين بأن يكون زمان اليقين سابقاً وزمان الشك لاحقاً مع اتحاد متعلقهما حتى من حيث الزمان، وسنذكر عند التعرض لأخبار الاستصحاب أنها لا تعم قاعدة اليقين بل مدلولها خصوص اعتبار الاستصحاب لظهورها في فعلية وصفي اليقين والشك في ظرف التعبد، والأمر في الاستصحاب كذلك بخلاف قاعدة اليقين المعبر عنها بالشك الساري فإن اليقين فيها غير فعلي في ظرف التعبد، وحيث إن ظهور تلك الأخبار في سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك ولو بقرينة موردها فلا مجال لدعوى شمولها لقاعدة اليقين، ولا لما يسمى بالاستصحاب القهقري الذي يكون المشكوك فيه سابقاً والمتيقن لاحقاً، وأصالة عدم النقل الجارية في اتباع الظهورات الفعلية عند الشك في النقل لا ترتبط بذلك الاستصحاب المعدود على فرض اعتباره من الاُصول العملية بل هي ببناء العقلاء في اتباع الظهورات الفعلية حتى مع احتمال النقل كسائر الظهورات التي لا احتمال للنقل فيها.









وكذا لا يرتبط الاستصحاب بقاعدة المقتضي وعدم المانع فإن مقتضى هذه القاعدة على تقدير اعتبارها الحكم بتحقق المقتضى بالفتح عند إحراز المقتضي له وعدم العمل بتحقق المانع الذي يمنع على تقدير حصوله عن حصول المقتضى سواء كان المقتضى بالفتح أمراً تكوينياً كوصول الماء الى بشرة العضو المتحقق بصبه على العضو إذا لم يكن مانع عن وصوله إلى البشرة أو أمراً اعتبارياً لتنجس الماء الملاقي للنجس إذا لم يكن كراً.

















[3] قد ذكر الماتن (قدس سره) في المقام أنه لا يكون الاستصحاب إلاّ مع تحقق أمرين: أحدهما ـ العلم بثبوت شيء من الحكم أو الموضوع أو عدمهما، وثانيهما ـ الشك في بقائه، ولا يكون الشك في البقاء إلاّ إذا كانت القضية المشكوكة بعينها القضية المتيقنة بأن يكون الموضوع والمحمول في إحداهما متحدين مع الموضوع والمحمول في الاُخرى، وهذا الاتحاد حاصل في الشبهات الموضوعية غالباً كما في استصحاب عدالة زيد أو عدم ملاقاة الثوب مع النجاسة ونحو ذلك.

نعم، قد لا يحصل فيها هذا الاتحاد بين القضيتين حقيقة كما في الشك في بقاء الماء على كريته إذا نقص منه مقدار أوجب الشك في كرية الباقي فإن ما علم كريته من قبل لم يكن مجرد هذا الماء بعينه، وعدم الاتحاد حقيقة.

















في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وعدمه








مفروض في جميع الشبهات الحكمية، مثلاً إذا علم حرمة العصير العنبي بعد غليانه وشك في بقاء الحرمة بعد صيرورته دبساً قبل ذهاب ثلثيه فلا يمكن دعوى أن الاتحاد بين القضيتين حقيقي؛ لأن المتيقن حرمة العصير الذي لم يكن دبساً، والمشكوك حرمة ما صار دبساً بعد الغليان، وعلى الجملة لا يحصل الاتحاد كما ذكر في الشبهات الحكمية إلاّ في مورد الشك في النسخ بمعناه الحقيقي المستحيل في حقه سبحانه؛ ولذا ذكروا أن النسخ في الشريعة دفع في الحقيقة لا رفع، والحاصل أن الحكم لا يختلف عن موضوعه، وإذا شك في بقاء الحكم في الشبهة الحكمية فلابد من فرض تخلف أمر يحتمل دخله في موضوع الحكم قيداً له فلا يكون حينئذ شك في البقاء حقيقة، وهذا محصل ما يقال من أن الاستصحاب على النحو المذكور من اعتبار الاتحاد لا يتحقق في الشبهات الحكمية، وما يسمى بالاستصحاب فيها في الحقيقة قياس بمعنى إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.









أقول: تقرير الإشكال في الشبهة الحكمية بما تقدم لا يخلو عن الإشكال فإنه (قدس سره)جعل في المقام العلم بالحالة السابقة كالشك في البقاء ركناً مع أنه يأتي منه (قدس سره) أن المعتبر في الاستصحاب هو الأمر الثاني فقط، وأما العلم بالحالة السابقة فلا يكون ركناً للاستصحاب، وأن مفاد أدلة الاستصحاب جعل الملازمة الظاهرية بين ثبوت الحالة السابقة وبقائها عند الشك في البقاء، وبهذا صحح جريان الاستصحاب في موارد إحراز الحالة السابقة بقيام الأمارة أو بالإطلاق أو العموم، وأيضاً فاتحاد القضيتين في صدق الشك في البقاء وإن كان لازماً إلاّ أن هذا الاتحاد لابد أن يكون من غير جهة الزمان كما تقدم في بيان الفرق بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة الشك الساري، وإذا اعتبر الاتحاد بينهما من غير جهة الزمان فربما تكون القضية المشكوكة متحدة مع المحرزة حقيقة كما في مورد الشك في نسخ حكم الشريعة بمعناه الممكن، وكما إذا علم بثبوت خيار الغبن أو غيره على الفور أو على نحو التراخي، وعلى الجملة اعتبار الاتحاد كما ذكر لا يوجب اختصاص جريان الاستصحاب بالشبهة الموضوعية بل يجري في الشبهة الحكمية أيضاً في كل مورد يحتمل اختصاص الحكم بالحالة السابقة التي تخلف الأمر المفروض فيها وأوجب ذلك الشك في البقاء.









وأجاب الماتن عن الإشكال بأن الاتحاد بين القضية المتيقنة والقضية المشكوكة مما لابد منه إلاّ أن المعتبر الاتحاد بنظر العرف حيث إن الاتحاد بينهما بنظره كاف في صدق الشك في البقاء، وفي شمول عموم أخبار اعتبار الاستصحاب مع تحقق هذا الاتحاد، وبيانه أن الشك في بقاء الحكم الكلي بعد تخلف أمر كان الحكم عند ثبوته متيقناً وأن ينشأ من تخلف ذلك الأمر إلاّ أن ذلك الأمر كثيراً ما يعد بنظر العرف حالة للموضوع لا قيداً مقوماً له بحسب الحدوث والبقاء كما في استصحاب نجاسة الماء الكر بعد زوال تغيره فإن التغير يعد من حالات الماء والموضوع هو الذي يعد من المعروض عرفاً نفس الماء؛ ولذا يقال: تنجس الماء بتغيّره، بلا فرق بين كون الحالة السابقة مستفادة من الخطابات المعدة من الأدلة اللفظية أو من دليل غير لفظي من إجماع أو حتى بالملازمة بين حكم العقل بالحسن أو القبح وبين الحكم الشرعي فإنه وإن يقطع مع تخلف القيد المحتمل بانتفاء الإجماع أو حكم العقل حيث لا يتصور الإهمال في موضوع حكم العقل ولا إجماع مع الخلاف إلاّ أن الحكم الشرعي المستفاد منه قد يشك فيه بأن يحتمل بقاؤه لبقاء ملاكه، ولا يلزم أن يكون الحكم الشرعي تابعاً في التوسعة والضيق لملاك حكم العقل بالحسن أو القبح، بل يمكن كون الملاك للحكم الشرعي أوسع ثبوتاً من ملاك حكم العقل فيبقى الحكم الشرعي ببقائه، والحاصل أن الموضوع للحكم أو المتعلق في مثل هذه الموارد نفس الشيء أو الفعل في الحالة الاُولى لا المقيد بالحالة الاُولى حتى فيما ذكرت في لسان الدليل بصورة القيد ألا ترى أنه إذا قال البايع: بعت هذا العبد بكذا، فظهر المبيع حيواناً يحكم بانتفاء البيع وفساده لانتفاء المبيع، وأما إذا قال: بعت هذا العبد الكاتب، فظهر أنه غير كاتب يحكم بحصول البيع ويثبت الخيار بتخلف الشرط، ونظير ذلك ما إذا ورد في الخطاب: الماء لا يتنجس إذا كان كراً، وما إذا قال: الماء الكر لا يتنجس، فإن المحكوم بالنجاسة نفس الماء، وبلوغه كراً من حالاته فكل ما يكون الأمر المتخلف الذي كان الحكم معه محرزاً بنظر العرف من حالات الموضوع لا يمنع تخلفه كتخلف نفس الزمان عن جريان الاستصحاب.









والحاصل أن الموارد التي يكون الأمر المتخلف الموجب لاحتمال ارتفاع الحكم السابق ظرفاً له دخيلاً في حدوث الحكم أو جهة تُعد بنظر أهل العرف من قبيل الواسطة في الثبوت كذلك فلا يمنع تخلفه عن جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية، بخلاف ما إذا كان من القيد المقوم لموضوع الحكم فإنه لا سبيل للاستصحاب بعد انتفاء ذلك القيد، ويختلف ذلك باختلاف الموارد بحسب مناسبة الحكم والموضوع، ولكن الاستصحاب في موارد الشبهة الحكمية فيما كان التخلف من قبيل الواسطة في الثبوت وإن كان جارياً في نفسه، وكذا في موارد الظرفية للحكم الثابت إلاّ أنه مبتلى بالمعارض نوعاً، والمعارض هو الاستصحاب في عدم جعل الحكم الوسيع بحيث يعم الحالة اللاحقة بل لا يبعد حكومة استصحاب عدم جعله كذلك وجريانه بلا أن يعارض بالاستصحاب في عدم جعل الحكم الضيق؛ لأنه لا أثر له مع اليقين بثبوت الحكم قبل التخلف والاستصحاب في عدم جعله لا يثبت جعل الحكم الوسيع.









وبتعبير آخر بما أن الحكم في نفس سعته وضيقه أمر اعتباري يكون ثبوته في الحالة اللاحقة بجعله وسيعاً يكون الأصل عدم جعله كذلك ففي الحقيقة لا تصل النوبة إلى دعوى وقوع المعارضة بين استصحاب الحكم الفعلي وبين استصحاب عدم جعله بحيث يعم الحالة السابقة ثبوتاً، بل يكون الاستصحاب في الثاني حاكماً على الاستصحاب في الحكم الفعلي السابق نظير ما إذا تردد في زوجية امرأة بين الانقطاع والدوام مع اتفاق الزوجين في المهر فإنه قد ذكرنا في بحث القضاء أن الاستصحاب في عدم حدوث عقد الدوام يجري وينفي الزوجية بعد انقضاء تلك المدة فيكلف المدعي للعقد الدائم بالإثبات، وإلاّ يحلف منكره.









نعم، إذا كان الحكم الثابت في الحالة اللاحقة حكماً مجعولاً على خلاف الحالة السابقة فلا بأس بالاستصحاب في عدم جعله، وقد ذكرنا سابقاً أنه إذا لم يكن الحكم المخالف من نحو الإلزام أو الوضع الملازم للإلزام فلا بأس بجريان الاستصحاب في عدم جعل كل منه ومن الحكم الوسيع؛ لعدم لزوم الترخيص في المخالفة العملية للتكليف المحرز المعلوم بالإجمال.

نعم، مع لزومه عن جريانهما يسقطان، ويرجع إلى الأصل الآخر من قاعدة الاشتغال، ولا يخفى أن المراد بقولنا حكومة الاستصحاب في عدم الجعل على استصحاب الحكم المجعول مجرد تعبير، وإلاّ فإن الاستصحاب في عدم الجعل عين الاستصحاب في عدم المجعول، ويعبر عنه قبل فعلية الموضوع بالجعل، وبعد فعلية الموضوع له يقال له الحكم المجعول الفعلي.

















[4] قد تعرض الشيخ (قدس سره) للأقوال في اعتبار الاستصحاب وما قيل أو يمكن أن يقال في وجه كل من الأقوال ونقده من التفصيل في جريانه بين الموضوعات والأحكام وجريانه بين الأحكام التكليفية والوضعية، وكون المستصحب حكماً جزئياً أو كلياً أو كون الحالة السابقة أمراً وجودياً أو عدمياً إلى غير ذلك، وحيث إن التعرض لكل من الأقوال كذلك والتعرض لما قيل في وجهها وردها تطويل بلا طائل.









شرع الماتن (قدس سره) في المقام في التكلم عن الوجوه المذكورة في اعتبار الاستصحاب، وذكر أن عمدتها الأخبار لأن ما قيل في وجه اعتباره من غيرها من سيرة العقلاء وبنائهم على العمل بالحالة السابقة مع عدم العلم بارتفاعها، وأن الثبوت سابقاً يوجب الظن بالبقاء أو دعوى الإجماع على العمل على طبق الحالة السابقة عند الشك في البقاء غير مفيد، وذلك حيث إن السيرة على العمل بالحالة السابقة تختلف فيكون للرجاء والاحتياط أو للاطمئنان أو الظن بالبقاء وللعادة أي الاُلفة على الحالة السابقة مع الغفلة عن الزوال كما في الإنسان في بعض الأحيان، وفي الحيوان دائماً، ولو فرض تمامية السيرة العقلائية على العمل على وفق الحالة السابقة فمجرد ذلك لا يكفي في الاعتماد عليها بل لابد من إحراز رضاء الشارع بها وإمضائها، وهذا غير ممكن لاحتمال الردع، ويكفي في الردع عنه ما دل من الكتاب والسنة على عدم جواز الاعتماد والعمل بغير العلم، وما دل على البراءة في الشبهات البدوية وعلى الاحتياط في غيرها، وعلى الجملة فلابد في جواز الاعتماد على الاستصحاب والبناء على العمل بالحالة السابقة من قيام الدليل على إمضاء السيرة.









لا يقال: لو تمت السيرة على العمل على الحالة السابقة فلا ينبغي التأمل في اعتبارها؛ لعدم الردع عنها، وما عن الماتن من أنه يكفي في الردع العمومات الناهية عن اتباع غير العلم، وأدلة اعتبار البراءة الشاملة لموارد الاستصحاب لا يمكن المساعدة عليه كما ذكر في دعوى الردع عن السيرة العقلائية الجارية على اعتماد أخبار الثقات، والسيرة العقلائية على تقدير تماميتها في المقام تكون نظير تلك السيرة التي لا يمكن ردعها بالعمومات فإنه يقال يمكن التفرقة بين المقامين بأن خبر الثقة في نفسه كاشف عن ثبوت مضمونه في الواقع، والسيرة العقلائية جارية على اعتبار هذا الكشف، ومع إمضاء الشارع يكون خبر الثقة حجة على الواقع ـ على تقدير ثبوته ـ وعلماً به تعبداً فيكون ردع السيرة بالعمومات دورياً؛ لاحتمال عدم شمولها لخبر الثقة؛ لكونه علماً بالواقع تنزيلاً بخلاف اعتبار الاستصحاب فإن السيرة جارية على قاعدة عملية ظاهرية عند الجهل بالواقع، واعتبارها وعدم ردعها يوجب تخصيص النهي عن اتباع غير العلم، ومع عدم ثبوت الدليل على التخصيص يؤخذ بعمومه كما هو الحال في عموم خطاب أصالة البراءة، والأمر بالاحتياط في الشبهات، وهذا كله مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في الاستصحاب ودعوى اعتباره بالسيرة العقلائية مع قطع النظر عن سائر الوجوه.









وأما ما قيل في وجه اعتبار الاستصحاب: من أن ثبوت الحالة السابقة يوجب الظن ببقائها زمان الشك؛ فإن اُريد الظن الفعلي أي الشخصي فمن الظاهر أن مجرد الثبوت سابقاً لا يوجب الظن بالبقاء دائماً خصوصاً في الشبهات الحكمية التي يختلف فيها أمر يحتمل دخالته في ثبوت الحكم وبقاؤه، أضف إلى ذلك أن الاستصحاب على تقدير كون موضوع الاعتبار فيه هو الظن الشخصي نظير الظن بالقبلة وعدد الركعات فلا يمكن وقوع التعارض بين الاستصحابين أو تقديم الاستصحاب السببي على المسببي؛ وإن اُريد الظن النوعي بملاحظة أن الغالب فيما ثبت البقاء فمن الظاهر أن الأشياء تختلف في البقاء وعدمه وفي مقدار البقاء والغلبة ونحوها غير محرزة لو كان أصلها محرز ويرد أيضاً أنه لو قيل بأن المعتبر هو الظن الشخصي أو النوعي الحاصل من الغلبة فلم يقم على اعتبارهما دليل بل يدخلان في غير العلم مما ورد النهي عن اتباعه.









وأما دعوى الإجماع على اعتبار الاستصحاب فهي موهونة جداً؛ لوجود الخلاف في اعتباره وعدمه في الشبهات الحكمية بل مطلقاً كما تقدم في الإشارة إلى الأقوال مع أنه على تقديره مدركي حيث تمسك القائلون باعتباره بوجوه مختلفة، وإذا كان هذا حال الإجماع ـ على تقدير تحصيله ـ فكيف يعتبر نقله؟ والمتعين في المقام ملاحظة الأخبار فإنها العمدة في اعتباره ومقدار دلالتها عليه.

















[5] أقول: هذه الصحيحة وإن ذكرت في كلمات بعض الأعلام عن زرارة عن الباقر (عليه السلام)إلاّ أنه لم يثبت هذا النقل ولكن لا يضر ذلك؛ لأن أمثال زرارة لا يسأل عن الحكم غير الإمام (عليه السلام) ثمّ ينقله بعنوان الرواية من غير التعرض وبيان أن ذلك قول غير الإمام، وهذه الصحيحة تتضمن فقرتين:







الاُولى ـ ناظرة إلى السؤال عن الشبهة الحكمية وأن الخفقة والخفقتين من نواقض الوضوء أم لا، ولعل زرارة يحتمل كون الخفقة داخلة في النوم أو كونها من نواقض الوضوء أيضاً، وجواب الإمام (عليه السلام) ظاهره هو الأول، وأن النوم الناقض للوضوء هو نوم العين والاُذن والقلب لا ما يعم نوم العين خاصة، وفي نسخة الوسائل التي عندنا فإذا نامت العين والاُذن والقلب، ولكن في المحكي في المتن لم يذكر القلب وكذا في سائر الكلمات، ولو كانت النسخة الصحيحة غير مشتملة على ذكر القلب فلا يضر؛ لاحتمال التلازم بين نوم الاُذن والقلب.









والفقرة الثانية ـ مشتملة على السؤال عن الشبهة الموضوعية ولا ينافي التلازم؛ لاحتمال عدم السماع للغفلة لا لنوم الاُذن، وكيف كان فهذه الفقرة ناظرة إلى السؤال بأن عدم حسِّ الشخص بما حرك في جنبه يحسب أمارة عن النوم فأجاب (عليه السلام)بالنفي؛ لأن عدم الحس يمكن أن يكون لاشتغال القلب بشيء كما يتفق للإنسان، وإذا شك في حصول النوم فلا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن بالنوم، ولا كلام في أنه يستفاد من الفقرة الثانية اعتبار الاستصحاب عند الشك في بقاء الوضوء أو حصول ناقضه، وإنما الكلام في أنه يستفاد من الجواب في الفقرة الثانية اعتبار الاستصحاب في غير مورد الوضوء حيث التزم جماعة بأنه يستفاد منها اعتبار الاستصحاب مطلقاً؛ لأن قوله (عليه السلام): «وإلاّ فإنه على يقين من وضوئه» يتضمن القضية الشرطية وهي إن لم يجئ أمر بين من نومه لا يجب عليه الوضوء فإنه على يقين من وضوئه.









والجزاء في القضية الشرطية غير مذكور حيث إنه يعلم من التعليل ومما ذكر قبل ذلك من قوله (عليه السلام): «لا حتى يستيقن أنه قد نام» وحذف الجزاء وقيام التعليل مقامه أمر متعارف في الاستعمالات نظير قوله سبحانه: (ومن كفر فإن اللّه غني عن العالمين)(3)فإن قوله سبحانه (فإن اللّه غني عن العالمين) لا يكون جزاءً؛ لأنهّ تعالى غني عن العالمين كفروا أم لم يكفروا.

وفي المقام أيضاً لا يكون يقينه من وضوئه مترتباً على عدم مجيء الأمر البين فإن اليقين بالوضوء السابق موجود جاء أمر بين من نومه أو لم يجئ.









ودعوى «فإنه على يقين» بنفسه جزاء وبمعنى طلب العمل على يقينه السابق، وقوله: «لا تنقض اليقين بالشك» تأكيد للجزاء خلاف الظاهر؛ لأنه لم يعهد مورد جعل الجملة الاسمية بمعنى طلب الفعل، وإنما يستعمل في الطلب الجملة الفعلية.

نعم، إنشاء الأمر الاعتباري بالجملة الاسمية متعارف كقوله: هي طالق، وأنت حر، إلى غير ذلك، وهذا غير طلب الفعل.









وربما يقال: اليقين في قوله (عليه السلام): «لا ينقض اليقين بالشك أبداً» غير ظاهر في الجنس لو لم نقل بظهوره في العهد على ما ذكروا من أن سبق مدخول الألف واللام في الكلام يكون موجباً لظهور أن المراد في المدخول بعد ذلك هو المسبوق، وبتعبير آخر لو سلم أن جزاء قوله (عليه السلام): «وإلاّ» محذوف والتقدير وإن لم يجئ من نومه أمر بين فلا يجب الوضوء وأن قوله (عليه السلام): «فإنه على يقين من وضوئه» تعليل للجزاء المحذوف، ولكن التعليل مجموع المعطوف والمعطوف عليه فيكون مفاد الشرطية إن لم يجئ أمر بين فلا يجب الوضوء؛ لأن اليقين بالوضوء لا ينقض بالشك فيه في شيء من الموارد أي سواء كان لاحتمال النوم أو حدوث غيره من النواقض.









والمناقشة في ذلك ـ بأنه على ذلك يكون مفاد التعليل عين مفاد الحكم المعلل، وتعليل الحكم بنفسه غير صحيح ـ مدفوعة بأن الحكم المعلل عدم انتقاض اليقين بالوضوء بالشك في النوم، ومفاد التعليل هو عدم انتقاض الوضوء بالشك في شيء من الحالات سواء كان احتمال النوم أو غيره نظير قوله: يحرم العصير إذا أسكر فإن كل مسكر حرام، ولكن الصحيح أن المراد باليقين في قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشك أبداً» جنس اليقين لا خصوص اليقين بالوضوء وذلك فان هذه الكبرى بعينها قد طبق على غير موارد الشك في الوضوء في سائر الروايات، وقوله (عليه السلام): «فإنه على يقين من وضوئه» غير ظاهر في التقييد بأن يكون الحكم بعدم النقض لدخالة تعلق اليقين بخصوص الوضوء، بل ذكره لكون اليقين من الصفات ذات الإضافة فلابد من ملاحظة إضافته لشيء وإلاّ فالحكم المذكور بعده حكم باعتبار نفس اليقين والشك ولكون اليقين أمراً مبرماً مستحكم لا يرفع اليد عنه بالشك، وبتعبير آخر عدم رفع اليد عن اليقين بالشك قضية ارتكازية عقلائية لا تختص بمورد دون مورد، وما هو عند ارتكاز العقلاء هو عدم رفع اليد عن اليقين والأخذ بالمشكوك، ولا ينافي هذا ما تقدم من عدم اعتبار الاستصحاب بسيرة العقلاء وذلك فإن ما هو في سيرة العقلاء هو عدم رفع اليد عن اليقين والأخذ بالمشكوك كما إذا أراد شخص السفر إلى بلد وفي البين طريقان أحدهما يوصل سالكه إلى ذلك البلد ولكن الآخر مشكوك وفيه احتمال الضلال فإنهم لا يأخذون بالمشكوك والإمام (عليه السلام) قد طبق هذه القاعدة على موارد الاستصحاب فهذا التطبيق تعبدي مستفاد من الروايات.









وحاصل الكلام أن تطبيقها على الموارد المختلفة والأبواب المختلفة ظاهر في اعتبار الشارع تلك القاعدة في موارد إحراز الحالة السابقة والشك في بقائها فلا منافاة بين اعتبار الاستصحاب تعبداً، وكون قاعدة عدم نقض اليقين بالشك قاعدة عقلائية لا يختص بمورد خاص من مواردها خصوصاً بملاحظة ذكر: «أبداً» فإنه قرينة على أن القضية عامة لا يختص بمورد السؤال المفروض فيه الشك في بقاء الوضوء لاحتمال النوم، ولو كان سبق اليقين بالوضوء قرينة على كون المراد باليقين في الكبرى هو اليقين بالوضوء لكان ذكر الشك في النوم قبل ذلك قرينة على كون المراد بالشك هو الشك في النوم، ولازم ذلك كون الحكم أي الجزاء المحذوف معللاً بنفسه، ودعوى أن الجزاء للشرط نفس قوله (عليه السلام): «ولا تنقض اليقين بالشك» وقوله (عليه السلام): «فإنه على يقين» تمهيد للجزاء المذكور بعده لا يمكن المساعدة عليها فإن ذكر الواو العاطفة يمنع عن جعل ما ذكر بعده جزاء للشرط كما أن جعله تكراراً للجزاء وأن الجزاء نفس قوله: «فإنه على يقين» غير صحيح؛ لما تقدم من أن الجملة الاسمية لا يُنشأ بها الطلب.

















(1). فرائد الاُصول 3: 9 ـ 10.









(2). تهذيب الاحكام 1: 59، باب الأحداث الموجبة للطهارة، الحديث 11.









(3). سورة آل عمران: الآية 97.

























ثمّ لا يخفى حسن إسناد النقض ـ وهو ضد الإبرام ـ إلى اليقين ولو كان متعلقاً بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار [1].









ثمّ إنه أشكل على الرواية بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة[2] ليست نقضاً لليقين بالطهارة بالشك فيها ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلاّ بأن يقال: إن الشرط فعلاً حين الالتفات إلى الطهارة[3] هو إحرازها







ومنها صحيحة ثالثة لزرارة[4]















في اختصاص اعتبار الاستصحاب بمورد الشك في الرافع وعدمه















[1] قد استظهر الشيخ (قدس سره) من أخبار الاستصحاب التي ورد فيها النهي عن نقض اليقين بالشك اختصاص اعتباره بموارد الشك في الرافع، وعدم شمولها لموارد الشك في المقتضي من غير فرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية، والوجه في استظهاره هو أن المنهي عنه فيها نقض اليقين بالشك، والأمر دائر بين أن يراد من النقض رفع اليد عن الشيء الثابت ـ يعني ما اُحرز فيه قابلية البقاء والاستمرار كما في موارد الشك في الرافع ـ وبين أن يراد منه رفع اليد عن مطلق الشيء ولو لم يحرز قابليته للبقاء والاستمرار، والأول أنسب بالنقض بمعناه الحقيقي وهو قطع الهيئة الاتصالية من الشيء المتصل كالحبل، وإن شئت قلت إن ذكر النقض في الروايات قرينة على أن المنهي عنه هو رفع اليد عن المتيقن الذي له قابلية البقاء حيث لا يكون المنهي عنه هو نقض نفس اليقين فإنه في نفسه منتقض لتعلقه بالحالة السابقة فيكون المقام نظير (لا تضرب أحداً) في كون الفعل المنهي عنه قرينة على كون المراد من (أحد) الأحياء؛ لظهور الضرب في المؤلم، وعلى الجملة اليقين في موارد الاستصحاب منتقض وجداناً فلا مورد للنهي عن النقض بالإضافة إليه بخلاف المتيقن فإنه يحتمل بقاؤه وإحكامه فيقبل التعبد بالنهي عن نقضه العملي وأن المناسب لهذا النهي موارد الشك في الرافع وكأن ترك الإبقاء العملي فيها قطع للهيئة الاتصالية الاقتضائية.

















المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك في أخبار لا تنقض







وأورد الماتن (قدس سره) على ما ذكره من أن إسناد النقض إلى اليقين باعتبار نفس اليقين لا باعتبار المتيقن ليحمل على ما كان ثابتاً على النحو المذكور فإن اليقين كالبيعة يتخيل أن له استحكاماً وإبراماً فيكون رفع اليد عنه بترك العمل على طبقه ومقتضاه عند الشك في البقاء نقضاً له.

ويشهد لكون إطلاق النقض باعتبار نفس اليقين لا المتيقن عدم صحة إطلاق النقض في مورد لم يفرض فيه يقين ونحوه بل كان المفروض فيه نفس الشيء القابل للبقاء لولا الرفع فلا يقال: نقضت الحجر من مكان، وأنه يصح إطلاق النقض بارتفاع اليقين ولو لم يحرز في المتيقن قابلية البقاء كما في قوله: انتقض اليقين باشتعال السراج فيما شك في بقائه على اشتعاله من جهة الشك في استعداده.









ثمّ تعرض لأمرين ربما يورد على كلامه.









الأول ـ أن اليقين بالحالة السابقة مرتفع بالإضافة إلى البقاء وجداناً، وبتعبير آخر نفس اليقين منتقض في موارد الاستصحاب فلا يمكن أن يكون إسناد النقض باعتبار نفس اليقين، وأما الحالة السابقة فلا علم بانتقاضها لاحتمال بقائها على حالها، وإذا كان الإسناد بلحاظ نفس المتيقن فتعين أقرب المجازات مقتضاه إرادة المتيقن في موارد الشك في الرافع، وأجاب عن ذلك بأن إسناد النقض إلى اليقين؛ لاتحاد متعلقي اليقين والشك مع قطع النظر عن الزمان فكان ترك العمل على طبق اليقين نقض له بالشك.









والأمر الثاني ـ أنه يعمل في موارد الاستصحاب على طبق المتيقن فإنه أما حكم أو موضوع للحكم لا على طبق اليقين وربّما لا يكون للمتيقن في زمان الحدوث أثر بالإضافة إلى المكلف، وإنما يكون عليه العمل على طبقه زمان الشك.

وبتعبير آخر كما لا يكون النهي عن نقض اليقين قابلاً للتكليف فإن انتقاضه أمر قهري كذلك النهي عن نقض المتيقن فإن بقاءه أيضاً وارتفاعه خارج عن اختياره، وما يقبل التكليف هو النقض بحسب العمل، وهذا لا يتصور إلاّ بالإضافة إلى المتيقن فإن ما هو موضوع للحكم أو نفس الحكم المعبر عنه بالأثر العملي هو نفس المتيقن كما هو مورد الصحيحة لا نفس اليقين وأثره فلا يكاد يلاحظ النقض إلاّ بالإضافة إلى المتيقن، وأجاب عن ذلك بأن الأثر العملي يلاحظ بالإضافة إلى اليقين لا بما هو هو وبالنظر الاستقلالي بل بما هو ملحوظ طريقاً وبنحو المرآتية والنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل: «لا تنقض اليقين بالشك» حيث إنه كناية عن لزوم العمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن ظاهراً إذا كان حكماً أو لحكمه كذلك إذا كان موضوعاً لا إلزامياً بترتيب آثار نفس اليقين بما هو هو بالالتزام بحكم مماثل لحكمه.









أقول: ما ذكره (قدس سره) من عدم صحة إطلاق النقض على رفع الشيء القابل للبقاء لولا الرفع لا يمكن المساعدة عليه والشاهد إطلاق النواقض للوضوء وصدق قوله: نقض وضوءه بالحدث.

نعم، لا بأس بالالتزام بأن إطلاق النقض باعتبار نفس اليقين لكونه أمراً مبرماً كالبيعة وحيث إنه ملحوظ آلياً فيساوق النهي عن نقض المتيقن من غير حاجة إلى الالتزام يكون المراد من اليقين المتيقن أو آثاره أو إضماراً وحيث إن النهي حكم ظاهري والحالة السابقة حكم واقعي أو موضوع له يكون النهي عن النقض العملي كناية عند الماتن عن جعل حكم ظاهري مماثل للحالة السابقة فيما كانت بنفسها حكماً أو مماثلاً لحكمها فيما كانت موضوعاً للحكم، ولكن ما عند الماتن من كون النهي عن النقض كناية عما ذكره ليس بظاهر، بل مقتضى النهي عن نقض اليقين هو أن الشارع اعتبر العلم بالحالة السابقة علماً بالحالة اللاحقة أيضاً فيترتب على العلم بالحالة السابقة المنجزية والمعذرية بالإضافة إلى الحالة اللاحقة أيضاً، والحاصل في ظاهر الخطاب إسناد النهي عن النقض إلى نفس اليقين الظاهر بما أنه ملحوظ طريقاً، والمراد أن ترك العمل على طبق اليقين بالحالة السابقة بالإضافة إلى زمان الشك نقض لذلك اليقين فيلزم على ذلك أنه اعتبر الشارع ذلك اليقين يقيناً بالحالة اللاحقة أيضاً، ومن الظاهر أن اعتبار اليقين بالحالة السابقة يقيناً بالحالة اللاحقة أيضاً أمر ممكن فلا موجب لحملها على جعل الحكم المماثل للمتيقن فيما كان حكماً أو حكم الموضوع فيما كان موضوعاً نظير ما ذكرنا في إجازة البيع الفضولي من أنه إذا أمكن جعل الملكية بعد الإجازة من حين العقد فلا داعي إلى الالتزام بجعل آثارها بعد الإجازة من حين العقد فالالتزام بالكشف الحكمي في الإجازة مقتضاها ثبوت الملكية بعد الإجازة من حين العقد لا جعل آثارها بعدها من حين العقد.

















المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك في الصحيحة وغيرها







ثمّ إنه لو أغمضنا عما ذكرنا وفرضنا أن إطلاق النقض بلحاظ المتيقن الذي بنى عليه الشيخ (قدس سره) فيمكن أن يقال باعتبار الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي أيضاً أخذاً بما لم يرد فيه عنوان النهي عن نقض اليقين بالشك كقوله (عليه السلام): «اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية»(1) وما عن الشيخ (قدس سره) من أن المراد من اليقين هو اليقين باشتغال الذمة بصوم شهر رمضان، وأن هذا الاشتغال لا يرتفع إلاّ برافع لا يمكن المساعدة عليه فإن التكليف بصوم شهر رمضان يرتفع وينتهي بانقضاء نفس رمضان وفي مورد الشك في كون الشهر تاماً أو ناقصاً يكون الشك من قبيل الشك في المقتضي مع أن إرجاع اليقين إلى اليقين بالتكليف خلاف ظاهر الرواية، بل ظاهرها عدم الفرق في يوم الشك بين الابتداء أو الانتهاء، ويؤيد اعتبار الاستصحاب مطلقاً حتى في مورد الشك في المقتضي: «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه»(2) الوارد في حديث الأربعمئة والتعبير بالتأييد لضعف السند بل الدلالة أيضاً لاحتماله قاعدة اليقين كما هو مقتضى ظهوره في اتحاد متعلقي اليقين والشك حتى من حيث الزمان فإن إلغاء اعتبار اتحاد القضيتين من حيث الزمان في أخبار الاستصحاب كان بملاحظة مواردها.

















التفصيل بين موارد الشك في الرافع والمقتضي وبيان المراد منهما







ثمّ إنه يقع الكلام في معيار الشك في الرافع والمقتضي وقد ذكر النائيني (قدس سره) ما حاصله: أنه ليس المراد بالمقتضي ملاك الحكم وصلاحه، وبالرافع المزاحم لذلك الملاك وذلك فإن إحراز الملاك وكذا إحراز المزاحم له وظيفة المولى ولا سبيل للعبد إليه ليوكل عليه مع أنه على تقديره يحصل في بعض الشبهات الحكمية بخلاف الشبهة الموضوعية فإنه يكون الشك فيه في وجود الملاك وأن الاستصحاب يجري في ناحية عدم الموضوع وعدم الحكم ولا يكون لعدم الموضوع أو لعدم الحكم ملاك، وكذلك ليس المراد من المقتضي موضوع الحكم بأن لا يعتبر الاستصحاب في موارد الشك في بقاء الموضوع فإن بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكه أمر مفروغ عنه في جريان الاستصحاب وإلاّ لم يكن من الاستصحاب لا أنه استصحاب غير معتبر، وكذا ليس المراد من المقتضي ما هو المعروف عند الفلسفي من المؤثر في مقابل المانع فإن المستصحب لاسيما إذا كان من الأحكام لا يكون له مؤثر وسبب أو مانع عن التأثير، وكذا يجري الاستصحاب في العدميات مع عدم إمكان فرض المقتضي والمانع فيها بل الذي يظهر من تتبع كلمات الشيخ (قدس سره) في موارد مختلفة هو أن المراد من الشك في المقتضي أن لا يحرز بقاء المستصحب في عمود الزمان حتى مع كون المستصحب إلى زمان الشك على الحالة التي كان عليها عند حدوثه بالإضافة إلى الزمانيات المقارنة معه وجوداً وعدماً، وبتعبير آخر يحتمل انقضاء المستصحب بانقضاء نفس الزمان السابق، والمراد من الشك في الرافع أن يحرز بقاء المستصحب في عمود الزمان وبقاؤه في زمان الشك لو كان على الحالة التي كان عليها عند حدوثه بأن لا يحتمل انقضاؤه بانقضاء نفس الزمان بل الموجب لاحتمال عدم بقائه حدوث زماني آخر كان معدوماً عند حدوثه أو موجوداً عند حدوثه وزال فيما بعد، وعلى ذلك يكون الشك في الخيار أنه على الفور أو التراخي من الشك في المقتضي، والشك في كون المعاطاة جائزة أو لازمه من الشك في الرافع؛ لاحتمال أن الحادث ملزم لها، وكذا يكون الشك في أن الغاية لوجوب صلاتي المغرب والعشاء انتصاف الليل أو طلوع الفجر أو كون الغاية للظهرين غروب الشمس بمعنى استتار القرص في الاُفق الحسي أو ذهاب الحمرة المشرقية من الشك في المقتضي وكذا الشك في كون الغاية لوجوب صلاة الصبح طلوع الشمس أو ظهور الحمرة في الاُفق الشرعي.

نعم، الشك في مثل طلوع الشمس بناءً على كون طلوعها هو الغاية كما في الشبهة الموضوعية من الشك في الرافع حكماً.









أقول: بالتأمل فيما ذكرنا يظهر أن التفصيل المزبور في حقيقته تفصيل في الشك في البقاء، وأنه كلّما كان منشؤه مضي الزمان فلا يعتبر، وكل ما كان منشؤه غير مضي الزمان بل تخلف زماني ونحوه كان في زمان اليقين وجوداً أو معدوماً فهو مورد للاستصحاب، وعلى ذلك فيرد عليه أن لازمه عدم اعتبار الاستصحاب في موارد الشك في نسخ الحكم فإن النسخ في حكم الشريعة على ما ذكر في محله من أنه راجع إلى تقييد الحكم ثبوتاً بحسب الزمان كما أن لازمه عدم جريانه في مورد الشك في بقاء الشهر، ودعوى أن الشك في الغاية بالشبهة الموضوعية لاحق بموارد الشك في الرافع لم يعلم له وجه إلاّ ورود بعض الروايات، وتطبيق قاعدة: «لا تنقض اليقين بالشك» على الشك في بقائه، ولكن التطبيق المذكور قرينة على عدم اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع، وعلى الجملة مفاد أخبار الاستصحاب فرض الشك فيما تعلق به اليقين واتحاد متعلقهما من غير ناحية الزمان المعبر عن ذلك بالحدوث والبقاء، وأن الشارع اعتبر اليقين بالحدوث يقيناً بالبقاء أيضاً ما دام الجهل بالواقع.









ودعوى أن اليقين بالثبوت في موارد الشك في الرافع يقتضي العمل على طبقه في عمود الزمان، وورد في أخبار الاستصحاب التعبد بعدم التوقف عن هذا الاقتضاء بالشك بخلاف موارد الشك في المقتضي فإن اليقين بالثبوت فيها لا يقتضي العمل على طبقه في عمود الزمان فلا تعمه أخبار «لا تنقض» لا يمكن المساعدة عليها؛ لأن الاقتضاء في اليقين السابق لا معنى له إلاّ التنجيز والمعذرية ومع انتقاضه بالشك لا يقين ليقتضي العمل به في زمان الشك.

















الاستدلال على الاستصحاب بصحيحة زرارة الثانية








الاستدلال على اعتبار الاستصحاب بفقرتين من هذه الصحيحة(3) الاُولى ما ذكر (عليه السلام)بعد سؤال زرارة «ولم ذلك» من جوابه: «لأنك كنت على يقين من طهارتك وشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» وذكر الماتن (قدس سره) أن دلالتها على اعتبار الاستصحاب مبني على أن يكون مراده (عليه السلام) من اليقين بالطهارة اليقين بها قبل ظن الإصابة، والظن بالإصابة يعد شكاً في بقاء تلك الطهارة حيث إن الشك المقابل لليقين يشمل الظن أيضاً فيكون قوله (عليه السلام): «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» الكبرى الكلية التي تنطبق على المفروض في السؤال، وأما إذا كان المراد باليقين بالطهارة اليقين الحاصل بها بعد ظن الإصابة بالنظر في الثبوت وعدم رؤية شيء فيه ثمّ إذا رأى بعد الصلاة في الثوب نجاسة يحتمل كونها هي النجاسة المظنونه يكون المفروض صغرى قاعدة اليقين فيكون قوله (عليه السلام): «وليس ينبغي لك» كبرى قاعدة اليقين فلا يصح الاستدلال حينئذ بفقرتها الاُولى على اعتبار الاستصحاب، ولكن لا يخفى ما فيه فإنه لم يفرض في هذه الفقرة حصول اليقين بالطهارة بعد ظن الإصابة والفحص هذا أوّلاً، وثانياً ظاهر قول زرارة: «فنظرت فلم أرَ شيئاً فصليت فرأيت فيه» هو رؤية النجاسة التي ظن بها أوّلاً، وفي قاعدة اليقين يشك في نفس اليقين السابق ولا يعلم بطلانه فظاهر الصحيحة هو العلم بالنجاسة المظنونة بعد الصلاة، وعلى الجملة يستفاد من الصحيحة صحة الصلاة مع نجاسة ثوبه واقعاً إذا لم تكن منسية أو معلومة قبل الصلاة ولو إجمالاً وأما العلم بوقوعها جهلاً في الثوب النجس بعد الفراغ من الصلاة فلا يضر بصحتها.









نعم، الفقرة الثانية مع دلالتها على اعتبار الاستصحاب تدلّ على أنه إذا علم في أثناء الصلاة بنجاسة ثوبه وأن ما أتى به من الصلاة كانت واقعة في النجاسة الواقعة على الثوب من قبل تبطل صلاته، وأما إذا احتمل وقوعها على ثوبه حين رؤيته في الصلاة ولم يكن نجساً من قبل يجوز له قطع الصلاة وغسله والبناء على صلاته، والفقرة الثانية هي قوله (عليه السلام): «وإن لم تشك ثمّ رأيته رطباً قطعت ثمّ بنيت على الصلاة؛ لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً».









ودعوى أن الصلاة مع وقوعها بتمامها في الثوب النجس في فرض الجهل إذا كانت صحيحة فصحتها مع وقوع بعضها في النجاسة الواقعية مع الجهل بها أولى كما عن الشيخ (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليها؛ لعدم علمنا بملاكات الأحكام، ولا يمكن رفع اليد عن ظاهر الخطابات بمثل هذه الأولوية الموهومة، ولا يخفى أن دلالة هذه الصحيحة على اعتبار الاستصحاب أوضح من سابقتها والوجه في ذلك ما تقدم من دعوى أن قوله (عليه السلام): «فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين » يحتمل كونه جزاءً للشرطية المستفادة من قوله (عليه السلام): «وإلاّ» لا أنه تعليل للجزاء المحذوف بخلاف هذه الصحيحة فإنه لا مورد فيها للتشكيك في التعليل وإعادة ما تقدم في الاُولى من هذه الصحيحة مع التأبيد دليل على كلية الكبرى وعدم اختصاصها بمورد دون مورد.

















[2] حيث علل (عليه السلام) صحة الصلاة وعدم لزوم إعادتها بالاستصحاب في موردين:







الأول ـ ما إذا علم بعد الصلاة أن ثوبه كان متنجساً قبل الشروع في الصلاة وحال الصلاة وعند الالتفات.









والثاني ـ أن يكون عند الالتفات في أثناء الصلاة كان ثوبه نجساً ومن حين الشروع كانت نجاسته مشكوكة مع أن الاستصحاب غير دخيل في الحكم بالصحة في شيء من الموردين، بل نفس عدم العلم بنجاسة ثوبه حال صلاته في الأول، وعدم العلم بسبق نجاسة ثوبه على صلاته في الثاني كاف في صحتها واقعاً؛ ولذا لو لم يكن الاستصحاب معتبراً أصلاً كانت الصلاة في الصورتين صحيحة؛ لأن شرط صحتها عدم العلم بنجاسة ثوبه حال الصلاة أو قبلها ومع الإغماض عن ذلك فلا يكون الحكم الظاهري موجباً للإجزاء مع كشف الخلاف ولو فيما بعد العمل فضلاً عن أثنائه.

وذكر الشيخ (قدس سره) في توجيه التعليل أن التعليل مبني على إجزاء الإتيان بالمأمور به الظاهري على الواقعي وحيث إن الإجزاء كان مفروغاً عنه بين السائل والمجيب علل (عليه السلام) الإجزاء في الموردين بالاستصحاب، وأنه لو وجبت الإعادة فيهما لكان كاشفاً عن عدم اعتبار الاستصحاب قبل الصلاة وبعدها في المورد الأول، وعن عدم اعتباره حال الصلاة في المورد الثاني وفي التوجيه ما لا يخفى؛ لان صحة الصلاة في الموردين لا ترتبط باعتبار الاستصحاب، وأن الأمر الظاهري موافقته لا تجزي عن الواقعي مع كشف الخلاف فضلاً عن أن يكون الإجزاء أمراً مفروغاً عنه بين السائل والإمام وإلاّ لو كان الأمر الظاهري موجباً للإجزاء لما قيد الإمام (عليه السلام) صحة الصلاة بصورة رؤية النجاسة حال الصلاة رطباً حيث إن مقتضى التقييد الحكم ببطلانها فيما إذا علم بأنها كانت قبل الشروع في الصلاة؛ ولذا قيل: بأن فائدة الاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل غسل الثوب لا عدم إعادتها بعد كشف الخلاف.

















تعليل عدم لزوم الإعادة بالاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة
















[3] ذكر الماتن (قدس سره) بأنه لا يمكن دفع الإشكال إلاّ بالالتزام بأن الشرط في صحة الصلاة أحد أمرين: إما الطهارة الواقعية، أو إحرازها ولو حال الصلاة وتعليل عدم لزوم إعادة الصلاة بالاستصحاب لعدم اشتراطها بخصوص طهارة الثوب واقعاً بل الشرط الأعم من الطهارة الواقعية وإحرازها فيحكم بالإجزاء في الصورتين لكون المكلف محرزاً لها وإن لم يصادف إحرازها الواقع، فلا يقال: إذا لم تكن الطهارة الواقعية شرطاً فلا يجري الاستصحاب فيها لاعتبار كون المستصحب حكماً أو موضوع الحكم؛ لما ذكر من أن الطهارة الواقعية لا تسقط عن الشرطية، كما إذا اعتقد بنجاسة ثوبه وصلى فيه غفلة ثمّ ظهر بعد الصلاة أنه كان طاهراً واعتقاده بنجاسته كان خطأً وهذا المقدار من الشرطية كاف في جريان الاستصحاب فيها مع أنه يكفي في جريان الاستصحاب في شيء كونه قيداً للموضوع والطهارة الواقعية قيد للإحراز المفروض كونه شرطاً في الصلاة، لا يقال: لو كان الشرط في الصلاة طهارة الثوب الأعم من الواقعية والظاهرية يتعين تعليل الإجزاء وعدم لزوم الإعادة بإحراز المكلف طهارة ثوبه حال صلاته لا بنفس الطهارة حال الصلاة حيث إن التعبد بطهارته حال الصلاة غير قابلة للتعبد بعد انكشاف الخلاف ورؤية النجاسة السابقة فإنه يقال: لو كان تعليل الإجزاء بلحاظ زمان كشف الخلاف كان المتعين تعليله بإحرازها حال الصلاة وأما لو كان تعليله بلحاظ حال الصلاة وأن الصلاة المفروضة كانت محكومة بالإجزاء وعدم لزوم الإعادة حالها صح التعليل بكل من الأمرين واختيار التعليل بالثاني للإشارة إلى اعتبار الاستصحاب ولو علل الإجزاء بنفس إحراز الطهارة لم يعلم أن إحرازها لاعتبار الاستصحاب أو لقاعدة الطهارة.









أقول: كما أنه لا طهارة لثوب المكلف بعد الصلاة بلحاظ حالها كذلك لا إحراز لطهارته بعد الصلاة بلحاظ حالها، ثمّ إن تعليل الإجزاء بلحالظ حال الصلاة قبل انكشاف الحال بطهارة ثوبه مبني على مسلكه من أن معنى اعتبار الاستصحاب جعل مماثل المستصحب بنفسه أو بحكمه حكماً ظاهرياً، وأما بناءً على ما ذكرنا من أن مفاد أخبار الاستصحاب اعتبار اليقين بالحالة السابقة يقيناً ببقائها يكون تعليل الإجزاء بنفس إحراز الطهارة حال الصلاة لا بنفس الطهارة، غاية الأمر التعليل بإحراز الطهارة ليس من قبيل التعليل بعنوان الإحراز حتى لا يدلّ على اعتبار الاستصحاب بل بمصداق الإحراز يعني قاعدة الاستصحاب فيكون مفاد التعليل أن الاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة قبل الانكشاف أوجب الإجزاء لا لأن الحكم الظاهري يجزي عن الواقع بل؛ لأن الشرط في صحة الصلاة إحراز طهارة الثوب والبدن حالها.









وأما ما ذكره (قدس سره) من أنه يكفي في جريان الاستصحاب في الطهارة كونها قيداً لموضوع الإجزاء حيث إن إحراز الطهارة بخصوصها شرط في الصلاة ففيه ما لا يخفى فإنه (قدس سره) قد ذكر في بحث قيام الاستصحاب مقام القطع المأخوذ في موضوع حكم ولو بنحو الطريقية لا الوصفية أن الاستصحاب في قيد الموضوع أو الجزء يحتاج إلى إحراز ذات الموضوع أو الجزء الآخر بالوجدان أو ثبوته بالتعبد الآخر في عرضه ولذا لا يقوم الاستصحاب في شيء مقام القطع به المأخوذ في الموضوع لحكم آخر.

نعم، ذكرنا في ذلك البحث أن هذا غير لازم، وأنه يكفي في جريان الاستصحاب في قيد الموضوع وجزئه ثبوت ذات المقيد أو الجزء الآخر وجداناً بنفس جريان الاستصحاب في نفس القيد أو الجزء الآخر كما في المقام وسائر الموارد التي يؤخذ العلم بشيء موضوعاً للحكم بنحو الطريقية لا الوصفية، وقد يقال في وجه الإجزاء في المقام ما تقدم من الماتن (قدس سره) في بحث الإجزاء من أن الاُصول المثبتة لقيود متعلق التكليف والموضوع بمقتضى دليل اعتبارها حاكمة على الخطابات الدالة على اعتبار تلك القيود فيهما وأن القيد لهما أمر موسع من حيث القيد الظاهري والواقعي ومع هذا التعميم لا يكون انكشاف الخلاف بعد العمل موجباً لفقدان شرطه وقيده فمقتضى اعتبار الاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة حصول الصلاة المشروطة بالطهارة ولا أثر لكشف الخلاف بعد الصلاة، وهذا بخلاف موارد إحراز القيد بالأمارة سواء كان من قبيل الإخبار بها أو غيره فإنه دليل اعتبار الإمارة لا يقتضي حكومتها على ما دل على قيود متعلق التكليف والموضوع.









أقول: قد تقدم في بحث الإجزاء فساد القول المذكور، وفساد التفصيل بين قيام الأمارة ومدلول الأصل وعدم اقتضاء شيء منها التوسعة في الواقع حيث إن الواقع أمر نفسي، والثابت بمفاد الأصل أو بدليل اعتبار الأمارة حكم طريقي ولذا يلتزم بصحة الصلاة حتى في موارد ثبوت طهارة الثوب بالأمارة كالأصل ولو بعد كشف الخلاف.

















عدم الفرق في المقام بين الالتزام بشرطية طهارة الثوب والبدن أو مانعية نجاستهما








ثمّ إنه لا مورد في المقام للتكلم في أن طهارة الثوب والبدن شرط في الصلاة أو أن نجاستهما أو العلم بها مانعة فإن ما يذكر ثمرة بين كون شيء شرطاً للمعاملة أو العبادة أو كون ضده مانعاً عن أحدهما من أنه على فرض اشتراط الشيء يكون اللازم إحرازه ولا يكفي إحراز عدم ضده بخلاف ما إذا كان ضده مانعاً حيث يحرز عدمه ولو بالأصل كما إذا شك في كون اللحم من مذكى أو من الميتة فإنه لو كان جواز الأكل مشروطاً بكونه مذكى فلابد من إحرازه كما إذا كان جواز بيعه أيضاً كذلك بخلاف ما إذا كانت حرمة البيع أو عدم جواز الأكل معلقاً على كونه ميتة حيث يحكم بجواز أكله وجواز بيعه فيما جرى الأصل في عدم كونه من الميتة فإن هذه الثمرة لا تجري في المقام؛ لأن المشكوك في طهارته ونجاسته محكوم بالطهارة فيمكن إحراز طهارة الثوب بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة كما يمكن نفي نجاسته بالاستصحاب، ودعوى أن كلاً من طهارة الثوب ونجاسته شرط ومانع لا يخفى ما فيها؛ لكون أحد الاعتبارين لغواً.

نعم يمكن فيما إذا كان لضدين ثالث اعتبار أحدهما شرطاً والآخر مانعاً حيث يمكن عدم تحقق المانع وعدم حصول الشرط بأن يوجد ذلك الثالث.









نعم، قد ذكر في بحث الطهارة أن ظاهر جملة من الخطابات مانعية العلم بالنجاسة بالإضافة إلى ثوب المصلي وبدنه، ولكن بعد العلم بالنجاسة يكون الشرط طهارتهما فلابد من إحراز طهارتهما من النجاسة المعلومة.









بقي في المقام أمر وهو أن المستفاد من الفقرة الأخيرة من الصحيحة أن تنجس الثوب أثناء الصلاة مع تطهيره والإتيان ببقية الصلاة لا يضر بصحتها بمعنى أن تخلل شرط طهارة الثوب بل البدن في أثنائها لا يضر ولا يجري عليه حكم الحدث في أثناء الصلاة ولا بأس بالالتزام بذلك.

نعم، يشترط أن يكون تطهيره منافياً لسائر ما يعتبر في الصلاة من الاستدبار إلى القبلة وغير ذلك من مبطلات الصلاة فإن الصحيحة ناظرة إلى أن تخلل شرط الطهارة مع عدم العلم بسبق النجاسة لا يضر لا أن ارتكاب سائر المنافيات لا ينافي صحتها ثمّ لا يخفى أنه يمكن الالتزام بأن المعتبر في الصلاة خصوص الطهارة الواقعية، ولكن شرطيتها كسائر الأجزاء والشرايط غير الركنية لا تقتضي الإعادة إذا كان الإخلال بها عن عذر حقيقة أو حكماً كما هو مقتضى حديث: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة»(4) فإن مفاده أن الإخلال في غير الخمسة عن عذر وعدم لزوم الإعادة ولو بجعل ما فيه من الخلل المفروض بدلاً عن متعلق الأمر في مقام الامتثال وتنجس الثوب والبدن واقعاً مع استصحاب طهارتهما عذر ولذا علل (عليه السلام) عدم لزوم الإعادة بالاستصحاب الجاري في الثوب حال الصلاة قبل الانكشاف في بيان الفرق بين المورد الثاني الذي حكم فيه بلزوم الإعادة وبين المورد الثالث الذي حكم فيه بالإجزاء، وأما المورد الأول وهو الإتيان بالصلاة في الثوب المنسي نجاسته فالنسيان فيه وإن كان عذراً إلاّ أن مورد نسيانها خارج عن حديث «لا تعاد» بالتخصيص في المستثنى كمورد نسيان تكبيرة الإحرام.









لا يقال: على ذلك فلو التفت إلى نجاسة ثوبه أثناء الصلاة وعلم أن نجاسته كانت من قبل كما إذا كانت نجاسته يابسة فلا يجزي إلقاء الثوب أو غسله أثناء الصلاة كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): «لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك» مع أن الثوب المزبور إلى حين العلم بنجاسته كان محكوماً بالطهارة فتعليل عدم الإعادة في صورة رؤيته رطباً بالاستصحاب أثناء الصلاة لا يناسب لزوم الإعادة في صورة رؤيته يابساً فإن الإخلال بالطهارة لعذر يجري في كلتا الصورتين.









أقول: يستفاد من التعليل الوارد في الصحيحة أن النجاسة الواقعية في الثوب والبدن مع انكشافها أثناء الصلاة موجبة لبطلانها، ولكن حدوث نجاسته أثناء الصلاة مع أزالتها والإتيان ببقية الصلاة لا تضر نظير دم الرعاف الحادث أثناء الصلاة وفيما إذا رأى المكلف النجاسة رطبة بحيث يحتمل إصابته حين الرؤية يكون مقتضى الاستصحاب الإتيان بالأجزاء السابقة مع الطهارة المستصحبة والمفروض أنه يأتي ببقية الأجزاء بالطهارة الواقعية فلا علم له بالإتيان بشيء من أجزاء الصلاة مع النجاسة الواقعية فيحكم بصحة الصلاة بخلاف ما إذا رأى النجاسة يابسة فإنه عند رؤيتها يعلم بوقوع الأجزاء السابقة مع النجاسة فيكون تعليل الإمام (عليه السلام) عدم لزوم الإعادة في فرض رؤية النجاسة رطبة أمراً صحيحاً حيث إن الاستصحاب الجاري بضم الطهارة الواقعية بالإضافة إلى الأجزاء الباقية ينفي النجاسة المانعة عن صحة الصلاة ويثبت بهما موضوع العفو كما لا يخفى.

نعم، في هذا الفرض يلزم التخصيص في حديث: «لا تعاد» بالإضافة إلى صورة رؤية النجاسة يابسة.

















عدم دلالة الصحيحة الثالثة على اعتبار الاستصحاب
















[4] وقد استدل باعتبار الاستصحاب بما رواه الكليني(5) والشيخ(6) بسند صحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) حيث ورد فيها قال: «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اُخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» وذكر الشيخ (قدس سره) أنه إن كان المراد من قوله (عليه السلام): «قام فأضاف إليها اُخرى» الإتيان بالركعة المضافة متصلة كما هو مقتضى الاستصحاب يكون ذلك خلاف المذهب من لزوم الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلة فيلزم حمل الجواب على التقية حيث إن الإتيان بالمشكوكة متصلة مذهب العامة وحملها عليها ينافي ما في صدر الرواية قال زرارة: «قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في اثنين وقد أحرز الثنتين قال: يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب» حيث إن قوله (عليه السلام): «وهو قائم بفاتحة الكتابة» ظاهره تعين ذلك الملازم للإتيان بهما مفصولتين وإن كان المراد القيام إلى ركعة مفصولة يكون المراد من قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشك» القاعدة المشروعة في الشك في الركعات المعبر عنها باليقين في قوله (عليه السلام): «إذا شككت فابن على اليقين، قلت: هذا أصل قال: نعم» والمفسرة في بعض الروايات بقوله (عليه السلام): «ألا اُعلمك شيئاً إن زدت أو نقصت فلا شيء عليك إذا شككت فابن على الأكثر» وهذه القاعدة لا ترتبط بالاستصحاب أصلاً.

ومما ذكر يظهر أنه لا مجال لدعوى أن قوله (عليه السلام): «لا ينقض اليقين بالشك» مفاده الاستصحاب غاية الأمر يكون تطبيق الاستصحاب على المورد لرعاية التقية فالتقية في التطبيق على المورد لا في أصل الكبرى نظير ما ورد في كون الإفطار والصوم يوم الشك إلى السلطان، فإن الكبرى وهي تعيين الوظيفة يوم الشك إلى السلطان أي سلطان المسلمين صحيحة، ولكن تطبيقها على المتصدي في زمانه (عليه السلام)لرعاية التقية، والوجه في عدم المجال لها أن التطبيق كما ذكر وإن كان ممكناً إلاّ أنه خلاف الظاهر ولا يحمل عليها إلاّ بقيام القرينة كما في مسألة الصوم والإفطار بخلاف مورد الصحيحة؛ فإنه قد ورد في صدرها قرينة على عدم التقية فحملها عليه يخالف الظهور من جهتين.









وذكر الماتن ما حاصله أنه يمكن الأخذ بظاهر قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشك» حيث إن ظهوره في اليقين الموجود من المصلي الشاك فعلاً غير قابل للإنكار، وهذا اليقين متعلق بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقاً، ومقتضى عدم نقض المصلي يقينه هذا بالشك هو الاستصحاب المقتضي بالإتيان بالركعة الرابعة، وأما الإتيان بها متصلة وهو مقتضى إطلاق التعبد بعدم الإتيان بتلك الركعة ويرفع اليد عنه بما دل على تعين الإتيان بصلاة الاحتياط أي بالركعة المشكوك نقصها منفصلة بل قيل باستفادة الإتيان بها منفصلة من هذه الصحيحة حيث ذكر (عليه السلام): «ولا يخلط أحدهما بالآخر» بناءً على أن المراد الإتيان بالمشكوكة منفصلة لا متصلة، ولكن ظاهر الفقرات هو التأكيد لما ذكر أوّلاً من النهي عن نقض اليقين بالشك.









ثمّ قال الماتن: إن كان المراد بما في الصحيحة من النهي عن نقض اليقين بالشك هو الاستصحاب في عدم الإتيان بالركعة الرابعة فلا تدلّ على اعتبار الاستصحاب في سائر الموارد؛ لأن ظهور الفقرات في كون الأفعال الواردة فيها مبنية على الفاعل، والفاعل فيها ضمير يرجع إلى المصلي، ولا يخفى أنه ليس مقتضى الاستصحاب إلاّ الإتيان بالركعة الرابعة متصلة؛ لأن من صلى من صلاته الظهر ثلاث ركعات فعليه الإتيان بالرابعة متصلة حيث إن مسلك الماتن في جريان الاستصحاب في ناحية الموضوع جعل حكمه وحكم من لم يصلِّ من صلاته الركعة الرابعة الإتيان بها متصلة، وما دل على لزوم الإتيان بالمشكوكة بصلاة الاحتياط إلغاء للاستصحاب في الشك في الركعات لا تقييد لحكم ظاهري على ما يأتي، والمفروض أن هذا قد اُحرز بالاستصحاب، وعلى الجملة الاستصحاب في عدم الإتيان بالركعة الرابعة لا يقتضي أمرين: بأن يدلّ على الإتيان بالركعة الرابعة بدلالة وضعية، وأن يدلّ على الإتيان بها متصلة بالإطلاق ليقال: يرفع اليد عن إطلاقه بالدليل الوارد على التقييد، بل مدلوله إحراز المكلف بأنه لم يأت بالركعة الرابعة والمكلف بصلاة الظهر مثلاً يجب عليه أربع ركعات بعنوان الظهر متصلة، وقد يورد على الاستصحاب بأمر آخر أيضاً وهو أن الاستصحاب الجاري في عدم الإتيان بالركعة الرابعة لا يثبت كون الركعة المأتي بها بعد ذلك ركعة رابعة ليترتب عليها التشهد والتسليم بعدها؛ ولذا يعلم أن الاستصحاب في موارد الشك في ركعات الصلاة ملغى رأساً، وأنه يتعين في مورد الشكوك الصحيحة بقاعدة اليقين المشار إليها في بعض الأخبار من قوله (عليه السلام): «ألاّ اُعلمك شيئاً إن زدت أو نقصت فلا شيء عليك » وفي غير موارد الشكوك الصحيحة يحكم على الصلاة بالبطلان، وفيه أن لزوم التشهد والتسليم لما دل على أنهما آخر أجزاء الصلاة يؤتى بهما بعد تمام الركعات ما لم يتخلل بينهما وبين الركعات المنافي، وإتمام الركعات محرز بالوجدان، وعدم الفصل المنافي أي الإتيان بالركعة الخامسة بالأصل هذا أولاً.









وثانياً ـ لو فرض كون المعتبر من التشهد والتسليم هو ما يكون الركعة التي يتشهد ويسلم بعدها كونها ركعة رابعة فيمكن إحراز كون المكلف في الركعة الرابعة بالاستصحاب فإنه بالإتيان بالركعة الاحتياطية يعلم كونه في الركعة الرابعة إما فعلاً أو قبل ذلك، ويحتمل بقاؤه فيها إلى أن يفرغ منها نظير الاستصحاب في أول الشهر فيما كان مقتضى الاستصحاب كون الشهر السابق تاماً حيث إن المكلف يعلم بعد يوم الشك أنه دخل في الشهر اللاحق إما فعلاً أو من قبل فيحمل بقاء أول الشهر المتيقن إلى غروب اليوم اللاحق ليوم الشك.

أضف إلى ذلك أنه قد ورد في بعض الروايات الواردة في صلاة الاحتياط في الشكوك اعتبار التشهد والتسليم بعدها.









ودعوى أن الكلام في مقتضى الاستصحاب مع قطع النظر عن الروايات الخاصة فقد تقدم أن مقتضاه الإتيان بالركعة المشكوكة متصلة لا الإتيان بها مطلقاً فضلاً عن كونها مفصولة فلابد من حمل الصحيحة على قاعدة اليقين المشار إليها في الشك في ركعات الصلاة وإن كان هذا خلاف الظاهر من جهة ظهور اليقين في قوله (عليه السلام): «لا ينقض اليقين بالشك» في اليقين الموجود لا لزوم تحصيل ذلك اليقين المطلوب في الشك في الركعات، وقد يوجه دلالة هذه الصحيحة على الاستصحاب بأن مفاده عدم إتيان المصلي الشاك بالركعة الرابعة، وحيث علم مما ورد من أن الشاك بين الثلاث والأربع إذا عمل بوظيفة الشاك ثمّ ظهر أن صلاته الأصلية كانت ثلاث ركعات فلا يعيد، وأنه أتى بما هي الوظيفة في حقه يعلم أن ما دل على أن صلاة الظهر أو العصر أو العشاء أربع ركعات متصلة قد ورد عليه تقييد بما إذا لم يكن شاكاً بالشكوك الصحيحة، وإلاّ فمع كون صلاته ثلاث ركعات واقعاً فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط.

وعلى الجملة ما دل على وجوب صلاة الاحتياط للشاك مدلوله أن الوظيفة الواقعية للشاك مع نقصان صلاته صلاة الاحتياط؛ ولذا لو ظهر له بعد صلاة الاحتياط كون صلاته ناقصة فيجبر النقص بصلاة الاحتياط، وعلى ذلك فإذا جرى الاستصحاب في عدم الإتيان بالركعة الرابعة في حق الشاك يتعين عليه الإتيان بصلاة الاحتياط فلا منافاة بين إرادة الاستصحاب من قوله (عليه السلام): «ولا ينقض اليقين بالشك» وبين لزوم الإتيان بالركعة الرابعة مفصولة أو الإتيان بركعتين جلوساً.









ولكن لا يخفى أن مدلول الاستصحاب هو علم المصلي بأنه لم يأت بالركعة الرابعة ووظيفة من يعلم بأنه أتى من صلاة الظهر ثلاث ركعات الإتيان بالركعة الرابعة متصلة، ولم يرد لما دل على أن صلاة الظهر أربع ركعات متصلة تقييد في حق العالم، وتعين وظيفة الشاك في الإتيان بصلاة الاحتياط مقتضاه إلغاء اعتبار الاستصحاب عند الشك في ركعات الصلاة كما تقدم.

والمتحصل أنه لا يرتبط ما ورد في هذه الصحيحة على اعتبار الاستصحاب بوجه، وعلى تقدير الإغماض فلا ينبغي التأمل في أن الضمير في كل من الفقرات الست والسبع يرجع إلى المصلي الشاك فلا تكون دليلاً على اعتبار الاستصحاب في سائر الموارد، وما عن الماتن (قدس سره) من إمكان القول بعدم خصوصية للمورد فإن تطبيق قاعدة: «لا تنقض» وما يرادفها على سائر الموارد قرينة على أن الحكم في المورد لما في اليقين والشك من الملاك لا يمكن المساعدة عليه فإن دعوى تمام الملاك لما في اليقين والشك لم يظهر لها وجه؛ ولذا لا يجري الاستصحاب في الشك في الركعات في غير موارد الشكوك الصحيحة، والنهي عن نقض اليقين بالشك لم يذكر في الصحيحة بنحو الكبرى الكلية وإن وردت في سائر الروايات وطبقت على غير الشك في الركعات إلاّ أنه يكون الدليل على اعتبار الاستصحاب هي لا هذه الصحيحة.

















(1). وسائل الشيعة 7: 184، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.









(2). الخصال 2: 752.

حديث الأربعمئة.









(3). تهذيب الأحكام 1: 432، باب المياه وأحكامها، الحديث 8.









(4). الفقيه 1:279.









(5). الكافي 3: 353، باب السهو في الثلاث والأربع، الحديث 3.









(6). تهذيب الأحكام 2: 174، باب أحكام السهو في الصلاة، الحديث 41.

































ومنها قوله: «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين[1] أو «فإن اليقين لا يدفع بالشك ».









ومنها خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني قال: كتبت إليه وأنا في المدينة [2]







ومنها قوله (عليه السلام): «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»[3] وقوله (عليه السلام) «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس».

وقوله (عليه السلام): «وكل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام»







فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال[4] والنقض والإبرام فيما ذكر لها من الاستدلال ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع وأنه حكم مستقل بالجعل كالتكليف أو منتزع عنه وتابع له في الجعل أو فيه تفصيل [5]















الاستدلال على اعتبار الاستصحاب بحديث الأربعمئة















[1] من الروايات المستدل بها على اعتبار الاستصحاب رواية الخصال المعروفة بحديث الأربعمئة عن أبيه عن سعد بن عبداللّه عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي بصير عن محمد بن مسلم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) حيث ورد فيه: «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين»(1) وفي نسخة اُخرى: «فإن اليقين لا يدفع بالشك» وفي السند القاسم بن يحيى ولم يثبت له توثيق.

نعم، ما ذكر العلامة(2) من تضعيفه غير معتمد فإنه أخذه من الكتاب المنسوب إلى الغضائري (أحمد بن الحسين بن عبيداللّه) ولم يثبت أن الكتاب له، ويستشكل في دلالته بأن ظاهره قاعدة اليقين لاعتبار تقدم اليقين على الشك في تلك القاعدة بخلاف الاستصحاب فإن المعتبر فيه تقدم المتيقن على المشكوك سواء حصل الوصفان أي اليقين والشك في زمان واحد أو حتى حصل الشك قبل اليقين بالحدوث، وحيث إن ظاهره سبق اليقين وطرو الشك فيكون مفاده قاعدة اليقين، وأجاب الماتن عن ذلك بأن التعبير بما في الحديث عن الاستصحاب أمر متعارف منشؤه نحو من الاتحاد بين المتيقن واليقين والمشكوك بالشك، ومعه يسرى وصف المتيقن إلى اليقين، والمشكوك إلى الشك.

والحاصل التعارف المذكور يجعل اعتبار إرادة قاعدة اليقين من الحديث خلاف الظاهر.









وذكر (قدس سره) في هامش الكتاب أن الوجه في ظهوره في الاستصحاب كون الزمان في قاعدة اليقين قيداً لمتعلق اليقين والشك، وفي مورد الاستصحاب ظرفاً وبما أن ظاهر الزمان المستفاد من (كان) الظرفية ويحتاج أخذه قيداً إلى القرينة يكون مفاده قاعدة الاستصحاب، وذكر (قدس سره) في آخر كلامه في الكتاب أن قوله: «فإن اليقين لا ينقص بالشك» ظاهر في أنها قضية ارتكازية واردة في سائر موارد الاستصحاب، وفيه: أنّ «الشك لا ينقض اليقين» نسخة لم تثبت، وأن الزمان في كل من قاعدة اليقين والاستصحاب ظرف، وإنما الاختلاف بينهما اتحاد متعلقي اليقين والشك في القاعدة حتى من حيث الظرف أيضاً، وفي الاستصحاب اتحاد متعلقهما مع قطع النظر عن الظرف وظاهر حذف المتعلق من كل من اليقين والشك وأن يوجب اتحاد المتعلقين من جميع الجهات إلاّ أن الحديث ظاهر صدره إرادة الاستصحاب حيث إنه فرق بين أن يقال: من كان على يقين فأصابه شك فلا يعتد بالشك، وبين قوله: من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه، فإن ظاهر الثاني وجود اليقين فعلاً وهذا حاصل في موارد الاستصحاب حيث إن اليقين بالحالة السابقة يجتمع مع الشك في بقائها بخلاف مورد القاعدة فإن اليقين فيها قد زال بإصابة الشك، وليس في نفس المكلف فعلاً إلاّ الشك.









ومما ذكر يظهر أن موثقة إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام): «إذا شككت فابن على اليقين قال: قلت هذا أصل قال: نعم»(3) يمكن دعوى ظهورها في الاستصحاب لفرض اليقين عند حدوث الشك، وليس فيها قرينة على ورودها في الشك في ركعات الصلاة ليقال: إن المراد من البناء على اليقين تحصيل اليقين بالفراغ بصلاة الاحتياط.

نعم، أخرجها في الفقيه في باب السهو في الصلاة ولكن مجرد إخراجه (قدس سره) لا يكون قرينة على اختصاصها بركعات الصلاة مع أن المعروف في كلمات جماعة من الأعلام التعبير عنها بالموثقة كما ذكرنا، ولكن في كونها كذلك تأمل فإن في السند علي بن إسماعيل المعروف بابن السندي ولم يثبت له توثيق كما ذكر في محله.

















[2] ومما استدل به على اعتبار الاستصحاب ما رواه الشيخ (قدس سره): «بإسناده إلى محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاساني قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة أساله عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية»(4) وفي علي بن محمد القاساني كلام فإن النجاشي ذكره وقال أنه مكثر الرواية فاضلاً غمز عليه أحمد بن محمد بن عيسى، وأنه سمع منه مذاهب منكرة ولكن ليس في كتبه ما يدلّ عليه(5) وذكر الشيخ (قدس سره)الرجل في أصحاب الهادي (عليه السلام)وضعفه وقال ـ بعد ذلك ـ: علي بن شيرة القاساني من أصحاب الهادي (عليه السلام)وأنه ثقة(6)، وظاهر ذلك تعددهما، وأن من وثقه غير من ضعفه قبل ذلك، وقد يقال كما عن العلامة(7) باتحادهما، وإن تضعيف الشيخ معارض بتوثيقه فيؤخذ بما عن النجاشي من المدح فيعد حديثه رواية حسنة، وللكلام محل آخر.

وإن السند لا يخلو عن تأمل.

وأما دلالتها فقال الشيخ الأنصاري (قدس سره) أنها أظهر ما في الباب في الدلالة على اعتبار الاستصحاب(8) حيث إن قوله (عليه السلام) «اليقين لا يدخل فيه الشك» قضية كلية تعم اليقين بعدم دخول شهر رمضان وغيره فيكون مقتضاها عدم وجوب الصوم إلى أن يعلم دخول شهر رمضان كما أنه لا يجوز الإفطار إلى أن يعلم دخول شهر شوال.









وقد يقال: إن مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يوجب الجزم بأن الصوم بنية شهر رمضان لابد من أن يكون مع إحراز دخول شهر رمضان، ولا يجوز الصوم يوم الشك بنية رمضان حتى بعنوان الرجاء والاحتياط، ومن صام كذلك فعليه قضاء ذلك الصوم مع تبين أنه كان من رمضان، وقد جعل في الوسائل لذلك باباً، والمكاتبة ظاهرها لا أقل من احتمال أنها من تلك الروايات، وقد أيد هذا الاحتمال النائيني (قدس سره)وقال: ولذا لم يعبّر في هذه المكاتبة بالنقض، وورد فيها بأن اليقين لا يدخل فيه الشك بمعنى أن يوم الشك لا يدخل في الصوم في أيام شهر رمضان بحيث يجوز صومه بنية شهر رمضان، ولو بعنوان الرجاء والاحتياط، ولكن لا يخفى عدم كون المكاتبة من تلك الأخبار فإنه لو كان المراد منها ما ذكر لم يكن في ذيلها «وافطر للرؤية» لأن تلك الأخبار ناظرة إلى خصوص يوم الشك المردد بين كونه آخر شعبان أو أول رمضان وما ذكر النائيني (قدس سره) من قرينية التعبير بالدخول لا يمكن المساعدة عليه؛ لأن الدخول عبارة اُخرى للنقض ولذا يقال دليل الخصم مدخول وكأن ما يدخل فيه يفكك أجزاءه وينقضه.









نعم، قد يقال كما في كلام الماتن أيضاً: إنّ المراد باليقين في المكاتبة خصوص اليقين بدخول الشهر بمعنى أنه يعتبر في لزوم ترتيب آثار دخول الشهر إحراز دخوله؛ ولذا لا يجب صوم شهر رمضان إلاّ بإحراز دخوله كما لا يجوز الإفطار إلاّ بإحراز دخول شوال، وهذا لا يرتبط بالاستصحاب فإن هذا الحكم ثابت ولو قيل بعدم اعتبار الاستصحاب، ولذلك أيضاً باب في الوسائل.









وفي صحيحة محمد بن مسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا التظني ولكن بالرؤية»(9) والمراد بالرؤية العلم بها بقرينة مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فليفطر وإلاّ فليصم مع الناس»(10) والمراد انفراد الشخص برؤية هلال شوال كما يظهر من الجواب، ولكن فيما رواه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «قال سألته عمن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره أله أن يصوم؟ فقال: إذا لم يشك فيه فليصم وحده، وإلاّ يصوم مع الناس إذا صاموا»(11) والحاصل يدور الأمر في المكاتبة بين حملها على قاعدة الاستصحاب وهو النهي عن نقض اليقين بالشك، وبين الحمل على حكم الصوم وحكم الإفطار في اليوم المردد بين آخر شعبان أو أول رمضان أو اليوم المردد بين آخر رمضان وأول شوال، وهذه قاعدة تختص بالشهور وحكم ظاهري عند الشك فيها وليس في البين قرينة على الأول فما ذكره الشيخ (قدس سره)من كونها أظهر ما في الباب لا يمكن المساعدة عليه لعدم التفريع في المكاتبة أوّلاً، وصحة التفريع على كلا الاحتمالين ثانياً.

















[3] من الروايات المستدل بها على الاستصحاب موثقة عمار عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر»(12) وذكر الماتن في تقريب الاستدلال بها على الاستصحاب أن الصدر وهو قوله (عليه السلام): «كل شيء نظيف» حكم لجميع الأشياء بعناوينها الواقعية وأن كلّ ما يفرض في الخارج من الأشياء كالحجر والنبات والحيوان محكوم بالطهارة بعنوانه الواقعي، وبذيلها تدلّ على استمرار الطهارة فيه إلى أن يعلم بعروض القذارة له سواء كانت في الشبهة الحكمية كما إذا شك في أن غليان العصير يوجب نجاسته أم لا أو في الشبهة الموضوعية كما إذا شك في قذارة شيء لاحتمال إصابة البول إياه، وهذا الحكم أي الحكم باستمرار الطهارة الثابتة له إلى أن يعلم طرو القذارة هو الاستصحاب حيث إن استمرار الطهارة الواقعية بحسب الواقع لا يدور مدار العلم بل تبقى إلى عروض القذارة سواء علم بعروضها المكلف أم لم يعلم فالاستمرار المتعبد به في ذيل الرواية حكم ظاهري كما هو مفاد الاستصحاب فيكون العلم بالقذارة قيداً وغاية لنفس الاستمرار الظاهري لا قيداً للشيء المحكوم بالطهارة في الصدر بأن يكون معنى الحديث: كل شيء إلى أن يعلم بقذارته محكوم بالطهارة، كما هو مفاد قاعدة الطهارة فإن الغاية المفروضة لا يمكن أن تكون قيداً للموضوع وقيداً لنفس الحكم فإن لحاظها قيداً للحكم عدم لحاظها في مرتبة لحاظ الموضوع، وكونها قيداً لحاظها قبل لحاظ الحكم، وفيه محذور استعمال اللفظ في معنيين، وبتعبير آخر لو كانت الغاية قيداً للموضوع في الصدر بأن يكون مفادها بهذا اللحاظ قاعدة الطهارة، وقيداً وغاية للاستمرار حتى يستفاد اعتبار الاستصحاب لزم أن تلاحظ الغاية بلحاظين مختلفين بخلاف ما إذا جعلت غاية للحكم بالطهارة للأشياء بعناوينها، وأن هذا الحكم مستمر إلى أن يعلم بالقذارة فيكون مفادها اعتبار الاستصحاب فقط.

















في إمكان شمول الروايات لقاعدة الطهارة والحلية وبيان الحكم الواقعي للأشياء







فتحصل أنّ الأمر يدور بين أن يكون مفاد الموثقة قاعدة الطهارة فقط كما إذا كانت الغاية قيداً للموضوع المذكور في الصدر وبين أن يكون مفادها الاستصحاب كما إذا كان الصدر متكفلاً للحكم الواقعي للأشياء بعنوانيها الواقعية، والذيل دالّ على استمراره ظاهراً إلى العلم بالخلاف، وبما أن ظهور الصدر في كونه حكماً للأشياء بعنوانيها الواقعية يتعين حمل الموثقة على بيان اعتبار الاستصحاب لا قاعدة الطهارة ودعوى أنها متكفلة لبيان الاستصحاب والقاعدة معاً فقد تقدم أن ذلك يوجب محذور اللحاظين المختلفين في الغاية.









ثمّ ذكر (قدس سره) في آخر كلامه أن ما في ذيل الموثقة من قوله (عليه السلام): «فإذا علمت أنه قذر فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك» يؤيد بأن مفادها الاستصحاب لا قاعدة الطهارة حيث إن ظاهر الذيل تفريع على الاستمرار المستفاد من الغاية فقط، وأنه بيان حدّ للغاية منطوقاً ومفهوماً لا أنه تفريع على المغيَّا مع الغاية بأن يكون تفريعاً لقاعدة الطهارة المستفادة من المغيَّا بالغاية وذكر (قدس سره) في هامش الكتاب إمكان استفادة قاعدة الطهارة والاستصحاب من الموثقة بدعوى أن العموم في الصدر يعم بعض الأشياء المشتبهة كالمايع المردد بين البول والماء والمردد بين الخل والخمر، وإذا حكم على تلك الأشياء بالطهارة، وأن الطهارة في الأشياء مستمرة إلى العلم بالقذارة يكون مفادها بالإضافة إلى بعض الأشياء قاعدة الطهارة، وبالإضافة إلى غيرها مفاد الاستصحاب ويتم الأمر في بعض المشكوكات التي لا يعمها الصدر بعدم احتمال الفرق.









أقول: الحلية الثابتة لما هو مردد بين البول والماء لا يمكن أن تثبت له بما هو عنوانه الواقعي، ولا بما هو مصداق الشيء بل تثبت بما هو مردد بينهما، وظاهر الصدر ثبوت الحلية لما يصدق عليه عنوان الشيء بما هو مصداقه أو بعنوانه الواقعي بل وظاهر العموم الثاني، وذكر المحقق النائيني (قدس سره) أنه لا يمكن أن يعم الصدر بيان الطهارة أو الحلية للأشياء بعناوينها الواقعية والطهارة والحلية بمفاد قاعديتهما ولو بملاحظة الغاية وذلك فإن الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين فإن جعله موقوف على جعل الحكم الواقعي لموضوعه، وفرض الشك فيه بأن يلاحظ العصير العنبي بعد غليانه فيجعل له الطهارة أو النجاسة واقعاً ليمكن الشك في حكمه الواقعي فيجعل له الطهارة ما دام الجهل بحكمه الواقعي وإذا كان جعل الطهارة الظاهرية بمفاد قاعدتها موقوفاً على جعل الحكم الواقعي وفرض الشك فيه لكان قوله (عليه السلام): «كل شيء طاهر» قاصراً عن بيان الحكم الظاهري مع كونه في مقام بيان الطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية وبما أن الغاية للطهارة المجعولة في العلم بالنجاسة فلا يستفاد منهما إلاّ قاعدة الطهارة وقاعدة الحلية فإن الحكم الواقعي لا يمكن أن يكون مغيّاً بالعلم بالخلاف فالغاية الواردة تهدم ظهور الصدر وتقلبه إلى مفاد القاعدتين وذلك فإنه وإن أمكن أن تكون غاية الطهارة عروض النجاسة أو الحرمة بأن تكون الغاية غاية للحكم الواقعي ويكون العلم مذكوراً فيها بما هو طريق محض إلى عروض النجاسة والحرمة بأن يكون مفاده كل شيء طاهر إلى عروض القذارة له، وحلال إلى عروض الحرمة له إلاّ أن هذا خلاف الظاهر في أن للعلم دخلاً في انتهاء الطهارة والحلية.









وكذا حمل الغاية في تلك الروايات على كونها بمفاد مستقل بأن يكون الصدر متكفلاً ببيان الطهاة والحلية للأشياء بعناوينها الواقعية والغاية متكفلة ببيان استمرارهما للأشياء إلى حصول العلم بالخلاف كما هو ظاهر كلام صاحب الكفاية خلاف الظاهر، وذلك فإن الحكم الواقعي سنخ من الحكم يثبت للأشياء بعناوينها الواقعية، والحكم بالاستمرار الظاهري سنخ آخر من الحكم حيث إنه حكم ظاهري يكون طريقاً والموضوع له الشك في استمرار الحكم الواقعي وعدمه فيحتاج استفادة الحكم الواقعي من الصدر، والحكم عليه بالاستمرار إلى العلم بالخلاف إلى تقدير الموضوع للحكم بالاستمرار كما لو كان الوارد في الرواية كل شيء طاهر، وتلك الطهارة تستمر فيه إلى العلم بالخلاف لأمكن استفادة الحكمين، وهذا بخلاف ما إذا كانت الغاية بياناً للاستمرار الواقعي فإن ثبوت الحكم الواقعي واستمراره في الحقيقة حكم واحد كما إذا ورد كلّ شيء طاهر إلى أن يلاقي نجساً فلا يحتاج فيه إلى تقدير الموضوع فإن الموضوع له نفس الشي بعنوانه الواقعي ما لم يلاق نجساً كما هو مفاد قوله: البئر طاهر إلى أن يتغير لونه أو طعمه أو ريحه(13).







أقول: ما ذكره (قدس سره) من أن حمل الغاية على بيان حكم ظاهري بمفاد الاستصحاب والالتزام بكون الصدر بياناً لحكم الأشياء بعناوينها الواقعية خلاف الظاهر حيث يحتاج ذلك إلى تقدير الموضوع للحكم الثاني المدلول عليه بالصدر صحيح.









وأما ما ذكره من أنّ تكفل الصدر للحكم الواقعي الثابت للأشياء بعناوينها الواقعية وللحكم الظاهري لها بمفاد قاعدة الطهارة أو الحلية مستحيل للوجه الذي ذكره لا يمكن المساعدة عليه فإنه يمكن تقريب تكفل خطاب واحد للطهارة الواقعية لجملة من الأشياء والطهارة الظاهرية لما يشك في نجاسته بشبهة مفهومية أو مصداقية بأن اعتبر الشارع النجاسة لبعض الأشياء بعناوينها الواقعية من قبل كالخمر والخنزير والميتة وغير ذلك، ثمّ لاحظ الأشياء التي لا تدخل في تلك العناوين التي جعل لها النجاسة من قبل مع ملاحظة الأشياء المحتمل دخولها في تلك العناوين بشبهة مفهومية أو موضوعية عند المكلف ويجعل الطهارة لكل منها بحيث تكون الطهارة المجعولة بالإضافة إلى غير الداخلة في العناوين المجعولة لها النجاسة طهارة واقعية، وبالإضافة إلى ما يحتمل دخوله فيها لشبهة مفهومية أو موضوعية طهارة ظاهرية كما إذا قال: كل شيء طاهر حتى يلاقي نجساً أو يعلم نجاسته.









وبتعبير آخر: لا يلزم في جعل الطهارة الظاهرية للمشكوكات جعل الطهارة لها من قبل بعناوينها الواقعية ليدعي لزوم المحذور المذكور بل يكفي في جعلها لحاظ احتمال المكلف ثبوت النجاسة لاحتمال كونه داخلاً في العنوان المحكوم عليه بالنجاسة بل احتمال ثبوت كون الشيء منها.

ولا يخفى أن المدعى إمكان تكفل خطاب واحد للحكم الواقعي بالطهارة أو بالحلية لجملة من الأشياء واعتبار الطهارة أو الحلية الظاهرية لجملة اُخرى.

وأما وقوع ذلك في الروايات المتقدمة فلا ندّعيه فإن الغاية المذكورة في تلك الرواية أمر واحد، وظاهره أنه قيد لنفس الحكم المذكور فيها بصورة واحدة لا لبعض الأحكام الانحلالية فيتعين أن يكون مفادها الحكم الظاهري فقط؛ لأن الغاية قيد للموضوع لا محالة، والحكم الواقعي يثبت للشيء بعنوانه لا يعتبر فيه عدم العلم بنجاسته أو بحليته.

نعم، إذا كانت الغاية متعددة كما في المثال تكون قرينة على أن كلاً منهما غاية لبعض الأحكام الانحلالية ولا محذور فيه، وإذا قام دليل على نجاسة شيء بعنوانه كالدم من الإنسان أو الحيوان ذي النفس يعلم أنه غير داخل في مدلول قوله: كل شيء طاهر إلى أن يلاقي نجساً أو يعلم نجاسته، وإذا شك في نجاسة شيء بالشبهة المفهومية أو المصداقية يصح التمسك بقوله: كل شيء طاهر إلى أن يلاقي نجساً أو يعلم قذارته، من غير أن يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.









وقد يجاب عن امتناع تكفل الصدر لكل من الطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية وللأشياء المشكوكة طهارتها بشبهة خارجية أو حكمية بأن ما ذكر من تأخر رتبة الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين إنما يوجب امتناع الجمع بينهما في الإنشاء لو قيل بأن الأمر الإنشائي ومنه الحكم ـ طهارة كانت أو غيرها ـ توجد باستعمال اللفظ فإنه على هذا المسلك لا طهارة للأشياء بعناوينها الأولية يعني الواقعية ليمكن لحاظ الشك فيها لبعض الأشياء ليجعل لها الطهارة الظاهرية أيضاً وأما إذا قلنا بما هو الصحيح من أن الأمر الإنشائي لا يوجد باللفظ بل بمجرد الاعتبار الذي هو فعل النفس، وإنما يكون اللفظ مبرزاً لتحققه الذي يكون بالنفس فلا محذور حيث يمكن اعتبار الطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية ثمّ اعتبار الطهارة للأشياء بلحاظ الشك في الاعتبار الأول فيها وإبراز كلا الاعتبارين بمبرز واحد مثل قوله (عليه السلام): «كل شيء طاهر» أو «حلال».









أقول: الظاهر أن الوجه الذي ذكره المحقق النائيني (قدس سره) غير صحيح حتى على القول بأن الأمر الإنشائي يوجد باللفظ حتى مع الغمض عن الجواب السابق الذي ذكرناه، وذلك لما تقدم في بحث إمكان قصد التقرب في متعلق الأمر من أن المتأخر عن الحكم بمرتبة أو مرتبتين لا يمكن أن يلاحظ قبل الحكم بشخصه تفصيلاً إلاّ أنه يمكن لحاظه بالعنوان المشير إليه المتحقق في ظرفه، وعليه فما يتوقف عليه جعل الطهارة الظاهرية لبعض الأشياء لحاظ الشك في طهارتها الواقعية المتحقق في ظرفها ولو بعد ذلك ومع لحاظ الأشياء بعناوينها الواقعية ولحاظ المشكوك في طهارتها في موطنها بالعنوان المشير إليها يمكن جعل الطهارة لكل منها فتكون الطهارة واقعية لما جعل له بعنوانه الواقعي، وظاهرية بالإضافة إلى ما جعل له بذلك العنوان المشير.









وأما ما ذكر في الجواب من التفصيل بين الالتزام بأن الإنشاء إبراز أو إيجاد فالظاهر أنه لا يفيد في المقام فإن الاُمور الاعتبارية تعتبرها النفس إلاّ أن مجرد اعتبارها لا يكفي في حصول عناوينها حتى عند المعتبر (بالكسر) بل لابد من إبرازها بقول أو فعل حيث إن الإبراز مقوم لعناوينها فاعتبار ملكية شيء لآخر مجاناً أو بالعوض لا يكون تمليكاً مجانياً أو بيعاً ما لم يبرز ليعمه ما دل على صحة الهبة أو نفوذ البيع، وكذا الطهارة فإن اعتبارها للأشياء إنما تكون حكماً بطهارتها بالإبراز فيتأخر الحكم على شيء مشكوك بالطهارة عن جعل الطهارة له بعنوانه الواقعي فيعود المحذور.

أضف إلى ذلك أن الروايات كلّها إخبار عن أحكام الشريعة المجعولة من قبل لا أنها تحصل بقوله (عليه السلام)ليقال: إن الإنشاء هو الإبراز لا الإيجاد فتدبر.









وقد يقال في امتناع تكفل صدر الروايات لبيان الطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية وللأشياء المحتملة دخولها في العناوين النجسة وجه آخر وهو: أن الطهارة الواقعية كالحلية الواقعية لا تكون من الأحكام المجعولة الاعتبارية بل المجعول الإنشائي هي النجاسة والحرمة فإنه لو كانت الطهارة أو الحلية الواقعية مجعولة لزم أن لا تكون الأشياء قبل الجعل لا طاهرة ولا نجسة، ولا حلالاً ولا حراماً مع أن الأعيان الخارجية قسم منها يستقذره العرف، وقسم منها لا يستقذره، ويكون الاستقذار في الثاني بتلوثه بالأول، والتطهير عرفاً إزالة ذلك التلوث بالغسل ونحوه، وإرجاعه إلى الحالة الأصلية التي لا استقذار فيها لا أيجاد أمر آخر وتكون الطهارة والتطهير عند الشارع أيضاً كذلك فلا تكون طهارة المغسول أمراً اعتبارياً إنشائياً.

نعم، للشارع إلحاق بعض غير المستقذر بالمستقذر العرفي أو إلحاق المستقذر العرفي كالخارج بالتقيؤبغيره، وكذا الحال في الحلية الواقعية.

نعم، الطهارة أو الحلية الظاهرية من المجعولات الإنشائية وعلى ذلك فلو كان قوله (عليه السلام): «كل شيء نظيف» أو «طاهر» ناظراً إلى بيان الطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الواقعية يكون إخباراً وعلى تقدير إرادة الطهارة الظاهرية إنشاءً والجمع بين الإخبار والإنشاء في استعمال واحد غير ممكن.

أضف إلى ذلك أن الطهارة الواقعية ولو على تقدير كونها مجعولة مغايرة للطهارة الظاهرية حيث إن الاُولى مجعولة بنفسها والطهارة الظاهرية هو البناء العملي على الطهارة فإرادتهما من كل شيء طاهر يوجب استعمال اللفظ في المعنيين والجمع بين اللحاظين المتنافيين.









أقول: في كلامه (طاب ثراه) موارد للنظر:







أولاً ـ وقوع التهافت فيه حيث ذكر في الأول أن النجاسة الواقعية مجعولة شرعاً ثمّ ذكر أن الأعيان الخارجية بعضها مستقذر عرفاً وبعضها غير مستقذر، وليس عند الشارع إلاّ إلحاق بعض الأعيان من القسم الثاني بالأول، ومن الأول بالثاني، وأن التطهير عبارة عن إزالة التلوث من العين غير المستقذرة في نفسها وأرجاعها إلى حالتها الأولية فإن مقتضى ذلك كون النجاسة أيضاً غير مجعولة وأن المراد بالإلحاق الإلحاق الحكمي بأن يحكم لبعض الأعيان غير المستقذرة كغير المذكي من الحيوان بتذكية شرعية بعدم جواز أكلها واستعمالها في الصلاة فيها إلى غير ذلك.









وثانياً ـ أن الاستشهاد لعدم كون الطهارة والحلية الواقعيتين مجعولتين بما ذكره غير صحيح، فإن لزوم عدم الاتصاف بالطهارة والنجاسة، وكذلك عدم الاتصاف بالحلية والحرمة قبل الجعل ليس من المنكرات عند المتشرعة كيف فإن البحث في الأفعال بأنها قبل حكم الشارع كانت على الحظر أو الإباحة أو على الوقف عند العقل مسألة معروفة عند القدماء، وقد تركها المتأخرون لعدم ترتب ثمرة عملية عليها.









والحاصل كون الحلية الشرعية مجعولة لا تحتاج بعد الإمكان إلى أزيد من ظاهر الأدلة مثل قوله سبحانه: (اُحل لكم صيد البحر)(14) و(اُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)(15) و(أحلت لكم بهيمة الأنعام)(16) وهكذا حيث لا يفهم منها عرفاً إلاّ مقابل التحريم في مثل قوله سبحانه: (حرمت عليكم الميتة والدم)(17) إلى غير ذلك.

نعم، قيل: إن كلاًّ من الطهارة والنجاسة أمر واقعي قد كشف عنهما الشارع، وهذا أيضاً كالالتزام بأن الطهارة أمر واقعي والنجاسة أمر جعلي خلاف الظاهر، وقد ورد في ذيل الصحيحة الدالة على أمر إصابة البول وحكمه المجعول لبني إسرائيل: «وقد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً»(18).







وثالثاً ـ أن الجمع بين الإخبار والإنشاء في استعمال واحد بأن يكون المراد بالإضافة إلى بعض موارد الانحلال مدلول الخطاب هو الإنشاء بالإضافة إلى بعضها الآخر الإخبار لا محذور فيه فإن الاختلاف بين الإخبار والإنشاء فيما إذا لم يكن صيغة خاصة للإنشاء بل فيها أيضاً ليس في ناحية المستعمل فيه بل المستعمل فيه في موارد الإخبار والإنشاء أمر واحد وهو إظهار ثبوت الشيء، ويكون الغرض من الإظهار قصد الحكاية عن ثبوته الواقعي مع قطع النظر عن الإظهار، واُخرى قصد ثبوته بهذا الإخبار فيكون الأول إخباراً والثاني إنشاءً مع أن الإخبار والإنشاء لا يجري في مثل قوله (عليه السلام)؛ فإن قوله (عليه السلام) كما ذكرنا كله إخبار عن حكم الشريعة من حين تأسيسها حتى فيما إذا كان قوله بصورة الإنشاء، وإذا كان مدلول الكلام انحلالياً فيمكن أن يكون القصد بالإضافة إلى بعض المدلول الإنشاء وبالإضافة إلى بعضه الآخر الإخبار.

مثلاً إذا باع البايع أحد المتاعين من المشتري بمئة واستدعى المشتري المتاع الآخر أيضاً بالمئة وقال البايع: بعت المتاعين بما ذكرت فيريد بإبراز البيع بالإضافة إلى المتاع الأول الحكاية وبالإضافة إلى الثاني حصول البيع وإنشاءه.









ومما ذكرنا يظهر الحال في الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية فإن الاختلاف فيهما ليس في المستعمل فيه بالإضافة إلى لفظ الطهارة ليكون إرادتهما استعمالاً للفظ في معنيين بل هما أمر واحد في ناحية المستعمل فيه، وإنما يكون أحدهما نفسياً والآخر طريقياً فإنه لا يكون في الشيء ملاك يوجب اعتبار القذارة له فيعتبر كونه طاهراً من غير اعتبار العلم والجهل، ويعتبر للشيء مع الجهل بطهارته الواقعية طهارة ما دام الجهل لتسهيل الأمر على المكلف بكون جهله عذراً فيما إذا أوجب ارتكابه مخالفة الواقع فتكون طهارة ظاهرية، فالاختلاف في ناحية الملاك والفرض من الاعتبار، ولكن هذا كله في تصوير إمكان الاستعمال، وإلاّ فقد تقدم ظهور الروايات في الحكم الظاهري خاصة.









ودعوى أن الغاية الواردة في الروايات قيد للحكم ولكن بالإضافة إلى الأشياء بعناوينها الواقعية ليس قيداً بل ذكر العلم لمجرد الطريقية المحضة فيكون الحكم بالطهارة بالإضافة إلى المشكوكات طهارة ظاهرية، وبالإضافة إلى الأشياء بعناوينها الواقعية طهارة واقعية لا يمكن المساعدة عليها؛ لما تقدم من أن الغاية الواردة فيها واحدة، والحكم المذكور فيها وإن كان انحلالياً إلاّ أنه مذكور بصورة واحدة وظاهرها كون الغاية قيداً لذلك الحكم المذكور بصورة واحدة.









وأما ما ذكر في الفصول من أن الروايات دالة بصدرها على قاعدة الطهارة وقاعدة الحلية، وبذيلها على استصحابهما و فلا يخفى ما فيه فإنه إذا كان الشيء محكوماً بالطهارة الظاهرية وشك في تنجسه بعد ذلك فمفاد قاعدة الطهارة كاف في الحكم بطهارته حيث لم يعلم نجاسته، وكذلك الحال في الشك في طرو الحرمة لما كان محكوماً بالحلية الظاهرية فلا موضوع للاستصحاب لعدم خروج الشيء عن موضوع القاعدتين.









وعن الشيخ (قدس سره) التفصيل بين الروايات في دلالتها على اعتبار الاستصحاب وعدم دلالتها حيث ذكر أن قوله (عليه السلام): «الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنه قذر» ظاهره الاستصحاب؛ لأن المياه كلّها مسبوقة بالطهارة ولو كان مفاده قاعدة الطهارة لاختص مدلوله بموارد نادرة كما إذا طرأ على الماء حالتان من الطهارة والانفعال ولم يعلم المتقدم منهما وذلك لحكومة الاستصحاب في طهارته على قاعدة الطهارة، ولكن لا يخفى ما فيه فإنه إنما يلزم الحمل المذكور لو قيل باعتبار الاستصحاب حتى في الشبهات الحكمية وأما لو قيل بعدم اعتباره فيها كالشك في تنجس ماء البئر بملاقاة النجاسة أو في مقدار الكر مع ملاقاة المشكوك كريته بالنجاسة فيرجع في جميعها إلى قاعدة الطهارة.









مع أنّه لا دلالة في الرواية على أن الحكم بالطهارة لكون المياه مسبوقة بالطهارة لتدل على اعتبار الاستصحاب بل مدلولها الحكم بطهارة كل ماء شك في طهارته ونجاسته فيمكن أن يكون الوجه في الحكم بالطهارة نظير الحكم في الأهلة قاعدة مضروبة في المياه عند الشك في تنجسها نظير القاعدة المضروبة في الأهلة فلا دلالة لها على اعتبار الاستصحاب بحيث لو لم يتم دليل على اعتبار الاستصحاب من غير ناحية هذه الرواية لقلنا باعتباره أخذاً بهذه الرواية مطلقاً أو في المياه خاصة.

نعم، قد يقال بدلالة صحيحة عبداللّه بن سنان الواردة فيمن أعار ثوبه الذمي على اعتبار الاستصحاب قال: «سأل أبي أبا عبداللّه (عليه السلام) وأنا حاضر أني اُعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فأغسله قبل أن اُصلي فيه؟ فقال أبو عبداللّه (عليه السلام): صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته أياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه»(19) نعم مدلولها لا يعم الاستصحاب في غير الطهارة.









أقول: قد ذكرنا في بحث الفقه عدم دلالة الصحيحة على اعتبار الاستصحاب حتى في الطهارة الخبثية فإنه لو كان السؤال عن مثل الإناء الذي يعيره الذمي المفروض في السؤال وكان جوابه (عليه السلام) لا بأس بالأكل والشرب فيه لأنك أعرته وهو طاهر ولم تعلم أنه نجسه كان ظاهراً في اعتبار الاستصحاب؛ لأن المشروط في جواز الأكل والشرب في الإناء طهارته بخلاف الثوب فإنه لم يذكر الإمام (عليه السلام) طهارة الثوب بل ذكر عدم البأس بالصلاة فيه والصلاة في الثوب الذي لا يعلم نجاسته جائز واقعاً وإن لم نقل باعتبار الاستصحاب ولا اعتبار قاعدة الطهارة.

نعم، بعد العلم بنجاسة الثوب لابد في الصلاة فيه من إحراز طهارته وتمام الكلام في بحث الفقه.









ولا يخفى أن الطهارة من الخبث كالطهارة من الحدث حكم وضعي فيكون أمراً اعتبارياً كالخبث وليست طهارة شيء مجرد عدم اعتبار النجاسة فيه بل اعتبار خلو الشيء عن الخبث كما يشهد بذلك خطابات كيفية تطهير المتنجسات كما هو الحال في الحلية أيضاً في مقابل الحرمة فليست حلية شيء مجرد عدم اعتبار حرمته بل هي اعتبار عدم حرمته، ودعوى عدم الحاجة إلى هذا الاعتبار بعد اعتبار النجاسة كدعوى عدم الحاجة إلى اعتبار الحلية بعد اعتبار الحرمة للمحرمات مدفوعة بأن الأمر الاعتباري يكفي فيه الأثر والخروج عن اللغوية فاعتبار الطهارة لغير النجاسات لردع عن ما عندهم في بعض الأشياء من عدها من الأخباث والقذارات كما يرى من العادات عند بعض المجتمعات حتى من المتشرعة.

















[4] لا بأس بالتعرض في المقام إلى ما يقال من التفصيل بين الشك في الرافع وبين الشك في رافعية الموجود بجريان الاستصحاب في الأول دون الثاني كما حكي ذلك عن السبزواري بدعوى أن اليقين بالرافعية لا ينافي اليقين بالشيء كما أن اليقين به لا ينافي اليقين بها فإنه إذا توضأ شخص يكون على يقين بطهارته مع يقينه بأن البول رافع للطهارة، وإنما لا يجتمع اليقين بالطهارة مع اليقين بحصول الرافع أو الشك في حصوله فرفع اليد عن اليقين بالطهارة السابقة مع الشك في حصول الرافع داخل في صدر أخبار لا تنقض ورفع اليد عنها باليقين بحصول الرافع داخل في ذيلها، وحيث إن اليقين برافعيته شيء لا يصلح ناقضاً كذلك الشك في ناقضية شيء كالمذي لا يصلح ناقضاً للمتيقن بالطهارة ولا يستند النقض إلى الشك في ناقضية المذي ولكن لا يخفى أن المنهي عنه في الأخبار هو رفع اليد عن اليقين بالحالة السابقة مع احتمال بقائها، وأن اليقين بالحالة السابقة يحسب يقيناً ببقائها من غير فرق بين أن يكون احتمال بقائها مستنداً إلى الشك في وجود الرافع مع إحراز الرافعية أو إلى الشك في الرافعية مع إحراز وجود المشكوك رافعيته.

















[5] ومن جملة الأقوال التفصيل في اعتبار الاستصحاب بين الحكم التكليفي والوضعي وجريانه في الثاني دون الأول كما نسب الفاضل التوني إلى نفسه وأن فسّر الوضعي بما يخرجه عن قسم الحكم.









وذكر الماتن (قدس سره) ما حاصله أنه لا كلام ولا خلاف في أن المفهوم من لفظ الوضع يخالف المفهوم من لفظ التكليف وإنهما يختلفان بحسب موارد الصدق في الجملة بمعنى أنه يتحقق في موارد الوضع من غير أن يكون تكليف فيه كالحدث من الصبي بوطيه صبية أو امرأة ويتحقق في مورد التكليف من غير حصول الوضع فيه كتحريم الكذب على المكلف بل لا يمكن الالتزام باتحاد التكليف والوضع لكمال الاختلاف بينهما كالسببية أو الشرطية فإنهما يحملان على مثل زوال الشمس مما لا يمكن أن يتعلق به التكليف، ولا ينبغي التأمل في أن الحكم ببعض معانيه وإن لا يقبل التقسيم إليها كما إذا اُريد منه المجعول الشرعي المقتضي لاختبار أحد طرفي الفعل تعييناً أو تخييراً إلاّ أنه بالمعنى الآخر قابل للتقسيم إليهما كما إذا كان المراد منه ما يؤخذ من الشارع بما هو شارع، ويشهد على إطلاق الحكم على كل من التكليف والوضع صحة تقسيمه إليهما فيقال: إن الزوجية أو الملكية حكم، ودعوى أن إطلاقه على الوضع بنحو من العناية والتجوز يدفعها ملاحظة موارد الإطلاق.









ثمّ إنه قد وقع الخلاف في الوضع في بعض جهات لا يهم البحث فيها كالبحث في أن الحكم الوضعي منحصر على اُمور خاصة كالسببية والشرطية والمانعية كما عن العلامة أو مع زيادة العلية والعلامية كما يقال في أن قصر الصلاة عند خفاء الأذان والجدران لكون عدم السماع والخفاء علة لوجوب القصر أو كونهما علامة للبعد الخاص الموجب للقصر أو مع زيادة الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة أو أن الحكم الوضعي لا ينحصر عليها بل كل ما ليس من التكليف مما له دخل فيه أو موضوع له أو متعلق له أو حتى ما لم يكن له دخل فيه ولكن يصح إطلاق الحكم عليه فهو وضع، والوجه في عدم كون البحث في هذه الجهة مهماً ما يأتي من عدم ترتب ثمرة عملية على انحصاره على ما ذكر وعدم انحصاره عليه بل المهم البحث في أن الحكم الوضعي كالتكليف مجعول بنفسه أو أنه مجعول تبعي يكون بتبع إنشاء التكليف أو أنه غير مجعول أصلاً.









أقول: لم يظهر الفرق بين العلية والسببية لتزداد الاُولى على الثانية، ولم يظهر أيضاً كون العزيمة أو الرخصة وضعاً فإن العزيمة تطلق في موارد سقوط التكليف المتعلق بالفعل رأساً بحيث لا تبقى مشروعيته كسقوط التغسيل عن الميت الشهيد، وسقوط وجوب التمام في حق المسافر، والأذان للصلاة فيمن حضر للصلاة في المسجد بعد تمام صلاة الجماعة وقبل تفرق الصفوف إلى غير ذلك مما لا يكون تكليف متعلق بالفعل ولو ندباً بحيث أمكن الإتيان به بنحو قربي، واُخرى يتعلق به تكليف تخييري أو استحبابي بعد سقوط الوجوب التعييني.

وأما الصحة والفساد فيأتي الكلام فيهما كما يأتي بيان عدم الفرق بين السببية والشرطية للتكليف، وإنما يطلق الشرط في مورد قيد التكليف كما يقال: دخول الوقت شرط لوجوب الصلاة، والاستطاعة شرط لوجوب الحج، والسبب يطلق في موارد الوضع كما يقال: الملاقاة مع النجس رطباً سبب لنجاسة الطاهر، والموت سبب لنجاسة الميت إلى غير ذلك.

وعلى الجملة الحكم الشرعي هو المجعول من الشارع فإن كان ذلك المجعول داخلاً في عنوان الإيجاب والتحريم أو الترخيص فهو حكم تكليفي، وإن لم يكن داخلاً فيها وكان مما يحمل على الفعل أو غيره من الموضوع فهو حكم وضعي سواء كان جعله بنحو الاستقلال أو تبعاً للتكليف، وقد قسم الماتن الحكم الوضعي إلى أقسام ثلاثة، منها: ما لا يكون مجعولاً لا بنحو الاستقلال ولا بنحو التبع للتكليف، والمراد من المجعول أن يكون جعل التكليف يوجب حصول المنشأ لحصوله وهذا القسم من الحكم الوضعي لا يقبل الجعل الإنشائي بوجه، بل هو أمر واقعي كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية للتكليف فيكون اتصاف ما هو سبب بالسببية، وما هو شرط ومانع ورافع بالشرطية، والمانعية والرافعية حاصلة من غير أن تتوقف على جعل إنشائي استقلالاً أو تبعاً، والوجه فيما ذكره في هذا القسم ما تقرر في محله من لزوم الارتباط الخاص بين الشيء وأجزاء علته، وإلاّ لأثر كل شيء في كل شيء، وعليه فذلك الارتباط الخاص والخصوصية الموجبة أمر خارجي لا يحصل بالإنشاء بمثل قوله دلوك الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر والعصر لبقاء الدلوك بحاله بعد ذلك ولو كان فاقداً لتلك الخصوصية لكان فاقداً لها بعده، ولو كان واجداً كان واجداً لها قبله أيضاً والحاصل أن تلك الخصوصية الموجبة لإنشاء التكليف عند حصول الدلوك مثلاً لا يمكن أن تحصل من التكليف المتأخر عنه ولو أطلق بعد قوله يجب الصلاة عند الدلوك السببية لوجوبها وأنه صار سبباً، لوجوبها فهذا الإطلاق بنحو العناية أو أنه كناية عن وجوبها عنده، وفي الحقيقة السببية ونحوها منتزعة عن الخصوصية الخارجية الكامنة فيما يطلق عليه السبب أو الشرط أو المانع أو الرافع قبل إنشاء التكليف بالصلاة.

















في السببية والشرطية والمانعية لنفس التكليف








أقول: لا يخفى ما في كلامه من الضعف فإنه لا ينبغي التأمل في أن الوجوب أو غيره من التكليف أمر إنشائي يحصل بالإنشاء والاعتبار، وإرادة المولى لا تتعلق بفعل العبد فإن فعله غير مقدر للمولى بما هو مولى والحب والبغض والرضا وإن أمكن تعلقها بفعل العبد إلاّ أن شيئاً منها لا يكون مصداقاً للتكليف ولا الإرادة حقيقة، بل إرادة المولى تتعلق بفعل نفسه وهو إنشاء التكليف من الوجوب والحرمة، والترخيص يعني الإباحة، وإذا كان الوجوب أمراً إنشائياً فلا يمكن أن تكون الخصوصية الخارجية للدلوك موجدة لوجوب الصلاة، بل يكون وجوبها بالإنشاء المعبر عنه بالإيجاب، والإيجاب فعل اختياري للمولى وإرادته الإيجاب يكون بعد اُمور موطنها جميعاً النفس، ومنها لحاظ صلاح الفعل عند الدلوك فالخصوصية الخارجية في الدلوك توجب الصلاح في الصلاة عند حصوله، ومن الظاهر أن الصلاح في الفعل لا يكون تكليفاً ولا موضوعاً لتكليف.

وقد اعترف (قدس سره) في بحث الشرط المتأخر عندما ذكر أن ما يطلق عليه شرط التكليف لا يكون شرطاً له حقيقة حيث إن المؤثر لحاظه لا نفسه، وإذا كان الكلام في المقام في السببية والشرطية بالإضافة إلى التكليف المجعول لا بالإضافة إلى إنشائه فالدلوك الموجب للصلاح في الصلاة بحصوله بلحاظه يكون داعياً للمولى إلى إنشاء الوجوب لها عنده، والإنشاء بالإضافة إلى المنشأ لا يكون من قبيل الإيجاد والوجود ليكون الفرق بينهما بمجرد الاعتبار واللحاظ، وإلاّ ففي الحقيقة الإيجاد نفس وجود الشيء بل الإنشاء أمر والمنشأ أمر آخر؛ ولذا يكون المنشأ أمراً متأخراً عن إنشائه زماناً فإن الإنشاء متقوم بقصد تحقق الأمر الاعتباري ولو متأخراً بإبرازه أو مع إبرازه، والكلام في المقام في السبب والشرط والمانع للتكليف المنشأ وكل ذلك ليس إلاّ بأخذ ما يطلق عليه السبب والشرط والمانع قيداً في ناحية موضوع التكليف ثبوتاً أو في ناحيته أو ناحية نفس التكليف إثباتاً فإن كان القيد أمراً وجودياً يطلق عليه الشرط أو السبب، وإن كان أمراً عدمياً يعبّر عن وجوده بالمانع، وإن كان قيداً لاستمراره وبقائه يعبر عنه بالرافع أو الغاية، وكل ذلك يكون بلحاظ المولى عند إنشائه التكليف على المكلف بنحو القضية الحقيقية المعبر عنه بمقام الجعل، وبهذا يظهر إمكان الشرط المتأخر بالإضافة إلى نفس التكليف، وعلى ذلك فيمكن أن يكون الشيء بتحققه موضوعاً للحكم المقارن له أو بتحققه السابق أو المتأخر، وبهذا صححنا سابقاً الشرط المتأخر للتكليف.









ومما ذكرنا يظهر أنه لا فرق بين السببية للتكليف والشرطية له فكل منهما ينتزع عن كون شيء قيداً لموضوع التكليف والحكم فيقال: الاستطاعة شرط لوجوب الحج، والتقاء الختانين أو الإنزال سبب لوجوب غسل الجنابة.

وعلى الجملة الشرطية والمانعية للتكليف نظير الشرطية والمانعية والجزئية للمأمور به تنتزع عن إنشاء التكليف وجعله، وفي ذلك المقام يؤخذ الشيء قيداً في ناحية موضوع التكليف والوضع أو في ناحية متعلق التكليف أو موضوع الوضع والفرق بينهما أن كون شيء شرطاً وقيداً للتكليف لدخالته في صلاح الفعل، ولذا قد يكون أمراً غير اختياري، ويعتبر التكليف على تقدير حصوله بخلاف القيد أو الجزء لمتعلق التكليف فإن حصوله دخيل في استيفاء الملاك أو لقيام الملاك به وبغيره كما في الجزء؛ ولذا يجب الإتيان بهما، وعلى ذلك لو ورد خطاب وجوب الصلاة عند الدلوك يكون الدلوك بنفسه قيداً للوجوب ومع كون التكليف انحلالياً بالإضافة إلى الدلوك كما هو كذلك بالإضافة إلى أفراد المكلف ففي كل دلوك يثبت وجوب الصلاة في حق كل مكلف بمعنى يكون وجوب الصلاة فعلياً بفعلية الدلوك لكل مكلف كما هو الحال في الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية.

وقد ظهر مما تقدم حال قيود متعلق التكليف، وأن الشرطية أو المانعية لشيء بالإضافة إلى متعلق التكليف تحصل بتبع تعلق التكليف بالمقيد كحصول الجزئية لأجزاء متعلق التكليف بلحاظ تعلق التكليف في مقام الجعل بها.

















(1). الخصال 2: 752، حديث الأربعمئة.









(2). الخلاصة: 389 / 6.

طبعة مؤسسة نشر الفقاهة.









(3). وسائل الشيعة 5: 318، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.









(4). تهذيب الأحكام 4: 139، الباب 41 في علامة شهر رمضان، الحديث 17.









(5). رجال النجاشي: 255، الرقم 669.

وفيه: علي بن محمد بن شيرة.









(6). رجال الطوسي: 388، الرقم 5711 و 5712.









(7). الخلاصة: 363 / 6.









(8). فرائد الاُصول 3: 71.









(9). وسائل الشيعة 7: 182، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.









(10). المصدر السابق: 188، الباب 4، الحديث الأول.









(11). المصدر السابق: الحديث 2.









(12). وسائل الشيعة 2: 1054، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4.









(13). وسائل الشيعة 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديثان 6 و 7.









(14). سورة المائدة: الآية 96.









(15). سورة البقرة: الآية 187.









(16). سورة المائدة: الآية 1.









(17). سورة المائدة: الآية 3.









(18). وسائل الشيعة 1: 100، الباب الأول من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.









(19). وسائل الشيعة 2: 1095، الباب 74، من أبواب النجاسات، الحديث الأول.

































وأما النحو الثالث فهي كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك [1]







إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف[2] إذا شك في بقائه على ما كان







وكذا ما كان مجعولاً بالتبع فإن أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه [3]















في القسم الثالث من الأحكام الوضعية















[1] وذكر (قدس سره) في القسم الثالث من الأحكام الوضعية أنه يمكن جعلها مستقلاً بإنشائها كما يمكن جعلها تبعاً بإنشاء التكليف في موردها بحيث تكون منتزعة من التكليف المجعول كالحجية والقضاوة أي منصبها والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك، ولكن الصحيح أنها مجعولة مستقلة وابتداءً حيث يصح انتزاعها بمجرد جعلها ممن بيده أمر جعلها مع الغمض عن التكليف الثابت في مواردها فإنه تنتزع الملكية والزوجية وغيرهما بمجرد العقد أو الإيقاع ممن بيده اختيارهما مع الغمض عما يترتب عليهما من التكليف، ولو كانت مجعولة بتبع التكليف لم يصح انتزاعها مع الغمض عنه وأيضاً العاقد أو الموقع يقصد بعقده وإيقاعه حصول الوضع ولو لم يحصل وحصل التكليف لزم عدم حصول ما قصد، وحصول ما لم يقصد، أضف إلى ذلك عدم صحة انتزاع تلك الاُمور عن التكليف المذكور في مواردها مثلاً لا يصح انتزاع الملكية من جواز التصرف حتى مع جواز التصرف الموقوف على الملك؛ لأن هذا الجواز يثبت فيما إذا كان الشيء ملك الغير أيضاً ويقتضي جواز تملكه قبل التصرف الموقوف على مالكيته وكذا لا يصح انتزاع الزوجية من جواز الاستمتاع من المرأة فإنه يثبت في موارد عدم الزوجية كموارد تحليل المالك أمته للغير أو كون الأمة ملكاً له، وتثبت الزوجية بدون جواز الوطي كما في وطء الزوجة قبل بلوغها إلى غير ذلك، والحاصل أن الاُمور المشار إليها في القسم الثالث من الوضع بنفسها قابلة للجعل كالتكليف ولا تنتزع من التكليف الثابت في مواردها بل التكليف يترتب عليها كسائر ترتب الأحكام على موضوعاتها.









أقول: الاستدلال على كون هذا القسم من الأحكام الوضعية مجعولة مستقلاً لا بتبع التكليف بإنشاء العاقد والموقع لها مع الغمض عن التكليف في مواردها ولو لم تحصل لزم عدم حصول ما قصد وحصول ما لم يقصد غير صحيح، والوجه في ذلك أنه لا كلام بل ولا خلاف في أن من بيده أمر العقد أو الإيقاع ينشئ ملكية المال وزوجية المرأة أو فرقتها ابتداءً في البيع والنكاح والطلاق إلى غير ذلك، والكلام في أن الملكية والزوجية والفرقة وغير ذلك مما ينشئه العاقد أو الموقع غير داخل في الحكم الشرعي والداخل فيه مما يكون حكماً شرعياً وضعياً هل يحصل بإمضاء الشارع ما جعله العاقد والموقع كما يستظهر ذلك من قوله سبحانه: (أحل اللّه البيع)(1) و(انكحوا ما طاب لكم من النساء)(2) أو يحصل بجعل الشارع الحكم التكليفي على ما يجعله العاقد أو الموقع كما في قوله سبحانه (الذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم)(3) وقوله (صلّى الله عليه وآله) على المروي: «الناس مسلطون على أموالهم»(4) إلى غير ذلك، وبالجملة لا يبطل ما ذكره الشيخ (قدس سره) من كون الزوجية والملكية وغيرهما من الأحكام الوضعية يتبع جعل الأحكام التكليفية بما ذكر من حصولها بالعقد والإيقاع من العاقد أو الموقع مع غمضهما عن التكليف في موردها، وإلاّ لزم حصول ما لم يقصد وعدم حصول ما قصد، والحاصل أن الأحكام الوضعية في القسم الثالث مجعولة بنفسها ولا تنتزع من التكليف الثابت في مواردها أخذاً بظاهر الخطابات حيث إن مقتضاها كون تلك الأحكام يعني الوضعية مجعولة، والتكليف في مواردها أثر لثبوتها كسائر الأحكام بالإضافة إلى موضوعاتها كظاهر آيات إرث اُولي الأرحام والأقارب حيث إن ظاهرها ثبوت ملكية تركة المتوفى لهما بعد الدين والوصية، وما ورد في ثبوت الخيارات من خيار المجلس والحيوان والشرط والرؤية في البيع مطلقاً ما دام المجلس وفي شراء الحيوان للمشتري إلى غير ذلك، وما ورد في ثبوت ضمان الإتلاف والتلف في كون الضمان مجعولاً وكذا حق الشفعة وحق القصاص وملكية الدية والوكالة والولاية وهكذا في كون ما ذكر بنفسها مجعولات تأسيساً أو إمضاءً، ويترتب عليها التكاليف الثابتة في مواردها.

















القسم الثالث من الحكم الوضعي








ثمّ إن الماتن (قدس سره) تعرض في ذيل كلامه في هذا القسم لأمر وتوضيح وعبر عن الأول بالوهم، وعن الثاني بالدفع أما الأول فهو: أن الملكية جعلت من القسم الثالث من الأحكام الوضعية المجعولة بإنشائها تأسيساً أو إمضاءً فتكون من الاعتبارات الحاصلة بالإنشاء وكل الاعتبارات الحاصلة بالإنشاء والمنتزعة عنه داخل في خارج المحمول حيث إن الاعتبارات لا يكون بإزائها في الخارج شيء غير منشأ الانتزاع لها المعبر عنه بإنشاءاتها مع أنه قد ذكر في محله أن الملكية من المحمولات بالضميمة التي لا تحصل بالإنشاء بل لابد فيها من سبب خارجي كالتعمم والتقمص والتنعل فالحالة الحاصلة للإنسان منها هو الملك فأين هذا من الاعتبار المنتزع من مجرد الإنشاء أقول الظاهر أن مراد الماتن من قوله فالحالة الحاصلة منها كون (منها) بيانية؛ لأن نفس التعمم أو التقمص أو التنعل هو الملك لا أن الملك حالة توجد بالتعمم والتقمص والتنعل ضرورة أنها بنفسها حالة للإنسان حدوثاً وبقاءً، وأما الثاني يعني الدفع هو أن الملك يطلق على الاشتراك على أمرين؛ أحدهما ـ ما ذكر من كونها من المحمولات بالضميمة وتكون لها خارجية.

والثاني ـ هو اختصاص شيء لشيء، والاختصاص أما بالإضافة الإشراقية كإضافة المعلول إلى علته، ومنها إضافة العالم إلى الباري تعالى، وأما إضافة مقولية وتكون هذه الإضافة باختصاص التصرف والاستعمال كاختصاص الفرس بزيد لركوبه له وسائر تصرفاته فيه أو بسبب غير اختياري كالإرث أو اختياري كالعقد فالتوهم نشأ من اشتراك الملك بين الحالة المتقدمة التي يطلق عليها الجدة أيضاً وبين الاختصاص الخاص التي تكون بالإضافة الإشراقية أو المقولية الحاصلة بالتصرف واستعمال أو أرث أو عقد أو غيرهما فعلى ذلك يختلف إضافة الفرس إلى اللّه سبحانه عن إضافته إلى زيد فإن الأول إضافة إشراقية والثاني إضافة مقولية.

أقول: إنّ الملكية التي تعدّ من الأحكام الوضعية من الاعتبارات الحاصلة بإنشائها كما أنها لا تكون من المحمولات بالضميمة كذلك لا تكون من خارج المحمول فإن خارج المحمول من المنتزعات المعبر عنها بالاعتبارات العقلية التي لها منشأ انتزاع حقيقي كالفوقية للفوق في مقابل المحمولات بالضميمة كالسواد للجسم، وبتعبير آخر الاعتبارات العرفية ليس لها تحقق لا بنفسها، ولا منشأ انتزاع حقيقي لها وهي خارجة عن المقسم للمحمولات بالضميمة والمحمولات بخارج المحمول، ولذا تقبل الإلغاء ولو بإلغاء منشأ اعتبارها بخلاف الاعتبارات العقلية فإنها غير قابلة للإلغاء كما هو ظاهر.

















جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية وعدمه
















[2] قد فرع الماتن (قدس سره) على ما ذكر في القسم الأول من الحكم الوضعي عدم جريان الاستصحاب فيه حيث ذكر سابقاً أنه لا جعل فيها لا استقلالاً ولا تبعاً للتكليف كالسببية والشرطية والمانعية له فلا يجري الاستصحاب في ناحية دخل ما كان له الدخل في التكليف فيما إذا شك في بقائه على ما كان من الدخل وذلك لعدم كون دخالته حكماً شرعياً ولا يترتب عليها أثر شرعي والتكليف وإن كان مترتباً على دخالته إلاّ أن الترتب أمر قهري لا شرعي.

















في عدم جريان الاستصحاب في القسم الأول من الأحكام الوضعية








أقول على الماتن (قدس سره) أن يلتزم بعدم جريان الاستصحاب في ناحية نفس شرط التكليف أو عدم مانعه أو رافعه في الشبهة الموضوعية أيضاً فإنه كما التزم بعدم جريان الاستصحاب في ناحية بقاء شيء على شرطيته للتكليف كا لشك في أن غليان العنب بعد صيرورته زبيباً يوجب حرمته كذلك لا يجري الاستصحاب في ناحية عدم غليان العنب فيما إذا شك في غليانه فإن غليانه وإن تترتب عليه حرمته إلاّ أن الترتب قهري ليس بشرعي وكذلك الاستصحاب في ناحية عدم ذهاب ثلثيه بعد غليانه، ومن هذا القبيل جريان الاستصحاب في ناحية عدم دلوك الشمس، ولا أظن أن يلتزم هو أو غيره بعدم جريان الاستصحاب في مثل هذه الشبهات الموضوعية وعلى الجملة فالماتن (قدس سره)قد خلط شرايط الجعل بشرايط المجعول، وبيان ذلك أنه كما تكون شرطية شيء لمتعلق التكليف من الواجب أو الحرمة بتعلق الوجوب أو الحرمة بالفعل بحيث يكون ذلك الشيء قيداً ويعبّر عنه بالشرط إذا كان الدخيل في متعلق التكليف وجوده والمانع إذا كان الدخيل عدمه فكذلك المأخوذ في مقام الثبوت في ناحية موضوع التكليف فإن كان حصول شيء قيداً لموضوع التكليف يعبر عنه بشرط التكليف، وإن كان المأخوذ فيه عدمه يعبر عن وجوده بالمانع عن التكليف، والتكليف سواء كان وجوباً أو حرمة أو غيرهما في فعليته تابع لجعله حيث إن التكليف بأقسامه مجعول للمولى وقد ذكرنا مراراً أن التكليف المجعول بنحو القضية الحقيقية له مقامان؛ مقام الجعل، ومقام الفعلية، ومقام الفعلية إنما هو بفعلية ما فرض في مقام الجعل حصوله وثبوت التكليف معه أو بعده أو قبله على اختلاف الشرط للتكليف من كونه مقارناً أو مقدماً أو متأخراً أو إطلاق الشرط عليه ليس بمعناه الفلسفي بل بمعنى كونه قيداً للموضوع للتكليف سواء عبر عنه بالشرط أو السبب فما دام لم يجعل التكليف لموضوعه على تقدير حصوله لا شرطية ولا سببية ولا مانعية ولا رافعية للتكليف كما كان الحال كذلك في الشرطية والمانعية لمتعلق التكليف، ويكون ترتب التكليف على فعلية موضوعه وقيده ترتباً شرعياً حيث إنه تابع لجعله الذي هو فعل المولى؛ ولذا لو شك في بقاء التكليف بالشبهة الموضوعية يحرز بقاؤه بالاستصحاب في بقاء الموضوع أو بقاء قيده، وإذا شك في حصوله وعدمه يحرز عدمه بالاستصحاب في ناحية الموضوع وقيده، وإذا شك فيه بالشبهة الحكمية يجري الاستصحاب في ناحيته بناءً على جريانه في الشبهات الحكمية على ما تقدم الكلام في ذلك مفصلاً عند التعرض لأخبار الاستصحاب.









وأما دخالة حصول شيء في صلاح الفعل أو مفسدته فلحاظه داع للمولى إلى جعل الوجوب أو الحرمة ودخالته بلحاظه في إرادة المولى جعل التكليف على تقدير حصوله أو عدم حصوله خارجة عن مقسم الحكم وإحراز دخالته وكيفية دخالته وظيفة المولى ولا دخل لاعتقاد المكلف وشكه فيها ليكون مورداً للاستصحاب، وقد اعترف الماتن في بحث الشرط المتأخر أن الدخيل لحاظ الشيء لا نفسه، وذكرنا أنّ لحاظه دخيل في الجعل لا في الحكم المجعول، وكلامه في المقام ككلامه في الشرط المتأخر خلط بين شرط الجعل وشرط الحكم المجعول فلا تغفل.









ثمّ إنه قد ظهر مما ذكرنا أنّ الشرطية أو السببية والمانعية والرافعية للتكليف ليست اُموراً مجعولة شرعياً توجد بجعل التكليف بل هي في نفسها حكم العقل يتبع الحكم بعد تمام جعله بنحو القضية الحقيقية فإنه إذا اعتبر الشارع الحرمة لتناول العصير عند غليانه وقبل ذهاب ثلثيه بعد غليانه يحكم العقل بأن فعلية حرمة العصير تكون بالغليان، وإذا اعتبر وجوب صلاتي الظهر والعصر عند دلوك الشمس إلى أن تغرب يحكم بأن الدلوك شرط أو سبب لوجوبهما الفعليين، وكل ذلك لحكم العقل بأن الحكم المجعول الموضوع له قيد يكون فعلية ذلك الحكم في فرض ذات الموضوع منوطاً بحصول قيده في موطنه فإن حكمه هذا نظير حكمه بأنه لا فعلية للكل إلاّ بفعلية من أجزائه بل يمكن جريان ما ذكر في الشرطية والمانعية لمتعلق التكليف فإنها في الحقيقة حكمه بأنه لا فعلية للمتعلق من غير فعلية شرطه أو فقد مانعه.

















[3] التزم (قدس سره) بجريان الاستصحاب في القسم الثاني من الحكم الوضعي كالاستصحاب في شرطية شيء أو مانعيته للواجب فإن هذا القسم من الحكم الوضعي قابل للتعبد حيث إنه مجعول ولو بجعل منشأ انتزاعه أي التكليف حيث إن وضعه ورفعه يكون بوضع التكليف ورفعه وهذا المقدار يكفي في التعبد به ثبوتاً أو نفياً فشمول خطاب: «لا تنقض اليقين بالشك» له في نفسه لا مانع منه إلاّ أنه لا تصل النوبة إلى جريانه فيه مع جريانه في منشأ انتزاعه يعني التكليف.

مثلاً إذا شك في بقاء شرطية الاستقبال إلى القبلة في الصلاة في مورد لا تصل النوبة إلى الاستصحاب في شرطية الاستقبال فيها بل يجري الاستصحاب في بقاء نفس التكليف السابق المتعلق بالصلاة إلى القبلة، وإذا لم يجرِ الاستصحاب في نفس التكليف لابتلائه بالمعارض صحّ جريانه في نفس الحكم الوضعي، ولذا قيل في دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين بأن الاستصحاب في عدم تعلق الوجوب بالأكثر يعارض بالاستصحاب في عدم تعلقه بالأقل بنحو اللابشرط وبعد تعارضهما يرجع إلى الاستصحاب في عدم جزئيته المشكوك في جزئيته وكذا في الشك في شرطية شيء أو مانعيته وفيه أن هذا القول وإن كان ضعيفاً لكن الاستصحاب على تقدير جريانه في نفسه في ناحية عدم تعلق الوجوب بالأقل بنحو اللابشرط لم يجرِ في الفرض لا فيه ولا في عدم جزئية الجزء المشكوك في جزئيته أو شرطية المشكوك في شرطيته، ولا يفيد كون الاستصحاب في عدم الجزئية أو الشرطية أصلاً مسبباً وذلك في السببية والمسببية في الأصل إنما يفيد في صورة جريان الأصل السببي، وأما في صورة عدم جريانه يكون الأصل المعارض للأصل السببي معارضاً للأصل المسببي أيضاً لفعلية الشك في كل من السبب والمسبب والطرف الآخر في زمان واحد، ونسبة خطاب الأصل العملي بالإضافة إليها جميعاً على حد سواء حيث إن الاستصحاب في عدم تعلق الوجوب بالأقل كما يعارض الاستصحاب في عدم تعلق الوجوب بالأكثر يعارض الاستصحاب في عدم جزئية المشكوك أو شرطيته؛ ولذا ذكروا ومنهم الماتن (قدس سره) في الحكم في الملاقي لأحد أطراف العلم بالنجاسة بأنه إذا كانت الملاقاة حاصلة حين العلم بالنجاسة يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح والطرف الآخر، وأما إذا حدثت الملاقاة بعد العلم بالنجاسة يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح والطرف الآخر دون الملاقي بالكسر، وما نحن فيه من قبيل الأول دون الثاني.









بقي في المقام أمران:







الأول ـ قد تقدم عدّ الصحة والفساد من الأحكام الوضعية بمعنى أن كلاً منهما مجعول شرعي وعن الشيخ والماتن (قدس سرهما) التفصيل بين الصحة والفساد في العبادات بأنهما فيهما أمران خارجيان عن جعل الشارع حيث إن الصحة فيها بمعنى مطابقة المأتي به لمتعلق الأمر وفسادها عبارة عن عدم مطابقته له بخلاف الصحة والفساد في المعاملات حيث إن الصحة فيها بمعنى جعل الأثر للمتحقق منها والفساد بمعنى عدم جعل الأثر له فالفرد الموجود من المعاملة خارجاً إن ترتب الأثر المترتب منها عليه فهو صحيح، وإلاّ ففاسد وربما يقال: إن الصحة في المعاملات أيضاً مطابقة المأتي به منها لما تعلق به الإمضاء وفسادها عدم مطابقتها له.









والحاصل أن الصحة والفساد من أوصاف ما يتحقق خارجاً فما هو المحقق في الخارج فعلاً أو تقديراً مطابقاً لما تعلق به الإمضاء يوصف بالصحة، وإلاّ فبالفساد.

نعم، هذا بالإضافة إلى الصحة والفساد الواقعيين في العبادات والمعاملات، وأما الصحة والفساد الظاهريان فهما مجعولان في العبادة والمعاملة فإنّ للشارع أن يعتبر عند جهل المكلف غير المطابق مطابقاً كما في موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز، والمطابق غير مطابق كما في مورد جريان الاستصحاب في عدم حصول الشرط في العبادة أو المعاملة إذا كان الواقع على خلاف مقتضاها.









أقول: لا ينبغي التأمل في أن إحراز صحة العبادة المأتي بها وعدم صحتها وكذا إحزاز صحة معاملة توجد في الخارج وعدم صحتها يكون بملاحظة خطاب الشارع وملاحظة دليل يكون مفاده بيان متعلق الأمر أو الموضوع للإمضاء، والكلام في المقام ليس في الإحراز وإنما في أن كلاً من الصحة في العبادة والمعاملة أمر مجعول للشارع أم لا، أو يفصل بين العبادة والمعاملة والظاهر هو التفصيل؛ لأن المتحقق خارجاً لا يتعلق به الأمر حيث إنه طلب الإيجاد لا طلب الشيء بعد وجوده، ومطابقة المأتي به لما يطلب إيجاده أمر واقعي يدركه العقل بخلاف المعاملات فإن الحكم الشرعي والإمضاء يجعل لوجوداتها ولو بمفاد القضية الحقيقية فشمول الإمضاء الحاصل بنحو القضية الحقيقية للمتحقق خارجاً أيضاً حيث إن الإمضاء وجعل الأثر لوجودات المعاملة ولو بجعل العناوين مشيرة إليها فيكون المحقق للصحة جعل الأثر للمتحقق ولو بملاحظته في ضمن قضية حقيقية.









الثاني ـ قد يقال إن المجعولات الشرعية تكون من قبيل الحكم ـ تكليفية كانت أو وضعية ـ ومن قبيل غير الحكم قال الشهيد في قواعده: الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود لا يطلق على الفاسد إلاّ الحج لوجوب المضي فيه، ومرادهم من جعل الماهية إما أن الشارع لاحظ أموراً متعددة شيئاً واحداً وسماه باسم خاص كما هو مسلك من التزم بالحقيقة الشرعية بالوضع التعييني أو بالوضع التعيني بأن استعمل اللفظ في مجموع تلك الاُمور بالعناية حتى صار بكثرة الاستعمال حقيقة فيه في عصره أو أن المراد أن الشارع جعل التكليف المتعلق بها ولا يطلق الأسامي والألفاظ الدالة على المتعلق إلاّ على الصحيح أي التام والمجموع الذي تعلق به التكليف إلاّ الحج حيث يطلق على الفاسد أيضاً لكون فاسده أيضاً متعلق التكليف كصحيحه من وجوب المضي فيه.

وعلى كل تقدير التكليف في الحج الفاسد بالمضي لا يدلّ على التفرقة في الماهيات الجعلية في أساميها وذلك لأن المراد من الحج الفاسد ليس هو الحج الباطل بل الحج الذي يجامع المكلف امرأته بأن يجامعها بعد إحرامه للعمرة قبل السعي، أو بعد إحرامه للحج قبل الوقوف بالمزدلفة فإنه يجب عليه تكرار العمر ة والحج بعد إتمامها جزاءً لا أن ما وقع فيه الجماع فاسد كفساد الصلاة بارتكاب مبطلاتها بل في الرواية المعتبرة حجة إسلامه هو الحج الأول لا المعاد، أضف إلى ذلك أن وجوب المضي لا ينحصر على الحج بل يثبت في صوم شهر رمضان أيضاً حيث إنه لو أفطر صومه فيه بتناول المفطر عمداً يجب عليه الإمساك بعد إبطاله كما هو المقرر في محله مع أن الفساد فيه واقعي.

















(1). سورة البقرة: الآية 275.









(2). سورة النساء: الآية 3.









(3). سورة المؤمنون: الآيتان 5 ـ 6.









(4). غوالي اللآلي 1: 222، الحديث 9.

























تنبيهات:








الأول ـ أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين[1] فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلاً ولو فرض أنه يشك لو التفت







الثاني ـ أنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته [2]















تنبيهات الاستصحاب















[1] المعتبر في جريان الاستصحاب إحراز الحالة السابقة والشك في بقائها، والشك المعتبر في جريانه المعبر عنه بأحد ركني الاستصحاب هو الشك الفعلي كما هو ظاهر خطابات الاستصحاب، وظاهر العناوين المأخوذة في الخطابات موضوعات لسائر الأحكام سواء كانت الأحكام ظاهرية أم واقعية فإنه كما لا اعتبار بالتغير الشأني أي التقديري في نجاسة الماء الكثير كذلك لا اعتبار في التعبد بالبقاء بالشك التقديري في بقاء الحالة السابقة بمعنى أن المكلف لو كان ملتفتاً إلى تلك الحالة السابقة وشك في بقائها، وقد رتب الماتن (قدس سره) تبعاً للشيخ (قدس سره) على اعتبار الشك الفعلي وعدم كفاية التقديري أمرين:







أحدهما ـ أنه لو كان المكلف على حدث ثمّ غفل عن حاله وصلى حال الغفلة وبعد الصلاة التفت واحتمل أنه قد توضأ قبل صلاته وغفلته عن حاله فيحكم بصحة صلاته لقاعدة الفراغ، ولكن يجب عليه الوضوء أخذاً في حدثه السابق بالاستصحاب الجاري بعد الصلاة.

لا يقال: كما أن مقتضى الاستصحاب بعد الصلاة اعتبار الوضوء للصلوات الآتية لبقاء حدثه السابق كذلك مقتضاه بطلان صلاته التي يكون مقتضى الاستصحاب بعد الصلاة وقوعها حال الحدث فإنه يقال: قاعدة الفراغ الجارية بالإضافة إلى الصلاة الماضية حاكمة على الاستصحاب بالإضافة إلى الصلاة المفروغ منها على ما يأتي في بحث تعارض الاُصول، ولا تثبت كونه على وضوء بالإضافة إلى الصلاة الآتية.









وثانيهما ـ أن المكلف المفروض إذا التفت إلى حاله قبل الصلاة واحتمل بقاء حدثه لعدم توضئه ثمّ غفل وصلى فإنه يجب عليه إعادة تلك الصلاة على تقدير إحرازه لعدم توضئه بعد الشك في بقاء حدثه فإنه لا يجري في الفرض قاعدة الفراغ بل كان اللازم عليه لزوم الوضوء قبل دخوله في الصلاة لإحراز كونه محدثاً قبلها بالاستصحاب.









وقد ناقش المحقق الهمداني على ما هو ببالي في تعليقته على الرسالة في كلا الأمرين حيث إن المناقشة في الأمر الثاني ظاهرة والصلاة المفروضة لا يحكم بصحتها سواء قيل بكفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب، أو يقال: باعتبار الشك الفعلي، أو قيل: بعدم اعتبار الاستصحاب أصلاً فإن عدم جريان قاعدة الفراغ في الصلاة المفروضة كاف في لزوم إعادتها لإحراز امتثال الأمر المتعلق بها مع الطهارة والوجه في عدم جريان القاعدة اختصاصها بالشك الحادث بعد العمل وهذا المكلف قبل أن يصلي عند الالتفات إلى حاله كان على شك في صحة صلاته التي يصليها على ذلك الحال بعد ذلك.









وأما المناقشة في الأول فإنه لو قيل باعتبار احتمال الذكر حال العمل في جريان قاعدة الفراغ فالصلاة المفروضة غير مجزية لعدم جريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى حال غفلته حال العمل سواء قيل بكفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب أو قيل بكفاية الشك التقديري فإن الصلاة المزبورة واقعة حال الحدث بمقتضى الاستصحاب في الحدث بعد الصلاة أو حتى قبلها بناءً على الشك التقديري، ولو قيل بعدم اعتبار احتمال الذكر حال العمل في جريان قاعدة الفراغ فيحكم بصحة العمل حتى بناءً على كفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب فإنه بناءً على كفاية الشك التقديري وأن يجري الاستصحاب في حدثه السابق قبل الصلاة إلاّ أن قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة بعد الفراغ تكون حاكمة على ذلك الاستصحاب بناءً على أن الموضوع في القاعدة يختص بالشك الفعلي الحادث بعد الفراغ كما هو الصحيح.









ثمّ أنه قد أورد بعض الأعاظم (رضوان اللّه عليه) على ما ذكره الماتن من اعتبار فعلية الشك في جريان الاستصحاب من أن اعتباره فعلية الشك في جريانه ينافي ما يذكره في التنبيه الآتي من أن مقتضى خطابات الاستصحاب جعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه عند الشك في البقاء على تقدير حدوثه، ووجه المنافاة أن الشك في البقاء في شيء ـ على تقدير حدوثه ـ شك تقديري لا فعلي.

بل ذكر الماتن فيه في ذيل كلامه أن مقتضى خطابات الاستصحاب هو جعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه، ولازم ذلك أن لا يكون عنوان اليقين مأخوذاً في موضوع اعتبار الاستصحاب وكذا الشك.









ولكن لا يخفى ما في الإيراد فإن المراد بفعلية الشك في المقام هو الشك في بقاء الحالة السابقة فإن كانت الحالة السابقة أمراً معلوم الحصول فالشك إنما هو في البقاء كذا إن لم يكن حصوله معلوماً فالشك في البقاء فعلي سواء وإنما التقدير في الحالة السابقة حيث إن حصولها في فرض جزمي وفي فرض آخر غير جزمي فإنه لولا الحصول لا بقاء.









وما تقدم من عدم كفاية الشك التقديري المعبر عنه بالشك التعليقي المراد منه عدم الشك عند جريان الاستصحاب أصلاً بل لو كان المكلف ملتفتاً حصل له الشك في البقاء والشك التقديري بهذا المعنى لا يكفى في جريان الاستصحاب، وأما إذا كان الشك في البقاء فعلياً والبقاء فرع ثبوت الشيء فتارة يكون ثبوته معلوماً واُخرى محتملاً، وهذا لا يضر بجريان الاستصحاب على ما يذكره الماتن في الأمر الآتي.

نعم، ما ذكر الماتن (قدس سره) في هذا الأمر وفي ذيل تعريف الاستصحاب من كون اليقين بالثبوت كالشك في البقاء معتبراً في جريان الاستصحاب ينافي ما يذكر في الأمر الآتي من عدم اعتبار اليقين بالثبوت في جريانه وأن أدلة الاستصحاب ناظرة إلى التعبد بالبقاء عند الشك فيه سواء كان الثبوت محرزاً بالعلم أو بغيره.









بقي في المقام ما يقال: من أنّ البحث في أن المراد من الشك المأخوذ موضوعاً لاعتبار الاستصحاب هو خصوص الشك الفعلي وأنه لا يعمّ الشك التقديري لغو محض حيث إن البحث في أن العنوان الوارد موضوعاً في الخطابات خصوص فعليته أو يعم الشأني أيضاً يصح فيما إذا أمكن للمكلف الالتفات حال العمل على طبق الحكم إلى تحقق العنوان الشأني كما في تغير الماء ولا يمكن الالتفات إلى الشك الشأني حيث إن المكلف لا يلتفت إليه ليعمل على طبق حكمه، وإلاّ تحقق له الشك الفعلي، ولو كان جعل الحكم للشك الشأني أمراً معقولاً لم يكن في مقام الإثبات بالإضافة إلى بعض الاُصول قصوراً نظير قوله (عليه السلام): «كل شيء نظيف حتى يعلم أنه قذر» و«كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» حيث إن ظاهرهما عدم دخل الشك الفعلي في الحكم بالطهارة والحلية بل الشيء ما لم ينكشف حرمته ونجاسته محكوم عليه بالطهارة والحلية، وعلى الجملة البحث في مقام الإثبات وأن الشك الوارد في خطابات الاستصحاب ظاهر في خصوص الشك الفعلي، ولا يعم الشك التقديري إنما يفيد بعد عدم ثبوت الامتناع في موضوعية كل منهما ثبوتاً.









وقد ذكر أن الشك الشأني لا يمكن جعله موضوعاً للتكليف أو الوضع لعدم إمكان التفات المكلف إليه حال العمل بالحكم ويجري ذلك في الشك بعد العمل الموضوع في قاعدة الفراغ فإنه لا يكون الموضوع للحكم بالصحة إلاّ الشك الفعلي بعد العمل.

أقول: ما ذكر من عدم إمكان جعل الحكم الظاهري حال الشك الشأني يتم بالإضافة إلى الحكم التكليفي الطريقي حيث لا يكون ذلك التكليف حال الغفلة داعياً إلى العمل، وأما بالإضافة إلى الحكم الوضعي فإن كان لثبوته حال الشك الشأني أثر ولو بعد انقضاء حال الغفلة فلا بأس من جعله لحال الغفلة كما إذا علم المكلف أن على ثوبه شعر ما لا يؤكل لحمه ثمّ شك بعد زمان أنه رفعه عن ثوبه أم لا فصلى فيه لاحتمال أنه رفعه فلا يحكم بعد الفراغ بصحة صلاته سواء بقي الشك أو علم ببقائه على ثوبه، أما في فرض بقاء شكه فلعدم جريان قاعدة الفراغ لكون شكه لم يحدث بعد العمل وأما في فرض علمه بالبقاء لعدم جريان قاعدة «لا تعاد» لأنه حين الدخول في الصلاة كانت صلاته محكومة بالخلل فيها، وأما إذا غفل بعد شكه في الرفع وصلى حال غفلته ثمّ عاد الشك في البقاء بعد الفراغ أو علم بالبقاء فلا تجري قاعدة الفراغ لكون الشك في الصحة حادثاً قبل الصلاة، ولكن يحكم بصحتها بحديث «لا تعاد» حيث إن غفلته عذر فالخلل معه لا يضر بصحة صلاته إذا علم البقاء فضلاً عن الاحتمال هذا لو قلنا بسقوط الاستصحاب قبل الصلاة بطرو الغفلة؛ لأنه لا موضوع له بعد طروها بخلاف ما لو قيل بكفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب حيث إنه لا تجري بعد الصلاة قاعدة الفراغ لكونه حادثاً قبل العمل، ولا قاعدة «لا تعاد»؛ لأن الاستصحاب حال الغفلة على الفرض قد قطع المعذرية عن الغفلة حيث إن مقتضى الاستصحاب ـ لكونه حكماً طريقياً ـ الإسقاط والتنجيز على تقدير بقاء الثوب على الخلل حال الصلاة.

















[2] قد أشكل في جريان الاستصحاب فيما كان إحراز الحالة السابقة بغير العلم واليقين بل بالأمارة المعتبرة أو حتى بالأصل العملي كما أحرز تمام الوضوء بقاعدة الفراغ ثمّ شك بعده في زواله وبقائه لاحتمال الحدث فإنه لا علم في مثل هذه الموارد بالثبوت بل ولا شك في البقاء منجزاً بل معلقاً على الثبوت، وقد أخذ في خطابات اعتبار الاستصحاب أمران: أحدهما ـ اليقين بالحالة السابقة، والثاني ـ الشك فيها أي بقائها، وظاهر كلام الماتن أنه لا مورد لهذا الإشكال بناءً على أن مقتضى اعتبار الأمارة جعل مدلولها حكماً ولو بعنوان الحكم الطريقي مثلاً إذا قامت الأمارة على حرمة العصير بغليانه، وشك في بقاء حرمته عند ذهاب ثلثيه بغير النار يمكن استصحاب الحرمة المجعولة للعصير العنبي بمقتضى اعتبار الأمارة بعد ذهاب ثلثيه بغير النار بتقريب أن حرمته بالغليان معلومة ويشك في بقائها بعد ذهاب ثلثيه بغير النار، وأما بناءً على أن مقتضى اعتبار الأمارة مجرد جعل الحجية أي المنجزية والمعذرية له كما هو مختاره (قدس سره) فيشكل جريانه لعدم اليقين بالحالة السابقة يعني الحرمة الواقعية ولا حرمة للعصير غيرها على الفرض، وجريان الاستصحاب في نفس الحجية فهو معقول في الفرض؛ لأنها وصف للأمارة ولا أمارة بالإضافة إلى ما بعد ذهاب الثلثين بغير النار وإلاّ لم يحتج إلى الاستصحاب.









أقول: لا يخفى ما في الفرق واختصاص الإشكال بالالتزام بمسلكه دون مسلك الشيخ (قدس سره) فإنه لا فرق في جريان الإشكال على المسلكين حيث إن ثبوت الحكم التكليفي الطريقي موضوعه كونه مدلول الأمارة والمفروض أنه لا أمارة على حرمة العصير بعد غليانه وذهاب ثلثيه بغير النار، وإلاّ لم يحتج إلى الاستصحاب.

والحاصل أن ذلك الحكم التكليفي الطريقي قد ارتفع قطعاً ولو ثبت تكليف طريقي من غير ناحية الأمارة المفروضة فهو مثل الحكم الأول لا أنه بقاء الحكم الأول.









ومما ذكر يظهر الإشكال في جريان الاستصحاب فيما كان إحراز الحالة السابقة بالأمارة حتى بناءً على مسلك السببية فإن الموضوع للحكم النفسي الثابت واقعاً على ذلك المسلك قيام الأمارة وكونه مدلولها والمفروض أن الحكم بعد ذهاب الثلثين بغير النار خارج عن مدلول الأمارة.

نعم، لا بأس على مسلك السببية بالالتزام بأن الحرمة الواقعية الثابتة قبل ذهاب ثلثيه بغير النار مرددة بين الفرد القصير بأن تحدث الحرمة بقيام الأمارة، وبين أن تكون الحرمة الواقعية ثابتة مع قطع النظر عن قيامها، وتكون طويلة تعم ما بعد الذهاب المفروض فيجري عليه ما ذكرنا في الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي إذا كان المستصجب حكماً تكليفياً.









ثمّ إنه قد أجاب الماتن عن الإشكال على مسلكه بأن العلم بثبوت الحالة السابقة غير دخيل في التعبد ببقائها وذكر اليقين والعلم في خطاباته لمجرد كونه كاشفاً عن ثبوت الحالة السابقة وفي الحقيقة الموضوع لاعتباره الشك في بقاء الحالة السابقة ومعنى اعتباره جعل الملازمة بين ثبوت الشيء واقعاً وبقائه في ظرف الشك في البقاء تعبداً أي ظاهراً فتكون نتيجة التعبد أنه أحرز ثبوتها بمحرز يحكم ببقائها في ظرف الشك في البقاء وتصير الحجة على الثبوت حجة على البقاء بضميمة أخبار الاستصحاب، وبما أنه يبقى السؤال عن القرينة لحمل اليقين في أدلة الاستصحاب على ذكره لمجرد كونه طريقاً إلى ثبوت الشيء وعدم كونه مأخوذاً في موضوع اعتباره دفعه بأن ظاهر خطابات الاستصحاب أنها ناظرة إلى التعبد بالبقاء فقط وليست ناظرة إلى كيفية ثبوت الحالة السابقة فيكفي حينئذ في جريانه إحراز الحالة السابقة بالأمارة.









أقول: دعوى أن أخبار الاستصحاب ناظرة إلى التعبد بالبقاء حتى فيما لم يحرز الثبوت بأن لم يكن العلم مأخوذاً في موضوع اعتبار الاستصحاب ولو بعنوان الطريقية خلاف الظاهر، بل جعل الملازمة حتى في موارد عدم إحراز الثبوت بينه وبين احتمال البقاء لغو محض، وظاهر تلك الأخبار أن التعبد بالبقاء في فرض اليقين بالحدوث كيف وقد ذكر (قدس سره) سابقاً في بيان المصحح لاستعمال كلمة النقض أنه بلحاظ ما في نفس اليقين من الإبرام والاستحكام ومقتضى ذلك أن يلاحظ في التعبد بالبقاء في ظرف الشك فيه فرض اليقين بالثبوت، ولحاظه في موضوع اعتبار الاستصحاب من جهة طريقيته لا يفيد في قيام الأمارات مقامه على مسلكه كما التزم بذلك في بحث أخذ العلم في موضوع الحكم ولو بنحو الطريقية مع أنه لا يناسبه استعمال كلمة النقض كما ذكرنا، والمتعين في الجواب عن الإشكال ما ذكرنا في اعتبار الأمارات من أن معنى اعتبارها هو اعتبارها علماً بالواقع فتكون الحالة السابقة المحرزة بالأمارة محرزة بالعلم فيعتبر ذلك العلم بالحدوث علماً بالبقاء أيضاً.









وقد اُورد على الماتن في تصحيحه جريان الاستصحاب في موارد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة بوجه آخر وهو أن الالتزام بأن مدلول أخبار الاستصحاب هو الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه لا يمكن أن يكون المراد الملازمة الواقعية؛ لأن الأشياء مختلفة بعضها لا يبقى بعد حصوله، وبعضها يبقى ويختلف الباقي في زمان البقاء فكيف يمكن أن تكون ملازمة واقعية بين ثبوت شيء وبقائه، بل لازم الملازمة الواقعية أن يكون الاستصحاب من الأمارات ويكون مقتضاه أي مقتضى أخباره أن الأمارة القائمة بثبوت شيء أمارة ببقائه واقعاً نظير ما دل على وجوب التقصير في السفر إلى أربعة فراسخ إذا عاد منه بأن صار ثمانية فراسخ ذهاباً وإياباً من غير انقطاعه بقواطع السفر فهو كما أنه أمارة على قصر الصلاة فيه كذلك هو دليل على لزوم الإفطار فيه حيث إن الدليل على أحد المتلازمين دليل على ثبوت الآخر بل المتعين أن يكون المراد الملازمة الظاهرية بمعنى أنه إذا تنجز الشيء حدوثاً فلا يحتاج في تنجزه بقاءً ـ عند الشك في البقاء ـ إلى منجز آخر بل مجرد احتمال بقائه منجز للبقاء، وبتعبير آخر الملازمة بين حدوث التنجيز وبقائه عند الشك في البقاء تثبت بأخبار الاستصحاب، وهذه أيضاً لا يمكن الالتزام بها حيث إن في موارد العلم الإجمالي بالحرمة يكون المعلوم بالإجمال منجز بالعلم الإجمالي ثمّ لو قامت الأمارة على حرمة بعض الأطراف بالخصوص من الأول ينحلّ العلم الإجمالي باحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على ذلك البعض يرتفع تنجز العلم الإجمالي فلا ملازمة بين حصول التنجز وبقائه، وقد التزم بهذا الإنحلال الماتن (قدس سره) وغيره في ردّ استدلال الإخباريين على لزوم التوقف والاحتياط في الشبهات التحريمية الحكمية وأن قيام الأمارات المعتبرة على تحريم جملة من الأفعال في الوقايع المحتمل كونها بمقدار المعلوم بالإجمال يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز في سائر المحتملات.

















جريان الاستصحاب في مورد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة








أقول: مراد الماتن من الملازمة بين ثبوت شيء وبقائه في ظرف الشك في البقاء الملازمة الظاهرية لا الواقعية حيث إنّ تنجيز البقاء على تقديره في ظرف الشك فيه، ومعنى الملازمة الظاهرية جعل الحكم المماثل للحالة السابقة في ظرف الشك أو المماثل لحكمه كما يصرح به فيما بعد.

أضف إلى ذلك أن النقض بمورد انحلال العلم الإجمالي بالإمارات القائمة بثبوت التكليف في جملة من الأفعال في الوقايع غير وارد فإن مدلول أخبار الاستصحاب الملازمة بين حصول شيء واقعاً وبقائه الظاهري أي يكون ذلك المنجزاً للحدوث مع بقائه منجزاً للحدوث منجزاً للبقاء أيضاً لا أنه يبقى منجزاً للحدوث والبقاء وفي مورد الانحلال لا يبقى العلم الإجمالي منجزاً للحدوث ليكون منجزاً للبقاء أيضاً.

وعن بعض الأجلة (رضوان اللّه عليه) أن المراد بالعلم في أخبار الاستصحاب بمناسبة الحكم والموضوع هو الحجة على الثبوت بمعنى أن الحجة على الثبوت لا يرفع اليد عنها بالشك أي ما لا يكون حجة على زوال الشيء وعدم بقائه وذكر الوضوء وطهارة الثوب في موارد الأخبار يحسب قرينة على ذلك فإن طهارة الثوب أو الوضوء لا يحرز بالعلم الوجداني غالباً بل يحرز بمثل أخبار ذي اليد وقاعدة الفراغ ونحوهما.









وعلى الجملة ورود العلم أو اليقين في أخبار الاستصحاب كوروده غاية في قاعدتي الطهارة والحلية من قوله (عليه السلام): «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر»(1) و«كل شيء حلال حتى تعرف الحرام»(2) في كون المراد منه الحجة فلا مجال للمناقشة في موارد ثبوت الحالة السابقة بغير العلم من سائر الحجج والفرق بين هذا الوجه وبين الملازمة الظاهرية المتقدمة هو أن مقتضى الملازمة الظاهرية شمول التعبد بالبقاء في الموارد التي كان حدوث الشيء محرزاً ولكن لم يكن لإحرازه أثر حتى عقلاً، ولكن كان ذلك الشيء في بقائه ذا أثر شرعي فمدلول الأخبار كما تقدم تنجز بقائه على تقدير البقاء بخلاف هذا الوجه فإنه لا تعمه أخبار الباب لعدم الحجة أي المنجزية والمعذرية في العلم بحدوثه كما في موارد كون الشيء موضوعاً للحكم الشرعي في البقاء فقط كما إذا علمنا بنجاسة إناء كان خارجاً عن محل الابتلاء وتمكن التصرف فيه ثمّ دخل في الابتلاء مع احتمال وقوع المطهر عليه قبل دخوله في محل الابتلاء فإن مقتضى أدلة الاستصحاب بناءً على الملازمة الظاهرية جعل النجاسة الظاهرية لتلك الإناء طريقياً بخلاف ما إذا قيل بأن الحجة على الثبوت لا ترفع اليد عنه إلاّ بالحجة على الزوال فإن العلم في الفرض لا يكون حجة على الحدوث لخروج المعلوم بالإجمال زمان العلم عن التمكن في التصرف والابتلاء ليحكم عليه بأنه لا ترفع اليد عنه إلاّ بالحجة على الزوال أو أنه حجة على البقاء أيضاً.

أضف إلى ذلك أن الوارد في جلّ أخبار الاستصحاب اليقين وحمله على معنى الحجة لا قرينة عليه، وما ذكر من القرينة فيه ما لا يخفى.









فتلخص مما ذكرنا أن الصحيح في دفع الإشكال المتقدم في موارد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة هو أن معنى اعتبارها اعتبارها علماً بالشيء ومدلول أخبار الاستصحاب أن العلم بالشيء حدوثاً يحسب علماً ببقاء ذلك الشيء في ظرف الشك، واعتبارها علماً لا يقتضي أن يكون بلحاظ التنجيز فقط بل يمكن أن يكون بلحاظ الأثر المترتب على كون العلم موضوعاً لاعتبار آخر من تكليف أو وضع منفرداً أو منضماً.

















جريان الاستصحاب في مورد ثبوت الحالة السابقة بالأصل العملي








بقي الكلام فيما كان إحراز الحالة السابقة بالأصل فإن هذا على قسمين:







الأول ـ أن يكون مفاد ذلك الأصل ثبوت الشيء من غير تعرض لبقائه كما في مورد جريان قاعدة الفراغ في الوضوء، وما إذا غسل الثوب المتنجس بماء كانت طهارته بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة فإنه إذا شك في حدوث الحدث بعد ذلك الوضوء أو في إصابة نجس لذلك الثوب المغسول بذلك الماء بعد غسله به فلا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء نفس الوضوء المفروض أو في طهارة نفس الثوب المغسول فإنه من قبيل الاستصحاب في الحكم الوضعي بل يجري الاستصحاب في ناحية الموضوع لبقاء الوضوء، وفي ناحية الموضوع لبقاء الطهارة للثوب حيث إن مقتضى الاستصحاب عدم خروج البول أو غيره من النواقض بعد الوضوء المفروض، وعدم إصابة نجس للثوب المفروض بعد غسله وبضميمة قاعدة الفراغ إلى الاستصحاب في عدم خروج الناقض للوضوء يثبت الوضوء وبقاؤه فإنه إذا حكم الشارع بصحة الوضوء وتمامه وعدم خروج البول وغيره من النواقض يثبت الوضوء وبقائه فإن الشارع حكم ببقاء الوضوء إذا توضأ المكلف ولم يحدث بعده ناقض، وكذلك الأمر في ضم الاستصحاب في عدم إصابة النجاسة للثوب إلى قاعدة الطهارة أو استصحابها الجاري في ناحية طهارة الماء يثبت طهارة الثوب وبقاء طهارته.

وعلى كل مجرى الاستصحاب في المثالين غير ما يثبت بالأصل أولاً، بل في ناحية بقاء الموضوع لبقائه.









لا يقال: لا مانع عن جريان الاستصحاب في ناحية نفس الوضوء المحرز بقاعدة الفراغ وطهارة الثوب المحرز بأصالة الطهارة الجارية في الماء المغسول به أو بالاستصحاب في طهارة نفس الماء أخذاً بإطلاق ما دل على النهي عن نقض اليقين بالشك.









فإنه يقال: الاستصحاب في نفس الوضوء بعد احتمال خروج الحدث وفي طهارة الثوب بعد احتمال إصابة النجس إن صح فهو استصحاب في الحكم ولا تصل النوبة إليه مع جريان الاستصحاب في موضوعهما.

أضف إلى ذلك ما ذكرنا في جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعية من أنه لولم يجر الاستصحاب في ناحية الموضوع لكان الاستصحاب في بقاء الحكم الجزئي غير جار؛ لأنه يبتلى باستصحاب في عدم جعله نظير ما ذكرنا من المعارضة في الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية نعم المعارضة مختصة بمثل استصحاب الوضوء لا طهارة الثوب حيث تجري فيه ـ مع قطع النظر عن الاستصحاب عند الشك في إصابة النجس ـ أصالة الطهارة وما في صحيحة زرارة من ظهور قوله (عليه السلام) في جريان الاستصحاب في نفس الوضوء لتسهيل تفهيم الاستصحاب وإلاّ مجراه في ذلك المثال الاستصحاب في عدم النوم المثبت لبقاء الوضوء.









القسم الثاني ـ أن يكون مفاد الأصل العملي ثبوت الحالة السابقة وثبوت تلك الحالة حتى يعلم زوالها كما إذا شك في مايع أنه بول أو ماء حيث يحكم بطهارته، ولكن معها لا يجوز الوضوء والغسل والتطهير به؛ لأن أصالة الطهارة الجارية فيه لا تثبت أنه ماء، ولو شك في إصابة نجاسة له بعد ذلك لا يحتاج في المقام إلى استصحاب آخر فإن قاعدة الطهارة الجارية تثبت أولاً طهارة المايع المفروض إلى حصول العلم بنجاسته، وإذا أصابه النجس وأحرز هذه الإصابة يحرز نجاسته أما من الأول أو فعلاً، وما ذكر مبني على عدم جريان الاستصحاب في ناحية عدم كون المايع المفروض بولاً، وإلاّ يدخل في مثال القسم الأول كما لا يخفى.









لا يقال: كيف يجري الاستصحاب في ناحية عدم كونه بولاً مع عدم الحالة السابقة حتى بناءً على اعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي فإن جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية يختص بما إذا كان المسلوب عن الشيء قبل وجوده أيضاً من أوصاف الموجود وعوارضه لا عنوان الذات والذاتي فإن الذات والذاتيات لا تكون مسلوبة عن الشيء ولو قبل وجوده حيث إن البول بول حتى في مرتبة الذات، ومع الإغماض عن ذلك فالاستصحاب في عدم كونه بولاً معارض بالاستصحاب في عدم كونه ماءً؟







فإنه يقال: بناءً على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي لا فرق بين أن يكون المستصحب عدم الوصف اللازم أو عنوان الذات والذاتي فإن عدم صحة السلب ولزوم الحمل في الذاتي للشيء حتى في مقام الذات إنما هو بالحمل الأولي والموضوع للأثر الشرعي هو المسلوب بالسلب الشايع وكما أن الوصف اللازم يسلب عن الشيء قبل وجوده كذلك عنوان الذات أو الذاتي يكون مسلوباً عنه قبل وجوده بذلك السلب مع أنه في مثل المايع يمكن الاستصحاب بنحو السالبة بانتفاء المحمول كما ذكرنا في محله.









ثمّ إنه لا يجري من جريان الاستصحابين الترخيص في المخالفة القطعية العملية حيث لا يجوز الوضوء به أي لا يجزي للصلاة ولا يحكم بنجاسة ملاقيه حتى فيما إذا لم يكن للمكلف ماء آخر للوضوء لصلاته فتنتقل الوظيفة إلى التيمم؛ لأنه غير واجد للماء كما لا يخفى.

















(1). التهذيب 1: 285.









(2). انظر الكافي 5: 313، و 6: 339.

































الثالث ـ أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الأحكام أو ما يشترك بين الاثنين فحصا[1] أو الأزيد







مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه[2] لا أنه من لوازمه على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقلياً [3]















في جريان الاستصحاب في أقسام الكلي
















[1] قد يكون المستصحب أمراً جزئياً يشك في بقائه واُخرى يكون أمراً كلياً ويجري الاستصحاب في بقاء ذلك الأمر الجزئي أو الكلي فيما كان كلّ منهما موضوعاً لحكم شرعي أو قابلاً للتعبد بالبقاء فيما كان بقاؤه ولو تعبداً موضوعاً لأثر عقلي كالإجزاء في مقام الامتثال والماتن (قدس سره) فرض كون المتيقن كلياً أو جزئياً في خصوص الأحكام، ويظهر الحال فيها بعد التكلم في أقسام الكلي من جهة الشك في بقائه فنقول: ذكروا في استصحاب الكلي أقساماً:







الأول ـ ما إذا كان الشك في بقاء الكلي وعدمه للشك في بقاء الجزئي السابق من الفرد المعين المحرز أو عدم بقائه، وجريان الاستصحاب في هذا القسم في ناحية الكلي كجريانه في ناحية الجزئي بلا كلام؛ لتمام ركني الاستصحاب في ناحية الكلي كتمامهما في ناحية الفرد، ولكن قد يقال: بأن الاستصحاب في الفرد لا يغني عن الاستصحاب في ناحية الكلي بل لابد من إجراء الاستصحاب في ناحية كل من الفرد والكلي ليترتب على الاستصحاب الأثر المترتب على الكلي والأثر المترتب على الفرد، ويجري في ناحية ذي الأثر خاصة إذا لم يكن الأثر الشرعي إلاّ لأحدهما كما إذا كان المكلف محدثاً بالأصغر وشك في أنه توضأ أم لا فيجري الاستصحاب في ناحية كونه محدثاً فلا يجوز له الدخول في الصلاة، ولا مسّ كتابة القران وأما إذا كان جنباً واحتمل أنه اغتسل من جنابته فلا يجوز له أيضاً الدخول في الصلاة ولا مسّ كتابة القران، ويكفي في ذلك الاستصحاب كونه محدثاً ولا يكفي هذا الاستصحاب في حرمة مكثه في المساجد وقراءته سور العزائم بل لابد من ملاحظة جريانه في ناحية الجنابة حيث إن حرمة المكث فيها وحرمة قراءتها أثر للجنابة لا الحدث بخلاف عدم إجزاء الصلاة وعدم جواز مسّ كتابة القرآن فإنهما من أثر الحدث.









أقول: لا يترتب على هذا البحث أثر عملي بعد فرض تمام ركني الاستصحاب في ناحية كل من الفرد والكلي، وإن كان الصحيح إغناء الاستصحاب في الفرد فيما كان الأثر الخاص مترتباً عليه عن الاستصحاب في ناحية الكلي، والوجه في ذلك أن الأثر المترتب على الكلي ليس أثراً لعنوانه بل أثر لما يكون ذلك الكلي بالحمل الشايع، واستصحاب الفرد ولو كان لخصوصية ذلك الفرد أثر أيضاً يكون ذلك الكلي لا محالة فيترتب على الاستصحاب في ناحيته كلا الأثرين كالاستصحاب في بقاء الجنابة في المثال المتقدم.

نعم، الاستصحاب في ناحية الكلي لا يثبت الفرد؛ لأن التعبد بوجود الكلي ولو كان بنحو الحمل الشايع إلاّ أنه لا يثبت خصوصية الفرد الخاص كما يأتي وقد يستظهر من صحيحة زرارة التعبد بشخص الوضوء السابق مع أن الدخيل في الصلاة طبيعي الوضوء لا خصوص ذلك الوضوء، وفي الاستظهار ما لا يخفى فإن المعتبر في الصلاة الوضوء بالحمل الشايع والمستصحب هو الوضوء بالحمل الشايع المحرز سابقاً كما هو ظاهر الصحيحة، وبتعبير آخر الطهارة من الحدث بالإضافة إلى غير الجنب هي الوضوء خاصة لا الجامع.

















جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي








والقسم الثاني ـ ما إذا اُحرز حصول الكلي بفرد لا يعلم ذلك الفرد بعينه بل يتردد أمره بين أن يكون بقاؤه مقطوعاً به على تقدير كونه هو الحاصل وبين ما ارتفاعه مقطوع على تقدير حصوله كما إذا كان الشخص متطهراً من الحدثين وخرج منه بلل مردد بين البول والمني وإذا توضأ فيشك قهراً في بقاء حدثه فالكلام في أنه يجري في الفرض الاستصحاب في ناحية بقاء حدثه المقطوع حصوله سابقاً حتى لا يجوز له الدخول في الصلاة ما لم يحرز ارتفاع حدثه السابق بالاغتسال وكذا لا يجوز له مسّ كتابة القرآن أو لا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء الحدث، وحيث تقدم أن ركني الاستصحاب؛ اليقين بحصول الشيء، والشك في بقائه بأن يحتمل أن ما اُحرز حصوله سابقاً باق فلا مانع من شمول خطابات «لا تنقض اليقين بالشك» لنفس الكلي المحقق سابقاً فيحرز بقاؤه بإطلاق تلك الخطابات، ولكن قد نوقش في جريان الاستصحاب في مثل الفرض بوجهين:







الأول ـ عدم تمامية ركني الاستصحاب حيث إن تحقق الكلي بفرد تحقق وتحققه بفرده الآخر تحقق آخر، وعليه فإن تحقق في ضمن الفرد القصير فقد علم ارتفاعه، وإن تحقق بفرده الآخر فهو مقطوع البقاء فلا يكون في الفرض علم بتحقق، والشك في بقاء ذلك التحقق.









والوجه الثاني ـ أن الشك في بقاء الكلي مسبب عن احتمال حصول الفرد طويل العمر فيكون الأصل الجاري في ناحية عدم حصول ذلك الفرد حاكماً على الاستصحاب في ناحية نفس الكلي، ومقتضى الوجه الأول كما ترى عدم تمامية ركني الاستصحاب في ناحية الكلي، ومقتضى الوجه الثاني وجود المانع عن جريانه في ناحية الكلي، وهو وجود الأصل السببي الحاكم على الاستصحاب في ناحيته.









والجواب: عن الوجه الأول أن الكلي وإن لا يكون له تحقق بغير الفرد إلاّ أن الفرد المتحقق له إضافتان إضافة إلى الكلي وبهذا اللحاظ يكون تحققاً للكلي وإضافة إلى خصوصياته وبهذا الاعتبار يعد شخصاً، والتردد بين ما هو باق قطعاً وغير موجود أصلاً بملاحظة خصوصية كل من الفردين وأما بالإضافة إلى الطبيعي فالعلم بأن الطبيعي كان موجوداً ونحتمل بقاء عين ذلك الطبيعي الموجود سابقاً حاصل فعلاً، وإن شئت قلت المستصحب في هذا القسم أيضاً كالقسم السابق هو الشخص؛ لأن الموضوع للأثر الشرعي أو العقلي هو ما يكون بالحمل الشايع ذلك الطبيعي أو التكليف والحكم، وإنما يسمى الاستصحاب من استصحاب الكلي؛ لأن الأثر الثابت لذلك الشخص ليس أثراً بلحاظ خصوصيته بل بلحاظ أنه الطبيعي بالحمل الشايع فالطبيعي الموجود بالحمل الشايع يحتمل بقاؤه بعين تحققه السابق لاحتمال كونه هو الفرد الطويل، وليس الشك الوارد في خطابات الاستصحاب إلاّ احتمال البقاء، وإلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره الماتن (قدس سره) حيث قال بأن ما ذكر لا يوجب الإخلال في ركني الاستصحاب في ناحية الكلي، وذلك فإن الكلي مع قطع النظر عن خصوصية كل من الفردين معلوم الحدوث ويحتمل تحققه فعلاً بتحققه السابق المعبر عنه بالبقاء، وإنما يختل الاستصحاب بالملاحظة إلى خصوصية كل من الفردين حيث بهذه الملاحظة يعلم بالارتفاع في أحدهما ولا يعلم الحدوث في الآخر، ولازم ذلك أن يجري الاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل فيما إذا لم يوجب ذلك المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ففي المثال المتقدم يعني ما إذا خرج البلل المردد بين البول والمني من المتطهر من الحدثين لا مجال للاستصحاب في عدم جنابته لكونه معارضاً بالاستصحاب في عدم خروج البول منه فالمكلف يعلم إجمالاً أما باعتبار الوضوء لصلاته أو الغسل لها، ولا يجري بعد وضوئه الاستصحاب في عدم كونه جنباً لسقوطه بالمعارضة قبل الوضوء، ولكن يجري بعده الاستصحاب في بقاء حدثه المعبر عنه بالاستصحاب في الكلي فيلزم عليه لإحراز الطهارة لصلاته الاغتسال، وكذا لجواز مسه كتابة القرآن، ولكن لا بأس بقراءته العزائم، والمكث في المساجد؛ لأصالة الحل الجارية بالإضافة إليهما حتى قبل الوضوء؛ لأنها أصل طولي له خطاب خاص، وليس في البين مانع عن شمول خطابها لهما، وهذا بخلاف ما إذا كان متطهراً من الحدثين وتوضأ وضوءاً تجديدياً ثمّ علم بخروج البلل المردد بين البول والمني قبل الوضوء التجديدي فإنه يجري الاستصحاب في عدم جنابته بلا معارض فإن خروج البول لا أثر له في الفرض ليجري الاستصحاب في ناحية عدم خروجه فيجوز له ارتكاب ما لا يجوز للجنب.

















الإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي








وقد يقال: أنه لا مجال للاستصحاب في عدم الجنابة في الفرض؛ لأنه معارض أيضاً بالاستصحاب في ناحية عدم خروج البول، وعدم إصابته المخرج حيث يعتبر في تطهير المخرج من البول غسله مرتين ولا يعتبر في تطهيره من خروج المني إلاّ طبيعي الغسل فالاستصحاب في عدم إصابة البول مخرجه الاكتفاء بغسله مرة فالمكلف يعلم إجمالاً إما بوجوب الاغتسال عليه أو غسل مخرج بوله مرتين، وهذا العلم الإجمالي يوجب سقوط الاستصحاب النافي في ناحية كل منهما.









أقول: لو بنى على أن تطهير مخرج البول يكون بغسله الموضع مرتين لا يكون ذلك موجباً للفرق بين هذا الفرض والفرض السابق عملاً؛ لأن الاستصحاب في عدم إصابة البول المخرج وإن يوجب أن يقع المعارضة بينه وبين الاستصحاب في عدم خروج المني، وكذا تقع المعارضة بين أصالة البراءة عن اشتراط الصلاة بغسله مرتين، وبين أصالة البراءة عن اشتراطها بالاغتسال إلاّ أنه لا تختلف في النتيجة حيث يلزم على المكلف الاغتسال لإحراز الطهارة لصلاته ولانقطاع الاستصحاب في الحدث المتيقن حصوله بخروج البلل حتى يجوز له مسّ كتابة القرآن وأما جواز مكثه في المساجد وقراءته العزائم فلأصالة الحل الجارية فيهما؛ لأنها أصل مختص ولعله لذلك لم يفصل الشيخ وغيره (قدس سرهما) بين الفرضين في الحكم.









وأما بناءً على كفاية غسل الموضع مرة واحدة أو أن غسله مرتين احتياط لبعض ما ورد في تطهير مخرج البول مما ظاهره كفاية المرة فلا معارض لأصالة عدم خروج المني في الفرض الثاني، ولكن هذا لا يوجب عدم جريان الاستصحاب في ناحية كلي الحدث المحرز بخروج البلل حتى في الفرض الثاني إلاّ بناءً على ما نذكره بعد التعرض للوجه، الثاني من الإشكال وجوابه وهو أن ما هو معتبر في جريان الاستصحاب من إحراز الحالة السابقة والشك في بقائها وإن كان متحققاً بالإضافة إلى الكلي إلاّ أن الاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل حاكم على الاستصحاب في ناحيته فعدم جريانه في ناحية الكلي للمانع لا لفقد المقتضى والوجه في الحكومة أن الشك في بقاء الكلي مسبب عن احتمال حدوث ذلك الفرد الطويل، وإذا جرى الاستصحاب في ناحية عدم حدوثه يحرز عدم بقائه.









وأجاب الماتن عن هذا الإشكال:







أوّلاً ـ بأن الكلي كان موجوداً يقيناً فارتفاعه بعد انقضاء الفرد القصير من لوازم كون الحادث سابقاً ذلك الفرد القصير والاستصحاب في عدم حدوث الفرد الطويل لا يثبت أن الحادث سابقاً هو الفرد القصير كما أن بقاء الكلي فعلاً من لوازم كون الحادث هو الفرد الطويل.









وثانياً ـ أن بقاء الكلي أي الطبيعي عين بقاء الفرد الذي في ضمنه لا أنه لازمه وحكومة أصل على أصل آخر إنما يكون فيما كان مجري الأصل المحكوم أثراً ولازماً لمجرى الأصل الحاكم.









وثالثاً ـ بأن بعد الإغماض عن ذلك، وفرض كون بقاء الطبيعي لازماً فليس اللزوم شرعياً بل اللزوم عقلي ولا يترتب بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل إلاّ نفي آثاره الشرعية لا ارتفاع الكلي وعدم وجوده، وقد فهم سيدنا الاُستاذ من الجواب الأول عن دعوى الحكومة غير ما ذكرنا حيث قرر مراد صاحب الكفاية بأن الشك في بقاء الكلي مسبب عن احتمال كون الفرد المتيقن حدوثه هو الفرد الطويل وارتفاعه عن عدم حدوثه، وحيث لا أصل في البين يعين عدم كونه الفرد الطويل فلا يكون في البين حكومة على الاستصحاب في ناحية بقاء الكلي، ولذا أورد على جوابه بأنه إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية فيحرز به عدم كون الحادث الفرد الطويل حيث قبل خروج البلل لم يكن البلل الفرد الطويل ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وبعد خروجه يشك في بقاء السالبة بحالها حيث إن السالبة المحصلة صادقة مع انتفاء الموضوع ومع انتفاء المحمول بعد وجود الموضوع، وبالاستصحاب المذكور يحرز عدم كون البلل الخارج هو الفرد الطويل نظير ما تردد أن ما أصاب الثوب عرق الجنب عن الحرام الكافي في تطهيره غسله مرة أو أنه بول فاللازم في تطهيره غسله مرتين فإنه إذا جرى عدم كون ما أصابه بولاً يكتفى في تطهيره بالغسل مرة فيكون هذا الاستصحاب حاكماً على استصحاب بقاء نجاسة الثوب ولا يعارضه الاستصحاب في عدم كون ما أصابه عرقاً؛ لأنه لا أثر لهذا الاستصحاب للزوم غسل الثوب مرة لا محالة؛ لأن الشارع قد حكم بطهارة كل متنجس غسل بالماء مرة إلاّ ما أصابه البول فإنه يتعين في تطهيره الغسل مرتين والصحيح في الجواب عن الماتن أن يقال: إن المطلوب في الاستصحاب الجاري في ناحية الكلي إحراز وجوده في الزمان الثاني أو عدم وجوده فيه وعنوان الارتفاع لم يؤخذ موضوعاً للحكم ليكون اللازم إحراز أن الحادث كان الفرد القصير لا الطويل وفي إحراز عدم الطبيعي في الزمان الثاني يكفي إحراز عدم حدوث الفرد الطويل إذ انتفاؤه في ضمن الفرد القصير مقطوع به وإذا أحرز عدم وجوده في ضمن الفرد الطويل بالاستصحاب بعدم حدوثه يثبت انتفاؤه، وأيضاً الجواب الصحيح عن دعوى حكومة الاستصحاب في عدم حدوث الفرد الطويل أنه مبتلى بالمعارض بالاستصحاب في عدم حدوث الفرد الصغير كما إذا خرج من المتطهر من الحدثين بلل مردد بين البول والمني كما هو الفرض الأول من الفرضين السابقين، وأما في الفرض الثاني كما إذا علم بخروج البلل المردد بين البول والمني بعد تجديد الوضوء قبله ففي هذا الفرض يجري الاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل بلا معارض له بل يجري الاستصحاب في ناحية عدم كون البلل الخارج منياً بناءً على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي بمعنى أنه إذا كان الموضوع للحكم الشرعي بمفاد السالبة بانتفاء المحمول، وكانت الحالة السابقة بنحو السالبة بانتفاء الموضوع يمكن إحراز السالبة بانتفاء المحمول بجريان الاستصحاب في تلك السالبة الصادقة مع انتفاء الموضوع وبانتفاء المحمول؛ لأن سلب الوصف عن شيء لا يحتاج إلى وجود ذلك الشيء والوصف في ثبوته يحتاج إلى ثبوت الموضوع أي تحققه دون انتفائه وعلى الجملة فمع إحراز الموضوع والاستصحاب في نفي الوصف عنه يحرز تمام الموضوع للحكم.

















[2] كأنه (قدس سره) يريد بيان حكومة أصل على أصل آخر يقتضي الاثنينية بين مجرى الأصل الحاكم ومجرى الأصل المحكوم بأن يكون مجرى الثاني لازماً لمجرى الأصل الحاكم كما إذا شك في طهارة الثوب المتنجس بعد غسله بماء يشك في طهارته ونجاسته فإنه إذا جرى الاستصحاب في طهارة ذلك الماء يترتب عليه أثره وهو طهارة الثوب المفروض، وفيما نحن فيه ليس بقاء الكلي الطبيعي أثراً لوجود الفرد الخاص الذي في ضمنه بل يكون بقاؤه بعين بقاء الخاص فلا اثنينية في البين ليكون الأصل الجاري في ناحية الفرد حاكماً على الاستصحاب في ناحية الكلي، ولكن لا يخفى ما فيه فإن حكومة أصل على أصل آخر يكون في موردين أحد الموردين ما ذكرنا، والمورد الثاني ما إذا كان مجرى الأصلين أمراً واحداً ولكن كان جريان أحد الأصلين فيه موجباً لانتفاء الموضوع للأصل الثاني كما إذا شك في بقاء حرمة العصير المغلي بعد ذهاب ثلثيه بالنار فإنه إذا جرى الاستصحاب في بقاء حرمته ينتفي الموضوع لقاعدة الحل فيه، وذلك فإن مفاد خطاب قاعدة الحل وهو قوله (عليه السلام): «كل شيء حلال حتى تعلم أنه حرام» حلية المشكوك في حليته وحرمته وهذه الكبرى لا تعين صغراها كما هو شأن كل حكم مجعول بمفاد القضية الحقيقية، وإذا كان في مورد أصل آخر ينفي الشك في حليته أو حرمته لا يبقى لأصالة الحل موضوع كما في الاستصحاب في بقاء الحرمة حيث إن مفاد خطابات الاستصحاب كون علم المكلف بالحرمة السابقة علماً ببقائها مع عدم العلم بانتفائها فلا يبقى شك في حرمة العصير بعد ذهاب ثلثيه بغير النار ليجري فيه أصالة الحلية والإشكال في المقام هو أن الشك في بقاء الكلي مسبب عن حدوث الجنابة سابقاً بأن كان البلل الخارج منياً وإذا جرى الاستصحاب في ناحية عدم حدوث الجنابة بأن علم عدمها أو عدم كون البلل السابق منياً فلا يكون شك في ناحية بقاء الكلي؛ لأن طبيعي الحدث غير موجود في ضمن الحدث الأصغر يقيناً وفي ضمن الحدث الأكبر تعبداً.

















[3] مراده (قدس سره) أنه لو كان وجود الطبيعي من لوازم حدوث الفرد الطويل فلا شبهة في أن لزومه على حدوثه ترتب عقلي لا شرعي ولا يثبت بالاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل إلاّ نفي الآثار واللوازم الشرعية المترتبة على حدوث ذلك الفرد لا نفي لوازمه العقلية فلو كان في مورد للطبيعي أثر شرعي يجري الاستصحاب في ناحية بقائه لترتيب ذلك الأثر مع جريان الاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل وينفي به الأثر الشرعي المترتب على خصوص ذلك الفرد على ما تقدم وإن شئت قلت الاستصحاب في عدم حدوث الفرد الطويل أو عدم كون الحادث الفرد الطويل لا يثبت انتفاء الطبيعي الذي هو القدر المشترك بعد العلم بحدوث أحدهما إلاّ أن يثبت أن الحادث كان هو الفرد القصير حتى بناءً على أن الاستصحاب في الفرد في القسم الأول من الاستصحاب في الكلي يغني عن الاستصحاب في نفس الكلي وأن الاستصحاب عند الشك في حدوث فرد معين في ناحية عدم حدوثه يثبت عدم حدوث الكلي فيما كان عدم حدوث سائر الأفراد محرزاً بالوجدان أو بالتعبد أيضاً، والوجه في عدم إثبات انتفاء القدر المشترك بالاستصحاب في ناحية عدم الفرد الطويل في القسم الثاني من الكلي هو أن الاستصحاب في ناحية عدم الفرد الطويل لا يثبت كون الحادث هو القصير وانتفاء الطبيعي حيث إن وجوده كان محرزاً إنما هو في فرض كون الحادث هو الفرد القصير، وحدوثه لازم عقلي لعدم حدوث الفرد الطويل أو عدم كون الحادث الفرد الطويل إذا كانا واقعيين لا بالتعبد كما هو المفروض في المقام، وما تقدم من أن الاستصحاب في ناحية الفرد يغني عن الاستصحاب في ناحية الكلي في القسم الأول؛ لأن الطبيعي المحرز وجوده سابقاً ويشك في بقائه فيه بعينه كان الفرد الذي يشك في بقاء شخصه فالتعبد ببقاء ذلك الشخص بعينه تعبد ببقاء تحقق الطبيعي السابق كما أن التعبد بعدم حدوث الشخص من الطبيعي مع إحراز عدم حدوث سائر أفراده وجداناً أو تعبداً بعينه تعبد بعدم صرف وجود ذلك الطبيعي.









نعم، إذا كان الطبيعي بنفسه مجعولاً شرعياً أو اعتبارياً وعلق ارتفاعه على عدم حدوث الفرد الطويل بلا فرق بين صورة وجود الفرد القصير وعدمه فيمكن انتفاء ذلك الطبيعي بالاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل كما في فرض كون المكلف محدثاً بالأصغر وشك في أنه صار جنباً أيضاً أم لا فإن الاستصحاب في ناحية عدم جنابته مقتضاه أن رافع حدثه هو الوضوء؛ لأن ظاهر قوله سبحانه: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم)(1) الآية أن من نام أو بال وظيفته الوضوء لصلاته إلاّ إذا كان جنباً كما هو مفاد الآية بضميمة قوله سبحانه: (فإن كنتم جنباً فاطهروا) بل يمكن هذا حتى فيما إذا كان المكلف متطهراً من الحدثين وخرج منه البلل المردد بين البول والمني حيث إن المكلف في الفرض محدث وجداناً، والأصل عدم كونه جنباً فتكون وظيفته الوضوء لرفع حدثه، وقد ورد في الروايات الأمر بالوضوء عقيب البول والنوم وغيرهما من نواقض الوضوء إلاّ أن الأمر إرشاد إلى كونها نواقض للوضوء والموضوع للوضوء في الآية المباركة المحدث إذا لم يكن جنباً، وإلاّ فوظيفة الجنب لرفع حدثه هو الغسل وقد ورد في تفسير الآية في الموثق قوله سبحانه: (إذا قمتم إلى الصلاة) أي من النوم، ولكن ذكر النوم لا خصوصية له بل المراد القيام لها مع الحدث، وتمام الكلام ذكرناه في بحث الفقه فراجع وإجماله أن ما ورد في الموثقة لا يفيد أن الموضوع لوجوب الوضوء للصلاة خصوص المحدث بالأصغر الذي لم يكن جنباً بل المحدث الذي لم يكن جنباً وإذا كان الموضوع لاعتبار الوضوء الثاني فيمكن إحرازه حتى في الصورة الثانية.









لا يقال: إذا فرض أن الاستصحاب في ناحية عدم حدوث الفرد الطويل أو عدم كون الحادث الفرد الطويل حاكماً على الاستصحاب في ناحية بقاء الكلي يلزم من جريانه في ناحية الكلي لزوم الاحتياط في مسألة دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين حيث لا يكون الاستصحاب في ناحية عدم تعلق الوجوب بالأكثر أو أصالة البراءة عن وجوبه مانعاً عن جريان الاستصحاب في نفس طبيعي الوجوب المتحقق سابقاً قبل الإتيان بالأقل.









فإنه يقال: لا مجال للاستصحاب في ناحية طبيعي الوجوب في تلك المسألة حتى بناءً على القول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، وذلك فإن جريان الاستصحاب في ناحية الكلي ينحصر بما إذا كان المستصحب موضوعاً لحكم شرعي أو عقلي أعم من الظاهري والواقعي كما في استصحاب الحدث والخبث وإذا كان المستصحب من طبيعي التكليف فقط فلا يترتب على استصحابه إلاّ أثره العقلي من لزوم الطاعة لاحتمال الضرر في مخالفته وإذا فرض في دوران الأمر في الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر جريان الأصل في ناحية عدم وجوب الأكثر سواء كان الأصل هو الاستصحاب أو أصالة البراءة فلا يبقى لاستصحاب جامع التكليف أثر عقلي أيضاً حيث إن حكم العقل بلزوم طاعته لاحتمال الضرر في عدم رعايته، ومع حكم الشارع بعدم وجوب الاحتياط، وعدم ترتب الضرر على تقدير تعلق التكليف بالأكثر واقعاً لا يبقى سبيل لاحتمال الضرر في ترك موافقة الطبيعي بعد الإتيان بالأقل وجريان أصالة البراءة في ناحية تعلقه بالأكثر؛ لأن الاستصحاب في بقاء طبيعي الوجوب بعد الإتيان بالأقل لا يثبت تعلق التكليف بالأكثر حتى لا يكون وجوب الأكثر مما لا يعلمون.









ومما ذكر يظهر وجه الخلل فيما ذكر الماتن في عنوان هذا التنبيه بأنه لا فرق في المستصحب بين أن يكون خصوص أحد الأحكام أو ما يشترك بين الاثنين أو الأزيد من أمر عام حيث ذكرنا الفرق بين أن يكون المستصحب طبيعي التكليف وما إذا كان الطبيعي الموضوع للحكم.

















كلام العراقي (قدس سره) في الفرق بين الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وبين الاستصحاب في الفرد المردد







وذكر العراقي (قدس سره) أن جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي ما إذا كان القدر المشترك بنفسه موضوعاً للأثر الشرعي كما في الحدث المتحقق بخروج البلل بين البول والمني فإن الحدث ـ بالأصغر كان أو بالأكبر ـ موضوع لعدم جواز مسّ كتابة القرآن وعدم الدخول في الصلاة معه بخلاف ما إذا كان الموضوع للأثر هو الفرد خاصة ولكن تردد ذلك الفرد بين أمرين خارجاً بحيث لو كان هو الأمر القصير فقد زال، ولو كان الأمر الطويل فهو باق جزماً كما إذا أصاب الثوب دمان في موضعين منه، في أحد الموضعين أصابه دم السمك وفي موضعه الآخر دم الإنسان، وغسل أحد الموضعين، ولكن لم يعلم أن المغسول ما أصابه دم السمك أو ما أصابه دم الإنسان فإن الموضوع للتكليف أو الوضع الملازم له أحد الفردين، ولا يجوز في الفرض الاستصحاب في تنجس الثوب بدم الإنسان وذلك؛ لأن ما هو الموضوع للأثر الشرعي بواقعه لا شك في بقائه بعد حدوثه بل الموضوع الخارجي أما باق قطعاً أو زايل قطعاً، وكذا لا يجري الاستصحاب فيما إذا تلف أحد الإناءين بوقوع أحدهما في البحر ثم علم بنجاسة التالف قبل تلفه أو نجاسة الإناء الباقي فإنه يرجع في الباقي إلى أصالة الطهارة ولم يكن في البين مجال لدعوى أن الإناء النجس كان قبل تلف أحدهما ويحتمل بقاؤه فيلزم الاجتناب عن الباقي للخروج عن التكليف الثابت بالاستصحاب.









لا يقال: عدم جريان الاستصحاب في بقاء الإناء المتنجس لكونه لا يثبت أنه الإناء الباقي، وما لم يثبت ذلك لا يحكم العقل بلزوم رعاية التكليف المتعلق بشرب النجس فعدم جريان الاستصحاب في الفرض لا يرتبط بدعوى أنه لا مجال للاستصحاب في الفرد المردد.









فإنه يقال: لا حاجة في حكم العقل بلزوم رعاية التكليف إلى إثبات أن الإناء الباقي هو مورده فالاجتناب عنه لإحراز امتثال التكليف الثابت بالاستصحاب وإن لم يثبت أن مورده هو الإناء الباقي فعدم لزوم رعاية التكليف المحتمل والرجوع إلى الأصل النافي هو عدم جريان الاستصحاب في ناحية الفرد المردد وأن الالتزام بجريانه في القسم الثاني لا يكون موجباً للالتزام بجريانه في الفرد المردد، ومما ذكر يظهر أنه لا يجري الاستصحاب في بقاء الإناء النجس حتى ما لو تلف أحد الإناءين بعد العلم بنجاسة أحدهما إجمالاً فإن الاجتناب عن الإناء الآخر في الفرض لتنجيز العلم الإجمالي بالتكليف لا لاستصحاب الموضوع بعد تلف أحدهما.









وعلى الجملة ففي موارد الفرد المردد الموضوع للأثر واقع الإناء النجس ولا شك في بقائه بل هو مقطوع البقاء أو مقطوع الزوال وما يشك في بقائه هو الإناء النجس بعنوانه، وعنوانه ليس موضوعاً لحكم شرعي ليجري الاستصحاب فيه بخلاف القسم الثاني من الكلي فإن الكلي بعنوانه كعنوان الحدث موضوع للحكم، ويشك في بقائه ولو بتردد فرده بين ما هو مقطوع البقاء أو الزوال.









لا يقال: كما إذا علم إجمالاً نجاسة أحد الاناءين يكون العلم بالنجاسة بعنوان أحد الاناءين منجزاً للتكليف الواقعي المتعلق بما هو ملاق للنجس واقعاً كذلك الشك المتعلق بعنوان ما هو أحدهما كما هو مقتضى التعبد بمنجزية الشك في البقاء.









فإنه يقال: العلم بنجاسة أحد الاناءين يسرى إلى ما هو الموضوع للأثر واقعاً والمورد للتكليف بخلاف الشك في البقاء في الإناء النجس فإنه لا يسري إلى مورد اليقين واقعاً ليشك في بقائه بل مورده إما مقطوع البقاء أو مقطوع الزوال، ومما ذكر يظهر أن الإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي بالشبهة العبائية الآتية ناش عن الخلط وعدم التمييز بين الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وبين الفرد المردد الذي التزمنا بعدم جريان الاستصحاب فيه حيث إن الشبهة العبائية داخلة في الفرد المردد بخلاف القسم الثاني من الكلي حيث إن الموضوع للأثر الشرعي هو الطبيعي.

















عدم الفرق بين جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وبين ما سمّاه بالفرد المردد








أقول: المستصحب في موارد الاستصحاب ما اُحرز تحققه في السابق واحتمال بقاء ذلك التحقق.

نعم، يعتبر في جريان الاستصحاب ترتب أثر على التعبد بالبقاء لئلا يكون التعبد به لغواً وقد تقدم أن الأثر في موارد الاستصحاب في الكلي يترتب على تحققه أي بما يحمل عليه الكلي بالحمل الشايع، ولابد في جريانه من احتمال بقاء ذلك التحقق الذي كان سابقاً وتسميته بالاستصحاب في الكلي باعتبار إضافة المتحقق خارجاً بعنوان الطبيعي محرز وأما إضافة إلى خصوصية الفرد غير محرز، وعليه فإن كان مع إضافته إلى الكلي موضوعاً لحكم كدم الإنسان حيث تنجس الثوب ونحوه بإصابته فتكون نجاسة الثوب المزبور أي نجاسة موضع إصابة الدم محرزاً، ومع احتمال بقاء ذلك الموضع على نجاسته السابقة يجري الاستصحاب حيث إن المراد بالشك في أخبار الاستصحاب خلاف اليقين، وكما يكون اتحاد متعلقي اليقين والشك بنظر العرف كذلك في الشك بمعنى احتمال البقاء يكون الملاك نظرهم وأن لم يكن من احتمال البقاء بالدقة العقلية بل من التردد في موضع النجاسة من الثوب، بل يمكن أن احتمال البقاء عقلي وإن كان منشؤه التردد في حصوله بأي من الفردين، وعلى ذلك فلا بأس بالاستصحاب في بقاء موضع النجاسة على نجاسته لاحتمال بقاء ذلك الموضع عليها، وأما عدم جريان الاستصحاب في بقاء التكليف أو الموضوع له فيما إذا تلف بعض الأطراف قبل حصول العلم الإجمالي فهو لا لكون المستصحب فرداً مردداً، بل لأن المستصحب لا يترتب عليه الأثر العقلي، بل ولا الأثر الشرعي بعد جريان الأصل النافي في الطرف الباقي حيث إن العلم الإجمالي بنجاسة أحد الاناءين بعد تلف أحدهما لا يمنع عن جريان أصالة الطهارة في الإناء الباقي فيجوز شربه واستعماله في رفع الحدث والخبث فلا يبقى لاستصحاب بقاء الإناء المتنجس سابقاً أثر عقلي ولا شرعي في الفرض على ما تقدم في عدم جريان الاستصحاب في التكليف في مورد دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر.









ومما ذكرنا يظهر الحال في الشبهة المعروفة بالشبهة العبائية التي ذكروها إشكالاً على جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وتقرير الشبهة أنه إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الموضعين من الثوب كالعباء وغسل أحد الموضعين ثم وقع الثوب بتمامه في ماء قليل فإنه بناءً على جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي يلزم الحكم بنجاسة ذلك الماء؛ لأن الثوب حتى موضعه النجس سابقاً لاقى الماء المفروض، ومقتضى الاستصحاب بقاء ذلك الموضع على نجاسته مع أن الطرف المغسول من الثوب لا يكون منجساً لطهارته بالغسل على تقدير كون النجس ذلك الموضع، وكذلك الطرف الآخر غير المغسول فإن الماء من قبيل الملاقي لأحد طرفي العلم الإجمالي.









وأجاب المحقق العراقي (قدس سره) عن الشبهة بأن الاستصحاب فيها من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد، وعدم جريانه فيه لا ينافي جريانه في القسم الثاني من الكلي.









وكذلك المحقق النائيني (قدس سره) حيث قال: لا يكون الالتزام بجريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي التزاماً بجريانه في نجاسة الثوب في المثال وذلك لأن الاستصحاب في بقاء نجاسة الثوب من الاستصحاب في الفرد المردد مكانه بين موضعين يعلم بزوال الفرد الحادث على تقدير كونه في الموضع المغسول كما يعلم بقاؤه على تقدير كونه في الموضع الآخر نظير ما علم بكون زيد في البلد إما في شرقه أو غربه، وفرض خراب الشرق من البلد بحيث لو كان زيد فيه مات قطعاً وعلى تقدير كونه في غربه فهو حيٌّ قطعاً ففي مثل ذلك لا يجري الاستصحاب في حياة زيد لعدم الشك في بقائه على كل تقدير بل لا شك فيه في شيء من التقديرين، ومثله ما لو علم تلف درهم من دراهم لزيد وعمرو ولكن لم يعلم أن التالف هو درهم زيد أو عمرو فلا يجري الاستصحاب في بقاء دراهم زيد.

















موارد جريان الاستصحاب في الفرد الذي سمّوه بالفرد المردد








أقول: في مسألة حياة زيد: إن عدم جريان الاستصحاب فيه لا يرجع إلى محصل، وكونه عند خراب الطرف الشرقي من بلده فيه أو في طرفه الغربي منشأ الشك في بقاء حياته فالاستصحاب في بقاء حياته وعدم موته جار ويترتب عليه عدم انتقال أمواله إلى ورثته وبقاء زوجته على زوجيته وكونها ذات بعل إلى غير ذلك، وكذا لو فرض ترتب أثر على بقاء درهم زيد فيما إذا لم يعارضه بقاء دراهم غيره، والحاصل ما هو الموضوع لجريان الاستصحاب في ناحية الكلي من القسم الثاني من ركني الاستصحاب حاصل في مسألتي حياة زيد أو بقاء الدرهم وتنجس الثوب سمى الاستصحاب بكون المستصحب كلياً أو فرداً حيث إن المراد من الشك احتمال البقاء فيما اُحرز حصوله سابقاً.









وأجاب النائيني (قدس سره) عن الشبهة المتقدمة بوجه آخر وهو أن مراد تنجس الثوب بمفاد (كان) التامة بالاستصحاب لا يفيد شيئاً فإن الأثر مترتب على مفاد كان الناقصة، وبتعبير آخر بقاء تنجس الثوب لازمه ملاقاة الطاهر بالنجاسة نظير ما إذا وقع متنجس في موضع كان فيه سابقاً الماء الكر وشك في بقاء الكر عند وقوع المتنجس في ذلك المكان فإن الاستصحاب في بقاء الكر في ذلك المكان حال وقوعه فيه لا يثبت أنه غسل بالماء الكر ليحكم بطهارته.

ولا يخفى ما في الجواب والتنظير فإن الموضوع لنجاسة الماء القليل إصابة النجس إياه، والمراد بالنجس الأعم من عين النجاسة أو المتنجس فإصابة الثوب بذلك الموضع المتنجس سابقاً الماء محرز بالوجدان ومقتضى الاستصحاب بقاء ذلك الموضع على نجاسته فأين الاستصحاب في مفاد (كان) التامة.

نعم، ما ذكره من الأصل المثبت يجري فيما ذكر من التنظير إذا لم يحرز وجود الماء السابق عند وقوع المتنجس في ذلك الموضع ومثله ما إذا قلنا بعدم تنجس بدن الحيوان وإنما النجس هو العين على بدنه، وإذا لاقى بدنه مع الماء القليل وشككنا في أن العين باقية عند ملاقاة بدنه الماء فلا يفيد الاستصحاب في بقاء العين في الحكم بنجاسة الماء؛ لأنه لا يثبت ملاقاة الماء تلك العين فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الاستصحاب في ناحية بقاء نجاسة الثوب الملاقي للماء القليل يجري ويحكم بنجاسة الماء ولا ينافي ذلك مع الحكم بطهارة الملاقي لأحد أطراف العلم فإن الحكم بالطهارة فيه للأصل وإذا لم يجر ذلك الأصل بل جرى الأصل الحاكم عليه يؤخذ بمقتضى الأصل الحاكم والتفكيك بين حكم الملاقي في الفرض وسائر المواضع التي يحكم بطهارته لا محذور فيه كما لا مؤد للدهشة منه.

نعم، لو غسل أحد طرفي ثوب وبعد غسله حصل العلم الإجمالي بإصابة نجس أما بذلك الطرف المغسول أو بطرفه الآخر.









بقي في المقام أمر وهو أنه تعرض سيدنا الاستاد (طاب ثراه) لفرعين: الأول ما إذا علم نجاسة شيء فعلاً ودار تنجسه بين كونه ذاتياً لا يطهر بالغسل وبين كونه عرضياً يطهر به كما في الصوف المردد بين كونه من الخنزير أو الشاة وقد أصابته نجاسة عرضية بحيث لو غسل يشك في طهارته ونجاسته فإنه لو بنى على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي يحكم بطهارته بعد غسله؛ وذلك للاستصحاب في عدم كونه من شعر الخنزير والشارع حكم بطهارة كل شيء أصابته النجاسة إذا لم يكن من الأعيان النجسة كالكلب والخنزير وإن منعنا جريانه في الأعدام الأزلية فيحكم بالاستصحاب بنجاسته فإنها تدخل في الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي الثاني أنه إذا حكم بطهارة شيء مشكوك طهارته ونجاسته الذاتيتان كما إذا لم يعلم شيء أنه من شعر الخنزير أو من صوف الشاة ثمّ تنجس بإصابة النجاسة فإنه إذا غسل يحكم بطهارته حتى بناءً على عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي ولا مجال فيه لاستصحاب النجاسة كما في الفرع الأول؛ لأن قاعدة الطهارة الجارية فيه قبل إصابة النجاسة مقتضاها أنه يجري عليه أحكام الطاهر، ومن أحكامه أنه إذا غسل بعد إصابته النجاسة يطهر به.









أقول: يحكم بطهارة الصوف المفروض في الفرع الأول أيضاً ولو بنى على عدم اعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي فإنه وإن يعلم فيه بنجاسته فعلاً إلاّ أنه يشك فعلاً في طهارته ونجاسته قبل إصابة النجاسة، وإذا جرت قاعدة الطهارة فيه بلحاظ حاله قبل إصابة النجاسة يكون مقتضاها جريان حكم الطاهر عليه وهو طهارته بالغسل بعد إصابته النجاسة نظير ما إذا توضأ بماء وقع بعد الوضوء في البحر وشك حينئذ في طهارة الماء عند التوضأ منه هل كان طاهراً أم نجساً فإنه يحكم بصحة الوضوء لا لقاعدة الفراغ فإنها لا تجري عند من يعتبر في جريانها احتمال الذكر حال العمل بل لقاعدة الطهارة أو استصحابها الجارية فعلاً في ذلك الماء قبل تلفه ولا بأس بالجريان لترتب الأثر الفعلي على طهارته في ذلك الزمان.

















تذنيب:








لا يخفى أن ما ذكرنا من الثمرة بين القول بتنجس بدن الحيوان وطهارته بزوال العين وبين القول بعدم تنجسه أصلاً، وإنما النجس هو عين النجاسة الموجودة على الموضع من بدنه مبني على ما ذكره جماعة وإلاّ فالصحيح هو الحكم بطهارة الملاقي لبدن الحيوان مع احتمال بقاء عين النجاسة في موضع الملاقاة بلا فرق بين القولين أما على القول بعدم تنجس بدنه فلما تقدم من أن الاستصحاب في بقاء العين لا يثبت ملاقاة الطاهر بالعين وأما على القول بعدم تنجسه لعدم إمكان إحراز ملاقاة الطاهر مع موضع العين مع بقاء العين؛ لأن احتمال العين مانع عن إحراز ملاقاة الطاهر موضعها، والعلم الإجمالي بملاقاة الطاهر أما العين أو موضعها مع بقاء العين غير ممكن لاحتمال طهارة الموضع بزوال العين أو مانعية العين عن ملاقاة الموضع فيرجع في الملاقي إلى أصالة الطهارة بل إلى الاستصحاب في عدم ملاقاته للعين فيحكم بطهارته.

















(1). سورة المائدة، الآية 6.

































وأما إذا كان الشك[1] في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذلك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه















عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي
















[1] اختار الماتن (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في ناحية الكلي في القسم الثالث بلا فرق بين أن يكون الشك في الكلي في الزمان الثاني لاحتمال حدوث فرد آخر منه مقارناً لحدوث الفرد المقطوع ارتفاعه أو لاحتمال حدوثه مقارناً لارتفاع الفرد المتيقن ارتفاعه بلا فرق أيضاً بين أن يكون احتمال حدوث الفرد الآخر مقارناً لارتفاع المقطوع بملاكه أو لاحتمال حدوث ملاكه من الأول وإنما يكون فرداً فعلياً عند ارتفاع الفرد المتيقن حدوثه، وعلل عدم جريانه في ناحية الكلي في هذا القسم بأن الكلي حيث يتعدد بتعدد أفراده بل هو عين فرده خارجاً فبانتفاء الفرد المتيقن ينتفي ذلك الكلي المتيقن حصوله ولم يحرز حدوث طبيعي آخر بفرده الآخر، ومقتضى الاستصحاب عدم حدوث آخر لذلك الطبيعي.









ومما ذكر يظهر ضعف ما التزم به الشيخ (قدس سره) من الفرق بين فرض احتمال حدوث فرده الآخر مقارناً لحصول الفرد المتيقن ارتفاعه فيجري الاستصحاب في ناحية الكلي وبين احتمال حدوثه مقارناً لارتفاع فرده المتيقن فلا يجري الاستصحاب في ناحيته، وعلى ما ذكره (قدس سره) فإن ارتفع وجوب فعل وشك في استحبابه بأن احتمل عدم مطلوبيته أصلاً فلا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء مطلوبيته، لا يقال: الاستحباب مع الوجوب لا يتعددان في التحقق بل الاختلاف بينهما بالشدة والضعف، وبتعبير آخر إرادة المولى المتعلقة بفعل العبد المعبر عنه بالطلب قد تصل في الشدة بحيث لا يرضى ولا يرخص في تركه وقد لا تكون هذه الشدة فيها بحيث يرضى ويرخص في تركه فلا يكون الاستصحاب في مطلوبية فعل بعد زوال وجوبه إلاّ كاستصحاب السواد في الجسم بعد العلم بزوال شدته والاحتمال في بقاء أصل سواده بل هذا كما ذكر الشيخ (قدس سره) من الاستصحاب في القسم الأول من الكلي بل من الاستصحاب في ناحية الفرد بنظر العرف.









وأجاب الماتن بأن اختلاف الوجوب والاستحباب وإن يكون كما ذكر، ولازم ذلك أن يكون استحباب الفعل بعد زوال وجوبه من احتمال بقاء أصل المطلوبية السابقة إلاّ أن هذا بنظر العقل لا العرف فإن أهل العرف يرون الوجوب مبايناً مع الاستحباب لا أنهما شيء واحد يختلف في شدته وضعفه بحسب الزمان كما في السواد الشديد الذي زالت شدته وبما أن أدلة الاستصحاب ناظرة إلى موارد الشك في البقاء عرفاً فلا يكون الشك في استحباب الفعل بعد ارتفاع وجوبه من احتمال المطلوبية السابقة ليجري الاستصحاب فيها.









أقول: ما أفاد الماتن (قدس سره) في وجه عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي متين؛ لأن الأثر المترتب على الكلي يترتب على ما يحمل عليه بالحمل الشايع، وما هو بالحمل الشايع الذي تعلق به اليقين قد زال، وآخر يحمل عليه بالحمل الشايع أيضاً مشكوك الحدوث والأصل عدم حدوثه بلا فرق بين احتمال كونه حادثاً مع حدوث الفرد الزائل أو مقارناً لزواله.









ولكن كلامه (قدس سره) نفي جريان الاستصحاب في بقاء كلي التكليف مع الشك في قيام فرد آخر من التكليف مقام الفرد الزائل منه إشكال غير تام فإن كلي التكليف لبقائه أثر عقلي وهو وجوب رعايته لاحتمال الضرر في مخالفته ولا يثبت الاستصحاب فيه حدوث فرد آخر وإذا جرى الاستصحاب في ناحية عدم حدوث فرد آخر يكون مفاده عدم احتمال العقاب في مخالفة ذلك الفرد ومعه لا يبقى للكلي أثر عقلي على ما تقدم في استصحاب بقاء التكليف في دوران الأمر في الواجب الارتباطي بين كونه هو الأقل أو الأكثر، وإنما يكون الإشكال والتأمل فيما إذا كان الطبيعي ذا أثر شرعي وفرده المتيقن حدوثه قد زال واحتمل حدوث فرده الآخر مع حدوث ذلك الفرد الزائل أو مقارناً لارتفاعه كما إذا أصاب الثوب الماء المتنجس فغسلناه مرة، ولكن احتملنا حدوث نجاسة اُخرى فيه مقارناً لطهارته من إصابة الماء المتنجس بإصابة البول بموضعه الآخر ففي هذه الصورة يمكن دعوى جريان الاستصحاب في ناحية طبيعي النجاسة فيه وإن تقدم أنه لا مجال للاستصحاب في الطبيعي؛ لأن المتيقن من حدوثه قد زال بالغسل، وإنما الشك في تحقق الطبيعي بتحقق فرده الآخر ومقتضى الأصل عدم تحققه به على ما تقدم.









لا يقال: الاستصحاب في بقاء الثوب على نجاسته في مثل المثال من الاستصحاب في بقاء الشخص لأنه إذا أصاب الثوبَ البولُ مقارناً لتمام غسله لا تزول نجاسته السابقة بل تبقى إلى أن يُغسل الثوب مرتين.









فإنه يقال: لا يجري الاستصحاب في ناحية بقائه على نجاسته حتى فيما كان استصحابه من قبيل الاستصحاب في الفرد أيضاً؛ لأن الاستصحاب في عدم إصابته البول مقتضاه ارتفاع نجاسته السابقة بتمام الغسل حيث إن الشارع حكم بطهارة كل متنجس ومنه الثوب بطبيعي الغسل إلاّ إذا أصابه قبل غسله البول وإصابة الماء المتنجس للثوب محرزة والأصل عدم إصابته البول فيطهر بالغسل مرة ويقال مثل ذلك أيضاً فيما إذا كان للطبيعي الحاصل سابقاً بالفرد المحرز تفصيلاً حدوثه أثر يترتب ذلك الأثر إذا حصل بفرده الآخر أيضاً، وإذا كان حدوث فرده الآخر محتملاً، وفرده المحرز حدوثه تفصيلاً زائلاً قطعاً فمع جريان الأصل في عدم حصوله بفرد آخر لا يبقى للاستصحاب في نفس الطبيعي مجال لعدم تمامية ركني الاستصحاب؛ لأن ما كان المكلف منه على يقين من وجود الطبيعي قد زال والمفروض أن الأثر كان مترتباً على ذلك الوجود مستقلاً والحصول الآخر للطبيعي ليترتب عليه الأثر أيضاً غير متيقن والأصل عدم حصوله.









ولا يقاس المقام بالاستصحاب في الطبيعي في القسم الثاني من الكلي فإن المستصحب في ذلك القسم كان الطبيعي المتيقن حدوثه المحتمل انطباقه على كل من الفردين المعلوم حدوث أحدهما وبقاؤه بعينه محتمل بخلاف هذا القسم فإن المتيقن هو الطبيعي المنطبق على فرد محرز قد زال يقيناً وحصوله الآخر غير محرز حدوثاً فلا موضوع للاستصحاب.









وقد يقال: بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي أيضاً في الجملة وإنما لا يجري فيه أصلاً لو بنى على أن الموضوع لاعتبار الاستصحاب احتمال البقاء بنظر العقل، وتقريره: أنه إذا بنى على اعتبار احتمال البقاء بنظر العرف فلا ينبغي التأمل في صدق البقاء في الطبيعي مع تبادل أفراده ولو في بعض الموارد كما يقال: إن الإنسان يعيش على الأرض منذ آلاف السنين وأكثر، وأن الحيوان الفلاني باق على الأرض بأكثر من قرن إلى غير ذلك.

نعم، لو كانت خصوصية الفرد أو النوع بحيث لو توجهت النفس إلى الطبيعي أو الفرد تتوجه إلى خصوصية النوع أو الفرد فلا يصدق البقاء مع تبادل النوع أو الفرد، وإن حصل نوع آخر أو فرد آخر كما في تحقق الإنسان فإنه لا يصدق بقاؤه بتحقق الحمار ونحوه بخلاف ما إذا تحقق الإنسان بفرده فإن مع انتفائه وحصول فرد آخر يصدق أنه بقاء الإنسان بل في بعض أنواع جنس يصدق البقاء فيما زال نوع وحصل نوع آخر.









وفيه: أن البقاء المضاف إلى الطبيعي بلحاظين: أحدهما ـ عدم انقضاء انطباقاته طراً على الخارج والبقاء بهذا اللحاظ يصدق عقلاً في موارد عدم انقطاع النسل، وإن تبادل أفراد الطبيعي.

والثاني ـ استمرار الطبيعي بنفس ثبوته السابق وهذا لا يتحقق في موارد انقضاء ثبوت وحدوث ثبوت آخر حتى بنظر العرف ولم يرد في خطابات الاستصحاب عنوان الشك في البقاء ليقال إنه يعم الشك في بقاء الكلي بكلا اللحاظين بل الوارد فيها التعبد بنفس الثبوت السابق للشيء وإن العلم بكونه السابق علم به في ظرف الشك في ذلك الثبوت، والمفروض في موارد القسم الثالث من الكلي إحراز زوال ثبوته السابق الذي كان عين ذلك الطبيعي بالحمل الشايع، وبهذا الحمل كان موضوعاً للحكم وثبوت آخر له من حدوثه مشكوك فيكون محكوماً بعدم الحدوث وبتعبير آخر اعتبار البقاء استفيد من فرض فعلية اليقين والشك في أخبار الاستصحاب، وبما أن الوصفين لا يمكن تعلقهما بشيء واحد من جميع الجهات فيعلم أن متعلق الشك بقاء الحالة السابقة هذا أولاً.









وثانياً ـ أن المحتمل في القسم الثالث بقاء الكلي في ضمن فرد آخر والاستصحاب في عدم حدوث فرد آخر ينفي الفرد والكلي الموجود في ضمنه فلا يكون في البين شك بالإضافة إلى عدم بقاء الكلي حتى لو فرض ذكر عنوان البقاء في أخبار الاستصحاب.

















عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ولو احتمل حدوث فرد آخر مع حدوث الفرد المقطوع زواله







ثمّ إنه قد تقدم أن الشيخ (قدس سره) التزم بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي فيما كان احتمال بقاء الكلي لاحتمال وجود فرد آخر كان حادثاً مع المتيقن ارتفاعه وكأن الوجه في التفصيل احتمال استمرار ثبوته السابق لحصوله مع ذلك الفرد المحتمل، ولكن احتمال الاستمرار ليس في الثبوت السابق المتيقن بل في الثبوت السابق المحتمل المحكوم بعدم الحدوث.









وقد أورد على الشيخ (قدس سره) أيضاً بأن لازم التفصيل في القسم الثالث من الكلي الالتزام ببقاء حدث من نام وخرج منه في نومه بلل مردد بين المني وغيره وقد توضأ بعد القيام من نومه، ولكن النقض غير صحيح لما ذكرنا من أن انتفاء طبيعي الحدث مترتب في الآية المباركة بالإضافة إلى محدث لم يكن جنباً، ولا أقل في المحدث بالأصغر إذا لم يكن جنباً على وضوئه والمفروض كونه محدثاً بالأصغر ومقتضى الاستصحاب أنه لم يجنب فيكون وضوءه رافعاً لحدثه.









وقد اُجيب عن النقض بعدم جريان الاستصحاب في الفرض في ناحية طبيعي الحدث لعدم أثر شرعي له فإن الموضوع لعدم جواز مسّ كتابة المصحف الشريف أو عدم جواز الدخول في الصلاة في الخطابات الشرعية خصوص الجنب والحائض والنفساء والنائم ومن بال إلى غير ذلك، وهذا لا يقتضي كون الموضوع هو الجامع وأنه يستفاد من الآية المباركة أن الوضوء وظيفة كل محدث بالأصغر ممن لا يكون جنباً، بل لو كنا والآية فقط لالتزمنا بوجوب الوضوء والغسل معاً للجنب الذي بال أو نام إلى غير ذلك.

غاية الأمر قد دلت الروايات على عدم الحاجة إلى الوضوء بل عدم مشروعيته مع غسل الجنابة.

وعلى الجملة طبيعي الحدث غير موضوع لعدم جواز مسّ كتابة القرآن أو عدم جواز الدخول في الصلاة ليقال مقتضى جريان الاستصحاب فيه في القسم الثالث من الكلي الجمع بين الوضوء والغسل ليحرز انتفاء طبيعي الحدث، ولكن لا يخفى ما فيه فإن عدم جواز المس في الأدلة مترتب على من ليس بمتطهر يعني المحدث، وكذا عدم جواز الدخول في الصلاة كما هو مفاد قوله سبحانه: (لا يمسه إلاّ المطهرون)(1) ولو بضميمة ما ورد في تفسيره، ومفاد قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) أي بطهارة، وأن كون الوظيفة في رفع الحدث من كل محدث بالأصغر لم يكن جنباً هو الوضوء لا الغسل مستفاد من الآية، ولو بملاحظة الروايات الواردة في عدم مشروعية الوضوء من الجنب وإلاّ فإن بقي حدثه الأصغر مع غسل جنابته كانت صلاة مع الحدث فلابد من الالتزام بأن المحدث بالأصغر إذا كان جنباً مع الاغتسال يكون متطهراً.

















هل مقتضى الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان بعد زهوق روحه كونه ميتة أم لا؟







بقي الكلام فيما ذكره الفاضل التوني من إدراج الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان في القسم الثالث من الكلي حيث إن المشهور حكموا بنجاسة الجلد المطروح بالاستصحاب في عدم تذكية الحيوان المأخوذ منه وأورد على ذلك بما حاصله أن عدم التذكية لازم أعم لحياة الحيوان وموته حتف أنفه، والموضوع للنجاسة ليس هو عدم التذكية بل ملزومه الثاني وهو موت حتف الأنف، ومن الظاهر أن الاستصحاب في عدم تذكيته لا يثبت ذلك الملزوم، وبتعبير آخر المتيقن سابقاً هو عدم التذكية اللازم لحياة الحيوان، وعلى تقدير ثبوته بعد موت الحيوان فهو عدم التذكية اللازم لموته حتف أنفه، ولا يكون استصحاب عدم تذكيته إلاّ كاستصحاب الضاحك في الدار المتحقق بوجود زيد فيها لإثبات وجود عمرو فيها بعد خروج زيد.









ورده الشيخ (قدس سره) بما حاصله أن عدم تذكية الحيوان مع زهوق روحه بنفسه موضوع لجواز أكل لحمه ولبس جلده وحمل أجزائه وتوابعه في الصلاة، وكذا موضوع لطهارته فيكون مقتضى الاستصحاب في عدم تذكيته مع زهوق روحه انتفاء الحلية والطهارة من غير حاجة إلى إثبات موته بحتف الأنف أو كون زهوق روحه كان بغير التذكية كما يدلّ عليه قوله سبحانه (إلاّ ما ذكيتم)(3) وفي موثقة ابن بكير الواردة في الصلاة وفي أجزاء الحيوان وتوابعه لا يقبل اللّه تعالى تلك الصلاة حتى يصلي فيما يؤكل إذا كان ذكياً(4) وعلى ذلك فلا يكون الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان المأخوذ منه الجلد المطروح من قبيل الاستصحاب الكلي فضلاً عن كونه من القسم الثالث.









ولكن يورد على الجواب بأن الاستصحاب في عدم التذكية يترتب عليه عدم جواز أكل لحمه وعدم جواز الصلاة في جلده أو غيره من أجزائه، وأما الحكم بالنجاسة فلا لأن الموضوع للنجاسة هو الميتة أي الحيوان الذي زهق روحه بغير التذكية لا الحيوان الذي زهق روحه ولم يقع عليه التذكية ودعوى الإجماع على أن غير المذكى محكوم بالنجاسة كما عن الماتن خلط بين عدم المذكى واقعاً حيث يتحقق معه كون الحيوان ميتة لعدم اختصاص الميتة بحيوان مات حتف أنفه بل كل حيوان لم يكن موته مستنداً إلى التذكية بأن كان مستنداً إلى غيرها فهو ميتة فمع عدم التذكية الواقعية يستند موته إلى غيرها لا محالة بخلاف إحراز عدمها بالتذكية فإنه لا يثبت زهوق روحه بغيرها، والثابت بالإجمال هو أن غير المذكى واقعاً ميتة حيث يستند موته إلى غير التذكية لا أن عنوان غير المذكى موضوع للنجاسة، وعليه فلا يثبت بالاستصحاب الموضوع للنجاسة.

هذا، وقد ذكرنا في بحث الفقه في باب نجاسة الميتة أن ما ذكر في معنى المذكى والميتة، وأن المذكى ما كان زهوق روحه بالتذكية، والميتة ما يكون زهوق روحه بغيرها صحيح بالإضافة إلى الحيوان الذي تكون ذكاته بالصيد، وأما بالإضافة إلى الحيوان الذي تكون ذكاته بفري الأوداج فلا؛ لأن المستفاد من صحيحة زرارة(5)الواردة في الحيوان الذي يقع في الماء أو النار بعد ذبحه هو أن زهوق روح الحيوان إلى الذبح غير معتبر في تحقق التذكية بل الحيوان المذكى ما جرى عليه فري الأوداج حال حياته ويقابله الميتة، وهي ما مات ولم يقع عليه فري الأوداج بشرايطه في حال حياته وعليه فالاستصحاب في عدم جريان فري الأوداج على الحيوان مع إحراز زهوق روحه يثبت كونه ميتة فيكون نجساً.









وذكر بعض الأجلة (قدس سره) أن الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان غير جار أصلاً فلا يثبت أنه غير مذكى لئلا يجوز الصلاة في أجزائه ولا يجوز أكل لحمه فضلاً عن ثبوت نجاسته وذلك فإن التذكية عبارة عن زهوق روح الحيوان بالكيفية الخاصة، ويقابلها زهوق روحه بغير تلك الكيفية أو بأي كيفية لا تكون تلك الكيفية فالتذكية وعدمها أي غيرها وصف للحيوان في زهوق روحه، وعدم زهوق روح الحيوان بالكيفية الخاصة وإن كانت صادقة حال حياة الحيوان بنحو القضية السالبة بانتفاء الموضوع كما أنها صادقة قبل وجود الحيوان أيضاً لكن الموضوع لجواز الأكل وجواز الصلاة فيه فعلية زهوق روحه بالكيفية الخاصة والموضوع لعدم جواز فعلية زهوق روحه بكيفية لا تكون تلك الكيفية أو بغير تلك الكيفية ولا يكون شيء من الزهوق بتلك الكيفية أو بغيرها حاله سابقة إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع التي لا يثبت استصحابها السالبة بانتفاء المحمول.









وفيه: أولاً ـ أن جريان الاستصحاب في السالبة بانتفاء الموضوع وإثبات السالبة بانتفاء المحمول بعد إحراز وجود الموضوع لا يكون من الأصل المثبت كما تقدم ويأتي الكلام فيه في الاستصحاب في العدم الأزلي.

وثانياً ـ أن الذكاة وصف للحيوان لا لزهوق الروح، وزهوق الروح غير معتبر في تذكية الحيوان بمعنى أن توصيف الحيوان بكونه مذكى لا يكون بزهوق روحه بتلك الكيفية بل بنفس تلك الكيفية ولذا لا يحرم استعمال جلد الحيوان بعد تذكيته في المشروط بالطهارة ولا يكون شيء من لحمه إذا أخذ منه بعد ذبحه حراماً ولو قبل زهوق روحه فيجوز أكله نعم الموت مأخوذ في معنى الميتة وهي كما تقدم الحيوان الميت إذا لم يجر عليه فري الأوداج بشرايطه قبل موته.

















جريان الاستصحاب في القسم الرابع








ثمّ إنه قد يقال بالقسم الرابع من استصحاب الكلي وهو ما إذا علم بوجود فرد من الطبيعي وارتفاعه وعلم أيضاً بتحقق الطبيعي، ولكن يحتمل كون الطبيعي المعلوم تحققه انطباقه على الفرد المقطوع ارتفاعه وانطباقه على غيره الباقي فيما بعد كما إذا علم بوجود زيد في الدار وخروجه منها بعد ذلك، وعلم أيضاً بوجود متكلم في الدار يحتمل كونه زيداً وقد خرج ويحتمل كونه غيره الباقي في الدار فعلاً، والفرق بين هذا القسم والقسم الثاني من الاستصحاب فيه هو أن الكلي كان مردداً في حصوله بين فردين لم يعلم بحصول أي منهما تفصيلاً بل كان المعلوم حصول أحدهما إجمالاً بخلاف هذا القسم فإنه يعلم بحصول فرد من الطبيعي تفصيلاً وارتفاعه كذلك ويعلم أيضاً بتحقق الطبيعي أما في ضمن ذلك الذي كان موجوداً وارتفع أو في ضمن فرد آخر باق فعلاً كما أن الفرق بين هذا القسم والقسم الثالث ظاهر فإن في القسم الثالث كان المتيقن هو الكلي المتحقق بالفرد الموجود معيناً الذي زال ويحتمل وجود آخر منه بحصول فرد آخر مقارناً لحصوله أو ارتفاعه بخلاف هذا القسم فإن الكلي المتيقن حصوله لم يعلم انطباقه على الفرد المعلوم الارتفاع بل يحتمل انطباقه عليه أو على غيره الباقي، ولا بأس في الفرض بالاستصحاب في ناحية الكلي لو كان لبقائه أثر شرعي، ومثاله في الشرعيات ما إذا اغتسل الجنب من جنابته ثمّ رأى ولو بعد مدة المني في ثوبه فيعلم أنه كان جنباً عند خروج هذا المني ويحتمل كونه من الجنابة السابقة التي اغتسل منها ويحتمل أنها جنابة جديدة لم يغتسل منها فإن الاستصحاب في ناحية جنابته التي كانت عند خروجه جار لاحتمال بقائها بعد اليقين بها نعم لو كان هذا الاستصحاب بالمعارض كما في المثال حيث إن الاستصحاب في عدم جنابته بعد اغتسالها من الأول أيضاً جار فيتساقطان بالمعارضة ويرجع إلى أصل آخر كقاعدة الاشتغال في المثال حيث يعلم المكلف باشتراط صلاته بالوضوء أو بالغسل، وقد يفصل في المقام بين ما إذا علم بتحقق فردين من الكلي ويشك في تعاقبهما وعدمه وبين ما لم يعلم بحصول فردين بل بحصول عنوانين أما بوجود واحد أو وجودين فإنه يجري الاستصحاب في ناحية الكلي في الأول دون الثاني.









كما إذا علم المكلف أنه توضأ بوضوءين وأنه صدر عنه موجب للوضوء لكن يحتمل كون الوضوء الثاني كان تجديدياً بأن تعاقب الوضوآن قبل الحدث المعلوم حدوثه فيكون فعلاً محدثاً، ويحتمل كون الوضوء الثاني أيضاً كالأول رافعاً فيكون متطهراً فعلاً ففي الفرض يجري الاستصحاب في بقاء الطهارة المتيقنة وجودها بعد الوضوء الثاني وكونها متيقنة عنده أما لحصول الطهارة عنده بالوضوء الأول أو الثاني، ويحتمل بقاء تلك الطهارة ولو لاحتمال كون الحدث المعلوم صدوره قبل ذلك الوضوء غاية الأمر أن هذا الاستصحاب معارض بالاستصحاب في الحدث المعلوم إجمالاً صدوره بخلاف ما إذا لم يعلم بحصول فردين كما في مسألة رؤية المني في ثوبه المحتمل كونه من الجنابة السابقة التي اغتسل منها فإنه يجري في الفرض عدم حدوث جنابة اُخرى بعد الاغتسال من الاُولى ويكون هذا حاكماً على طبيعي الجنابة المعلومة إجمالاً عند خروج ذلك المني ولكن لا يخفى إن ما لا يجري في الفرض الاستصحاب في ناحية طبيعي الجنابة المعلومة إجمالاً عند خروج ذلك المني إذا اُحرز أن المني من الجنابة السابقة وهذا لا يثبت بالاستصحاب في عدم حدوث جنابة اُخرى، وعلى ذلك فالاستصحاب في عدم جنابة اُخرى يكون عارضاً بالاستصحاب في بقاء الجنابة المعلومة إجمالاً حدوثها عند خروج ذلك المني، وبتعبير آخر الجنابة المعلومة إجمالاً عند خروج ذلك المني لا يعين بالاستصحاب في عدم جنابة اُخرى أنها كانت هي الجنابة الاُولى التي اغتسل منها نظير ما تقدم في القسم الثاني من الاستصحاب في الكلي أن الاستصحاب في عدم حدوث الفرد الطويل لا يعين أن الطبيعي كان حاصلاً في ضمن الفرد القصير المعلوم زواله؛ ولذا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء الجنابة المعلومة إجمالاً بخروج ذلك المني مع الاستصحاب في عدم حدوث جنابة اُخرى بعد الاغتسال من الاُولى فيتعارضان، وبعد سقوطهما يرجع إلى أصالة الاشتغال في إحراز اشتراط الصلاة بالطهارة من الحدث.









أقول: إن كان المراد أن التكلم قيد للموضوع بأن كان الأثر مترتباً على وجود من صدر عنه التكلم في الدار فالعلم بوجود زيد في الدار لا يخرج الاستصحاب في بقاء المتكلم في الدار بعد خروج زيد من الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي نظير الاستصحاب في بقاء الحيوان عند تردد فرده بين كونه البق أو الفيل، وإن كان المراد أن التكلم غير دخيل في الموضوع بل هو معروف لوجود الإنسان في الدار الموضوع للحكم فالعلم بوجود زيد في الدار كون الاستصحاب في كون إنسان في الدار من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي، وإن قيل إن المستصحب ليس طبيعي الإنسان مطلقاً بل خصوص الطبيعي المنكشف بالتكلم السابق فهذا يدخل في استصحاب الفرد المردد، وقد تقدم أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين الكلي من القسم الثاني أو الفرد المردد، ودعوى عدم جريان الاستصحاب في ناحية الجنابة في المثال وكذا الاستصحاب في الطهارة التي كانت عند تمام الوضوء الثاني وذلك لاحتمال انطباق الجنابة في الأول على التي اغتسل منها وانطباق الطهارة في الثاني على الوضوء الأول الذي انتقض بالحدث المعلوم حدوثه فيكون رفع اليد عنهما من نقض اليقين باليقين، وبتعبير آخر استصحاب الجنابة في الأول والطهارة في الثاني من التمسك بالعام في شبهته المصداقية؛ لأن الموردين من الشبهة المصداقية لأخبار لا تنقض اليقين بالشك لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب إلاّ احتمال بقاء الحالة السابقة التي تعلق بها اليقين لا الشك فيها على كل تقدير ولا يتصور في احتمال البقاء الشبهة المصداقية؛ لأن موطن الاحتمال النفس لا الخارج على ما هو مقرر في محله ويأتي في الشك في الحادثين في المتقدم والمتأخر منها مزيد توضيح.









ولكن ربّما يقال بكفاية الوضوء في مسألة رؤية المني في الثوب فيما أحدث بالأصغر ولا يجب الاغتسال من احتمال جنابته بعد الجنابة التي اغتسل منها؛ لأن المستفاد من الخطابات الشرعية أن من اغتسل من جنابته يصلي به ما لم يحصل منه موجب الوضوء والغسل وإن حصل موجب الوضوء يتوضأ لصلاته ما دام لم يجنب وإذا أجنب يغتسل فالمكلف في الفرض قد اغتسل من جنابته السابقة ومقتضى الاستصحاب أنه لم يجنب بعده فيترتب على ذلك لزوم الوضوء لطهارته لصلاته وغيرها إذا أحدث بالأصغر وفيه أن المستفاد أيضاً من الخطابات الشرعية من أجنب فعليه لطهارته الغسل بعدها والمفروض أن المكلف عند خروج المني الذي رآه في ثوبه كان جنباً يقيناً ولم يحرز أنه أغتسل بعد تلك الجنابة لاحتمال كونها جنابة غير التي اغتسل منها.

نعم، لو كان الاستصحاب في عدم جنابته بعد اغتساله من السابقة مثبتاً بأن الجنابة عند خروج هذا المني كانت هي الجنابة السابقة لتم ما ذكر، ولكنه بالإضافة إلى ذلك أصل مثبت اللهم إلاّ أن يقال إثبات أن المنهي من الجنابة الاُولى لا أثر له فإن المفروض أنه اغتسل منها فيكون الاستصحاب في عدم حدوث جنابة اُخرى مقتضاه عدم جنابته فعلاً فالمكلف إن كان محدثاً بالأصغر يتوضأ وإن لم يكن محدثاً به فهو متطهر يجوز له الدخول في الصلاة وغيرها مما هو مشروط بالطهارة، والفرق في المقام وما تقدم في الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي من جريان الاستصحاب في بقاء الحدث بعد الوضوء والاستصحاب في عدم كون البلل الخارج منياً يظهر بالتأمل وأن المستصحب في المقام الجنابة المرددة مع أن مقتضى الاستصحاب هو عدم كونه جنباً بعد الاغتسال من الجنابة الاُولى وأن الاستصحاب في الجنابة المرددة لا يثبت حدوث جنابة جديدة فيجري الاستصحاب في عدم حدوثها ومع جريانه فالمكلف عالم بطهارته فعلاً أو بعد التوضؤإذا أحدث بالأصغر.

















عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي مع تخلل العدم بين الفردين








بقي في المقام أمر وهو أن ما ذهب إليه البعض من جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ومنعنا جريانه فيه يختص بما إذا احتمل حدوث فرد آخر من الكلي في زمان وجود الفرد المعين المتيقن أو مقارناً لارتفاعه بحيث لم يتخلل عدم الكلي بزمان بينهما، وأما إذا احتمل حدوث فرد آخر من الكلي بعد ارتفاع الفرد المعين بزمان فلا وجه لتوهم الاستصحاب في ناحية بقاء الكلي بل يجري الاستصحاب في ناحية عدم وجوده كما إذا احتمل المتوضئ بعد الحدث الأصغر أنه أجنب بعد وضوئه حيث يجري الاستصحاب في ناحية عدم حدثه وجنابته بعد وضوئه.









ويترتب على ما ذكرنا أنه يجري أحكام العيد وبقائه إلى آخر اليوم من بعد يوم الشك في أنه آخر شهر رمضان أو أول شوال حيث يصح القول عند انقضاء يوم الشك بدخول الليل بأنّا على يقين من دخول أول شهر شوال أي العيد فيحمل بقاؤه إلى آخر الغد فيترتب على هذا الاستصحاب الآثار المترتبة على تحقق ليلة العيد ويومه، وربما يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب آخر وهو دعوى العلم بأنه لم يكن زمان يوم العيد ويحتمل بقاء عدم العيد الكلي فيما بعد زمان يوم الشك، ولكن لا يخفى ما فيه فإن الاستصحاب في بقاء العيد إلى آخر الغد من الاستصحاب في الفرد المردد فهو جار على ما ذكرنا، وأما الاستصحاب في عدم العيد فهو من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي الذي تخلل زمان بين ارتفاع الفرد الأول وبين احتمال الفرد الثاني والوجه في ذلك أن عدم العيد المنطبق على آخر رمضان معلوم الارتفاع بتحقق العيد يوم الشك أو ما بعده يقيناً وعدم العيد تحققه فيما بعد يوم الشك مشكوك، والأصل بقاء العيد وعدم زواله، وعلى الجملة إذا تخلل الوجود للشيء بين عدميه يحسب العدم الثاني غير العدم الأول ولا يقاس بالاستصحاب في عدم شيء يحتمل عدم انقطاعه وبقائه على ذلك العدم فإنه يحسب من استصحاب الفرد كالاستصحاب في بقاء عدم تذكية الحيوان إلى زمان زهوق روحه.









وقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن ما سمي الاستصحاب فيه بالقسم الرابع إن كان المعلوم تحققه من العنوان محتملاً أن ينطبق على الفرد المقطوع زواله كالجنابة المعلومة برؤية المني في ثوبه فلا مجال فيه للاستصحاب في الكلي إذا كان الأثر المترتب على الكلي بعينه الأثر المترتب على الفرد الطويل وبالعكس وأن الاستصحاب في عدم حدوث فرد آخر حاكم على الاستصحاب في ناحية الكلي، وإن كان للمعلوم حدوثه وجود آخر يتردد أمره بين كونه رافعاً للفرد الأول السابق أو رافعاً للفرد الثاني فيدخل ذلك في مسألة العلم بحدوث الحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما كما إذا توضأ المحدث بالأصغر وضوءين مع علمه بحدوث البول منه ولكن لا يدري أنه توضأ وضوءين وكان الثاني تجديداً فالبول بعدهما أو أنه بال بعد وضوئه الأول ثمّ توضأ والاستصحاب في كل من الطهارة والحدث جار ويقع التعارض بينهما ولكن هذا من الشك في المتقدم والمتأخر من الحادثين.

















(1). سورة الواقعة: الآية 79.









(2). وسائل الشيعة 1: 256، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.









(3). سورة المائدة: الآية 3.









(4). وسائل الشيعة 16: 265، الباب 13 من أبواب الذبائح، الحديث الأول.









(5). التهذيب 2: 209.

































الرابع ـ أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الاُمور القارة أو التدريجية الغير القارة[1] فإن الاُمور الغير القارة وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء إلاّ بعدما انصرم منه جزء وانعدم إلاّ أنه ما لم يتخلل في البين العدم بل وإن تخلل بما لم يخل بالاتصال عرفاً







وأما الفعل المقيد بالزمان فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده وطوراً مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة اُخرى كما إذا احتمل أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله [2]















جريان الاستصحاب في التدريجيات
















[1] لا ينبغي التأمل في جريان الاستصحاب في المركبات القارة وهي التي تجتمع أجزاؤها في زمان واحد فإن شمول أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك لها كشمولها لما إذا شك في بقاء البسيط كعدالة زيد واجتهاده ظاهر.









وأما المركبات التدريجية الغير القارة وهي التي لا تجتمع أجزاؤها في زمان بل يوجد جزء منها بعد انعدام جزء قبله سواء كان ذلك المركب زماناً كما في الاستصحاب في ناحية بقاء الليل والنهار، أو زمانياً كالاستصحاب في ناحية بقاء القراءة ونحوها أو كان تصرمه لتقيده بما هو متصرم كالصوم في النهار والصلاة في الوقت ففي جريان الاستصحاب فيها تأمل أو منع عند بعض الأصحاب، ووجهه عدم إمكان البقاء في المتيقن سابقاً ليشك في بقائه ويستصحب.









وذكر الماتن (قدس سره) في دفع الإشكال في ناحية الاستصحاب في الزمان والزماني المتصرم بنفسه ما حاصله أنه إذا لم يتخلل العدم بين أجزاء الشيء يكون الاتصال بين أجزائه موجباً للوحدة بينها كما إذا قيل بأن النهار اسم لمجموع أجزاء زمان يكون تحققها بتحقق أول جزء منها وانتهاؤها بانتهاء الجزء الأخير منها وفي مثل ذلك ما لم يتحقق انتهاء الجزء الأخير يكون النهار باقياً وكذا في بقاء الليل والشهر والسنة لصدق احتمال البقاء في ذلك مطلقاً حتى عقلاً بل لو تحقق العدم بين أجزاء بعض المركبات بحيث لا يكون مخلاً للاتصال الموجب للوحدة عرفاً يحكم ببقائه ما لم تنته أجزاؤه كما في القراءة والتكلم حيث لا يكون تخلل العدم بالتنفس ونحوه في الأثناء موجباً لانتهائه وكون ما قبله مع ما بعده شيئين من قراءتين أو تكلمين ففي مثل ذلك يجري الاستصحاب في ناحية بقائه عند ما شك في انقضائه أو بقائه فإنه كما تقدم لا يعتبر في جريان الاستصحاب إلاّ احتمال البقاء عرفاً، وإن رفع اليد عن اليقين بشيء نقض له بالشك ولا يضر عدم كونه من احتمال البقاء عقلاً ثمّ إن ما ذكر من التصرم والتدرج في أجزاء الشيء إنما كان الشيء عنواناً للحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد كما في غير الحركة الأينية أو كل آن في مكان كما في الحركة الأينية، وأما إذا فرض كونه عنواناً للحركة التوسطية كما إذا قيل: بأن النهار اسم لكون قرص الشمس بين الاُفقين من بلده، والليل لعدم كونها بين الاُفقين منه، وكون الشهر عنواناً لما بين الهلالين يكون الاستصحاب عند الشك في بقاء النهار أو اليوم أو الشهر من الاستصحاب في بقاء الشيء القار لاحتمال بقاء كونه بين المبدأين حتى بنظر العقل.









هذا كله فيما إذا كان الشك في بقاء الأمر التدريجي من جهة الشك في الرافع والمانع أو حصول الغاية أو عدم حصولها لا من جهة كمية الماء النابع من المادة أو الدم في الرحم وإلاّ يكون الاستصحاب في جريان الماء أو خروج الدم مورد إشكال والشك في البقاء من غير هذه الجهة كما إذا شك في بقاء الجريان من جهة بُطء الحركة وسرعتها.









ثمّ ذكر (قدس سره) ولعل عدم فرق في الجريان بين هذه الجهة وجهة الشك بعدم إحراز المقدار والكمية؛ لأن المعتبر في الاستصحاب صدق نقض اليقين بالشك الكافي فيه اتحاد متعلق اليقين والشك عرفاً وبنظره المسامحي ويظهر من آخر كلامه في المقام أن الموجب لوحدة الفعل المتصرم بنفسه كالقراءة والتكلم ليس مجرد عدم الانقطاع وتخلل العدم عرفاً بل هو مع بقاء العنوان الخاص لتلك الأجزاء حيث قال: لو شك في بقاء القراءة باعتبار الشك في بقاء أجزاء السورة التي شرع في قراءتها فمع معلومية تلك السورة يكون الاستصحاب في بقاء قراءتها من الشك في بقاء الشخص أو القسم الأول من الكلي وإذا لم تعلم تلك السورة بعينها وترددت بين القصيرة والطويلة يكون الاستصحاب في قراءتها من الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي وإذا أحرز الفراغ من السورة التي بدأ بقراءتها وشك في الشروع في قراءة السورة الاُخرى كان الاستصحاب في بقاء القراءة من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ومقتضى هذا الكلام عدم جريان الاستصحاب في القراءة في القسم الأخير ولو مع عدم تخلل السكوت والعدم على تقدير الشروع في الاُخرى.









وذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن الأفعال التدريجية الاختيارية كالمشي والقراءة تكون وحدتها وتعددها بوحدة الداعي للفاعل وتعدده.

ويترتب على ذلك أنه فيما أحرز ارتفاع الداعي المحرز واحتمل المشي والقراءة لحصول داع آخر له فلا يجري الاستصحاب؛ لأن الشك يتعلق بحدوث غير ما كنا على يقين منه.









وربّما يورد على ذلك بأن الموجب للوحدة عرفاً في مثل الحركة ليس هو الداعي بل اتصال الأجزاء وعدم تخلل العدم بينها حتى مع تعدد الداعي في قطعات الزمان، وعليه فلو أحرزت الحركة وشك في بقائها أم انقطاعها فلا مانع من الاستصحاب، ويشهد لذلك أنه لو سجد للصلاة وبقي في السجدة بداع آخر من الدواعي المباحة كالاستراحة فلا يحكم ببطلان صلاته للزيادة فيها.

أقول: النقض غير وارد فإن كلام المحقق النائيني في الأفعال الغير القارة لا في مطلق الأفعال حتى ما يعد في العرف من الأفعال القارة، والسجدة من هذا القبيل.

نعم، كون الموجب للوحدة في الأفعال التدريجية هو الداعي غير تام؛ ولذا لو مشى إلى بلد بداع ثم حصل له داع آخر للمشي إلى بلد آخر يكون بينهما مسافة فلا يقال إنه سافر سفرين مع فرض عدم تخلل العدم في البين، وكذا لو حصل له داع إلى قراءة نصف قصيدة ثمّ حصل الداعي إلى إتمامها مع عدم تخلل العدم في قراءة أجزائها فلا يقال أنه قرأ قراءتين إلى غير ذلك.









أقول: توضيح الحال في المقام بحيث يظهر حال ما ذكره الماتن وغيره (قدس سرهم) أن المصحح للوحدة في التدريجيات التي لا تعد من الأفعال الاختيارية أحد أمرين:







الأول ـ اتصال الأجزاء وعدم تخلل العدم بينها سواء كان تخلله قليلاً أو كثيراً مثل وحدة حركة الشيء فإن المصحح لعدّ حركته حركة واحدة عدم تخلل سكونه في البين ولو توقفت السيارة من حركتها لعارض ما ثمّ تحركت يصح أن يقال عرفاً إنها تحركت مرتين ففي الاُولى تحركت ساعة وبعد توقفها في ثوان تحركت ثانية ففي مثل هذه الموارد لا مجال للاستصحاب في حركتها إذا احتمل بقاء حركتها بعد تلك الثواني بل يجري في بقائها على توقفها، ومن هذا القبيل الاستصحاب في جريان نبع الماء أو جريانه في النهر فإنه مع إحراز توقفه عن النبع أو الجريان يجري الاستصحاب في ناحية توقفه لا نبعه أو جريانه، وما عن الماتن (قدس سره) من أن تخلل العدم غير ضار لا يمكن المساعدة عليه.

نعم، لو اُحرز النبع أو الجريان بعد التوقف المفروض وشك في بقاء النبع أو الجريان وحصول التوقف ثانية فلا بأس بالاستصحاب في ناحية النبع والجريان المحرزين بعد ذلك التوقف.









الأمر الثاني ـ انطباق عنوان على مجموع الأجزاء بحيث لا ينافي انطباقه عليها تخلل الفصل بين تلك الأجزاء سواء كان قصيراً أو غير قصير كما في بقاء الحيض حيث إن المرأة إذا رأت الدم ثلاثة أيام متوالية ثمّ حصل لها النقاء ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر ثمّ رأت الدم يوماً قبل عشرة أيام فالمجموع حيض واحد، ولو شكت المرأة بعد حصول فترة النقاء وعود الدم ثانياً في انقطاع حيضها فالاستصحاب في ناحية حيضها لا إشكال فيه في نفسه، وإذا شكت في خروج الدم بعد نقائها يكون الاستصحاب في عدم رؤيتها الدم بعد نقائها ينفي حيضها.









وأما الأفعال الاختيارية التي ذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن حافظ وحدتها هو الداعي إليها والقراءة التي تعرض لها الماتن (قدس سره) وفرض فيها أقسام الكلي فما كان منها مركباً اعتبارياً فالوحدة فيه تابعة لاعتبار المعتبر فيمكن أن يعتبر الفعلين اللذين بينهما فصل طويل فعلاً واحداً، وفي غيره يكون المصحح لكون المجموع أمراً واحداً اتصال الأجزاء عرفاً وقد يكون الفصل القصير مضراً بالوحدة كالتوقف في المشي فإن التوقف قليلاً يوجب أن يكون المشي بعده مشياً ثانية، وفي مثل ذلك لو أحرز التوقف عن المشي واحتمل تجدده فيستصحب عدمه إلاّ إذا انطبق على المشي عنوان لا ينتفي بالتوقف في الأثناء كعنوان السفر حيث لا يضر باستمرار السفر التوقف عن المشي في الأثناء قصيراً أو طويلاً وقد لا يكون الفصل القصير مضراً بوحدته وصيرورة المجموع عملاً واحداً مستمراً كما إذا لم يكن عادة حصوله بلا فصل بين الأجزاء كالقراءة والتكلم فإن الفصل المتعارف بين الكلمات والجمل لا يضر بوحدة التكلم والقراءة وفي مثل ذلك لو شك في بقاء القراءة وانقطاعها يستصحب بقاؤها سواء كان منشأ الشك احتمال انقطاعها أو انتهائها ثم إن الموجود الخارجي فيما إذا عد بحسب اتصال الأجزاء فعلاً واحداً، وكان كل من قطعاته معنونة بعنوان خاص يعتبر ذلك الموجود بالإضافة إلى عناوين قطعاته أشياء متعددة فإن كان الأثر المرغوب مترتباً على عنوان تلك الأجزاء بعنوان وسيع يصدق على البعض والكل فيجري الاستصحاب في بقائها وعدم انقطاعها أو انتهائها، ويكون ذلك من قبيل الاستصحاب في الشخص، وإن كان الأثر المرغوب مترتباً على خصوص تلك العناوين الخاصة للأجزاء أو لمجموعها فلا يفيد الاستصحاب في بقاء الأجزاء حصول تلك العناوين فضلاً عن حصول مجموعها.









وعلى ذلك فلو كان لكون شخص حال قراءة القرآن أثر شرعي للغير وشك ذلك الغير في بقاء القاري على قراءته ولو بشروعه بقراءة سورة اُخرى بعد الفراغ من السورة التي فرغ عنها فالاستصحاب في بقاء قراءته جار وليس من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي؛ لأن القراءة على تقدير استمرارها قراءة واحدة بالإضافة إلى عنوان قراءة القرآن.









نعم، لو كان الأثر لخصوص قراءة سورة فلانية وفلانية وعلمنا بشروعه في أحدهما واحتملنا شروعه بعد قراءته في الاُخرى فلا يثبت بالاستصحاب أنه قرأ السورة الاُخرى أيضاً لما ذكرنا من أن القراءة الواحدة بالإضافة إلى عناوين قطعاته متعددة فما ذكر الماتن (قدس سره) من تصوير الاستصحاب في أقسام الكلي خلط بين أثر العناوين الخاصة ومجموعها وبين الأثر لعنوان العام والمفروض في كلامه هو الأثر المترتب على القراءة لا على القطعات ولذا جرى الاستصحاب في صورة تردد السورة المقروءة بين السورتين وسماه بالاستصحاب في القسم الثاني من الكلي.









ومما ذكرنا يظهر أنه لو كان لإتمام السورة الفلانية أثر خاص وعلمنا أن القاري شرع في قراءتها واحتملنا أنه ارتدع ولم يتمها فالاستصحاب في قراءتها لا يثبت أنه أتمها وإنما يترتب عليه أثر القاري يقرأ تلك السورة كما يجري الاستصحاب في ناحية عدم إتمامها ويظهر من كلام سيدنا الاستاد (قدس سره) أن الوحدة في مثل التكلم والقراءة مما ذكرنا أن لقطعاته عنواناً خاصاً ليست لاتصال الأجزاء أصلاً وذلك لتخلل العدم بينهما بالتنفس وغيره بل الموجب للوحدة فيها العنوان الاعتباري فيقال لمجموع الأجزاء أنها قصيدة أو سورة فلانية أو غير ذلك، ويعتبر في جريان الاستصحاب رعاية احتمال بقاء ذلك العنوان، وإذا شرع في قصيدة وشك في أنها القصيدة الطويلة أو القصيرة يكون الشك في بقاء القراءة من قبل الشك في المقتضي، وإذا علم أنه شرع في قراءة سورة فلانية واحتمل تحقق المانع من إتمامها يكون الشك في البقاء قبل الشك في الرافع وإذا أحرز الفراغ عنها وشك في أنه شرع في سورة اُخرى فلا مجال للاستصحاب إلاّ في ناحية عدم الشروع في قراءتها.









ولكن يرد على ما ذكره بأنه إذا شرع في قراءة سورة طويلة بقصد قراءتها ثمّ قطعها لطولها وشك أنه قرأ بعد ذلك باقيها ولو في مجلس آخر أم لا فاللازم الالتزام بجريان الاستصحاب في قراءتها؛ لأن اعتبار المشكوك بقاء لقراءتها ليس باتصال عرفي في قراءة أجزائها بل وحدة العنوان وهو حاصل مع الفصل الطويل أيضاً ولا أظن الالتزام بجريان الاستصحاب في قراءتها بل يجري في الفرض الاستصحاب في عدم قراءتها بعد قطعها بل إذا أحرز قراءة باقيها يصدق أنه قرأ السورة بمرتين من القراءة وبقراءتين ولا يقاس في عود دم الحيض بعد فترة النقاء وانقطاعه قبل عشرة أيام حيث اعتبره الشارع ذلك الدم بتمامه حيضاً واحداً بحكمه على النقاء أنه جزء الحيض ولم يحكم بالسكوت الطويل بأنه جزء القراءة وهذا ظاهر كما هو الحال أيضاً في فترة التوقف أثناء سفر واحد بيوم أو أكثر حيث حكم الشارع بدخولها في السفر وأنه لا يقطعها إلاّ إقامة عشرة أيام أو البقاء ثلاثين يوماً متردداً.

















عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية بلا فرق بين عناوين الأزمنة وغيرها








ثمّ إن ما تقدم من جريان الاستصحاب في بقاء الزمان سواء قيل بأن الزمان داخل في الحركة القطعية أو التوسطية فيما إذا كان الشك فيه بنحو الشبهة الموضوعية، وأما إذا شك في عناوين قطعات الزمان بنحو الشبهة المفهومية كما إذا لم نحرز أن انتهاء اليوم ودخول الليل يكون باستتار قرص الشمس عن الاُفق الغربي أو بذهاب الحمرة المشرقية فلا مجال للاستصحاب في ناحية العناوين وجوداً وعدماً، ولا في ناحية الحكم المترتب عليها حدوثاً أو عدماً بل لابد من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال وليس ذلك مختصاً بالزمان بل لا مجال للاستصحاب في شيء من موارد الشبهة المفهومية لا في ناحية الموضوع ولا في ناحية الحكم حيث إن خطابات «لا تنقض اليقين بالشك» ظاهرها فرض متيقن ومشكوك خارجيين وليس الأمر في موارد الشبهة المفهومية كذلك بل لا شك في الخارج أصلاً مثلاً الأجزاء السابقة على استتار القرص كانت من النهار يقيناً فلا شك في أنها قد انتهت والأجزاء التي تكون من بعد الاستتار وقبل ذهاب الحمرة المشرقية موجودة يقيناً والشك في أنه يعمها اسم اليوم أو الليل بخلاف ما إذا كانت الشبهة موضوعية فإن الشك في بقاء الآنات التي تكون قبل استتار القرص واحتمال انتهائها خارجاً أما عدم جريانه في ناحية الحكم لعدم اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة وجريان الأصل في عدم جعل الحكم بنحو الوسيع كما هو الحال في جميع الشبهات الحكمية التي يشك فيها في سعة التكليف المجعول وضيقه.

















جريان الاستصحاب في الزمان فيما إذا شك في الفعل المقيد
















[2] القسم الثالث من التدريجيات وهو الفعل المقيد بالزمان حيث تكون تدريجية الفعل بتبع تدريجية قيده يعني الزمان فقد ذكر الماتن (قدس سره) أن الشك في بقاء الحكم في هذا القسم أما من جهة الشك في بقاء قيد الفعل أي الزمان، واُخرى يكون الشك في بقاء حكمه من غير ناحية الزمان بأن أحرز انقضاء ذلك الزمان واحتمل بقاء الفعل على حكمه بعده؛ لأن التقييد بالزمان فيه كان بلحاظ تمام المطلوب لا بلحاظ أصل مطلوبيته أما القسم الأول فلا بأس بالاستصحاب في ناحية القيد يعني الزمان كالنهار المقيد به الصوم فيترتب على بقائه وجوب الفعل كوجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار.

نعم، هذا فيما إذا كان الشك في بقاء النهار بنحو الشبهة الخارجية، وأما إذا كان بنحو الشبهة الحكمية فلا مجرى للاستصحاب في ناحية الزمان كما تقدم وإن لم يتعرض لذلك الماتن (قدس سره).









ولكن قد يورد على جريان الاستصحاب في ناحية الزمان في هذا القسم بأن متعلق الوجوب الفعل المقيد به أي الفعل الخاص، والاستصحاب في ناحية نفس الزمان لا يثبت أن الفعل هو الفعل في ذلك الزمان ليجب الإتيان به، وبتعبير آخر ليس الزمان مجرد شرط الوجوب والتكليف بل هو قيد للمأمور به فلا يحرز أن الفعل هو الفعل المقيد به ليجب، نعم يمكن إحراز ذلك في مثل الصوم حيث نفس الفعل كان في السابق هو الفعل المقيد بذلك الزمان، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه على ما كان، وأما إذا لم يكن لنفس الفعل حالة سابقة كما إذا شك المكلف لغيم ونحوه في انقضاء النهار وغروب الشمس ولم يصلِّ الظهرين فالاستصحاب في ناحية النهار لا يثبت أن صلاته صلاة في النهار وقبل غروب الشمس، وقد دفع هذا الإشكال بأنه يجري في ناحية الفعل في هذا الفرض الاستصحاب التعليقي بدعوى أنه لو صلى هذه الصلاة قبل ذلك كانت صلاة في النهار وقبل غروب الشمس والآن هذه الصلاة كما كانت، وفيه ما لا يخفى فإنه لو بنى على جريان الاستصحاب التعليقي في التكليف المشروط بدعوى أن التكليف المشروط قسم من الحكم الشرعي فيستصحب عند الشك في بقائه في موضوعه لم يتم ذلك في التعليق في متعلقات التكاليف وموضوعاتها فإن التعليق فيها مجرد أمر عقلي فإن العقل يستقل في أنه مع حصول ذات المقيد إن حصل قيده حصل المقيد بما هو مقيد، والمتحصل القضية المذكورة ليست من التكليف ولا موضوع له ولا يحرز أن الفعل في هذا الزمان إيجاد لمتعلق التكليف حتى يحرز وجوبه.

















إحراز بقاء التكليف المتعلق بالفعل المقيد بالزمان بالاستصحاب في ناحية الزمان المشروط به التكليف








وقد يقال يمكن إحراز كون الصلاة في الآن المشكوك صلاة في النهار أو صوماً في النهار بالاستصحاب في ناحية الزمان بمفاد (كان) الناقصة بدعوى أن الزمان بنفسه هوية واقعية مستمرة وكان متصفاً بالنهار أو قبل الغروب سابقاً ويشك في بقائه على ما كان فيحرز أنه نهار أو قبل الغروب فمع الصلاة في ذلك الزمان لتم إحراز الصلاة في النهار.

حيث لا معنى للصلاة في النهار أو قبل الغروب إلاّ الإتيان بالصلاة في زمان يكون متصفاً بالنهار أو قبل الغروب، ولكن لا يخفى ما فيه فإن الزمان لو لم يكن في نفسه أمراً موهوماً وسلمنا أن له هوية واقعية ولكن استمراره باتصال الأجزاء وعدم انقطاع الحركة ولكن تختلف قطعاته عرفاً بحسب العناوين والآن المفروض المشكوك كونه من النهار أو من الليل لم يحرز سابقاً ليستصحب، وبتعبير آخر المتصف بالنهار سابقاً ليس هذا الآن ولا يمكن إجراء الاستصحاب في ناحية الزمان بحسب العناوين إلاّ بمفاد (كان) التامة فإن كان استصحابه بهذا المفاد مفيداً في إحراز أن المأتي به صلاة في الليل أو في النهار فهو، وإلاّ فلا يفيد استصحاب الزمان في إثبات وجوب المتعلق بالفعل المقيد به حيث لا يحرز أن المأتي به هو الفعل المقيد به.

















كفاية الاستصحاب في الزمان بمفاد كان التامة في إحراز تحقق الفعل المقيد بالزمان








اللّهم إلاّ أن يقال إحراز بقاء التكليف لا يحتاج إلى إحراز أن المأتي به ينطبق عليه عنوان متعلق التكليف بل يكفي فيه احتمال الانطباق؛ ولذا لو قام المكلف من نومه وقد بقي إلى الغروب مقدار صلاة أربع ركعات وكان ثوبه منحصراً في مشتبهين أحدهما طاهر والآخر نجس فإنه لا ينبغي التأمل في أنه لا يجوز له ترك صلاة العصر بعذر أنه لا يمكن له إحراز الإتيان بصلاة العصر في ثوب طاهر بل إذا لم يمكن الموافقة القطعية للتكليف المحرز بالعلم أو بالأصل فعليه الموافقة الاحتمالية ومعها لا يجب عليه القضاء لعدم إحراز فوت الفريضة في وقتها، وفيما نحن فيه أيضاً الزمان شرط للتكليف أيضاً أو القدرة على المتعلق موضوع له وبالاستصحاب في الزمان أو القدرة على المتعلق يثبت بقاء التكليف ومقتضاه مع عدم إمكان إحراز انطباق متعلق التكليف على المأتي به يكفي احتماله، ولعل ما ذكر الماتن (قدس سره) فإن كان الشك في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان كالنهار الذي قيد به الصوم فيترتب عليه وجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله، وما في ذيل كلامه من قوله فتأمل يكون إشارة إلى أن عدم جريان الاستصحاب في الفعل المقيد بالزمان في مثل الصلاة في النهار وجعل الزمان قيداً للتكليف مع كونه شرطاً لمتعلقه لا محذور فيه بل جعله قيداً للتكليف بنحو الشرط المقارن يوجب أن لا يجب على المكلف تحصيل مقدمات الواجب قبله وإلاّ لو كان قيداً لمتعلق التكليف فقط لكان الواجب بنحو الواجب المعلق المشروط بالقدرة حال زمان الفعل فيجب تحصيل مقدماته ولو قبل ذلك الزمان.









لا يقال: الاستصحاب في عدم تحقق الصلاة في النهار بالصلاة في الآن المفروض لا أثر له؛ لأنه لا يثبت فوت الواجب على تقدير الإتيان بها في ذلك الوقت كما أنه لا يثبت أن التكليف بالصلاة في النهار في ذلك الوقت من تكليف العاجز عن المتعلق ليكون هذا الاستصحاب حاكماً على استصحاب الزمان المثبت للتكليف بها، أضف إلى ذلك أنه لا مجرى للاستصحاب في عدم تحقق الصلاة في النهار أصلاً بل يحرز بالاستصحاب في بقاء النهار وفعل الصلاة تحقق الصلاة في النهار فإنه كما يحرز بالاستصحاب في غير الزمان من قيود الواجب كالوضوء وبقاء الستر تحقق الصلاة بالوضوء أو الستر كذلك بالاستصحاب في ناحية النهار مع الإتيان بذات الواجب يحرز تحقق الصلاة في الزمان.

وبيان ذلك أن اتصاف الفعل بالزمان أي واقع اتصافه به ليس من قبيل اتصاف المعروض بعرضه حيث إن الشيء على تقدير كونه موضوعاً لحكم أو متعلقاً لتكليف فلابد في موارد إحرازه بالاستصحاب من ثبوت الحالة السابقة بمفاد (كان) الناقصة كما إذا حكم الشارع بالاعتصام على الماء الكر وبالتجهيز بالميت المسلم فإذا شك في كرية ماء أو إسلام ميت فلابد من الحالة السابقة للاتصاف في الحكم باعتصام ذلك الماء وإلاّ جرى الاستصحاب في ناحية عدم اعتصامه ولو بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي، وكذا فيما إذا كان الشك في وصف الأفعال المعدود من العرض لها كالشدة والضعف، وأما إذا لم يكن قيد الموضوع أو المتعلق من قبيل العرض لذات الموضوع أو المتعلق بل كان من الجوهر والعرض لمعروض آخر أو كان الموضوع أو المتعلق من عرضين فمعنى كونه قيداً لهما اجتماعهما مع ذات الموضوع أو المتعلق المعبر عنه بمفاد (واو) الجمع فإن ورد الأمر في خطاب بإكرام زيد يوم الجمعة فمعنى كون يوم الجمعة قيداً لإكرامه أن يحصل إكرامه مع حصول يوم الجمعة وليس المراد عنوان الجمع والمعية بل ما هو منشأ لانتزاعهما، وعلى ذلك فلو شك في بقاء نهار الجمعة فالاستصحاب في ناحيتها وإكرام زيد في ذلك الزمان موجب لإحراز إكرامه يومها.

نعم، لو كان عنوان المعية والحالية وغيرها من العناوين الانتزاعية بنفسه موضوعاً للحكم أو متعلقاً للتكليف فلا يفيد الاستصحاب في ناحية بقاء نفس القيد في إحراز حصول ذلك العنوان؛ ولذا ذكر جماعة من الأصحاب أنه لو كبر المأموم لصلاة مع كون الإمام راكعاً وشك في أنه أدرك في ركوعه ركوع الإمام يحكم ببطلان صلاته كما عن بعض، وبطلان جماعته عن بعض آخر؛ لأن المعتبر في إدراك الجماعة بحسب الرواية حصول عنوان الحالية كما هو ظاهر (الواو) الحالية في قوله (عليه السلام): «إذا ركع والإمام راكع»(1) لا بمعنى مجرد الاجتماع في الزمان ركوعهما كما هو مفاد (واو) الجمع فإن إثبات الأمر الانتزاعي بالاستصحاب في منشأ انتزاعه أصل مثبت، والمتحصل ما ورد في الخطابات الشرعية بصوم نهار شهر رمضان والصلاة في الليل والنهار عدم دخالة العناوين الانتزاعية كالظرفية ونحوها بل المطلوب واقع الاجتماع بين الفعل والزمان وهذا يحرز بالفعل وإحراز الزمان بالاستصحاب.

















(1). التهذيب 3: 43.

































وإن كان من الجهة الاُخرى فلا مجال إلاّ لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلاّ ظرفاً لثبوته[1] لا قيداً مقوماً لموضوعه







إزاحة وهم: لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية[2] وما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها إلاّ من قبل الشك في الرافع















الشك في التكليف بعد انقضاء الزمان الذي كان قيداً للواجب















[1] وتعرض الماتن (قدس سره) لحكم الفعل فيما بعد ذلك الزمان وذكر ما حاصله قد يلاحظ الزمان ظرفاً لثبوت الحكم المتعلق بالفعل من غير أن يكون قيداً مقوماً لموضوعه ففي مثل ذلك لا بأس بالاستصحاب في ناحية الحكم بعد ذلك الزمان فيما لم يتم الدليل على ارتفاعه بأن شك احتمل بقائه، بخلاف ما إذا كان الزمان قيداً مقوماً لموضوعه بحيث على تقدير ثبوت الحكم لذلك الفعل بعد ذلك الزمان يعد حكماً آخر ففي مثل ذلك لا يكون مجال إلاّ لاستصحاب عدم ثبوت هذا الحكم.









ثمّ ناقش أولاً في جريان الاستصحاب في القسم الأول بأن الزمان مع أخذه في خطاب الحكم يكون قيداً للموضوع ودخيلاً في صلاح الفعل المقيد به وأجاب بأن هذا بحسب نظر العقل لعدم إمكان فرض دخالة أمر ولو يؤخذ في خطاب الحكم ظرفاً إلاّ أنه بحسب نظره يرجع إلى قيد الموضوع والمراد من الموضوع كما يظهر من كلامه متعلق الحكم أي الفعل ولكن بنظر العرف يكون الموضوع هو الفعل وثبوت الحكم له في الزمان الأول مقطوع وفي الثاني مشكوك.









وناقش ثانياً بأنه إذا كان الزمان ظرفاً لثبوت الحكم في الزمان في الفرض الأوّل بنظر العرف وقيداً لموضوعه أي متعلقه بنظر العقل يكون المورد من موارد جريان الاستصحاب في ناحية عدم حدوث تكليف آخر بعد ذلك الزمان بلحاظ النظر الدقي ومن موارد الاستصحاب في بقاء الحكم لذلك الفعل بالنظر العرفي فيتعارضان كما ذكره الفاضل النراقي (قدس سره) وأجاب عن ذلك بأن أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك لم ترد بلحاظ كلا النظرين لعدم إمكان الأخذ بكل منهما للمنافاة بينهما فلابد من أن يكون بلحاظ أحدهما وحيث إنها ناظرة إلى الشك في البقاء بنظر العرف يكون الاستصحاب في ناحية التكليف في فرض ظرفية الزمان للحكم بلا معارض كما أن الاستصحاب في ناحية عدم حكم آخر فيما إذا كان الزمان قيداً للفعل بعد ذلك الزمان بلا معارض وذلك لعدم كون الحكم بعد ذلك الزمان من بقاء التكليف الأول حتى بنظر العرف ثمّ قال: نعم، لا يبعد فيما إذا تعلق التكليف بالفعل المقيد بالزمان واحتمل تعدد الملاك الملزم؛ أحدهما قائم بذات الفعل، والآخر بوقوعه في ذلك الزمان ليكون الفعل فيه تمام المطلوب وكامله أن يجري الاستصحاب بعده في نفس الفعل فإنه يتحد المتعلق في إحدى مرتبتي الطلب حتى بنظر العقل.









لا يخفى أن الزمان بنفسه ظرف فيكون بما هو ظرف قيداً للفعل أو الحكم والتكليف أو لهما معاً وإذا فرض أنه قيد للفعل يكون التكليف المتعلق بالفعل المقيد بذلك الزمان متعلقاً لتكليف واحد سواء كان فيه ملاكان ملزمان أو كان فيه ملاك ملزم واحد، وإذا كان فيه ملاكان أحدهما قائم بذات الفعل، والآخر بالفعل في خصوص ذلك الزمان فالتكليف المتيقن هو التكليف المتعلق به في ذلك وقد ارتفع بعده يقيناً فيكون الشك في تعلق تكليف آخر بذاته عند ارتفاع التكليف الأول، وبتعبير آخر الفعل في ذلك الزمان الخاص ليس من الفعلين بأن يتعلق لكل منهما تكليف؛ ولذا لو أتى المكلف به في ذلك الزمان يكون المأتي به مصداقاً لما تعلق به التكليف ولو أمر الشارع بالإتيان في أول ذلك الزمان لا يكون أمره إلاّ إرشاداً إلى أفضل الأفراد لا أمراً تكليفياً ندبياً مستقلاً غير ما تعلق به التكليف الإلزامي.

















في عدم جريان الاستصحاب في وجوب الفعل المقيد بزمان بعد انقضاء ذلك الزمان








وعلى الجملة الاستصحاب في بقاء التكليف بعد انقضاء الزمان المقيد به الفعل يكون من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي الذي اعترف الماتن بعدم جريانه على ما تقدم.

نعم، لو كان التكليف المجعول مشروطاً بمجيء زمان ويشك في أن التكليف دائر مدار بقاء ذلك الزمان أو أن مجيء ذلك الزمان دخيل في فعلية ذلك التكليف فقط لا في بقائه كما إذا علم بوجوب إخراج الفطرة بدخول أول شوال، ولكن لم يعلم أن بقاء وجوبه دائر مدار بقاء أول شوال أيضاً أو أن دخوله موجب لفعلية وجوب إخراج الفطرة وبقائه نظير ما إذا علم بانفعال الماء الكثير بحدوث التغير فيه بأوصاف النجس الذي أصابه ولكن لا يدري أن بقاء تنجسه أيضاً دائر مدار بقاء التغير وعدمه ففي مثل ذلك لا بأس بالاستصحاب في بقاء التكليف المتعلق بالفعل بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ويكون الفرض في الحقيقة من الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي؛ لأن المكلف لا يدري أن الوجوب الفعلي قصير ينقضي بانقضاء ذلك كانقضاء الانفعال عن الماء الكثير بانقضاء تغيّره أو أن الوجوب الفعلي فرد طويل من التكليف لا ينقضي بانقضائه ولكن هذا خارج عن المفروض في المقام حيث إن المفروض في المقام تعين الإتيان بالفعل قبل خروج ذلك الزمان والشك في تعينه أيضاً بعد ذلك الزمان لمن عصى وتركه في الزمان الأول أو تركه فيه لعذر عقلي أو شرعي والاستصحاب في مفروض المقام لا يكون إلاّ من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي كما تقدم بل لو كان الشك في التكليف من القسم الثاني من الكلي أيضاً لكان الاستصحاب في عدم جعل التكليف بنحو الوسيع حاكماً على الاستصحاب في بقاء التكليف بعد انقضاء ذلك الزمان بل الاستصحاب في عدم جعل التكليف الوسيع عين نفي الوجوب الفعلي بعد انقضاء الزمان الأول ولا يعارض هذا الاستصحاب بالاستصحاب في عدم جعل التكليف المختص بالزمان الأول؛ لأنه لا أثر له لأن ثبوته في الزمان الأول قطعي وعدم جعله لخصوصه لا يثبت جعل الوسيع.









حتى لو قيل بأن الاستصحاب في بقاء التكليف الفعلي بعد انقضاء زمان الأول من الاستصحاب في القسم الأول من الكلي بل من الاستصحاب من الشخص أي شخص التكليف الفعلي لكان الاستصحاب في عدم جعله بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان نافياً لثبوته بعده فإن ثبوت التكليف بعد ذلك الزمان ثبوتاً يحتاج إلى الجعل؛ لأن الحكم والتكليف أمر اعتباري يحتاج إلى الجعل والاعتبار والاستصحاب في عدم جعله نفي لذلك الحكم المجعول في مقام الجعل والاستصحاب في بقاء المجعول الفعلي لا يثبت جعله بنحو الوسيع كما ذكرنا سابقاً في عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

















عدم جريان الاستصحاب في بقاء التكليف مع عدم الدليل على إطلاقه








وقد ظهر مما ذكرنا أنه لو ثبت حكم وتكليف متعلق بالفعل في زمان وشك في كون ذلك التكليف ينتهي بانتهاء ذلك الزمان أو أن يبقى بعد ذلك الزمان أيضاً بحيث يكون ذلك الزمان دخيلاً في حدوثه فقط دون بقائه فإن لم يكن في البين في خطاب ذلك الحكم إطلاق بحيث يقتضي بقاءه بعد ذلك الزمان أيضاً ووصلت النوبة إلى الأصل العملي لا يجري الاستصحاب في بقاء ذلك الحكم المجعول الفعلي، وهذا فيما إذا كان الحكم انحلالياً بانحلال المتعلق ظاهر كما إذا علمنا بحرمة وطي الحائض بحدوث حيضة ويشك في أن حرمته ثابتة حتى بعد انقطاع الدم وقبل اغتسالها أو داير مدار بقاء الحيض فلا يجري الاستصحاب في ناحية حرمة وطيها إلى زمان اغتسالها؛ لأن المتيقن من جعل الحرمة هو الوطي زمان الحيض والأصل عدم جعل الحرمة لوطيها بعد الحيض وقبل الاغتسال.









وعلى الجملة ففي مثل هذا المورد بما أن الحصة من الوطي فعل آخر يشك في ثبوت حرمة مستقلة لها فمقتضى الأصل عدم جعل الحرمة لتلك الحصة، وأما إذا لم يكن الحكم والتكليف انحلالياً بأن كان متعلق التكليف صرف وجود الفعل أو الفعل المستمر بحسب عمود الزمان بحيث يحسب ذلك الفعل على تقدير بقاء التكليف هو الفعل الأول كما إذا شك في أن المبيت بمنى في ليالي المبيت هل ينتهي وجوبه بانتصاف الليل إلى طلوع الشمس أو بانتصاف بملاحظة طلوع الفجر أو شك في أن وجوب إخراج الفطرة ينتهي أمده إلى انقضاء يوم الفطر أو أن وجوبه يستمر إلى ما بعده أيضاً ففي مثل ذلك الاستصحاب في عدم جعل الوجوب بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان يجري لا أنه يتعارض مع الاستصحاب في بقاء الحكم المجعول الفعلي ويتعارضان ويتساقطان بل الاستصحاب في عدم جعل الحكم بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان علم بعدم سعة الحكم المجعول فلا يبقى موضوع للاستصحاب في ناحية بقاء المجعول.









لا يقال: ما الفرق بين الاُمور الواقعية الخارجية التي لها أثر شرعي في حدوثها وبقائها أو في بقائها فقط وبين الاُمور الاعتبارية التي يدخل فيها الحكم الشرعي والتكليفي، ولا ينبغي التأمل بل لا خلاف في جريان الاستصحاب في ناحية بقاء تلك الاُمور الواقعية فيما إذا شك في بقائها ولم يتوهم أحد الاستصحاب في ناحية عدمها السابق على وجوداتها بعد انتقاض ذلك العدم بالوجود وكيف يقال بالاستصحاب في ناحية عدم التكليف بعد انقضاء الزمان المتيقن من وجوده مع أن عدم التكليف السابق أيضاً انتقض بالتكليف الحادث يقيناً مثلاً إذا وجب الإمساك عن المفطرات قبل غيبوبة قرص الشمس عن الاُفق الغربي ويحتمل بقاؤه إلى ذهاب الحمرة الشرقية فلا محذور في الاستصحاب في ناحية بقاء وجوب الإمساك الفعلي المتيقن السابق إلى ذهابها.

نعم، إذا علم بوجوب فعل مقيد بزمان مخصوص وشك في وجوب الفعل بعد ذلك الزمان بحيث يكون على تقدير وجوبه تكليفاً آخر فيجري الاستصحاب في عدم جعل وجوب آخر بعد ذلك الزمان فالقائل بالتعارض بين استصحاب بقاء الحكم الفعلي المجعول وبين الاستصحاب في ناحية عدم الجعل متهافت في قوله فإنه يأخذ الزمان ونحوه قيداً للفعل فيدعي الاستصحاب في عدم الجعل بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان ونحوه، وينظر إلى الظرفية والحالية للفعل فيدعي الاستصحاب في بقاء المجعول مع أنه لا مورد في الأول إلاّ لاستصحاب عدم تكليف آخر كما أنه لا مورد في الثاني إلاّ للاستصحاب في ناحية بقاء التكليف المجعول.









فإنه يقال: ليس المعارض للاستصحاب في المجعول الفعلي عدم فعلية ذلك المجعول قبله ليقال بأن ذلك العدم قد انتقض بالوجود كما في الاستصحاب في ناحية الاُمور الخارجية، بل المعارض له عدم جعل التكليف الوسيع بحيث يعم الزمان الثاني أو الحال الطاري فإن بقاء عدم هذا الجعل في مقام جعل الأحكام محتمل كما ذكروا في وجه المعارضة وثبوت التكليف الوسيع لكونه أمراً اعتبارياً تكون سعته كأصله بالاعتبار ومقتضى الاستصحاب عدم اعتباره وجعله.









لا يقال: استصحاب عدم جعل التكليف الوسيع بحيث يعم الزمان الثاني أو الحال الطاري لا يثبت عدم ثبوت التكليف المجعول الفعلي في ذلك الزمان أو الحال لعدم ترتب شرعي بين ثبوت الجعل وثبوت المجعول لينفى الثاني بنفي الأول.









فإنه يقال: نفي المجعول بنفي جعله لا يكون من الأصل المثبت، وإلاّ لم يمكن إثبات المجعول الفعلي باستصحاب بقاء جعله وعدم نسخه، والسر في ذلك ما ذكرنا من أن الحكم في مقام الفعلية بعينه الحكم في مقام الجعل، وليس الاختلاف بينهما في نفس المنشأ المجعول بل الاختلاف بينهما بفعلية الموضوع وكونه بنحو التقدير حيث إن الموضوع في مقام الجعل التقديري وفي مقام الفعلية فعلي ومقتضى الاستصحاب عدم هذا المجعول في مقام إنشاء الأحكام واعتباراتها بعدم اعتباره، وهذا فيما إذا كان الجعل بعنوان القضية الحقيقية، وأما إذا كان الجعل بنحو القضية الخارجية ففعلية الحكم عين اعتباره واعتباره عين فعليته أوضح؛ ولهذا ذكرنا أن مع جريان الاستصحاب في عدم الجعل لا يبقى شك بالإضافة إلى ثبوت المجعول بل يعلم عدمه، وعلى الجملة اعتبار المجعول يعني المنشأ مقوم للإنشاء وجعل الحكم وداخل فيه، والاستصحاب في عدم الجعل في مقام جعل الأحكام بنفيه والاستصحاب في بقاء المجعول الفعلي السابق لا يثبت جعله الوسيع، ونظير ذلك ما قلنا في اختلاف الزوجين في دوام العقد وانقطاعه من أنّ الأصل الجاري في عدم إنشاء عقد النكاح الدائمي ينفي الزوجية بالإضافة إلى مدة الانقطاع والاستصحاب في بقاء الزوجية الفعلية السابقة لا يثبت العقد الدائم والاستصحاب في عدم عقد الانقطاع لا أثر له لكون الزوجية في تلك المدة محرزة بالوجدان.









لا يقال: الاستصحاب في عدم التكليف الوسيع بحيث يعم حال انقضاء الزمان الأول أو الحالة الأولية يعارض مع استصحاب عدم جعل الإباحة للفعل بعد ذلك الزمان أو تلك الحالة فيتعارضان ويتساقطان ويرجع إلى الاستصحاب في بقاء التكليف الفعلي السابق.









فإنه يقال: قد ذكرنا سابقاً أن كون الأصل المسببي في طول الأصل السببي إنما هو في فرض جريان الأصل السببي وأما مع عدم جريانه فإن كان الأصل المسببي مستفاداً من خطاب خاص فلا بأس بالأخذ به وأما إذا كان مستفاداً مما يستفاد منه الأصل السببي يكون الأصل المعارض للأصل المسببي معارضاً مع المسببي أيضاً، والمفروض أن الأصل الجاري في المقام مستفاد من خطابات لا تنقض اليقين بالشك، وعلى ذلك فالاستصحاب في عدم جعل التكليف يعارض الاستصحاب في عدم جعل الإباحة الاستصحاب في بقاء التكليف ويرجع بعد تساقطها إلى أصالة البراءة عن التكليف بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان أو الحال مع أنه يمكن أن يقال بأن الاستصحاب في عدم جعل الإباحة لا ينافي عدم جعل التكليف لإمكان خلو الواقعة عن الحكم المجعول واقعاً بل عدم جعل التكليف الإلزامي لفعل عين الترخيص الشرعي فيه.

















[2] ثمّ إنه قد ذكر النراقي (قدس سره) جريان المعارضة بين الاستصحابين في الأحكام الوضعية أيضاً فيما إذا كانت الشبهة حكمية كما إذا شك في كون المذي ناقضاً للوضوء أو كون الغسل مرة كافياً في الحكم بطهارة المغسول وظاهر كلامه أن الأصل في عدم كون الوضوء سبباً للطهارة بعد خروج المذي مقتضاه عدم بقاء الطهارة فيكون معارضاً للأصل في عدم رافعية المذي المقتضي لبقائها، وكذا الحال في الخبث فإن الأصل في عدم كون الغسل مرة رافعاً للخبث يعارضه الأصل في عدم كون الملاقاة سبباً للتنجس بعد الغسل مرة فيتساقطان وأورد الماتن (قدس سره) على ما ذكره بأنه لا معنى في موارد الشك في الرافعية والناقضية للشك في مقدار تأثير السبب، بل يبقى المسبب إلى أن يوجد أحدهما، ولا فرق في ذلك بين الاُمور الخارجية والاعتبارية؛ ولذا لا مورد للاستصحاب في مثل الفرضين إلاّ لعدم كون المذي رافعاً أو كون الغسل مرة مطهراً.









أقول: التأثير في الوضوء ونحوه لا مورد له في الأحكام الشرعية بالإضافة إلى موضوعاتها، بل الشك يرجع إلى سعة الحكم الذي هو أمر اعتباري سواء كان الملاك في متعلق التكليف أو في الموضوع للحكم الوضعي والشك في المثالين في أن اعتبار الوضوء السابق طهارة حتى بالإضافة إلى ما بعد خروج المذي أو أنه اعتبر طهارة إلى خروجه الذي ينتزع منه عنوان الناقض والرافع فالاستصحاب في ناحية بقاء الوضوء أو كونه طهارة بعد خروج المذي يعارضه الاستصحاب في ناحية عدم اعتباره طهارة إلى ما بعد خروجه، وكذا الكلام في الاستصحاب في ناحية الخبث ونحوه بل ذكرنا أن الاستصحاب في عدم اعتبار الوضوء طهارة كما ذكر حاكم على الاستصحاب في ناحية الطهارة الفعلية السابقة ما بعد خروج المذي.

























الخامس ـ أنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكماً فعلياً مطلقاً لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان مشروطاً[1] معلقاً







إن قلت: نعم، ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق[2] فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة باستصحاب حليته المطلقة







السادس ـ لا فرق أيضاً بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة[3] إذا شك في بقائه وارتفاعه







السابع ـ لا شبهة في أن قضية أخبار الباب[4] هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام ولأحكامه في استصحاب الموضوعات







نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوباً بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته[5] بدعوى أن مفاد الأخبار عرفاً ما يعمه أيضاً حقيقة فافهم كما لا يبعد















الاستصحاب في الحكم التعليقي
















[1] يقع الكلام في المقام في جهتين:







الاُولى ـ جريان الاستصحاب في ناحية الحكم التعليقي كجريانه في الحكم التنجيزي أو أنه لا يجري في ناحية الحكم التعليقي لعدم تمامية أركان الاستصحاب في موارد الشك في الحكم التعليقي.









والثانية ـ في معارضة الاستصحاب على تقدير جريانه فيه بالاستصحاب في الحكم التنجيزي الثابت في مورده أو عدمها، وقد ذكر الماتن أنه لا فرق في اعتبار الاستصحاب بين كون المتيقن حكماً تنجيزياً أو حكماً مشروطاً معلقاً فلو شك في بقاء الحرمة التعليقية التي كانت للعنب بعد صيرورته زبيباً فكما يجري الاستصحاب في بقاء حكمه التنجيزي السابق لو شك فيه بعد صيرورته زبيباً ككونه ملكاً كذلك يجري في ناحية بقاء حرمته التعليقية لعدم الاختلال في ركني الاستصحاب بتعليق الحكم المتيقن السابق والشك في بقائه.

وعلى الجملة الحرمة التعليقية التي كانت للعنب سابقاً سنخ من الحرمة في مقابل الحرمة التنجزية وكان ذلك السنخ ثابتاً له حال كونه عنباً ويشك في بقائه بعد صيرورته زبيباً ودعوى أن الحرمة التعليقية ليست بشيء فإن المعلق على شيء لم يحصل غير حاصل لا يمكن المساعدة عليها.









فإنه إذا لم تكن الحرمة المعلقة شيئاً أصلاً فكيف يتوجه الخطاب بها إلى المكلف فيقول: اجتنب عن العنب إذا غلى وعلى ما ذكره سابقاً من كون خطابات الاستصحاب متممة لدلالة الدليل الدال على الحالة السابقة فيما كان مهملاً أو مجملاً بالإضافة إلى حكم الحالة اللاحقة يكون الاستصحاب في المقام متمماً لدلالة ما دلّ على حرمة العنب إذا غلى حيث ببركته يحرز ثبوت الحكم المذكور للعنب بعد صيرورته زبيباً أيضاً.









أقول: المثال المذكور في المقام غير صحيح فإن العنوان المحكوم عليه بحكم قد لا يكون دخيلاً في بقاء الحكم وأن المعنون به إذا دخل تحت عنوان آخر أيضاً يبقى حكمه كما إذا حكم بحلية الحنطة فإن تلك الحلية تثبت للمعنون وإن دخل تحت عنوان العجين والخبز كما أنه قد يكون الحكم الثابت للشيء بعنوان يكون بقاؤه أيضاً دائراً مدار ذلك العنوان كحرمة الخمر ونجاستها فإن الحرمة كالنجاسة ترتفع بارتفاع عنوان الخمر بصيرورته خلاً فلا مجال للاستصحاب في هذا القسم إلاّ بالإضافة إلى الشبهة الخارجية كما إذا شك في صيرورته خمراً أو صيرورة الخمر خلاً أما القسم الأول فلا مجال للاستصحاب فيه، وقد يكون المأخوذ عنواناً للموضوع أو قيداً له دخيلاً في فعلية الحكم حدوثاً ولكن يحتمل ثبوته للمعنون بعد زوال العنوان بأن يكون العنوان أو القيد دخيلاً في فعلية الحكم حدوثاً لا بقاءً، والكلام في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية ناظر إلى اعتباره في هذا القسم بأن يكون العنوان أو القيد من قبيل الجهة التعليلية بالإضافة إلى الحكم عرفاً، وعلى ذلك لو كان الوارد في الخطابات الشرعية النهي عن العنب بطبخه لكان البحث في الاستصحاب في حرمة الزبيب عند طبخه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولكن الوارد فيها حرمة العصير العنبي إذا غلى وبعد صيرورة العنب زبيباً لا يبقى ماء العنب فلا بقاء للمعنون خارجاً بعد صيرورته زبيباً، وأن الحرمة الثابتة للعنب بغليانه لا تختلف ثبوتاً بين إن ورد في الخطاب الشرعي العنب إذا غلى يحرم، وبين إن ورد حرمة العنب المغلي وذلك فإن كون شيء قيداً للحكم في الخطاب مقتضاه فرض وجود ذلك القيد وفعليته في فعلية ذلك الحكم ومع عدم حصوله لا حكم لعدم جعل ذلك الحكم في فرض عدمه كما أن مقتضى أخذ القيد قيداً للموضوع في الخطاب فرض فعلية ذلك القيد في فعلية الحكم فلا اختلاف بين قيد الحكم وقيد الموضوع في مقام الثبوت، وإنما يختلف كون شيء قيداً للحكم وقيداً للموضوع في مقام الإثبات والدلالة حيث لو كان قيداً للموضوع في الخطاب لما كان له دلالة على عدم ثبوت الحكم للموضوع مع حصول أمر آخر غير ذلك القيد كالنشيش في العصير فيرجع في مورد ذلك الأمر الآخر إلى دليل آخر أو أصل عملي كأصالة الحلية والبراءة بخلاف ما إذا كان في الخطاب قيد لنفس الحكم كما إذا كان الخطاب بنحو القضية الشرطية فإنه بمفهوم الشرطية يدلّ على عدم الحرمة للعصير والعنب مع عدم الغليان، وهذا يرتبط بمقام الإثبات والدلالة والحاصل مجرى الاستصحاب هو بقاء الحكم المتيقن السابق ثبوتاً، وأما انتفاء مدلول الخطاب فهو أمر قطعي، وما في كلام الماتن من أن الاستصحاب متمم لدلالة الدليل الدال على الحالة السابقة كما ترى.









والمتحصل الشك في المجعول ثبوتاً وأنه وسيع يعمّ الزبيب بغليانه أم لا وإذا فرض الغليان في زبيب فليس للحرمة في ذلك الزبيب حالة سابقة عند كونه عنباً لعدم غليانه في تلك الحال فلا مورد لاستصحاب الحرمة فيه حتى بناءً على جريانه في الشبهات الحكمية، وبتعبير آخر ليس ـ بحسب مقام الثبوت ـ للحرمة سنخان: حرمة تنجيزية، وحرمة مشروطة تعليقية بحيث تكون للحرمة فعلية قبل حصول الشرط وفعلية القيد ليقال: إن المستصحب في موارد الاستصحاب التعليقي ذلك السنخ من الحرمة.

نعم، فيما كان الشك في بقاء الجعل ثبوتاً أو اختصاصه بزمان كما في النسخ الشرعي بحيث لا يكون للعنب بعد ذلك الزمان حرمة عند غليانه فهذا يدخل في الاستصحاب عند الشك في النسخ، ويأتي الكلام فيه في بحث الاستصحاب في الأحكام الثابتة في الشرايع السابقة، وهذا الاستصحاب أمر آخر لا يرتبط بالبحث في المقام، والاستصحاب عند الشك في النسخ راجع إلى بقاء الحكم المجعول في مقام جعله بحسب عمود الزمان، وفي المقام الشك في سعة الحكم الفعلي السابق بحيث يعم الموجود الفعلي أي الزبيب في المثال أو ضيقه مع العلم ببقاء المجعول أولاً بحسب مقام الجعل يقيناً وعدم نسخه بحسب عمود الزمان.









لا يقال: الاستصحاب في الشبهات الحكمية في ناحية بقاء الحكم والتكاليف لا يتوقف على فعلية ذلك الحكم والتكليف وأشغالهما صفحة الوجود في زمان وإلاّ لم يجر الاستصحاب في شيء من الشبهات الحكمية التي يصحح جريانه فيها فرض فعلية التكليف والحكم بفرض فعلية الموضوعات والقيودات لها.

فإنه يقال: نعم، يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية بفرض فعلية التكليف والحكم بفرض فعلية الموضوعات لهما والاستصحاب في الحكم التعليقي أيضاً يكون بفرض فعلية الشرط في المتيقن.









فإنه يقال: فرض فعلية الموضوع في الاستصحاب في الشبهات الحكمية إنما يصحح الاستصحاب فيما إذا لم تكن الحالة المشكوكة في بقاء الحكم منافية لفرض الفعلية السابقة بأن يمكن ثبوت الحكم وفعليته في الحالة السابقة وبقاء تلك الفعلية في الحالة اللاحقة وهذا لا يتحقق في موارد الاستصحاب التعليقي؛ لأن الزبيب حالته لا تجتمع مع غليانه حالة العنب.

















ما قيل في تقرير جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية







ومما تقدم يظهر ما في كلام بعض الأعلام (طاب ثراه) حيث ذكر ما حاصله أن التعليق في المقام يتصور على أنحاء:







منها ـ ما إذا كان ترتب حكم على موضوع تعليقياً بمعنى أن ثبوت الحكم على الموضوع على تقدير حصول أمر كما هو مفاد قوله (عليه السلام): «الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء»(1) أو أنه: «إذا غلى العصير حرم»(2) فإن الاعتصام المجعول للماء على تقدير حصول الكرية فيه وترتب الحرمة على العصير على تقدير تحقق غليانه.









ومنها ـ ما إذا جعل الحكم لموضوع مقيد كما إذا ورد الماء الكر لا ينفعل، وأن العصير المغلي حرام.









ومنها ـ السببية في الحرمة بأن يجعل لغليان العصير السببية في حرمة العصير، وللكرية السببية في اعتصام الماء.









ومنها ـ جعل الملازمة بين كرية الماء واعتصامه أو بين غليان العصير وحرمته والسببية والملازمة كل منهما حكم وضعي والحكم الوضعي كالحكم التكليفي قابل للجعل والتشريع ولا يقاس بالسببية التكوينية أو الملازمة التكوينية وإجراء ما للثانية على الاُولى خلط بين التكوين والتشريع.









ثمّ إن الجعل إذا كان بالنحو الأول من الأنحاء الأربعة يكون تعليق حكم الموضوع على حصول ذلك الأمر شرعياً، وعلى تقدير الجعل بالنحو الثاني يكون تعليق حكم الموضوع على حصول ذلك الأمر عقلياً حيث جعل الحكم على الموضوع المقيد وحيث إن المعتبر في جريان الاستصحاب فعلية نفس اليقين والشك ومدلول أخبار الاستصحاب هو أن اليقين لإبرامه لا يرفع اليد عنه بالشك ولا يعتبر فيه فعلية المتيقن والمشكوك بل لابد من كون المستصحب مما له أثر عملي أو ينتهي إلى الأثر العملي فورود الخطاب بأنه إذا غلى العصير يحرم مع كونها قضية تعليقية ولا يتضمن حكماً فعلياً عملياً إلاّ أن مقتضى الاستصحاب بقاء القضية التعليقية حال صيرورته زبيباً، وبقاؤها ينتهي إلى الأثر العملي حيث تترتب الحرمة على الزبيب بغليانه، ولا يكون هذا من الأصل المثبت؛ لأن ترتب الحرمة على العنب والزبيب بالغليان شرعي، ولا يعتبر في الاستصحاب أزيد من ذلك.

ودعوى رجوع تحريم العصير على تقدير غليانه في الحقيقة إلى جعله للعصير المغلي خلاف الفهم العرفي؛ لأن الغليان في النحو الأول واسطة في الثبوت في التحريم، وفي الثاني واسطة في العروض ولو فرض اتحادهما بنظر العقل فإنه لا يمنع من الاستصحاب؛ لأن العبرة في جريانه بالنظر العرفي لا العقلي بل لو فرض رجوعهما إلى أمر واحد فيمكن أيضاً جريان الاستصحاب في بقاء العنب بعد صيرورته زبيباً في كونه جزءاً لموضوع الحرمة، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب كون شيء تمام الموضوع أو الحكم الشرعي الفعلي.









ثمّ ذكر أن السببية والملازمة وإن يمكن جعلها شرعاً ويجري الاستصحاب فيهما بعد صيرورة العنب زبيباً إذ معنى الاستصحاب ومقتضاه التوسعة في السببية والملازمة وعدم اختصاصهما بحال العنب إلاّ أن ترتب الحرمة على الزبيب بعد غليانه لا تثبت بهذا الاستصحاب حيث إن حصول المسبب أو اللازم بوجود السبب والملازمة عقلي إلاّ أن يفسر الملازمة بترتب الحرمة على العنب أو الزبيب بعد غليانهما فيكون هذا رجوعاً عن المبنى يعني كون المجعول نفس الملازمة والسببية.

















في الجواب عما قيل في جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية








أقول: قد تقدم عند التكلم في الحكم الوضعي أن جعل السببية لشيء بالإضافة إلى حكم تكليفي بل وضعي غير معقول حيث إن الحكم أمر جعلي اختياري فيحتاج ثبوته لموضوعه إلى الجعل والإنشاء فإن اُريد من سببية غليان العصير أو العنب لحرمتها أن بالغليان يحدث في تناول العصير والعنب مفسدة تدعو إحرازه الحاكم إلى جعل الحرمة فهذا يكون بالتكوين لا بالجعل الشرعي بلا فرق بين أن يكون الموجد للمفسدة نفس الغليان أو كان الغليان يستلزم حصولها وإن اُريد بالسببية أن حدوث الغليان للعصير بعد جعل السببية توجب حدوث الحرمة بلا إنشاء الحرمة بأن تكون الحرمة من الاُمور القهرية فهذا أمر غير معقول؛ لأن الأثر الإنشائي لا يوجد إلاّ بالإنشاء ولو كان إنشاؤه من قبل بنحو القضية الحقيقية، وإن اُريد من السببية جعل الحرمة للعصير عند غليانه فهذا يرجع إلى جعل الحرمة للعصير أو العنب بأحد النحوين الأولين، ومرجعهما إلى جعل الحرمة للعصير باعتبار أن غليانه قيد لحرمته أو لموضوعها وذكرنا أن الخطاب إذا تضمن ثبوت الحرمة للعصير أو العنب فقد يكون الغليان في ذلك الخطاب قيداً لنفس الحرمة كما هو مدلول قوله: العصير إذا غلى يحرم، وقد يكون قيداً لنفس العصير كما إذا قال: العصير المغلي حرام، ولكن هذا الاختلاف إنما هو في المدلول الاستعمالي ومقام الإثبات، وأما بالإضافة إلى مقام الثبوت لا اختلاف بين الفرضين وهو كون الحرمة مجعولة للعصير عند غليانه فلا يكون الحرمة المجعولة بالإضافة إلى عصير أو عنب لا غليان فيه، وإنما يكون اختلاف الخطابين في المدلول الاستعمالي فقط حيث إنه إذا اُخذ الغليان قيداً للموضوع فلا يكون له مفهوم بناءً على الصحيح من عدم المفهوم للوصف، بخلاف ما أخذ في الخطاب شرطاً لنفس الحرمة من غير ذكر عدل له فإن مقتضاه ثبوت دلالة اُخرى للخطاب المسمى بالمفهوم وإذا ظهر أن العصير أو العنب الذي لم يحدث له غليان لم يجعل له حرمة، ومجرى الاستصحاب كما ذكرنا هو الحكم الثابت في مقام الثبوت في الحالة السابقة تكون نتيجة ذلك أن الزبيب الفعلي عند كونه عنباً لم يكن لا تمام الموضوع للحرمة ولا جزأه إذ لم يحدث فيه غليان وإلاّ لم يمكن أن يصير زبيباً فكيف يصح أن يقال يستصحب جزئيته لموضوع الحرمة بعد صيرورته زبيباً.

















[2] هذه هي الجهة الثانية وهي دعوى أن استصحاب الحرمة التعليقية للعنب مثلاً بعد صيرورته زبيباً يعارضه الاستصحاب في ناحية حلية الزبيب التي كانت قبل غليانه فإن مقتضاه بقاؤها بعد غليانه أيضاً، وقد أجاب الشيخ والنائيني (قدس سرهما) بأن الاستصحاب في الحرمة التعليقية وثبوتها حال الزبيب أيضاً حاكم على الاستصحاب في حلية الزبيب؛ لأن الشك في حلية الزبيب بعد غليانه مسبب عن الشك في بقاء الحرمة التعليقية التي كانت عند كونه عنباً، ولكن لا يخفى أن الاستصحاب في ناحية الحرمة التعليقية مقتضاه فعلية الحرمة للزبيب عند غليانه، وأما ارتفاع حلّية الزبيب عند غليانه فهو لازم عقلي لبقاء تلك الحرمة التعليقية؛ لأن الزبيب كسائر الأشياء لا يمكن أن يكون بعد غليانه حراماً وحلالاً، وإذا ثبتت حرمته ترتفع حليته، وإذا ثبتت حليته لا يمكن أن تثبت حرمته.

وبتعبير آخر مجرد كون الشك في شيء موجباً للشك في شيء آخر لا يوجب أن يكون بين الشيئين ترتب شرعي بأن يكون التعبد بأحدهما أو بالعلم بأحدهما موجباً لرفع الشك عن الآخر بل التسبيب الشرعي ينحصر في موردين:







الأول ـ ما إذا كان ثبوت شيء أو عدمه أثراً شرعياً لثبوت الآخر أو عدمه كترتب طهارة المغسول المتنجس على طهارة الماء المغسول به.









والثاني ـ ما إذا كان مفاد أحد الأصلين الحكم عند الشك في شيء ومفاد الأصل الآخر نفي الشك في ذلك الشيء كما في حكومة الاستصحاب في حرمة شيء بالإضافة إلى أصالة الحلية أو أصالة البراءة في حرمة ذلك الشيء مثلاً إذا شك في بقاء العصير على حرمته بعد غليانه وصيرورته دبساً قبل ذهاب ثلثيه حيث إن مقتضى الاستصحاب العلم بحرمته فلا يبقى موضوع لأصالة الحلية أو البراءة عن حرمته حيث إن مفاد القاعدة أو البراءة حلية المشكوك ورفع الاحتياط عن احتمال الحرمة لا العلم بالحلية، ولذا يعتبر في هذا القسم من الحكومة اختلاف الأصل الحاكم والأصل المحكوم في السنخ، وفي غير ذلك يقع التعارض بين الأصلين وان كان الشك في أحدهما موجباً للشك في الآخر إذا لم يكن بين المشكوكين ترتب شرعي كما في ما نحن فيه حيث إن التعبد بالحلية الفعلية بعد غليان الزبيب لا يجتمع مع التعبد بحرمته الفعلية بعده.









وأجاب الماتن (قدس سره) عن المعارضة بأن الحلية الثابتة للزبيب قبل غليانه بعينها هي الحلية الثابتة للعنب قبل غليانه غاية الأمر أن الحلية للعنب قبل غليانه وحرمته بعد غليانه كانتا بدلالة الدليل ولكن الحلية للزبيب ما لم يغل وحرمته بعد غليانه كانتا بالاستصحاب في الحلية والحرمة المعلقة وثبوتها حال الزبيب، ومن الظاهر عدم المنافاة بين الاستصحاب في كل منهما مع الاستصحاب في الاُخرى ولو فرض أنهما كانتا مدلولي الخطابين كنا نأخذ بكلا الخطابين بلا منافاة بينهما وعلى ذلك فمقتضى ثبوت الحلية للزبيب ما لم يغل ارتفاعها بعد غليانه حيث إن ارتفاعه عنده أثر شرعي لكون الحلية مغياة بعدم الغليان كما أن مقتضى الاستصحاب في ناحية الحرمة المعلقة بالغليان حصولها بحصول الغليان، وبتعبير آخر الحلية للزبيب قبل غليانه وإن كانت متيقنة إلاّ أنها مرددة بين أن تكون هي الحلية التي كانت له عند كونه عنباً وبين كونها الحلية المطلقة الاُخرى والاستصحاب في بقاء تلك الحلية التي كانت له عند كونه عنباً وعدم حدوث حلية اُخرى فيه مقتضاه ارتفاع حليته بالغليان فيكون ارتفاع الحلية عنه بحصول الغليان من ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه نظير إثبات ارتفاع الحدث لمن كان محدثاً بالأصغر ثمّ خرج منه بلل مردد بين البول والمني بالوضوء حيث إن ارتفاعه بالوضوء مقتضى الاستصحاب في بقاء حدثه السابق وعدم تبدله بالجنابة.









لا يقال: المستصحب بعد غليان الزبيب هي الحلية المتيقنة الثابتة له قبل الغليان وتلك الحرمة مرددة بين كونها هي التي كانت له عند كونه عنباً أي الحلية المغياة وبين كونها هي الحلية المطلقة الحادثة عند كونه زبيباً فالمستصحب هو الجامع بنحو الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي.









فإنه يقال: لا مجال في المقام للاستصحاب بنحو الكلي من القسم الثاني بل الاستصحاب يجري في نفس الحلية التي كانت له عند كونه عنباً حيث يحتمل بقاؤها عند كونه زبيباً أو تبدلها بحلية اُخرى مطلقه ومقتضى الاستصحاب بقاؤها على ما كانت وعدم تبدلها بغيرها نظير ما ذكرنا في مثل احتمال تبدل الحدث الأصغر بالأكبر.









لا يقال: إذا جرى الاستصحاب في ناحية الحلية التي كانت للزبيب حال كونه عنباً واُحرز أن تلك الحلية ثابتة أيضاً في الزبيب ما دام لم يغل بالاستصحاب فيحكم بعدم حليته بعد غليانه ولا حاجة إلى إتعاب النفس في استصحاب الحرمة التعليقية التي كانت له حال العنب ليقال: إن الاستصحاب في تلك الحرمة غير جار لعدم فعلية الحرمة حال كونه عنباً ليجري الاستصحاب فيها عند كونه زبيباً.









فإنه يقال: الاستصحاب في ناحية الحلية المغياة بالغليان غايته إحراز عدم الحلية بعد غليانه، ولكنه لا يثبت حرمته بالغليان حيث إن الحلية الثابتة للعنب قبل غليانه كانت الحلية بالمعنى الأخص لا الحلية المقابلة للحرمة.

نعم، يمكن أن يقال: لا مجال للاستصحاب في الحلية بعد صيرورة العنب زبيباً؛ لأن حليته بعد صيرورته زبيباً ما لم يغل يقينية ولكن الاستصحاب في الحرمة التعليقية بعد صيرورته زبيباً جار ومقتضى هذا الاستصحاب العلم بحرمة الزبيب بغليانه فلا يبقى شك في حرمته وحليته بعد غليانه ليجري الاستصحاب في ناحية بقاء حليته.









ثمّ إن الشيخ (قدس سره) ذكر في الرسالة جريان الاستصحاب في ناحية حرمة العصير بعد صيرورته عصيراً زبيبياً مع كون المستصحب حرمة تعليقية والتزم بأن هذا الاستصحاب يقتضي حرمة العصير الزبيبي بعد غليانه، ولا يعارضه الاستصحاب في الحلية الفعلية الثابتة للعصير الزبيبي قبل غليانه بل يقدم الأول على الثاني، وذكر في بحث أصالة اللزوم في العقود في المكاسب أن الاستصحاب في بقاء الأثر وإن كان يقتضي اللزوم إلاّ أنه لا يجري في مثل عقد المسابقة مما لا يتضمن أثراً فعلياً بأن يكون أثره أمراً تعليقياً لكون العوض ملكاً للسابق مع فعلية سبقه أو ملكاً للموصى له على تقدير موت الموصي إلى غير ذلك فإنه يجري بعد فسخ أحد المتعاقدين وتحقق ما علق عليه الأثر الاستصحاب في ناحية عدم الأثر، ولا يخفى أن ما ذكره في المكاسب متهافت مع ما ذكره في الرسالة مع أنه لابد في مورد الشك في انفساخ العقد بفسخ أحد المتعاقدين من جريان الاستصحاب في ناحية بقاء العقد.









هذا كله بالإضافة إلى جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية، وأما بالإضافة إلى التعليق في الموضوعات سواء كان مقتضى الاستصحاب الجاري في الموضوع التعليقي إحراز حكم كما إذا علم بأن الماء الخارجي بحيث لو اُضيف إليه دلو من الماء لكان كراً ويشك في بقائه على ما كان فيراد إثبات كريته بعد إضافة الدلو ليترتب عليه اعتصامه أو كان الاستصحاب لإحراز سقوط التكليف بإحراز حصول متعلقه خارجاً كما إذا كان المصلي قبل لبسه اللباس المشكوك فيه بحيث لو صلى لما كانت صلاته في غير مأكول اللحم وبعد لبسه يشك في كون صلاته كما كانت فلا مجرى للاستصحاب في شيء من الموردين حتى بناءً على جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وذلك فإن التعبد بالقضية التعليقية في موارد الأحكام التعليقية يقتضي فعلية ذلك الحكم بفعلية المعلق عليه بنحو العينية وليس الأمر كذلك في الموضوعات التعليقية؛ لأن الحكم الشرعي لم يترتب على الأمر التعليقي بحسب جعل الشارع بل لموضوعه الفعلي الذي يكون تحققه أمراً قهرياً بتحقق المعلق عليه فيما إذا كانت لتلك القضية التعليقية واقعية والاستصحاب لا يصحح الواقعية الفعلية بقاءً إذا كان غير محرز وجداناً.









ولا يخفى أن كون المثال الثاني من موارد الاستصحاب في الموضوع التعليقي مبني على كون المطلوب الصلاة مقيدة بعدم وقوعها في أجزاء ما لا يؤكل(3) لحمه وتوابعه كما هو ظاهر النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وأما لو بنى بالصلاة لم تتقيد بعدم وقوعها فيما لا يؤكل بل هي مقيدة بكون المصلى لو كان لابساً يعتبر في ذلك اللباس والمحمول أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه فلا مورد لتوهم الاستصحاب التعليقي؛ لأن اللباس أو محموله المفروض كونه من أجزاء الحيوان وتوابعه من أول أمره مردد بين كونه من مأكول اللحم أومن غيره فالاشتراط في نفس اللباس أو المحمول لا يحرز بذلك الاستصحاب.

نعم، لو كان المعتبر والاشتراط في ناحية المصلى بأن لا يكون المصلي لابساً لما لا يؤكل فالاستصحاب الجاري تنجيزي ويحرز وصف المصلي فهذه الفروض الثلاثة وإن تكون نتيجتها في مقام الثبوت أمراً واحداً إلاّ أنه يختلف الحال بحسب مقام الإثبات بحسب جريان الاستصحاب وعدمه.









وذكر النائيني (قدس سره) في وجه عدم جريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات ومتعلقات التكاليف أنه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ببقاء الجزء المقوم للموضوع فيهما، والجزء المقوم له في مثال اللباس المشكوك هو الصلاة الواقعية خارجاً بالفعل وهذه الصلاة التي يشك في كونها في غير المأكول لحمه لم تكن في السابق ليقال: إنها لم تكن مع غير مأكول اللحم قبل لبس المشكوك واُجيب عن ذلك بأنه وإن يعتبر في جريان الاستصحاب الموضوع في القضيتين إلاّ أن المراد من البقاء ليس هو الوجود الخارجي للمستصحب مطلقاً وإلاّ لم يجر الاستصحاب في ناحية وجود الشيء وبقاء حياة زيد، بل المراد اتحاد الموضوع في القضيتين المتيقنة والمشكوكة، ومن الظاهر أن الموضوع في مثال الصلاة الطبيعي، وأنها لو وقعت قبل لبس المشكوك أو أخذه معه لم يكن الطبيعي في غير مأكول اللحم، ومقتضى الاستصحاب أنّ الطبيعي بعد لبسه أو أخذه معه كما كانت.









والحاصل أن متعلقات الأحكام ليست هي الأفراد والوجودات الخارجية من الطبايع، والفرد الخارجي بما أنه حصول للطبيعي يكون مسقطاً للتكليف فيقال في المثال أن التكبيرة إلى التسليمة لو كانت قبل لبس اللباس المشكوك لكان من إيجاد الطبيعي المتعلق به الوجوب والآن كما كانت وظرف الاستصحاب قبل أن يشرع المكلف بالإتيان بالطبيعي وهذا بناءً على أن متعلق التكليف هو المقارن لعدم طبيعي ما لا يؤكل، وليس المراد عنوان التقارن بل واقعه المعبر عنه بواو الجمع.

وأما إذا كانت المانعية في غير مأكول اللحم انحلالية فالاستصحاب المذكور لا يفيد عدم مانعية المشكوك، ولا يثبت أنه من غير مأكول اللحم بل لا يفيد جريان الاستصحاب في بقاء الطبيعي كما كان في إثبات الطبيعي بناءً على عدم الانحلال أيضاً وذلك فإن الاستصحاب المذكور يعارضه الاستصحاب في عدم وقوع صلاة في غير ما لا يوكل.









أقول: الصحيح عدم الجريان في ناحية عدم تحقق الصلاة ولا في ناحية غيره فإن ظاهر خطاب النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إرشاداً إلى المانعية انحلالي فكل من أفراد ما لا يؤكل عدم لبسه وعدم مصاحبته قيد للصلاة المأمور بها فيدور الأمر في الصلاة بين أن يتقيد بعدم هذا المشكوك أيضاً أو لا يتقيد به فيدخل الفرض بين كون الواجب هو المطلق أو المقيد، وقد تقدم في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين جريان البراءة في ناحية وجوب المشروط كما تجري في ناحية عدم وجوب الأكثر.









هذا فيما لم يجر في ناحية المشكوك أصل ينقّح خروج المشكوك من أفراد المانع من عدم كونه جزءاً من غير مأكول اللحم ولو بنحو الاستصحاب بنحو العدم الأزلي وإلاّ فلا تصل النوبة إلى أصالة البراءة.

















[3] قد يقال: كما أنه يجري الاستصحاب في موارد الشك في نسخ حكم هذه الشريعة على ما اتفق عليه أصحابنا حتى الأخباريين منهم كذلك يجري في مورد الشك في بقاء حكم من الشريعة السابقة فإن أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك يعم كلا الحكمين على حد سواء، وربما يناقش في ذلك بعدم اليقين بثبوت الحكم بالإضافة إلى أهل الشريعة اللاحقة، والمتيقن من ثبوته أنه حكم لأهل الشريعة السابقة، وإذا لم يكن يقين بثبوته لأهل الشريعة اللاحقة فلا يكون الشك في بقائه أيضاً؛ لأن ما كان متيقناً منه قد انتفى بانقضاء أهل الشريعة السابقة وثبوته لآحاد الشريعة اللاحقة مشكوك من الأول ويناقش أيضاً على تقدير العلم بالثبوت لا يكون الشك في البقاء للعلم بكون الشريعة اللاحقة ناسخة للشريعة السابقة، ولا معنى لنسخها إلاّ نسخ الأحكام الثابتة في السابقة.

وذكر الماتن (قدس سره) أنه لا مجال لشيء من المناقشتين أما عدم العلم بالحالة السابقة بالإضافة إلينا فيرده بأن الحكم المجعول في الشريعة السابقة كالمجعول في شريعتنا كان بنحو القضية الحقيقية لا بنحو القضية الخارجية وإذا كان المجعول كذلك فلا يختلف الحكم المجعول باختلاف الأشخاص وتبدلهم فحرمة شرب الخمر على البالغ العاقل لا تنقضي بانقضاء الموجودين في زمان الجعل بل تبقى وتثبت في حق كل مكلف في ظرف بلوغه وعقله ولو في آخر الزمان، وقد تقدم أن الاستصحاب في بقاء الحكم المجعول وعدم إلغائه وانتهائه وإحرازه بفعلية موضوعه لا يكون من الأصل المثبت، وعلى الجملة الاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة كالاستصحاب في بقاء الحكم المجعول في شريعتنا عند الشك في بقائه واحتمال نسخه داخل في عموم أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك.









أقول: كون الحكم المجعول في الشريعة السابقة كالمجعول في الشريعة اللاحقة بنحو القضية الحقيقية دون القضية الخارجية صحيح إلاّ أن إثبات أن الموضوع في ذلك الجعل بحيث يعم أهل الشريعة اللاحقة وعدم كونه بحيث ينتهي أمد الجعل بمجيء الشريعة اللاحقة غير محرز لنا إذ من المحتمل كما أن الموضوع لوجوب الحج المجعول بنحو القضية الحقيقية البالغ المستطيع ولا يعم غير المستطيع كذلك يحتمل كون الموضوع للحكم المجعول في الشريعة السابقة البالغ العاقل قبل مجيء الشريعة اللاحقة فيكون الحكم من الأول مجعولاً بحيث لا يكون موضوعه مطلق البالغ العاقل بل من يكون كذلك قبل مجيء الشريعة اللاحقة، وبما أن المتيقن ثبوت الحكم المجعول كذلك فلا يكون ذلك الحكم مجعولاً بالإضافة إلى أهل الشريعة اللاحقة، وهذا القيد بما أنه يحتمل كونه قيداً مقوماً للموضوع فالمتعين في المقام الاستصحاب في عدم جعله لعنوان عام ويجري مثل هذا الكلام في الاستصحاب في الحكم الثابت في أول شريعتنا ولذا يتمسك في إحراز عموم الأحكام الثابتة في صدر الإسلام بإطلاقات خطابات الأحكام وبالضرورة في الاشتراك في التكليف وأن حكمه (صلّى الله عليه وآله)على واحد حكم على الاُمة.









وأما المناقشة بدعوى العلم بارتفاع الحكم السابق الثابت في الشريعة السابقة لكون اللاحقة ناسخة لها ولا معنى لنسخ الشريعة إلاّ ارتفاع أحكامها فلا يمكن المساعدة عليها لأن نسخ الشريعة السابقة ليس بمعنى نسخ جميع أحكامها كيف واللاحقة مكملة للسابقة ومتممة لها، وهذا لا يقتضي إلاّ نسخ بعض أحكامها والعلم الإجمالي بوقوع النسخ في السابقة لا يمنع عن جريان الاستصحاب في الحكم الثابت في السابقة لانحلال المعلوم بالإجمال إما بالعلم التفصيلي بمقدار من الأحكام المنسوخة واحتمال انحصار النسخ عليها أو العلم الإجمالي بالنسخ فيما لا يدخل المشكوك في أطرافه كما إذا علم بوقوع النسخ في العبادات من الشريعة السابقة ولم يكن المشكوك كان من غير حكم العبادات أو للعلم بثبوت أحكام في هذه الشريعة فلابد من العمل بها سواء كانت بعضها من قبل أو شرعت في شريعتنا ويحتمل أن يكون النسخ المعلوم بالإجمال فيها فلا يكون في الشريعة السابقة نسخ آخر فيجري الاستصحاب في المشكوك، وما في عبارة الماتن (قدس سره) من اعتبار العلم بالنسخ في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة في انحلال العلم الإجمالي لا يمكن المساعدة عليه حيث يكفي في الانحلال احتمال انحصار المنسوخ المعلوم بالإجمال في تلك الموارد ولا يلزم حصول العلم.









وقد أجاب الشيخ (قدس سره) عن المناقشة الاُولى أي دعوى عدم العلم بحدوث الحكم بالإضافة إلى أهل الشريعة اللاحقة بأمرين:







الأول ـ أن الحكم كان ثابتاً في الشريعة السابقة للجماعة على نحو لم يكن لأشخاصهم دخل في ذلك الحكم، وقد فهم بعض من كلامه هذا بأن مراده كما أن الملكية في الزكاة لطبيعي الفقير، وملكية العين في الوقف العام للعنوان لا للأشخاص كذلك الحكم في الشريعة السابقة كان للطبيعي لا الأشخاص فيستصحب ثبوت الثابت للطبيعي ولو بعد انقضاء أهل الشريعة السابقة؛ ولذا اُورد عليه بأن ثبوت الحكم الوضعي للطبيعي أمر معقول، وأما توجه التكليف إلى مجرد العنوان دون الاشخاص فغير معقول لعدم قبول الطبيعي بمجرده بعثاً أو زجراً ولكن الظاهر أن مراد الشيخ كما ذكر الماتن (قدس سره) من كون الحكم الثابت في الشريعة السابقة كان بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية وقد ذكرنا أن مجرد الالتزام بكونه ثابتاً بنحو القضية الحقيقية غير كاف أيضاً في ثبوت الحالة السابقة، وأنه لا يمكن لنا إحراز عدم أخذ قيد في موضوعه ككونه للبالغ العاقل قبل مجيء الشريعة اللاحقة ليكون الشك في بقائه بالإضافة إلينا لا في أصل ثبوته في حقنا.









نعم، يمكن فرض الحالة السابقة في حق اللاحق بنحو التعليق في الموضوع وأن اللاحق لو كان في السابق لكان داخلاً في الموضوع يقيناً، ولكن تقدم عدم اعتبار الاستصحاب في الأحكام التعليقية في خطاب الشارع فضلاً عن الموضوعات التعليقية التي تدخل في حكم العقل مع فرض المعلق عليه وبدون فرضه لا حكم له أصلاً.









والثاني ـ الذي أجاب به عنها بأنه يستصحب الحكم في حق المدرك للشريعتين وبعد إحراز ثبوته في حقه وبقائه يثبت في حق الآخرين من أهل الشريعة اللاحقة لضرورة الاشتراك في التكليف، وأنه إذا ثبت في حق أحد من أهل الشريعة اللاحقة يثبت في حق الآخرين أيضاً وفيه أن الاشتراك في حق أهل الشريعة إنما فيما كان الثابت لبعض أهل الشريعة بعنوان يشترك الباقين معه في ذلك العنوان، ولا يعم ما إذا اختصّ العنوان بذلك البعض ففي المثال الثابت لمدرك الشريعتين بعنوان كونه متيقناً بثبوت الحكم في حقه ويشك في بقائه، وهذا العنوان لا يجري في حق الآخرين، ولا يختلف الحال بين كون المتمسك بالاستصحاب هو نفس مدرك الشريعتين أو كنا أردنا الإجزاء فإن ثبوت الحكم في حقه بما أن للحكم بالإضافة إليه حالة سابقة ولسنا نحن على هذه الخصوصية.









وقد ذكر النائيني (قدس سره) أنه يلزم في اتباع الحكم الثابت في الشريعة السابقة أنه مما أبلغه الصادع بالشريعة اللاحقة ولا يثبت ذلك بالاستصحاب وأن الحكم المفروض مما أمضاه الشارع للشريعة اللاحقة وفيه:







ــ أنه إن اُريد بالإمضاء الإبلاغ كما هو مقتضى استدلاله على الإمضاء بقوله (صلّى الله عليه وآله): «ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلاّ وقد نهيتكم عنه»(4) فمع عموم خطابات الاستصحاب وشمولها للحكم الثابت في الشريعة السابقة يحصل إبلاغه وإمضاؤه.









ــ وإن اُريد الإبلاغ بخطاب يخص ذلك الحكم بعينه فلا دليل على اعتباره في لزوم العمل بالحكم.

















[4] ذكر الماتن (قدس سره) في هذا الأمر عدم اعتبار الأصل المثبت ومنه عدم اعتبار الاستصحاب بالإضافة إلى مثبتاته بخلاف الطرق والأمارات حيث إنها معتبرة حتى بالإضافة إلى مثبتاته، وذكر في تقرير ذلك أن المستفاد من أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك فيما إذا كان المستصحب نفس الحكم الشرعي سواء كان تكليفياً أو وضعياً جعل نفس ذلك الحكم في ظرف الشك وحيث إن المجعول في ظرف الشك حكم ظاهري يكون مماثلاً للحكم الذي يكون المكلف على يقين منه حدوثاً فيترتب على الحكم الظاهري أثره الشرعي والعقلي فالأول كما إذا كان نفس ذلك الحكم موضوعاً لحكم شرعي آخر، والثاني كوجوب الإطاعة الذي يترتب على إحراز التكليف سواء كان واقعياً أو ظاهرياً بمعنى أنه يترتب على مخالفته استحقاق العقاب كما أن مقتضى أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك في الاستصحاب الجاري في الموضوعات جعل حكم مماثل لحكم المستصحب، ولكن لا يخفى بما أن الحكم الظاهري المجعول والمنكشف من أخبار الاستصحاب طريقي يوجب تنجز الواقع فيما أصاب التكليف الواقعي وتكون موافقته عذراً فيما أوجب موافقته مخالفة التكليف الواقعي ولكن الماتن (قدس سره) ذكر في بحث الإجزاء ما يقتضي كون المجعول بالاستصحاب حكماً نفسياً يوجب التوسعة في الواقع كما في استصحاب الحلية والطهارة ونحوهما، وقد تعرضنا لما ذكره في ذلك البحث وقلنا: إنه لا يمكن الالتزام به فالحكومة الواقعية لا تجري بالإضافة إلى الأحكام الظاهرية بأن يكون جعلها وثبوتها موجباً للتوسعة الواقعية في الأحكام الواقعية ولو بالإضافة إلى شرايط متعلق التكليف في العبادات وغيرها.









وكيف كان فلا ينبغي التأمل فيما كان المستصحب بنفسه حكماً شرعياً يترتب عليه الأثر الشرعي المترتب عليه وأثره العقلي من لزوم رعايته وموافقته وإذا كان من الموضوع لحكم شرعي يترتب عليه ذلك الحكم الشرعي وإنما الكلام فيما إذا كان الأثر الشرعي مترتباً لا على نفس ذلك المستصحب من الحكم والموضوع بل كان مترتباً على لازمه العقلي أو العادي أو ملازمه كذلك ولم يكن ذلك اللازم أو الملازم مما له حالة سابقة فهل يفيد الاستصحاب في ذلك المستصحب في ترتب الأثر الشرعي المترتب على لازمه العقلي أو العادي أو على ملازمه كذلك أم لا؟ ومنشأ الإشكال دلالة أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك على سعة التنزيل في تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بأن يكون المشكوك منزلته في مطلق ما للمتيقن من الأثر الشرعي ولو بلحاظه لازمه أو ملازمه العقليين أو العاديين أو أنه ينزله منزلته مع لازمه وملازمه أو أنه لا دلالة لها إلاّ على تنزيل نفس المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ نفسه أو بلحاظ أثره الشرعي فقط فعلى الأولين يكون الاستصحاب معتبراً حتى بالإضافة إلى مثبتاته كالأمارات بخلافة على الأخير فإنه لا يعتبر إلاّ بالإضافة إلى إثبات نفسه فيما إذا كان المستصحب حكماً شرعياً أو إثبات حكمه الشرعي فيما إذا كان من الموضوع للحكم الشرعي، وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا كان للمستصحب لازماً أو ملازماً عقلياً أو عادياً على تقديره بقائه زمان الشك فقط وإلاّ فلو كان للازمه أو ملازمه حصول في السابق كنفس المستصحب يكون الاستصحاب جارياً في ناحية نفس اللازم أو الملازم.









أقول: لو كان مفاد أخبار الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن السابق فمن الظاهر أنه قد لا يكون الشيء زمان اليقين به ذا أثر شرعي، ويكون على تقدير بقائه زمان الشك ذا أثر شرعي ولو كان مفاد أخبار الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة ذات المتيقن السابق فلا تفيد شيئاً لعدم ثبوت وجه التنزيل فإن وجه التنزيل هو الأثر الشرعي المترتب على نفس المتيقن السابق مع أن الماتن (قدس سره) كغيره يلتزم بجريان الاستصحاب في مثل هذه الموارد ودعوى أن المنزل عليه هو المتيقن بقاءً بمعنى أن المشكوك الفعلي قد نزل منزلة المتيقن الفعلي مرجعها إلى تنزيل الشك في البقاء منزلة العلم به، وحيث إن التنزيل بملاحظة الأثر المترتب على المنزل عليه غير محتاج إليه فيما كان المنزل عليه بنفسه قابلاً للجعل والاعتبار ففي الحقيقة يعتبر العلم بالحالة السابقة علماً ببقائها عند الشك ما لم يعلم الخلاف ويساعد على ذلك نفس ظواهر أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك؛ لأن مدلولها أن رفع اليد عن اليقين بالحالة السابقة عند الشك في بقائها نقض لذلك اليقين فيترتب على هذا الاعتبار ما يترتب على العلم بالبقاء عقلاً وشرعاً من تنجيز الواقع على تقدير كون الواقع تكليفاً أو موضوعاً له وحتى ما إذا كان إحراز الواقع موضوعاً لحكم شرعي آخر حيث إن خلاف العمل على مقتضى العلم بالواقع وإحرازه نقض لليقين السابق ما لم يعلم خلافه هذا بالإضافة إلى أثر شرعي مترتب على الواقع وإحرازه ولو بتوسيط أثر شرعي آخر، وكذا بالإضافة إلى الأثر العقلي أي التنجيز والتعذير المترتب على إحراز الواقع وجداناً أو تعبداً وأما اللازم العقلي المترتب على الوجود الواقعي للشيء فقط فلا يثبت بالاستصحاب الجاري في ناحية الملزوم وكذا اللازم العادي فإنه لا يترتب أثرهما الشرعي بالاستصحاب في ناحية الملزوم حيث إن العلم الاعتباري والتعبدي بالملزوم لا يستلزم العلم بوجود اللازم العقلي أو العادي حتى يترتب بالاستصحاب المفروض أثرهما الشرعي، وترتب أثرهما فيما كان العلم بالملزوم وجدانياً؛ لأن العلم الوجداني بالملزوم يوجب العلم بتحقق اللازم العقلي والعادي فيحرز ثانياً الموضوع للأثر الشرعي المترتب عليهما بخلاف العلم التعبدي بالملزوم فإنه يحرز به العلم بالملزوم فقط وبضميمة الكبرى الدالة على ثبوت الحكم الشرعي لذلك الملزوم يحرز حكمه وكذا الحكم الشرعي المترتب على إحراز الحكم الثابت للملزوم فيما كان حكمه أو إحراز حكمه موضوعاً لحكم شرعي آخر وما ذكرنا هو الوجه في عدم اعتبار الاستصحاب بالإضافة إلى مثبتاته فلو اغتسل المكلف أو توضأ مع احتمال وجود الحاجب في بعض أعضاء غسله أو وضوئه فالاستصحاب في عدم وجود الحاجب لا يثبت غسل تمام أعضاء غسله أو وضوئه والاستصحاب في بقاء حياة زيد إلى زمان قطع رأسه لا يثبت أنه مقتول إلى غير ذلك، ومن يلتزم باعتبار الاستصحاب حتى بالإضافة إلى مثبتاته فلابد من أن يلتزم بأن تحقق الشيء في زمان أمارة على بقائه زمان الشك، وهذه الأمارة معتبرة كسائر الأمارات التي تثبت لوازمها العقلية والعادية أو يلتزم بأن اعتبار الاستصحاب مستفاد من أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك ولكن الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي يعد أثراً شرعياً للملزوم كسائر الآثار الشرعية المترتبة عليه أو يلتزم بأن تلك الأخبار ظاهرة في بقاء المتيقن حتى بلوازمها العقلية أو العادية زمان الشك، ولكن ضعف هذه الالتزامات ظاهر مما ذكرنا فلا نعيد ثمّ على تقدير القول باعتبار الأصل المثبت تظهر ثمرة الخلاف فيما إذا كان اللازم العقلي أو العادي لازماً لبقاء المستصحب زمان الشك وإلاّ فلو كان اللازم لازماً من حين تحقق الملزوم فيجري الاستصحاب في ناحيتهما كما يجري في ناحية الملزوم فلا تظهر ثمرة عملية.

















في عدم اعتبار الاستصحاب بالإضافة إلى اللازم العقلي والعادي والمعارضة بين الاستصحابين على تقدير القول به







ثمّ إنه قد يقال: إن اللازم العقلي إذا كان لازماً لبقاء المستصحب فقط وكذا اللازم العادي فالاستصحاب في ناحية عدم تحققهما زمان الشك يعارض الاستصحاب في ناحية بقاء الملزوم فيسقط اعتبار المستصحب بالإضافة إلى ما يترتب على لازمه العقلي أو العادي لمعارضته بالاستصحاب في ناحية عدم اللازم العقلي أو العادي.









وأجاب الشيخ (قدس سره) عن المعارضة بأن الاستصحاب في ناحية الملزوم حاكم على الاستصحاب في ناحية عدم اللازم العقلي أو العادي، ولكن لا يخفى أن دعوى الحكومة صحيحة على تقدير الالتزام بأمارية الاستصحاب؛ لأن العلم بحدوث الملزوم سابقاً إذا كان مفيداً للظن بالبقاء نوعاً أو شخصاً كان مفيداً للظن بحدوث لازمه العقلي والعادي أيضاً، وكما أن العلم ببقائه يوجب العلم بحدوثهما كذلك الظن به إذا كان الشخص ملتزماً بأن الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي يعد من أثر الشرعي للملزوم أيضاً بدعوى أن أثر الأثر أثر، وهذه الدعوى وإن كانت سخيفة فإن ما ذكر إنما هو في ترتب الآثار الشرعية بعضها على بعض لا بالإضافة إلى المترتب على الأثر التكويني المترتب على الملزوم تكويناً إلاّ أنه على فرض صحتها الجواب بالحكومة غير صحيح؛ لأن جريان الاستصحاب في الملزوم لا يكون علماً بحصول اللازم العقلي أو العادي بل يعد علماً بما يترتب على هذا اللازم العقلي أو العادي إذا لم يكن في البين تعارض، ولكن يكون الاستصحاب في عدم حدوث اللازم العقلي أو العادي نافياً لذلك الأثر المترتب عليها وهذا معنى المعارضة بين الاستصحابين بالإضافة إلى ذلك الأثر الشرعي الذي يكون أثر اللازم العقلي أو العادي ويعد من أثر ملزومهما أيضاً.

نعم، لو بنى أن مفاد أخبار لا تنقض تنزيل المشكوك منزلة المتيقن الفعلي بمعنى كونه علماً بالإضافة إلى نفس الملزوم ولازمه العقلي والعادي فلا يبقى للاستصحاب في ناحية عدم اللازم العقلي أو العادي موضوع فدعوى الحكومة حينئذ لا بأس بها لإحراز نفس اللازم العقلي أو العادي بالاستصحاب في ناحية المتيقن السابق يعني الملزوم.

















[5] قد ذكر الشيخ (قدس سره) في الرسائل اعتبار الأصل المثبت في مورد خفاء الواسطة وفسره بما إذا كان الأثر الشرعي، وإن كان مترتباً على الواسطة إلاّ أن العرف يرون ذلك الأثر أثراً لما له حالة سابقة، ومثل لذلك بما إذا شك في الرطوبة المسرية لأحد المتلاقيين فإن الاستصحاب في بقاء تلك الرطوبة يفيد تنجس الطاهر منهما حيث إن العرف يرى أن ملاقاة الطاهر مع النجس بالرطوبة المسرية موضوعاً لتنجس الطاهر مع أن الموضوع لتنجس الطاهر تأثره برطوبة المتنجس، وكذا فيما إذا شك في وجود الحاجب في بعض أعضاء الوضوء أو الغسل فإن صب الماء على أعضائهما مع عدم الحاجب المحكوم بعدمه وإيصاله إلى تلك الأعضاء شرط لصحة الصلاة بحسب نظر العرف مع أن الموضوع لشرط الصلاة غسل البشرة والاستصحاب في عدم الحاجب لا يثبت وصول الماء إليها.









وأضاف الماتن (قدس سره) إلى خفاء الواسطة جلاها بحيث لا يمكن عرفاً التعبد بالشيء وعدم التعبد بلازمه العقلي أو العادي أو كان وضوح اللزوم بينهما بنحو يعد الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي من أثر الملزوم أيضاً.









أقول: أما مسألة خفاء الواسطة فالظاهر أنه لا يمكن الالتزام باعتبار الأصل المثبت فيه، وذلك فإنه لو كان المستفاد من الأدلة أن الموضوع لتنجس الطاهر تأثر الطاهر من الرطوبة النجسة فلا يفيد الاستصحاب في بقاء الرطوبة المسرية في الحكم بتنجس الطاهر فإنه لا يثبت تأثر الطاهر بتلك الرطوبة النجسة والتأثر بها ليس له حالة سابقة وإن كان الموضوع بحسب المستفاد من خطابات تنجس الطاهر نفس ملاقاته مع النجس مع الرطوبة فيجري الاستصحاب في بقاء الرطوبة المسرية ويحرز ببقائها تمام الموضوع لتنجس الطاهر ولا يكون الأصل مثبتاً كما يستفاد كون الموضوع للتنجس ذلك الأمر بغسل الأشياء من مسها للنجس كالكلب والميتة والعذرة وغيرها المقيد إطلاقها بالرطوبة في أحد المتلاقيين لما دل على أن كل يابس ذكي.

نعم، إذا كانت الرطوبة النجسة في أعضاء الحيوان ولاقى طاهر بعضو الحيوان كالذباب الواقع على الثوب من العذرة ونحوها واحتمل عدم بقاء الرطوبة النجسة في عضوه عند وقوعه على الثوب فلا يحكم بنجاسة الثوب الملاقي حيث إن بدن الحيوان لا يتنجس والرطوبة إثبات بقائها بالاستصحاب لا يثبت ملاقاتها الثوب أو غيره من الطاهر.

ومما ذكرنا يظهر أن الاستصحاب في ناحية عدم الحاجب في أعضاء الوضوء أو الغسل لا يفيد شيئاً فإنه لا يثبت وصول الماء إلى تمام البشرة من أعضائهما.









وأما مسألة جلاء الواسطة فلو ثبت في مورد امتناع التفكيك عرفاً بين التعبد بشيء وبين التعبد بلازمه العقلي بأن يترتب الأثر الشرعي لذلك الشيء ولا يترتب الأثر الشرعي المترتب على لازمه العقلي فلا بأس بالالتزام بالتعبد الثاني المكشوف من التعبد بالأول حيث إنه المدلول الالتزامي لخطاب لا تنقض اليقين الشامل للملزوم ولكن في وجود الصغرى لذلك تأملاً والتمثيل لذلك بالاستصحاب الجاري في بقاء الشهر يوم الشك وإثبات كون الغد أوّل الشهر الآتي لا يخلو عن الإشكال وذلك فإن الاستصحاب يجري في بقاء الشهر ولا يلازم التعبد بكون الغد أوّل الشهر الآتي بل الحكم بكون الغد أوّل الشهر الآتي لجريان الاستصحاب في بقاء أوّل الشهر الآتي المعلوم تحققه عند الغروب من يوم الشك مع احتمال بقائه إلى غروب الغد على ما ذكرنا سابقاً من غير أن يكون أول الشهر عبارة عن كون يوم من شهر وعدم سبقه بمثله قبله ومن غير حاجة إلى دعوى جريان السيرة المستمرة على جعل يوم الشك آخر السابق واليوم اللاحق أول الشهر الآتي فإن هذه السيرة غير محرزة في غير يوم عرفة وما بعده فيما إذا ثبت يومها بحكم القاضي من العامة حيث جرت السيرة على متابعة العامة في ثبوت يوم عرفة مع عدم العلم بالخلاف وجعل ما بعده يوم العيد وهكذا وهذا لأن قضاءهم طريق شرعي لثبوت هلال ذي الحجة ولو كان هذا الاعتبار لرعاية التقية يعني أن حكمة الاعتبار هي رعايتها.









وقد يقال: الاستصحاب في ناحية بقاء أول شوال إلى غروب الشمس من بعد يوم الشك مبتلى بالمعارض وذلك فإنه قبل الغروب من يوم الشك لنا علم بأنه لم يكن أول شوال ونحتمل عدمه أيضاً بعد يوم الشك لاحتمال كونه يوم الشك، ولكن لا يخفى ما فيه فإن عدم أول شوال الملازم لأيام شهر رمضان قد انقطع وتبدل إلى العيد إما بيوم الشك أو ما بعده، والمتيقن من عدمه الثاني هو اليوم الثاني ما بعد يوم الشك فالاستصحاب المذكور قريب إلى القسم الثالث من الكلي الذي لا موضوع فيه للاستصحاب.









وأما مسألة وضوح اللزوم بين الملزوم ولازمه العقلي أو العادي بحيث يعد الأثر الشرعي المترتب على اللازم يعد أثراً للملزوم أيضاً فقد تقدم في بيان وجوه اعتبار الأصل المثبت وقوع المعارضة في مثل ما فرضه بين الاستصحاب الجاري في ناحية الملزوم وبين عدم حدوث لازمه العقلي والعادي.

















(1). الكافي 3: 10، الباب 2، الماء الذي لا ينجسه شيء.









(2). وسائل الشيعة 17: 229، الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة.









(3). وسائل الشيعة 3: 251، الباب 2 من أبواب لباس المصلي.









(4). وسائل الشيعة 12: 27، الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 2.

































ثمّ لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الاُصول التعبدية وبين الطرق والأمارات[1] فإن الطريق والأمارة حيث إنه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها







الثامن ـ أنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتباً عليه بلا واسطة شيء[2] أو بواسطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشايع ويتحد معه وجوداً







وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه بين أن يكون مجعولاً شرعاً بنفسه[3] كالتكليف، وبعض أنحاء الوضع أو بمنشأ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية فإنه أيضاً مما تناله يد الجعل شرعاً، ويكون أمره بيد الشارع وضعاً ورفعاً







وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه وعدمه[4] ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته، وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر







التاسع ـ أنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر الغير الشرعي ولا الشرعي بواسطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعاً [5]







العاشر ـ قد ظهر مما مر لزوم أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو ذا حكم كذلك[6] لكنه لا يخفى أنه لابد أن يكون كذلك بقاءً ولو لم يكن كذلك ثبوتاً















الفرق بين الأمارة والأصل
















[1] وتفترق الاُصول العملية عن الطرق والأمارات بأن الأمارة كما تحكي عن مؤداها كذلك تحكي عن أطراف مؤداها من لازمه أو ملازمه أو ملزومه ومقتضى إطلاق اعتبارها تصديقها في كل من حكاياتها ويترتب الأثر الشرعي المترتب على كل واحد منها لاعتبارها في جميع تلك الحكايات هذا ما ذكر الماتن وغيره (قدس سرهم) ولكن قد يورد عليه بأن ملاك الاعتبار لو كان ما ذكر لانحصر اعتبارها في مثبتاتها بما إذا كان المخبر عن المؤدى قاصداً لها وملتفتاً إلى الملازمة ولا يجري ما إذا كان منكراً للملازمة كما إذا قُدَّ زيد الملتف باللحاف نصفين ولا نعلم بحياته أو موته حين قده نصفين ولكن نعلم أن من قدّه هو عمرو وشهدت البينة أنه كان حياً، ولكن لا نعرف من قدّه أو قالا: أن من قده ليس بعمرو ولو كان ملاك اعتبارها الحكاية عن أطرافها لا يثبت أن قاتله عمرو؛ ولذا لا يحكم بكفر من ينكر أمراً يلازم إنكاره إنكار النبوة ولكن المنكر لذلك الشيء لا يرى الملازمة ولو كان الإخبار بشيء إخباراً عن لوازمه أيضاً مطلقاً لزم الحكم بكفره.









وقد يقال: إن الأمارات كلّها عقلائية قد أمضاها الشارع وبناء العقلاء في الأمارات إثبات الواقع وإحرازه بها بنظر من قامت عنده الأمارة، وإذا ثبت الواقع بها ثبتت لوازمه وملازماته بعين ملاك ثبوت الواقع بها فالعلم بشيء علم بلوازمه وملازماته وملزومه فكذلك الوثوق به فإنه يوجب الوثوق بأطرافه، وبتعبير آخر كما يحتج بقيام الأمارة بشيء بالإضافة إلى ذلك الشيء كذلك يحتجون بها بالإضافة إلى أطرافه.









أقول: احتجاج العقلاء بالإضافة إلى الأمارات التي من قبيل الإخبار بالشيء والخطاب لبيان ثبوته واقع حتى بالإضافة إلى أطرافه ولكن لا يختص اعتبار الخبر والشهادة بما إذا حصل الوثوق لمن يقوم عنده الخبر بل تكفي وثاقة المخبر وإن لم يحصل لمن يقوم عنده الخبر الوثوق بالواقع كما بينا ذلك في بحث اعتبار الظواهر والخبر الواحد إلاّ أن ما ذكر لا يجري في اعتبار مطلق الأمارة.

أضف إلى ذلك أن بعض الأمارات معتبرة تأسيساً من الشارع كالظن بالقبلة لمن لا يمكن له العلم بها ولو ظن أن القبلة في جهة يوجب الظن بكونها قبلة دخول الوقت فلا سبيل لنا إلى إحراز اعتبار الظن بدخوله، وسوق المسلمين أمارة بتذكية الحيوان، ولكن لا يكون أمارة بكون المشتري منه من مأكول اللحم ليجوز الصلاة فيه وإن ظن بكونه من مأكول اللحم.









والحاصل أن ما هو المعروف في ألسنتهم من اعتبار الأمارة بالإضافة إلى أطرافها أيضاً لا أساس له بل لابد من ملاحظة الدليل الدال على اعتبار الأمارة من أن مقتضاه الإطلاق أو الاختصاص وأما ما ذكر في مسألة عدم الحكم بكفر منكر بعض ضروريات الدين أو المذهب فيما إذا لم ير المنكر ثبوته من الشريعة فهو من جهة أن الموجب للكفر أن يظهر الشخص أنه لا يعتقد بالنبوة، ومن الظاهر أن منكر بعض الضروري مع عدم اعتقاده أنه مما أخبر به النبي (صلّى الله عليه وآله) لا يوجب إنكاره النبوة ليحكم بكفره، وذكر المحقق النائيني (قدس سره) في المقام كلاماً حاصله: أن افتراق الاُصول العملية عن الأمارات يكون في ناحية الموضوع وفي ناحية الحكم أما اختلافهما وامتياز الأمارة عن الأصل في ناحية الموضوع ففي جهات:







الاُولى ـ أن الجهل بالواقع في الأمارات مورد لاعتبارها ولكنه موضوع في الاُصول بمعنى أن ما دل على اعتبار الأمارة كما في قوله (عليه السلام): «العمري ثقة فما يؤدي يؤدي عني»(1) يقتضي الأخذ بقوله وحيث إن التعبد بطريق في حق العالم بالواقع بلا معنى فيختص اعتبار قوله بغير العالم بالواقع، وهذا بخلاف الاُصول فإن المأخوذ في خطاب اعتبارها موضوعاً لها الجهل بالواقع كقوله (عليه السلام) «لا تنقض اليقين بالشك» و«رفع عن اُمتي ما لا يعلمون».









الجهة الثانية ـ أن الكشف عن الواقع في الأمارات كشف ذاتي ناقص لا تكاد تناله يد الجعل بخلاف الاُصول فإن الموضوع الجهل بالواقع من غير ملاحظة الكشف فيها أصلاً.









والجهة الثالثة ـ أن الكشف الناقص في الأمارات ملحوظ في اعتبارها وخطاب الاعتبار ناظر إلى تتميمه بإلغاء احتمال الخلاف بخلاف الاُصول العملية فإنه لو كان للجهل الموضوع جهة كشف لم تلاحظ تلك الجهة في اعتبار الحكم المعبر عنه بمفاد الأصل، وأما اختلافهما من ناحية الحكم فقد ذكر (قدس سره) أنه في العلم الوجداني جهات أربع حيث إن العلم وهو الصورة المرتسمة للنفس وصف وكشف وفيه جري عملي وتنجيز وتعذير فإن كونه وصفاً وجدانياً لا ينبغي التأمل فيه كما أن تلك الصورة المنكشفة بالذات تكشف عن ذي الصورة بالعرض لا كلام فيه وانكشاف ذي الصورة بها يعبر عنه بجهة الكشف، مثلاً: إذا علم العطشان بوجود الماء في المحل الفلاني تكون تلك الصورة المرتسمة محركة له نحو ذلك الماء ليشربه وكل من كونه وصفاً وكشفاً ومحركاً مترتب على ما قبله وكونه محركاً وجرياً عملياً من كونه تنجيزاً وتعذيراً في مرتبة واحدة فالمجعول في الأمارات يختلف عن المجعول في الاُصول العملية فإن المجعول في الأمارات هي الجهة الثانية من العلم يعني الكشف عن ذي الصورة بتتميم كشفها الذاتي بإلغاء احتمال الخلاف وبعد هذا الجعل يترتب عليه الجري العملي والتنجيز والتعذير حيث كانا للعلم بالذات بخلاف الاُصول العملية فإن المجعول فيها الجري العملي الذي كان للعلم بالبناء على إحراز الواقع كما في الاُصول المحرزة أو بالبناء على أحد طرفي الشك من غير بناء على أنه الواقع كما في الاُصول الغير المحرزة.









أقول: ما ذكره (قدس سره) من كون الجهل بالواقع في الأمارة مورداً وفي الاُصول موضوعاً إن كان المراد اعتبار الأمارة ثبوتاً حتى في حق العالم بالواقع فهذا أمر غير معقول ولا فرق في اعتبار الأمارة والأصل، وأن كلاً منهما يعتبر في حق الجاهل بالواقع غاية الأمر يكون اعتبار الأصل في طول اعتبار الأمارة.

وإن كان المراد أنه لم يذكر في دليل اعتبار الأمارة موضوعاً لاعتبارها كما في الرواية التي ذكرها وأما في خطابات اعتبار الاُصول يذكر الجهل بالواقع موضوعاً لاعتبارها فهذا صحيح في الجملة ولكن لا يطرد كما في قوله (عليه السلام): إذا لم تعرف الميقات يجزيك أن تسأل أهله أو من يعرفه(2). وما ورد في اعتبار سوق المسلمين بعد ما سألوا الإمام (عليه السلام) عن شراء اللحوم ولا يدري ما صنع القصابون قال: «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه»(3) وقد اشتهر التمسك في اعتبار الفتوى بقوله سبحانه (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(4).







نعم يمكن أن يقال: إن مع أخذ الجهل بالواقع في اعتبار أمر عدم أخذه موضوعاً في خطاب أمر آخر يوجب أن يكون الثاني حاكماً على اعتبار الأول في مقام اجتماعهما وتعارضهما، أضف إلى ذلك أنه لو كان للأمارة المعتبرة جهة كشف نوعي فهذا الكشف لا يكون إلاّ حكمة لاعتبارها، وهذه الجهة تجري في بعض الاُصول كقاعدة الفراغ كما يفصح عن ذلك قوله (عليه السلام) «حين يتوضأ أذكر»(5) ومع ذلك لا تعتبر مثبتات قاعدة الفراغ، وعلى الجملة مجرد كون شيء أمارة لا يقتضي اعتبارها في لوازمها العقلية والعادية بل الالتزام باعتبار أمارة حتى بالإضافة إلى ما يترتب على لازمها العقلي والعادي يحتاج إلى ثبوت الدليل عليه نظير ما قلنا بالإضافة إلى لوازم المخبر به أو قيام البينة لموضوع.

















الموارد التي وقع الخلاف فيها في الاُصول الجارية فيها








ثمّ بعد ما ذكرنا في عدم اعتبار الاُصول في مثبتاتها وقع الخلاف في بعض الاُصول في بعض الموارد أنها مثبتة فيها أم لا وينبغي التعرض لها:







منها ـ ما إذا تلف مال الغير بيد شخص وقال مالكه: إن اليد كانت عادية فعلى ذي اليد: ضمانه وقال ذو اليد كان المال أمانة فلا ضمان عليه، ومثله ما إذا قال المالك: كان المال بيدك بالشراء وإنك اشتريته بكذا فيطالبه بالثمن، وقال ذو اليد: إنه كان هبة فلا ضمان عليه بالثمن حيث قيل في الفرضين بالضمان لأصالة عدم كون المال أمانة بمعنى عدم إذن المالك في الإمساك به وأصالة عدم هبته ماله، وقد اُورد على ذلك بأن أصالة عدم إذن المالك في الإمساك بماله لا يثبت كون اليد عادية في الفرض الأول كما أن أصالة عدم الهبة لا تثبت وقوع البيع واشتغال ذمته بالثمن مع أن الأصل عدم وقوع البيع وعدم اشتغال ذمته بالبدل وقد يقال في الفرضين بالضمان لقاعدة المقتضي وعدم المانع فإن وضع اليد على مال الغير مقتض للضمان إذا لم يثبت المانع المدفوع بالأصل.









أقول: الحكم بالضمان في الفرض الأول صحيح يعني يقدم قول مثبت الضمان؛ لأن الموضوع للضمان كما ذكرنا في بحث قاعدة ما يضمن وما لا يضمن هو إتلاف مال الغير أو تلفه بيده من غير استيمان وهبة أو الإذن في الإتلاف مجاناً والمراد بالعدوان هو ذلك كما هو المستفاد من الخطابات الشرعية والسيرة العقلائية والتلف في اليد في الفرض محرز، والأصل عدم الأذن، وعدم الاستيمان فيتم الموضوع للضمان، والعدوان بمعنى الظلم لا أثر له في الضمان.









وأما في الفرض الثاني فمع تلف المال كما هو الفرض يقدم قول مدعي الهبة لأصالة عدم وقوع البيع ولا يعارض بأصالة عدم الهبة؛ لأنها بالإضافة إلى وقوع البيع من الأصل المثبت ولا أثر لوقوعها ونفيها بعد تلف المال حيث إن استحقاق المطالبة بالبدل المسمى أثر للبيع المنفي بالأصل وقاعدة المقتضي وعدم المانع لا أساس لها رأساً غير ما ذكرنا من السيرة العقلائية والمستفاد من الخطابات الشرعية، وأما إذا كان الاختلاف في البيع والهبة قبل تلف العين فإن كان من يدعي الهبة له ممن لا يجوز استرجاع الهبة منه فالمرجع التحالف لأصالة عدم وقوع البيع ولا عدم وقوع الهبة؛ لأن لكل منهما أثراً خاصّاً، وإن كان ممن يجوز استرجاع الهبة يقدم قول مدعي الهبة أخذاً بإقراره بأن المالك يجوز له استرجاع ماله فلا يكون لأصالة عدم الهبة أثر خاص مع فرض نفوذ إقراره.









ومنها ـ ما إذا اختلف الجاني وولي الميت فادعى ولي الميت أن موت المجني عليه كان بجنايته سواء كانت الدعوى سراية الجناية أو أن جنايته كانت قتلاً بأن ادعى أن الملفوف باللحاف كان حياً عندما قدّه نصفين وأنكر الجاني.









فالمنسوب إلى الشيخ (قدس سره) التردد في المثالين نظراً إلى معارضة أصالة عدم سبب آخر في الفرض الأول، وأصالة بقاء الحياة عند القدّ في المثال الثاني بأصالة عدم الضمان في كليهما، وعن العلامة اختيار الضمان، وعن المحقق عدمه، ولكن المعارضة بين الأصلين غير واردة في كلام الشيخ ليقال: ظاهر كلامه يعطي التردد في اعتبار الأصل المثبت.









وكيف كان فموضوع الضمان بتعلق القود على الجاني أو الدية عليه استناد الموت إليه بحيث يقال: إنه قتله، ومن الظاهر أن أصالة عدم سبب آخر في البين في الفرض الأول لا تثبت السراية واستناد الموت إلى الجاني وكذا لا يثبت استصحاب الحياة في الملفوف أن القد كان قتلاً، وعليه فالأصل عدم كونه قاتلاً ومع هذا الأصل يحلف الجاني ويثبت عليه دية الجرح في صورة الخطأ والقصاص منه بالجرح في الفرض العمد وفي الصورة الثانية دية الجناية على الميت أخذاً بإقرار الجاني فيهما.

















[2] قد تعرض (قدس سره) في هذا التنبيه لاُمور وبيان أن الاستصحاب الجاري في تلك الموارد لا يكون من الأصل المثبت وقال (قدس سره) كما لا يكون الاستصحاب مثبتاً فيما كان الأثر الشرعي مترتباً على نفس المستصحب ابتداءً أي بلا واسطة أصلاً كما إذا نذر التصدق في كل يوم بدرهم ما دام حياة والده حيث يترتب عليه وجوب التصدق ما دام يجري الاستصحاب في حياته كذلك لا يكون مثبتاً فيما كان الأثر الشرعي مترتباً على عنوان ينطبق ذلك العنوان على المستصحب، ويحمل عليه بالحمل الشايع كالاستصحاب في كون مايع خمراً لترتب النجاسة وحرمة شربه وهذا فيما كان العنوان منتزعاً عن نفس ذلك الشيء أو منتزعاً عنه بلحاظ أمر خارج عن نفسه ولكن كان ذلك الخروج بنحو خارج المحمول لا من قبيل المحمول بالضميمة فإن الاستصحاب في حياة زيد لترتيب آثار كونه مالكاً لأمواله وعدم انتقالها إلى ورثته أو أن المعاملة على أمواله موقوفة على أذنه أو إجازته أو لترتيب كونه زوجاً فلا يجوز التزويج بزوجته حتى بعد انقضاء المدة إلى غير ذلك لا يكون مثبتاً فإن الأثر في الصورتين في الحقيقة للفرد حقيقة فلا يكون الاستصحاب في بقاء الفرد لترتيبها من الأصل المثبت غاية الأمر لا دخل في ثبوتها لخصوصية ذلك الفرد بأن لا يثبت ذلك الأثر لفرد آخر من ذلك العنوان والوجه في كون الأثر في الحقيقة للفرد؛ لأن الأثر أثر لوجود العنوان ولا وجود في الخارج غير الفرد بخلاف ما إذا كان العنوان الذي رتب عليه الأثر مبايناً له أو من أعراضه التي يكون من المحمول بالضميمة بأن يكون ما بإزاء الخارج عن نفس الشيء تحقق خارجي كسواد الجسم وبياضه فإن مع الاستصحاب في بقاء الجسم لا يترتب عليه أثر سواده أو بياضه مثلاً إذا شك في بقاء حياة زيد أو موته لا يفيد في ترتيب أثر اجتهاده من جواز تقليده.









أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) أن ما يحمل عليه عنوان المالك أو الزوج يجري الاستصحاب في ناحيته ويترتب عليه ما يترتب على عنوان الزوج والمالك ونحوهما ولكن ما يحمل عليه عنوان العادل والعالم فلا يترتب بالاستصحاب أثر عدله واجتهاده فيقال عليه ما الفرق بين الاستصحاب في حياة زيد لترتيب أثر المالكية والزوجية عليه وبين الاستصحاب في حياته بالإضافة إلى أثر اجتهاده وعدله فإنه لو لم يكن لمالكيته للمال أو زوجية المرأة له حالة سابقة فلا ينبغي التأمل في أن الاستصحاب في حياته لإثبات كونه مالكاً أو زوجاً من أظهر أنحاء الأصل المثبت؛ لأن مقتضى الأصل عدم كونه مالكاً أو زوجاً وإن كان لمالكيته المال أو كونه زوجاً للمرأة حالة سابقة فيجري الاستصحاب في بقائهما ويترتب عليه أثر كونه مالكاً للمال أو كون المرأة زوجة له وهذا يجري بالإضافة إلى سواد الجسم وبياضه واجتهاد شخص وعدالته.









والحاصل أن التفكيك بين المحمول من خارج المحمول والمحمول بالضميمة بدعوى أن الاستصحاب في ناحية بقاء ما يحمل عليه في الأول غير مثبت بالإضافة إلى أثار المحمول لكن في الثاني مثبت لا يمكن المساعدة عليه هذا مع كلاً من عنوان العالم والعادل والمالك والزوج وغيرها أُمور انتزاعية وإنما المبدأ الذي يحمل على الذات العنوان بملاحظة قيامه به حقيقي في الأولين واعتباري عرفي في الأخيرين، وهذا يوجب الاختلاف في جريان الاستصحاب على ما تقدم كما أنه في مثل الفوق والتحت أمر اعتباري عقلي يعبر عنه بالانتزاعيات فإن أراد الماتن (قدس سره) أن الاستصحاب في بقاء ما يحمل عليه الفوق والتحت يكفي في ترتيب أثر الفوقية والتحتية فما كان لهما أثر شرعي فهذا لا بأس به؛ لأن الفوق مع بقائه وكذا التحت مع بقائه واجدان للفوقية والتحتية لا محالة.









وأما الاستصحاب الجاري في كون مايع خمراً لترتيب آثار الخمر من النجاسة وحرمة شربه فصحيح إلاّ أن الأثر الشرعي في خطاب تحريم الخمر ونجاسته لم يجعل للعنوان ليسري إلى المعنون الخارجي بل الأثر مجعول ابتداءً لما يحمل عليه الخمر بالحمل الشايع فالعنوان في الخطاب يؤخذ مرآة للمعنونات حيث إن الملاك والمفسدة فيها لا في العنوان والعنوان للحاظ المعنون؛ ولذا لا فرق في مقام بين أن يقول هذا المايع مشيراً إلى الخمر الخارجي وما كان من قبيله نجس وشربه حرام أو يقول الخمر حرام ونجس.

نعم، لا يكون في الحكم لكل من وجودات الخمر بنحو الانحلال دخالة لميز بعض الوجودات عن بعض آخر في الخصوصيات ويشهد لثبوت الحرمة والنجاسة لما كان خمراً بالحمل الشايع اعتبار ثبوت الحالة السابقة بمفاد (كان) الناقصة ولا يترتب على وجود الخمر بمفاد (كان) التامة أي أثر ولا يخفى أيضاً أنه إذا كان نفس المبدأ الاعتباري الموضوع للحكم الشرعي بنفسه أثراً شرعياً لأمر آخر كملكية المال لشخص وزوجية المرأة له بمعنى أن موضوع بقاء الملكية أمواله أو زوجية امرأته أثر شرعي لحياة ذلك الشخص حيث إن الشارع حكم ببقاء مالكيته لأمواله ما لم يمت أو يخرجها عن ملكه وببقاء زوجية امرأته ما دام لم يمت أو لم يطلقها وفي مثل ذلك يترتب على الاستصحاب في ناحية حياة ذلك الشخص بقاء أمواله على ملكه وبقاء زوجية امرأته بضميمة أنه لم يخرجها عن ملكه أو عدم طلاقه زوجته فلا يجوز التصرف في أمواله ولا التزويج بامرأته ولو بعد انقضاء مدة عدة الوفاة ومع الاستصحاب المفروض لكونه من الاستصحاب في الموضوع لا تصل النوبة إلى الاستصحاب الحكمي أي استصحاب كونه مالكاً أو زوجاً له بل قد يكون الاستصحاب في حياة شخص محرزاً لحدوث ملكية المال له كما إذا علم بموت المورث وشك في حياة ولده الغائب عند موته فإنه إذا جرى الاستصحاب في حياته يحكم بعدم انتقال أمواله إلى الورثة، ومثل ذلك ما إذا شك الأب في حياة بنته الغائبة فإنه إذا جرى الاستصحاب في ناحية حياتها وزوّجها من رجل يحكم بأن البنت زوجة له فتصير ذات بعل، والحاصل أنه وإن يترتب أثر المالك والزوجة على استصحاب الحياة إلاّ أن الترتب لكون الموضوع لذلك الأثر من الأثر الشرعي حياة الشخص ولعلّ ملاحظة مثل هذه الموارد أوقع الماتن (قدس سره) أن يفصل بين المبادي التي يكون من خارج المحمول والتي يكون من المحمول بالضميمة.

















[3] قد ذكر (قدس سره) أنه إذا كان المستصحب نفس الأثر الشرعي أو كان المستصحب ما يترتب عليه الأثر الشرعي فلا فرق بين أن يكون نفس ذلك الأثر مجعولاً شرعياً بنفسه كالتكليف، وبعض الأحكام الوضعية التي تعتبر كالتكليف مجعولاً بنفسه كالطهارة والنجاسة والولاية وغيرها أو كان الأثر الشرعي المترتب مجعولاً بالتبع كالجزئية والشرطية والمانعية حيث إنها تجعل بتبع جعل التكليف وتعلقه بالكل والمشروط والمقيد بعدم المانع، والوجه في عدم الفرق أن المجعول بالتبع أيضاً قابل للوضع والرفع شرعاً ولو بوضع منشأ انتزاعه أو برفعه، ولا وجه للالتزام بأن المستصحب أو المترتب عليه يلزم أن يكون أثراً شرعياً مجعولاً مستقلاً، ولا يكفي كونه مجعولاً بالتبع وفرع على ذلك بأن جريان الاستصحاب في نفس الشرط أو المانع وجوداً وعدماً لترتيب أثر الشرطية أو المانعية وجوداً وعدماً لا محذور فيه بتخيل أن الشرطية والمانعية ليستا من الآثار الشرعية بل هما من الاُمور الانتزاعية.









أقول: ما ذكر (قدس سره) من أن الشرطية والمانعية مجعولتان بالتبع وأمرهما بيد الشارع رفعاً ووضعاً ولو برفع منشأ الانتزاع ووضعه إنما يصح بالإضافة إلى الوضع الواقعي أو رفعه الواقعي وأما الرفع الظاهري أو الوضع الظاهري فهو إنما هو بالترخيص الظاهري في ترك الشرط المحتمل أو ترك رعاية المانع المحتمل حيث يكون هذا الترخيص ووضعه إنما يكون بإيجاب الاحتياط في رعايتهما من غير أن يحصل التغيير والتبديل بالإضافة إلى التكليف الواقعي سواء كان متعلقه ثبوتاً مطلقاً أو مقيداً بالشرط وعدم المانع، وقد أوضحنا ذلك في التمسك بحديث الرفع في مورد الشك في جزئية شيء أو شرطيته في دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين.









وأما ما ذكر من جريان الاستصحاب في ناحية الشرط والمانع لإثبات الشرطية والمانعية فهو خلط بين الاستصحاب الجاري لإحراز الحكم والتكليف وبين جريانه في مرحلة الامتثال لإحراز سقوط التكليف بالإتيان بمتعلقه وما تقدم من اعتبار كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي إنما هو عند جريانه في مقام إحراز الحكم والتكليف، وأما إذا اُريد به إحراز الامتثال وسقوط التكليف كما هو مفاد قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز والاستصحاب المحرز للإتيان بمتعلق التكليف أو عدم الإتيان به فنفس هذا قابل للتعبد لارتفاع موضوع حكم العقل بالاشتغال وعدمه بذلك.









والفرق بين قاعدة الفراغ والاستصحاب الجاري في مقام الامتثال أن بقاعدة الفراغ يحرز صحة العمل المفروغ عنه وبالاستصحاب يحرز نفس القيد المعتبر في العمل كما إذا فرغ من صلاته وشك في أنه توضأ لتلك الصلاة فإنه يحكم بصحة صلاته، ولكن لابد من التوضؤللصلوات الآتية بخلاف ما إذا شك في انتقاض وضوئه السابق فإنه مع جريان الاستصحاب يجوز له الإتيان بالصلوات الآتية ما لم يحرز الانتقاض، والوجه في الفرق أن المتعبد به بقاعدة الفراغ تمامية الصلاة التي فرغ عنها وهو تقيد تلك الصلاة بالوضوء لا بنفس الوضوء بل يجري الاستصحاب في ناحية عدم التوضؤبالإضافة إلى الصلوات الآتية بعد سقوطه عن الاعتبار بالإضافة إلى الصلاة المفروغ عنها بخلاف الاستصحاب في ناحية نفس الوضوء فإنه عالم ببقائه ما لم يتيقن أو يحرز انتقاضه ولا وجه لتوهم أن الاستصحاب في نفس الوضوء لا يثبت تقيد الصلاة المأتي بها بالوضوء لما تقدم من أن الاستصحاب لا يثبت اللازم العقلي أو العادي للمستصحب وذلك لأن واقع التقيد المعتبر في الصلاة هو مفاد واو الجمع؛ لأن الصلاة فعل والوضوء فعل آخر لا يكون الاعتبار بينهما إلاّ بمعنى (واو) الجمع وهو معنى حرفي يكون واقعه متقوماً بالدخول، وإنما ينتزع كونه شرطاً تارة وجزءاً اُخرى من خروج نفس المدخول عن متعلق الأمر النفسي بالأمر النفسي بالحصة في مورد الشرط، وبالأمر النفسي بعدة اُمور يدخل فيها ما يطلق عليه الجزء.









ومما ذكرنا ظهر ضعف ما عن الماتن (قدس سره) من أن مفاد أخبار الاستصحاب جعل الحكم المماثل للمستصحب أو جعل المماثل لحكمه وذلك فإن الاستصحاب يجري في مقام الامتثال كما يجري في إحراز الأحكام وموضوعاتها بمدلول واحد ومفاد واحد وهو كون اليقين بالحالة السابقة علم ببقائها أيضاً فإن هذا التعبد يفيد إحراز الحكم وموضوعه تارة وإحراز الامتثال وسقوط التكليف اُخرى.

















[4] ما ذكره (قدس سره) إشارة إلى ما يقال من عدم جريان الاستصحاب في ناحية عدم الموضوع أو عدم الحكم فإن العدم فيهما لا يكون موضوعاً لحكم شرعي ولا بنفسه حكم شرعي، والمجعول الشرعي جهة ثبوت الحكم يحصل بالتعبد به أو بالموضوع له ما لم يحصل العلم بالخلاف وأجاب (قدس سره) بأنه إذا كان الحكم في جهة ثبوته قابلاً للتعبد يكون التعبد في ناحية عدمه أيضاً ممكناً لتساوي القدرة بالإضافة إلى طرفي الشيء وبقاء عدم الحكم على عدمه مقدور للشارع، ويقبل التعبد به أو بالتعبد على عدم الموضوع له، وعدم تسمية عدم الحكم والتكليف حكماً لا يضر بعد كونه قابلاً للتعبد وعدم أخذ عنوان الحكم وثبوته في أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك موضوعاً للاعتبار وقد فرع (قدس سره) على ما ذكره أنه لا يصح ما استشكل به الشيخ (قدس سره) على الاستدلال بالبراءة بالاستصحاب في ناحية عدم التكليف بأنه إن كان المراد من الاستصحاب نفي استحقاق العقاب فهو من اللوازم العقلية لنفي التكليف.









والوجه في عدم الصحة أنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب في عدم التكليف ترتب أثر شرعي عليه فإن عدم التكليف بنفسه قابل للتعبد ويترتب عليه عدم استحقاق العقاب على عدم موافقة هذا التكليف وإن كان أثراً عقلياً لكونه من الأثر العقلي الأعم كما يأتي.









أقول: يظهر من عبارة الماتن (قدس سره) أن الشيخ (قدس سره) لا يرى جريان الاستصحاب في العدميات ولذا ذكر أن عدم التكليف كالتكليف قابل للتعبد وأنه يترتب على نفي استحقاق العقاب وإن كان الاستحقاق وعدمه أثراً عقلياً.









ولكن الظاهر أن مراد الشيخ (قدس سره) أن الاستصحاب في البراءة عن التكليف حال الصغر وعدمه لا يترتب عليه نفي استحقاق العقاب فإنه بعد العلم إجمالاً بتعلق حكم بالفعل بعد ذلك أما لمنع عن الفعل أو الترخيص والإذن الشرعي في ارتكابه يترتب نفي استحقاق العقاب على ثبوت الترخيص الشرعي في الارتكاب والاستصحاب في ناحية البراءة السابقة لا يثبت هذا الترخيص الشرعي؛ لأنه من إثبات أحد الضدين بنفي الآخر وإذا لم يثبت هذا الترخيص يبقى احتمال العقاب على ارتكاب الفعل بحاله فلابد في نفيه من التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ومع انضمامها لم يكن حاجة لاستصحاب عدم التكليف وبراءة الذمة؛ لأن قاعدة قبح العقاب بلا بيان تنفي الاستحقاق ـ سواء كان في الواقع تكليف أو لم يكن ـ والصحيح في الجواب أن يقال: إن الاستصحاب في ناحية عدم حرمة الفعل في نفسه بيان لعدم التكليف ويترتب على نفسه قبح العقاب على الارتكاب ولا يبقى معه موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ومن غير حاجة إلى إثبات الترخيص الشرعي في ارتكاب نفس الفعل؛ لأن مع ثبوت البيان لعدم التكليف لا يبقى احتمال العقاب.









ولا يخفى أن المستصحب هو عدم جعل الحرمة للفعل في الشريعة على البالغين بنحو القضية الحقيقية في مقام الجعل لا نفس البراءة الحاصلة حال الصغر أو الجنون ليقال: إن البراءة في تلك أما بمعنى حكم العقل بعدم استحقاق الصغير والمجنون العقاب الاُخروي على الارتكاب فالحكم من العقل غير قابل للاستصحاب، وأما بمعنى عدم ثبوت الحرمة الشرعية فيناقش فيه بما تقدم وبالشك في بقاء الموضوع كما ذكر الشيخ مناقشة بقائه أيضاً في آخر كلامه.

















[5] تعرض (قدس سره) في هذا التنبيه لما لم يتعرض له في التنبيه السابق حيث ذكر فيه أنه لا يترتب على الاستصحاب في الحكم الشرعي أو في الموضوع له الأثر العقلي أو العادي للمستصحب، وكذا لا يثبت الأثر الشرعي المترتب على ذلك اللازم العقلي أو العادي بل يترتب على المستصحب في موارد استصحاب الحكم الشرعي نفس ذلك الحكم الشرعي، وفي موارد استصحاب الموضوع نفس الحكم المترتب على ذلك الموضوع.

نعم، إذا كان الحكم الشرعي بالاستصحاب موضوعاً لحكم شرعي آخر يثبت ذلك الحكم الآخر أيضاً بثبوت موضوعه هذا ما تعرض له سابقاً، وأما ما بقي فهو أنه إذا كان الأثر العقلي لازماً لوجود المستصحب مطلقاً ولو كان ثبوت وجوده بالأصل بأن يكون اللازم العقلي أعم من وجود الشيء واقعاً أو التعبد به ظاهراً ولو بالأصل فيترتب هذا اللازم على الاستصحاب، وكذا يترتب الأثر المترتب على هذا اللازم العقلي ولو كان أثراً شرعياً كاستحقاق العقاب على مخالفة التكليف الثابت بالاستصحاب مطلقاً أو فيما صادف الواقع على ما تقدم عند الكلام في استحقاق المتجري العقاب، وكوجوب الموافقة وعدم جواز المخالفة عقلاً.









أقول: ما ذكره (قدس سره) من الكبرى المذكورة صحيح ولكن ما ذكره من المثال فيه منع فإن وجوب المتابعة أو استحقاق العقاب على المخالفة ليس من الأثر العقلي لنفس التكليف بل أثر لإحرازه والاستصحاب كالإمارة القائمة بالتكليف إحراز له على ما تقدم بل لو كان مفاد أخبار الاستصحاب جعل المماثل للمستصحب أو المماثل لحكمه بتحقق إحراز التكليف فيترتب الأثر العقلي لإحرازه.

















[6] تعرض (قدس سره) في هذا التنبيه لما ذكر في تعريف الاستصحاب من أنه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه، وأنه لا يلزم أن يكون ذلك الحكم أو الموضوع أثراً أو ذا أثر حدوثاً بل يكفي أن يكون المستصحب كذلك بقاءً حيث إنه لو لم يكن في حدوثه كذلك وكان عند الشك في بقائه أثراً شرعياً أو ذا أثر أمكن التعبد ببقائه، وقد تقدم أن عدم التكليف ولو لم يكن في الأزل بحكم ولا ذا أثر إلاّ أنه قابل للتعبد حيث إن نفيه كثبوته بيد الشارع وكذا الاستصحاب في استصحاب أمر لا يكون في حدوثه ذا حكم وله حكم على تقدير بقائه كل ذلك لشمول أخبار لا تنقض للشك في البقاء في مثل ذلك أيضاً أقوى، هذا فيما إذا اُريد الاستصحاب في ثبوت الحكم وأما الاستصحاب الجاري في إحراز الامتثال وعدمه فقد تحقق أن هذا المقام في نفسه قابل للتعبد من غير أن يكون المراد فيه التنزيل لثبوت حكم شرعي أو موضوع له وأن حكم العقل بلزوم إحراز الامتثال لملاك دفع الضرر المحتمل في عدم إحرازه وإذا حكم الشارع بحصول الامتثال كما في موارد الاستصحاب في شرط الواجب أو عدم مانعه لا يبقى لحكم العقل موضوع فيكون الاستصحاب وارداً على حكم العقل بالاشتغال.

















(1). الغيبة (للشيخ الطوسي): 360.

طبعة مؤسسة المعارف الاسلامية.









(2). انظر من لا يحضره الفقيه 2: 198.









(3). وسائل الشيعة 16: 294، الباب 29 من أبواب الذبايح، وفيه حديث واحد.









(4). سورة النحل: الآية 43.









(5). وسائل الشيعة 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.

































الحادي عشر ـ لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع، وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان فإن لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول [1]







لا يقال: لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذلك الآن وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه [2]







وأما لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو أيضاً[3] إما أن يكون الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن فلا إشكال في استصحاب عدمه لولا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه كما تقدم























[1] قد تقدم جريان الاستصحاب في بقاء الحالة السابقة عند احتمال انتقاضها بلا فرق بين كون الحالة السابقة أمراً وجودياً أو عدمياً وإذا كانت الحالة السابقة أمراً عدمياً فقد يحتمل عدم انتقاض ذلك العدم أصلاً، وقد تقدم جريان الاستصحاب في ناحية عدم حدوثه وقد يعلم بانتقاض الحالة السابقة وشك في تقدم الانتقاض وتأخره والشك في التقدم والتأخر يلاحظ تارة بحسب أجزاء الزمان كما إذا علم بحدوث الكرية للماء وشك في حصولها يوم الخميس أو يوم الجمعة واُخرى يلاحظ بلحاظ زمان الحادث الآخر كما إذا علم بموت الوالد والولد وشك في بقاء حياة الولد زمان موت الوالد أو موته قبل موت الوالد فإن كان الشك في التقدم والتأخر بلحاظ أجزاء الزمان كما إذا غسل ثوبه المتنجس في الماء في المثال المتقدم يوم الخميس وشك في بقاء ذلك الماء على عدم كريته يوم الخميس، ويترتب على ذلك يعني الاستصحاب في ناحية بقائه على عدم كريته يوم الخميس تنجس الماء وعدم طهارة الثوب المغسول فيه؛ لأن وقوع المتنجس في ذلك الماء محرز بالوجدان وبالاستصحاب يحرز عدم كريته فيتم موضوع تنجسه وعدم غسل الثوب بالماء الطاهر نعم لا يثبت بهذا الاستصحاب حدوث الكرية للماء يوم الجمعة؛ لأن حدوث شيء نحو وجود لا أنه مركب من وجود الشيء في زمان وعدم وجوده في زمان سابق عليه، ولو كان حدوث الشيء مركباً من الأمرين أمكن إحرازه بضم الوجدان إلى الأصل في إحرازه ولكن الحدوث عنوان بسيط ينتزع عن وجود شيء موصوف بعدمه سابقاً.









وأما إذا شك في بقاء الحالة السابقة بالإضافة إلى زمان الحادث الآخر فقد ذكر الماتن (قدس سره)ما حاصله أنه قد يكون الأثر الشرعي مترتباً على وجود أحد الحادثين بنحو خاص كتقدمه أو تأخره أو تقارنه بأن يكون الموضوع للحكم في خطاب الشارع أحد هذه العناوين في ناحية أحد الحادثين بحيث لا يكون شيء منها موضوعاً للحكم في ناحية الحادث الآخر ولا العنوان الآخر في ناحية هذا الحادث موضوعاً لحكم آخر وفي مثل ذلك يجري الاستصحاب في ناحية عدم حدوث ذلك النحو من الوجود بلا معارض كما يقال: إن تقدم المصلي في صلاته على قبر الإمام (قدس سره) مانع عن صلاته فإنه بالاستصحاب في عدم تقدمه فيما إذا شك في قبره (عليه السلام) يحكم بصحة صلاته، وهذا بخلاف ما إذا كان ذلك العنوان في ناحية الحادث الآخر موضوع الحكم بالخلاف أو كان العنوان الآخر في ناحية ذلك الحادث موضوعاً له فإنه يقع التعارض بين الاستصحاب في ناحية كل من نحوي الوجود مع الاستصحاب في ناحية النحو الآخر هذا كله بالإضافة إلى كون الموضوع أحد العناوين في ناحية أحد الحادثين بمفاد (كان) التامة.









أقول: إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على الوجود الخاص في ناحية كل من الحادثين فلا يوجب مجرد ذلك وقوع المعارضة بين الاستصحاب كما إذا كان الموضوع لإرث الولد تقدم موت والده على موته والموضوع لإرث الوالد تقدم موت ولده على موته فإن الاستصحاب يجري في ناحية عدم تقدم موت الوالد على موت الولد، وعدم تقدم موت الولد على موت والده فإنه إذا احتمل تقارن موتهما لا يرث كل منهما عن الآخر.

نعم، لو علم عدم التقارن وسبق موت أحدهما على موت الآخر وقع التعارض بينهما؛ لأن جريان الاستصحاب في ناحية عدم تقدم موت أحدهما معيناً على الآخر بلا مرجح، وفي كل منهما يوجب الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل.









ثمّ أردف الماتن (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في الأقسام الثلاثة الباقية المتصورة في المقام:







الأول ـ ما إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على اتصاف أحد الحادثين بأحد العناوين المتقدمة يعني التقدم والتأخر بالإضافة إلى الحادث الآخر بمفاد (كان) الناقصة وذكر (قدس سره) في وجه عدم الجريان في اتصاف أحد الحادثين بأحدها بمفاد (كان) الناقصة عدم الحالة السابقة في مفاد (كان) الناقصة ولكن هذا بالإضافة إلى اتصاف أحد الحادثين بأحد العناوين وأما سلب الاتصاف بأحدها زمان الآخر كالاستصحاب في عدم كون موت أحدهما متصفاً بالتقدم أو بالتأخر أو بالتقارن من قبيل الاستصحاب في العدم الأزلي وكون الحالة السابقة بنحو السالبة بانتقاء الموضوع لا ينافي الاستصحاب في نفي الاتصاف وإحراز السالبة بانتفاء المحمول.









وظاهر كلام الماتن يعني قوله: «فلا مورد ها هنا للاستصحاب لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتباب» عدم جريان الاستصحاب في ناحية نفي الاتصاف أيضاً، وقد ذكرنا أنه لا يكون نفي الاتصاف كثبوت الاتصاف فإن إحراز نفي الاتصاف لا يحتاج إلى كون الحالة السابقة السالبة بانتفاء المحمول بل يمكن إحراز السالبة بانتفاء المحمول بالاستصحاب في بقاء نفي الاتصاف الصادق عند انتفاء الموضوع.

وقد بنى الماتن (قدس سره)على صحة جريان هذا الاستصحاب وإحراز السالبة بانتفاء المحمول التي مفادها خارجاً هو الموضوع للحكم الشرعي ثبوتاً أو نفياً حيث ذكر أن نفي انتساب المرأة إلى قريش قبل أن توجد يستصحب بعد أن توجد ويحكم بأنها تحيض إلى خمسين سنة.

وعلى الجملة فإن كان لاتصاف أحد الحادثين بأحد تلك العناوين بالإضافة إلى الآخر بمفاد كان الناقضة أثر شرعي دون اتصاف الحادث الآخر فيجري الاستصحاب في ناحية عدم اتصافه به فينفي الأثر الشرعي المترتب على اتصافه به ومع ترتب الأثر على اتصاف كل منهما بأحدها بحيث يكون العلم الإجمالي موجباً لوقوع التعارض بينهما سقط الاستصحاب في ناحية كل منهما بملاك المعارضة بين الاُصول، وهذا بخلاف إحراز الاتصاف بأحدها فإن إحرازها بالاستصحاب موقوف على ثبوت الحالة السابقة لنفس الاتصاف حيث إن اتصاف شيء بشيء فرع وجود ذات الموصوف بلا فرق بين كون الوصف من قبيل العرض أو كان من قبيل غيره ولو بمفاد القضية المعدولة.









والثاني ـ ما إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على أحد الحادثين المتصف بالعدم في زمان الحادث الآخر بأن يكون الموضوع للأثر الشرعي من قبيل القضية المعدولة المعبر عن ذلك بالعدم النعتي، ومن الظاهر عدم الحالة السابقة لذلك لعدم اليقين بحدوث أحد الحادثين كذلك، أقول: الاستصحاب في ناحية عدم حادث في زمان حدوث الآخر وإن لا يثبت اتصاف بعد وجوده بالعدم في زمان الحادث الآخر لما تقدم من عدم الحالة السابقة لمفاد القضية المعدولة إلاّ أن بعد وجوده يجري الاستصحاب في عدم اتصافه بالعدم زمان حدوث الآخر فإن سلب الاتصاف بالعدم زمان حدوث الآخر كسلب الاتصاف بالوجود زمان وجود الآخر لا يحتاج إلى وجوده وينفي بالاستصحاب الأثر المترتب على تحقق مفاد القضية المعدولة.









والثالث ـ ما إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على عدم أحد الحادثين زمان حدوث الآخر وذكر أنه لا يجري الاستصحاب في هذا القسم أيضاً؛ لأنه يعتبر في جريان الاستصحاب في شيء اتصال زمان شكه بزمان يقينه ومع تردد زمان الحادث الآخر بين زمانيين لا يحرز هذا الاتصال فإنه لو كان زمان الحادث الآخر أول الزمانين يكون عدم الحادث المستصحب به متصلاً بعدمه السابق بخلاف ما إذا كان حدوث الآخر ثاني الزمانين فإنه لو فرض عدم الحادث المستصحب فيه لما كان عدمه فيه متصلاً بعدمه السابق لتخلل وجوده بين العدمين.









وبيان ذلك بعد آخر زمان يعلم فيه عدم شيء من الحادثين زمانان: أحدهما ـ زمان حدوث ما يراد الاستصحاب في عدمه، والثاني ـ زمان حدوث الآخر فإن اُريد الاستصحاب في عدم أحدهما المعين زمان حدوث الآخر فإن كان حدوث الآخر الزمان الأول كان أحدهما المعين باقياً على عدمه في زمان حدوث الآخر فيتصل زمان شكه بزمان يقينه، وأما إذا كان حدوث الآخر في الزمان الثاني فأحدهما المعين قد حدث في الزمان الأول يقيناً فإن فرض عدمه في الزمان الثاني لا يكون هذا العدم متصلاً بالعدم السابق المتيقن يعني زمان اليقين السابق بالعدم وبما أن إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين معتبر في جريان الاستصحاب فلا يجري الاستصحاب في ناحية عدم شيء منهما زمان حدوث الآخر لا أنه يجري ويسقط بالمعارضة بالاستصحاب في عدم الآخر زمان حدوثه كما عن الشيخ (قدس سره) لتختص المعارضة بما إذا كان لعدم كل منهما زمان حدوث الآخر أثر شرعي وليجري الاستصحاب في ناحية أحدهما بخصوصه فيما كان الأثر الشرعي مختصاً به كما في موت أخوين لأحدهما ولد دون الآخر؛ لأن الاستصحاب في حياة من له الولد زمان موت الأخ الآخر يترتب عليه أن يرث من أخيه بخلاف الاستصحاب في حياة من ليس له ولد زمان موت ذي الولد فإنه لا يترتب عليه الإرث من ذي ولد سواء مات بعده أو قبله.









ويمكن أن يكون مراده (قدس سره) اعتبار اتصال نفس زمان شك الحادث بزمان يقينه وحيث إن زمان شك كل من الحادثين زمان حدوث الآخر فلو كان الحادث الآخر ثاني الزمانين بعد زمان اليقين بعدمهما فيه لا يكون زمان الشك متصلاً بزمان اليقين بعدمه بل يتخلل الزمان الأول لكونه زمان حدوث نفسه بين زمان شكه وزمان اليقين بعدمه.

















[2] قد يقال في وجه جريان الاستصحاب في عدم الحادث في زمان حدوث الآخر: بأن مجموع الزمانين بعد آخر زمان كان يعلم بعدم كل منهما فيه زمان الشك في حدوث كل منهما ومجموعهما متصلان بذلك الزمان المفروض علمه بعدم حدوث شيء منهما فيه وأجاب (قدس سره) عن ذلك.

نعم، ولكن هذا بالإضافة إلى لحاظ الحادث بالإضافة إلى أجزاء الزمان حيث يحتمل في كل منهما بقاؤه على عدمه إلى الزمان الثاني، ولكن المفروض عدم كون الحادث بهذا اللحاظ موضوع الحكم بل الموضوع للأثر الشرعي عدم كل منهما أو عدم أحدهما بخصوصه في زمان حدوث الآخر، وقد تقدم أن زمان الشك بهذا اللحاظ لا يحرز اتصاله بزمان اليقين وتعرضه (قدس سره)لذلك بصورة الإشكال والجواب لا تكون قرينة على كون مراده بزمان الشك زمان الوصف.









أقول: إن أراد (قدس سره) من اتصال زمان الشك بزمان اليقين ما ذكرنا في التوضيح فيرد عليه أن المعتبر في جريان الاستصحاب العلم بالحالة السابقة واحتمال بقائها في ظرف التعبد بالبقاء، وهذا الاحتمال حاصل في ناحية كل منهما بخصوصه حيث أي منهما لوحظ يحتمل بقاؤه على عدمه في زمان حدوث الحادث الآخر ولو لاحتمال تأخر حدوثه عن الحادث الآخر، ولم يظهر من خطابات النهي عن نقض اليقين بالشك أزيد من اعتبار هذا الاحتمال.









وإن أراد أنه يعتبر أن لا يتخلل بين زمان وصف اليقين وزمان الشك زمان يعلم فيه انتقاض الحالة السابقة بأن يكون المكلف في ظرف التعبد بالبقاء متيقناً بالإضافة إلى زمان وشاكاً بالإضافة إلى ما بعده وفي صورة العلم بالحادثين والشك في المتقدم والمتأخر لا يكون الأمر كذلك أي لا يحرز اتصال زمان الشك بزمان وصف اليقين؛ لأن ظرف التعبد ببقاء الحادث على عدمه زمان حدوث الآخر كما هو الفرض، وبما أن زمان حدوث الآخر مردد بين الزمانين فلو كان زمان حدوث الآخر هو الزمان الثاني يكون زمان الشك منقطعاً عن زمان اليقين بعدم الحادث بالزمان الثاني من الأزمنة الثلاثة التي أولها زمان اليقين بعدم كل منهما فيه.









فالجواب عن ذلك: أنه لا يعتبر في الاستصحاب تقدم اليقين بالشيء على الشك فيه فضلاً عن اتصال زمان نفس الشك أي الزمان الثاني بالأول بل المعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المكلف في ظرف التعبد على يقين من الشيء ويحتمل بقاؤه في ظرف التعبد بحيث لا يكون بالإضافة إلى ذلك الظرف علم بالانتقاض ولو كان عدم العلم بالانتقاض لتردد زمان الحادث الآخر الذي ظرف التعبد بين زماني الأول والزمان الثالث كما لو كان منشأ احتمال البقاء لتردد مكان المتيقن كما إذا علمنا بوجود زيد في البلد الفلاني وقد خرب طرفه الشرقي بحيث لو كان زيد فيه لمات بخلاف ما لو كان في طرفه الغربي فإنه في مثل ذلك يجري الاستصحاب في ناحية حياة زيد، وكذلك الحال في المقام.









وعلى الجملة لا موجب لرفع اليد عن الحالة السابقة وهو عدم الحادث إلى زمان اليقين بعدم بقائه على عدمه وهو الزمان الثالث من الأزمنة، وإذا كان الأثر لبقاء كل منهما على عدمه أثر يخالف الأثر للآخر فيقع التعارض بينهما، وأما مثل ما لو مات أخوان لأحدهما وارث من الطبقة الاُولى دون الآخر فيجري الاستصحاب في ناحية حياة من له وارث إلى زمان موت الآخر ويترتب عليه إرثه من أخيه الميت، ولا يجري الاستصحاب في ناحية حياة من ليس له وارث من الطبقة الاُولى لما تقدم من عدم الأثر لحياته حال موت أخيه، وكذا الحال فيما إذا مات الوالد المسلم وأسلم ولده الكافر ويشك في أن إسلام الولد كان قبل موت الوالد ليرث منه أو أنه أسلم بعد موته ليكون ما تركه لسائر ورثته فإن الاستصحاب في عدم إسلام الولد إلى زمان موت والده ينفي موضوع الإرث للولد، وهو ما إذا مات الوالد المسلم عن ولد مسلم بخلاف الاستصحاب في ناحية حياة الوالد إلى إسلام الولد فإنه لا يكون الموضوع لإرثه الولد فإنه لا يثبت موت الولد عن ولد مسلم وان الولد أسلم في حياة والده، وهل فيما إذا علم ملاقاة الماء للنجس وبلوغه كر أو شك في المتقدم من الملاقاة والكرية من هذا القبيل ولو فرض الجهل بتاريخهما بمعنى أن عدم حدوث أحدهما في زمان حدوث الآخر ذو أثر فقط ليجري الاستصحاب في بقائه على عدمه إلى زمان وجود الآخر بلا معارض أو أن عدم كل منهما في زمان الآخر ذو أثر فيسقط الاستصحابان في ناحية عدم حدوث كل منهما في زمان الآخر فيرجع في الماء إلى أصالة الطهارة والظاهر أنه مع الجهل بتاريخهما يحكم بنجاسة الماء المفروض؛ لأن ملاقاته للنجاسة محرزة بالوجدان ومقتضى الاستصحاب عدم صيرورته كراً حال حدوث الملاقاة فيحرز الموضوع لانفعاله كما هو مقتضى ما دل على تنجس الماء الذي ليس كراً بالملاقاة كما هو المفهوم من قولهم (عليهم السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء»(1) والاستصحاب في عدم ملاقاته النجاسة المفروضة إلى صيرورته كراً لا يثبت حدوث الملاقاة حين حدوثها أو بعد حدوثها.









ومما ذكرنا يظهر أنه لا مجال للاستصحاب في ناحية عدم كل منهما إلى زمان حدوث الآخر ليقال بتساقطهما والرجوع إلى أصالة الطهارة، وكذا لا مجال لما ذكر النائيني (قدس سره)من أن الملاقاة بعد حدوث الكرية لا يوجب انفعال الماء لا الملاقاة آن حصول الكرية والوجه في عدم المجال أن تقدم الموضوع على الحكم رتبي لا زماني حيث إن الحكم لا ينفك عن تمام الموضوع وإلاّ لا يكون تمام الموضوع له وتمام الموضوع للاعتصام كرية الماء يعني الماء الكر.









وربّما يقال: إنه لا مجال للاستصحاب في ناحية عدم الكرية إلى زمان الملاقاة؛ لأن الملاقاة إذا حصلت في الزمان الثالث من الأزمنة المتقدمة يكون نقض اليقين بعدم الكرية باليقين بالكرية حيث إنه لو كانت الملاقاة في الزمان الثالث لحصلت الكرية في الزمان الثاني لا محالة فيكون الاستصحاب في ناحية الكرية إلى زمان الملاقاة من التمسك بالعام في شبهته المصداقية حيث يحتمل كون الاستصحاب من نقض اليقين باليقين لا بالشك وهكذا الحال في الاستصحاب في ناحية عدم الملاقاة إلى زمان الكرية.









والجواب ما تقدم فقد ذكرنا في ردّ كلام الماتن في ترتيب الأزمنة الثلاثة من كفاية احتمال البقاء في جريان الاستصحاب ولا يعتبر الشك في البقاء على كل تقدير واحتمال البقاء في ناحية الماء زمان الملاقاة موجود بالوجدان لاحتمال حدوث الكرية في الزمان الثالث والشبهة المصداقية لا يعقل في صفات النفس؛ لأن علم النفس بها حضوري وإنما يتصور الشبهة المصداقية فيما كان علم النفس بها بصورها كالموجودات في موطن آخر، وعلى الجملة العلم بحصول الكرية في الزمان الثاني على تقدير كون الملاقاة في الزمان الثالث مع عدم العلم بحصولها في الزمان الثالث لا يكون علماً بانتقاض عدم كرية السابقة قبل الملاقاة كما تقدم في فرض العلم بموت زيد على تقدير كونه في الطرف الشرقي من البلد حيث لا يخرج العلم بموته على تقدير من نقض اليقين بالشك ومما ذكر يظهر الحال فيما لو علم بطهارة إناء زيد وتنجس إناء عمرو تفصيلاً ثمّ اشتبه الإناءان من أن كلاً من الإناءين بعد الاشتباه مجرى لاستصحاب الطهارة ولكنهما يسقطان بالمعارضة وليس هذا من قبيل الشبهة المصداقية لخطاب «لا تنقض اليقين بالشك» لأن المكلف في ظرف التعبد على يقين من طهارة كل منهما ويحتمل بقاءها في أي منهما بخصوصه لا في مجموعهما.

















[3] إذا علم بتحقق الحادثين وشك في المتقدم والمتأخر منهما مع العلم بتاريخ حدوث أحدهما فقد ذكر الماتن في ذلك صوراً:







الاُولى ـ ما إذا كان الأثر الشرعي المرغوب مترتباً على عنوان تقدم أحدهما على الآخر أو تقارنه مع الآخر أو تأخره عنه، وأنه يجري الاستصحاب في عدم تحقق هذا العنوان، وعدم وجود المقدم أو المقارن أو المؤخر بمفاد (ليس) التامة لو لم يكن في البين معارضة بأن لم يكن هذا العنوان في طرف الحادث الآخر موضوعاً للحكم بالخلاف أو كان غير هذا العنوان في طرف ذلك الحادث كذلك أي موضوعاً للحكم بالخلاف على قرار ما تقدم، وعلى الجملة العلم بتاريخ حدوث أحدهما لا يفترق عن صورة الجهل بتاريخهما في هذه الصورة.









الثانية ـ ما إذا كان الأثر مترتباً على مفاد (كان) الناقصة أي اتصاف أحد الحادثين بالتقدم أو التأخر أو التقارن بالآخر وقد ذكر عدم جريان الاستصحاب في هذه الصورة أصلاً؛ لأن اتصاف شيء من الحادثين بتلك العناوين غير مسبوق بالحالة السابقة وهذه الصورة لا تفترق من صورة الجهل بتاريخهما في الحكم بعدم جريان الاستصحاب حتى فيما لو كان الموضوع للحكم الاتصاف في ناحية أحدهما فقط بمفاد (كان) الناقصة، وقد ذكرنا فيما سبق أن هذا بالإضافة إلى إحراز الموضوع، وأما بالإضافة إلى نفيه يجري الاستصحاب في ناحية عدم اتصاف ونفيه كما هو مفاد السالبة بانتفاء المحمول فيحرز ولو كانت الحالة السابقة السالبة بانتفاء الموضوع.









الثالثة ـ فلم يتعرض لها في المقام وهي ما إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على الحادث إذا كان متصفاً بالعدم زمان الحادث الآخر كما هو مفاد القضية المعدولة، وقد تقدم أن الحال فيها كالحال في الصورة الثانية ولعله (قدس سره) تركها لذلك.









الرابعة ـ ما إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على عدم أحدهما بمفاد (ليس) التامة زمان وجود الآخر بأن كان الموضوع هو عدم أحدهما ولكن زمان حدوث الآخر فقد ذكر (قدس سره)جريان الاستصحاب في ناحية مجهول التاريخ وعدم جريانه في ناحية معلومه وأما جريانه في ناحية مجهول التاريخ لإحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه فإن تمام الزمان بعدم زمان العلم بعدمهما إلى زمان العلم بتاريخ حدوث الآخر زمان الشك بالإضافة إلى مجهول التاريخ كما إذا مات أخوان ليس لهما وارث من الطبقة الاُولى وعلم أن الأخ الأكبر قد مات يوم الجمعة، ولكن لم يعلم أن الأخ الأصغر مات يوم الخميس أو يوم السبت فإن الاستصحاب في بقاء الأخ الأصغر حياً إلى يوم الجمعة بل إلى يوم السبت يحرز به أنه يرث الأخ الأكبر فإنه قد مات يوم الجمعة وكان أخوه حياً في ذلك الزمان فيتم الموضوع لكونه وارثاً، وأما الأخ الأكبر فلا مجال للاستصحاب في حياته؛ لأنه قبل يوم الجمعة كان حياً قطعاً ويومها كان ميتاً قطعاً وبقاء حياته زمان موت أخيه الأصغر وإن كان محتملاً إلاّ أنه لم يحرز اتصاله بزمان يقينه حيث إنه لو كان زمان موت الأصغر يوم السبت لكان منفصلاً عن زمان اليقين بعدم موت الأكبر بزمان اليقين بموته وفيه ما تقدم من أن إحراز هذا الاتصال غير معتبر بل المعتبر احتمال البقاء في حياة الأخ الأكبر زمان موت الأصغر وهذا الاحتمال موجود لاحتمال موت الأصغر يوم الخميس.









وذكر النائيني (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في ناحية المعلوم تاريخه لا لما ذكر الماتن (قدس سره) أو غيره بل لأن خطابات الاستصحاب من أخبار «النهي عن نقض اليقين بالشك» ناظرة إلى التعبد ببقاء الحالة السابقة في عمود الزمان عند الشك في بقائها في الزمان ولا يكون في ناحية المعلوم تاريخه احتمال البقاء في عمود الزمان؛ لأن عدمه قبل التاريخ المحرز حدوثه فيه معلوم وعدم بقائه فيما بعده أيضاً معلوم.









لا يقال: الحادث المعلوم تاريخه وإن كان بالإضافة إلى أجزاء الزمان كذلك لكن بالإضافة إلى زمان الحادث المجهول تاريخه مشكوك.









فإنه يقال: إذا علم مثلاً إسلام الوارث عند غروب الشمس وتردد موت المورث بين أن يكون قبل الغروب أو بعده فإن قيد إسلام الوارث بزمان موت المورث، وقيل: إن إسلامه كذلك مشكوك فهو صحيح ولكن إسلامه المقيد بزمان موت المورث ليس لعدمه حالة سابقة، وإن اُريد عدم إسلامه في زمان من أجزاء الزمان وجد فيه موت المورث فهذا تعبير عن ملاحظة الحادث المعلوم تاريخه بحسب أجزاء الزمان وليس في ناحيته شك بالإضافة إلى زمان من تلك الأزمنة.









أقول: ملاحظة المعلوم تاريخه بالإضافة إلى زمان يضاف إلى موت المورث وبقاء إسلام الوارث على عدمه في ذلك محتمل ولو باحتمال موت المورث قبل الغروب، وبتعبير آخر أجزاء الزمان بالإضافة إلى إسلام الوارث متعين ولكن بالإضافة إلى موت المورث غير متعين، وإذا كان الأثر مترتباً على عدم إسلام الوارث زمان موت المورث فيحتمل بقاء عدم إسلام الوارث على عدمه في ذلك الزمان ولو بكون ذلك الزمان متقدماً على الغروب، وعلى الجملة لا فرق في جريان الاستصحاب في عدم الحادث بمفاد (ليس) التامة بين المعلوم تاريخه والمجهول تاريخه فإن كان لعدم كل منهما زمان الآخر أثر فالاستصحاب في ناحية عدم كل منهما معارض بالمثل فيتساقطان وإلاّ جرى في ناحية خصوص ما له أثر شرعي.









إذا ظهر ذلك فلنرجع إلى الفرع السابق ما إذا علم بحدوث الكرية للماء بإلقاء الماء القليل عليه شيئاً فشيئاً وعلم أيضاً بملاقاته للنجاسة وشك في المتقدم من الملاقاة وحدوث الكرية فهل يحكم بطهارة الماء في جميع الصور من الجهل بتاريخهما والعلم بتاريخ الكرية أوالعلم بتاريخ الملاقاة للرجوع بأصالة الطهارة بعد تساقط الاستصحاب في ناحية كل من عدم الملاقاة إلى زمان الكرية مع الاستصحاب في ناحية عدم الكرية إلى زمان الملاقاة حتى في صورة العلم بالكرية من حيث التاريخ أو الحكم بالطهارة في صورتين فقط:







إحداهما ـ الجهل بتاريخ كل من الكرية والملاقاة حيث إنه بعد تعارض الاستصحابين يرجع إلى أصالة الطهارة.









وثانيتهما ـ الجهل بتاريخ الملاقاة حيث يجري الاستصحاب في ناحية عدم الملاقاة إلى زمان الكرية، وأما الصورة الثالثة ـ وهي العلم بتاريخ الملاقاة فقط فإنه يحكم بنجاسته للاستصحاب في ناحية عدم الكرية إلى زمان الملاقاة وهذا القول مبني على عدم جريان الاستصحاب في ناحية المعلوم تاريخه وتعارض الاستصحابين في صورة الجهل بتاريخهما أو الحكم بنجاسة الماء في جميع الصور الثلاث، والتزم بذلك النائيني (قدس سره) وبنى الحكم بها على مقدمة ذكرها وهي أنه إذا ورد في الخطاب حكم إلزامي بنحو العموم الاستغراقي سواء كان ذلك مفاد العام الوضعي أو الإطلاق واستثنى من هذا العام عنوان وجودي بثبوت حكم ترخيصي له فالمتفاهم العرفي أنه يعتبر في رفع اليد عن ذلك في فرد إحراز انطباق عنوان المستثنى على ذلك الفرد كما إذا قال المولى لعبده: لا تأذن أحداً في الدخول عليَّ، ثم قال: لا بأس بدخول العالم، فيكون اللازم في إذن العبد للدخول إحراز أن المأذون عالم، وعليه في مسألة الشك في تقدم الكرية أو الملاقاة يحكم بنجاسة الماء مع الجهل بتاريخهما؛ لأن المعتبر في الحكم بعدم انفعال الماء حدوث الملاقاة بعد صيرورة الماء كراً والاستصحاب في عدم ملاقاة الماء إلى زمان الكرية لا يثبت حدوث الملاقاة بعد صيرورته كراً وأما في صورة الجهل بتاريخ الكرية فقط فيجري الاستصحاب في ناحية عدم كرية الماء وبقاء قلته إلى زمان الملاقاة، ولا يجري الاستصحاب في ناحية عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لوجهين:







أولهما ـ أنه لا يثبت الملاقاة بعد حدوث الكرية.









والثاني ـ أن الملاقاة معلومة التاريخ وأما في الصورة الثالثة يعين العلم بتاريخ الكرية فلا يجري الاستصحاب في ناحية عدم الكرية للعلم بتاريخها ولا في ناحية عدم الملاقاة لكونه مثبتاً حدوثها بعد الكرية ولا يحكم بأصالة الطهارة لما أسسه من القاعدة حيث إن حكم الشارع بالاجتناب عن الملاقي للنجس إلاّ الكر من الماء مقتضاه لزوم إحراز سبق الكرية على الماء.









وفيه: أنه لا يستفاد من قولهم (عليهم السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» أنه يعتبر في عدم انفعال الماء بالملاقاة سبق الكرية على الملاقاة زماناً بل مفاده اعتبار كرية الماء عند ملاقاته مع النجاسة وأيضاً ما ذكر (قدس سره) من أنه إذا ورد عام إلزامي واستثنى منه عنوان وجودي والحكم عليه بالترخيص مقتضاه لزوم إحراز العنوان الوجودي في ثبوت الحكم الترخيصي وعلى ذلك أيضاً بنى عدم جواز النظر إلى المرأة المشكوكة كونها من محارمه أو من الأجنبية حيث إن الشارع حكم بحرمة النظر إلى النساء إلاّ محارمه، وكذا فيما إذا شك في أن الدم أقل من الدرهم ليكون معفواً في الصلاة حيث يحكم بمانعية الدم في الثوب والبدن للصلاة إلاّ مع إحراز كونه أقل منه لا يمكن المساعدة عليه فإنه إن أراد أن الخارج عن الحكم الإلزامي واقعاً ما اُحرز فيه العنوان الوجودي فهو خلاف ظاهر الخطاب حيث إن المتفاهم العرفي من عناوين الموضوعات واقعها بلا فرق بين تلك الموارد وغيرها وإن اُريد فهم حكم ظاهري بالإضافة إلى الفرد المحتمل دخولها في العام أو الخارج منه ففيه أن الخطاب المفروض لا يتكفل إلاّ بيان الحكم الواقعي لا الظاهري والحكم الطريقي سواء كان وجوب الاحتياط في الفرد المشكوك أو غيره.

نعم، يلزم الاحتياط في مثل المرأة المشكوكة في كونها من المحارم ولكنه للاستصحاب في عدم كونها منها أما بالاستصحاب في العدم الأزلي أو بنحو الاستصحاب العدم المحمولي ومع الإغماض عما ذكرنا فلا يفيد ما أسسه في الحكم بنجاسة الماء عند الشك في تقدم الملاقاة وتأخرها مع العلم بتاريخ الكرية فإن هذه المسألة ليست من صغريات القاعدة لما ورد في جواز الاستعمال في الماء إذا لم يغلب النجاسة عليه واستثنى من هذا الترخيص الراكد إذا لم يبلغ قدر كر حيث ثبت فيه لزوم الاجتناب.









وقد ذكرنا الحكم بنجاسة الماء في جميع الفروض الثلاثة لما ذكرنا من جريان الاستصحاب في ناحية عدم الكرية عند حدوث الملاقاة المحرزة، وبتعبير آخر بقاء الماء على قلته زمان الملاقاة تمام الموضوع لتنجس الماء المحرز قلته في ذلك الزمان بالاستصحاب وملاقاته مع النجاسة بالوجدان من غير فرق بين الجهل بتاريخهما أو حتى العلم بتاريخ الكرية فإن زمان حدوث الكرية بالإضافة إلى حدوثها محرز، وأما بالإضافة إلى زمان الملاقاة غير محرز ولا يعارض هذا الأصل بأصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لعدم الشك في نجاسة الماء المفروض مع جريان الاستصحاب في عدم الكرية وبقاء الماء على قلته زمان الملاقاة فإن اُريد بالاستصحاب في عدم الملاقاة إلى زمان الكرية نفي الجزأين اللذين هما تمام الموضوع لنجاسة الماء فلا شك فيهما، وإن اُريد نفي المعية في حدوثهما فعنوان المعية غير مأخوذ في موضوع تنجسه بل الموضوع له ذات الجزأين بمفاد (واو) الجمع مع أن الاستصحاب في عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لا يثبت وقوع النجس الموجود في الماء عند كريته، ولو كان الاستصحاب في عدم ملاقاة الماء زمان عدم كريته النجاسة جارياً في الفرض لزم الحكم بطهارة الماء الملاقي للنجس حتى مع عدم العلم بكريته أصلاً بأن احتمل الكرية فيه عند ملاقاته؛ لأن الاستصحاب في عدم الملاقاة زمان قلة الماء في الفرض أيضاً يجري ويعارض بالاستصحاب في عدم الكرية زمان الملاقاة فيرجع إلى أصالة الطهارة بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما، وهذه المسألة سيالة تجري فيما إذا حدث أمران وكان الأثر مترتباً لعدمه زمان الآخر المعلوم حدوثه كما إذا انقضت العدة في المرأة المطلقة بطلاق رجعي وحصل الرجوع فيشك في أن الرجوع كان قبل انقضاء العدة أو بعد انقضائها فإنه على ما ذكرنا الرجوع محرز بالوجدان فيستصحب عدم انقضاء العدة في ذلك الزمان فيحكم بصحة الرجوع ولا يعارض باستصحاب عدم حصول الرجوع زمان العدة فإنه لو صحت هذه المعارضة لجرت فيما إذا حصل الرجوع مع الشك في انقضاء العدة فعلاً من غير علم بانقضائها؛ لأن الرجوع لم يكن في زمان فيحتمل بقاؤه على عدمه زمان العدة لاحتمال انقضائها عند حصول الرجوع، وكما يقال بأن الاستصحاب في هذه الموارد في ناحية عدم الرجوع زمان العدة يرجع إلى نفي المعية كذلك الكلام في مسألة العلم بالحادثين، وقد ورد في صحيحة زرارة الاستصحاب في ناحية الوضوء والحكم بصحة الصلاة مع ذلك الوضوء المستصحب مع أنه بناءً على المعارضة لا يمكن أن يقال نفس الصلاة محرزة بالوجدان والوضوء بالاستصحاب لجريان الاستصحاب في عدم الصلاة زمان الوضوء.

ودعوى أن الشك في الصلاة زمان الوضوء مسبب عن الشك في بقاء الوضوء زمان الصلاة فيكون الاستصحاب في ناحية الوضوء أصلاً سببياً حاكماً على الاستصحاب في ناحية تحقق الصلاة زمان الوضوء كما ترى لما تقدم من أن مجرد المنشئية لا تصحح الحكومة بل لابد في الحكومة من كون الترتب شرعياً فحصول الصلاة بالوضوء مع بقاء الوضوء عقلي.

والجواب الصحيح أن متعلق التكليف حصول ذات الأمرين في زمان واحد في موارد الجزء وحصول الصلاة زمان الوضوء كما في مراد الشرط وإذا أتى بالصلاة وتعبد الشارع بكونه زمان الوضوء تحقق متعلق التكليف.









لا يقال: فكيف يكون مورد التعارض في مسألة العلم بحدوث الحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما.









فإنه يقال: مورده أن يكون العنوان الواحد منطبقاً على كل من الحادثين، ويكون عدم كل منهما زمان حدوث الآخر موضوعاً لحكم يخالف حكم الآخر كما إذا مات أخوان ليس لهما وارث من الطبقة الاُولى وشك في المتقدم في الموت منهما.

فكما أن بقاء الأخ الأكبر زمان موت الأخ الأصغر موضوع لكونه وارثاً للميت أي الأخ الأصغر كذلك بقاء الأخ الأصغر على حياته زمان موت الأكبر موضوع لكونه وارثاً للأخ الأكبر وفي الفرض يقع التعارض في ناحية الاستصحاب في حياة كل منهما زمان موت الآخر، وفي مثل ذلك إذا لم يحرز الموت في ناحية أحدهما بخصوصه أصلاً بل احتمل ذلك يجري الاستصحاب في ناحية عدم موته زمان موت الآخر بلا معارضة، وكذلك إذا كان الأثر الشرعي مترتباً على عدم موت أحدهما بخصوصه زمان موت الآخر كما في موت أخوين لأحدهما بخصوصه وارث من الطبقة الاُولى دون الآخر فإنه يجري الاستصحاب في ناحية حياة الأخ الذي له وارث من الطبقة الاُولى زمان موت الآخر ولا يجري الاستصحاب في ناحية من ليس له وارث فإنه لا أثر لحياته عند موت أخيه حتى تحرز بالاستصحاب هذا بالإضافة إلى العنوان الواحد المنطبق على كل من الحادثين، وأما إذا كان ظاهر الخطاب الشرعي كون الشيء محكوماً بحكم عند حدوث الآخر ومحكوماً بحكم خلاف عدم حدوثه فإن اُحرز ذلك الشيء واُحرز عدم الآخر يثبت الحكم المترتب على ذلك الشيء عند عدم حدوث الآخر نظير كون ملاقاة النجس الماء منجساً له إذا لم يكن كراً على ما تقدم في مسألة الكرية والملاقاة ومسألة الرجوع في الطلاق زمان العدة أو بعد انقضائها.









لا يقال: الاستصحاب في عدم ملاقاة ما صار كراً إلى زمان بلوغه إلى حدّه ليس لنفي تنجس الماء ليقال: أنه قد اُحرز الموضوع لتنجسه بل الاستصحاب لإثبات كون الماء المفروض داخل في موضوع الماء المعتصم حيث إن الراكد المعتصم ما إذا وصل حد الكر ولم يلاق إلى بلوغه إلى ذلك الحد النجاسة فإنه يقال: قد اُحرزت ملاقاته النجاسة بالوجدان ومقتضى الاستصحاب قلته ذلك الزمان مع أن بلوغ الماء كراً موضوع للاعتصام بالإضافة إلى وقوع النجاسة فيه زمان كريته والاستصحاب في عدم وقوع النجاسة المفروضة فيه زمان قلته لا يثبت وقوعها فيه في زمان كريته.

















(1). وسائل الشيعة 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

































كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضاً فيما تعاقب حالتان متضادتان[1] كالطهارة والنجاسة وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في المقدم والمؤخر منهما







الثاني عشر ـ أنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب لابد أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم كذلك، فلا إشكال فيما كان المستصحب [2]







وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة [3]















في تعاقب الحالتين والشك في المتقدم منهما
















[1] بقي الكلام فيما إذا تعاقبت حالتان مختلفتان وشك في المقدم والمؤخر منهما كما إذا علم المكلف بالوضوء والحدث وشك في المقدم منهما والمؤخر منهما فقد ذكر الماتن (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في ناحية شيء منهما مع الجهل بتاريخهما من حيث الحدوث لعدم الحالة السابقة المحرزة اتصال زمان شكها بها وأن عدم جريانه ليس للتعارض بين الاستصحابين ومع العلم بتاريخ حدوث أحدهما فمقتضى ما ذكره جريان الاستصحاب في ناحيته لتعين الحالة السابقة فيه بخلاف المجهول تاريخه فإنه لا يحرز فيه اتصال زمان شكه بزمان يقينه والمحكي عن جامع المقاصد أنه مع اختلاف الحالتين يؤخذ بضد الحالة السابقة على الحالتين.









وذكر بعض الأعلام (قدس سره) في تقريبه ما حاصله أنه يعتبر في جريان الاستصحاب العلم بالحالة السابقة تفصيلاً أو إجمالاً وهذا العلم حاصل بالإضافة إلى ضد الحالة السابقة على الحالتين؛ ولذا يجري الاستصحاب في ناحيتها للشك في بقائها وغير حاصل بالإضافة إلى الحالة الموافقة ولذا لا يجري الاستصحاب في ناحيتها مثلاً إذا كان المكلف على حدث أصغر في أول النهار ثم علم بالوضوء والنوم بعد أول النهار وشك في أنه توضأ ثمّ نام فالآن محدث أو أنه نام ثمّ توضأ فالآن على طهر فيكون المكلف على علم بحصول الطهارة له بوضوئه ويحتمل بقاء تلك الطهارة فعلاً فيستصحب وأما بالإضافة إلى الحدث فلا مجرى للاستصحاب؛ لأنه إن اُريد الحدث أول النهار بأن يكون المستصحب نفس ذلك الحدث فقد علم بانتقاضه، وإن اُريد حدث آخر غيره فلا علم بحصوله؛ لأن العلم بالنوم مع احتمال كونه قبل الوضوء لا يوجب العلم بحدوث حدث آخر نعم يحتمل كونه بعد الوضوء فإنه على هذا التقدير حدث آخر ولكن ذلك مجرد احتمال لا يقين به.









لا يقال: العلم بالحدث عند نومه محرز فيستصحب ذلك الحدث سواء كان حدوثه من أول النهار أو عند النوم.









فإنه يقال: لا يمكن أن يكون هذا الاستصحاب شخصاً؛ لأن الحاصل بالنوم غير محرز والحاصل من الأول غير باق فيتعين أن يكون المستصحب من قسم الكلي أي طبيعي الحدث الأصغر من غير ملاحظة كونه من الأول أو بالثاني والاستصحاب في ناحية الطبيعي غير جار؛ لأنه يعتبر في جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي أن يكون الفرد المحتمل حدوثه متصلاً لارتفاع الفرد الأول أو مقارناً لحدوث الفرد الأول لئلا يتصل العدم في الطبيعي بين ارتفاع الفرد الأول وحدوث الفرد الثاني المحتمل حدوثه ولكن في المقام لو كان حدث آخر بالنوم غير الحدث الذي كان في أول النهار لكان الحدث الأصغر منفصلاً عن الأول بالوضوء في الوسط.









ثمّ إنه (قدس سره) ذكر إذا كان تاريخ حدوث إحدى الحالتين معلوماً فإن كان المعلوم تاريخها ضداً للحالة السابقة فيجري الاستصحاب في ناحيتها بلا معارض لعدم جريان الاستصحاب في ناحية المجهول تاريخها بعين ما تقدم وأما إذا كان المعلوم تاريخها موافقاً للحالة السابقة للحالتين فيجري الاستصحاب في ناحيتها وناحية المجهول تاريخه ويسقطان بالمعارضة فلابد في إحراز شرط الصلاة من الوضوء لها بمقتضى قاعدة الاشتغال.









أقول: لم يظهر الفرق بين ما كان الموافق للحالة السابقة معلوم التاريخ أو مجهوله فإنه إن اُريد مع العلم بتاريخ النوم يستصحب الشخص أي الحدث الحاصل بالنوم فلا علم بالحدث الحاصل بالنوم، وإن اُريد الحدث الحاصل بالسبب السابق فقد ارتفع ذلك الحدث قطعاً بالوضوء وإن اُريد استصحاب الحدث عند النوم فإنه قطعي بأي سبب حصل بالسابق أو النوم ليكون الاستصحاب فيه من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني فيجري هذا في فرض كونهما مجهولي التاريخ أيضاً فإنه كما يستصحب ضد الحالة السابقة لتمام ركني الاستصحاب فيه كذلك يجري في الموافق للحالة السابقة بأن يقال زمان النوم الحدث كان محرزاً ويحتمل بقاؤه ولو بكون ذلك الحدث حدوثه بذلك النوم.









والحاصل أن القسم الثالث من الكلي الذي منعنا في السابق جريان الاستصحاب فيه، والتزم القائل (قدس سره) بما ذكر جريانه فيه، ويعتبر في الجريان كون حدوث الفرد مقارناً لارتفاع الفرد المتيقن أو مقارناً لوجوده هو ما إذا كان اليقين بالطبيعي لليقين بالفرد المحرز انتفاؤه والشك في بقائه لاحتمال حدوث فرد آخر، وأما إذا كان اليقين بالطبيعي مع قطع النظر عن اليقين بالفرد السابق كما في المقام للعلم بكون المكلف محدثاً عند نومه فهذا داخل في القسم الثاني من الكلي، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب فيه شيء، ولذا جعل ما ذكر من الفرض من القسم الرابع من الاستصحاب في ناحية الكلي وإن كان الصحيح القسم الثاني هذا مع قطع النظر عن أن اختلاف موجبات الحدث الأصغر لا دخل له في الحدث بل المستصحب شخص الحدث الأصغر الذي كان عند النوم سواء كان تاريخ النوم معلوماً أو مجهولاً، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب فيه إلاّ احتمال بقاء ذلك الشخص ولو لاحتمال كون النوم بعد الوضوء.









لا يقال: قد تقدم انحلال هذا العلم الإجمالي وأن المكلف يعلم بارتفاع الحدث السابق على الحالتين، ويحتمل حدوث حدث آخر، ولا يقين به ليجري الاستصحاب في ناحية بقائه.









فإنه يقال: العلم بارتفاع الحدث الناشئ من الموجب السابق لا يمنع عن تحقق أركان الاستصحاب؛ لأن حدوث الحدث بموجب معين لا أثر له وإنما الأثر مترتب على الحالة التي كان عليها المكلف عند بوله سواء كان الحدث به أو بالموجب السابق، وإن تلك الحالة مما يحتمل بقاؤها فعلاً ولو لاحتمال كون الوضوء قبلها كما أن الأثر مترتب على الحالة التي يعبر عنها بالطهارة أو حالة الوضوء، ويحتمل بقاؤها لاحتمال كون الوضوء بعد البول.









ومما ذكرنا يظهر الحال أنه لو علم بحدوث ما يوجب النجاسة وما يوجب الطهارة لشيء وشك في المتقدم والمتأخر منهما مع العلم بأن الشيء المفروض كان قبلهما نجساً أنه لا عبرة بالعلم بالنجاسة السابقة لارتفاعه قطعاً ولكن يجري الاستصحاب في بقاء نجاسته التي كانت عند حدوث ما يوجبها ولو لاحتمال كونها بعد حدوث ما يوجب طهارته، ويتعارض مع طهارته التي كانت عند عروض ما يوجب طهارته فيرجع بعد ذلك إلى أصالة الطهارة بلا فرق بين العلم بتاريخ أحدهما أو الجهل بتاريخهما، وكل ذلك؛ لأن اليقين بوجود الشيء لا يرفع اليد عنه إلاّ باليقين بارتفاعه وعدم بقائه كما هو مقتضى أخبار النهي عن نقض اليقين إلاّ باليقين على خلافه واليقين بالخلاف بالإضافة إلى السابق على الحالتين، وأما بالإضافة إلى الحالة التي كانت عند حدوث الموجب ثانياً لتلك الحالة فلا يقين بارتفاعها، وإن لم يعلم بحدوثها بذلك الموجب غاية الأمر يكون الاستصحاب في الفرض من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد الذي تقدم جريانه لتمام أركان الاستصحاب فيه.

















في ما ورد في إهراق الإناءين مع انحصار الماء فيهما








بقي في المقام أمر وهو أنه قد ورد في إناءين يعلم المكلف بنجاسة أحدهما وليس له ماء آخر أنه يهريقهما ويتيمم(1)، وذكر جماعة منهم الماتن (قدس سره) أن الحكم الوارد أي التيمم للصلاة على القاعدة بحيث لولا النص لقلنا به أيضاً فإن المكلف بعد التوضؤمن كل منهما وأن يعلم أنه توضأ بوضوء صحيح كما إذا طهر أعضاء الوضوء قبل التوضؤبالماء الثاني إلاّ أنه يبتلي بالخبث الاستصحابي في أعضائه حيث يعلم عند التوضؤبالماء الثاني قبل جريان الماء على عضوه بنجاسة ذلك العضو أما بالماء الأول أو الثاني، وتلك النجاسة تستصحب بعد الوضوء بالثاني وتمنع عن الصلاة، ولكن لا يخفى أن مقتضى ما تقدم أنه كما يجري الاستصحاب في ناحية هذه النجاسة العارضة كذلك يجري في ناحية الطهارة المعلومة حصولها عند استعمال الطاهر من الماءين وبعد تساقطهما يرجع إلى أصالة الطهارة في الأعضاء، وأما الحدث فالمكلف على يقين من ارتفاعه عند التوضؤبالأول أو بالثاني.









نعم، يمكن أن يقال لا مجرى لأصالة الطهارة في الأعضاء؛ لأن المكلف عند غسل أول عضو بالماء الثاني يعلم إجمالاً نجاسة هذا العضو أو العضو الثاني الذي لم يغسل، وبعد تساقط أصالة الطهارة في كل منهما أيضاً لا يمكن الرجوع إلى أصالة الطهارة في الأعضاء بعد غسلها بالماء الثاني على ما هو المقرر في محله من أن زوال العلم الإجمالي بزوال بعض الأطراف لا يوجب جريان الأصل النافي الساقط من قبل في الطرف الباقي، وعلى ذلك يبقى احتمال تنجس الأعضاء مانعاً عن الصلاة، ولكن هذا المحذور يمكن علاجه بتكرار الصلاة بعد كل من الوضوء الأول والوضوء بالماء الثاني وبذلك يحرز الإتيان بالصلاة مع الطهارة من الحدث والخبث ولعل حكمة ما ورد من الحكم التعبدي بإهراق الماءين والتيمم للصلاة صعوبة هذا النوع من الاحتياط لنوع الناس أو عدم الابتلاء بتنجس الأعضاء بالإضافة إلى الصلاة التي لم يدخل وقتها.









لا يقال: كيف لا يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة بعد الوضوءين على ما تقدم فإن احتمال النجاسة في الأعضاء لا أثر له فإن المانع عن الصلاة هي نجاسة الثوب والبدن إذا كانت محرزة.









فإنه يقال: النجاسة المحتملة على تقديرها مانعة في أطراف العلم الإجمالي كما يشهد بذلك ما ورد في صحيحة زرارة(2) من أمره (عليه السلام) بغسل تمام الناحية من الثوب إذا علم إجمالاً تنجس موضع منها، وقد تقدمت هذه الصحيحة عند التعرض للأخبار الواردة في بيان اعتبار الاستصحاب، وربما يقال: أنه إذا أمكن تطهير أعضاء الوضوء بعد الوضوء بالماء الثاني ببقية الماء الأول يحرز طهارة الأعضاء من النجاسة المعلومة بالإجمال من قبل وإن احتمل تنجس الأعضاء ثانياً، ومعه لا حاجة إلى تكرار الصلاة بعد كل وضوء لعلمه بصحة أحد الوضوءين وجريان أصالة الطهارة في أعضائه لكون تنجسها ثانياً خارجاً عن طرفي العلم الإجمالي الأول.









ودعوى حصول العلم الإجمالي ثانياً أما بنجاسة العضو الذي غسله بالماء الأول أو العضو الذي لم يغسله ثانياً لا يمكن المساعدة عليها؛ لأن هذا العلم الإجمالي غير منجز لسقوط الأصل النافي في العضو الذي لم يغسله بالماء الأول ثانياً قبل ذلك بالمعارضة فهذا نظير العلم الإجمالي بعد ملاقاة طاهر لأحد طرفي العلم الإجمالي بالنجاسة حيث إن العلم الإجمالي الحاصل بنجاسة الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر للملاقي بالفتح لا أثر له لسقوط الأصل النافي في الطرف للملاقى بالفتح بالمعارضة مع الأصل النافي في ناحية نفس الملاقى بالفتح قبل حصول الملاقاة.









ثمّ إن مورد النص وإن كان إناءين من الماء الطاهر وقع قذر في أحدهما ولم يعلم أيهما ولم يجد المكلف ماءً آخر لكن الحكم يجري فيما إذا كان كلّ من الإناءين نجساً ووقع المطهر لأحدهما ولم يعلم الطاهر من المتنجس فإنه لا يحتمل تعين التيمم أو جوازه في مورد النص وتعين الوضوء في الفرض بما تقدم.

نعم، يفترق هذا المورد عن مورد النص في الملاقي لأحد الماءين فإنه في الفرض يحكم بنجاسته وفي مورد النص بالطهارة كما تقدم الكلام في ذلك في بحث الملاقي لبعض أطراف العلم، ولا فرق في فرض الحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما بين أن لا يعلم من الأول وقوع المطهر في أيهما وبين ما علم أولاً ما وقع فيه المطهر ثمّ اشتبه ذلك بغيره بأن علم وقوعه على إناء زيد ولكن اشتبه إناؤه بغيره كما لا فرق بين ما إذا علم وقوع المطهر على أحدهما خاصة أو احتمل وقوعه على كل منهما فإنه في جميع الفروض الثلاثة يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما، وقد منع المحقق النائيني (قدس سره) جريان الاستصحاب في بقاء الإناءين على نجاستهما بدعوى أن التمسك بأخبار لا تنقض في صورة العلم بطهارة أحدهما بالتعيين الخارجي أو بالعنوان من التمسك بالعام في شبهته المصداقية؛ لأن الملحوظ منهما يحتمل أن يكون نقض اليقين بنجاسته من نقضه باليقين بالطهارة لاحتمال كونه الإناء الذي علم طهارته عيناً أو بالعنوان المعين، ومنع أيضاً جريانه في فرض ما إذا علم إجمالاً بوقوعه على أحدهما لا بعينه بدعوى أن الاستصحاب أصل محرز يكون مفاده اعتبار العلم بالشيء ومع العلم بطهارة أحد الإناءين وجداناً لا يمكن اعتبار المكلف عالماً بنجاسة كل منهما ولكن لا يخفى ما في الدعويين أما الدعوى الاُولى فقد تقدم أن المعتبر في جريان الاستصحاب فعلية اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها وهذا حاصل في كل واحد من الإناءين مع لحاظه في نفسه والشبهة المصداقية في العلم والشك غير متصور، وأما الدعوى الثانية فلأن الاستصحاب ولو كان أصلاً محرزاً إلاّ أنه ليس من العلم الوجداني حتى يوجب العلم بالنجاسة في أحدهما العلم بطهارة الآخر كما لا يعتبر في مثبتاته كبعض الأمارات فلا منافاة بين أن يعتبر الشارع المكلف عالماً بنجاسة هذا الإناء ما دام يحتملها ويعتبره عالماً بها أيضاً ما دام يحتملها في الآخر منهما.

















الاستصحاب في صحة العمل عند الشك في مانعية شيء فيه








تنبيه: قد ذكر الماتن (قدس سره) في بحث دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين أنه قد يتمسك عند الشك في مانعية شيء للواجب الارتباطي باستصحاب الصحة وهو لا يخلو عن نقض وإبرام ويأتي تحقيقه في الاستصحاب ولكنه (قدس سره) لم يتعرض لذلك ونتعرض له تبعاً للشيخ (قدس سره) فنقول: الشك في المانع يكون بالشبهة الموضوعية تارة كما إذا شك في صلاته أنه زاد ركوعاً أم لا ففي هذا القسم يجري الاستصحاب في ناحية عدم صدور ذلك المانع ويحرز بذلك الامتثال فإنه كما يحرز حصول الشرط بالاستصحاب كما تقدم كذلك يحرز به عدم المانع حيث لا فرق بين شرط متعلق التكليف ومانعه في كون كل منهما مأخوذاً في متعلق الأمر، غاية الأمر في مورد الشرط القيد وجودي، وفي مورد المانع عدمه قيد وهذا الاستصحاب يجري حتى فيما كان الشك في مانعية الموجود بالشبهة الموضوعية كما إذا علم أنه كبر بعد ركوعه ولكن شك في أنها كانت بقصد الذكر بعد الركوع أو بقصد تكبيرة الإحرام فإن مقتضى الاستصحاب أنه لم يأت بها بقصد تكبيرة الإحرام، وكذا الحال فيما إذا شك في القاطع بالشبهة الموضوعية فإن الاستصحاب مقتضاه إحراز الامتثال بضم الوجدان إلى الأصل: لأن مقام الامتثال كمقام ثبوت التكليف قابل للتعبد.









وأما إذا كانت الشبهة حكمية فقد فصل الشيخ (قدس سره) بين الشك في مانعية شيء وقاطعيته والتزم بجريان الاستصحاب في الثاني وعدم جريانه في الأول، وإذا لم يعلم أن تكرار القراءة من أولها إلى آخرها مانع في الصلاة وذلك فإنه وإن قيل في الفرض باستصحاب الصحة بعد تكرارها حيث إنها كانت صحيحة قبل التكرار فيستصحب بقاؤها عليها إلاّ أن الاستصحاب غير صحيح فإنه إن اُريد استصحاب الصحة التأهلية فبقاؤها محرز حتى في موارد العلم بحصول المانع حيث إن الصحة التأهلية كون المأتي به من الأجزاء السابقة بحيث لو لحقت بها سائر الأجزاء بشرايطها وفقد موانعها تحقق متعلق التكليف والكلام والشك في لحوق سائر الأجزاء بشرايطها وعدم موانعها، وان اُريد الاستصحاب في الصحة الفعلية فلا علم بها ليجري الاستصحاب في ناحية بقائها؛ لأنها تحصل بتحقق تمام الأجزاء بشرايطها وفقد موانعها.









لا يقال: لا بأس بجريان الاستصحاب في ناحية عدم جعل المانعية للمشكوك.









فإنه يقال: هذا الاستصحاب معارض بعدم تعلق التكليف بالأجزاء مطلقاً على ما تقدم في بحث دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

نعم، إذا شك في قاطعية شيء فلا بأس بالاستصحاب في ناحية الهيئة الاتصالية التي كانت متحققة للأجزاء كما إذا شك في أن الضحك في غير صوت ظاهر قاطع للصلاة أم لا.









أقول: لا يكون شيء مانعاً أو قاطعاً إلاّ باعتبار عدمه في متعلق التكليف غاية الأمر يعتبر تارة عدمه عند الاشتغال بالأجزاء كالاستقرار المعتبر في أجزاء الصلاة وإما مطلقاً كترك القهقهة والتكلم والحدث حتى في الآنات المتخللة بين الأجزاء.

ودعوى أن مع اعتبار الهيئة الاتصالية في الأجزاء لم يعتبر عدم ما يسمى قاطعاً في نفس متعلق التكليف بل المأخوذ فيه تلك الهيئة الاتصالية التي يعد شيئاً واحداً لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا معنى لانقطاع الهيئة الاتصالية بدون أخذ عدم شيء في متعلق التكليف بوجه ولو اُغمض عن ذلك فيجري في الاستصحاب في ناحية تلك الهيئة الاتصالية ما تقدم في استصحاب الصحة فإن كان المستصحب في ناحية الهيئة الاتصالية الفعلية بين تمام العمل فذلك غير متيقن وبالإضافة إلى الأجزاء المأتي بها محرز ولكن لا يثبت تحققها في الأجزاء السابقة مع اللاحقة، وإن أراد ما تكون بين السابقة وما يأتي بعد ذلك حيث كانت هذه الهيئة محرزة قبل الإتيان بالقاطع المشكوك فالمتعين في الجواب أنه لا معنى لهذه القاطعية إلاّ أخذ عدم ذلك المشكوك في متعلق الأمر بالصلاة.









ولا يخفى أنّ ما ذكرنا عند الشك في مانعية الموجود بالشبهة الموضوعية يرجع إلى الاستصحاب في عدم تحقق المانع إنما يتم فيما أمكن إحراز أن الموجود ليس داخلاً في المانع كما مثلنا بزيادة تكبيرة الإحرام حيث إن تكبيرة الإحرام التكبيرة التي قصد بها الدخول في الصلاة وإذا جرى الاستصحاب في ناحية عدم قصده الدخول بها في الصلاة ينفي كونها تكبيرة الإحرام، وأما إذا لم يمكن ذلك الإحراز بأن كان إحراز عدم المانع بمفاد السالبة بانتفاء المحمول، ولم تكن لهذه القضية حالة سابقة وقلنا بأن الاستصحاب في العدم الأزلي غير جار حيث لا يحرز به مفاد القضية السالبة بانتفاء المحمول كما في اشتراط الصلاة بعدم كون الملبوس أو المحمول مما لا يؤكل لحمه فالاستصحاب في عدم لبس أو حمل ما لا يؤكل لا يثبت أن الملبوس أو المحمول ليس مما لا يؤكل.

نعم، لو قلنا باعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي وإحراز مفاد السالبة بانتفاء المحمول به صح الاستصحاب كما أوضحنا كل ذلك في بحث الصلاة في اللباس المشكوك.









وعلى الجملة تارة يكون صرف وجود الطبيعي مانعاً عن تحقق المأمور به بحيث لو اضطر إلى فرد من ذلك الطبيعي لم يتحقق المأمور به أو سقط الطبيعي عن المانعية، وفي هذا الفرض يمكن عند احتمال وجود منه مع المأتي به يمكن إحراز عدم الطبيعي بالاستصحاب، ويترتب على ذلك أنه مع الاضطرار إلى ارتكابه وعدم سقوط التكليف بالمأمور به بذلك لا يفترق ارتكاب القليل أو الكثير، وأما إذا كان مانعية الطبيعي انحلالية فلا يجدي الاستصحاب في عدم تحقق المانع في إثبات عدم مانعية الموجود المشكوك بل لابد من جريان الأصل في ناحية نفس الموجود المشكوك.

















[2] ذكر (قدس سره) أنه كما يجري الاستصحاب فيما كان المستصحب حكماً شرعياً فرعياً أو كان موضوعاً له سواء كان ذلك الموضوع من الاُمور الخارجية كالاستصحاب في ناحية كون المايع خمراً أو من الاُمور اللغوية كالاستصحاب في ناحية بقاء اللفظ على ظهوره الأولي الموضوع للحجية كما في موارد أصالة عدم النقل كذلك يجري فيما كان المستصحب من الاُمور الاعتقادية فإن الاُمور الاعتقادية على نحوين:







ــ قسم يكون المطلوب فيها التسليم قلباً وعقد القلب والبناء القلبي عليه وهذا النحو من فعل النفس في مقابل العمل بالجوارح كالاعتقاد بالحشر بخصوصياته حيث يمكن تسليم النفس لها ولو من غير العلم بتلك الخصوصيات.









ــ وقسم يكون المطلوب فيها معرفتها وتحصيل اليقين بها كوجوب معرفة الإمام عليه من غير فرق بين كون هذا الوجوب عقلاً أو شرعاً.









وعلى ذلك فلو شك في وجوب الاعتقاد بشيء أو وجوب المعرفة وتحصيل اليقين به فيستصحب وجوبهما مع كون الحالة السابقة وجوبهما ولو شك بنحو الشبهة في الموضوع فإن كان المطلوب في ذلك الأمر الاعتقاد والتسليم به قلباً فلا بأس بالاستصحاب في ناحيته بخلاف ما إذا كان المطلوب معرفته واليقين به فلا يجري مثلاً إذا شك في حياة الإمام (عليه السلام) وجب تحصيل العلم بحياته ولا يجري الاستصحاب في حياته من هذه الجهة ولو فرض عدم إمكان تحصيل العلم به ولو في زمان فمع جواز التنزل إلى الظن تعين تحصيله وإلاّ سقط وجوب المعرفة ما دام غير متمكن وعلى ذلك فالاستصحاب يفيد في هذا القسم أيضاً فيما كان موجباً للظن بالبقاء مع جواز التنزل إلى الظن مع عدم إمكان تحصيل اليقين وجريان الاستصحاب فيما ذكر لا ينافي كونه أصلاً عملياً فإن معنى كونه أصلاً عملياً أنه ليس من الدليل الاجتهادي لا أنه يختص جريانه بموارد العمل بالجوارح ولا يجري في مورد الاعتقاديات.









أقول: الظاهر عدم جريان الاستصحاب في الموضوعات اللغوية فإن الاستصحاب في ناحية بقاء الوضع الأول لا يثبت ظهور اللفظ في معناه الاستعمالي وكذلك لا يعيّنه الاستصحاب في ناحية بقاء ظهوره التصوري حيث إنه لا يثبت أن المتكلم قصده في استعماله اللفظ والحجية مترتبة على الظهور الاستعمالي في كلام المتكلم اللازم لظهوره التصوري عادة مع كونه في مقام التفهيم، وأصالة عدم النقل المحرز به المدلول الاستعمالي في مقام التفهيم في نفسها أصل عقلائي لم يردع عنها الشارع ولذا يؤخذ بها حتى مع الالتزام بعدم اعتبار الاستصحاب.









وأما ما ذكر من جريان الاستصحاب في ناحية التكليف الاعتقادي عند الشك في بقائه بنحو الشبهة الحكمية سواء كان المطلوب مجرد الاعتقاد والتسليم قلباً أو كان المطلوب تحصيل المعرفة واليقين به فمبني على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وإذا كان بنحو الشبهة في الموضوع فالاعتقاد والتسليم به قلباً على ما هو الواقع ممكن ولا يفيد الاستصحاب في ناحيته ولا يصحح الاعتقاد التفصيلي بل دليل على لزومه، وكذلك ما إذا كان المطلوب معرفة ذلك الشيء واليقين به؛ لأن كون الاستصحاب علماً بالبقاء بالإضافة إلى كونه طريقاً يثبت به البقاء في موارد كون العلم طريقاً محضاً أو مأخوذاً في الموضوع طريقاً لا فيما وجب تحصيل اليقين والعلم به وصفاً كما هو الحال في المقام.

















[3] ذكر (قدس سره) أنه لا مجرى للاستصحاب في نفس النبوة الثابتة للنبي بناءً على أن النبوة مرتبة من كمال النفس بحيث لو كانت بتلك المرتبة يوحى إليها ما دام صاحبها في دار الدنيا سواء لم يمكن نزول النفس عن تلك المرتبة أو أمكن نزولها عنها كسائر الصفات والملكات الحاصلة للنفس بالرياضات والمجاهدات النفسانية فإن عدم الجريان في الأول لعدم الشك في البقاء وعلى الثاني لعدم أثر شرعي للنبوة يراد بالاستصحاب ترتيبه عليها لا كونها بنفسها مجعولة شرعاً.

نعم، لو قيل بأن النبوة من المناصب المجعولة نظير الولاية المعطاة للمتولي وأن كمال نفس الشخص خصوصية يستحق بها هذا الجعل والإعطاء فيجري الاستصحاب في ناحيتها فيما لو كان لبقائها أثر ولو كان عقلياً يمكن ترتيبه عليها بأن يكون ذلك الأثر العقلي ثابتاً للأعم من النبوة ولو كانت ظاهرية كوجوب إطاعته في أوامره ونواهيه.









ولكن جريان الاستصحاب فيها موقوف على ثبوت اعتبار الاستصحاب بدليل غير منوط ذلك الدليل بثبوت النبوة له وإلاّ يكون التمسك بالاستصحاب فيها دورياً.









أقول: الصحيح عدم جريان الاستصحاب في نبوة شخص حتى بناءً على أنها منصب مجعول؛ لأن المطلوب في مورد نبوة شخص كإمامة الإمام هو معرفته وتحصيل العرفان به والتصديق بما جاء به أو أبلغه من التكاليف والأحكام ومع التمكن من معرفتها في شخص من جهة البقاء والارتفاع يجب تحصيل المعرفة ومع عدم التمكن فرضاً يسقط التكليف ما دام غير متمكن، وإن وجب الاعتقاد بما هو الواقع في هذا الحال أيضاً على نحو الإجمال على ما تقدم.









وأما الاستصحاب في الأحكام الثابتة في تلك الشريعة فإن اُريد الاستصحاب في بعض أحكامها بعد الفحص عن بقائها وارتفاعها والشك في بقائها فمبني على اعتبار الاستصحاب في ناحية الأحكام والتكاليف في الشبهة الحكمية، وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث الاستصحاب في أحكام الشريعة السابقة، وإن اُريد الاستصحاب في جميعها فالاستصحاب غير جار إلاّ بعد الفحص عن زوالها ولو بالنظر إلى أدلة نبوة النبي اللاحق ومعجزاته، ولو فرض الشك بعد ذلك يكون الاستصحاب موقوفاً على ثبوت اعتباره في كلتا الشريعتين وغير منوط بإحداهما خاصة فإن اعتباره إن كان منوطاً بالشريعة السابقة يكون التمسك به دورياً، وإن كان بالثاني يلزم من الأخذ به الخلف فيتعين على الشاك الاحتياط في تكاليف الشريعتين هذا فيما كان تمسك الكتابي بالاستصحاب إقناعياً، وأما إذا أراد إلزام المسلم فلا يلزم بالاستصحاب المسلم لا بالإضافة إلى الاستصحاب في نفس النبوة، ولا بالإضافة إلى بقاء أحكام الشريعة السابقة فإن المسلم لم يعرف النبي السابق في صدق نبوته والأحكام التي أتى بها إلاّ بإخبار النبي اللاحق وتصديقه في أخباره وكتابه الذي أتى به من اللّه ومع هذا اليقين لا شك له في البقاء، ومع الغض عن هذا اليقين وفرض الشك في ذلك لا علم له بنبوة النبي السابق وصدق شريعته حتى تستصحب، ولعل ما حكى من قوله (عليه السلام) من أنا معترفون بنبوة كل موسى وعيسى إذا أقر بنبوة نبينا (صلّى الله عليه وآله)وننكر نبوة كل من لم يقر بنبوة نبينا يرجع إلى ما ذكر فلا يرد من أن موسى أو عيسى لم يكن كلياً بل شخصاً خارجياً اعترف المسلمون وغيرهم بنبوته.

















(1). انظر الكافي 3: 10.









(2). تهذيب الأحكام 1: 432، الباب 22، الحديث 8.

































الثالث عشر ـ أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام[1] لكنه ربما يقع الإشكال والكلام







الرابع عشر ـ الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلاً عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب [2]















في التمسك بالعام بعد ورود التخصيص فيه في زمان
















[1] قد تقدم أنه مع الدليل الاجتهادي في مورد ولو كان عاماً أو مطلقاً يقتضي عموم الحكم لا تصل النوبة إلى الاستصحاب حيث إنه أصل عملي ولكن ربما يقع الكلام في أن للعام أو المطلق دلالة في المورد لئلا يبقى للاستصحاب موضوع أو أنه لا دلالة لهما على حكم المقام ليكون فيه مجال للاستصحاب على تقدير تحقق أركانه، وقد ذكر الماتن (قدس سره) أنه ربما لا يكون مدلول العام بالإضافة إلى الأزمان انحلالياً بأن يستفاد منه بالإضافة إلى كل واحد من أفراده حكم واحد استمراري كما يقال في مفاد قوله سبحانه: (أوفوا بالعقود) من أن كل ما يوجد من العقد في الخارج يحكم عليه بلزوم الوفاء به في عمود الزمان بحيث ينتزع منه لزوم ذلك العقد وقد يكون مدلوله انحلالياً حتى بالإضافة إلى الأزمان لأفراده بحيث يستفاد منه الحكم لكل من أفراده في كل من الأزمنة كما إذا ورد في الخطاب أكرم كل عالم في كل زمان أو أشبع كل جائع.









والخاص الوارد على خلاف حكم العام أيضاً على قسمين:







ــ فتارة يكون الزمان ظرفاً لحكمه كما ورد في الخطاب إذا اشتريت متاعاً فيه عيب لا تعلمه فلك الخيار في رده.









ــ واُخرى يكون الزمان فيه مفرداً بأن يؤخذ الزمان فيه قيداً للمتعلق أو الموضوع كما ورد لا تكرم زيد العالم يوم الجمعة، وعلى ذلك فلو كان الحكم في ناحية العام حكماً استمرارياً لكل فرد والزمان في ناحية الخاص ظرفاً للحكم بالخلاف ففي صورة الشك في بقاء حكم الخاص بعد زمان في كونه على حكم العام أو أنه على حكمه السابق لا يمكن التمسك بالعام في ثبوت حكمه له: لأن العام لا يتكفل لعود الحكم بعد انقطاعه بل مدلوله ثبوت حكم واحد مستمر بحسب عمود الزمان ومدلول خطاب الخاص أو دليله خروج الفرد الفلاني عن العام بعدم ثبوت ذلك الحكم الواحد المستمر له، وعلى الجملة خطاب العام لا يتكفل لبيان حكمين لكل فرد من أفراد العام بل مدلوله ثبوت حكم واحد مستمر، وبعد خروج فرد من ذلك العام يتمسك بعد زمان اليقين بالاستصحاب في بقاء الحكم الخاص هذا فيما إذا كان مدلول الخطاب في ناحية الخاص انقطاع حكم العام في ذلك الفرد، وأما إذا كان مدلوله في ناحيته خروج فرد عن العام من الأول وكان من حيث استمرار خروجه وعدمه مجملاً فيمكن التمسك بالعام بالإضافة إلى غير زمان اليقين فيه فيكون زمان ثبوت حكم العام واستمراره في ذلك الفرد بعد انقضاء مقدار مدلول خطاب الخاص مثلاً يصح التمسك بعموم أوفوا بالعقود لو خصص بخيار المجلس ونحوه فيما إذا شك في مقدار ثبوت هذا الخيار من حيث الزمان ولا يصح التمسك به فيما إذا شك في مقدار الخيار فيما إذا ثبت لا في زمان حدوث العقد فإنه إذا انقطع حكم العام في الوسط يستصحب في ناحية الخيار الثابت في الأثناء لما ذكرنا من عدم تكفل العام لحكمين لفرد من أفراده.

ومما ذكر يظهر أنه لو كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الثاني بأن يكون الزمان مفرداً في ناحية كل من العام والخاص يتمسك في غير مدلول الخاص بعموم العام بلا إشكال حيث إن العام يتكفل لثبوت الحكم لذلك الفرد في ذلك الزمان وغيره من الأزمنة ولم يدلّ الخاص على خلافه.









وأما إذا كان مفاد العام بالنحو الأول أي ثبوت حكم واحد مستمر لكل من أفراد العام ومفاد خطاب الخاص بنحو أخذ الزمان قيداً فلا يمكن التمسك بالعام في غير زمان دلالة الخاص كما أنه لا يجري الاستصحاب في ناحية حكم الخاص المفروض فيه أخذ الزمان قيداً لحكمه لكون ذلك من إسراء حكم من موضوع إلى غيره.









نعم، إذا كان الأمر بالعكس بأن كانت دلالة العام بالإضافة إلى الأزمنة أفرادياً والزمان في ناحية حكم الخاص ظرفاً يكون المرجع بعد انقضاء الزمان المفروض ظرفاً للخاص عموم العام لدلالته على حكمه فيه من غير أن يكون في البين ما يدلّ على خلافه اللّهم إلاّ أن يسقط العام عن الاعتبار بوجه فإنه يكون المرجع الاستصحاب في ناحية حكم الخاص؛ لأن المفروض أن الزمان في ناحية حكم الخاص مأخوذ بنحو يصح الاستصحاب في ناحيته.









وقد ظهر أن ما عن الشيخ (قدس سره) من جعل المعيار في التمسك بالعام بما إذا كان مفاده بالإضافة إلى الأزمنة في أفراده أفرادياً وفي جريان الاستصحاب في ناحية حكم الخاص بما إذا لم تكن دلالة العام بالإضافة إلى الأزمان أفرادياً بل حكماً واحداً استمرارياً غير صحيح على إطلاقه.









أقول: قد يورد على ما ذكره (قدس سره) في القسم الأول يعني ما إذا كان الزمان في كل واحد من حكم أفراد العام وحكم الخاص ظرفاً بأن يثبت في ناحية كل فرد من أفراد العام حكماً مستمراً من حيث الزمان والحكم في ناحية الخاص أيضاً ثابتاً للفرد في زمان فإنه (قدس سره)حكم في هذا القسم في زمان الشك إلى الاستصحاب في ناحية حكم الخاص في ذلك الزمان إلاّ فيما كان التخصيص في ذلك الفرد في أول زمان حدوثه وأنه يؤخذ بحكم العام فيه بعد انقضاء الزمان الأول بما حاصله أن استمرار الحكم في ناحية أفراد العام يستفاد تارة من نفس خطاب العام الدال على ثبوت الحكم لكل من أفراده كما في قوله سبحانه (أوفوا بالعقود) فإن مفاده ثبوت وجوب الوفاء بكل واحد من أفراد العقد مستمراً، وفي مثل ذلك خروج فرد من أفراد العقد في زمان ولو كان أول زمان حدوثه فلا يمكن التمسك بالعام المفروض بالإضافة إلى ذلك الفرد بعد انقضاء أول الزمان فإن مدلول العام ثبوت حكم واحد لكل فرد من أفراد العقد من حين حدوثه مستمراً ولم يثبت هذا الحكم للفرد المفروض.

نعم، لو كانت دلالة العام على ثبوت أصل الحكم لكل فرد من أفراده بخطاب واستفيد استمرار ذلك الحكم لأفراده من خطاب آخر كما في قوله سبحانه (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)(1).







حيث إن ظاهره وجوب الإمساك لكل مكلف عند طلوع الفجر وقوله سبحانه (ثمّ أتموا الصيام إلى الليل)(2) ففي مثل ذلك لو خرج فرد عن تحت العام في زمان فيمكن التفصيل بأنه لو كان الخروج في الوسط فلا يمكن الأخذ بالإضافة إلى الإمساك بعد ذلك الزمان الوسط بخلاف خروج فرد في الأول كما إذا كان المكلف عطشاناً عند طلوع الفجر بعطش يضر بحاله فإنه يمكن أن يتمسك بالعام الثاني في إثبات وجوب الإمساك عليه مما بعد الفجر إلى دخول الليل.

أقول: الظاهر عدم الفرق بين الخروج من الأول والوسط فإن مع خروج فرد عن تحت العام الأول في الزمان الأول لا يبقى للعام الثاني موضوع في ذلك الفرد فإنه إذا لم يكن على المكلف الإمساك عند طلوع الفجر فكيف يعمه ما دل على الأمر بإتمام الإمساك إلى الليل، وعلى الجملة غاية ما يمكن أن يقال بناءً على أن العام إذا تضمن حكماً واحداً مستمراً لا يمكن التمسك به بعد زمان يكون خروج فرد فيه عن حكمه مفاد خطاب الخاص هو الالتزام بأن مدلول خطاب الخاص إن كان بالإضافة إلى زمان حدوث الفرد ولم يكن له دلالة على استمرارية الحكم المخالف للعام وعدمه فلا يمكن التمسك في ذلك الفرد بخطاب العام أصلاً، وأما إذا كان مدلول خطاب الخاص أو المتيقن من مدلوله خروجه في الأثناء يؤخذ بحكم العام فيه إلى زمان ثبوت حكم الخاص كما إذا علم بثبوت خيار العيب عند ظهور العيب وشك في لزوم العقد وكونه خيارياً قبل ظهوره فإن لم يكن لدليل الخيار إطلاق يثبت كونه خيارياً من الأول يحكم بلزومه إلى زمان ظهور العيب، ولكن الصحيح جواز التمسك بالعام بعد انقضاء زمان قام الدليل على ثبوت حكم مخالف لحكم العام فيه من غير فرق بين أن يكون مدلول العام حكماً انحلالياً بالإضافة إلى الأزمان أيضاً في ناحية الأفراد أو كان مدلوله بالإضافة إلى كل فرد حكماً واحداً مستمراً، وذلك فإن قيام الدليل على التخصيص لا ينقض المدلول الاستعمالي العام بل يكشف عن عدم كون المدلول الاستعمالي مطابقاً للمراد الجدي في مقدار دلالة الدليل المختص، وعلى ذلك لو ورد الدليل على جواز بيع في أول الأزمنة أو أثنائها فلا يكشف عن عدم كون المدلول الاستعمالي في ناحية العام مطابقاً لمقام الثبوت بالإضافة إلى زمان حكم الخاص فيترك أصالة التطابق بالإضافة إلى ذلك المقدار ويؤخذ به في باقي الأزمنة.









لا يقال: المفروض ثبوت حكم واحد مستمر لكل فرد من العقد وإذا ورد التخصيص على وجوب الوفاء به في عقد في الأثناء فلا يكون لذلك العقد على تقدير وجوب الوفاء به بعد ذلك الزمان حكم واحد مستمر أي لزوم واحد بل يكون فيه لزومان.

فإنه يقال: قد تقدم أن المدلول الاستعمالي للعام لا يخرج عن الوحدة بورود التخصيص عليه في الوسط والوحدة فيه ثبوتاً لازم لعدم انقطاع ذلك الحكم ثبوتاً بحسب الأزمان فمع قيام الدليل على الانقطاع ثبوتاً فلا بأس بالالتزام بالتعدد.









وبتعبير آخر الفرد من العام في عموم الزمان بالإضافة إلى وجوب الوفاء به كالأفراد العرضية للعام المجموعي في أنه كما لا يوجب إخراج بعض الأفراد سقوط العام المجموعي عن الاعتبار بالإضافة إلى البقية كذلك خروج بعض الأزمنة في الفرد من عمود الزمان ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يستفاد العموم المجموعي من أداة العموم أو من الإطلاق كما لا فرق بين أن يستفاد العموم الانحلالي من أداة العموم أو من الإطلاق.









وقد ذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن كون مدلول خطاب العام حكماً استمرارياً يتصور على نحوين:







الأول ـ أن يكون الزمان ظرفاً لمتعلق الحكم والتكليف بأن يلاحظ الفعل في عمود الزمان فعلاً واحداً تعلق به الحكم والتكليف.









والثاني ـ يكون الزمان ظرفاً لنفس الحكم والتكليف بأن اعتبر نفس الحكم والتكليف حكماً وتكليفاً واحداً مثلاً إذا لوحظ الإمساك من طلوع الفجر إلى دخول الليل فعلاً واحداً وتعلق به التكليف يكون بالنحو الأول، وأما إذا تعلق الوجوب بالامساكات واعتبر نفس الوجوب المتعلق بها تكليفاً واحداً يكون بالنحو الثاني ونتيجة هذين النحويين بحسب الواقع وإن كانت واحدة إلاّ أنه يختلف الحال بحسب اختلاف مدلول الخطاب فيما إذا قام الدليل على التخصيص في فرد العام في زمان فإنه مع ورود التخصيص فيما كان مدلول العام على النحو الأول يمكن التمسك بخطاب العام في كون حكم العام في ذلك الفرد بحاله غاية الأمر قد استثنى عن نفس الإمساك المتعلق به الوجوب الإمساك في زمان بخلاف ما إذا كان الاستمرار طارئاً على الحكم على النحو الثاني فإنه بعد ورود التخصيص في زمان في فرد لا يمكن التمسك بخطاب العام وإثبات حكمه بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان؛ لأن الحكم المجعول كان واحداً على الفرض وقد انقطع بالتخصيص ولا دلالة لخطاب العام إلاّ على الحكم المقطوع ووجه كلام الشيخ (قدس سره) في بحث الخيارات من المكاسب في الرجوع إلى عموم (أُوفو بالعقود)لا إلى استصحاب حكم الخاص بأن الآية مدلولها من قبيل النحو الأول: لأن الوفاء بالعقد عبارة عن إتمام العمل بالعقد والاستمرار عليه فيكون الاستمرار راجعاً إلى المتعلق لا إلى نفس الحكم.









أقول: قد تقدم أن ورود الدليل الخاص لا يوجب قلب الظهور الاستعمالي للعام سواء كان الاستمرار ملحوظاً في ناحية الفعل أو نفس الحكم وليس هذا الظهور أمراً مراعى بل كونه مورداً لأصالة التطابق أي كشفه عن عموم المراد الجدي مراعى بعدم قيام الدليل على التخصيص ويرفع اليد مع قيام الدليل على التخصيص عن أصالة التطابق بمقدار دلالة الدليل الخاص، والمفروض أن مقدار دلالته هو ما يدخل في مدلول الدليل الخاص فيكون المقام نظير ما قام المكلف بصيام شهر رمضان أثناء النهار فإنه في زمان نومه ينقطع تكليفه بالصوم مع أنه يعود بعد الانتباه لا أنه بعد الانتباه يثبت في حقه وجوب آخر على ما تقدم.









وقد ظهر مما تقدم جواز التمسك بالعام سواء كان انحلالياً من حيث الأزمان أو كان الحكم الثابت لكل من أفراده حكماً استمرارياً واحداً من غير فرق بين ملاحظة الاستمرار والوحدة في ناحية الحكم أو في ناحية متعلقه وأنه إذا ورد التخصيص للعام في زمان فلا يكون ذلك موجباً لانقلاب الظهور الاستعمالي بل يكشف عدم التطابق بينه وبين المراد الجدي بالإضافة إلى ذلك الزمان ويؤخذ بها في غيره بل لا يختص ذلك بالعام الوضعي ويجري فيما إذا استفيد العموم من الإطلاق انحلالياً كان بالإضافة إلى الأزمنة أو مستفاداً منه الاستمرار.









وبقي في المقام أمر آخر وهو ما إذا شك في استمرار جعل الحكم بمعنى إلغائه بالإضافة إلى عمود الزمان حيث يذكر أنه لا يمكن التمسك في ناحية استمرار الجعل وعدم إلغائه بالخطاب الدال على ثبوت ذلك الحكم وبقائه على الجعل سواء كان ذلك الخطاب بالإضافة إلى عمود الزمان انحلالياً أو استمرارياً؛ لأن الخطاب المتكفل لحكم لموضوع لا يمكن أن يتكفل لعدم إلغائه فيما بعد بل لابد في إثبات استمرار الجعل التشبث بالاستصحاب أو قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الحلال والحرام فقال: «حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيمة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيمة لا يكون غيره ولا يجيء غيره، وقال قال علي (عليه السلام): ما أحد ابتدع بدعة إلاّ ترك بها سنة»(3).







ولكن الظاهر جواز التمسك بالظهور الاستعمالي أي أصالة التطابق مع مقام الثبوت حتى في موارد الشك في بقاء الجعل من غير حاجة إلى استصحاب عدم النسخ أو خطاب الاستمرار في أحكام الشريعة وذلك فإن النسخ في أحكام الشريعة مرجعه إلى التخصيص في الحكم بالإضافة إلى الأزمان، ومع عدم ثبوت القرينة على أن مقام الثبوت على خلاف أصالة التطابق يؤخذ بها.

نعم، يمكن الدعوى المذكورة بالإضافة إلى خطاب الحكم المجعول من حاكم يتصور فيه النسخ بمعناه الحقيقي وأما بالإضافة إلى الشارع فيرجع إلى التخصيص بحسب الأزمان في الحكم المدلول عليه خطابه أو إلى التقييد بحسبها وكل منهما يدفع بأصالة التطابق في العموم والإطلاق بحسب الأزمان بل لا يبعد أن يقال ما جرت عليه سيرة العقلاء من عدم رفع اليد عن خطاب الحكم المجعول واستمراره بحسب الأزمان ما لم يصل من المولى ما يدلّ على رفع المولى يده عن الحكم المجعول.

















[2] قد ذكر الماتن (قدس سره) أنّ ظاهر الشك الوارد في أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك هو خلاف العلم واليقين كما هو ظاهر كلمات الأصحاب أيضاً فيجري الاستصحاب مع الظن بالخلاف فضلاً عن صورة الظن بالوفاق، ويشهد لكون المراد بالشك ما ذكر مضافاً إلى كون معناه خلاف العلم لغة وتعارفه استعماله في الأخبار في أبواب مختلفة كالأخبار الواردة في يوم الشك وقاعدتي الفراغ والتجاوز وحتى في الأخبار الواردة في الشك في ركعات الصلاة حيث إن البناء على الظن فيها عند الشك في الركعات إنما هو بدليل خاص قد أوجب قيامه التخصيص في الأخبار الواردة في مطلق الشك في الركعات ما ورد في نفس أخبار الاستصحاب من قوله (عليه السلام): «ولكن تنقضه بيقين آخر» حيث يفهم منه بحسب مقام بيان تحديد الناقض أنّ ناقض اليقين السابق منحصر في اليقين بالخلاف، وكذا قوله (عليه السلام): «لا» بعد السؤال عمن حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم فإنه لو لم يكن ذلك موجباً للظن بالنوم دائماً فلا ينبغي التأمل في أنه يوجبه في بعض الأحيان فترك الاستفصال في الجواب عن حصول الظن بالنوم وعدمه قرينة جلية بعدم العبرة بالظن بالخلاف، وأن النهي عن نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه يعم كلا الفرضين كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): «حتى يستيقن أنه قد نام».









أقول: ما ذكر (قدس سره) من أن قوله (عليه السلام) في أخبار الباب «ولكن تنقضه بيقين آخر» يدلّ على جريان الاستصحاب مع الظن بالخلاف فضلاً عن الظن بالوفاق وبتعبير آخر ما ذكر في تلك الأخبار يدلّ على أن المراد من الشك مقابل العلم لا يمكن المساعدة عليه والوجه في ذلك أنه لو بنى على أن ظاهر الشك في نفسه خلاف العلم فقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» مع قطع النظر عما ورد في تلك الأخبار بنفسه يدلّ على اعتبار الاستصحاب مع عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة سواء كانت الباء بمعنى مع أو كانت للسببية فيكون قوله (عليه السلام) فيما بعد «ولكن تنقضه بيقين آخر» إرشاداً إلى انتفاء الموضوع للاستصحاب مع اليقين بالخلاف وأما إذا لم يكن الشك في قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» ظاهراً في نفسه في عدم العلم بل احتمل كونه مقابل العلم والظن أو كان ظاهراً في حصول الاحتمال المساوي لاحتمال الطرف الآخر فلا يكون قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «ولكن تنقضه بيقين آخر» دليلاً على أن المراد من الشك في الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك هو عدم العلم فإن ذكر الناقض الواحد وسكوته عن غيره لا يكون من الإطلاق اللفظي الذي مقتضى الأصل في كلام كل متكلم صدر عنه الكلام بل هو من الإطلاق المقامي الذي يحتاج ثبوته إلى قيام القرينة.









وما ذكره من أن قوله (عليه السلام) «ولكن تنقضه بيقين آخر» ظاهره كونه في مقام تحديد وحصر ما ينقض به اليقين السابق مجرد دعوى فإن ظاهره أن الشك ينقض باليقين بالخلاف، وأما أنه هو الناقض الوحيد فلا قرينة على ذلك.

نعم، يدلّ على جريان الاستصحاب مع الظن بالخلاف فضلاً عن الظن بالوفاق فقرتان من صحيحة زرارة الواردة في الوضوء إذا شك بعده في النوم، إحداهما: قوله (عليه السلام) ـ بعد السؤال عن نقض وضوء من حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ـ: «لا» فإن جواب الإمام عليه بعدم الانتقاض من غير تقييد بصورة عدم الظن بالنوم مع أن الظن به أمر عادي في مثل الفرض مقتضاه جريان الاستصحاب مع عدم العلم بالانتقاض، وثانيتهما: أنه جعل الغاية في الحكم ببقاء الوضوء بقوله (عليه السلام): «حتى يستيقن أنه قد نام» وهذا وإن كان وارداً في الوضوء إلاّ أن تطبيق الإمام (قدس سره) بعد ذلك وتعليل حكمه بالكبرى الكلية بقوله: «وإن لم يجئ أمرٌ بيّن فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين بالشك» مقتضاه كون المراد من الشك في أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك هو خلاف العلم.

















جريان الاستصحاب في موارد الظن غير المعتبر








وقد ذكر الشيخ (قدس سره) في وجه جريان الاستصحاب مع الظن الغير المعتبر أمرين آخرين:







الأول ـ الإجماع من القائلين باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار، وقد أورد عليه الماتن (قدس سره) بأن الإجماع منهم على تقديره مدركي، وأنهم التزموا بذلك لكون ظاهر الشك الوارد في أخبار الاستصحاب خلاف العلم واليقين.









والثاني ـ هو أن الظن غير المعتبر إن كان كالظن القياسي في قيام الدليل على عدم اعتباره فمقتضى ذلك الدليل أن ذلك الظن كعدمه وأن كلّما يترتب على عدمه يترتب مع وجوده أيضاً وإن كان عدم اعتباره لعدم الدليل على اعتباره يكون رفع اليد عن العلم بالحالة السابقة بالشك لا مع اليقين، وأورد الماتن على ذلك بأن عدم اعتبار ظن لقيام الدليل على عدم اعتباره أو لعدم الدليل على اعتباره مقتضاه عدم ثبوت المتعلق بذلك الظن لا أنه يترتب على ذلك الظن ما يترتب على الشك في ذلك المتعلق بأن ينزل الظن منزلة الشك مع فرض أن ما دل على اعتبار الاستصحاب ليس فيه إطلاق بحيث لا يعم إلاّ صورة الاحتمال المساوي للاحتمال الآخر فيكون المتعين في تعيين الحكم الظاهري في صورة الظن الغير المعتبر سائر القواعد التي لم يؤخذ في موضوعاتها عنوان الشك بل عنوان الجهل وعدم العلم كما هو مفاد قوله (صلّى الله عليه وآله): «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون»(4).







أقول: أضف إلى ذلك أن المعنى الظاهر من النهي عن نقض اليقين بالشك أن يكون رفع اليد عن اليقين بشيء مع الشك في ذلك الشيء نفسه لا مع الشك في شيء آخر ومع الشك في اعتبار ظن لا يكون نقض اليقين بالشيء بالشك في نفس ذلك الشيء ولا يخفى أن الكلام في المقام في عموم مدلول أخبار الاستصحاب بحيث يعم الموارد التي يكون الظن بالارتفاع أو البقاء مع عدم اعتبار ذلك الظن، وأما موارد الظن فلا مورد للاستصحاب فيها بناءً على أن اعتبار الأمارة أو الظن معناه اعتبارهما علماً وأما بناءً على مسلك جعل الحجية أو جعل مدلول الأمارة حكماً طريقياً فسيأتي البحث في ذلك في بحث تعارض الأمارات مع الاستصحاب.

















(1). سورة البقرة: الآية 187.









(2). سورة البقرة: الآية 187.









(3). الكافي 1: 109، الباب 19 من كتاب فضل العلم، الحديث 19.









(4). وسائل الشيعة 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث الأول.

































تتمة: لا يذهب عليك أنه لابد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه فهاهنا مقامان:







المقام الأول ـ أنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعاً [1]







وإنما الإشكال كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل؟ [2]







بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل [3]















اعتبار بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب وبيان المراد من بقائه















[1] قالوا يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع وعدم قيام أمارة معتبرة في مورده ولو على وفق الحالة السابقة، ويقع الكلام في مقامين الأول اعتبار بقاء الموضوع وقد فسر الماتن (قدس سره) بقاءه باتحاد القضيتين المشكوكة والمتيقنة بحسب الموضوع والمحمول بأن يكون الموضوع في القضية المشكوكة هو الموضوع في القضية المتيقنة، والمحمول فيها نفس المحمول فيها والوجه في اعتبار ذلك أنه مع اختلاف القضيتين لا يتعلق الشك ببقاء الحالة السابقة ولا يكون عدم ترتيب الأثر على القضية المشكوكة على طبق القضية المتيقنة من نقض اليقين بالشك كما إذا علم بحياة زيد وشك في حياة عمرو أو في عدالة زيد ولكن لا يخفى أن التعبير عن اعتبار اتحاد القضيتين ببقاء الموضوع غير صحيح فإن المعتبر في الاستصحاب تعلق الشك ببقاء الحالة السابقة ولا يكون الشك في بقائها إلاّ مع اتحاد القضيتين لا ببقاء الموضوع خاصة ولا بالاتحاد في ناحيته خاصة، ولعل التعبير المذكور وقع تبعاً للشيخ (قدس سره) حيث ذكر أن المعتبر في جريان الاستصحاب في ناحية المحمول بقاء الموضوع على النحو الذي فرض سابقاً فإن كان المستصحب محمولاً أولياً فيعتبر تقرر الموضوع ذهناً كما في استصحاب وجود الشيء الذي هو مفاد (كان) التامة، وإن كان من المحمولات الثانوية فيعتبر وجوده خارجاً كما في الاستصحاب في ناحية قيام زيد أو عدالته حيث إن المعروض للقيام أو العدالة زيد بوجوده الخارجي واستدل على اعتبار بقاء الموضوع كذلك بأنه مع عدم بقائه إن اُريد إثبات المحمول بلا موضوع فهو ممتنع؛ لأن العرض لا يقوم إلاّ بالمعروض وإن اُريد إثبات قيامه لموضوع آخر فلازمه انتقال عرض من معروض إلى آخر وهو مستحيل.









ــ ولكن لا يخفى ما فيه فإنه ربما لا يكون المستصحب من العرض بالإضافة إلى المعروض كما في الاستصحاب في ناحية وجود الشيء الذي من قبيل الجوهر أو ملكية شيء أو نجاسته ونحوهما من الاُمور الاعتبارية التي لا تدخل في عنوان العرض من الوضع والتكليف كما أن المستصحب قد يكون من الاُمور العدمية فإن شيئاً من ذلك لا يكون من العرض هذا أولاً.









ــ وثانياً: ما ذكره الماتن (قدس سره) أن الممتنع هو قيام العرض بلا موضوع قياماً خارجياً أو انتقاله إلى غير معروضه كذلك لا قيامه تعبداً أو انتقاله كذلك فإن مرجع التعبد إلى الاعتبار القائم بنفس المولى كما إذا ورد الحكم بعدالة عمرو عند الشك في بقاء عدالة زيد ثمّ إنه يقال بظهور الثمرة بين بقاء الموضوع على ما ذكره الشيخ وبين القول بأن المعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المشكوكه مع القضية المتيقنة من حيث الموضوع والمحمول فيما إذا شك في عدالة زيد مثلاً مع الشك في حياته فإنه يجري الاستصحاب في ناحيته على عدالته لاتحاد القضيتين في الموضوع والمحمول والمفروض احتمال بقاء تلك القضية المتيقنة ولكن لا يجري الاستصحاب في بقائه على عدالته على مسلك بقاء الموضوع لعدم إحراز حياة زيد ويترتب على استصحاب القضية المتيقنة جواز تقليده مثلاً.

نعم، لو كان ترتب الأثر موقوفاً على إحراز ذلك الموضوع في القضية المتيقنة عيناً كما في استحباب إكرامه والإنفاق عليه فيحتاج إلى ذلك الإحراز.









وقد يقال: بعدم الفرق بين المسلكين في اعتبار بقاء الموضوع وذلك فإن الشك في عدالة زيد أو غيرها من أوصافه على أنحاء:







الأول ـ أن يكون الشك في عدالته أو غيرها من أوصافه ناشئاً من الشك في بقائه بحيث لو أحرز حياته يعلم عدالته أو غيرها من أوصافه.









الثاني ـ أن يكون الشك في عدالته أو غيرها متحققاً حتى مع إحراز بقاء حياته بأن يكون بقاؤه على حياته كعدالته مشكوكاً غاية الأمر الشك في عدالته أو غيرها من وصفه في طول الشك في حياته.









الثالث ـ أن تكون حياته محرزة وإنما الشك في بقاء عدالته أو سائر وصفه وعرضه ولا ينبغي التأمل في جريان الاستصحاب في ناحية عدالته أو سائر وصفه وعرضه في الصورة الثالثة سواء قلنا بأن المعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع خارجاً أو اتحاد القضيتين، وأما في الصورة الثانية فلا بأس بالاستصحاب في ناحية حياته وعدالته بناءً على اعتبار اتحاد القضيتين بأن يقال كان زيد حياً وعادلاً والآن كما كان، وأما بناء على مسلك الشيخ (قدس سره) يجري الاستصحاب في ناحية حياته أولاً وبعد إحراز وجود زيد ولو بالاستصحاب يجري في ناحية عدالته أو سائر وصفه ثانياً، ولكن لا يخفى أن الاستصحاب في بقاء حياة زيد موقوف على ترتب أثر شرعي عليه لا فيما إذا فرض ترتب الأثر على عدالته فقط، ومن هنا لا يجري الاستصحاب بناءً على مسلك بقاء الموضوع في الصورة الاُولى أيضاً؛ لأن الاستصحاب في بقاء زيد لا يترتب عليه تحقق عدالته؛ لأن الترتب اتفاقي لا شرعي ولا في عدالته أو سائر وصفه لعدم إحراز الموضوع له إلاّ أن يقال يجري الاستصحاب في ناحية وجود زيد المتصف بالعدالة حيث إنه كان له الوجود كذلك سابقاً ويحتمل بقاؤه كذلك في الصورة الاُولى والثانية، والموضوع للوجود المتصف هو زيد بوجوده التقرري لا الخارجي.









ومما ذكرنا يظهر أنه لو شك في بقاء زيد ولكن علم أنه لو كان حياً لصار بمرتبة الاجتهاد أو صار أعلم الأحياء من دون أن يكون لاجتهاده أو أعلميته حالة سابقة فلا يفيد الاستصحاب في بقاء حياته لإثباتهما ليترتب عليه جواز تقليده أو وجوبه؛ لأن إثبات حياته لعدم صيرورته مجتهداً أو أعلم أثر شرعي لبقاء حياته وليس لهما حالة سابقة بل الحالة السابقة عدمهما سواء قيل بأن المعتبر في الاستصحاب اتحاد القضيتين أو بقاء الموضوع بالمعنى المتقدم في كلام الشيخ (قدس سره).

















[2] بعدما ظهر اعتبار الاتحاد بين القضية المشكوكة والمتيقنة في جريان الاستصحاب في جهتي الموضوع والمحمول يقع الكلام في النظر الذي يلاحظ الاتحاد بينهما بذلك النظر ويقال لا عبرة في الاتحاد بنظر العقل بأن يعتبر الاتحاد بحسب نظره هو المعيار في جريان الاستصحاب؛ لأن ذلك يستلزم اختصاص جريانه بالشبهات الموضوعية ولا يجري في الشبهات الحكمية وذلك فإن الشك في الشبهات الحكمية ينشأ من تخلف بعض ما كان ثبوت الحكم معه متيقناً حيث إنه لو لم يتخلف شيء مما يحتمل دخله في ثبوت الحكم كان بقاؤه محرزاً وجداناً لعدم تخلف الحكم عن موضوعه إلاّ بفرض النسخ كما إذا ثبت الحكم بالنجاسة للماء الكر بالتغير في أحد أوصافه بوقوع النجاسة فيه يكون زوال التغير منه من قبل نفسه موجباً للشك في بقاء نجاسته لاحتمال أن الحكم بالنجاسة موضوعه ما حصل فيه التغير وإن زال من قبل نفسه ويحتمل كون الموضوع للحكم بها الماء المتغير ما دام متغيراً فمع عدم إحراز الموضوع لا يمكن إحراز اتحاد القضيتين عقلاً، ولا يخفى أنه لا يصح أن يقال إن اعتبر الاتحاد بينهما عقلاً لجرى الاستصحاب في جميع الشبهات الموضوعية، ولا يجري في شيء من الشبهات الحكمية أصلاً حيث مع لحاظ الاتحاد بنظره كان بعض الشبهات الموضوعية كالحكمية في عدم الجريان كالشك في بقاء الكرية للماء حيث لا يمكن دعوى أن المتيقن كان كرية هذا الماء الموجود فعلاً وأيضاً جرى الاستصحاب في بعض الشبهات الحكمية فيما إذا كان الموجب للشك في البقاء هو مضي نفس الزمان كما إذا شك في أن الخيار مع ظهور الغبن فوري أم بالتراخي وإن مبدأ خيار الحيوان من حين العقد أو من حين الافتراق فإنه يجري في الأول الاستصحاب في بقاء خيار الغبن، وفي الثاني عدم حدوث خيار الحيوان إلى زمان انقضاء خيار المجلس حيث إن الاتحاد بين القضيتين حتى بنظر العقل يلاحظ مع قطع النظر عن مضي الزمان.









ثمّ إن الشيخ (قدس سره) قد التزم بأنه لو اقتصر بالنظر العقلي في بقاء الموضوع لاختص جريان الاستصحاب بموارد الشك في الرافع، ويورد عليه:







أولاً ـ بأن مقتضى الاقتصار عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية مطلقاً ولو كان الشك في الرافع؛ لأن الموضوع للحكم في موارد الشك في الرافع أيضاً غير محرز حيث يحتمل أنّ لعدم ما يطلق عليه الرافع دخلاً في ثبوت الحكم سابقاً.









ثانياً ـ بأن اختصاص جريانه بموارد الشك في الرافع لا يوجب محذوراً وقد التزم هو (قدس سره) بعدم جريانه في موارد الشك في المقتضي حتى وإن لم يلتزم بأن المعيار في بقاء الموضوع لحاظ نظر العقل.









وقد وجه المحقق النائيني (قدس سره) كلام الشيخ ما حاصله أن الرافع يطلق على أمرين:







أولهما ـ يراد به مقابل المانع حيث إن المانع يمنع عن تأثير المقتضي؛ لأن يحدث مقتضاه والرافع ما يقلع الشيء عن صفحة الوجود بعد وجوده وحدوثه.









والثاني ـ هو أن يراد بالرافع مقابل المقتضي والمراد من الشك في المقتضي أنه لو حصل مقتضاه في زمان ولم يتغير شيء مما كان عند وجود المقتضى بالفتح من انعدام شيء موجود في ذلك الزمان أو وجود شيء كان معدوماً في ذلك الزمان شك في بقاء ذلك المقتضي بمرور نفس الزمان كما إذا شك في أن خيار الغبن عند ظهور الغبن فوري أو أنه على التراخي بخلاف موارد الشك في الرافع فإنه إذا حصل المقتضى بالفتح في زمان ولم يتغير شيء مما كان عند وجوده من انقلاب شيء موجود إلى العدم أو انقلاب المعدوم إلى الوجود يبقى ذلك المقتضي إلى الأبد وما التزم الشيخ (قدس سره) في الرسائل من التفصيل من اعتبار الاستصحاب في موارد الشك في الرافع وعدم اعتباره في موارد الشك في المقتضي مراده من الرافع هذا المعنى الثاني فإنه إذا شك في نجاسة الماء الكر بعد زوال تغيره يكون المورد من موارد الشك في الرافع؛ لأنه لو لم يتبدل التغير إلى العدم كان بقاء نجاسة الماء محرزاً بالوجدان، وما ذكره من أن كون المعيار في بقاء الموضوع هو نظر العقل يستلزم اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع مراده بالرافع المعنى الأول: لأن الرافع أي قالع شيء عن صفحة الوجود لا يكون عدماً بل لابد من أن يكون أمراً وجودياً بخلاف الرافع بالمعنى الثاني حيث يمكن كونه عدماً كانعدام التغير عن الماء الكر فإنكار الشيخ (قدس سره) بكون الاعتبار بنظر العقل في بقاء الموضوع لاستلزام ذلك اختصاصه بموارد الشك في الرافع مراده من الرافع بالمعنى الأول وما التزم به هو (قدس سره) هو اختصاص جريانه بموارد الشك في الرافع هو بالمعنى الثاني فلا منافاة ولكن لا يخفى أنه لو اعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع بالدقة العقلية لما جرى الاستصحاب في الأحكام الشرعية من غير فرق بين موارد الشك في المقتضي وموارد الشك في الرافع الذي التزم الشيخ (قدس سره) بجريانه فيها فإن الحكم على كل حال من الاُمور الاعتبارية، والموضوع للأمر الاعتباري إذا كان باقياً يبقى الحكم ببقائه والشك في بقاء الحكم في الشبهات الحكمية لابد من أن يستند إلى احتمال ما تخلف في موضوع الحكم ثبوتاً سواء كان التخلف لانتفاء أمر وجودي كزوال التغير عن الماء الكر وكذهاب ثلثي العصير المغلي بالهواء حيث يحتمل انعدام الثلثين بالهواء حيث يحتمل أن عدم ذهابه سابقاً كان دخيلاً في حرمته أو لتبدل أمر عدمي إلى الوجودي كالذي سافر إلى أربعة فراسخ بقصد الرجوع بعد أيام إلى غير ذلك فقالع الحكم عن الوجود لا يجري في الاستصحاب في الأحكام الشرعية حتى في موارد الشك في النسخ حيث إن النسخ فيها عبارة عن انتهاء أمد الحكم فالمتحصل أنه لا قالع للوجود عند الشك في بقاء الحكم الشرعي ليقال بأنه لو كان المعتبر في بقاء الموضوع الدقة العقلية لاختص جريانه بموارد الشك في الرافع بمعنى قالع الوجود.

















[3] بعد ما تبين عدم العبرة في جريان الاستصحاب باتحاد القضيتين بنظر العقل حتى في الشبهة الموضوعية يقع الكلام في اعتبار كون اتحادهما بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل يعني خطاب الحكم حيث إنه قد يكون ما ورد في خطاب الحكم في ناحية الموضوع عنوان لا يكون ذلك العنوان بنفسه موضوعاً له بنظر العرف بل يكون الموضوع ما يعم غيره أيضاً كما إذا ورد في الخطاب: العنب إذا غلى يحرم، وعنوان العنب وإن لا يعم الزبيب بحسب الفهم العرفي ولذا يصح أن يقال جزماً بأنه لا دلالة لذلك الخطاب على حكم الزبيب إذا غلى ولكن مع ذلك يرى أهل العرف العنب الذي صار زبيباً موجوداً واحداً والاختلاف بينهما بالحالات بحيث لو كان الزبيب أيضاً محكوماً بالحرمة ثبوتاً عند غليانه كان ذلك بنظر العرف بقاءً للحرمة الثابتة له ثبوتاً حال العنب وعدم ثبوتها زوالاً عند صيرورته زبيباً.









والحاصل أن في موارد الاستصحاب يكون المستصحب هي القضية المتيقنة ثبوتاً وإذا يرى أهل العرف العنوان الوارد في خطاب الحكم في ناحية الموضوع من الأحوال لموضوع الحكم ثبوتاً بحيث يحتمل أن يكون الحكم المجعول لذات الموضوع ضيقاً لا يعم غير ذلك الحال ويحتمل كونه وسيعاً بحيث يعم الحالة الاُخرى أيضاً بحيث على تقدير كونه ثبوتاً كذلك يعد الحكم في الحالة الاُخرى ثبوتاً من بقاء الحكم الأول لا حكماً آخر بجعل آخر يكون المورد مجري للاستصحاب فلا فرق بين أن يرد في الخطاب: الماء المتغير في أحد أوصافه نجس، أو يرد: الماء إذا تغير تنجس، أو: أن العنب المغلي حرام، أو يرد: العنب إذا غلى يحرم، فإن معروض النجاسة والحرمة ثبوتاً بحسب الفهم العرفي بمناسبة الحكم والموضوع نفس الماء وذات العنب ولكن لا ينافي ذلك عدم دلالة الخطاب في شيء من التقديرين من نجاسة الماء بعد زوال تغيره وحرمة الزبيب بعد غليانه ولو كان للخطاب دلالة على ثبوت الحكم في الحالة الاُخرى لما كان مجال للأصل العملي فانتفاء مدلول الخطاب بالإضافة إلى الحالة الاُخرى لا ينافي احتمال بقاء القضية المتيقنة ثبوتاً في تلك الحالة، وربّما يكون العنوان الوارد في الخطاب بحسب الفهم العرفي عنواناً مقوماً للحكم ثبوتاً أيضاً ولا يرونه من الحالات بحيث لو كان الحكم ثبوتاً عاماً لا يعد الثاني بقاءً للأول بل حكماً مجعولاً آخر مثل الحكم المجعول الأول كنجاسة المني فإنه لا يعم ما إذا كان المني دماً والدم مضغة فإن نجاسة الدم نجاسة اُخرى وليس من بقاء نجاسة المني ولا نجاسة المضغة على تقديرها نجاسة الدم، ومما ذكر يظهر أن الحكم بنجاسة أولاد الكفّار أخذ بالاستصحاب بنجاسة المني فاسد، وأنه لا يجري الاستصحاب في موارد الاستحالة في الأعيان النجسة والمتنجسة؛ لعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة ثبوتاً.









لا يقال: عدم جريان الاستصحاب في موارد الاستحالة في الأعيان النجسة صحيح؛ لأن العنوان في العين النجسة عنوان مقوم لموضوع النجاسة ومع الاستحالة ينتفي ما هو الموضوع ثبوتاً وأما الاستحالة في الأعيان المتنجسة فلا موجب لعدم جريان الاستصحاب كما إذا شك في بقاء الخشب المتنجس فحماً أو رماداً؛ لأن الموضوع للتنجس فيها هو كون شيء جسماً فإنه مقتضى قولهم كل جسم لاقى نجساً يتنجس ولذا لو قام دليل اجتهادي على نجاسة الفحم أو الرماد المذكور لا تعد نجاستهما نجاسة اُخرى لعدم الموجب له غير نجاسة الخشب.









فإنه يقال: لا فرق في موارد الاستحالة بين الأعيان النجسة والمتنجسة فإن المحكوم بالنجاسة نفس الخشب الملاقي للنجاسة وبعد صيرورته رماداً لا خشباً ولو كان في البين دليل على نجاسته لكان هذا تعبداً آخر لا تعبداً ببقاء الحالة السابقة، وقولهم: كل جسم لاقى نجساً يتنجس، ليس لبيان أن الموضوع للتنجس هي الجهة الجامعة بين الأشياء بل لبيان أن خصوصية جسم غير دخيل في تنجسه بالملاقاة مع النجس بحيث لا يحصل التنجس لجسم طاهر دون جسم آخر وبتعبير آخر انطباق عنوان الجسم الطاهر على شيء من قبيل الواسطة في الثبوت لا من قبيل الواسطة في العروض.









لا يقال: لو كانت الاستحالة موجباً لانتفاء الموضوع بحيث لم يكن معه مجال للاستصحاب فما الفارق بينه وبين الانقلاب مع أنه لا يبقى الموضوع مع الانقلاب أيضاً مع أنهم ذكروا أن مطهرية الانقلاب تعبدي يقتصر في الحكم بها على قيام دليل خاص.









فإنه يقال: ـ مع الفرق بين موارد الاستحالة والانقلاب في بعض الموارد كالمتنجسات كما في انقلاب العصيرِ دبساً حيث إن كونه عصيراً وصار دُبساً من الأوصاف والحالات ـ إن في مورد الانقلاب تنجس ما فيه المايع موجب لتنجس المايع الذي انقلب إليه؛ ولذا تكون طهارة الخل عند انقلاب الخمر إليه تخصيصاً في قاعدة تنجس الملاقي للظرف النجس أو من طهارة الظرف تعبداً.









هذا كلّه في الشبهات الحكمية بناءً على جريان الاستصحاب فيها وعدم معارضة الاستصحاب في ناحية الحكم الفعلي مع الاستصحاب في عدم جعل الحكم الوسيع أو عدم حكومة الاستصحاب في ناحية عدم جعله على الاستصحاب في ناحية الحكم الفعلي وأما الشبهات الموضوعية فقد تقدم أن الاستصحاب في ناحية بقاء الموضوع من الأصل السببي بالإضافة إلى الحكم الجزئي المترتب عليه فمع جريانه في ناحية الموضوع لا يبقى شك بالإضافة إلى ما يترتب عليه من الحكم ليقال: إن الاستصحاب في ناحية الجزئي أيضاً حاله حال الاستصحاب في ناحية الحكم الكلي من الابتلاء بالمعارض أو حكومة الاستصحاب في عدم جعله على الاستحباب.

































المقام الثاني ـ أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في مورد، وإنما الكلام في أنه للورود[1] أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه







أما الأول ـ فالنسبة بينه وبينها هي بعينها النسبة بين الأمارة وبينه فيقدم عليها ولا مورد معه لها[2] للزوم محذور التخصيص إلاّ بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلاً هذا في النقلية منها







وأما الثاني ـ فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل بهما[3] بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما















عدم جريان الاستصحاب في موارد الأمارات المعتبرة
















[1] لا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في موارد قيام الأمارة المعتبرة بلا فرق بين ما كانت الأمارة موافقة للحالة السابقة أو مخالفة لها، وإنما الكلام في وجه عدم جريان الاستصحاب فيها، وأنه لورود دليل اعتبار الأمارة على خطابات الاستصحاب بأن لا يكون لخطاباته موضوع مع الأمارة المعتبرة أو لحكومة دليل اعتبارها على خطاباته أو أن تقديم الأمارة على الاستصحاب مقتضى الجمع العرفي بين دليل اعتبارها وخطابات الاستصحاب ذكر الماتن (قدس سره) أن الصحيح هو الأول يعني الورود فإن خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك ظاهره أن الشك لا يصلح كونه ناقضاً لليقين ولو كان مدلول الأمارة المعتبرة على خلاف الحالة السابقة يكون الناقض لليقين السابق اليقين باعتبار تلك الأمارة لا الشك في الحالة السابقة، وإن كانت موافقة للحالة السابقة يكون ترتيب أثر الحالة السابقة من جهة لزوم العمل بالأمارة والعلم باعتبارها لا لثبوت تلك الحالة سابقاً.









لا يقال: هذا فيما اُخذ عند الشك في البقاء بإطلاق دليل اعتبار الأمارة فإن مع اعتبارها لا يكون نقض اليقين بالحالة السابقة بالشك بل بتلك الأمارة المعتبرة أو لدلالتها على بقاء الحالة السابقة، ولكن لم لا يؤخذ أوّلاً بإطلاق خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك، ويقيد به إطلاق دليل اعتبار الأمارة أو يخصص به؟







فإنه يقال: ليس في الأخذ بإطلاق دليل اعتبار الأمارة محذور عند احتمال البقاء والارتفاع حيث لا يوجب الأخذ بالإطلاق مستلزماً للتخصيص أو التقييد في خطاب اعتبار الاستصحاب بل يرتفع المنهي عنه في خطاباته وهو كون الشك ناقضاً لليقين السابق بخلاف تقديم خطاب اعتبار الاستصحاب فإن شموله لمورد الأمارة موقوف على التخصيص والتقييد في دليل اعتبار الأمارة نظير ما تقدم في وجه تقديم الأصل السببي على المسببي، وعلى الجملة شمول خطابات الاستصحاب لموارد الأمارة المعتبرة موقوف على التقييد في دليل اعتبار الأمارة ولو كان المقيد له هو دليل الاستصحاب يكون التقييد به دورياً لتوقف جريان الاستصحاب على تقييد دليل الأمارة وتقييده موقوف على جريان الاستصحاب.









وقد يورد عليه بأن (الباء) الداخلة على الشك في قولهم: «لا تنقض اليقين بالشك» ليست بمعنى السببية بل بمعنى المصاحبة فيكون المعنى النهي عن نقض اليقين بالشيء عند الشك فيه أو مع الشك فيه وإلاّ فلا يكون لاعتبار الاستصحاب وجه فيما إذا كان رفع اليد عن الحالة السابقة بمثل القرعة والاستخارة ونحوهما مما لا يكون ناقض اليقين فيه هو الشك في البقاء بل لو قيل بأن مدلولها أن الشك لا يكون ناقضاً فالمراد أن اليقين السابق لابد من أن يكون ناقضه اليقين بالخلاف أي بارتفاع الحالة السابقة واليقين باعتبار الأمارة القائمة لا يكون يقيناً بارتفاع الحالة السابقة عند مخالفة الأمارة الحالة السابقة كما لا يكون يقيناً بالبقاء عند موافقتها وبتعبير آخر قد تقدم عن الماتن (قدس سره) أن الناقض للحالة السابقة ينحصر على اليقين بالخلاف.









ويمكن الجواب عن ذلك بأن قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «لا حتى يجيء من ذلك أمر بين» ينفي كون ناقض اليقين الشك أو مثل القرعة والاستخارة وغيرهما من الاُمور التي لا اعتبار بها فإن تلك الاُمور لا تدخل في الأمر البين بخلاف الأمارة المعتبرة فإنه على فرض شمول إطلاق دليلها لمورد الاستصحاب كما هو المفروض يكون رفع اليد عن الحالة السابقة واليقين بها بالأمر البين وتقييد دليل اعتباره بخطاب الاستصحاب لئلا تكون تلك الأمارة أمراً بيناً دوري كما تقدم، وحيث إن الاستصحاب أي الكبرى الكلية طبقت في صحيحة زرارة على مورد عدم الأمر البين فيعلم أن المراد من اليقين الناقض أعم من اليقين بالارتفاع أو اليقين باعتبار أمر يدلّ على الارتفاع وأن المراد بالشك عدم البين على الارتفاع.









وأما ما يقال: من أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المراد باليقين الحجة ومن الشك عدم الحجة أو اللاحجة ومع اعتبار الأمارة القائمة بالحالة السابقة كما يحصل الركن في الاستصحاب أي اليقين بالشيء كذلك بقيام الحجة على ارتفاعها أو بقائها يكون الحكم بالارتفاع أو البقاء بالحجة لا بلا حجة، وفيه أن مقتضى ذلك أن تكون أصالة البراءة عن التكليف بقاء حاكمة على خطابات الاستصحاب وذلك فإنه فرض أن الحكم ببقاء الحالة السابقة معلق على عدم الحجة على الارتفاع فبشمول حديث: «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» بقاء التكليف عند الجهل به يكون رفع اليد عن الحجة بالحالة السابقة بالحجة على عدم التكليف في البقاء.

















في حكومة دليل اعتبار الأمارة على خطابات الاستصحاب








وقد يقال: إن الوجه في تقديم الأمارة على الاستصحاب في مورد اجتماعهما هي حكومة الأمارة بدليل اعتبارها على الاستصحاب سواء كانت موافقة للاستصحاب أو مخالفة له، وقد أورد الماتن على الحكومة بأن الميزان في الحكومة أن يكون أحد الخطابين بمدلوله الاستعمالي ناظراً إلى بيان المدلول للخطاب الآخر، ومن الظاهر أن دليل اعتبار الأمارة لا نظر له إلى خطابات الاستصحاب بوجه ومجرد تنافي ثبوت مدلول أحدهما واقعاً مع ثبوت المدلول للآخر كذلك لا يوجب حكومة أحدهما على الآخر وإلاّ لأمكن العكس أيضاً بأن يقال: خطابات الاستصحاب حاكمة على خطاب اعتبار الأمارة.









أقول: لا تنحصر الحكومة بما إذا كان أحد الدليلين بمدلوله الاستعمالي ناظراً إلى بيان المراد الاستعمالي أو الجدي للآخر ليرد عليه ما عن الماتن أن مدلول دليل اعتبار الأمارة لا نظر له إلى بيان المراد للاستعمال من خطابات لا تنقض، ولو كان اعتبار الأمارة دالاًّ على إلغاء الاستصحاب؛ لعدم إمكان اجتماعهما ثبوتاً لكان خطابات الاستصحاب أيضاً حاكمة على خطاب اعتبار الأمارة مع أن ما ذكر لا يوجب عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة الموافقة للحالة السابقة بل للحكومة نحو آخر وهو ما إذا كان أحد الخطابين متكفلاً للحكم لموارد تحقق عنوان بمفاد القضية الحقيقية كما في خطاب حرمة شرب الخمر ونجاسته ويكون مدلول الخطاب الآخر التعرض لثبوت ذلك العنوان وعدم ثبوته في مورد على نحو التعبد والاعتبار كما إذا ورد في خطاب آخر: «الفقاع خمر»(1) وكما إذا ورد في خطاب: «إذا شككت فابن على الأكثر»(2) وورد في خطاب آخر: «لا شك لكثير الشك»(3) أو «لا شك للإمام إذا حفظ من خلفه»(4) إلى غير ذلك فإن الخطاب الثاني في مثل ذلك لا يكون تخصيصاً بالإضافة إلى الخطاب الأوّل حيث إن مدلول الخاص ثبوت حكم آخر لبعض ما يدخل في العنوان العام كما في قوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار ما لم يفترقا»(5) بالإضافة إلى خطاب: (أوفوا بالعقود).









ثمّ إن الخطاب الدال على عدم تحقق العنوان المحكوم بالحكم في مورد لا يكون وارداً بالإضافة إلى الخطاب الدال على الحكم لذلك العنوان حيث إن الورود عبارة عن كون شمول حكم لمورد موجباً لانتفاء الموضوع لحكم آخر عن ذلك المورد حقيقة فلابد من الالتزام بالحكومة إذا لم يكن في البين ملاك الخاص والتخصيص ولا ملاك الورود، ولذا لا تنافي بين مدلول خطاب الحاكم ومدلول خطاب المحكوم حيث إن مدلول خطاب المحكوم ثبوت الحكم على تقدير حصول عنوان الموضوع كما هو مفاد القضية الحقيقية، وأما تعيين حصوله أو عدم حصوله فخارج عن مدلوله وخطاب الحاكم متصد لبيان تحققه وعدم تحققه التعبد والاعتبار وهذا القسم من الحكومة مشترك مع التخصيص في موارد نفي الموضوع في النتيجة إلاّ أن لسان الحاكم غير لسان الخاص؛ ولذا لا تلاحظ النسبة بين خطابي الحاكم والمحكوم.









وعلى ذلك فقد يقال: إنه بشمول دليل اعتبار الأمارة لأمارة ولو كان اعتبارها بالسيرة العقلائية سواء أكانت على وفق الحالة السابقة أو على خلافها لا يكون في البين جهل بالإضافة إلى الحالة السابقة نفياً أو إثباتاً ليتم الموضوع للنهي عن نقض اليقين بالشك الذي هو مدلول خطابات الاستصحاب بنحو القضية الحقيقية.









وقد يورد على هذا الاستدلال بأن الأمارة أيضاً اعتبر في موضوع اعتبارها الجهل بالواقع حيث لا يمكن اعتبارها في حق العالم بالواقع، وإذا كان لسان خطابات الاستصحاب اعتبار العلم بالحالة السابقة علماً بالبقاء عند الجهل بالواقع فلا يكون في البين موجب لتقديم اعتبار الأمارة مع كون النسبة بين دليل اعتبار الاستصحاب ودليل اعتبار الأمارة العموم من وجه حيث إن مدلولهما متساويان في كون كل منهما الكبرى الكلية وقد وجه المحقق النائيني على ما تقدم سابقاً من أن دليل اعتبار الأمارة مقتضاه كونها علماً في جهة إراءة الواقع وتتميم كشفها بخلاف دليل الاستصحاب فإن مقتضاه كون اليقين السابق علماً بالواقع من حيث العمل خاصة، وذكرنا أيضاً بعض المناقشة في ذلك وقلنا: إن الصحيح في الجواب أن الجهل غير مأخوذ في موضوع دليل اعتبار الأمارة إلاّ بتقييد عقلي لأجل امتناع التعبد للعالم بالواقع بخلاف الجهل بالواقع في اعتبار الاستصحاب فإنه موضوع في خطابات النهي عن نقض اليقين ومع إمكان التعبد بالأمارة في مورد قيامها لا يكون في دليل اعتبارها تقييد بالإضافة إلى ذلك المورد بشموله لها ينتفي الموضوع في خطابات النهي عن نقض اليقين مع الشك، وهذا هي الحكومة التي ذكرناها سابقاً.

نعم، هذا النحو من الحكومة إنما يتم في الأمارة التي يكون الجهل بالواقع غير مأخوذ في دليل اعتبارها إلاّ من ناحية التقييد عقلاً، وأما الأمارة التي اُخذ الجهل بالواقع في خطاب اعتبارها فالتقديم يحتاج إلى قيام قرينة اُخرى، ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكر من أن الجمع بين دليل اعتبار الأمارة وخطابات الاستصحاب بتقديم الأمارة للتوفيق العرفي بين دليل اعتبارها وخطابات الاستصحاب لا وجه له؛ لأن التوفيق العرفي إنما يتم في الموارد التي يكون الحكم في أحد الخطابين بالعنوان الأولي، والحكم المخالف في الخطاب الآخر بالعنوان الثانوي، ومرجع ذلك إلى تقييد الخطاب الدال على الحكم، والحكومة التي ذكرناها لا ترتبط بهذا التوفيق ولا بالتقييد والتخصيص كما أوضحناها.

















تقدم الاستصحاب على البراءة الشرعية
















[2] ذكر (قدس سره) في وجه تقديم الاستصحاب على الاُصول الشرعية كالبراءة الشرعية أنه لا يلزم من تقديم الاستصحاب على البراءة الشرعية لانتفاء الموضوع للبراءة الشرعية في مورد يجري الاستصحاب فيه في ناحية بقاء التكليف أو بقاء الموضوع له بخلاف ما إذا قدم فيه خطاب البراءة الشرعية فإنه يوجب التخصيص في خطابات «لا تنقص» من غير وجه لذلك التخصيص إلاّ بوجه دائر كما تقدم نظيره في وجه تقديم الأمارة المعتبرة في مورد على الاستصحاب فيه حيث لا يبقى مع شمول دليل اعتبار الأمارة لتلك الأمارة لا يبقى فيه موضوع للاستصحاب بخلاف العكس على ما مر.









وذكر (قدس سره) في تعليقته على الرسالة في توجيه ورود الاستصحاب على البراءة الشرعية بأن المرفوع في «ما لا يعلمون» التكليف المجهول من جميع الجهات وإذا كان للتكليف المفروض حالة سابقة فبشمول خطابات «لا تنقض» لذلك المورد يكون بقاء التكليف معلوماً من جهة تنجزه فيرتفع الموضوع للبراءة الشرعية بمعلومية تنجز التكليف المجهول فلا يكون في البين محذور بخلاف ما إذا قدم حديث «رفع ما لا يعلمون» في الفرض فإنه يتوقف على تخصيص خطابات «لا تنقض» في ذلك المورد مع أن المفروض عدم المخصص لها غير شمول «ما لا يعلمون» المتوقف شموله على تخصيصها.









ولكن لا يخفى أن جعل الموضوع للبراءة هو التكليف المجهول ظاهره كون الوصف بلحاظ نفس التكليف وإرجاع الجهل إلى تنجزه من جعل الوصف بحال المتعلق وهو خلاف الظاهر وإن اُريد أن الموضوع للبراءة هو التكليف المجهول من جميع جهات نفسه وأن لا يعلم حتى ثبوته سابقاً فلازمه خروج موارد الاستصحاب عن موضوع البراءة تخصصاً لا بالورود وأما توجيه الورود بدعوى أن المراد من العلم في أخبار الاستصحاب والبراءة مثل «كل شيء حلال حتى تعلم أنه حرام»(6) والمراد من الشك اللا حجة فيرد عليه أن معنى العلم الانكشاف، والجهل خلافه وظاهر الشك الترديد والاحتمال سواء اُريد بالحجة المنجز للتكليف خاصة أو الأعم من المنجز والمعذِّر، أضف إلى ذلك أنه يستلزم أن تكون أدلة البراءة الشرعية إرشادات إلى البراءة العقلية فإن العقاب على تكليف لم تقم عليه حجة عقاب بلا بيان وعلى ذلك فلا تكون خطابات للبراءة الشرعية ليقال: إنها تعارض الأخبار الواردة في الأمر بالاحتياط في الشبهات.









فالصحيح أنه لا مجال للبراءة الشرعية في الشبهات الموضوعية مع جريان الاستصحاب فيها، وكذا في الشبهات الحكمية إذا قيل بجريان الاستصحاب فيها حيث تكون خطابات «لا تنقض» في موارد جريان الاستصحاب حاكمة على خطابات البراءة الشرعية مثل: «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» و«كل شيء حلال حتى تعرف الحرام» فإن مدلول النهي عن نقض اليقين بالشك اعتبار العلم بالحالة السابقة علماً ببقائها ما لم يعلم خلافها، وإذا كان علم للمكلف ببقائها في موارد الاستصحاب ببقاء الموضوع للتكليف كما في الشبهات الموضوعية أو بنفس بقاء التكليف كما في موارد الاستصحاب في ناحية بقاء التكليف لا يكون في جهل وشك في التكليف لتجري البراءة في التكليف المشكوك على ما تقدم في تقرير الحكومة هذا مع تقديم الاستصحاب في بعض أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك على البراءة الشرعية كالأخبار الواردة في بقاء الشهر.









وقد ذكرنا أن ما ذكر الماتن (قدس سره) من أن الوجه في تقديم الاستصحاب على البراءة الشرعية بعينه الوجه الذي ذكر في تقديم دليل اعتبار الأمارة على خطابات النهي عن نقض اليقين بالشك من أن تقديم خطابات النهي عن نقض اليقين بالشك على خطابات البراءة الشرعية لا يستلزم محذوراً ولكن تقديم خطابات البراءة على خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك يستلزم المحذور وهو الالتزام بالتخصيص في خطاب النهي بوجه دائر لا يمكن المساعدة عليه فانه بناء على أن المنهي عنه جعل الشك ناقضاً لليقين السابق يكون رفع اليد عن اليقين بالعلم برفع التكليف المحتمل بقاءً لا بنفس الشك هذا كلّه بالإضافة إلى البراءة الشرعية.

















في تقدم الاستصحاب على البراءة العقلية وأصالة التخيير








وأما بالإضافة إلى البراءة العقلية فلا ينبغي التأمل في أنّه مع جريان الاستصحاب في ناحية بقاء التكليف لا يبقى موضوع للبراءة العقلية حقيقة حيث لا يكون مع جريانه العقاب على مخالفة التكليف المحتمل بقاؤه عقاباً بلا بيان سواء قيل بأن مقتضى أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك هو اعتبار اليقين السابق يقيناً بالبقاء أو إيجاب العمل على طبقه بأن يجعل على مقتضاه حكماً ظاهرياً طريقياً على ما تقدم سابقاً أو جعل اليقين السابق مع الجهل بالبقاء منجزاً بالإضافة إلى بقاء التكليف حيث إن الاستصحاب الجاري فيه على كل تقدير يكون بياناً ومصححاً للعقاب على مخالفة التكليف على تقدير بقائه واقعاً.









وأما أصالة التخيير فقد ذكرنا أن مرجعها إلى أصالة البراءة في ناحية كل من احتمال الحرمة والوجوب ومع جريان الاستصحاب في ناحية أحدهما بعينه لا يبقى في ذلك المعين شك ثبوتاً أو نفياً ولا يكون العقاب فيه عقاباً بلا بيان.

















في تعارض الاستصحابين
















[3] تعرض (قدس سره) لحكم تعارض الاستصحابين وذكر له صوراً:







الصورة الاُولى ـ أنه قد لا يكون بين الاستصحاب في مورد والاستصحاب في مورد آخر علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما بأن احتمل بقاء الحالة السابقة في كلا الموردين، ولكن لا يتمكن المكلف من الجمع بين الاستصحابين في العمل نظير عدم تمكنه من الجمع من امتثال التكليفين في سائر موارد التزام كما إذا علم المكلف بنجاسة كل من المسجدين واحتمل بقاءهما على نجاسته مع عدم تمكنه إلاّ من تطهير أحدهما وكما إذا علم بنجاسة المسجد واحتمل بقاءه على النجاسة وعلم أيضاً بوجوب الصلاة عليه واحتمل قبل خروج الوقت بقاء الاشتغال بها مع عدم تمكنه من الجمع بين الصلاة وتطهيره قبل خروج الوقت وفي هذه الصورة يجري أحكام التزاحم حيث إنه لا تختلف أحكامه بين ثبوت كل من التكليفين وجداناً أو بالتعبد ولو كان أحد التكليفين أهم أو محتمل الأهمية فيقدم في الامتثال، وما يظهر من بعض المعلقين على الكفاية بأنه لا عبرة بالأهمية أو احتمالها بعد كون المجعول في كل من الواقعتين النهي عن نقض اليقين بالشك كما ترى فإن النهي عن نقض اليقين ليس تكليفاً نفسياً ليقال لا ترجيح لأحدهما على الآخر بل هو طريقي أو إرشادي إلى اعتبار اليقين السابق في ظرف الشك في البقاء؛ ولذا يتنجز الواقع على تقدير البقاء فالعبرة بالواقع المحتمل الذي تنجز على تقديره نظير ما إذا ورد الأمر بالاحتياط في كل من واقعتين مشتبهتين ووقع في رعاية الاحتياط في كل منهما التزاحم وعلى الجملة العبرة بالتكليف المتنجز على تقديره.









الصورة الثانية ـ ما إذا علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ولكن يكون الشك في أحد الموردين سببياً، وفي الآخر منهما مسبباً والمراد بالشك السببي والمسببي أن يكون المشكوك في أحد الموردين حكماً ونفس ذلك المشكوك، وفي الآخر منهما موضوعاً لحكم آخر فإنه مع جريان الاستصحاب في ناحية المشكوك الآخر وإحرازه نفياً أو إثباتاً يحرز الموضوع للحكم الآخر نفياً أو إثباتاً ولا يبقى شك في الحكم الآخر ليجري فيه الاستصحاب كما إذا توضأ المحدث بالأصغر بالماء الذي يشك في طريان النجاسة على ذلك الماء فإنه بجريان الاستصحاب في ناحية طهارة الماء يحرز الوضوء بماء طاهر فلا يبقى شك في ارتفاع حدثه لكون الوضوء بماء طاهر رافعاً له هذا بناءً على أن مقتضى خطابات النهي عن نقض اليقين بالشك هو اعتبار اليقين بالحالة السابقة يقيناً ببقائها ظاهر واضح، وكذا بناءً على أن مفادها اعتبار اليقين السابق حجة لبقاء الحالة السابقة؛ لأن جريان الاستصحاب في ناحية الأصل السببي بلا محذور بخلاف جريانه في ناحية الأصل المسببي حيث إن جريانه فيه موقوف على تخصيص خطابات الاستصحاب في ناحية الأصل السببي وعدم جريانه فيه موقوف على جريان الأصل المسببي وبعبارة اُخرى التعبد بالموضوع مقتضاه التعبد بحكمه ومع التعبد بالحكم يثبت ذلك الحكم فلا يبقى مجال للأصل في ناحية نفس الحكم.









ويجري هذا الكلام في كل أصل عملي كان مفاده التعبد بموضوع الحكم الآخر نفياً وإثباتاً فإنه معه لا يجري الاستصحاب ولا غيره من الأصل في ناحية نفس ذلك الحكم الآخر فيحكم بطهارة الثوب المتنجس المغسول بماء جرى فيه استصحاب عدم ملاقاته للنجاسة أو أصالة الطهارة ولا مجال في ناحيته لاستصحاب النجاسة.









وقد يقال: من هذا القبيل ما إذا شك في حيوان مذبوح أنه غنم أو ذئب مثلاً وأنه مع جريان أصالة الحلية في ذلك المذبوح يترتب عليه جواز الصلاة في أجزائه وتوابعه؛ لأن جواز الصلاة في أجزاء الحيوان وتوابعه مترتب على حلية أكل لحم الحيوان وأنها في المفروض محرزة بأصالة الحلية، ولكن يمكن المناقشة فيه بما ذكرنا في بحث لباس المشكوك أن جواز الصلاة مترتب على حلية أكل لحم الحيوان بعنوانه لا بالعنوان الطاري عليه كالاضطرار إلى أكله أو كونه مشكوكاً ولا يثبت الموضوع للجواز بأصالة الحلية.

نعم، لو جرى في المذبوح المفروض الاستصحاب في عدم جعل الحرمة لأكل لحمه لا يبعد الحكم بجواز الصلاة في توابعه؛ لأن الموضوع للمانعية عن الصلاة أجزاء وتوابع ما نهى عن أكله والاستصحاب المفروض يمنع الموضوع للمانعية، وأيضاً لا تجري الأصالة في مشكوك يحتمل وجوده لا يكون مفاد خطاب اعتبار ذلك الأصل العلم بذلك المشكوك وكان مفاد الأصل الآخر العلم به كما تقدم ذلك في وجه تقديم الاستصحاب على أصالتي البراءة والحلية حيث إنه إذا جرى الاستصحاب في ناحية حرمة الشيء أو حليته لا يبقى مجال لهما.

نعم، لولم يجري الأصل الحاكم في مورد للمانع كالابتلاء بالمعارض جرى الأصل المسببي كما إذا توضأ المحدث بأحد ماءين يعلم بتنجس أحدهما أو غسل ثوبه المتنجس بأحدهما فإنه إذا لم يجر الاستصحاب في ناحية طهارة الماء المغسول ولا أصالة الطهارة يجري الاستصحاب في ناحية بقاء حدثه أو نجاسة ثوبه ومن هذا القبيل ما لو علم إجمالاً بنجاسة ثوبه أو مائه فلا يحكم بطهارة شيء منهما فلا يجوز الوضوء وغسل ثوبه المتنجس بذلك الماء كما لا يجوز لبس ذلك الثوب في صلاته، ولكن يجوز شرب ذلك الماء لأصالة الحلية فإن أصالة الحلية أصل مسببي يختص جريانه بالماء ولا مورد لها في ناحية الثوب لأن ظاهر «كل شيء حلال» الحلية التكليفية التي لا مجال لها في ناحية الثوب؛ لأنه لا يحرم لبس اللباس النجس وإنما يكون مانعاً عن الصلاة وبعد تعارض كل من استصحاب الطهارة وأصالتها في ناحية الماء واللباس وكذا أصالة البراءة عن حرمة شرب الماء وعدم مانعية الثوب عن الصلاة تجري أصالة الحلية في شرب الماء بلا معارض على ما تقدم في بحث قاعدة الاشتغال.









الصورة الثالثة ـ ما إذا علم انتقاض الحالة السابقة في أحد الموردين ولكن لم يكن الاستصحاب في أحدهما أصلاً سببياً وفي الآخر مسببياً بأن لم يترتب أحد المشكوكين على الآخر ثبوتاً أو نفياً بترتب شرعي كما إذا كان كل من الإناءين نجساً وعلم بوقوع المطهر لأحدهما فإنه يجري الاستصحاب في ناحية بقاء كل منهما على تنجسه حيث إن الموجب للتعارض بين الأصلين التنافي في مدلولهما أو لزوم الترخيص القطعي في مخالفة التكليف المحرز في أحدهما وهذا المحذور غير لازم في جريان الاستصحاب في ناحية نجاسة كل منهما ويترتب على إحراز النجاسة في كل منهما الحكم بنجاسة الملاقي لكل منهما بخلاف ما إذا لزم من جريان الاستصحاب أو غيره من الأصل النافي الترخيص القطعي في مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال كما إذا علم بنجاسة أحد إناءين كان كل منهما طاهراً فإنه يسقط في جميع الأطراف الاُصول النافية ولزوم المخالفة الالتزامية في الفرض السابق لا محذور فيه وإنما المحذور في الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواقعي الواصل بالعلم الإجمالي، ولكن ذكر الشيخ (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي سواء كان الأصل الجاري فيها مثبتاً للتكليف أو نافياً بدعوى أن شمول أخبار لا تنقض لكل من أطراف العلم يوجب التناقض بين صدرها وذيلها فإن النهي عن نقض اليقين بالشك في كل واحد من الأطراف يناقضه ما في ذيلها من لزوم نقض اليقين السابق في البعض الذي انتقض فيه اليقين السابق ومعلوم ذلك للمكلف يقيناً لزوم مناقضة الموجبة الجزئية مع السالبة الكلية.









والجواب عن ذلك بوجهين:







الأوّل ـ أن ما ورد في ذيل بعض الأخبار من الأمر بنقض اليقين باليقين ليس حكماً تعبدياً بل لانتهاء الموضوع للاستصحاب حيث إن الاستصحاب حكم ظاهري فلا يكون له موضوع مع العلم بالواقع والمفروض أن الموضوع للاستصحاب في كل من الأطراف في نفسه موجود ولا علم بالخلاف في كل منها في نفسه.









والثاني ـ لو فرض حصول الإجمال للأخبار التي ورد فيها هذا الذيل ولم يعلم أن موارد العلم الإجمالي فيها داخل في الصدر وخارج عن الذيل أو بالعكس فتسقط تلك الأخبار عن الاعتبار في أطراف العلم الإجمالي لإجمالها بالإضافة إلى أطرافه، وأما الأخبار التي لم يرد فيها ذلك الذيل فيؤخذ بها في أطراف العلم الإجمالي.









وقد تحصل أن المانع عن جريان الاُصول النافية في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم الترخيص القطعي في المخالفة القطعية للتكليف الواصل بالعلم الإجمالي وأما الترخيص في البعض فأمر ممكن ولكن يحتاج البعض إلى التعيين ومع كون مفاد الأصل بالإضافة إلى كون الأطراف على السواء لا يجري في شيء منهما، وظهر أيضاً أن ملاك التعارض في الأمارات مثل الخبر غير ملاك التعارض في الاُصول العملية حيث إن قيام خبر الثقة على حكم لموضوع ينفي مدلول الخبر الآخر مع العلم الإجمالي بعدم ثبوت مدلولهما معاً في الواقع فلا يمكن اعتباره علماً بالواقع مع نفي الآخر مدلوله بخلاف الأصل فإنه لا يثبت إلاّ مدلوله ومفاده ولا ينفي مفاد الآخر، وعلى ذلك فلا بأس بالأخذ بهما معاً إذا لم يستلزم المخالفة العملية.

















(1). الوسائل 17: 292، الباب 28 من أبواب الأشربة.









(2). الوسائل 5: 318، الباب 8 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 3، وفيه «إذا سهوت فابن على الأكثر».









(3). الوسائل 5: 329، الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة.









(4). الوسائل 5: 340، الباب 24 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 8، وفيه: «وليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه».









(5). التهذيب 7: 20.









(6). الوسائل 2: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

































تذنيب: لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز حال الاشتغال بالعمل، وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه، وأصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلاّ القرعة تكون مقدمة على استصحاباتها [1] المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات لتخصيص دليلها بأدلتها، وكون النسبة بينه وبين بعضها عموماً من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها بعد الإجماع على عدم التفصيل بين مواردها مع لزوم قلة المورد لها جداً لو قيل بتخصيصها بدليلها إذ قلّ مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها















تقديم قاعدة التجاوز والفراغ وأصالة الصحة وقاعدة اليد على الاستصحاب في مواردها















[1] قد ذكر (قدس سره) أن في البين قواعد فقهية يختص جريانها بالشبهات الموضوعية ولا مورد لها في الشبهات الحكمية كقاعدة التجاوز حيث تجري أثناء العمل عند الشك في الإخلال بجزء العمل الذي تجاوز محله وكقاعدة الفراغ عند الشك في صحة العمل بعد الفراغ عنه بأن احتمل الإخلال في العمل المأتي به بترك جزئه أو شرطه أو اقترانه بالمانع بحيث يكون ذلك الإخلال موجباً لبطلانه ولو كان من غير تعمد وكأصالة الصحة الجارية في عمل الغير بحيث لو كان عمله فاسداً وجب عليه ذلك العمل كما في مورد الواجب الكفائي أو لم يجز له ترتيب الأثر على ذلك العمل كعدم جواز شراء متاع تملكه بايعه بالمعاملة الفاسدة وكقاعدة اليد فيما إذا شك في سلطنة ذي اليد بالمال الذي بيده فيبني على كونه سلطاناً أو مالكاً ولا ينبغي التأمل أن في موارد جريان هذه القواعد يلغى الاستصحاب الجاري فيها المخالف لمفاد تلك القواعد بمعنى أنه يخصص خطابات النهي عن نقض اليقين بالشك بأدلة اعتبار تلك القواعد، وقال: كون النسبة بين خطابات الاستصحاب ودليل اعتبار بعض تلك القواعد عموماً من وجه لا يوجب التأمل في التخصيص وذلك لوجهين:







الأول ـ للإجماع بعدم الفرق بين موارد تلك القواعد وأنها معتبرة فيها سواء كان الاستصحاب مخالفاً لها في تلك الموارد أم لا.









والثاني ـ أن النسبة بين خطاب الاستصحاب وقاعدة الفراغ وإن كانت العموم من وجه إلاّ أن الغالب يكون الاستصحاب مخالفاً لمفاد القاعدة ولو قدم الاستصحاب في تلك الموارد عليها يكون اعتبارها كاللغو حيث إن الشك في صحة عمل ناش عن إتيان الجزء أو شرطه والاستصحاب يقتضي عدم الإتيان بهما حال العمل فتختص القاعدة على تقدير تقديم الاستصحاب بما إذا كان الاستصحاب موافقاً لها كما إذا شك في صحة العمل للشك في بقاء وضوئه حال صلاته أو شك المكلف في وضوئه حال الصلاة مع علمه بحدوث حالتين من الحدث والطهارة وشك في المتقدم والمتأخر منهما فإن مع حصول هذا العلم بعد صلاته لا يمكن تصحيح صلاته بالاستصحاب فتجري قاعدة الفراغ إلاّ أن اختصاص القاعدة بمثل هذه الموارد النادرة يجعل اعتبارها كاللغو بخلاف تقديمها على الاستصحاب فإنه لا يوجب محذوراً.

أقول: لا ينبغي التأمل في تقديم القواعد المذكورة على الاستصحابات في مواردها ودعوى الإجماع على ذلك لا يكون من الإجماع التعبدي لاحتمال أن يكون مدرك البعض لا الجل على التقديم ما تقدم من لزوم لغوية تلك القواعد أو كونها كاللغو مضافاً إلى مسألة اعتبار الاستصحاب، وكذا بعض تلك القواعد عند البعض تختلف، وربّما يرى البعض تلك القواعد أمارة والاستصحاب أصلاً عملياً ولذلك يكون تقديم تلك القواعد باعتبار أماريتها بل قد يذكر أنها على تقدير الأمارية تكون معتبرة في مثبتاتها كما إذا شك بعد الصلاة أنه توضأ لها قبلها أم لا يحكم بصحة الصلاة.

وثبت كونه على وضوء يجوز مع عدم الحدث بعدها الدخول في صلاة اُخرى وأيضاً يمكن أن يقال: إن وجه تقديم قاعدتي التجاوز والفراغ بل وقاعدة اليد ما ورد في إجراء تلك القواعد في الروايات في موارد كون الاستصحاب على خلافها كما في صحيحة زرارة الواردة في قاعدة التجاوز حيث حكم الإمام عليه بحصول الجزء السابق من الصلاة إذا شك بعد الدخول في الجزء اللاحق، وكما حكم بتمام الوضوء بعد الفراغ في مورد الشك في وقوع الخلل فيه، ومع هذا كيف يمكن دعوى الإجماع التعبدي؟







وذكر النائيني (قدس سره) أنه لا يجري الاستصحاب في موارد قاعدتي التجاوز والفراغ سواء قيل بأنهما من الأمارة أم لا فإنهما لو كانتا من الأمارة من جهة أن إرادة المكلف الإتيان بالمركب أو المشروط كافية في الإتيان بهما بتمام الأجزاء والشرايط على حسب الترتيب المقرر لهما ولا يحتاج إلى إرادة كل جزء مستقلاً بل ما دامت الإرادة الأولية موجودة يعمل على طبقها والتخلف عن ذلك يكون بالغفلة في الأثناء اتفاقاً، والشارع اعتبر هذه الغلبة كما يشير إلى ذلك ما في بعض أخبار القاعدتين «حين يتوضأ أذكر منه حين ما يشك»(1) فعلى ذلك لا مجال مع اعتبار الغلبة بالأصل العملي وإن قيل بأن القاعدتين أيضاً من الاُصول العملية في الموضوعات فيمكن الالتزام بحكومة دليل اعتبارهما على الاستصحاب فإن الشك في بقاء الحالة السابقة ناش عن احتمال عدم حصول الرافع لتلك الحالة السابقة، ومفاد القاعدتين حدوث الرافع لها فينتفي الشك والاحتمال في ناحية البقاء والرافع لا عدم السابق هو الوجود.

وفيه أنه لا دلالة لقوله (عليه السلام) «حين يتوضأ أذكر منه» إلاّ على التعبد بالذكر حال العمل كناية عن التعبد بحصول العمل بتمامه؛ لأن ترك البعض عمداً خلاف المفروض في القاعدتين فيكون الترك في أثنائه للغفلة فالتعبد بعدم الغفلة كناية عن حصول تمام العمل لا يقتضي جعل الغلبة معتبرة مع أن القاعدتين تجريان فيما إذا شك المكلف بعد التجاوز والفراغ وإن كانت الغفلة له أثناء العمل أمراً عادياً.

نعم، مع علمه بالغفلة في مورد أثناء العمل يشكل جريان قاعدة الفراغ في ذلك العمل.









وأما ما ذكر (قدس سره) من حكومة القاعدتين على الاستصحاب في موارد جريانهما؛ لأن احتمال بقاء العدم وهي الحالة السابقة ناش عن احتمال عدم حدوث رافعه فإن الوجود هو قالع العدم فإذا ورد التعبد بالحصول ينتفي احتمال بقاء العدم فلا يخفى ما فيه؛ لأن احتمال بقاء الشيء على عدمه واحتمال وجوده في عرض واحد وكما أن التعبد بالوجود يرفع احتمال بقاء العدم كذلك التعبد ببقاء العدم يرفع احتمال الوجود والعمدة في نفي الحكومة ما ذكرنا لا ما يقال.









وأما الإشكال على الحكومة بأن الحكومة على ما إذا كان الخطاب الحاكم ناظراً إلى خطاب المحكوم بحيث لو لم يكن خطاب المحكوم كان خطاب الحاكم لغواً كقوله (عليه السلام): لا شك لمن كثر شكه، فأنه لو لم يكن خطاب: «إذا شككت فابن على الأكثر»(2) كان الخطاب المذكور لغواً وليس المقام كذلك فإنه لو لم يكن خطاب لاعتبار الاستصحاب كان اعتبار قاعدي الفراغ والتجاوز صحيحاً وخطابهما لم يكن لغواً فلا يمكن المساعدة عليه؛ فأن ما ذكر غير معتبر في الحكومة ولذا يكون خطاب اعتبار البيّنة وخبر الثقة حاكماً على خطاب اعتبار الاستصحاب ولولم يكن دليل على اعتبار الاستصحاب لم يكن اعتبارهما لغواً بل الحال كذلك بالإضافة إلى خطاب «لا شك لكثير الشك»(3) فإنه لو لم يكن خطاب «إذا شككت فابن على الأكثر» لم يكن خطاب نفي الشك عن كثير الشك لغواً، بل كان وارداً على أصالة الاشتغال التي يستقل بها العقل، وما ذكرنا في وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب من تقريب الحكومة لا يجري في المقام لأخذ الشك في كلا الخطابين.









ثمّ إن الماتن (قدس سره) التزم بتقديم الاستصحاب في موارد جريانه على القرعة وأن ما ورد من: أن القرعة في كل مجهول(4)، يكون مخصصاً بخطابات النهي عن نقض اليقين بالشك فيكون الموضوع في الاستصحاب المجهول الخاص أي المعلوم حالته السابقة بخلاف الموضوع للقرعة فإنه مطلق المجهول، ودفع ما يقال في المقام من أن النسبة بين دليل اعتبار القرعة والاستصحاب العموم من وجه لعدم جريان القرعة في الشبهات الحكمية باتفاق الكلمة بخلاف اعتبار الاستصحاب فإنه يعم الشبهة الحكمية أيضاً فتكون الشبهة الموضوعية التي لا حالة سابقة لها مورد القرعة دون الاستصحاب، وموارد الحالة السابقة في الشبهات الحكمية مورد للاستصحاب لا القرعة فالشبهة الموضوعية التي لها حالة سابقاً مورد اجتماع الخطابين فلا وجه لجعل خطابات الاستصحاب أخص مطلقاً ووجه الدفع أنه يأتي في بحث انقلاب النسبة أن النسبة بين الخطابين تلاحظ قبل ملاحظة تخصيص أحدهما بمخصص آخر، وبتعبير آخر يعتبر في ملاحظة النسبة الظهور الاستعمالي بين الخطابين وتخصيص قاعدة القرعة بالشبهات الحكمية لا يوجب خروج خطابي الاستصحاب والقرعة عن نسبة العموم والخصوص إلى العموم من وجه.









وأضاف إلى ذلك بأن العموم في قاعدة القرعة موهون لعدم جريانها في جلّ من الشبهات الموضوعية حتى التي لا تكون فيها حالة سابقة محرزة؛ ولذا يقال: إنه لا يعمل بها إلاّ في مورد قام دليل خاص فيه أو عمل المشهور فيه بقاعدة القرعة حيث إن عملهم بها فيه كاشف عن أن القرينة الخاصة التي كانت في خطابات القرعة لم تكن مخرجة ذلك المورد عن أدلتها وهذا بخلاف أدلة الاستصحاب فإن قوة دليله لقلة التخصيص الوارد عليه توجب تقديمها على أدلتها حتى مع كون النسبة بينهما العموم من وجه.

















قاعدة الفراغ








ثمّ إنه لا بأس بالتعرض لكل من تلك القواعد وإن كانت خارجة عن مباحث علم الاُصول فإنها قواعد فقهية يكون نتيجة تطبيقها على صغرياتها إحراز حكم طريقي جزئي كما هو شأن القواعد الفقهية في جلها حيث يستفاد منها بعد ضمها إلى صغرياتها حكم جزئي سواء كان ذلك الحكم نفسياً أو طريقياً تكليفياً أو وضعياً فنقول أصالة الصحة فيما إذا شك بعد الفراغ من العمل في صحته المعبر عنها بقاعدة الفراغ يستفاد اعتبارها من بعض الروايات حيث إن الروايات بعضها وإن كانت واردة في خصوص الشك في الطهارة والصلاة ولا يستفاد منها إلاّ حكم الشك في الصحة بعد الفراغ منهما إلاّ أن بعضها الآخر يستظهر منه القاعدة الكلية:







ـ كموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو»(5) فإن ظاهرها مضي نفس الشيء والشك فيه بعد مضيه لا مضي محله ينطبق على قاعدة الفراغ.









ـ وحسنة بكير بن أعين أو صحيحته قال: قلت له: الرجل شك بعدما يتوضأ قال: «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»(6) حيث يستفاد منها أن الحكم بعدم الاعتناء لكون المتوضئ حين توضئه أذكر وهذا يجري في حق كل مكلف يشك في عمله بعد الفراغ منه.









ـ وصحيحة محمد بن مسلم المروية في آخر السرائر عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنه قال: «إن شك الرجل بعدما صلى فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك»(7) والتقريب كما في السابقة عليها والمناقشة في الأخيرة بأنه عند الانصراف الظاهر في الإتيان بالتسليمة كان على يقين من تمام صلاته ثمّ شك في تمامها فتدل الصحيحة على اعتبار قاعدة اليقين في الفرض حيث إن ظاهرها أنه كان قريباً إلى الحق حال الانصراف المفروض فيه اليقين بتمام صلاته، وهذا غير كونه أقرب إلى الحق حين صلاته ففرق بين السابقة وبين الأخيرة أضف إلى ذلك أنه يحتمل أن يكون مفاد الجواب هو الحكم عليه بإتيان الركعة الرابعة حيث إنها متعلق شكه بعد تجاوز محلها لا يمكن المساعدة عليها؛ لأن قوله (عليه السلام) «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق بعد ذلك» ظاهره عند الانصراف والفراغ وأنه عندهما كان أقرب إلى الحق يعني الإتيان بالعمل التام وهذا المفاد هو الحكم بتحقق العمل التام الصحيح لا التعبد بتحقق الركعة الأخيرة عندما شك وإن كان الحكم بالثاني يلازم الحكم بتحقق التام الصحيح.









وأما حسنة بكير بن أعين فهي مضمرة واعتبارها مبني على الوثوق بأن المسؤول كان الإمام (عليه السلام) كما لا يبعد فإنه لم يوجد مورد أن يسأل هو عن شيء غير الإمام (عليه السلام)ويروي جوابه ليقال أن مرويه في المقام من ذلك القبيل.

وربما يستدل على قاعدة الفراغ بصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء، إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»(8) ولكن لا يستفاد منها إلاّ اعتبار قاعدة الفراغ في الوضوء، وأما في غيره فلا وذلك فإن المراد من الضمير في قوله (عليه السلام): «دخلت في غيره» الوضوء، وكذا في قوله «لم تجزه» بقرينة عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء قبل الفراغ منه.









وعلى الجملة كل عمل يتصف بالصحة تارة، واُخرى بالفساد ففيما فرغ المكلف منه وكان مريداً الإتيان به على الوجه التام والصحيح وشك في أنه وقع فيه خلل حاله للغفلة أم لا يحكم بوقوعه صحيحاً ما لم يحرز الخلاف بلا فرق بين العبادات وغيرها من المعاملات بالمعنى الأخص من العقود والإيقاعات بل المعاملات بالمعنى الأعم من الأعمال التي توصف بالصحة والتمام تارة وبالفساد اُخرى، وأما قاعدة التجاوز فهل هي مختصة بباب الصلاة أو أنها تعم جميع الأعمال المركبة التي لها أجزاء مترتبة فتجري فيما إذا تجاوز المكلف محل جزء من أجزائه ودخل في الجزء المترتب عليه وشك في أنه أتى بالجزء السابق في محله أم لا يبني على الإتيان، وكذا في كل عملين تكون صحة اللاحق منوطة بسبق السابق وإذا اشتغل باللاحق مع فوت محل السابق كما في عمرة التمتع بالإضافة إلى حجه فإنه إذا دخل في أفعال حج التمتع وشك في أنه أتى بالعمرة قبله فيحكم بالإتيان بها قبله، وكما في أذان الصلاة وإقامتها على ما يأتي، ويقال قبل التكلم في عموم قاعدة التجاوز وعدم عمومها لابد من التكلم في أمر وهو أن القاعدتين مرجعهما إلى أمر واحد أو أن كلاً منهما قاعدة مستقلة ولا ترجعان إلى قاعدة واحدة فإنه لو قيل برجوعهما إلى أمر واحد يكفي العموم في أدلة قاعدة الفراغ وأما بناءً على عدم رجوع إحداهما إلى الاُخرى فلابد في عموم قاعدة التجاوز كقاعدة الفراغ من ملاحظة أدلتها، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) في الرسالة بأن مرجع قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز، قال في الأمر السادس: إن الشك في صحة المأتي به حكمه حكم الشك في الإتيان بما هو هو لأنها بعينه الشك في وجود التام والمتعبد به في الروايات أنه إذا تجاوز المكلف الموضع المقرر للإتيان بالشيء وشك بعد ذلك في الإتيان به في ذلك الموضع لا يعتني بشكه سواء كان المشكوك أصل وجوده أو وجوده التام فلا يكون في البين قاعدتان ليقع البحث في اختصاص قاعدة التجاوز بباب الصلاة أو أنها تعم كل الأبواب.









وناقش المحقق النائيني (قدس سره) في إرجاعهما إلى قاعدة واحدة بأن المتعبد به في قاعدة التجاوز وجود الشيء أو العلم بوجوده عند الشك فيه بعد تجاوز محله على ما هو التعبد بمفاد كان التامة، وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود أو العلم بصحته بعد الفراغ عن إحراز أصل وجوده على ما هو مفاد كان الناقصة والجمع بين التعبدين غير ممكن لعدم إمكان الجمع في لحاظ واحد الشيء مفروض الوجود وفي نفس ذلك لحاظه غير مفروض الوجود، وما ذكر الشيخ (قدس سره) من أن الشك في الصحة يرجع إلى الشك في وجود الصحيح بمفاد كان التامة لا يمكن المساعدة عليه فإنه ليس المطلوب في موارد قاعدة الفراغ إثبات وجود الصحيح الذي مفاد كان التامة وإنما المطلوب إحراز صحة الموجود الذي مفاد كان الناقضة، وإثبات صحة الموجود خارجاً بإثبات وجود الصحيح من الأصل المثبت نظير ما تقدم في الاستصحاب من أن الاستصحاب في وجود الماء الكر في مكان لا يثبت أن الماء الموجود فيه فعلاً كرّ.









لا يقال: لا حاجة إلى إثبات صحة الموجود بمفاد كان الناقصة في موارد قاعدة الفراغ بل يكفي إحراز حصول الفعل التام بمفاد كان التامة فإن التكليف في باب الصلاة مثلاً قد تعلق بما أوله التكبير وآخره التسليم الواجد للقيود والمطلوب صرف وجود هذا التام، وبالتعبد بصرف وجوده يتم إحراز الامتثال حيث يرتفع الموضوع لقاعدة الاشتغال.









فإنه يقال: نعم يكفي ذلك في العبادات ومتعلقات التكاليف حيث إن المطلوب فيها حصول الشيء بنحو صرف الوجود، ولكن لا يتم في المعاملات؛ لأن الأثر المطلوب فيها وهو الحكم الوضعي يترتب على وجوداتها الانحلالية مثلاً النقل والانتقال يترتب على ما يوجد من شخص البيع ولو شك في صحته وفساده فلا تثبت صحته بأصالة الوجود الصحيح من طبيعي البيع بمفاد كان التامة بل لابد من إثبات صحة ما وقع في الخارج.









وقد يجاب عما ذكره كما عن بعض الفحول (طاب ثراه) بأنه يكفي في المعاملات أيضاً التعبد بحصول المعاملة التامة بين المالين فإن التعبد بحصول طبيعي البيع التام بين المالين الخارجيين المفروضين كاف في الحكم بالانتقال فيهما كما في فرض أن الكتاب الموجود خارجاً ملك لزيد والدرهم الموجود كذلك خارجاً لعمرو، ويكفي في حصول النقل والانتقال شرعاً الحكم بحصول البيع التام المتعلق بهما، ولا حاجة إلى إثبات مفاد (كان) الناقصة، وكذا الحال فيما كان المبيع على ذمة زيد أو كان الثمن على عهدة عمرو.









وأيضاً فما ذكر من أن الجمع بين مفاد (كان) التامة و(كان) الناقصة في التعبد بتشريع قاعدة واحدة غير ممكن ضعيف فإن معنى الإطلاق هو رفض القيود لا الجمع بينهما وإذا كان معنى الإطلاق رفضها فيمكن أن يجعل الشك فيما مضى بلا فرق بين كون المضي موضعاً أو وجوداً لاغياً من غير خصوصية لتعلق الشك بالوجود أو صحته.









وذكر في آخر كلامه أنه يمكن إرجاع القاعدتين إلى قاعدة واحدة بلا محذور فإن الشك في الصحة إنما يكون مسبباً عن الشك في وجود الجزء أو الشرط ومع التعبد بحصول الجزء أو الشرط حال العمل تثبت الصحة فيكون مفاد الروايات التعبد بوجود الشيء بعد مضي محله.









نعم، يبقى في البين ظهور بعض الروايات في التعبد بالصحة كقوله (عليه السلام) كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو(9) فإنه ظاهر في تحقق نفس الصلاة والطهارة في الحكم بعدم الاعتناء بالشك فيهما فيكون مفاده قاعدة الفراغ وظهور بعضها الآخر في التعبد بأصل الوجود عند الشك فيه بعد تجاوز موضعه كما يأتي، أقول: قد تقدم ثبوت العموم بالإضافة إلى قاعدة الفراغ ولابد من التكلم في أن عموم قاعدة الفراغ يغني في جميع موارد قاعدة التجاوز أو أن عمومها لا يغني، ومع عدم الإغناء لابد من التصدي لإثبات قاعدة التجاوز ومجرد إمكان الجمع بينهما في خطاب واحد يكون ظاهره اعتبار قاعدة الفراغ فنظر لما في صحيحة محمد بن مسلم حيث إن ظاهرها مضي نفس العمل لا محله مع إغناء قاعدة الفراغ عن قاعدة التجاوز في كثير من الموارد غير كاف.

نعم، لو ثبت العموم في قاعدة التجاوز أمكن أن يقال باغنائها عن قاعدة الفراغ لما تقدم من الوجه الأخير، ولكن هذا النحو من الإغناء يبتني على القول بأن مضي نفس العمل من قبيل مضي محل شرط ذلك العمل وأما النحو الذي ذكره الشيخ (قدس سره) من أنّ المتعبد به هو الوجود الصحيح فلا يغني فإن موضوع الوجود الصحيح ومحله لا يمضى إلاّ بخروج الوقت المضروب للعمل، وأما ما لا وقت له فلا يمضي محله أصلاً كما إذا شك قبل الزفاف في عقد النكاح الذي أوقعه وأنه أوقعه باللغة العربية مثلاً أو بغيرها حيث إن العقد الصحيح لم يتجاوز محله فإن النكاح الصحيح لا محل له شرعاً بأن يقع قبل الزفاف بل الوطء يعتبر في جوازه وقوعه بعد العقد.









ولا يخفى أنه يكفي في تشريع القاعدتين عدم لغوية اعتبارهما معاً وإن كان اعتبار أحدهما يغني عن الاُخرى في كثير من الموارد أو غالبها فدعوى أن اعتبار كل من القاعدتين مع عموم كل منهما لغو لا يمكن المساعدة عليها.









فإنه قد يكون لإحدى القاعدتين معارض دون الاُخرى كما إذا قام المصلي إلى الركعة وعلم إجمالاً بأنه ترك سجدتين أما من الركعة التي قام عنها أو في ركعة من صلاته السابقة فإن قاعدة التجاوز في كل من الصلاتين معارضة بقاعدة التجاوز في الاُخرى، وأما قاعدة الفراغ فتجري في الصلاة السابقة بلا معارض؛ لأنها لا تجري في الصلاة التي بيده لعدم إحراز الفراغ من الركعة السابقة لاحتمال بقاء السجدتين منها.









وذكر النائيني (قدس سره) محذوراً آخر في إرجاع القاعدتين إلى قاعدة واحدة وهو أنه إذا تكفل خطاب واحد لاعتبارهما يلزم التنافي في مدلول ذلك الخطاب؛ لأن مقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء باحتمال ترك الركوع فيما إذا شك فيه بعد الدخول في السجود؛ لأن الشك في الركوع بعد تجاوز محله حيث إن محله قبل السجود، ومقتضى قاعدة الفراغ الاعتناء بالشك فيه؛ لأن الشك في صحة الركعة أو الصلاة قبل الفراغ منهما فيعمه قوله (عليه السلام) «إنما الشك في شيء لم تجزه»(10) ولو كان خطاب واحد كان مفاده الاعتناء بالشك في الركوع في الفرض وعدم الاعتناء به فهذا هو التنافي في مدلوله بخلاف ما إذا قلنا بأن كلاً منهما قاعدة مستقلة استفيدت من خطاب مستقل فإنه في الفرض تقدم قاعدة التجاوز على مفهوم قاعدة الفراغ؛ لأنه لو لم يقدم خطاب قاعدة التجاوز على مفهوم قاعدة الفراغ لم يبق لقاعدة التجاوز مورد؛ لأنها مضروبة للشك في أثناء عمل يشك في أثنائه في الإتيان بجزئه.

أقول: لو كان في البين الخطاب الواحد لم يقع بينهما تناف في مثل الفرض حيث يكون المفروض كوجود الموضوع للاستصحاب في كل من الشك السببي والمسببي وكما لا تحصل منافاة في خطاب الاستصحاب؛ لأنه بشموله ناحية السبب يرتفع الشك في ناحية المسبب ففي الفرض أيضاً بالتعبد بحصول الركوع قبل السجود لا يكون شك في الصلاة قبل الفراغ منها بل يحرز صحتها وحصول الركوع فيها قبل السجود قبل الفراغ منها، ولعله (قدس سره) أشار إلى ما ذكرنا في آخر بيان هذا الوجه بالأمر بالتأمل.









وذكر (قدس سره) وجهاً آخر أيضاً في امتناع تكفل خطاب واحد لكل من قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ وقال إن مورد قاعدة التجاوز يكون التعبد بالجزء بعد الدخول في جزء آخر كما إذا شك في حصول جزء من أجزاء العمل بعد دخوله في الجزء الآخر فلابد في قاعدة التجاوز النظر إلى كل جزء نظراً استقلالياً بخلاف قاعدة الفراغ ففيها يكون النظر الاستقلالي إلى الكل بحيث يلاحظ الكل شيئاً واحداً وإذا شك في صحته بعد الفراغ منه يبنى على صحته ولو شمل خطاب واحد لكل من القاعدتين يلزم أن يكون اللحاظ في الجزء نظراً تبعياً واستقلالياً بلحاظ واحد وفيه أنه كما تجري قاعدة الفراغ في الكل تجري في الجزء أيضاً مثلاً إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في الطهارة حالها يحكم بقاعدة الفراغ بصحتها، وكذا إذا شك بعد الركوع في أنه كان حال الاستقرار أو بلا استقرار يحكم بصحتها وبتعبير آخر الشك في شرط يعتبر في نفس الصلاة بعد الفراغ منها مورد لقاعدة الفراغ دون الشك في ذلك الشرط في أثنائها مثلاً إذا شك في أثناء الصلاة في طهارته فلا تصحح الصلاة بقاعدة الفراغ؛ لأن الطهارة معتبرة حتى في الأجزاء الباقية التي لم يفرغ منها بخلاف الشك أثناء الصلاة في أنه كان عندما ركع استقرار أم لا فإنه يحكم بقاعدة الفراغ صحة ركوعه فقاعدة الفراغ تعم الشك في صحة الجزء وصحة الكل فكيف اجتمع في التعبد الواحد بين الجزء والكل؟ وإذا كان الجواب أنه إنما لا يمكن الجمع بين النظر الاستقلالي والتبعي في شيء واحد في لحاظ واحد تفصيلاً، وأما لحاظها بعنوان عام إجمالي يندرج فيه الكل والجزء فلا بأس به كقولهم: إن الممكن لا يوجد بلا علة هذه القاعدة كما تعم الجزء تعم الكل أيضاً حيث إن الحكم بلحاظ عنوان عام واحد وهو عنوان ممكن الوجود المنحل إلى الجزء والكل وغيرهما ممكن فالأمر في قاعدتي الفراغ والتجاوز أيضاً كذلك حيث يلاحظ المشكوك بعنوان الشيء الذي مضى بنفسه أو بمحله وأن الشيء بعد مضيه لا يعتني به فيعم الشك في الركوع بعد الدخول في السجود ويعم الشك في الاستقرار حال الركوع بعد الفراغ منه ويعم الشك في الطهارة في الصلاة بعد الفراغ منها.









ودعوى أن المضي في قاعدة الفراغ يلاحظ بالإضافة إلى نفس العمل فيكون الإسناد حقيقياً وفي قاعدة التجاوز إسناده إلى نفس الشيء بالعناية أو الإضمار حيث إن الماضي محل الشيء وموضعه فتكون إرادة القاعدتين من مثل قوله (عليه السلام): «إنما الشك في شيء لم تمضه» من استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والعنائي أو من قبيل الإسناد الحقيقي والمجازي، وفيه أن الشك في موارد قاعدة الفراغ في الحقيقة في شيء تجاوز محله فإن اقتران الصلاة بالطهارة بعد الفراغ من أصل الصلاة تجاوز محله لا يمكن المساعدة عليه فإن في موارد قاعدة الفراغ يكون منشأ الشك في الصحة الشك في الجزء أو الشرط ومحل الجزء أو الشرط المشكوك ولو كان شرطاً في المركب ينقضي بانقضاء العمل فإذا جرت القاعدة في الجزء أو الشرط المشكوكين تحرز صحة العمل على ما تقدم.

نعم، بين الشك في الجزء والشرط فرق فإنه إذا شك في الركوع بعد السجود، وجرت قاعدة التجاوز في الركوع يحرز بها تحقق الركوع قبل السجود وتصح الأجزاء الآتية أيضاً؛ لأن الركوع قبل السجود في الركعة الاُولى كما هو شرط في صحة السجود شرط في الأجزاء الآتية أيضاً وقد أحرز ذات الركوع بالقاعدة فتصح الأجزاء الآتية أيضاً بخلاف ما إذا شك في أثناء الصلاة في وضوئه فإنه كما أن الوضوء شرط في الأجزاء السابقة كذلك شرط في الأجزاء اللاحقة، وبالقاعدة لا تحرز نفس الوضوء بل مفاد (واو) الجمع ومحل (واو) الجمع لم تمض بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة، وبتعبير آخر لا يمكن إحراز نفس الوضوء بمفاد قاعدة التجاوز بجريانها في الصلاة حتى فيما إذا شك فيه بعد الفراغ من الصلاة فضلاً عن أثنائها؛ ولذا لابد من الوضوء للصلاة الآتية وإنما يحرز بها مفاد (واو) الجمع بخلاف ما إذا شك في جزء العمل في أثناء العمل بعد تجاوز محله أو بعد العمل فإنه يحرز بها نفس ما يسمى جزءاً ولذا يحكم بصحة الأجزاء الآتية وتمام العمل.









ثمّ إنه قد تقدم العموم في قاعدة الفراغ وإن كان بعض رواياتها قاصرة عن العموم ويكفي في العموم قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: «كلّما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو»(11) وربّما يستظهر العموم من قوله (عليه السلام) في موثقة بكير بن أعين قال: «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: هو حين ما يتوضأ أذكر»(12) ووجه الاستظهار أن الحكم بعدم الاعتناء بالشك في صحة الوضوء بعد تمامه والفراغ منه لكونه أذكر حين التوضؤ، ومن الظاهر أن الأذكرية حال العمل لا يختص بالوضوء بل كل فاعل عند العمل الذي يريده لا يترك منه شيئاً إلاّ مع الغفلة ومثلها كما تقدم صحيحة محمد بن مسلم المروية في آخر السرائر حيث ورد فيها «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك»(13) وأما صحيحة عبداللّه بن يعفور عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء وإنما الشك في شيء لم تجزه»(14) فلا ظهور لها في العموم لاحتمال كون المراد بالشيء في القضية الحصرية ما يعتبر في الوضوء والضمير في «لم تجزه» راجع إلى نفس الوضوء ولو بقرينة ما ورد في عدم اعتبار قاعدتي التجاوز والفراغ أفعال الوضوء قبل الفراغ من الوضوء والقيام عنه، وبعض روايات قاعدة الفراغ في نفسها قاصرة عن العموم كقوله (عليه السلام) «كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه»(15) كما ذكرنا ولكن يكفي في الالتزام بعمومها ما ذكرنا.









وأما بالإضافة إلى عموم قاعدة التجاوز وعدم عمومها فالعمدة في قاعدته صحيحة زرارة حيث ورد في ذيلها «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء»(16) وموردها شاهد قطعي بأن المراد الخروج من محل الشيء، ولكن قد يقال كما أن موردها قرينة على أن المراد تجاوز محل الشيء كذلك قرينة على كون المراد من الشيء المذكور بنحو النكرة ما هو معتبر في الصلاة من أجزائها أو يعتبر قبلها في كمالها مما أمر به قبلها كالأذان والإقامة، ومع الإغماض عن ذلك وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع عن تمامية مقدمات الحكمة وفيه أن تطبيق الكبرى على موارد الشك في الوجود بعد مضي محلها يعد قرينة على أن المراد من الخروج من الشيء الخروج من موضعها ولا تكون قرينة على أنها مختصة بالشك في الوجود بعد مضي محلها في خصوص تلك الموارد الواردة في السؤال وأن وجود القدر المتيقن بهذا النحو لا يمنع عن انعقاد الظهور الإطلاقي في الكبرى وإلاّ بطل التمسك في الإطلاقات الواردة في الجواب عند السؤال عن بعض الموارد والصغريات كما قرر في الاُصول ومع الإغماض عن ذلك فقد ورد في صحيحة إسماعيل بن جابر العموم الوضعي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن شك في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»(17) وقد ذكر في بحث العام والخاص أن أداة العموم بوضعها متكفلة لبيان شمول الحكم الوارد في الخطاب لجميع مصاديق المدخول لا ما احتمله في الكفاية في ذلك البحث أنه لابد في إثبات المراد من المدخول أولاً بمقدمات الحكمة أنه مطلق أو مقيد ثبوتاً لتكون الأداة دالة على شمول الحكم في أفراد ذلك المراد حيث إن لازم ذلك كون الإرادة تأكيداً، وعلى الجملة فقاعدة التجاوز كقاعدة الفراغ عامة ما لم يقم في مورد دليل على إلغائها في ذلك يؤخذ بعمومها ويؤيد عمومها ما ورد في الشك في الطواف بعد الفراغ منه.

















(1). الوسائل 1: 332، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.









(2). الوسائل 5: 318، الباب 8 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 3.









(3). الوسائل 5: 329، الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة.









(4). التهذيب 6: 207، الباب 90، الحديث 24.

وفيه: «كل مجهول ففيه القرعة».









(5). الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل، الحديث 3.









(6). الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.









(7). الوسائل 5: 343، الباب 27 من أبواب الخلل، الحديث 3.









(8). الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.









(9). الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.









(10). الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.









(11). الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.









(12). الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.









(13). السرائر 3: 614.









(14). الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.









(15). الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 6.









(16). الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث الأول.









(17). الوسائل 4: 937، الباب 13 من أبواب الركوع، الحديث 4.









































في اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة التجاوز أو قاعدة الفراغ أيضاً أم لا







ثمّ إنه يبقى الكلام في اُمور:







منها ـ أنه يعتبر في جريان قاعدة التجاوز الدخول في الغير فإنه لا ينبغي التأمل في اعتبار الدخول فيه فيما كان مضي محل الشك بالدخول فيه كمضي محل القراءة في الدخول بالركوع، وأما إذا لم يتوقف مضيه على الدخول في الغير كما إذا شك في الجزء الأخير من العمل بعد فعل المنافي كأن شك في التشهد والتسليمة بعد الحدث أو استدبار القبلة ونحوها فهل تجزي قاعدة التجاوز لعدم اعتبار الدخول في الغير أو لا تجري؟ أو فيما إذا شك في العمل بعد مضي الوقت المضروب له كما إذا شك في الإتيان بالصلاة بعد خروج وقتها أو شك في طواف الحج وسعيه بعد مضي ذي الحجة، وكذا فيما إذا شك في سعيه خاصة بعد مضيه.









فقد يقال باعتبار الدخول في الغير المترتب عليه؛ لأن العمدة في دليل قاعدة التجاوز صحيحة زرارة وصحيحة إسماعيل بن جابر والوارد فيهما «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره»(1) و«كل شيء مما جاوزه ودخل فيه غيره»(2) وفي موارد عدم الدخول في الغير مع فرض تجاوز المحل لابد من الأخذ بذيل قاعدة الفراغ بدعوى أن الفراغ يحصل بالإتيان بالفعل المنافي كما يأتي.









ولكن يمكن الجواب بأن ذكر الدخول في غيره في الصحيحتين؛ لأن الدخول في الجزء المترتب على المشكوك محقق للتجاوز عن محل المشكوك فلا يكون القيد أمراً تعبدياً بعد ذكر الخروج عن محل الشيء ومضي ذلك المحل فلو فرض تحقق مضي المحل في مورد من غير الدخول في الأمر المترتب عليه يكون ذلك أيضاً مجرى قاعدة التجاوز كما إذا شك في الإتيان بالتشهد والتسليمة بعد فعل المنافي أو شك في الواجب بعد انقضاء الوقت المضروب له، وعلى الجملة لا يكون الدخول في الغير في مورد الصحيحتين قيداً تعبدياً زايداً على مضي المحل فلا يكون له ظهور في القيد التعبدي الآخر وراء مضي المحل ليمكن التمسك بإطلاقه هذا كله بالإضافة إلى قاعدة التجاوز، وأما اعتبار الدخول في الغير بالإضافة إلى اعتبار قاعدة الفراغ فلا مجال لدعواه؛ لأن قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة: «كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» وقوله (عليه السلام) «حين يتوضأ أذكر» إلى غير ذلك اعتبار مضي نفس العمل والفراغ منه في الحكم بالصحة وتمامية ذلك العمل سواء دخل في غيره من العمل المترتب عليه أم لا.









ودعوى أن الغالب من مضي الشيء والفراغ منه الدخول في غيره مما هو مترتب عليه فيكون الوارد في الروايات من مضي الشيء منصرفاً إليه لكون التشكيك في صدق المعنى يوجب الانصراف لا يمكن المساعدة عليها؛ لأن مجرد الغلبة على تقديرها في أفراد الطبيعي لا يوجب انصراف اللفظ الموضوع للطبيعي إلى تلك الأفراد بل الموجب له غلبة الاستعمال وأرادتها من الطبيعي من غير الإتيان إلاّ بنفس اللفظ الموضوع لذلك الطبيعي كانصراف الحيوان إلى غير الإنسان ومجرد التشكيك أيضاً لا يفيد شيئاً فإن صدق المضي في فرض الدخول في الغير وإن كان أوضح إلاّ أن ذكر مجرد المضي ما لم يكن في البين ما ذكر مطلق يؤخذ بإطلاقه.









نعم، ربّما يقال: إن في البين ما يوجب رفع اليد عن الإطلاق واعتبار الدخول في الغير نظير ما تقدم من القول باعتباره في جريان قاعدة التجاوز وهي صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»(3) ووجه القول المذكور أن قاعدة التجاوز لا تجري في أجزاء الوضوء فالمراد من الشك في شيء من الوضوء مفروض بعد الفراغ عن الوضوء فقوله (عليه السلام) «إذا شككت في شيء من الوضوء» أي بعد مضي الوضوء ودخلت في غير الوضوء فليس شكك بشيء وحيث إن مضي الوضوء لا يتوقف على الدخول في غيره فذكر الدخول في غيره ظاهر في اعتباره في التعبد بقاعدة الفراغ، ولكن لا يخفى أن صدر الرواية وإن سلم ظهوره في اعتبار الدخول في الغير ولكن ذيلها وهو قوله (عليه السلام) «إنما الشك في شيء لم تجزه» ظاهره كفاية مضي الشيء في جريان القاعدة.









وبتعبير آخر ظاهر الصحيحة اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء نظير اعتبارها في أجزاء الصلاة وجعل التسالم وغيره على عدم جريانها في أثناء الوضوء قرينة على أن المراد منها قاعدة الفراغ يستلزم أن يكون القيد الوارد في الصدر بقرينة الحصر الوارد في الذيل قيداً غالبياً أو تحمل الصحيحة على قاعدة التجاوز، ولكن جريانها في الوضوء مشروط بتجاوز المحل والفراغ من الوضوء بأن كان في قوله (عليه السلام) «إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره» الضمير في (غيره) يرجع إلى نفس الوضوء لا إلى الشيء المشكوك ومع الإغماض عن ذلك كلّه والإغماض عن إجمال الرواية غايتها اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ في الوضوء.









ومما ذكر يظهر الحال في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الواردة في الشك في أجزاء الوضوء قال: «إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى اللّه ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة اُخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوءه لا شيء عليك فيه فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فإن لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك»(4) الحديث فإن ذيلها وان كان دالاً على عدم اعتبار قاعدة الفراغ في الوضوء قبل صيرورة المكلف في حالة اُخرى من صلاة أو غيرها إلاّ أن ذكر «حالة اُخرى» من القيد الغالبي لكون الشيء في الوضوء يحصل غالباً بعد مدة بحيث يكون المكلف داخلاً في حالة اُخرى.









وبتعبير آخر قوله (عليه السلام) «فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة اُخرى» تفريع على القضية الشرعية الواردة في صدر الصحيحة من قوله (عليه السلام) «إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر » الخ فإن مفاد هذه الشرطية الاعتناء بالشك في الوضوء ما دام قاعداً فيه فالعبرة في لزوم الاعتناء بالشك عدم الفراغ من الوضوء وما دام قاعداً فيه والمذكور في الشرطية المتفرعة على هذا الشرطية من المفهوم والقيد الزايد فيه غير دخيل في الحكم وإنما أتى به باعتبار الغلبة ونحوها وعلى تقدير الإغماض عن ذلك وتسليم ظهورها في اعتبار الدخول في حالة اُخرى فلا يعتبر ذلك في غير الوضوء ثمّ إنه بناءً على اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة التجاوز دون قاعدة الفراغ أنه لو شك في الجزء الأخير من العمل الارتباطي كما إذا شك في الإتيان بالتشهد والتسليمة من الركعة الأخيرة لا مجرى لقاعدة التجاوز سواء كان الشك بعد الدخول في مثل التعقيب مما يستحب فعله بعد تمام الصلاة أم لا وسواء كان الشك قبل فعل المنافي أم بعده فإنه إذا كان الشك قبل الدخول في التعقيب وقبل فعل المنافي فالأمر ظاهر لعدم مضي محلّ التشهد والتسليم وعدم الدخول في الغير وكذا إذا كان الشك بعد الدخول في التعقيب وقبل فعل المنافي فإنه مع الشروع في التعقيب لا يتحقق مضي محل التشهد والتسليم؛ لأنه لم يعتبر في التشهد والتسليم وقوعهما قبل التعقيب بل المعتبر في التعقيب أن يكون بعد الفراغ من الصلاة نظير ما تقدم من أنه لم يعتبر في الوضوء وقوعه قبل الصلاة بل المعتبر في الصلاة أن تكون بعد الوضوء بل ولا تجري قاعدة التجاوز مع فعل المنافي أيضاً فإنه اعتبر التشهد والتسليم في الصلاة بعد السجدتين من غير صدور المنافي إلى إتمامها فيوجب وقوعه بطلانها عمداً كان أو سهواً ولذلك يمضي محل التشهد والتسليمة مع صدوره إلاّ أن المكلف لم يدخل في الغير والمفروض اعتبار الدخول في الغير في جريانها نعم يجري في الفرض بعد فعل المنافي قاعدة الفراغ حيث إن المعتبر في جريانها مضي الشيء بحيث لو أحرز الخلل فيه وجب تداركه بالإعادة أو القضاء والمضي كذلك حاصل في الفرض، ومع الشك في الخلل يحكم بصحة العمل وتماميته.









وقد يقال كما عن المحقق النائيني (قدس سره) أن المراد بالفراغ في قاعدته مضي معظم العمل ومع الدخول في التعقيب أيضاً ولو قبل فعل المنافي يصدق الفراغ بهذا المعنى، ولكن قد تقدم أن ظاهر ما ورد في قاعدة الفراغ مضي نفس العمل والشك في صحته وفساده فما دام محل الجزء الأخير باقياً لا يحرز مضي نفس العمل بل يحتمل، كما أنه قد يقال لا يعتبر في جريان قاعدة الفراغ الفراغ الحقيقي بل يكفي الفراغ الاعتقادي، وما دام المكلف لم يعتقد تمام العمل لا يشرع في التعقيب فيكون مجرد الاشتغال بالتعقيب كافياً في جريان قاعدة الفراغ وفيه أيضاً ظاهر مضي العمل والشك بعد مضيه وأن يكون الشك بعد العمل بحيث لو علم الخلل لزم تدارك ذلك العمل إما بالإعادة أو قضاء النقص، ومجرد الاعتقاد بالفراغ من العمل مع بقاء محل المشكوك لا يوجب صدق المضي والاعتقاد بالفراغ والمضي مع عدمهما ليس فراغاً ولا مضياً.

نعم، لا ينحصر صدق المضي على موارد يوجب الخلل بطلان العمل رأساً كما هو ظاهر كلام بعض الفحول (قدس سره).









وعن المحقق النائيني (قدس سره) جريان قاعدة التجاوز أيضاً ولو قبل فعل المنافي إذا شك في الجزء الأخير مع الاشتغال بالتعقيب؛ لأن قوله (قدس سره) في الحكم بتحقق الأذان بعد الدخول في الإقامة شاهد بأنه لا يلزم أن يكون الغير المعتبر الدخول فيه في جريان قاعدة التجاوز أن يكون من أجزاء العمل وفيه ما لا يخفى فإنه (قدس سره) اعتبر في جريان قاعدة التجاوز مضي المحل والدخول في الغير، ومع عدم مضي محل الشيء كيف تجري قاعدة التجاوز واستشهاده بما ورد في صحيحة زرارة بالشك في الأذان والإقامة غير صحيح؛ لأن المعتبر في كمال الصلاة أن يكون الأذان قبل الإقامة والإقامة بعد الأذان فمع الاشتغال بالإقامة ينقضي محل الأذان بخلاف التشهد والتسليم بالإضافة إلى التعقيب فإنه لا يعتبر في كمال الصلاة وقوعها قبل التعقيب بل يعتبر في التعقيب أن يكون بعد الصلاة.









وقد تحصل مما ذكرنا أن محل الجزء الأخير من المركب الارتباطي هو بعد الإتيان بسائر الأجزاء وأن لا يقع إلى تمام ذلك الجزء ما يعد مانعاً من ذلك العمل كما تقدم ذلك في ركعات الصلاة أيضاً من أن محل الركعة الأخيرة من صلاة بعد الإتيان بغيرها من الركعات وأن لا تقع إلى تمامها ما ينافي الصلاة من فوات الموالاة أو وقوع الحدث أو الاستدبار إلى القبلة أو غير ذلك بل وحتى ما إذا تكلم باعتقاد الفراغ ثمّ شك في أنه تشهد وسلم قبله أم لا فلا يجب عليه قضاء التشهد، ولا سجدتا السهو، ولا العود إلى التشهد والتسليم؛ لأن مضي محل الشيء المشكوك غير محله عند إحراز نسيانه، وعلى الجملة لو بنى على الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز على مضي المحل من غير اعتبار الدخول في الغير جرت القاعدة فيما إذا شك في الجزء الأخير من العمل بعد فعل المنافي الموجب للتدارك بالإعادة أو تدارك النقص بعنوان القضاء ونحوه وإلاّ يحكم بتمام العمل بقاعدة الفراغ حيث يكفي في جريانها صدق مضي العمل بحيث يكفي في مضيّه أنه على تقدير الخلل فيه يحتاج إلى الإعادة أو التدارك بقضاء الجزء ونحوه على ما تقدم.

















عدم جواز الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في الجزء المستحب وجواز الاكتفاء بالدخول في جزء الجزء







ثمّ إنه هل يعتبر في الغير الذي يعتبر الدخول فيه عند الشك في غير الجزء الأخير من العمل أن يكون من الأجزاء المستقلة لذلك العمل أو يشمل جزء الجزء أيضاً، وعلى تقدير الشمول يختص الشمول بأجزاء الحمد والسورة أو يشمل الدخول في مقدمات الأجزاء أيضاً كما إذا شك في القراءة عند الهوي إلى الركوع ولما وصل إلى حده أو شك في الركوع عند الهوي إلى السجود ولم تصل مساجده إلى الأرض أو شك في السجود حال النهوض إلى القيام، وهل يشمل الغيرُ الأجزاءَ المستحبة كما إذا شك في قراءة السورة حال القنوت؟ لا ينبغي التأمل في أنه لا يشمل الدخول في الأجزاء المستحبة نظير الشك في قراءة السورة حال القنوت أو الشك في الإتيان بالذكر الواجب للركوع والسجود حال الاشتغال بالصلاة على النبي وآله بناءً على استحبابها بعد الذكر الواجب فيهما والوجه في ذلك أن القنوت والصلاة على النبي وآله مقيدتان بكونهما بعد قراءة السورة والإتيان بالذكر الواجب في الركوع والسجود لا أن قراءة السورة مقيدة بكونها قبل القنوت أو الذكر الواجب في الركوع، والسجود مقيد بكونه قبل الصلاة على النبي وآله؛ لأن أجزاء الصلاة من الأركان وغيرها يتعلق بها تكليف واحد، ومقتضى ذلك كونها ارتباطية، وكون كل جزء منها مشروطاً بوقوعه قبل الجزء التالي، والتالي مشروطاً بوقوعه بعد السابق ولو كان شيء مشروطاً بوقوعه بعد جزء ولم يكن ذلك الجزء مشروطاً بوقوعه قبل ذلك الشيء فلا يتحقق وجوب واحد بل يكون في البين تكليفان أو وجوب واستحباب كما هو الحال بالإضافة إلى اشتراط صلاة العصر بكونها بعد صلاة الظهر، ولا يعتبر في صلاة الظهر أن تكون قبل صلاة العصر، والجزء المستحب في الحقيقة غير جزء من الواجب وكونه جزءاً منه في الحقيقة غير معقول فإن لازم كونه جزءاً من الواجب أخذه فيه، ولازم كونه مستحباً عدم أخذه في متعلق ذلك الواجب، وكل ما يطلق عليه الجزء المستحب في الحقيقة مستحب نفسي يكون ظرف الإتيان به في ضمن الواجب غاية الأمر ربّما ليس له ملاك مستقل بل ملاكه الزيادة في ملاك الواجب.









وبهذا الاعتبار يطلق عليه الجزء المستحب وإلاّ يكون كالأدعية المستحبة للصائم في شهر رمضان من ترتب ملاك مستقل عليه إذا صدرت عن الصائم كما يحتمل ذلك بالإضافة إلى القنوت في الصلاة، وقد تقدم أن قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة بعدم اعتبار الشك في الأذان بعد الشروع في الإقامة لا يدلّ على كفاية الدخول في المستحب المترتب على المشكوك كترتب القنوت على قراءة السورة؛ لأن الأذان للصلاة أيضاً مقيد بوقوعه قبل الإقامة لها وإلاّ فلا دليل على مشروعية الأذان للصلاة بلا إقامة، وعلى الجملة الدخول فيما يسمى بالجزء المستحب للعمل لا يوجب تجاوز المحل المشكوك لعدم تقييد الجزء المشكوك بوقوعه قبل ذلك المستحب بل ما يسمى بالجزء المستحب مقيد بوقوعه بعد ذلك الجزء المشكوك.

















عدم الاكتفاء في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في مقدمة الجزء اللاحق








ومما ذكرنا يظهر الحال في الدخول في مقدمة الجزء اللاحق للعمل كما إذا شك عند الأخذ بالهوى إلى الركعة اللاحقة في سجود الركعة السابقة أو شك في الركوع عند الأخذ بالهوي إلى السجود فإن الأخذ بالقيام أو الهوي إلى السجود غير داخل في الصلاة بل هما أمران قهريان لامتناع الطفرة، وأخذهما في متعلق الأمر بالصلاة لغو وعليه فلا يوجب الدخول في الهوي تجاوز محل الجزء السابق المشكوك لتجري فيه قاعدة التجاوز، وأما ما ذكر الشيخ (قدس سره) في وجه عدم كفاية الدخول في مقدمة الجزء اللاحق في جريان القاعدة من أن الشارع قد حدد (الغير) في أجزاء العمل دون مقدمات الأجزاء كما في صحيحة زرارة فلا يمكن المساعدة عليه فإن قوله (عليه السلام) بأن الشك في الركوع بعد السجود بيان الصغرى للكبرى الواردة في تلك الصحيحة أو غيرها والعبرة بعموم الكبرى إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره ولو كان الدخول في غير الجزء موجباً لانقضاء محل المشكوك أخذ بالعموم في الكبرى لا لما ذكر من الصغريات قبل الكبرى.









وربّما يفصل في المقام بين الشك في الركوع بعد الأخذ بالهوي للسجود فيقال: لا يعتني بالشك في الركوع، وبين الأخذ بالقيام إلى الركعة عند الشك في السجود فيقال: بلزوم الاعتناء وأورد على التفصيل بأنه لا وجه له؛ لأنه إن جرت قاعدة التجاوز جرت في كلا الفرضين، وإن لم تجر فلم تجر في كلا الفرضين فالتفكيك غير صحيح، ولكن عدم صحة التفصيل إنما هو بملاحظة قاعدة التجاوز في كلا الموردين وأما إذا قام في أحد الفرضين نص على خلاف القاعدة يلتزم بمدلوله؛ لأن القاعدة لا تزيد على سائر العمومات والمطلقات التي يرفع اليد عن عمومها أو إطلاقها بورود الخاص أو المقيد على الخلاف والتفصيل بينهما مدركه صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبداللّه قال قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): «رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لا قال: قد ركع»(5)فاستظهر من هذه الصحيحة عدم الاعتناء بالشك في الركوع بالأخذ بالهوي إلى السجود، ولكن لا يخفى أن ظاهر أهوى إلى السجود تحقق الهوى وانقضاؤه بوصوله إلى السجود فإنه فرق بين التعبير بـ(يهوى) والتعبير بـ(أهوى) فلا دلالة في الصحيحة على خلاف القاعدة بل ربّما يقال: إنه إذا شك في السجود بعد الدخول في التشهد لابد من الاعتناء ويستظهر ذلك من صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في حديث قال: «إن شك في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعدما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»(6) ووجه الاستظهار لم يفصل (عليه السلام) بين بعد ما قام من الركعة الاُولى أو الثانية ومقتضى إطلاقها عدم الفرق، ولكن لا يخفى أن الشك في السجود بعد تحقق القيام مورد لقاعدة التجاوز وأما الشك في السجود بعد الدخول في التشهد لم يفرض لا في منطوق القضية الشرطية ولا في ناحية مفهومها فإن مفهومها إن لم يشك بعدما قام لا أنه شك قبل ما قام في التشهد فالشرطية سيقت لتحقق الشك بعدما قام فمفهومها إن لم يشك بعدما قام مع أنا قد ذكرنا أن المعيار في جريان القاعدة الكبرى الواردة في الصحيحة لا بيان الصغريات وإذا شك الرجل في السجود بعد الدخول في التشهد فقد جاوز محل السجود ودخل في غير المشكوك.









والمتحصل مما ذكرنا أنه لم يثبت تعبد في الشك في الركوع والسجود على خلاف قاعدة التجاوز كما ظهر منه أنه لو رفع رأسه من الركوع وانتصب قائماً ثمّ شك في أنه وصل إلى حدّ الركوع ثمّ انتصب قائماً أو أنه انتصب قبل أن يصل إلى حدّ الركوع يبني على أنه ركع؛ لأن محل الركوع قبل الانتصاب قائماً بخلاف ما إذا كان قائماً فشك أنه قيام ما قبل أن يركع أو أنه قيام ما بعد الركوع فإنه يرجع ويركع لعدم إحراز مضي محل الركوع وكون قيامه بعده.

















عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء قبل الفراغ منه








بقي في المقام اُمور:







منها ـ أنه قد ذكروا عدم جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الوضوء ما دام لم يفرغ منه، وهذا الحكم متسالم عليه بين الأصحاب وألحق جماعة الغسل والتيمم به بل الإلحاق منسوب إلى المشهور، ولكن لم يتعرض لذلك كثير من الأصحاب فدعوى الشهرة لا تخلو عن التأمل بل المنع، ويستدل على ذلك تارة باختصاص قاعدة التجاوز في أجزاء العمل بالصلاة فلا تجري في أجزاء غيرها ومنه الطهارات الثلاث، وقد تقدم عموم قاعدة التجاوز وعدم اختصاصها بالصلاة، واُخرى ما عن الشيخ (قدس سره)بأن الشرط في الصلاة وغيرها مما هو مشروط بالطهارة من الحدث في الحقيقة الطهارة المسببة من الوضوء أو الغسل أو التيمم وإذا شك في شيء من الوضوء والغسل والتيمم أثناء العمل يكون الشك في الطهارة قبل تجاوز محلها، وهذا نظير ما يقال من عدم جريان أصالة البراءة عند الشك في اعتبار شيء في الوضوء أو الغسل أو التيمم حيث إن التعبد بالصلاة المقيدة بالطهارة من الحدث محرز ويجب إحراز الإتيان بها وليس متعلق التكليف مردداً بين الأقل والأكثر بل متعلقه على كل تقدير صلاة مقيدة بالطهارة فلابد من إحراز حصولها.









وبتعبير آخر يكون الوضوء باعتبار مسببه أمراً واحداً لا يتجاوز من شيء منه قبل الإتيان بجزئه الأخير.









أقول: قد ذكرنا في بحث الفقه من مبحث الوضوء أن ظاهر الخطابات الشرعية أن الطهارة عنوان لنفس الوضوء بعد الحدث الأصغر لا أنها أمر واقعي مسببة وإلاّ فلو قيل بأن الشرط للصلاة ونحوها هي الطهارة المسببة فلابد في إحرازها من إحراز الوضوء أو الغسل والتيمم بالوجدان فلا مجرى لقاعدة التجاوز ولا لقاعدة الفراغ حتى بعد الفراغ منها لعدم مضي محل الطهارة بمجرد الإتيان بالجزء الأخير من الوضوء أو الغسل أو التيمم ولا يحرز أصل الطهارة لتجري قاعدة الفراغ في صحتها؛ لأن المفروض أن الطهارة أمر واقعي بسيط أمرها مردد بين الوجود والعدم ولا يجدي في الخروج عن الإشكال دعوى كون الوضوء من أوله إلى آخره عملاً واحداً وإذا شك بعد الفراغ منه جرت قاعدة التجاوز حيث إن بالقاعدة لا تحرز تحقق المسبب.









نعم، إذا كانت الطهارة أمراً اعتبارياً مترتبة على الوضوء والغسل والتيمم أمكن القول بأن تعبد الشارع بحصول أجزاء الوضوء أو تمام الغسل والتيمم تعبد بحصول ذلك الأمر الاعتباري حيث إن ترتبه عليها نظير التعبد بالحكم الوضعي بالتعبد لموضوعه وأما إذا لم يحصل الفراغ من الوضوء أو الغسل أو التيمم لم يقع فيها تعبد وعلى القائل بذلك لابد من أن يقيم دليلاً على أن الإطلاق في دليل قاعدة التجاوز وكذا قاعدة الفراغ بل عمومها مقيد أو مخصص في الطهارات الثلاث أي الوضوء والغسل والتيمم، كما أن من يقول بأن الطهارة عنوان لنفس الوضوء والغسل والتيمم فلابُدّ له من إقامة الدليل على التقييد والتخصيص وإلاّ فالإطلاق والعموم في دليل القاعدتين متحقق والعمدة في المنع عن جريان قاعدة التجاوز بل الفراغ في أجزاء الوضوء روايتان:







إحداهما ـ صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»(7) ولكن يمكن أن يقال هذه الصحيحة لا تنافي اعتبار قاعدة التجاوز والفراغ في أجزاء الوضوء حيث إن الضمير في غيره يرجع إلى غير المشكوك من أجزاء الوضوء كما أن الضمير في الحصر الوارد في الذيل يرجع إلى نفس الشيء المشكوك غاية الأمر هذه الصحيحة بهذا الظهور تنافيها صحيحة زرارة التي هي الرواية الثانية.









والاُخرى ـ ومدلولها أن المكلف ما دام قاعداً في الوضوء ولم يفرغ منه فعليه أن يعتني بشكه ويتدارك المشكوك وإذا فرغ منه وقام فلا يعتني بشكه(8)، وعلى الجملة فلو أمكن توجيه صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور بحيث لا تنافي الصحيحة بإرجاع الضميرين فيها إلى الوضوء وغير الوضوء تكون عمدة الدليل على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء قبل الفراغ ومضيّه هي صحيحة زرارة ولا دلالة فيها ولا في صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور على التعرض لحال الشك في الغسل أو التيمم قبل الفراغ منهما أصلاً فيؤخذ فيهما بالإطلاق أو العموم المشار إليهما في خطابات القاعدتين.

نعم، لا يتحقق تجاوز المحل بالإضافة إلى الجزء الأخير من الغسل لعدم اعتبار الموالاة بل بالإضافة إلى غسل اليمين واليسار أيضاً بناءً على عدم اعتبار الترتيب بينهما، نعم بالأخذ بقاعدة الفراغ بعد تمام المشروط بالغسل كالصلاة يحكم بصحة ذلك المشروط.









وقد يقال: عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء عند الشك في أجزائها قبل الفراغ وكذا عدم جريان قاعدة الفراغ في الشرط في ناحية أجزائها يختص بالشك في أجزائه التي سماها في الكتاب المجيد وكذلك الشرط الوارد فيه من كونه بالماء، وأما إذا شك في غيرها وشرط غير الماء فلا مانع عن التمسك بقاعدة التجاوز والفراغ؛ لأن الخارج عن القاعدتين ما ورد في صحيحة زرارة والوارد فيها ما ذكر من الأجزاء والشرط الوارد في الكتاب المجيد.









أقول: هذا مبني على عدم دلالة صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور على عدم اعتبار قاعدة التجاوز عند الشك أثناء الوضوء، وكذا عدم اعتبار قاعدة الفراغ في صحة أجزاء الوضوء قبل الفراغ منه وإلاّ يؤخذ بإطلاقها وما ورد في صحيحة زرارة من تقييد المشكوك بما سمى اللّه من أجزائه لا يحسب تقييداً ليرفع اليد به عن الإطلاق في صحيحة ابن أبي يعفور لكون الغالب على الشك في الوضوء الشك في غسل بعض مواضع الوضوء الواردة في الكتاب المجيد.









أضف إلى ذلك أن التفرقة بين الشرط الوارد في الكتاب المجيد لكونه بالماء، والوارد في غيره كالشك في طهارة الماء أو رعاية الترتيب في الغسل وغير ذلك مما استفيد من السنة بعيد كما يفصح عن ذلك عدم معهودية هذا التفصيل بين الأصحاب وكون ما ورد في الكتاب فريضة والمستفاد من غيره سنة لا يوجب الاختلاف لجريان قاعدة التجاوز في أجزاء الصلاة والحج وغيرهما من العبادات وكذا قاعدة الفراغ بلا فرق بين استفادة الجزئية والشرطية من الكتاب أو السنة هذا، بالإضافة إلى الوضوء.

















(1). الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع من الصلاة، الحديث الأول.









(2). مرّ تخريجه قبل قليل.









(3). الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.









(4). التهذيب 1: 100.









(5). الوسائل 4: 937، الباب 13 من أبواب الركوع، الحديث 6.









(6). المصدر السابق: الحديث 4.









(7). التهذيب 1: 101.









(8). الكافي 3: 33.









































في جريان قاعدة التجاوز والفراغ في الغسل








وأما بالإضافة إلى الغسل فالمستفاد من ذيل صحيحة زرارة أن المكلف إذا دخل في صلاته وشك في غسل موضع من جسده فإن كان بالموضع بلّة يمكن غسل ذلك الموضع بالمسح عليه بتلك البلة مسحه واستأنف الصلاة، وإن لم تكن بلة بالموضع بأن يبست أعضاء بدنه فليمض في صلاته ومقتضاها جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في غسل الموضع المشكوك فإنه روى عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة، فقال: «إن شك وكانت به بلّة وهو في صلاته مسح بها عليه، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلّة فإن دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شيء عليه وان استيقن رجع فأعاد عليه الماء وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان وإن كان شاكاً فليس عليه في شكه شيء فليمض في صلاته»(1) ومقتضاه عدم جريان شيء من قاعدة الفراغ والتجاوز عند الشك قبل الدخول في الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة وجريانهما بعد الدخول في الصلاة ونحوها إذا لم يكن في البين بلة يمكن غسله واستيناف الصلاة بعده، وعدم الجريان قبل الدخول في المشروط بالطهارة على القاعدة عند الشك في أي موضع من الجسد بناءً على عدم الترتيب بين غسل اليمين والشمال لعدم مضي محل الغسل لعدم اعتبار الموالاة لا بين غسل الرأس والرقبة وبين الجسد ولا في غسل نفس العضو فمحل الغسل الشرعي عند الشك لم يتجاوز منه، ولا تجري قاعدة الفراغ؛ لأن الشك في نفس الجزء الأخير من الغسل والجزء الأخير لا ترتيب في غسله ولكن جريانهما بعد الدخول في الصلاة أيضاً كذلك فإن الصلاة مشروطة بوقوعها بعد الغسل، ولا يعتبر في الغسل وقوع الصلاة بعده وجريان قاعدة الفراغ في نفس الصلاة مع وقوع الشك في أثنائها غير ممكن؛ لأنه لا تثبت صحة الأجزاء اللاحقة من الصلاة وأنها واجدة للطهارة المعتبرة والالتزام بأنه يكفي في جريان قاعدة التجاوز مجرد الدخول فيما هو مترتب عليه كترتب التعقيب على التشهد والتسليم أو ترتب الصلاة على الوضوء والغسل قد تقدم ما فيه من عدم صحة الالتزام؛ لأن الظاهر من قوله (عليه السلام): «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره» الخروج من موضعه المقرر شرعاً ولكن لا يبعد الالتزام بهذا الحكم المخالف لقاعدتي التجاوز والفراغ، وظاهر الصحيحة كما ترى الحكم بتمام الغسل إذا دخل في الصلاة وحصل الشك بعد الدخول وعدم بقاء البلة في البين فلا يحتاج إلى استيناف الصلاة كما لا نحتاج إلى تدارك غسل ما بقي الشك في غسله مع أن مقتضى القاعدة تدارك غسل الموضع المشكوك، واستيناف الصلاة نعم، لو حصل هذا الشك بعد الإتيان بالصلاة أو غيرهما مما هو مشروط بالطهارة يحكم بصحة تلك الصلاة ولكن يجب تدارك غسل الموضع لجريان قاعدة الفراغ في ناحية نفس الصلاة ومقتضى الاستصحاب الجاري في ناحية عدم غسل ذلك الموضع تدارك غسله، وهذا الاستصحاب وإن سقط اعتباره بالإضافة إلى الصلاة التي فرغ عنها؛ لحكومة قاعدة الفراغ، ولكنه يجري بالإضافة إلى الصلاة الآتية بل إذا أحدث بالأصغر قبلها يجب الجمع بين إعادة الغسل والوضوء لحدوث العلم الإجمالي باعتبار الغسل أو الوضوء للصلاة الآتية كما أوضحناه في بحث الفقه في مسائل الجنابة.









ومنها ـ ما أشرنا إليه في المباحث السابقة من أن المراد من التجاوز في قاعدة التجاوز مضي المحل الشرعي للمشكوك، ولا يكفي مضي المحل العادي سواء كانت العادة شخصية أو نوعية وذلك فإنه إذا قرر الشارع للشيء محلاً بحيث يمكن الإتيان به فيه لم يصدق التجاوز والخروج من محله والدخول في غيره مثلاً إذا شك المكلف في غسل جانبه الأيسر بعد خروجه من الحمام فلا يمكن له البناء على تمام الغسل مع بقاء محله الشرعي ولو لم يكن هذا ظاهر التجاوز عن موضع الشيء والخروج منه فلا أقل من عدم إحراز الإطلاق فيهما الواردين في صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر وهذا بخلاف الشك في مسح رأسه ورجليه في الوضوء فإنه مع فقد المولاة بيبس أعضاء الوضوء والشك عنده يحكم بصحة الوضوء بلا فرق بين أن يكون الشك في مسح الوضوء في أثناء الصلاة أو بعد انقضائها ولعله إلى ذلك يشير قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك وإن لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشك فامض في صلاتك»(2) فإنه مع عدم بقاء البلل حتى في لحيته يصدق عنوان مضي الوضوء فيحكم بتمامه بقاعدة الفراغ بل بقاعدة التجاوز أيضاً فإن محل المسح قبل انقضاء البلل والدخول في الغير غير معتبر إلاّ من حيث انقضاء المحل.









لا يقال: يمكن أن يقال: بجريان قاعدة الفراغ فيما إذا شك في الإتيان بالجزء الأخير من الشيء مع بقاء محله الشرعي وانقضاء محله العادي كما إذا شك بعد الخروج من الحمام في غسل شيء من جانبه الأيسر أو من جانبه الأيمن بناءً على عدم الترتيب بين غسل الجانبين.

والوجه في ذلك أن المستفاد من حسنة بكير بن أعين أن عدم الاعتناء بالشك بعد العمل لعدم اعتبار احتمال الغفلة حال العمل حيث ورد فيها قلت له: الرجل يشك بعدما يتوضأ قال: «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»(3) وإذا كان المكلف بحيث لا يترك الشيء من العمل في محله العادي إلاّ لغفلة يكون مقتضى التعليل في الحسنة يعمه فإن المغتسل في الحمام لا يترك غسل شيء من جانبه الأيسر أو الأيمن إلاّ بالغفلة، والغفلة حال العمل ملغاة.









فإنه يقال: التعبد بالغلبة المشار إليها وقع فيما إذا كان الشك بعد مضي العمل والفراغ منه أو مضي محله الشرعي لا مطلقاً ولا يحرز مضي العمل والفراغ منه إلاّ بعد الإتيان بجزئه الأخير أو حدوث ما لا يمكن معه إتمام العمل بأن يمضي محله الشرعي بحيث لزم تدارك الخلل بعد العمل بالقضاء أو إعادة نفس العمل وكذا لا تجري قاعدة التجاوز أيضاً مع انقضاء المحل العادي شخصياً كان أو نوعياً مع بقاء المحل الشرعي.









وقد تقدم أن الدخول في الغير لاعتبار مضي المحل لا أنه تعبد آخر بقيد آخر في جريان قاعدة التجاوز وقلنا إذا كان مضي محل الشيء بالدخول في الغير كما إذا شك في غير الجزء الأخير من العمل فلابد من الدخول في نفس الجزء الآخر المترتب عليه أو في جزء جزئه، ولا يكفي الدخول في مقدمة الجزء الآخر وقد يتوهم أن المستفاد من صحيحة إسماعيل بن جابر أن الشك في السجود بعد ما قام من الدخول في مقدمة الجزء مع أن الشك فيه محكوم بعدم الاعتناء حيث إن القيام من السجدة الثانية معتبر في القراءة أو التسبيحات الأربع في غير الركعتين الاولتين، ولكن الوهم فاسد فإن الدخول في الركعة الاُخرى يحصل بالقيام من بعد السجدة الثانية فالسجدة الثانية محلها الشرعي قبل الدخول في الركعة الاُخرى فالركعة الاُخرى جزء من الصلاة من حين تحققها إلى انقضائها غاية الأمر يجب فيها القراءة أو التسبيحات فالدخول في القيام جزء من الصلاة وشرط للقراءة أو الذكر الواجب في الركعة فعدم الاعتناء بالشك في السجود بعده غير الشك في السجدة عند الأخذ بالقيام فإن الأول شك بعد مضي المحل والثاني شك قبل مضيه.









ومنها ـ أنه هل تجري قاعدة الفراغ في العمل بمجرد الشك في صحته وفساده بعد مضيه والفراغ عنه مطلقاً أو ينحصر جريانها فيه عند الشك بعد العمل على صورة احتمال الخلل فيه ناشئاً عن احتمال الغفلة عند العمل.

ولذلك صورتان:







الاُولى ـ ما إذا علم الغفلة حال العمل ولكن مع ذلك يحتمل صحة العمل لمجرد احتمال اتفاق الصحة كما إذا اغتسل المكلف أو توضأ مع الخاتم بيده وعلم أيضاً أنه لغفلته لم يعالج لوصول الماء تحت الخاتم عند الاغتسال أو التوضؤومع ذلك يحتمل اتفاق وصول الماء تحته فإنه قد يقال بجريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى وضوئه أخذاً بالعموم في قوله (عليه السلام): «كلما شككت فيه مما قد مضى فليس عليك شيء» وقد يقال بعدم جريانها في شيء من موارد إحراز الغفلة حال العمل واحتمال صحته اتفاقاً فإن ترك بعض ما يعتبر في العمل عمداً غير داخل في اعتبار القاعدتين بل الداخل فيهما احتمال الخلل لاحتمال الغفلة كما هو مقتضى قوله (عليه السلام) في حسنة بكير بن أعين: «حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» وقوله (عليه السلام): «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق بعد ذلك»(4) فإن مدلول الأول إذا كان أذكر فلا يترك ولا ينقض من العمل فيختص التعبد بما إذا احتمل الذكر حال العمل، ومدلول الثاني إذا احتمل كونه حين الفراغ أقرب إلى الحق فلا يجري التعبد في ما إذا علم عدم الفرق بين زمان حصول الشك وزمان الفراغ كما هو الحال في موارد إحراز الغفلة.









وعن المحقق النائيني (قدس سره) بأنه لا يختص جريان قاعدة الفراغ بصورة احتمال الخلل لاحتمال الغفلة بل إذا احتمل الصحة في العمل الماضي ولو اتفاقاً جرت قاعدة الفراغ؛ لأن الوارد في الروايتين من بيان الحكمة للتعبد بالصحة فلا يكون الحكم بها دائراً مدار حصولها، ولا يخفى أن التعبد في الحسنة بالذكر حال الوضوء وإذا علم الغفلة حاله لا يمكن التعبد به.

ودعوى أن التعبد بالذكر فيها حال العمل أو كونه عند الفراغ أقرب إلى الحق في الصحيحة لا تنافي التعبد بالتمام والصحة في سائر الروايات يمكن دفعها بأن ظاهر الروايات الواردة في قاعدة الفراغ أن المتعبد به فيها أمر واحد، وأن قوله (عليه السلام)«وكان حين انصرف أقرب إلى الحق» من قبيل التعليل لعدم الاعتناء بالشك بعد العمل، وحمله على بيان الحكمة خلاف الظاهر؛ لأن قاعدة الفراغ مفادها أمر ارتكازي وهو بما أن الفاعل لفعل لا يترك خللاً فيه مع معرفته العمل إلاّ مع الغفلة عن حال العمل يكون الشارع في تلك الروايات بصدد بيان اعتبار هذا الأمر الارتكازي.









وقد يقال: بأن المستفاد من بعض الروايات أن الشارع قد حكم بصحة العمل المفروغ حتى في صورة العلم بالغفلة واحتمال الصحة الواقعية، ويدلّ على ذلك صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الخاتم إذا اغتسلت قال: حوله من مكانه وقال في الوضوء: تدره فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة»(5) والوجه في دلالتها أنه لو لم تجر قاعدة الفراغ في نفس الوضوء فالصلاة تكون محكومة بالبطلان، وكذا الحال في الغسل فإنه لولا اعتبار قاعدة الفراغ في الغسل بعد الدخول في الصلاة كما استفدنا ذلك من صحيحة زرارة المتقدمة أيضاً لما أمكن الحكم بصحة الصلاة التي دخل فيها، ولكن لا يخفى ما في الاستدلال فإنه لم يظهر من الرواية أن نظر السائل استعلام حال الوضوء والغسل عند احتمال عدم وصول الماء تحت الخاتم في الوضوء أو الغسل بل من المحتمل لولا الظهور احتماله كون الخاتم في اليد عند الوضوء أو الغسل مانعاً عنهما أو نزعه واجباً أو مستحباً ولذا فصل الإمام (عليه السلام) في الجواب بين الوضوء والغسل، وذكر في الوضوء بالإدارة، وفي الغسل بالتحويل، ولولا كونها في بيان الحكم الأدبي في الغسل والوضوء لم يكن وجه للتفصيل بين الوضوء والغسل بما ذكر.









أقول: رواية بكير بن أعين مضمرة لم يعلم المسؤول هو الإمام (عليه السلام) ومع الغمض عن ذلك فلا يستفاد منها إلاّ حكم الوضوء وإن الحكم بصحته في فرض احتمال الذكر وإحرازه عند التوضؤتمامه فإن للوضوء خصوصية كعدم جريان قاعدة التجاوز فيه مادام لم يحصل الفراغ منه فلا تنافي الأخذ بالعموم في مثل قوله (عليه السلام): «كلّما شككت فيه مما قد مضى فليس عليك شيء»(6).







ودعوى أن الإمام (عليه السلام) في روايات قاعدة الفراغ بصدد بيان الأمر الارتكازي لا يمكن المساعدة عليها فإن العمدة في ذلك مضمرة بكير بن أعين، وأما ما في صحيحة محمد بن مسلم من قوله (عليه السلام): «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» فظاهرها اعتبار قاعدة اليقين في الصلاة أي إذا حصل الشك في عدد الركعات بعد الصلاة مع أن اليقين حال الانصراف غير دخيل في الحكم بصحة الصلاة بل إذا كان ظاناً حين التسليمة أو غافلاً عن حاله فشك بعد التسليمة بين الثلاث والأربع يحكم بصحة صلاته فاليقين في مورد الرواية لا اعتبار به فضلاً عن التعدي إلى غير مورده.









وعلى الجملة مقتضى الإطلاق في اعتبار قاعدة الفراغ غير بعيد، ولكن الاقتصار على موارد احتمال الغفلة أحوط.

نعم، لو كان الشك بعد الإتيان بعمل بعد خروج وقته مما يجب قضاؤه على تقدير فوته يجري في ناحية ذلك العمل أصالة البراءة عن وجوب قضائه كما إذا صلى بعد الغسل أو الوضوء المفروض وبعد خروج وقت الصلاة شك في وصول الماء إلى تحت خاتمه مع العلم بغفلته حال الوضوء أو الغسل عنه فلا بأس بالرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب قضاء الصلاة لأن وجوب القضاء بتكليف جديد عند الاشتغال بالصلاة أيضاً.









الصورة الثانية ـ ما إذا أحتمل صحة عمله السابق من جهة مصادفته للواقع مع علمه فعلاً بجهله بالصحيح عند العمل من جهة تركه الاجتهاد والتقليد في الشبهة الحكمية وفي هذه الصورة لو كانت صورة ما عمله سابقاً محفوظة عنده فيمكن إحراز صحته وفساده بالطريق الفعلي المعتبر في حقه شرعاً وأما إذا لم تكن صورة ما عمله سابقاً محفوظة عنده فلا يمكن إحراز صحته بقاعدة الفراغ وذلك فإن ما دل على قاعدة الفراغ ناظر إلى صورة احتمال الغفلة عند العمل مع العلم بالحكم والتكليف لا صورة احتمال الخلل عند العمل للجهل بأحدهما أو حتى للغفلة الناشئة من الجهل بالحكم والتكليف، وبتعبير آخر إنما تجري قاعدة الفراغ إذا كان احتمال الخلل فيما بعد العمل ناشئاً من احتمال طرو الغفلة حال العمل.

نعم، لو احتمل أن العمل كان على تقليد صحيح واحتمل أنه لم يأت بالعمل على طبق ذلك التقليد للغفلة حال العمل فلا بأس بالرجوع إلى قاعدة الفراغ؛ لأن المعتبر في أجزاء العمل الاستناد إلى الحجة والإتيان به على طبق ذلك وهذان الأمران يحرزان بقاعدة الفراغ الجارية في أعماله السابقة التي لا يحفظ صورتها فعلاً.









فتحصل مما ذكرنا أن شرايط العمل إذا كانت من قبيل فعل المكلف ففي الشك في الإخلال بها عند العمل للغفلة لا يعتني بالشك، وأما إذا كان الشرط من الأمر الغير المقدور للمكلف كدخول الوقت بالإضافة إلى الصلاة، وكذا إذا صلى إلى جهة ثمّ شك في أنها كانت هي القبلة أو أن القبلة كانت في جهة اُخرى فلا مجال لقاعدة الفراغ في الأول؛ لأن القاعدة تختص بموارد الشك في أن الامتثال للتكليف المحرز كان بنحو الصحيح والمجزي أو كان فيه خلل وفي المقام شك في حدوث التكليف بما أتى به لا في الشك بعد الفراغ في امتثال التكليف المحرز حال العمل، ونظير ذلك ما إذا اغتسل غسل الجنابة، وبعد تمامه شك في أنه كان جنباً قبل الاغتسال أم لا فإنه لا يجوز له الصلاة بلا وضوء، وكما إذا صلى تماماً ثمّ شك في أنه كان قاصداً للإقامة قبلها أو وقع التمام اشتباهاً ففي هذه الموارد ونظائرها مما يكون الشك في صحة العمل ناشئاً من ثبوت التكليف به قبل العمل لا يجري قاعدة الاشتغال؛ لأن ظاهر ما ورد في اعتبار قاعدة الفراغ هو أن الشك كان في عمله بعد إحراز التكليف به فلا تكون موارد حفظ صورة العمل عند الشك وكون شكه في صحة عمله ناشئاً عن ثبوت التكليف به مجرى لقاعدة الفراغ.

نعم، لو احتمل أنه كان عند الدخول في العمل محرزاً التكليف به وأن إحرازه كان صحيحاً فلا بأس بجريان القاعدة، وكذا لا تجري القاعدة في مثل مثال القبلة لحفظ صورة العمل عند الشك حيث إن حال المكلف حال العمل لا يختلف عن حاله عند الشك وعدم الجريان مبني على اعتبار احتمال الذكر حال العمل واحتمال الخلل فيه لاحتمال غفلته عند العمل كما أنه كان عالماً بالقبلة في جهة وشك بعد الصلاة أنه صلاها بتلك الجهة أو الجهة الاُخرى اشتباهاً.









ومثله ما إذا توضأ أو اغتسل بمايع ثمّ شك في أن ذلك المايع ماء أو مضاف بخلاف ما إذا أحرز أن المائع ماء والآخر مضاف وشك في أنه توضأ أو اغتسل بالماء أو اشتبه فتوضأ أو اغتسل من المضاف فإنه يحمل وضوءه أو غسله على الصحة بقاعدة الفراغ.

وعلى الجملة كلّما احتمل أنه عند العمل أحرز الشرط والتكليف بوجه معتبر وأتى بالعمل على وجه الصحة يجري قاعدة الفراغ في ذلك وإن لم يثبت وجود ما يسمى بالشرط أو التكليف في ذلك الزمان.

هذا كلّه في ما إذا شك في شرط صحة العمل بعد الفراغ منه، وأما إذا شك في صحته أثناء العمل فللشرط أنحاء:







فتارة ـ يكون الشرط معتبراً في تمام العمل حتى في الآنات المتخللة بين أجزائه بحيث إذا لم يكن الشرط حاصلاً من الابتداء بالعمل لم يكن حصوله بالإضافة بعد ذلك كالطهارة من الحدث فإنها معتبرة في الصلاة من حين الشروع فيها إلى إتمامها حتى في الآنات المتخللة بحيث لو لم يتوضأ المحدث بالأصغر قبل الصلاة فلا يمكن تداركها أصلاً، وفي مثل ذلك إذا شك المكلف في الأثناء في أنه توضأ قبل الصلاة أم لا؟ يجب عليه استئناف الصلاة بعد التوضؤ؛ لعدم جريان قاعدة الفراغ فيما أتى به من بعض الصلاة؛ لأنها لا تثبت الطهارة بالإضافة إلى الباقي كما لا تجري في ناحية التوضؤقبل الصلاة قاعدة التجاوز؛ لأن الوضوء غير مشروط بوقوعه قبل الصلاة بل الصلاة مشروطة بوقوعها مع الوضوء من المحدث بالأصغر نعم لو أحرز الوضوء حال الصلاة بالاستصحاب كما إذا كانت الحالة السابقة الطهارة وشك في بقائها تحرز الطهارة حال الصلاة بالاستصحاب وهذا خارج عن مورد الكلام.









واُخرى ـ يكون الشرط معتبراً في تمام العمل ولكن يمكن إحرازه بالإضافة إلى الباقي بالوجدان، كما إذا أحرز المكلف ستره في أثناء الصلاة وبعد الإحراز شك في ستره المعتبر بالإضافة إلى الأجزاء السابقة والآنات المتخللة بينها، وفي الفرض لا بأس بجريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى السابقة، والمفروض أنه كان محرزاً للباقي وأن شكه الستر بالوجدان، نعم إذا كان شاكاً في ستره حتى زمان شكه لم تجر قاعدة الفراغ، ولا قاعدة التجاوز لعين ما تقدم.









وثالثة ـ يكون الشرط شرطاً في أجزاء العمل خاصة لا في الآنات المتخللة ففي هذا الفرض إذا أحرز الشرط بالإضافة إلى الجزء التالي وشك في حصول الشرط في الجزء السابق كما إذا انتصب من الركوع أو فرغ من ذكره الواجب وشك في أنه كان ركوعه مع الاستقرار أو بدونه يحكم بصحة صلاته.

















عدم جريان قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز في الشك في العناوين القصدية في قصد عناوينها








وينبغي أن نختم المقام بذكر أمرين:







الأول ـ ما تقدم من جريان قاعدة الفراغ فيما إذا أحرز الفراغ ومضى العمل وشك بعده في صحته وفساده، وحيث إن تحقق العمل في الأفعال التي عناوينها قصدية موقوف على قصد تلك العناوين فلا تجري قاعدة الفراغ فيما إذا شك بعد العمل في قصد عنوانه كما إذا صلى الظهر أو المغرب ثمّ دخل في صلاة اُخرى ثم شك في أنه أتى بالصلاة الاُخرى أو دخل فيها بقصد صلاة العصر أو العشاء أو دخل فيها بقصد صلاة الظهر أو المغرب بزعم أنه لم يصل الظهر أو المغرب ففي هذه الصورة لا يحكم بوقوعها عصراً أو دخل فيها عشاءً لا بقاعدة الفراغ ولا بقاعدة التجاوز؛ أما عدم جريان قاعدة الفراغ؛ لأنه لم يحرز أصل الإتيان بصلاة العصر أو الإتيان والشروع في صلاة العشاء، وكذا الأمر في قاعدة التجاوز فإنه لم يحرز أن الجزء المأتي به من العصر أو العشاء ويشك في الجزء المتقدم عليه.

نعم، ربما يقال في الصلاة إنه إذا رأى نفسه يأتي بنية العصر أو العشاء وشك في أنه كان ينوي من الأول كذلك أو كان قصده في الأول الظهر والمغرب بزعم أنه لم يصلِّها أنه يجري قاعدة التجاوز في قصد العصر والعشاء، وأنه من الشك بعد تجاوز المحل وهذا مبني على أن قصد العنوان في مثل الصلوات معتبرة شرعاً ومحلها شرعاً عند الدخول في العمل خصوصاً بملاحظة ما ورد في روايات معتبرة في أنها على ما افتتحت(7)، وقد التزم بذلك السيد اليزدي (قدس سره) في مسائل العدول في النية.









الأمر الثاني ـ أنه إذا فرغ من صلاته وشك في أنه صلاها عصراً بزعم أنه صلى الظهر قبل ذلك أو صلاها ظهراً وقد فرغ منها فالصلاة التي أتى بها محكومة بالصحة سواء نواها ظهراً أو عصراً والصحة على الأول ظاهرة، وعلى الثاني فإن ترتب العصر على الظهر اشتراطه ذكري فمع الغفلة تصح عصراً، والصلاة التالية مرددة بين كونها عصراً أو ظهراً فيأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، وأما إذا صلى أربع ركعات بعنوان صلاة العصر زاعماً أنه صلى الظهر قبلاً ثمّ بعد الفراغ شك في أنه صلى الظهر قبلها أم لا فلا ينبغي التأمل في وجوب صلاة الظهر بعد ذلك؛ لأن صحة صلاة العصر مقطوعة؛ لأن اعتبار وقوعها بعد الظهر ذكري يسقط مع الغفلة والعذر، ولا تجري قاعدة الفراغ في ناحية صلاة الظهر لعدم إحراز الإتيان بها أصلاً كما لا تجري في ناحيتها قاعدة التجاوز لعدم الاشتراط في ناحيتها بوقوعها قبل العصر بل الاشتراط في ناحية العصر فقط بأن تقع بعد صلاة الظهر حال الذكر.

نعم، ربّما يقال: لزوم الإتيان بصلاة الظهر إنما هو في صورة الشك في الوقت المشترك، وأما إذا وقع الشك في الوقت المختص بالعصر كما إذا شك في ذلك وقد بقي إلى الغروب مقدار أربع ركعات فتجري قاعدة التجاوز في ناحية صلاة الظهر لمضي وقتها ببقاء مقدار أربع ركعات إلى غروب الشمس، ولكن لا يخفى بأنه لم يقم على هذا الوقت الاختصاصي دليل والثابت عدم مزاحمة وجوب صلاة الظهر لوجوب صلاة العصر في مقدار أربع ركعات مع الإتيان بالعصر قبل ذلك المقدار ولم تكن في البين مزاحمة.









فصل: تمتاز أصالة الصحة الجارية في عمل الغير عن قاعدة الفراغ في جهتين:







الاُولى ـ أن قاعدة الفراغ تجري في عمل نفس المكلف بعد الفراغ عنه والشك في صحته وفساده بعده بخلاف أصالة الصحة فإنها تجري في عمل الغير مع الشك في صحته وفساده.









الثانية ـ أن قاعدة الاشتغال مجراها عند حصول الشك في العمل بعد الفراغ عنه بخلاف أصالة الصحة فإنها تجري في عمل الغير حتى حين الاشتغال بذلك العمل.

















في أصالة الصحة الجارية على عمل الغير








ثمّ إن أصالة الصحة الجارية في عمل الغير تطلق على معنيين:







الأول ـ حمل عمله على الصحيح في مقابل القبيح والحرام بأن لا ينسب صدور الحرام إلى الغير ولو بصورة الاحتمال فيما إذا احتمل كونه حلالاً ويختص ذلك بما إذا كان الغير أخاً في الدين بل في الإيمان ويدلّ على ذلك قوله سبحانه: (واجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم)(8) وقوله سبحانه: (قولوا للناس حسناً)(9) بقرينة ما ورد في تفسيره «لا تقولوا إلاّ خيراً»(10) وفي صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»(11) وعلى الجملة الروايات: «المستفادة منها حمل فعل الأخ في الإيمان على الصحيح وسلب جهة السوء ونفي الحرام منه كثيرة لا حمل فعله على الصحيح بمعنى ترتيب الأثر المترتب على عنوان الخاص من الصحيح عليه كما إذا تردد الصادر عن الغير بكونه سباً له أو سلاماً فإن الوظيفة سلب كونه سباً لا ترتيب أثر كونه سلاماً بأن يجب عليه ردّ التحية، وكذا إذا سلّم عليه ودار أمر سلامه بين كونه تحية له أو استهزاءً فيحمل على الصحيح بأن لا ينسب إليه أنه يستهزئ والرد إنما يجب إذا أحرز أنه تحية كما هو ظاهر السلام مع عدم القرينة على الخلاف لا ما إذا اقترن ببعض الاُمور التي توجب سلب هذا الظهور.









الثاني ـ حمل الفعل الصادر عن الغير على التمام والمراد الحمل العملي يعني ترتيب الأثر العملي التام على الصادر عن الغير كما إذا طلق الغير زوجته فيجوز للشاك في أن الطلاق الصادر عن الزوج صحيح أم لا التزوج بمطلقته بعد انقضاء عدتها حملاً لطلاق زوجها على الصحيح، وإذا شك المأموم في صحة صلاة الإمام أو فسادها يجوز له الاقتداء بصلاته لحملها على الصحة إلى غير ذلك ويستدل على اعتبار أصالة الصحة بهذا المعنى بالكتاب والسنة والإجماع:







أما الكتاب فقوله سبحانه: (أوفوا بالعقود)(12) بدعوى أن الخطاب متوجه إلى عامة المكلفين فالوفاء من غير المتعاقدين ترتيب الأثر على العقد الصادر من المتعاقدين، وفيه ما ذكرنا في بحث الفقه من أن الأمر بالوفاء بالعقود انحلالي وفي مثل البيع الصادر من المتعاملين إرشاد إلى لزوم العقد وعدم انحلاله وليس متضمناً للتكليف أصلاً مثلاً بالبيع فينتقل المبيع إلى المشتري والثمن إلى بايعه وإذا أمسك البايع بالمبيع ولم يقبضه مع تسلمه الثمن من المشتري يكون إمساكه عدواناً على المشتري ولو كان القبض بعنوان الوفاء واجباً تكليفياً للزم أن يلتزم باستحقاق البايع عقابين وأنه ارتكب أمرين: أحدهما حرام، والآخر ترك واجب، وهذا ينافي ما ورد في بايع أمسك بالمبيع من استحقاق المشتري تسليمه وقبضه ومع الإغماض عن ذلك ودعوى ظهوره في أنه خطاب لملاك العقد وأرباب العقود فلا ينبغي التأمل في أن وجوب الوفاء في العقود ورد عليه التخصيص أو اعتبر في كل عقد قيداً أو قيوداً كاعتبار الكيل في بيع المكيل وتعين الثمن ومدته وإذا فرض في مورد بالشبهة الخارجية في كون العقد الصادر عن الغير باقياً تحت العموم أو خارجاً عنه يكون التمسك بالعموم في الآية من التمسك بالعام في شبهته المصداقية أضف إلى ذلك أن الآية لا تدل على الحكم في الإيقاعات.









والصحيح أنه لا يمكن إثبات اعتبار أصالة الصحة بمعناها الثاني من الكتاب المجيد كما لا يمكن التمسك في اعتبارها بذيل الإجماع فإن الاتفاق على حمل عمل الغير على الصحيح وإن كان أمراً محققاً على ما نذكر كما يظهر من كلماتهم في الفروع المتعددة في الأبواب المختلفة خصوصاً في مسائل الخصومات في المعاملات ونحوها إلاّ أن كونه من الإجماع التعبدي بحيث وصل إليهم ما لم يصل إلينا من المدرك غير معلوم بل من المحتمل جداً لولا دعوى اليقين أن المستند عندهم ما نذكر من الروايات، والسيرة المستمرة الجارية من المتشرعة وغيرهم من غير ردع من ناحية الشرع من حمل الفعل الصادر عن الغير على التمام.

















(1). الوسائل 1: 524، الباب 41 من أبواب الجنابة، الحديث 2.









(2). التهذيب 1: 100.









(3). الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.









(4). الوسائل 5: 343، الباب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.









(5). الوسائل 1: 329، الباب 41 من أبواب الوضوء، الحديث 2.









(6). الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.









(7). الوسائل 4: 712، الباب 2 من أبواب النية، الحديث 2.

وفيه: «هي على ما افتتح الصلاة عليه».









(8). سورة الحجرات، الآية 12.









(9). سورة البقرة: الآية 83.









(10). تفسير البرهان 1: 263، طبعة الأعلمي، الطبعة الاُولى، 1419 هـ ـ 1999 م.









(11). الوسائل 8: 613، الباب 161، من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأول.









(12). سورة المائدة: الآية 1.









































في الاستدلال على اعتبار أصالة الصحة








وقد يستدل على اعتبار أصالة الصحة في المقام بما ورد من التعليل في رواية حفص بن غياث الواردة في اعتبار قاعدة اليد من قوله (عليه السلام): «لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق»(1) بدعوى أن هذا التعليل يجري في أصالة الصحة أيضاً فإنه لو لم تعتبر أصالة الصحة لما قام أيضاً سوق وناقش في ذلك المحقق النائيني (قدس سره) بأن الحاجة إلى أصالة الصحة ليست بمثابة يلزم من عدم اعتبارها العسر والحرج وقاعدة اليد تغني في الأكثر عن اعتبار أصالة الصحة، ولكن فيه ما لا يخفى، وأن القاعدة لا تغني عن أصالة الصحة فإن اليد لا اعتبار بها فيما إذا علم وجه جريان اليد على المال فلابد في ترتيب الأثر تصحيح الوجه الذي جرى معه اليد على المال كما إذا علم أن المال الذي كان بيد زيد أمانة عنده اشتراه من مالكه وإذا لم يجري أصالة الصحة في ذلك الشراء خصوصاً مع دعوى المالك فساده كيف يجوز الشراء من زيد؟ وإذا كان الحال كذلك في بعض موارد اليد فكيف الحال في غير مواردها؟ مما أشرنا إليها من أفعال الغير والصحيح في الجواب مع الغمض عن السند أن غاية ما يقتضي التعليل المذكور اعتبار أصالة الصحة في المعاملات الجارية على الأموال، والمدعى في المقام اعتبار الصحة في أفعال الغير من الواجبات وغيرها مما يطلق عليه المعاملة بالمعنى الأعم، ويمكن اتصافها بالصحة والفساد.









وقد يستدل أيضاً على اعتبار أصالة الصحة بما ورد في مشروعية التوكيل حيث إنه لا يحرز عادة صحة عمل الوكيل إلاّ بالحمل على الصحة، ولكن لا يخفى ما في هذا الاستدلال أيضاً فإن ما دل على مشروعية الوكالة في المعاملة ونحوها مدلولها عدم لزوم الإتيان بها مباشرة ولكن لا دلالة له على اعتبار قول الوكيل في إحراز صحته فضلاً عن إحرازها بأصالة الصحة حيث لا منافاة بين مشروعية الوكالة في معامله ولزوم إحراز صحتها بوجه معتبر ككون الوكيل ثقة أو عدلاً عارفاً بالصحيح والفاسد وعلى الجملة كما يعتبر إحراز أصل عمل الوكيل في ترتيب الأثر كذلك يعتبر إحراز صحته ولا منافاة بين مشروعية الوكالة ولزوم هذا الإحراز.









وهذا نظير ما دل على صحة الاقتداء بمن يثق بدينه(2) فإن غاية مدلوله إحراز العدالة في إمام الجماعة في جواز الاقتداء به، وأما إحراز صحة صلاته فيمكن أن لا يعتبر في إحرازها أصالة الصحة فلا منافاة بين جواز الاقتداء بالعادل وعدم اعتبار أصالة الصحة فيقتدى به فيما إذا أحرز ولو بالاطمينان أنه لا يصلي بنحو لا يرى صحتها.









والعمدة كما أشرنا في اعتبار أصالة الصحة جريان السيرة الجارية من العقلاء والمتشرعة من حمل الفعل الصادر عن الغير على الصحة أي التام وترتيب الأثر عليه ما لم يحرز الخلاف من غير أن يرد من الشرع ما يدل على إلغاء السيرة.

















موارد الرجوع إلى أصالة الصحة في عمل الغير








وينبغي التنبيه في المقام على اُمور:







الأول ـ المراد بالصحة في المقام المحمول عليها فعل الغير الصحة الواقعية لا الصحة على اعتقاد الفاعل كما يظهر الحمل على ذلك من بعض كلمات المحقق القمي وغيره ممن استند في اعتبارها لظهور حال المسلم فإن مقتضى الظاهر أي الغلبة في الفاعل المريد لفعل أنه لا يأتي به على الوجه الباطل عنده إلاّ مع الغفلة عن بعض خصوصياته التي يعلم باعتبارها فيه والغفلة أمر نادر بالإضافة إلى تذكر الفاعل والتفاته والوجه في الحمل على الصحة الواقعية لا على الاعتقادية مقتضى السيرة الجارية فإنها لا تتبع ظهور الحال خاصة بل يحمل على الصحة الواقعية حتى فيما لم يحرز موافقة العامل مع الحامل في الخصوصيات المعتبرة في ذلك العمل بل مورد ظهور الحال الموجب للوثوق بصحة عمل الغير يكون خارجاً عن محل الكلام في أصالة الصحة؛ لأن الوثوق بالشيء في نفسه حجة عقلائية في غير مقام الدعاوى وأصالة الصحة معتبرة مطلقاً.









الثاني ـ قد يعلم عدم علم العامل بالفعل الصحيح والفاسد من جهة جهله بالحكم أو الموضوع فتكون صحة عمله واقعاً بمجرد المصادفة والاتفاق وقد لا يعلم حاله من أنه يعلم الحكم أو الموضوع ولذلك يحتمل صحة عمله لاحتمال علمه بالحكم والموضوع مع احتمال فساده لعدم علمه، وقد يعلم أن العامل يعلم العمل الصحيح والفاسد ومع ذلك يحتمل فساد عمله لاحتمال غفلته حال العمل أو كون الصحيح عنده يغاير الصحيح عند الحامل، وهل يعتبر أصالة الصحة في جميع هذه الصور أو تخص جريانها لبعضها؟







الظاهر أنه لا يمكن لنا اعتبار أصالة الصحة في الصورة الاُولى؛ لأن الدليل على اعتبارها السيرة المشار إليها، وثبوتها فيها غير محرز، ومع عدم الإحراز لا يمكن رفع اليد عن الاستصحاب الجاري في ناحية عدم حدوث ذلك الفعل الصحيح المفروض كونه هو الموضوع للحكم بالإضافة إلى الغير، وما قيل في وجه عدم الجريان من أن الدليل على اعتبارها ظهور حال المسلم، وأنه لا يقدم على العمل الفاسد، وهذا الظهور لا يتحقق مع العلم بحال المسلم، وأنه لا يعرف الصحيح من الفاسد لا يمكن المساعدة عليه لما تقدم من أن اعتبار ظهور الحال غير اعتبار أصالة الصحة؛ ولذا تجري أصالة الصحة فيما جهل حال المسلم العامل إذ مع فرض الجهل بحاله لا ظهور في حاله، وعلى ذلك تجري أصالة الصحة في الصورة الثانية فإن جريانها فيها غير قابل للمناقشة، وأما الصورة الثالثة فيحمل عمل الغير فيها على الصحيح فيما إذا علم موافقة الحامل مع العامل في الاعتقاد، وكان احتمال الفساد لاحتمال غفلته حال العمل أو علم اختلافهما، ولكن كان الاختلاف بينهما لا بنحو التباين كما إذا اعتقد العامل صحة الغسل ولو مع عدم الترتيب في غسل اليمين واليسار، ولكن يرى الحامل اعتباره مع احتماله أن العامل أيضاً اغتسل ترتيباً بين يمينه ويساره فيجوز للغير الائتمام بإمام يرى عدم الترتيب بين اليمين واليسار مع احتماله رعايته في اغتساله، ودعوى عدم إحراز السيرة في فرض هذا الاختلاف كماترى.









وأما إذا كان الاختلاف بينهما بنحو التباين فلا مورد للحمل على الصحة فإن احتمال الصحة في فعل الفاعل في الفرض لاحتمال غفلته وعدم التفاته، وليس من ديدن العقلاء والمتشرعة حمل فعل الفاعل على الغفلة في مقام ترتيب الأثر.

نعم، ربّما يعتبر الشارع اعتقاد الفاعل بصحة عمله موضوعاً للحكم على السائرين بترتيب الأثر كما هو مفاد قاعدة الالتزام كترتيب الأثر على نكاح الغير وطلاقه وهذا غير مورد الكلام في المقام.

















ما يقال من عدم جريان أصالة الصحة عند الشك في الأركان







الثالث ـ المحكي عن العلامة والمحقق الثاني أن أصالة الصحة تجري في العقود والإيقاعات فيما إذا كان الشك في غير الأركان منهما، وأما إذا كان المشكوك الركن فلا تعتبر أصالة الصحة قال: إذا اختلف الضامن والمضمون له فقال الضامن: ضمنت وأنا صبي فلا ضمان عليّ، وقال المضمون له: ضمنت وأنت بالغ حلف الضامن على عدم بلوغه حال الضمان، ثمّ قال: ولا تجري أصالة الصحة في عقد الضمان ليكون منكرها مدعياً؛ لأن أصالة الصحة تجري في العقود بعد إحراز أهلية التصرف كما إذا اختلفا في تحقق أمر مبطل ففي مثله يقدم قول مدعي الصحة، ونظير مسألة الضمان ما إذا قال البايع: بعتك المتاع بعبد، وقال المشتري: اشتريته بحرّ فإن في هذا المورد أيضاً لا تجري أصالة الصحة ليقدم قول البايع بل تجري أصالة عدم بيع المتاع أو قال البايع: بعتك الحر، وقال المشتري: اشتريت العبد فإنه لا يحمل البيع على الصحة بل الأصل عدم وقوع السبب الناقل بالعبد.









وقال الشيخ (قدس سره): لم يعلم الفرق بين مسألة الضمان بدعوى الضامن صغره عند الضمان وبين دعوى البايع صغره عند البيع حيث صرح المحقق الثاني والعلامة بجريان أصالة الصحة ثمّ قال: مقتضى النظر إلى الأدلة من السيرة المشار إليها ولزوم الإخلال هو التعميم ولذا لو شك المكلف في أن اشتراءه المتاع في السابق كان صحيحاً لبلوغه أم كان صغيراً بنى على الصحة، ولو قيل: إن الحكم بالصحة في الفرض لجريان أصالة الصحة في فعل البايع وهو تمليكه المتاع المفروض جرى ذلك في مسألة الدعوى والإنكار حيث إن أصالة الصحة الجارية في فعل البايع توجب تقديم قوله على قول المشتري، وكذا يجري في جميع العقود حيث إن الحكم بصحة فعل أحد الطرفين يوجب الحكم بوقوع الفعل الصحيح من الآخر لعدم تبعض العقد في الحكم بالصحة.

نعم، إذا لم يكن في البين طرف آخر كما في الإيقاعات فلا مورد لهذا الكلام فيها وذكر (قدس سره) أن الخلاف في تحقق شرط مفسد للعقد أو الإيقاع وتقديم مدعى الصحة فيه لا يحتاج إلى أصالة الصحة؛ لأن الأصل في الاختلاف في الشرط الفاسد أو المفسد عدم اشتراطه، وإنما الكلام في أصالة الصحة الموارد التي يكون الأصل فيها عدم تحقق العقد أو الإيقاع التام ليؤخذ فيها الأصل المذكور ويؤخذ بالتمام لأصالة الصحة الجارية فيها.

















عدم جريان أصالة الصحة في موارد الشك في قابلية الفاعل للفعل أو قابلية المورد له








ثمّ إنه قد ينسب إلى المحقق الثاني أن مراده مما سبق عدم جريان أصالة الصحة في موردين:







أحدهما ـ ما إذا شك في قابلية الفاعل لإيجاد الفعل بمعنى ولايته على إيجاد الشيء سواء كان الشك في القابلية العرفية والشرعية كما إذا شك في كون البايع مميزاً بالغاً أم لا أو في القابلية الشرعية فقط كما إذا علم كونه مميزاً والشك كان في بلوغه خاصة أو شك في كون المطلق مجنوناً فإنه لا يجري في شيء من قبيل ذلك أصالة الصحة.









والآخر ـ ما إذا كان الشك في قابلية المورد سواء كانت القابلية العرفية التي أمضاها الشرع أو القابلية الشرعية فقط كما إذا شك في أن العوض في البيع ماله مالية عند العقلاء كبعض الحشرات أو في القابلية الشرعية فقط ككون المبيع خلاً أو خمراً فإن هذه الموارد كالصورة الاُولى خارجة عن سيرة العقلاء فتكون موارد الحمل على الصحة في العقود أو الإيقاعات فيما إذا كان الشك فيها من غير ناحية قابلية الفاعل والمورد، وأما إحرازها فلابد من أن يكون من وجه معتبر غير ناحية أصالة الصحة وبتعبير آخر يمكن إحراز تماميتهما بأصالة الصحة من جهة سائر الاُمور المعتبرة فيهما.









وقد يقال: لا ينبغي التأمل في عدم جريان أصالة الصحة فيما إذا كان الشرط المشكوك في العقد أو الإيقاع بحيث لولاه لم يصدق عليه عنوان ذلك العقد أو الإيقاع كالقابلية العرفية في الفاعل أو المورد، وأما إذا كان بحيث لم يمنع فقده عن صدق عنوانهما فيجري أصالة الصحة كالقابلية الشرعية؛ لأن السيرة العقلائية في الحمل على الصحة سابق على الاشتراط الشرعي ولا يمكن دعوى حصول السيرة على الحمل بعد تشريع العقود والإيقاعات وعلى ذلك ففي الشك في بلوغ البايع ونحوه أو الشك في أن العوض في البيع الواقع كان خمراً أو خلاً فلا بأس بالأخذ بأصالة الصحة.









ولكن لا يخفى ما في هذا القول فإن أصالة الصحة في المعاملات وأن تكون بسيرة العقلاء وسيرتهم سابقة على القيود الشرعية إلاّ أن المدعى أنه إذا اعتبر في ناحية قابلية الفاعل أمراً بأن يرى أن الفاعل الفاقد له غير قابل للعمل، وكذا في مورد المعاملة بأن يرى أن الفاقد غير قابل لتلك المعاملة يعاملون المتشرعة من العقلاء مع القابلية الشرعية معاملة القابلية العرفية ولا يعتمدون على أصالة الصحة إلاّ بعد إحرازها والسيرة العقلائية إنما يعتمد عليها مع عدم ثبوت السيرة المتشرعة على خلافها حيث يعتبر سيرتهم ردعاً كما أن اعتبار البلوغ من الشارع في العقد والإيقاع ردع عن قابلية المميز عند العقلاء ونفي المالية عن الخمر والخنزير ردع عما عندهم من اعتبارهما مالاً.









نعم ذكر الشيخ (قدس سره) أن السيرة الجارية حتى من المتشرعة هي الحمل على الصحة حتى في موارد الشك في القيود الشرعية كما يظهر ذلك لمن تتبع سيرتهم في الأموال المباعة في السوق في أيدي الناس فإنهم يتعاملون معها معاملة الملك حتى فيما إذا كان الشك في انتقالها إلى بعض البايعين من غير البالغين أو في مقابل ما لا يكون مالاً شرعاً، ولكن لا يخفى ما فيه فإن معاملة الملك مع تلك الأموال ليس للحمل على الصحة بل لقاعدة اليد الجارية في حق ذي اليد.









ومما ذكر يظهر أنه لو علم أن ما بيده من المال قد اشتراه من الغير، ولكن لم يعلم أنه اشتراه قبل بلوغه أم بعده يحكم بكونه ملكاً له لقاعدة اليد نظير ما إذا رأى في يده مالاً لم يعلم أنه للغير أو ماله يحكم بكونه له، وعلى الجملة البناء على ملكية المال في مثل الفروض لقاعدة اليد لا لقاعدة حمل عمل الغير على الصحة ويكشف عن ذلك أنه لو رأى أن فلاناً طلق زوجة زيد ولكن لم يعلم أنه كان وكيلاً من قبل زيد أو أن طلاقه فضولي فلا يحمل فعله على الصحة بأن يتزوج بها بعد انقضاء عدتها مع احتمال أنه لم يكن وكيلاً من قبل الزوج، ونظير ذلك ما إذا رأى شخصاً أنه يبيع دار زيد، ولكن لا يدري أن البايع وكيل عن زيد أو أنه يبيع الدار فضولاً فلا يحمل بيعه على الصحة بأن يشتريها منه ويعطي الثمن بيده إلى غير ذلك وإن لم يكن ما ذكرنا محرزاً فلا أقل من عدم إحراز الحمل على الصحة في موارد الشك في قابلية الفاعل أو المورد.









وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لو تنزلنا عما ذكرنا من جريان أصالة الصحة مع الشك في القابلية فلا تجري أصالة الصحة فيما إذا لم يكن في البين طرف آخر بحيث يلزم لصحة عمله لإحراز القابلية فيه صحة عمل من يشك في قابليته كما إذا شك في أنه عندما طلق زوجته كان صغيراً فيبطل أم بالغاً وأما إذا شك في أنه عندما اشترى المال كان صغيراً أم بالغاً فإنه في هذا الفرض يمكن إحراز صحة شرائه بأصالة الصحة الجارية في بيع البايع فإن صحة البيع لا تتبعض فالحكم بصحته من قبل البايع يلزم الحكم بالصحة من جهة الشراء أيضاً بخلاف الشك في بلوغ الزوج عند طلاق زوجته أو إبرائه المديون عن الدين، ولكن لا يخفى ما فيه فإن الصحة المترتبة على فعل البايع وهو الإيجاب هي الصحة التأهلية لا الصحة الفعلية بمعنى أنه لو وقع قبول الإيجاب ممن هو سلطان على قبوله تم البيع، وأما إنه وقع القبول كذلك أم لا فلا يثبت لصحة الإيجاب فالتفصيل على فرض عدم الجريان عند الشك في القابلية لا أثر له لا يقال: إذا جرت أصالة الصحة في فعل البايع يمكن تصحيح الشراء أيضاً بقاعدة الفراغ فإن الشراء فعل نفس الشاك ولا يعتبر في جريان قاعدة الفراغ إلاّ مضي نفس العمل والشك في صحته بعد ذلك، وإذا أحرز صحة فعل نفسه والمفروض إحراز فعل البايع يحقق الموضوع للصحة الفعلية فإنه يقال: لا يثبت بلوغ المشتري لا بأصالة الصحة في فعل البايع ولا بقاعدة الفراغ لعدم اعتبار الأصل المثبت والشك في الصحة ناش من الشك في البلوغ على ما تقدم في بيان الفرق بين قاعدة التجاوز والفراغ وقاعدة الفراغ، تتكفل لإحراز العمل الصحيح في مقام الامتثال لا لإثبات الحكم وإحرازه بإحراز الموضوع، وعلى الجملة قاعدة اليد الجارية على المال الذي بيده مقتضاها كونه ملكاً له فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم وقوع الشراء على ذلك المال: لأنه لا يترتب عليه إلاّ عدم كونه مالكاً لذلك المال فتكون قاعدة اليد حاكمة عليها والعجب من الشيخ (قدس سره) حيث يلتزم في بعض الاُمور الآتية أن أصالة الصحة في الإيجاب لا تثبت وقوع القبول.

















جريان أصالة الصحة في الأفعال التي عناوينها قصدية








الرابع ـ هو أن جريان أصالة الصحة في عمل الغير ينحصر في ما إذا أحرز أصل صدور العمل عن الغير وكان الشك في صحته وفساده، وأما إذا لم يحرز أصل العمل فلا موضوع لأصالة الصحة، وعلى ذلك لو وقع الشك في زوال عين النجاسة عن الثوب الذي غسله الغير لا تجري أصالة الصحة في غسله فإن مع احتمال بقاء العين لا يحرز غسل موضعها بخلاف ما إذا أحرز زوال العين، ولكن شك في طهارة الثوب ونجاسته للشك في ورود الماء على الثوب المتنجس أو وروده على الماء القليل المغسول به فإنه لا بأس بأصالة الصحة، ونظير ما ذكر ما إذا شك في كون الصادر عن الغير بقصد النيابة عن الغير أم لا فإن قصد النيابة يوجب استناد الفعل إلى المنوب عنه وأصالة الصحة لا تثبت حصول ما كان على المنوب عنه ولذا يتعين إحراز صدور الفعل عن الأجير بقصد النيابة في القضاء عن المنوب عنه ولو كان الإحراز بإخبار الأجير إذا كان ثقة وكذا بإخبار غاسل الثوب بإزالة العين.









نعم، بعد إحراز أن فعل الأجير وصدور العمل عنه بقصد النيابة يحمل عمله على الصحيح إذا كان ممن يحتمل في حقه علمه بالصحيح والفاسد بخلاف ما إذا لم يعلم صدور الفعل عنه بقصد النيابة فإنه لا مجرى لأصالة الصحة مع عدم العلم بصدور العمل بقصدها.









وعن الشيخ (قدس سره) أن ما يأتي به الشخص من العمل الذي على عهدة الغير كالصلاة عن الميت لها جهتان: إحداهما ـ أن ما يأتي به هو العمل على الغير، والاُخرى ـ أنه عمل المباشر، وللفعل المأتي به آثار الجهتين مثلاً يراعي في صلاته عن الميت ما على الميت من القصر والتمام، ومن حيث إنها فعله يراعي وظيفة الجهر والإخفات والستر وترك لبس الحرير وعلى ذلك فإن شك في قصده النيابة لا يترتب عليه سقوط ما كان على الميت وإن يستحق الاُجرة بمقتضى أصالة الصحة، ولكن لا يخفى ما في تفكيكه (قدس سره) بين استحقاق الاُجرة وسقوط ما على المنوب عنه فإنه مع إحرازه قصد النيابة لا يحرز تسليم العمل المستأجر عليه حتى يستحق المطالبة بالاُجرة، وبتعبير آخر أصالة الصحة في عمل النائب لا تثبت وقوعه بقصد النيابة عن الغير واستحقاق الاُجرة مترتب على وقوعه صحيحاً بقصد النيابة، وما دام لم يثبت ذلك فلا يستحق الاُجرة ثمّ إن وقوع العمل منه بقصد النيابة أم لا، لا يعلم إلاّ من قبل العامل نوعاً ولا سبيل للغير إلى العلم بقصده فهل يكتفي في إحراز ذلك مجرد أخباره بوقوع العمل بقصدها على ما هو المعروف في الألسنة: أن كل ما لا يعلم إلاّ من قبل الشخص يقبل قوله فيه، أو لابد من إحراز ثقته أو عدالته حتى يقبل قوله فيه، وقد أشرنا إلى كفاية إخباره إذا كان ثقة ولا تعتبر العدالة حيث إن مقتضى السيرة العقلائية الاكتفاء بخبر الثقة في مثل هذه الموارد وأما ما هو معروف في الألسنة فلا دليل عليه على عمومه.

نعم، قام الدليل في بعض الموارد على قبول قول الشخص فيه من غير اعتبار كونه ثقة كقبول قول المرأة في حيضها وطهرها وكونها معتدة أو انقضت عدتها، وأما بالإضافة إلى الأفعال التي لا تكون عناوينها قصدية ومع ذلك يتصف الفعل بالصحة تارة وبالفساد اُخرى فالحمل على الصحة فيها فيما إذا اُحرز أو احتمل أن الفاعل يعلم الصحيح منه والفاسد أو احتمل ذلك في حقه على ما تقدم فإنه مع هذا الفرض في مورد يحمل فعله على الصحيح، وعلى ذلك فإن علم أن غاسل الثوب لا يعلم نجاسته أو لا يعلم كيفية تطهيره من نجاسة البول مثلاً فلا مورد لأصالة الصحة، وهل يعتبر في الحمل على الصحة مضافاً إلى ما ذكر إحراز أن الفاعل يريد الفعل الصحيح؟ كما إذا كان للفعل عنوانان كغسل الثوب المتنجس فإنه ينطبق عليه عنوان الغسل وعنوان التطهير إذا روعي في الغسل شرايط التطهير فهل يكتفي في الحمل على الصحة ما إذا اُحرز أن الفاعل قصد غسله أو يعتبر إحراز قصده عنوان التطهير فإن لم يحرز ذلك فلا تجري أصالة الصحة؛ لأن الدليل على اعتبارها هي السيرة المشار إليها ولم يحرز ثبوتها مع عدم إحراز العنوان الثاني كما إذا احتمل أن الفاعل ممن لا يبالي بوقوع الفعل صحيحاً أو فاسداً ولا يبعد أن يكون إحراز السيرة في خصوص إحراز قصد الصحيح في الموارد المذكورة.









الخامس ـ ذكر الشيخ (قدس سره) أن مقتضى أصالة الصحة في عمل تحققه واجداً لما يعتبر في ترتب الأثر المقصود منه مثلاً صحة الإيجاب كونه بحيث إن تحقق معه قبول مع سائر ما يعتبر في ترتب الأثر المرغوب منه ترتب ذلك الأثر من انتقال المالين في البيع والإجارة ونحوهما والزوجية في النكاح إلى غير ذلك ولو شك في كون الصادر عن الموجب فاسد بمعنى عدم كون إيجابه واجداً لما يعتبر في الإيجاب ككونه بالعربي يحكم بكونه صحيحاً، ولكن إذا شك في حصول القبول أو في تحقق القبض المعتبر في الهبة وبيع السلم والصرف إلى غير ذلك فلا يقتضي حمل الإيجاب على الصحة تحققها؛ لأن الثابت بأصالة الصحة الجارية في الإيجاب الصحة التأهلية وهي كونه بحيث يترتب عليه الأثر المرغوب على تقدير حصول غيره مما يعتبر من القبول والقبض إلى غير ذلك.









ثمّ قال: وعلى ذلك فلو رجع المرتهن عن إذنه للراهن في بيع الرهن وشك في أن بيع الراهن كان قبل رجوعه عن إذنه أم بعده فلا يمكن الأخذ بأصالة الصحة في إذنه في الحكم بصحة البيع، ولا بأصالة الصحة في رجوعه في الحكم بفساده؛ لأن أصالة الصحة في الإذن معناه أنه لو وقع البيع بعده وقبل الرجوع حصل انتقال الرهن إلى المشتري والثمن إلى الراهن وهذه الصحة التأهلية قطعية حتى على فرض إحراز وقوع البيع بعد الرجوع كما أن صحة الرجوع معناها أنه على تقدير وقوع البيع بعده لما ترتب عليه النقل والانتقال كما لا تجري أصالة الصحة في نفس البيع فإنه لا تثبت وقوع البيع بعد الإذن وقبل الرجوع إلاّ أن يتمسك في إثبات صحة البيع بالصحة الفعلية بالاستصحاب في ناحية بقاء الإذن عند البيع وعدم الرجوع فيه إلى تمام العقد ولكن هذا التمسك مع أنه لا يرتبط بأصالة الصحة يعارضه الاستصحاب في ناحية عدم البيع إلى زمان الرجوع، ولا يخفى أن ما ذكره في المقام ينافي ما تقدم منه (قدس سره) من أنه لو شك في أن شراءه السابق كان حال بلوغه أو صغره تكون أصالة الصحة الجارية في بيع البايع موجباً للحكم بصحة الشراء.

أقول: لا يخفى أنه لو كان إذن المرتهن في بيع الرهن إسقاطاً لحق الرهانة فلا يفيد رجوعه عن إذنه ويصح بيع الراهن وإن لم يكن إسقاطاً له فأصالة الصحة وإن لا تجري في بيعه إلاّ أنه يحكم بصحة بيعه للاستصحاب في بقاء إذنه وعدم رجوعه إلى تمام البيع، ولا يعارض هذا الاستصحاب بالاستصحاب في عدم وقوع البيع إلى زمان الرجوع فإن هذا الاستصحاب لا يثبت وقوعه بعد رجوعه وبتعبير آخر وقوع البيع محرز وكأن المرتهن قد أذن في البيع قبل ذلك، وإذا أحرز عدم رجوعه وبقاء إذنه إلى زمان البيع يتم موضوع النقل والانتقال.









وقد تحصل مما تقدم أنه لو أحرز حصول الفعل ممن له سلطنة على ذلك الفعل في مورد قابل له فمع احتمال أن الفاعل يعلم بكيفية الفعل الصحيح يحمل فعله على الصحة، وإن توقفت الصحة الفعلية على حصول فعل شخص آخر لا يعلم بحصوله فلا يحرز حصوله بأصالة الصحة في فعل ذلك الفاعل كما إذا شككنا في حصول القبول للطرف الآخر في العقد فلا يثبت حصوله بأصالة الصحة في إيجاب الموجب، وكذلك إذا شككنا في حصول القبض من المتهب فإن أصالة الصحة في الإيجاب والقبول لا تثبت تحقق القبض بلا فرق بين القول بأن القبض وصول المال إلى يد المتهب أو التخلية بينه وبين المال بحيث يمكن له أخذه.

















(1). الوسائل 18: 215، الباب 25، من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.









(2). الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.









































عدم اعتبار أصالة الصحة في موارد جريانها بالإضافة إلى مثبتاتها








السادس ـ لا يخفى أن أصالة الصحة في عمل الغير إنما تقتضي ترتيب الأثر المترتب على ذلك الفعل وأما اللازم لصحته أو ملازمها فلا يثبت شيء منهما مع الشك في وجودهما بأصالة الصحة في ذلك العمل بأن يترتب الأثر الشرعي على ذلك اللازم أو الملازم أيضاً، وهذا لعين ما ذكرناه في عدم اعتبار الاستصحاب أو قاعدة الفراغ بالإضافة إلى مثبتاتها سواء قلنا بأن أصالة الصحة في عمل الغير كقاعدة الفراغ والاستصحاب من الاُصول العملية أو أنها من الأمارات فإن عمدة الدليل على اعتبارها السيرة الجارية من العقلاء حتى عند المتشرعة منهم، والسيرة في إثبات ما ذكر غير محرزة إن لم يحرز عدم ثبوتها، وقد فرع الشيخ (قدس سره) على ذلك ما إذا شك في أن شراء المشتري من البايع كان بعين مملوكة له أو كان الثمن في الشراء الخمر أو الخنزير فيحكم بأصالة الصحة بصحة الشراء ولكن لا يحكم بخروج تلك العين عن ملك المشتري ومن تركته إن مات ودخولها في ملك البايع لأصالة عدم انتقالها عن ملكه، وهذا نظير ما تقدم من أنه لو شك في صلاة العصر أنه صلى الظهر قبل ذلك أم لا أنه يحكم بفعل الظهر من حيث كونه شرطاً لصلاة العصر لا فعل الظهر من حيث هو واجب نفسي حتى لا يجب إتيانه ثانياً إلاّ إذا كان الشك في الشيء بعد خروج وقته.









ولا يخفى ما في كلامه في مسألة الشك في أن الشراء كان بما يملكه من العين أو بما لا يملكه من الخمر والخنزير حيث تقدم أنه لا مجرى لأصالة الصحة إلاّ مع إحراز قابلية المورد ومع الشك المفروض لا يحرز قابلية العوض للشراء به فيؤخذ بالاستصحاب في بقاء تلك العين في ملك المشتري إلى زمان موته فإن كان المبيع موجوداً يحكم ببقائه على ملك بايعه أخذاً بالاستصحاب بلا فرق بين أن يكون ذلك المبيع بيد بايعه أو بيد المشتري فإنه إن كان بيد بايعه فالأمر ظاهر لقاعدة يده عليه، وإن كان بيد المشتري لوقوع المعارضة بين يده على المبيع ويده على تلك العين، وبعد تساقطهما يرجع إلى بقاء المالين على حالتهما الأولية.









وأما ذكره (قدس سره) من التنظير فلا يمكن المساعدة عليه سواء كان الشك في الإتيان بالظهر أثناء صلاة العصر أو بعد الفراغ عنها فإنه إن وقع الشك لم تجر قاعدة الفراغ ولا التجاوز في صلاة الظهر حيث إن صلاة العصر من أولها إلى آخرها مشروطة بوقوعها بعد الظهر.

ومع الشك في أثناء شك في صحة العصر قبل الفراغ منها وصلاة الظهر غير مشروطة بوقوعها قبل العصر ليجري فيها قاعدة التجاوز فالوظيفة حينئذ العدول من العصر إلى الظهر، وأما إذا شك في إتيان الظهر بعد الفراغ من العصر فصلاة العصر صحيحة قطعاً؛ لأن اشتراط الترتيب ذكري وعليه الإتيان بالظهر للاستصحاب في عدم الإتيان بها ولكون الشك فيه قبل خروج الوقت.









ثمّ إن الشيخ (قدس سره) تعرض لما ذكره العلامة في القواعد من آخر كتاب الإجارة قال العلامة في مسألة اختلاف الموجز والمستأجر: كما إذا قال المؤجر آجرتك الدار كل شهر بدرهم وقال المستأجر استأجرتها منك سنة بدينار ففي تقديم قول المستأجر نظر حيث إن أصالة الصحة في الإجارة لا تعين السنة، وإن قلنا بتقديم قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول(1).







أقول: لا يمكن القول في فرض المسألة بصحة الإجارة في الشهر الأول: لأن المؤجر يدعي إجارة كل شهر بدرهم فيطالب المستأجر في الشهر الأول بدرهم والمستأجر يدعي الإجارة في سنة بدينار، وبناءً على انحلال الإجارة يدعي المشتري تملك منفعة الدار في الشهور الباقية أيضاً في مقابل دينار وإذا كان الدينار بعشرة دراهم تكون الاُجرة الواقعة في شهر أقل من درهم فلا اتفاق بينهما في الإجارة بشيء حتى في الشهر الأول فيكون المرجع التحالف لأصالة عدم جريان الإجارة لا على سنة ولا على شهر على ما يذكره مالك الدار.

نعم، إذا كانت الاُجرة التي يدعيها المالك لكل شهر مساوية للاُجرة الانحلالية أو أكثر فأمكن أن يقال بصحة الإجارة في الشهر الأوّل: لأن إجارته متفق عليها بينهما من غير دعوى للمؤجر على المستأجر بخلاف المستأجر فإنه يدعي تملك المنفعة في الشهور الآتية من الثمن فالمالك ينكرها ثمّ ذكر الشيخ (قدس سره)ما ذكره العلامة في آخر كلامه قال العلامة: وكذا الإشكال في تقديم قول المستأجر فيما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في تعيين المدة أو الاُجرة فادعى المؤجر عدم التعيين وأن الإجارة فاسدة وقال المستأجر التعيين فيهما وأن الإجارة صحيحة ثمّ استقرب العلامة (قدس سره) تقديم قول المستأجر لأصالة الصحة فيما إذا لم يتضمن كلام المؤجر دعوى على المستأجر.









وما ذكر (قدس سره) عن العلامة ثانياً في ذيل كلامه المتقدم في القواعد ما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في تعين المدة أو الاُجرة فادعى المؤجر عدم التعيين فتكون الإجارة باطلة وقال المستأجر بالتعيين فيهما فتكون صحيحة فإن العلامة قد استشكل في تقديم قول المستأجر لما تقدم من أن أصالة الصحة لا تثبت ما عينه المستأجر من المدة أو الاُجرة ثمّ ذكر أن الأقوى التقديم فيما إذا تضمن قول المستأجر دعوى على المالك(2) وقال في جامع المقاصد في شرح هذا الكلام أن المستأجر إن ادعى الاُجرة المسماة بمقدار اُجرة المثل أو الأزيد فلا يكون قوله متضمناً للدعوى على المؤجر وإن كان أقل يكون قوله متضمناً لدعوى الضرر على المؤجر فلا وجه لتقديم قوله حيث إن نقص الاُجرة ضرر على المالك وأصالة الصحة لا تثبته.









أقول: يفرض تارة اختلافهما بعد انقضاء المدة التي يدعيها المستأجر واُخرى قبل انقضائها فإن كان الاختلاف بعد الانقضاء وكون الاُجرة المسماة بمقدار اُجرة المثل أو الأزيد فلا مورد لأصالة الصحة؛ لاستحقاق المؤجر الاُجرة المساوية لاُجرة المثل سواء كانت الإجارة صحيحة أم فاسدة؛ لأن استيفاء منفعة الدار أو تلفها بيد المستأجر موجب للضمان إذا لم يكن التسليط تبرعياً وأما إذا كان قول المستأجر الاُجرة الأقل من اُجرة المثل يكون متضمناً للدعوى على المالك بعدم استحقاق مقدار الناقص وأصالة الصحة في الإجارة لا تعين الاُجرة الأقل فيحلف المالك على ما يدعيه ويأخذ منه اُجرة المثل؛ لقاعدة الضمان المشار إليها، وكذا يتضمن قول المستأجر لدعوى على المؤجر إذا كان الاختلاف بينهما قبل انقضاء مدة الإجارة التي يدعيها المستأجر حيث قوله يتضمن دعوى تملكه لمنفعة الدار في تلك المدة فلا يجوز للمؤجر أخذ العين منه فيحلف المالك ويأخذ العين.









بقي في المقام أمر وهو أنه لا ينبغي التأمل في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب الحكمي نظير بقاء المال على ملك مالكه الأولي، وعدم حدوث الزوجية، وغير ذلك فإن مع جريان أصالة الصحة في عمل عقداً كان أو إيقاعاً أو غيرهما لا يبقى شك في الصحة وما يترتب عليها من سائر الآثار، وكذلك لا ينبغي التأمل فيما كان مع قطع النظر عن أصالة الصحة أصل موضوع يقتضي بطلان عمل الغير عند الشك فيه يسقط عن الاعتبار مع جريان أصالة الصحة، وإن كان منشأ الشك في الصحة الشك في تحقق ذلك الشيء بأن يحسب ذلك الشيء تحققه موضوعاً أو قيداً لموضوع الصحة حيث مع إحراز جريان أصالة الصحة بالسيرة الجارية فيها في المورد يلغى الأصل النافي في المورد كالاستصحاب في عدم ذلك الشيء، ولا يمكن أن تكون أدلة اعتبار الاستصحاب رادعة من السيرة؛ لما تقدم في بحث حجية الأخبار أن الردع عن السيرة لابد من أن يكون وارداً في خصوص مورد السيرة كما إذا علمنا بوقوع الطلاق من الزوج لزوجته في حضور شخصين نشك في عدالتهما فمقتضى أصالة الصحة وقوع الطلاق صحيحاً فيجوز للغير تزوجها بعد انقضاء عدتها، ولكن لو كان لعدالتهما أثر آخر غير مربوط بصحة الطلاق لا يترتب على أصالة الصحة ذلك الأثر كما إذا أردنا الاقتداء بأحدهما في الصلاة أو حضرا عن القاضي بالشهادة لأمر فلا يجوز للقاضي الاعتماد على أصالة الصحة في ذلك الطلاق في قبول شهادتهما في المرافعات؛ لأن الثابت بمقتضى السيرة هو الحكم بصحة طلاق الزوج عندهما إذا احتمل أن الزوج يعرف اشتراط حضور العدلين في طلاق زوجته وأما إذا لم يثبت جريان السيرة على الحمل على الصحة كما في موارد الشك في قابلية الفاعل أو قابلية المورد فيرجع فيها إلى مقتضى الأصل النافي على ما تقدم لعدم اعتبار أصالة الحمل على الصحة فيها ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره الشيخ (قدس سره) في تقريب تقديم أصالة الصحة على الأصل الموضوعي في موارد جريانها.

















عدم جريان الاستصحاب في ناحية عدم الشرط مع جريان أصالة الصحة








وقد ظهر مما ذكرنا أن الوجه في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب في ناحية عدم حصول الشرط في العقد أو الإيقاع أو غيرهما في موارد إحراز قابلية الفاعل، والمورد هو أن إحراز جريان السيرة على الحمل بالصحة فيه يوجب إلغاء الاستصحاب في ناحية عدم حصول الشرط؛ لأن مع عدم الإلغاء يوجب لغوية اعتبار أصالة الصحة؛ لأن في جل موارد الحمل على الصحة يكون مقتضى الاستصحاب فساد العمل نظير ما تقدم في قاعدة الفراغ من أن تقديم الاستصحاب في عدم الوضوء عندما شك فيه بعد الفراغ من الصلاة يوجب إلغاء قاعدة الفراغ.









ولكن ذكر الشيخ لعدم جريان الاستصحاب مع أصالة الصحة وجهاً آخر وهو أن الاستصحاب في عدم بلوغ البايع مثلاً في العقد الواقع خارجاً لا يقتضي بنفسه عدم حصول النقل والانتقال بل بما أن مع صدوره من غير بالغ لا يتحقق العقد الصادر من البالغ وصدوره من البالغ سبب لحصول النقل والانتقال وعدم حصول المسبب مستند إلى عدم حصول السبب لا لصدور العقد من غير بالغ وإذا كان مقتضى أصالة الصحة صدور العقد المفروض من البالغ ثبت السبب ولم يبق مجال لعدم تحقق السبب وبتعبير آخر صدور العقد من غير البالغ ضد للسبب الناقل لا أنه بنفسه يقتضي عدم المسبب، والذي يقتضي عدم المسبب عدم السبب ولا مجال لعدم السبب مع ثبوت السبب بأصالة الصحة، ولكن لا يخفى ما فيه فإنه لولا لزوم اللغوية وعدم المعنى لاعتبار الاستصحاب مع جريان السيرة على الحمل على الصحة كما إذا فرض عدم اللغوية وكون الدليل على اعتبار الحمل على الصحة دليلاً لفظياً قابلاً للمعارضة والتخصيص لكان الاستصحاب في عدم بلوغ البايع في العقد الصادر خارجاً مثبتاً لعدم تحقق السبب، وبتعبير آخر إذا كان مقتضى أصالة الصحة في البيع تحقق السبب وهو وقوع البيع المفروض من البالغ كان مقتضى استصحاب عدم البلوغ في الصادر عنه البيع عدم تحقق السبب الناقل والحاصل الوجه في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب ما ذكرنا من ثبوت حصول الشرط بالإضافة إلى العمل الواقع عن الغير لا الحكم بحصوله في نفسه حتى بالإضافة إلى سائر الآثار المترتبة على حصوله.

















قاعدة اليد








في تقدم قاعدة اليد على الاستصحاب








لا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في موارد جريان قاعدة اليد سواء قيل بأن قاعدة اليد من الأمارات أو أنها من الاُصول لما تقدم في وجه تقديم أصالة الصحة في عمل الغير من أنه لولا تقدمها على الاستصحاب لاختص جريانها بموارد نادرة حيث إن الوجه المذكور يجري في تقديم قاعدة اليد أيضاً وأنه لولاها لما كان للمسلمين سوق فإن الأيدي إلاّ في النادر مسبوقة بعدم الملكية وقد اشتهر عدم جريان قاعدة اليد في موردين، وأنه يؤخذ فيهما بمقتضى الاستصحاب لا لتقديم الاستصحاب على قاعدة اليد بل؛ لأن قاعدة اليد لا دليل عليها فيهما وإن يظهر من كلام المحقق النائيني واليزدي (قدس سرهما) حكومة خطابات الاستصحاب على قاعدة اليد فيهما.









المورد الأوّل ـ ما إذا اعترف ذو اليد بانتقال المال إليه من المدعي أو مورثه فإنهم ذكروا أن قول ذي اليد بأن المال ملكه إذا انضم إليه اعترافه بأن المال انتقل إليه من المدعي بالبيع أو بالهبة أو بغير ذلك ينقلب إلى الدعوى على من اعترف له بأن المال كان ملكاً له أو لمورثه فيصير المدعي على ذي اليد منكراً وذو اليد مدعياً حيث إن صاحب اليد يدعي بحسب اعترافه انتقال المال إليه عمن اعترف له بأنه كان مالكاً والمعترف له ينكر النقل والانتقال وعدم اعتبار قاعدة اليد في الفرض لما ذكرناه من أن عمدة الدليل على اعتبارها السيرة العقلائية حتى من المتشرعة ولا يأخذون باليد في موارد اعتراف ذو اليد في مقابل دعوى المعترف له أو وارثه وأما الرواية أيضاً فلا يزيد مدلولها غير إمضاء السيرة العقلائية كما يظهر بالتأمل في مدلولها والتعليل الوارد فيها.









وذكروا أن ذلك مقتضى اعتراف ذي اليد لا مقتضى كون المال سابقاً ملكاً للمدعي لئلا يكون فرق في انقلاب الدعوى بين اعتراف ذي اليد أو قيام البينة بأن المال كان في السابق ملكاً للمدعي أو مورثه أو علم القاضي بذلك فإن مقتضى نفوذ الإقرار وترتيب الأثر عليه غير إحراز الواقع وترتيب الأثر عليه كما إذا اعترف ذو اليد بأن المال الذي بيده لزيد ثمّ اعترف ثانياً بأنه لعمرو فإنه ينفذ كلا الإقرارين تؤخذ منه العين فتعطى لزيد وتؤخذ منه القيمة وتعطى لعمرو مع أن المال في الواقع لأحدهما لا لكل واحد منهما.

وقد نوقش في الالتزام بالانقلاب بأنه لا يصح عليه المنقول في الاحتجاج وغيره عن أمير المؤمنين (قدس سره) في مخاصمة فاطمة (عليها السلام) مع الأوّل في أمر فدك حيث اعترفت (سلام اللّه عليها) بأن فدكاً كانت لرسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) وقد أخذتها من أبيها نحلة(3).







وحيث إن أبا بكر بزعمهم كان ولياً تكون دعواه بأنه صدقة وفيء للمسلمين مع انضمام اعترافها (عليها السلام) بأنها كانت لرسول اللّه موجباً لانقلاب الدعوى مع أن علياً (عليه السلام)قد أنكر على أبي بكر مطالبته البينة من فاطمة (عليها السلام) على أنه نحلة أبيها وأنه يلزم مطالبته البينة ممن يدعي على فاطمة (عليها السلام).









وقد أجاب المحقق النائيني (قدس سره) عن المناقشة بأن اعتراف ذي اليد بكون المال في السابق للمدعي أو مورثه وأن يوجب الإنقلاب في الدعوى فيكون ذو اليد مدعياً والمدعي منكراً إلاّ أن قضية أمر فدك لا تدخل في هذه الكبرى، والوجه في ذلك أن التبدل في الملكية التي هي إضافة خاصة بين المال والمالك يكون: بتبدل المالك تارة بأن يقوم الغير مقام المالك كما في مورد الإرث فإن الورثة بموت المورث يقومون مقامه فيكون المال المضاف إلى المورث مضافاً إليهم، ويكون بتبدل المملوك اُخرى كما في مورد البيع وغيره من المعاوضات المالية فإنه إذا باع المالك داره بثمن كان المضاف إلى مالكها قبل البيع هو الدار وبعد البيع يكون الثمن كما أن الأمر في ناحية المشتري بالعكس، ويكون ثالثةً بتبدل نفس الإضافة كما في مورد الهبة والوصية فإن الواهب عند هبته يوجد إضافة المال الموهوب إلى المتهب ويقطعها عن نفسه كما أن الموصي يقطعها عن نفسه في ظرف موته ويوجدها للموصي له، ففي قضية فدك المسلمون أو فقراؤهم لم يكونوا وارثين للنبي (صلّى الله عليه وآله) على طبق الحديث المجعول حتى يكون إقرار فاطمة (عليها السلام) بأن فدكاً كانت لأبي وقد جعلها نحلتي حال حياته اعترافاً لكونها للمسلمين أو فقرائهم فيوجب الانقلاب في دعواها بل هذا نظير ما كان ذو اليد مدعياً أن المال الذي بيده قد انتقل إليه من زيد المتوفى حال حياته وقال شخص أو أشخاص من غير يد على ذلك المال أن زيداً أوصى لنا ذلك المال فإنه يحسب ذو اليد منكراً وعلى المدعين للوصية لهم إقامة البينة عليها بل الأمر في الحديث المجعول ليس من قبيل الوصية أيضاً حيث إن فقراء المسلمين مصرف لذلك المال على طبق ذلك الحديث فلم يبق في مقابل يد فاطمة (عليها السلام) إلاّ استصحاب بقاء فدك في ملك رسول اللّه إلى وفاته وهذا الاستصحاب محكوم بقاعدة اليد، وملخص الكلام إنما تنقلب الدعوى باعتراف ذي اليد إذا كان المدعي في الواقعة نفس المعترف له أي المقر له ويلحق بذلك إذا كان المدعي وارث بحيث يقوم مقام نفس المقر له ففي هذه الصورة لا اعتبار بيد ذي اليد بل يحسب مدعياً وأما إذا كان المدعي أجنبياً عن المقر له المتوفى بأن ادعى شخص أنه أوصى له المتوفى بذلك المال فعليه إقامة البينة على دعوى الوصية له وإلاّ يحلف ذو اليد ويسقط بحلفه دعوى المدعي.









المورد الثاني ـ ما إذا علم كون اليد في السابق من ذي اليد يد غير ملك بأن كان المال في يده أمانة أو عارية أو إجارة أو غصباً وشك في تبدلها إلى يد ملك فيقال هذه اليد غير معتبرة ولا تكون مثبتة للملك، وقيل وجهه كما عن السيد اليزدي في ملحقات العروة والمحقق النائيني (قدس سرهما) أن الاستصحاب الجاري في ناحية حال اليد يخرجها عن موضوع اعتبار قاعدة اليد فإن الموضوع لها اليد المشكوكة ومع الاستصحاب في كونها على ما كان لم يبق شك فيها، وهذا نظير الاستصحاب في عدم البلوغ في المفتي حيث يخرج فتواه عن الاعتبار، وفيه ما لا يخفى فإن ظاهر القائلين بعدم اعتبار قاعدة اليد في الفرض أن عدم اعتبارها لا للاستصحاب بل لو لم يجر الاستصحاب أيضاً كما لو قيل بعدم اعتبار الاستصحاب لكان المرجع غير قاعدة اليد حيث إن العمدة في دليل اعتبار قاعدة اليد السيرة المشار إليها ولم تحرز السيرة في مفروض المقام، وما تقدم في رواية حفص بن غياث: «لو لم يجز ذلك لم يقم للمسلمين سوق»(4) ظاهرها اليد المشكوكة على المال من حين الحدوث مع أن سندها لا يخلو عن المناقشة، وقد يقال: إنه يعم المفروض قوله (عليه السلام) في موثقة يونس بن يعقوب من استولى على شيء منه فهو له(5) رواها في الوسائل في باب حكم اختلاف الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت وظاهرها اعتبار اليد والاستيلاء الفعلي وفيه أن ظاهرها أيضاً احتمال ملكية المستولي من أوّل استيلائه.









ولكن يمكن الاستدلال على عموم السيرة بما إذا كانت اليد كذلك وادعى كل من ذي اليد وشخص آخر في عرض دعوى ملكية ذي اليد أن المال له فإنه لو كان المدعي هو المالك الأوّل ومع اعتراف ذي اليد أنه كان له فقد تقدم انقلاب الدعوى في الفرض ولو كان غير ذلك المال فاللازم الحكم في المال بالتنصيف كما هو الحال في دعوى شخصين ملكية مال مع عدم اليد لواحد منهما مع أنهم ذكروا أن ذا اليد يحلف على نفي دعوى الآخر مع عدم البينة له فيأخذ المال.

















في اعتبار قاعدة اليد في موارد إثبات ملكية المنفعة ونحوها








بقي في المقام أمران:







الأوّل ـ هل اليد على منفعة العين تعتبر في كون ذي اليد مالكاً لها كما إذا علم بأن العين وقف وقد تصدى ذو اليد لإجارتها فيحكم بكونه مالكاً للمنفعة أو متولياً للوقف فيجوز الاستيجار منه لا يبعد ذلك؛ لأن اليد على العين كما أنها أمارة ملك العين عند احتماله كذلك أمارة لملك منفعتها والمتبع في السيرة المشار إليها كون يده على منفعة العين ولا يبتني بناؤهم على ذلك على صورة بنائهم على ملك العين خاصة ليلزم عدم البناء في موارد العلم بعدم كون العين ملكاً له بل مع احتمال كون ذي اليد ذا حق في العين تكون يده معتبرة في إحراز ذلك الحق كحق الاختصاص والانتفاع.









ولو كانت عين بيد شخص يصرف منافعها وريعها على علماء البلد أو فقرائه بعنوان كونها وقفاً عليهم أو وصية وأدعى شخص ملكية تلك العين يكون مدعياً ومثل ذلك الأنهار المملوكة في القرى فإن أهلها ينتفعون بالماء الجاري فيها للشرب وغسل الثياب ونحو ذلك فلا يجوز لمشتري النهر من مالكه أن يمنع أهل القرية عن الانتفاع من مائه في مثل ما ذكر بل لا أثر لمنعه؛ لأن يد أهل القرية على النهر أمارة كونهم ذوي حق عليه من أول الأمر ولعله يشير إلى ذلك مكاتبة محمد بن الحسين إلى أبي محمد (عليه السلام): رجل كان له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا؟ فوقع (عليه السلام): «يتقي اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن»(6).







الثاني ـ أمارية اليد لملك العين تحتاج إلى انضمام دعوى ذي اليد ملكيتها أو أن اليد بانفرادها أمارة لملكها ما لم يحرز أنه غير مالك أو لم يعترف بعدم كونه مالكاً حيث إن اعتبار اليد من الطريقية فلا يكون لها اعتبار مع إحراز الخلاف أو اعترافه بعدم ملكها، وكذا لا يعتبر في أمارية اليد تصرف ذي اليد فيما بيده في أمارية اليد فإذا مات يحكم بكون ما بيده ملكه، وداخل في تركته مع عدم إحراز الخلاف، وهل يقدح في أمارية اليد قوله عدم علمه بكون ما بيده ملكاً له أم لا؟ فقد يقال بعدم اعتبارها مع اعتراف ذيها بعدم علمه بكونه له، ويستظهر ذلك من صحيحة جميل بن صالح المروية في باب اللقطة قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): «رجل وجد في منزله ديناراً قال: يدخل منزله غيره قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: فهو له»(7) ولكنها بذيلها على خلاف الاستظهار أدل، ولعل الحكم في الصدر باعتبار أن المنزل إذا كان في تناول الأشخاص الكثيرين يكون للواردين أيضاً يد عليه بخلاف الصندوق الذي فرض عدم دخوله بيد غيره.

نعم، لا يبعد أن يكون اختصاص اعتبار اليد مع عدم علم ذي اليد بأنه ملكه بما إذا كان من أول وضع يده عليه يحتمل كونه له أو لغيره وأما إذا كان يعلم في أول وضع يده على المال لم يكن مالكاً له واحتمل أنه صار ملكاً له بالاشتراء أو بغيره فالحكم بكونه مالكاً محل إشكال.

















(1). قواعد الاحكام 2: 310.









(2). قواعد الاحكام 2: 310.









(3). الاحتجاج (للطبرسي) 1: 234.

الاُسوة للطباعة والنشر.









(4). الكافي 7: 387.









(5). وسائل الشيعة 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3.









(6). وسائل الشيعة 17: 343، الباب 15 من أبواب إحياء الموات وفيه حديث واحد.









(7). وسائل الشيعة 17: 353، الباب 3 من أبواب اللقطة.

وفيه حديث واحد.

































أما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها؛ لأخصيّة دليله من دليلها لاعتبار الحالة السابقة فيه [1]















القرعة








في تقديم الاستصحاب على خطابات القرعة
















[1] ذكر الماتن (قدس سره) تقديم الاستصحاب على خطابات القرعة في موارد جريان الاستصحاب وذلك فإن خطابات الاستصحاب أخص بالإضافة إلى خطابات القرعة فإن ما ورد في القرعة من أنها لكل أمر مجهول أو مشكل(1) يعم ما إذا كان المجهول والمشكل معلوماً من جهة الحال السابقة أم لا بخلاف خطابات الاستصحاب فإنها تختص بما إذا كانت الحالة السابقة للمجهول محرزة.

ثمّ ذكر لا يقال: النسبة بين خطابات الاستصحاب وخطابات القرعة العموم من وجه لاختصاص خطاباتها بالشبهات الموضوعية فإن القرعة لا تجري في الشبهات الحكمية واختصاص خطابات الاستصحاب بما إذا كانت الحالة السابقة محرزة بلا فرق بين الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية، وأجاب عن ذلك بأن الميزان في ملاحظة النسبة بين الخطابين الظهور الاستعمالي لكل منهما لا الظهور الاستعمالي الذي يكون مورداً لأصالة التطابق بينه وبين المراد الجدي على ما يأتي في بحث انقلاب النسبة مع أنه لو كان الملاك ملاحظة النسبة بين الظهور الاستعمالي الذي هو مورد لأصالة التطابق لكان الاستصحاب مقدماً أيضاً؛ لقوة خطاباته؛ لقلة ورود التخصيص عليها بخلاف خطابات القرعة حيث صارت لكثرة ورود التخصيص عليها موهونة؛ ولذا قيل أن العمل بما ورد في القرعة في مورد يحتاج إلى الجبر بعمل المعظم.









وأردف على ذلك قوله: لا يقال: كيف يكون خطاب الاستصحاب مقدماً على خطابات القرعة مع أن شمولها لمورد يكون موجباً لارتفاع الموضوع للاستصحاب فيه كما هو الحال في ورود بالإضافة إلى الحكم في الخطاب الآخر وذلك فإن المنهي عنه في خطابات الاستصحاب النهي عن نقض اليقين بالشك ومع شمول خطابات القرعة للمورد يكون نقض اليقين فيه بالحجة لا بالشك بخلاف تقديم خطاب الاستصحاب على خطابات القرعة من غير وجه إلاّ بوجه دائر.









فإنه يقال: ليس الأمر كما ذكر بل الأمر بالعكس يعني يكون شمول خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك لمورد موجباً لارتفاع الموضوع لاعتبار القرعة فيه؛ لأن الموضوع لاعتبارها المجهول والمشتبه والمشكل مطلقاً أي من جهة الحكم الواقعي والظاهري وشمول خطاب الاستصحاب لمورد يعين الحكم الظاهري فيه، وبتعبير آخر الموضوع لاعتبار الاستصحاب الشك في الواقع بخلاف الموضوع لاعتبار القرعة فإن الموضوع له هو المجهول والمشتبه مطلقاً فيكون شمول النهي عن نقض اليقين بالشك موجباً لتعين الحكم الظاهري.









أقول: ما ذكر الماتن (قدس سره) أولاً من كون أدلة الاستصحاب أخص من خطابات القرعة ينافي ما ذكره أخيراً من كون دليل الاستصحاب بشموله لمورد يكون وارداً على خطابات القرعة حيث ينتفي مع الاستصحاب الموضوع لها بدعوى أن الموضوع لها المجهول بحسب الواقع والظاهر، ولازم ذلك أن لا يكون موضوع لها أيضاً مع أصالة البراءة وأصالة الحلية ويبقى على ذلك إثبات أن الموضوع لاعتبار القرعة هو الجهل بالشيء مطلقاً من حيث حكمه الواقعي والظاهري واستفادة ذلك مما ورد في القرعة مشكل فإن بعض الأخبار الواردة فيها لسانها يساوق لسان أصالة الحلية والطهارة من ثبوت الواقع وتعينه والشك فيه كرواية محمد بن حكيم قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء فقال لي: كل مجهول فيه القرعة قلت له: إن القرعة تخطئ وتصيب، قال: كلّما حكم اللّه به ليس بالمخطئ»(2) وظاهرها جريان القرعة في كل مجهول له تعين واقعي ولكن يظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار التعين الواقعي وفي صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال: كان علي (عليه السلام) يسهم بينهم»(3) ومن الظاهر أن الحكم في الواقعة ليس مجهولاً ومشكلاً؛ لأن مقتضى الوصية ولاية الوصي والورثة على اختيار الثلث نظير الوصية بثلث المال في غير هذا المورد وكذا في مورد قسمة المال المشترك، وظاهر بعض الأخبار استعمال القرعة في موارد قطع المشاجرة كما في صحيحة جميل حيث قال: زرارة إنما جاء الحديث بأنه: «ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى اللّه ثمّ اقترعوا إلاّ خرج سهم المحق»(4)والأظهر في موارد الرجوع إلى القرعة أن يقال: إن الموارد التي يعلم فيها الحكم الظاهري من حيث التنجيز والتعذير فيها مع قطع النظر عن ورود الأمر بالقرعة فيها يقتصر على العمل بالقرعة فيها مع ورود الأمر بالقرعة فيها كما في مثال الغنم حيث إن مقتضى العلم الإجمالي بكون بعض الغنم في الواقع موطوءاً الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه طرفاً للعلم الإجمالي، وكذا يعمل بها في الموارد التي ورد الأمر فيها بالقرعة مع عدم الواقع المعين فيها وكان الحكم الواقعي فيها معلوماً مع قطع النظر عن ورود الأمر بالقرعة فيها كما في مورد الوصية بعتق ثلث العبيد فإن الأمر بعتق ثلثهم كالوصية بثلث ماله في وجوه الخير يكون بالتقسيم بتراضي الوصي والورثة في تعيين الثلث ولكن حيث ورد الأمر في تعيينه بالقرعة يؤخذ في الأول بالقرعة لورود الأمر فيه بتعيين ثلث العبيد بها.









وأما المجهول الواقعي الذي لا يعلم واقعه بوجه ولم يكن المطلوب فيه إحراز التعذير والتنجيز فيرجع فيه إلى القرعة أخذاً بقوله (عليه السلام): «ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوضوا أمرهم إلى اللّه إلاّ خرج سهم المحق» بناءً على عدم ظهوره في خصوص القرعة في مقام تعيين السهم في القسمة في الشركة في القيميات كما يفصح عن ذلك مورده.









وأما المجهول الواقعي الذي يكون فيه الموضوع للتعذير والتنجيز فالمرجع فيه إلى الاُصول العملية كالاستصحاب والبراءة ونحوهما وأما مثل رواية محمد بن حكيم أن «كل مجهول فيه القرعة»(5) فمقتضاها على ما يقال اعتبار القرعة في كل مشتبه حتى ما لو كان حكمه الظاهري معلوماً من غير ناحية القرعة فتعارض الروايات الواردة في سائر الاُصول العملية ومنها الاستصحاب ولكن لا يمكن المساعدة عليها لضعف الخبر سنداً ودلالة فإن ظاهره المجهول مطلقاً أو من الجهة التي لابد من العلم به من تلك الجهة وما ثبت فيه الحكم الظاهري يعلم حاله ولا يقاس بخطاب «كل شيء حلال حتى تعرف الحرام»(6) و«كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر»(7) حيث إن ظاهرهما الجهل بالحرمة الواقعية والقذارة الواقعية بقرينة الغاية الواردة فيهما فإنها تكشف عن أن المفروض فيهما الشك في الحرمة الواقعية والقذارة الواقعية بخلاف «كل مجهول فيه القرعة» فإنه ليس فيه قرينة على إرادة خصوص المجهول الواقعي بل يعم المجهول الظاهري أيضاً نظير الولد المردد بين كون أبيه زيداً أو عمراً كما هو مورد بعض الروايات الواردة في القرعة.

نعم، لا يصدق المجهول إلاّ إذا كان له تعين واقعاً هذا كله فيما إذا لم تكن القرعة مورد التراضي في معاملة كما في قسمة المال المشترك وإلاّ تكون مشروعة بمشروعية التراضي.

















(1). وسائل الشيعة 18: 189 و 191، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 11 و 18.









(2). وسائل الشيعة 18: 189، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 11.


/ 1