_ [1] المرجّح لمضمون أحد المتعارضينبالإضافة إلى الآخر على ما ذكر الماتن (قدسسره)ثلاثة أنحاء: الأوّل ما يوجب الظنبمضمون الخبر بظن شخصيّ أو نوعيّ مع عدمالدليل على اعتبار ذلك الظن الشخصيّ أوالنوعيّ، كما إذا كان مضمون أحد الخبرينموافقاً لفتوى المشهور، وذكر أنّ هذاالقسم من الظن يوجب الأخذ بأحد المتعارضينبناءً على التعدّي من المرجّحاتالمنصوصة، أو قيل بأنّ مع كون أحد الخبرينكذلك يدخل ذلك الخبر في أقوى الدليلينالمجمع على الأخذ به عند الدوران، ولكنشيء منهما غير تامّ، فإنّه لم يتمّ ما يوجبالتعدّي من المرجّحات المنصوصة إلىغيرها، وإنّ الموافقة المفروضة غايتهاالظن بصدق ذلك الخبر، وليس الظن بالصدقموجباً لأقوائيّة أحد المتعارضين فيالدلالة والكشف عن مقام الثبوت بحيث يكونذلك الخبر أظهر دلالة، ويحسب قرينة علىالتصرف في الآخر، نظير ما تقدّم في مواردالجمع العرفيّ بين الخطابين. لا يقال: الظن بصدق أحد الخبرين بعينهلازمه الظن بالخلل في الآخر من حيث صدورهأو جهة صدوره أو ظهوره. فإنه يقال: لا يعتبر في اعتبار الخبر إلاّاحتمال كونه مطابقاً للواقع في صدوره وجهةصدوره وظهوره، فلا يوجب الظن بصدق أحدالخبرين سقوط الآخر عن ملاك الاعتبار. وربّما يقال: إذا كان أحد المتعارضين منالخبر مطابقاً لفتوى المشهور يتعيّنالأخذ به وترك الآخر؛ لأنّ قوله (عليهالسلام) في مقبولة عمر بن حنظلة: «خذ بمااشتهر بين أصحابك» يعمّ الشهرة في نقلالخبر والعمل بمفاده ومدلوله. ولكن قد تقدّم أنّ فرض الشهرة في كلاالخبرين فيها قرينة على إرادة الشهرة فيالنقل فقط، بل ظاهر الرواية المشهورة هوالشهرة في نقلها فقط، فلا مجال لدعوى أنّفرض الشهرة في كلا المتعارضين ينافياختصاص ما ورد في المقبولة بالشهرةالفتوائيّة، ولا ينافي عمومها لها. وأمّا ما يقال من أنّ إعراض المشهور عنأحد المتعارضين وترك العمل به يكشف عنالخلل فيه والمراد من المشهور عمدة قدماءالأصحاب حيث إنّ ثبوت القرينة في عصرهمعلى صحة خبر محتمل، لقرب عصرهم من زمانصدور الأخبار، بل لا يعتبر خبر أعرضوا عنهوإن لم يكن له معارض، لا يمكن المساعدةعليه؛ لما ورد في كلمات بعضهم من عدّ بعضالاُمور قرينة على صحة الخبر لكون مضمونهموافقاً للاحتياط أو الأصل أو نحوهما، ومعذلك لا يمكن الوثوق والاطمينان بعثورهمعلى خلل في الخبر الآخر، وأنّ ذلك الخلل لميصل إلينا، نعم لو فرض في مورد حصول الوثوقوالاطمينان بذلك يتّبع، ولكن ليس هذاأمراً كلّياً بالإضافة إلى جميع مواردالإعراض أو أمراً غالبيّاً فيها. موافقة أحد الخبرين بما قام الدليل علىعدم اعتباره
_ [2] وحاصله جريان ما تقدّم في المرجّح الذيلم يتمّ دليل اعتباره مستقلاًّ فيما قامالدليل على عدم اعتباره خصوصاً، كما فيالقياس فإنّ المرجّح السابق إن كان موجباًلدخول أحد الخبرين في أقوى الدليلين أوكونه أقرب إلى الواقع بالإضافة إلى الآخركان الأمر كذلك فيما قام الدليل الخاصّعلى عدم اعتباره، ولكن مع ذلك لا يمكن جعلالقياس مرجّحاً لأحد الخبرين؛ لأنّالأخبار الناهية عن استعمال القياس فيالدين تمنع عن ذلك، حيث إنّ ترجيح أحدالخبرين بالقياس تعيين الحجّة به، فيكوناستعمالاً له في المسألة الاُصوليّة،وخطره ليس بأقلّ من استعماله في المسألةالفرعيّة أي تعيين الحكم الشرعي الفرعيّبالقياس، ولا يقاس استعمال القياس وتعيينالحجّة من الخبرين به بالقياس في إحرازالموضوع للمسألة الفرعيّة التي يكونالموضوع لها من الموضوعات الصرفة أيالخارجيّة التي لا ترتبط بالمجعولاتالشرعية، بدعوى أنّه كما لا يعيّن بالقياسفي موضوع المسألة الفرعيّة نفس الحكمالشرعي الفرعيّ الكلّي كذلك بالقياس فيترجيح أحد الخبرين، يتعيّن الموضوعللمسألة الاُصوليّة، لا أنّه يتعيّن بهنفس الحكم الشرعيّ الاُصوليّ، والوجه فيعدم القياس أنّ تعيين الحجّة على الحكمالشرعيّ الفرعيّ الكلّي نحو استعمالللقياس في الدين، بخلاف تعيين الموضوعللحكم الشرعيّ الفرعيّ بمعنى إحراز حصولهخارجاً، فإنّه ليس من استعمال القياس فيالدين، فإن الدين نفس الحكم الشرعيّالفرعيّ الكلّي لا حصول الموضوع لهخارجاً. أقول: قد ذكرنا في مبحث اعتبار الظنّ أنّالنهي عن اتّباع القياس في الدين نهيطريقيّ، بمعنى أنّ القياس لا يكون علماًبالواقع اعتباراً، ليكون منجّزاً عندالإصابة أو عذراً في مخالفة الواقع عندخطئه، وأمّا كونه موجباً لدخول أمر آخر فيعنوان يكون ذلك الأمر بذلك العنوانمنجّزاً أو معذّراً فلا تعرّض لذلك فيالأخبار الناهية عن العمل بالقياس، مثلاًإذا فرض أنّ الشارع اعتبر أقرب الخبرينالمتعارضين أو أقوى الدليلين، وكانتموافقة القياس موجبة لكون أحد الخبرينكذلك، فلا بأس بالأخذ بذلك الخبر إلاّ أنّالصغرى ممنوعة، حيث إنّ القياس بملاحظة ماورد فيه من قصور إدراك العقل عن الإحاطةبملاكات الأحكام لا يوجب قرب مضمون أحدالخبرين إلى الواقع فضلاً عن إدخاله فيأقوى الدليلين. وبهذا يظهر الحال في الاعتماد على القياسفي صغرى المسألة الفرعيّة أي إحراز فعليّةالموضوع لها خارجاً، فإنّ القياس في الفرضلم يكن في تحصيل ملاك الحكم الشرعيالفعليّ، فلا بأس بالاعتماد عليه فيمااكتفى الشارع في إحراز ذلك الموضوعبالظنّ، كما في باب الصلاة بالإضافة إلىإحراز القبلة، حيث ورد في الصحيح كفايةالتحرّي إذا لم يعلم وجه القبلة، ولايعمّه النهي عن القياس في الدين، فإنّالنهي راجع إلى تحصيل ملاكات الأحكامالشرعية بالقياس لينقل منها إلى نفسالأحكام الشرعيّة. ثمّ إنّه لا يكاد ينقضي التعجّب مما ذكرالماتن (قدس سره) من أنّ خطر استعمالالقياس في تعيين الحجّة ليس بأقلّ مناستعماله في نفس الأحكام الشرعيّة، معأنّه (قدس سره) بنى على التخيير بينالمتعارضين من الخبرين، ومعنى التخييرصيرورة المأخوذ منهما حجّة بالأخذ،فالمأخوذ المطابق للقياس حجّة سواء كانالقياس مرجّحاً أم لا، فأيّ خطر في ذلك؟
_ [3] وحاصل ما ذكره (قدس سره) أنه إذا كان أحدالخبرين المتعارضين متعاضداً بما يكوندليلاً مستقلاًّ كموافقته الكتاب والسنة،فلا ينبغي التأمّل في عدم اعتبار الخبرالآخر وأنّه غير حجة، بل لو كان الخبرالآخر منافياً للكتاب والسنة بالتباينفلا يكون حجّة حتّى فيما إذا لم يكن فيالبين الخبر الموافق، كما يقتضي ذلك مثلقوله (عليه السلام) في صحيحة هشام وغيره عنأبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «خطب رسولاللّه (صلّى الله عليه وآله) بمنى فقال:أيّها الناس، ما جاءكم عنّي يوافق كتاباللّه فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاباللّه فلم أقله»(1) وقوله (عليه السلام) فيصحيحة أيوب بن الحرّ قال: سمعت أباعبداللّه (عليه السلام) يقول: «كلّ شيءمردود إلى كتاب اللّه والسنة، وكلّ حديثلا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف»(2) إلى غيرذلك. وأمّا إذا كانت مخالفة الخبر للكتابوالسنة في العموم والإطلاق، بأن كان أحدالخبرين مخالفاً لعمومهما أو إطلاقهماوالخبر الآخر موافقاً، كما إذا ورد فيرواية: لا بأس بالربا بين الزوج والزوجة(3)،وورد في خبر آخر: أنّ آكل الربا ومعطيه فيالنار وإن كانا زوجاً وزوجة، فمقتضىالقاعدة الأوّلية ـ أي مع قطع النظر عنالأخبار الواردة في الأخذ من المتعارضينبما يوافق كتاب اللّه ـ هو ملاحظة سايرالمرجّحات بين الخبرين المتعارضين، فإنكان في مخالف عموم الكتاب أو إطلاقه ونحوذلك شيء من تلك المرجّحات يؤخذ به، ويرفعاليد به عن عموم الكتاب أو إطلاقه، بناءًعلى ما هو الصحيح من جواز تخصيص عمومالكتاب أو تقييد إطلاقه بالخبر الواحد،وإن لم يكن لأحد الخبرين ترجيح بالإضافةإلى الآخر يؤخذ بأحدهما تخييراً، فإن اُخذبالمخالف يقع التخصيص والتقييد في الكتاب.وأمّا بالنظر إلى ما ورد في المتعارضين منالخبرين فمقتضى ذلك أن يؤخذ في الفرضبالخبر الموافق للكتاب والسنة بناءً علىأنّ ما ورد، في مقام ترجيح أحد الخبرينالمتعارضين على الآخر. نعم بناءً على أنّ هذه الطائفة كالطائفةالدالّة على عرض مطلق الخبر على كتاباللّه فإن وافقه فهو، وإلاّ فهو باطل أوزخرف في مقام تعيين الحجّة عن اللاحجّة،فلا تكون موافقة الكتاب مرجّحاً، ويؤيّدكون الأخبار الدالّة على الأخذ بموافقالكتاب من المتعارضين في مقام تعيينالحجّة عن اللاحجة، لا في مقام ترجيح أحدالخبرين المتعارضين، أنّ الطائفتينلسانهما واحد، فلا وجه لحمل المخالفة فيأحدهما على غير المخالفة في الاُخرى، بأنيقال إنّ ما ورد في بيان الترجيح، المرادمن المخالفة فيه المخالفة لعموم الكتاب أوإطلاقه ونحو ذلك، وما ورد في تعيين الحجّةعن اللاحجّة المراد من المخالفة فيه هوتباين مدلول الخبر للكتاب أو كون النسبةالعموم من وجه. اللّهم إلاّ أن يقال التفرقة في المرادللقطع بأنّ الأخبار الدالّة على أنّ مخالفالقرآن زخرف باطل لم نقله لا يمكن أن يعمّالخاصّ الذي يخالف عموم القرآن أو المقيّدالدّال على تقييد إطلاق الكتاب، لصدور هذاالقسم من الأخبار عن النبيّ (صلّى اللهعليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) يقيناًفي موارد عديدة، وإباء مثل تلك الأخبار عنالتخصيص، فلا محالة يتعيّن أن يكون المرادمن المخالفة للكتاب فيها المخالفة بنحوالتباين، وعلى ذلك تنقسم الأخبار المشارإليها إلى طائفتين، فالطائفة الاُولىتختصّ بما خالف الكتاب بالتباين،والطائفة الثانية لا تعمّ صورة التباين بللا تعمّ ما إذا كان بين مدلول الخبر ومدلولالكتاب العموم من وجه، فيلحق هذا القسم منالخبر بالطائفة الاُولى، بالإضافة إلىمورد اجتماعهما. أقول: ما ورد في المقبولة من الأمر بالأخذبما يوافق الكتاب بعد فرض السائل تساويالحكمين في الصفات وتساوي الخبرين فيالشهرة شاهد قطعي على أنّ المراد منمخالفة الكتاب ليس الخبر المخالف لهبالتباين؛ لعدم اعتبار هذا النحو من الخبرأصلاً، ولو كان هذا هو المراد ينبغيللإمام (عليه السلام) التعرض لذلك قبلترجيح الحكمين في الصفات والخبرينبالشهرة وعدمها، فالمتعيّن في المقبولةأن يكون المراد بالخبر المخالف للكتاب هوالمخالف لعمومه أو إطلاقه ونحو ذلك. الفرق بين كون موافقة الكتاب مرجّحاً أومرجعاً لا يقال: لا مجال لجعل موافقة أحد الخبرينالمتعارضين للكتاب أو السنة مرجّحاً،فإنّ المتعارضين إذا لم يكن بينهما ترجيحمن ساير الجهات يتعيّن العمل بعموم الكتابأو إطلاقه بناءً على سقوط المتعارضين عنالاعتبار عند التعارض وفقد المرجّح، فلاأثر لجعل موافقة أحد الخبرين مرجّحاًبالإضافة إلى معارضه. فإنّه يقال: تظهر الثمرة بين كون موافقةالكتاب مرجّحاً لأحد الخبرين أو مرجعاًبعد تساقطهما عن الاعتبار فيما إذا كان فيالبين خبر عامّ يكون خاصّاً بالإضافة إلىعموم الكتاب أو إطلاقه، بحيث يرفع اليد بهعن عموم الكتاب وإطلاقه، وكان في البينخبران متعارضان كلّ منهما أخصّ بالإضافةإلى الخبر العامّ المفروض، وكان أحدالخبرين موافقاً لعموم الكتاب أو إطلاقه،كما إذا ورد في خبر: أن الخفقة والخفقتينلا توجب الوضوء(4)، وورد في خبر آخر أنّهماتوجبانه، فالدالّ على كونهما موجبتين لهموافق لإطلاق الآية المباركة، فعلى تقديركون موافقة الكتاب مرجّحاً يؤخذ بالخبرالدّال على وجوب الوضوء بهما، ويرفع اليدبه عن إطلاق المستثنى منه في قوله (عليهالسلام): لا ينقض الوضوء إلاّ البولوالغائط والريح والجنابة والنوم(5)، فإنّمدلوله أنّ غير الخمسة لا ينقض الوضوء ولايوجبه إلاّ الخفقة، بخلاف ما إذا قيلبتساقط الخبرين وكون الكتاب مرجعاً،فإنّه على ذلك لا تصل النوبة إلى الأخذبعموم الكتاب وإطلاقه، بل يرجع إلى إطلاقالمستثنى منه في الخبر الدّال على حصرالنواقض، فإنّ هذا الخبر بالإضافة إلىالكتاب أخصّ كما لا يخفى، فتكون النتيجةعدم كونهما موجبتين للوضوء، ولابدّ منالالتزام بكون موافقة الكتاب مرجّحة لأحدالخبرين لا مرجعاً، كما هو ظاهر مقبولةعمر بن حنظلة بل وغيرها، حيث أمر سلاماللّه عليه فيها بالأخذ بالخبر الموافق. بقي في المقام أمر وهو ما قيل من أنّالمرجّح لأحد المتعارضين في الخبر موافقةالعموم الوضعيّ للكتاب ولا تفيد موافقةإطلاقه؛ لأنّ الإطلاق غير داخل في مدلولالكتاب أي مدلول ألفاظه، بل هو حكم عقليّيترتّب عقلاً على تماميّة مقدمات الحكمةفي ناحية المطلق، وما هو من الكتابالمدلول عليه لذات المطلق لا إطلاقه، ولايخفى أنّه قد تقدّم في بحث المطلقوالمقيّد أنّ مقدّمات الحكمة تحسب قرينةللمدلول الاستعماليّ ويتمّ بها هذاالظهور، بحيث يصحّ أن ينسب مقتضى تلكالقرينة إلى بيان المولى كما يصحّ ذلك فيالقرينة الحاليّة والعقليّة الخاصّة مثلقوله سبحانه: (واسأل القرية)(6). في الخبر إذا كانت النسبة بينه وبينالكتاب العموم من وجه
_ [4] إذا كانت مخالفة الخبر للكتاب المجيدبالعموم من وجه فيسقط الخبر عن الاعتبارفي مورد الاجتماع ولولم يكن للخبر معارضمن الأخبار، فإنّه بالإضافة إلى مورداجتماعه مع الكتاب زخرف وباطل إلى غير ذلكمن الأخبار المتواترة إجمالاً، ولا ينافيعدم اعتباره بالإضافة إلى مورد الاجتماعدخوله في أدلّة اعتبار الخبر بالإضافة إلىمورد افتراقه كما بيّنا سابقاً، وعلى ذلكفإن كان للخبر المفروض معارض آخر منالخبر، بأن كانت النسبة بين الخبرينالتباين، كما إذا ورد في خبر: أنّ الربيبةحرام(7)، وفي الخبر الآخر لا تحرم الربيبة،وحيث إنّ إطلاق عدم حرمة الربيبة ينافيالكتاب المجيد الدالّ على حرمتها فيما دخلباُمّها، تسقط اعتبار خبر عدم حرمتها فيفرض الدخول باُمّها، ويبقى من مدلوله عدمحرمة ربيبة لم يدخل باُمّها، وهذا المدلولأخصّ بالإضافة إلى الخبر الدالّ على حرمةالربيبة، فيرفع اليد به عن إطلاق الخبرالدالّ على حرمة الربيبة وأنّ حرمتها فيماإذا دخل باُمّها، فلا حرمة فيما إذا لميدخل باُمّها، وهذا بناءً على انقلابالنسبة ظاهر، وأمّا بناءً على إنكاره كماعليه الماتن (قدس سره) فالأمر أيضاً كذلك؛لأنّه يلزم من تقديم الخبر الدالّ علىحرمتها مطلقاً إلغاء قيد الدخول باُمّهافي الآية، وحمله على القيد الغالب كقيد(اللاتي في حجوركم)(8) تكلّف بلا موجب، كمالا موجب لطرح الخبر الدالّ على عدم حرمتهافي مورد افتراقه عن مدلول الآية؛ لأنّمورد افتراقه ليس مخالفاً للكتاب المجيد،ليكون باطلاً مطلقاً. في عدم كون الاستصحاب مرجّحاً لأحدالخبرين المتعارضين
_ [5] لا يخفى أنّ الاستصحاب بناءً على كونهأمارة ظنيّة على الواقع ـ للغلبة بين حدوثالشيء وبقائه ـ يكون من القسم الأوّل الذيلم يقم على اعتباره دليل، فيجري فيالترجيح به ما تقدّم في الترجيح بالقسمالأوّل. لا يقال: المفروض اعتبار الاستصحاب،فيكون من القسم الثالث. فإنّه يقال: بناءً على كونه أمارة للواقعوموجباً للظنّ بمدلول أحد الخبرينالمتعارضين أو كون مدلوله أقرب إلى الواقعمن مدلول الخبر الآخر يمكن الترجيح به،بناءً على التعدّي من المرجّحات المنصوصةبأحد المناطين، إلاّ أنّه لا يمكن كونه منالقسم الثالث؛ لأنّه لو تمّ الدليل علىاعتباره من باب الطريقيّة فاعتباره فيماإذا لم يكن في البين خبر معتبر أو أمارةمعتبرة اُخرى؛ ولذا لم يعهد الالتزامباعتبار الاستصحاب بحيث يخصّص ظاهرالكتاب سواء كان عمومه وضعيّاً أوإطلاقيّاً، ويجعل الاستصحاب المنافيللخبر معارضاً له، ففي المقام بناءً علىثبوت الترجيح بين الخبرين المتعارضينتكون مرجّحيّة الاستصحاب من القسم الأوّلولولم نقل بأنّ الحكم هو التخيير بينهمامع عدم الترجيح. وأمّا لو قيل على كون الاستصحاب أصلاًعمليّاً حتّى في الشبهات الحكميّة فلامعنى للترجيح به كما هو الحال في سائرالاُصول العمليّة، فإنّ مدلول الخبرالحكم الفرعيّ الكلّي الواقعيّ،والاستصحاب مع قطع النظر عن دليل اعتبارهليس بشيء أصلاً، وبالنظر إلى دليل اعتبارهمدلوله حكم شرعيّ تعبديّ عند الجهلبالواقع، فبناءً على التخيير بين الخبرينالمتعارضين لا موضوع للاستصحاب لإمكانالظفر بالأمارة المعتبرة بالأخذ بأحدالخبرين، وبناءً على سقوط المتعارضين مععدم الترجيح يكون الاستصحاب متّبعاًبنفسه، ومرجّحيته حينئذ لأحدهما موجباًلانعدام نفسه، واستلزام وجود شيء عدمهيمتنع، بلا فرق بين القول بأنّ مفادخطابات الاستصحاب ثبوت الحكم الفرعيّالظاهريّ أو التعبّد بالعلم بالواقع علىما تقدّم من حكومة الأمارة على الاستصحاب.
(1). وسائل الشيعة 27:111، الباب 9 من أبوابصفات القاضي، الحديث 15. (2). المصدر السابق: الحديث 14. (3). وسائل الشيعة 18:135 ـ 136، الباب 7 من أبوابالربا، الحديث 3 و 5. (4). انظر وسائل الشيعة 1:254، الباب 3 منأبواب نواقض الوضوء، الحديث 8. (5). المصدر السابق: 251، الباب 2، الحديث 8. (6). سورة يوسف: الآية 82. (7). انظر وسائل الشيعة 20:458، الباب 18 منأبواب ما يحرم، الحديث 3 و 4 و 6. (8). سورة النساء: الآية 23. فصل الاجتهاد لغة: تحمّل المشقة، واصطلاحاًكما عن الحاجبي والعلامة: استفراغ الوسعفي تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي[1]. في الاجتهاد وبيان حقيقته
_ [1] الاجتهاد لغة: تحمّل المشقة، بناءً علىأن (الجهد) بالفتح والضّم بمعنى واحد،وبناءً على كونه بالضّم بمعنى الطاقةوبالفتح بمعنى المشقة يكون الاجتهادبمعنى تحمل المشقّة أو كسب الطاقة، ويقالإنّه في اصطلاح الاُصوليين كما عن الحاجبيوالعلامة بمعنى استفراغ الوسع في تحصيلالظنّ بالحكم الشرعيّ، والظاهر أنّالمراد من الحكم الشرعيّ الحكم الفرعيّالكلّي. ويرد على التعريف المذكور بأنّ الظنّبالحكم الفرعي الكلّي لا قيمة له، ولايترتّب عليه أثر مع عدم قيام الدليل علىاعتباره، ومع قيام الدليل على اعتبار أمرفاللازم اتّباعه، سواء كان مفيداً للظنّأم لا؛ ولذا ذكر الماتن (قدس سره) الأولىتبديل الظنّ بالحكم الشرعيّ إلى الحجّةبه، فيكون الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسعفي تحصيل الحجّة بالحكم الشرعي. وأردف علىذلك أنه لا يمكن للأخباريّ تأبّي الاجتهادبهذا المعنى، غاية الأمر أنّه لا يرى بعضما يراه الاُصوليّ حجّة من أفراد الحجّة،وهذا غير ضائر بالالتزام بالاجتهاد بذلكالمعنى، حيث إنّ اختلاف الاُصوليّ معالأخباريّ في بعض أفراد الحجّة كالاختلافبين الاُصوليين بعضهم مع بعض في اعتباربعض الاُمور أو الحاصل بين الأخباريينبعضهم مع بعض، ولعلّ ذكر الظن في تعريفالاجتهاد أوجب تأبّي الأخباري، ولا موجبأيضاً لذكره، فإنّ استفراغ الوسع لتحصيلالعلم بالحكم الشرعيّ أيضاً داخل فيالاجتهاد، فلا وجه لانحصاره على تحصيلالظنّ مع أنّ الظنّ بنفسه كما ذكر لا أثرله، ولعلّ منشأ ذلك أخذ التعريف من كلماتالعامّة، ولكنّ الموضوع لجواز الافتاءوكذا لجواز الاعتماد عليه في عمل نفسه هوالاجتهاد الفعلي. ويخطر بالبال أنّ إضافة استفراغ الوسع فيالتعريف بلا طائل، فإنّه لو قيل بأنالاجتهاد هو تحصيل الحجّة على الحكمالشرعيّ الفرعيّ الكلّي لكان أخصر،اللّهم إلاّ أن يقال إنّ الإضافة للاحترازعن تقليد العاميّ أي تعلّم الفتوى ليستندإليه في مقام العمل، فإنّه أيضاً من تحصيلالحجّة على الحكم الشرعي الفرعي الكلّي،ولكن لا يكون التحصيل باستفراغ الوسع وصرفالطاقة، وإن قيل إنّ الاجتهاد هو تحصيلالحجّة التفصيليّة على الحكم الشرعيّالفرعيّ لم يرد ذلك وكان أخصر. وعن غيرهما تعريف الاجتهاد بالملكة التييقتدر بها على استنباط الحكم الشرعيّ منالأصل فعلاً أو قوة، والمراد بالأصلالمدرك. وربّما قيل بأنّ المراد من القوّة القوّةالقريبة، للاحتراز عن العاميّ المتمكّنمن تحصيل العلوم. وفيه أنّه لا يطلق على تمكّنه الاجتهاد،لعدم فعليّة الملكة له؛ لأنّ الملكة التييطلق عليها الاجتهاد هي تمكّن الشخص علىالاستنباط فعلاً أو بالقوة، يعني فيما إذاكان ما يطلق عليه مدارك الأحكام في تناوليده، وبتعبير آخر: الملكة أمر تحصيليّيطلق على فعليّته، فتكون الفعليّةوالقوّة القريبة قيداً للاستنباط لا لنفسالملكة كما لا يخفى. ثمّ يقع الكلام في أنّ من له ملكةالاجتهاد على ما ذكر ـ بالإضافة إلى مسائلأبواب الفقه جميعها أو إلى بعضها ـ هليتعيّن عليه الاجتهاد باستفراغ وسعه فيالوقايع التي يحرز الابتلاء بها أو يحتملابتلاءه بها، أو أنّه يجوز له تركه والأخذبالتقليد فيها ممن أحرز فيه اجتماع شرايطالتقليد عنه، فقد يقال بتعيّن الاجتهادعليه في الموارد التي لا يتيسّر لهالاحتياط فيها، ومع تيسّره يتخيّر ولايجوز له التقليد بوجه، بمعنى أنّ فتوىالمجتهد الآخر لا يكون مجزياً في حقّه؛لأنّ الدليل على جواز التقليد السيرةالعقلائيّة الجارية فيهم من الرجوع إلىأهل الخبرة ولم تحرز هذه السيرة في حقّ منيكون نفسه من أهل الخبرة، بأن يتمكّن معتمكّنه من المعرفة الرجوع إلى غيره، وليسفي البين دليل لفظيّ على جواز التقليد،بحيث يكون له إطلاق من هذه الجهة ليتمسّكبإطلاقه. أضف إلى ذلك ما ذكره الشيخ (قدس سره) فيرسالته المعمولة في الاجتهاد والتقليد منحكاية الإجماع على عدم جواز التقليد لمنيتمكّن من تحصيل المعرفة بالأحكامالشرعيّة بالرجوع إلى مداركها، وتعيينالوظيفة عند الجهل بها، وما ذكره بعضهم فيهذا المقام من أنّ من له ملكة الاجتهاديعلم إجمالاً بتوجّه التكاليف إليه فيجملة من الوقايع التي يبتلي بها فعلاً أومستقبلاً، والخروج عن عهدتها بالاحتياطأو باستفراغ وسعه في تحصيلها من مداركهامحرز، والشكّ في الخروج عن العهدةبالمراجعة إلى الغير. ولا تفيد دعوى انحلال علمه الإجماليبأنّه يعلم بثبوت جملة من التكاليف فيالموارد التي أفتى فيها من يريد الرجوعإليه بالتكاليف، وثبوت الزايد على تلكالتكاليف غير معلوم، والوجه في عدم كونالدعوى مفيدة أنّ صاحب الملكة إذا احتملالتكليف في بعض ساير الموارد التي أفتى منيريد الرجوع إليه فيها بعدم التكليف يكونمكلّفاً بالفحص فيها عن مدارك الأحكامبمقتضى أخبار وجوب التعلّم وعدم معذوريّةللجاهل التارك للتعلّم. أقول: دعوى السيرة القطعيّة من المتشرعةالموجودين في زمان الأئمة (عليهم السلام)على مراجعتهم الرواة المعروفين بالفقاهةفي أخذ الأحكام والتكاليف أمر قطعيّ، لايحتاج هذا الجواز إلى دعوى السيرةالعقلائيّة على الرجوع إلى أهل الخبرة،ليناقش في عمومها أو خصوصها بالإضافة إلىغير المتمكّن، وفي الروايات الواردةالمستفاد منها جواز الرجوع إطلاق حتّىبالإضافة إلى صورة إمكان الوصول إلى الحكموالتكليف بالسماع عن المعصوم (عليهالسلام) كصحيحة عبدالعزيز بن المهتدي أوحسنته قال: «سألت الرضا (عليه السلام) فقلت:إنّي لا ألقاك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالمديني؟ قال: خذ عن يونس بن عبدالرحمن»(1)فإنّ الأخذ يعمّ ما إذا كان بصورة سماعالرواية أو بيان الحكم، ونحوها غيرها. ورواية أحمد بن إسحاق التي لا يبعداعتبارها سنداً، فإنّه روى عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «سألته وقلت: من اُعاملوعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: العمري ثقتيفما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قاللك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّهالثقة المأمون. قال «وسألت أبا محمد (عليهالسلام) عن مثل ذلك، فقال العمري وابنهثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّييؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمعلهما وأطعهما، فإنّهما الثقتانالمأمونان» الحديث(2). وصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور قال: «قلتلأبي عبداللّه (عليه السلام) إنّه ليس كلّساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجلمن أصحابنا فيسألني، وليس عندي كلّ مايسألني عنه، فقال: ما يمنعك من محمد بنمسلم الثقفي، فإنّه سمع من أبي وكان عندهوجيهاً»(3) فإنّ الأخذ برواية محمد بن مسلمعن الإمام (عليه السلام) لا يحتاج إلىالسؤال كما يظهر من حال أصحابهم (عليهمالسلام) من نقل بعضهم الحديث عن بعض آخر عنالإمام (عليه السلام)، ففي الرواية حثّ علىالأخذ بما يقول محمد بن مسلم الثقفي وإنكان قوله باستفادته مما سمعه عن الإمام(عليه السلام). ومما ذكر يظهر الحال في دعوى الإجماع بأنّالمتمكّن من إحراز التكاليف في الوقايعالتي يبتلى بها أو يحتمل الابتلاء بها لايجوز له التقليد، بل يتعيّن عليه الاجتهادأو الاحتياط، فإنّ هذه المسألة لم تكنمعنونة في كلمات جلّ الأصحاب حتى يعلمالاتفاق على عدم الجواز، مع كون مقتضىجملة من الروايات الجواز كما ذكرنا، وإذاجاز رجوع صاحب ملكة الاجتهاد إلى مناستفرغ وسعه في تحصيل العلم بالأحكامالشرعيّة في الوقايع التي يبتلى بها أويحتمل الابتلاء فيكون ذلك من العالمبأحكامه وتكاليفه، فلا يعمّه ما دلّ علىوجوب التعلّم والفحص وعدم كون ترك العملبها مع ترك التعلّم عذراً. روى الشيخ في أماليه قال حدثنا محمد بنمحمد يعني المفيد (قدس سره) قال أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد عن محمد بن عبداللّهبن جعفر الحميري عن أبيه عن هارون بن مسلمعن مسعدة بن زياد قال: «سمعت جعفر بن محمد(عليه السلام) يقول وقد سئل عن قول اللّهتعالى: (فللّه الحجّة البالغة) فقال: إنّاللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة أكنتعالماً؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملتبما علمت، وإن قال كنت جاهلاً قال له: أفلاتعلّمت حتّى تعمل، فيخصمه وذلك الحجّةالبالغة»(4) ولا ضعف في السند، ولا يضرّ عدمإخراجها في الكتب الأربعة، ومدلولها عدممعذوريّة المكلف في ترك العمل بالوظايف فيالوقايع مع التمكّن من تحصيل العلم بها. وعلى الجملة الأخبار المشار إليها كهذهالرواية ظاهرها كون وجوب التعلّم طريقيّيوجب تنجّز التكاليف في صورة إمكانإحرازها، فلا يضرّ سبق العلم الإجماليبالتكاليف وانحلاله بالتعلّم بمقدار يوجبانحلاله عدم تنجّز التكليف في صورةاحتماله ولو بعد الانحلال إذا أمكن الفحصوالطلب والظفر به. فتحصّل أنّ مع ترك الإحراز والفحص يجبالاحتياط رعاية للاحتمال، وأنّه يتعيّنعلى المكلّف في الوقايع التي يبتلى بهاتعلّم الوظيفة فيها، والعمل بما علمه مناجتهاد أو تقليد أو الأخذ بالاحتياط فيها،ولا يكون جهله مع تركه التعلّم مع مخالفتهالتكليف فيها عذراً. والروايات المشار إليها مدلولها جوازالرجوع إلى من يعرف الأحكام الشرعيّة فيالوقايع من مداركها المتعارفة التي جلّهاالروايات المأثورة عن المعصومين (عليهمالسلام)والكتاب المجيد، فلا دليل علىاعتبار قول من يدّعى العلم بها عن غيرالمدارك المتعارفة من طريق الرياضاتالنفسانية والجفر والرمل والاستحساناتوالقياسات ونحوها كما هو واضح.
(1). وسائل الشيعة 27:148، الباب 11 من أبوابصفات القاضي، الحديث 34. (2). المصدر السابق: 138، الحديث 4. (3). المصدر السابق: 144، الحديث 23. (4). بحار الأنوار 1:177، والآية: 149 من سورةالأنعام. فصل ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزٍّ،فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به علىاستنباط الأحكام الفعليّة من أمارةمعتبرة أو أصل معتبر عقلاً أو نقلاً فيالموارد التي لم يظفر فيها بها، والتجزّيهو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام[1]. وأمّا لغيره فكذا لا إشكال فيه، إذا كانالمجتهد ممن كان باب العلم أو العلميّبالأحكام مفتوحاً له ـ على ما يأتي منالأدلّة على جواز التقليد ـ بخلاف ما إذاانسدّ عليه بابهما، فجواز تقليد الغير عنهفي غاية الإشكال[2]. لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهدالمطلق إذا كان باب العلم أو العلمي لهمفتوحاً[3]. وأمّا التجزّي في الاجتهاد ففيه مواضع منالكلام: الأوّل: في إمكانه[4]. أقسام الاجتهاد
_ [1] ذكروا تقسيم الاجتهاد إلى الاجتهادالمطلق والاجتهاد المتجزي، وهذا التقسيمأمر صحيح ومتعيّن بناءً على أنّ المرادبالاجتهاد ملكة الاجتهاد والاستنباط،فالاجتهاد المطلق ملكة يقتدر بها صاحبهاعلى عرفان الوظيفة الفعليّة في كلّ واقعةتعرّض عليه سواء كان ذلك الحكم الفعليّ منقبيل الحكم الواقعيّ أو الظاهريّ، فإنّهتارة يتمكّن من الوصول إلى الأحكامالشرعيّة المجعولة في الوقايع المعبّرعنها بالأحكام الواقعيّة، سواء كان وصولهوعلمه بها وجدانيّاً أو تعبديّاً، كما فيموارد قيام الأمارة المعتبرة بالحكمالواقعيّ، أو يتمكّن من الوصول إلى حالالحكم والتكليف الواقعيّ من حيث التنجز أوعدمه، مع تعيين الحكم الظاهريّ الشرعيّ،كما في موارد الاُصول الشرعيّة، أو بدونتعيينه، كما في موارد الاُصول العقليّة،ولا يضرّ بالاجتهاد المطلق عدم تمكّنالمجتهد من الوصول إلى الحكم الشرعيالمجعول في واقعة بعنوان الحكم الواقعيّ،فإنّ عدم وصوله ليس لقصور باعه واقتداره،بل لأجل عدم دليل موجب للعلم به أو يعتبرعلماً به، وهذا بخلاف الاجتهاد بنحوالتجزّي، فإنّ صاحب هذا الاجتهاد لايتمكّن من معرفة الوظيفة الفعليّة في كلّواقعة تعرّض عليه، وذلك لقصور باعهواقتداره. وقد يقال: بعدم إمكان التجزّي في الاجتهادبمعنى الملكة، فإنّ الملكة أمر بسيط لامركّب، والأمر البسيط إمّا أن يحصل وإمّاأن لا يحصل، ولو كان المراد بالاجتهاد هوالفعليّ منه، فالتجزّي فيه بمعنى أنيستنبط بعض الأحكام من مداركها، ويتركالاستنباط في بعضها الآخر فهو أمر ظاهرولكنّه غير مهمّ في المقام، بل الموضوعللبحث هو أن يتمكّن الشخص من استنباط جملةمن الأحكام من مداركها كالمجتهد المطلقولا يتمكّن من استنباط جملة اُخرى. ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّ مسائل الفقهوأبوابها مختلفة بحسب المدارك والاستفادةمن المدارك تختلف بحسب السهولة والصعوبة،فربّ مسألة يكون المدرك فيها رواية، سندهامعتبر ولا مورد للتأمّل في ظهورها، بخلافبعض المسائل الاُخرى فإنّ المدرك فيهاالأخبار المختلفة المتعدّدة، وإحراز مايعارضها أو وجود الجمع العرفيّ بينها أوبين بعضها مع البعض الآخر يحتاج إلى كثرةالاُنس بالروايات، والخبرة الزائدة فيتشخيص الملاك في الجمع العرفيّ وعدمه،وربّ مسألة تحتاج استفادة الحكم فيها إلىضمّ مقدّمة عقليّة أو مقدّمات عقلية بخلافبعضها الآخر، والأشخاص مختلفون بحسب قصورالباع وطوله بالإضافة إلى تحصيل الاقتدارعلى الاستنباط بمقدّماته، فيوجب ذلك حصولالاقتدار تدريجاً وحصول مرتبة منه قبلحصول مرتبة اُخرى إلى أن تكمل في بعضالأشخاص إلى المرتبة الأعلى من الاجتهاد،ولهذا الكلام تتمّة نتعرّض لها عند تعرّضالماتن (قدس سره). في جواز الرجوع إلى المجتهد الانفتاحيّوالإشكال في الرجوع وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الاجتهاد بمعنىالملكة لا يكون عدلاً في مسألة أنّه يجبعلى المكلّف في الوقايع التي يبتلي بها أويحتمل ابتلاءه أن يكون مجتهداً أو مقلّداًأو محتاطاً، بل المراد منه الاجتهادالفعليّ، وهو تحصيل الحجّة التفصيليّةعلى حكم الواقعة، وهذا الاجتهاد مما لاينبغي اعتباره في حقّ نفسه، سواء كانتاستفادته الحكم بالواقعة عن الأدلّةعلماً بالحكم الواقعي فيها وجداناً أوتعبّداً أو علماً بالوظيفة الظاهريّة، أوحتّى فيما كان ما يعتمد عليه مما يستقلّ بهالعقل في تنجّز الواقع أو العذر فيه؛ ولذالا يفرق في جواز الاكتفاء باتّباع اجتهادهبين أن يكون انفتاحيّاً أو انسداديّاً،ودعوى أنّ ما يحصّله الانسدادي في غالبالوقايع لا يكون علماً بالحكم الشرعيّ لاواقعاً ولا ظاهراً، ويمكن له الرجوع إلىالمجتهد الانفتاحيّ الذي يعلم الوظايفالشرعيّة في الوقايع كما ترى؛ وذلك فإنّالانسداديّ على مسلك الحكومة يرى أنّ غيرهأيضاً غير عالم بالوظيفة الشرعيّة،وبالأحكام الشرعيّة في الوقايع لا واقعاًولا تعبّداً، وإنّما يتخيل أنّه عالم بها،وأدلّة وجوب التعلّم ساقطة لعدم التمكّنمن تحصيل العلم بالأحكام الشرعيّة في معظمالوقايع، ولا موضوع لرجوعه إلى من يدّعيالانفتاح حيث لا يكون من رجوع الجاهلبالأحكام إلى العالم بها، بل من رجوعالجاهل إلى مثله.
_ [2] وأمّا جواز رجوع العاميّ إلى المجتهدالمطلق في الوقايع للعمل بفتاواه فهومقتضى ما استفدناه من الروايات المشارإليها سابقاً، وقلنا باستمرار سيرةالمتشرعة على ذلك في الجملة حتى من زمانالمعصومين (عليهم السلام) حيث ما يستنبطهالمجتهد وهي الكبرى الكلّية من الحكمالشرعيّ في الواقعة لا تختص بالمستنبط، بلقد لا يكون داخلاً في موضوع تلك الكبرى،وهذا فيما كان المجتهد انفتاحيّاً ظاهر،وأمّا إذا كان انسداديّاً فقد استشكلوا فيجواز الرجوع إليه، فإنّه إذا كان المجتهدانسداديّاً على مسلك الحكومة، فلا يكونعالماً بالحكم الشرعيّ الفرعيّ في معظمالوقايع، بل يكون كالعاميّ جاهلاً به،غاية الأمر ظنّه أي إطاعته الظنيّة مجزية،حيث يستقلّ العقل بأنّه لا يصحّ للشارعمطالبته ولا مطالبة غيره في تلك الوقايعبأزيد من الطاعة الظنيّة، كما لا يجوزللمكلّف الاقتصار على ما دون الإطاعةالظنيّة، وأدلّة جواز التقليد مقتضاهارجوع الجاهل بالحكم الشرعيّ في الوقايعإلى العالم به. وعلى الجملة مقتضى تلك الأدلّة بجوازتعلّم العاميّ الأحكام الشرعيّة منالعالم بها ولا تفيد الرجوع إلى هذاالمجتهد، وأيضاً فقضيّة مقدّمات الانسدادجواز الاقتصار بالطاعة الظنيّة وعدم جوازالاقتصار بدونها، وهذا في حقّ من يتمّ فيحقّه مقدّمات الانسداد، ولا تتمّ في حقّالعاميّ؛ لأن له طريقاً آخر إلى الأحكامالشرعيّة في الوقايع التي يبتلى بها، وهوفتوى المجتهد الذي يرى انفتاح باب العلمفيها، بل لا يجرى في حقّ العاميّ ما هو منمقدّمات الانسداد وهو عدم لزوم الاحتياطفي الوقايع بمقتضى علمه الإجمالي بثبوتالتكاليف في جملة من الوقايع التي يبتليأو يحتمل ابتلاءه بها. نعم إذا لم يكن فيالبين مجتهد انفتاحي وتمكّن العاميّ منإحراز عدم وجوب الاحتياط عليه ـ لاستلزامهالمحذور وأنّ اللّه لا يؤاخذه بتركه عندالاحتياط ـ أمكن إحرازه جواز الاقتصار لهعلى الامتثال الظنّي. والحاصل أنّ تقليده من المجتهدالانسداديّ القائل بالحكومة مشكل منجهتين: الاُولى: قصور أدلّة جواز التقليد حيث إنّمقتضاها ـ كما تقدّم ـ جواز رجوع الجاهلبالحكم الشرعيّ في الوقايع إلى العالم به،لا جواز الرجوع في حكم العقل. والثانية: قصور ما دلّ على كفاية الامتثالالظنّي في معظم الوقايع، فإنّه لا يجريإلاّ على من تتمّ في حقّه مقدّماتالانسداد. وأمّا على القول بالكشف والالتزام بأنّما يقتضي مقدّمات الانسداد هو العلم بأنّالشارع اعتبر الظنّ بالأحكام من التكاليفالواقعيّة وغيرها طريقاً إلى إحرازهافيشكل رجوع العاميّ إلى هذا المجتهد أيضاًمن الجهة الثانية، فإنّ الحكم المظنونللمجتهد الانسداديّ على الكشف وإن كانإحرازاً للحكم الشرعيّ إلاّ أنّ الموضوعلاعتبار الظنّ من تتمّ في حقّه مقدّماتالانسداد، فلا تتمّ في حقّ العاميّلتمكّنه من الرجوع إلى المجتهدالانفتاحيّ. في جواز الرجوع إلى المجتهد الانفتاحيّفي موارد الطرق والأمارات والاُصولالعقليّة لا يقال: مقتضى ما ذكر من كون مفاد أدلّةجواز التقليد رجوع الجاهل بالأحكامالشرعيّة إلى العالم بها عدم جواز رجوعالعاميّ إلى الانفتاحيّ أيضاً في مواردالطرق والأمارات المعتبرة بالخصوص، فإنّاعتبارها عند الماتن (قدس سره) ومن يقولبقوله هو جعل الحجيّة يعني المنجّزيّةوالمعذريّة لها، فلا يكون المجتهد فيموارد قيامهما عالماً بالأحكام الشرعيّةالمجعولة للوقايع، وعدم علمه بالحكمالواقعي ظاهر، وعدم علمه بالحكم الظاهريّهو مقتضى الالتزام بأنّه يثبت للأمارة معاعتبارها ما كان ثابتاً للعلم عقلاً منالمنجّزية والمعذرية، لا جعل مؤدّى الطرقوالأمارات حكماً شرعيّاً ظاهريّاً كماعليه الشيخ (قدس سره). وأجاب الماتن (قدس سره) عن الإشكال بأنّدليل اعتبار الأمارة مقتضاه اعتبارها فيحقّ الجميع ممّن لا يعلم الحكم الشرعيّالواقعيّ في الواقعة من دون اختصاصاعتباره بالمجتهد، والعاميّ يرجع إلىالمجتهد الانفتاحيّ فيما يعلم المجتهد منقيام أمارة في الواقعة على التكليف أوالحكم الشرعيّ الكذائيّ في الواقعة. لا يقال: العاميّ يرجع إلى المجتهدالانفتاحيّ في موارد فقد الأمارةالمعتبرة والأصل الشرعيّ، فلا يكونللمجتهد الانفتاحيّ فيها علم بالحكمالواقعيّ كما هو الفرض ولا بالحكم الشرعيّالظاهريّ كما هو مقتضى فقد الأصل الشرعي. وأجاب الماتن (قدس سره) عن ما يستفاد منظاهر كلامه بأنّ العاميّ يرجع في تلكالوقايع إلى المجتهد فيما يعلمه المجتهدمن فقد الأمارة والأصل الشرعيّ، وبعد ذلكيعمل العامي بما هو وظيفته عند العقل ولوكان ما استقلّ به عقله غير ما يستقلّ بهمجتهد نفسه من البراءة أو الاحتياط. في الرجوع إلى المجتهد الانفتاحيّ فيالاُصول الشرعيّة أقول: الرجوع إلى المجتهد الانفتاحيّ فيموارد الطرق والأمارات المعتبرة بلامحذور، فإنّ معنى اعتبار الأمارةاعتبارها علماً بالواقع، وإذا كان مقتضىدليل الاعتبار أنّ المجتهد في مواردقيامها بثبوت التكليف أو نفيه عالم بتلكالتكاليف والأحكام أو نفيهما تكون فتواهبثبوتها أو نفيها فتوى بالعلم لا بغيرالعلم، ومقتضى جواز أدلّة رجوع الجاهل إلىالعالم جواز أخذ العاميّ بفتواه في تلكالوقايع، وكذا الحال في رجوع العاميّ إلىالمجتهد في موارد جريان الاُصول المحرزةوالاُصول الشرعيّة التي مفادها حكم شرعيظاهريّ، إلاّ أنّه قد يشكل الرجوع إلىالمجتهد الانفتاحيّ في موارد رجوعه إلىالاُصول الشرعيّة والاُصول العقليّة بأنّالموضوع للاُصول العمليّة عدم إمكانتحصيل العلم بالحكم الواقعيّ بالفحص عنطريق الحكم الواقعيّ وإحراز التكليف،وهذا الموضوع محقّق في حقّ المجتهد الذييتمسّك بالاُصول العمليّة، ولكنّ الموضوعغير تامّ في حقّ العاميّ إذا كان في البينمجتهد انفتاحيّ آخر يرى ـ ولو في بعض تلكالمسائل ـ قيام الطريق المعتبر بالحكموالتكليف الواقعيّ، نظير ما تقدّم في عدمجواز رجوع العاميّ إلى المجتهدالانسداديّ مع وجود مجتهد انفتاحيّ، لعدمتماميّة موضوع اعتبار مطلق الظنّ في حقّالعاميّ، بعدم تماميّة مقدّمات الانسدادفي حقّه. وقد استشكلنا بذلك على سيّدنا الاُستاذأطال اللّه بقاءه، وأجاب بما(1) حاصله أنّالإشكال غير صحيح على إطلاقه وإن كانصحيحاً في الجملة، وأوضح ذلك بأنّ من يفتيبعدم وجوب فعل على المكلّفين لعدم تماميّةالحجّة على الوجوب عنده، إمّا أن يكونأعلم ممّن يفتي بوجوبه بزعم قيام طريقمعتبر فيه، وإمّا أن لا يكون أعلم منه. فعلى الأوّل: لا يكون قول غيره حجّة في حقّالعاميّ، ليكون مانعاً من الرجوع إلىالحكم الذي استفاده الأعلم من الأصلالعمليّ، والوجه في عدم حجيّة قول غيرهحتّى في حقّ العاميّ ما يأتي من أنّ الدليلعلى حجيّة الفتوى في حقّ العاميّ ـ أيّاًما فرض غير السيرة العقلائيّة ـ لا يشملالمتعارضين وصورة العلم بمخالفة مجتهدينفي الفتوى، كما هو الحال في الدليل القائمعلى اعتبار كلّ أمارة، وفي الفرض لا يشملذلك الدليل شيئاً من الفتويين، لما ذكرناأنّ الأصل سقوط المتعارضين عن الاعتبار.نعم السيرة العقلائيّة جارية على اتّباعقول الأعلم من أهل الخبرة عند اختلافهم،وعلى ذلك فلا تكون فتوى المجتهد غيرالأعلم بالحكم الواقعيّ مانعاً عن الرجوعإلى من ينكر قيام الدليل على الحكمالواقعيّ. وعلى الثاني: أي ما إذا لم يكن الانفتاحيّأعلم، إمّا أن يعلم العاميّ بفتوى من يقولبالتكليف الواقعيّ لقيام الطريق عنده أويكون جاهلاً به، فإن كان جاهلاً فالأمركما ذكر في الصورة الاُولى من اعتبار فتوىالمجتهد ما لم يعلم تفصيلاً أو إجمالاًبالمخالفة مع الآخرين؛ وذلك فإنّ جوازالأخذ مع عدم العلم بالخلاف مقتضى أدلّةجواز التقليد على ما يأتي، ولا يقاس ذلكبموارد تمكّن المجتهد من الطريق إلىالتكليف في الشبهات الحكميّة، حيث لا يجوزله الرجوع إلى الأصل العمليّ فيها، فإنّموضوع اعتبار الأصل عدم الحجّة للتكليفوهو غير محرز قبل الفحص، فإنّ الطريقبوجوده الواقعيّ مع إمكان الوصول إليهطريق بالإضافة إلى المجتهد، وأين هذا منمحلّ الكلام في العاميّ؟ حيث إنّ فتوى منيفتي بالتكليف غير معتبر في حق العاميّقبل الوصول إليه. وأمّا على فرض علم العاميّ بفتوى المجتهدالآخر بالتكليف فالصحيح في مورده عدم جوازالرجوع إلى المجتهد الأوّل الذي يتمسّكبالأصل الشرعيّ، ولا الثاني لمعارضة فتوىكلّ منهما مع الآخر، فلابدّ للعاميّ منالاحتياط، لكون الشبهة حكميّة وقبل الفحصبالإضافة إليه، نعم لو تمّ ما ذكر الشيخ(قدس سره) في رسالته المعمولة في الاجتهادوالتقليد من الإجماع على عدم وجوبالاحتياط على العاميّ، وثبوت جواز الرجوعإلى كلّ منهما جاز له الرجوع إلى من يفتيبعدم التكليف، ويكون الإجماع هو الدليل فيالمسألة وإن كان خلاف القاعدة. ولا يخفى أنّ في هذا الجواب اعتراف بجوازرجوع العاميّ إلى المجتهد الانسداديّ إذاكان أعلم من المجتهد الانفتاحيّ إذا سقطتفتوى الانفتاحيّ غير الأعلم في الوقايعالتي يزعم فيها قيام الطريق بقول المجتهدالانسداديّ، سواء التزم الانسداديّبمقدّمات الانسداد على الحكومة أو علىالكشف، فإنّ الأعلم أقوى خبرة بثبوت الطرقالخاصّة وعدم ثبوتها ومداليلها، ومقتضىالسيرة المشار إليها اتّباع قوله، فإنتمّت عنده مقدّمات الانسداد على نحوالحكومة فيرجع العاميّ إلى ذلك المجتهد فيكون الوظيفة للكلّ في الوقايع الامتثالالظنّي، وكذا تشخيص موارده، لكونه من أهلخبرة ذلك، وفي كون الوظيفة جواز الاقتصارعليها إذا لم يمكن للعاميّ إحراز ذلك منوجه آخر. وإن تمّت المقدمات عنده على نحو الكشففيرجع إلى الانسداديّ في تشخيص موارد قيامالظنّ بالتكليف وكون الوظيفة العملبالظنون الموجودة في الوقايع؛ لأنّ نظرالانسداديّ أنّ وظيفة الكلّ الالتزام بمايلتزم هو من الوظيفة. نعم لو قيل إنّ مقتضى ما ورد في جوازالتقليد هو رجوع الجاهل بالحكم الشرعيّالكلّي في الواقعة إلى العالم به، وأنّالانسداديّ على الحكومة لا يعرف الحكمالشرعيّ في الوقايع، يكون الرجوع إليهكالرجوع إلى الانفتاحيّ في موارد الاُصولالعقليّة، وأمّا الرجوع إلى الانسداديّعلى نحو الكشف فلا محذور فيه؛ لأنّه عالمبالحكم الشرعيّ الفعليّ في الوقايع،لاعتبار الشارع الظنّ النوعيّ وظنّهالشخصي علماً بالحكم الشرعيّ، واختصاصاعتبار الظنّ في خصوص حقّه لا ينافي جوازالرجوع إليه بعد كون مظنونه هو الحكمالفرعيّ الكلّي، نظير العلم الوجدانيفإنّ اعتباره مختصّ بالعالم، ومع ذلك لاينافي جواز الرجوع إليه بأدلّة وجوب تعلّمالأحكام من العالم بها. وعلى الجملة وجود المجتهد الانفتاحيّ معكونه غير أعلم لا يمنع عن جواز تقليدالانسداديّ الأعلم خصوصاً بالإضافة إلىالقائل بتماميّة مقدّمات الانسداد علىالكشف.
_ [3] قد تقدّم أنّ للمجتهد المطلق منصبالإفتاء في الوقايع، والفتوى إظهارهالحكم الشرعيّ الفرعيّ الكلّي في الوقايععلى ما استنبطه من مدارك الأحكام، وهذاشروع في أنّ له منصب القضاء أيضاً،والقضاء عبارة عن إنشائه الحكم الجزئيّ،لثبوت موضوعه فيما إذا ترافع إليه عندالاختلاف في ثبوته وعدمه، كما إذا كانتالكبرى الشرعيّة المجعولة عند المتخاصمينمحرزة، والاختلاف والتخاصم وقع بينهم فيثبوت موضوعها وعدم ثبوته خارجاً، أو وقعالمخاصمة بينهم في واقعة، لاختلافهم فيالكبرى الشرعيّة المجعولة في الشريعةفيها، كما في اختلاف زوجة الميّت مع سايرالورثة في إرثها من العقار الذي تركهزوجها. وعلى الجملة ثبوت منصب القضاء وإنهاءالخصومة ـ في موارد الدعاوى الماليّةوساير الحقوق التي تقع المخاصمة بينالمترافعين ـ للفقيه الجامع لشرايطالفتوى ثابت. وأمّا الحكم الابتدائي من الفقيه ـ سواءكان حكمه بثبوت الموضوع، كحكمه بتحقّقرؤية الهلال أو من قبيل تعيين الوظيفةللناس بالنظر إلى رعاية المصالح العامّةاللازم رعايتها بنظره، كترك الناس بعضالمباحات في زمان ونحوه ـ فهذا محلّالخلاف والإشكال في نفوذ هذا القسم منالحكم، وقد تعرّضنا لذلك تفصيلاً في بحثالقضاء كما تكلّمنا في منصب القضاء الثابتله على التفصيل. والماتن (قدس سره) تأمّل في ثبوت منصبالقضاء وفصل الخصومة للمجتهد المطلقالانسداديّ، وعمدة القول في نفوذ هذاالقسم من الحكم ما ورد في مقبولة عمر بنحنظلة من قوله (عليه السلام): «فإنّي قدجعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلميقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّهوعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ علىاللّه»(2) والمناقشة في نفوذ هذا الحكمتدور بين الإشكال في سندها أو دلالتها أوفيهما معاً. وأمّا السند فلا بأس به؛ لأنّ عمر بنحنظلة من المعاريف الذين لم يرد في حقهمقدح. نعم، يناقش في دلالتها بأنّ ما قبل هذاالكلام قرينة جليّة على أنّ المراد بالحكمالقضاء وفصل الخصومة، وأنّ النظر فيالمصالح العامّة ورعايتها لم يكن في زمانصدور الأخبار من المقبولة وغيرها بيدالمؤمنين حتّى يجعل الإمام (عليه السلام)منصب الحكومة على الرعيّة لرواة أحاديثهموالناظر في حلالهم وحرامهم، بل ربّما يقاللا يستفاد من المقبولة النصب وجعل منصبالقاضي المنصوب بحيث يجب على الخصم الحضورإذا أحضره للمرافعة بل غاية مدلولها النصببنحو قاضي التحكيم، بمعنى نفوذ قضائه إذاترافع المتخاصمون إليه ورضوا أن يحكم فيمرافعتهم، حيث لا يجوز الإغماض عن حكمهإذا حكم. وهذا الكلام وإن لا يخلو عن التأمّل، فإنّظاهر معتبرة سالم بن مكرم الجمّال هوالنصب بمنصب القاضي في وجوب الترافع إليهوقبول حكمه إذا حكم، قال: قال أبو عبداللّه(عليه السلام): «إيّاكم أن يحاكم بعضكمبعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجلمنكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوهبينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكمواإليه»(3)ووجه ظهوره أنّ تفريع وجوب الرجوعوالتحاكم إليه على جعله (عليه السلام)قاضياً ظاهره إعطاء منصب القضاء، ولتمامالكلام محلّ آخر. نفوذ قضاء المجتهد الانسداديّ وعدم نفوذه ثمّ ذكر الماتن (قدس سره) أنّ نفوذ القضاءمن المجتهد الانسداديّ على تقريرهمقدّمات الانسداد على نحو الحكومة مشكل،فإنّ مثله لا يعرف الأحكام، ومعرفتها قيدللموضوع في ثبوت منصب القضاء. أقول: لا فرق على مسلكه في حجيّة الأماراتمن أنّ المجعول لها المنجّزية والمعذريّةدون اعتبار الأمارة علماً بالحكمالواقعيّ في الوقايع، فالانفتاحيّ أيضاًلا يعرف في الوقايع أحكامها وإن كان تنجّزالتكاليف على تقدير ثبوتها في مواردالأمارات القائمة بها كافية في صدقالعنوان، فالمجتهد الانسداديّ على تقريرالحكومة أيضاً يعرف تنجّزها في مواردالظنّ بها على تقدير ثبوتها واقعاً. نعم على القول بأنّ اعتبار الأمارةاعتبارها علماً بالواقع فاللازمالاستشكال في ثبوت منصب القضاءللانسداديّ القائل بالحكومة، دون القائلبالكشف فضلاً عن الانفتاحيّ. اللهم إلاّ أن يقال: إنّ الترافع في ثبوتالموضوع في الوقايع المعلوم حكمهاالواقعيّ وعدم ثبوته، وكذا فيما إذا كانمنشأ الترافع والمخاصمة الاختلاف في نفسالحكم الشرعيّ المجعول في الواقعة مع علمالانسداديّ بالحكم الواقعيّ فيها داخل فيمدلول معتبرة سالم بن مكرم، حيث إنّالوارد فيها: «انظروا إلى رجل منكم يعلمشيئاً من قضايانا»، فلا يكون نفس كونالمجتهد انسداديّاً قائلاً بانسداد بابالعلم والعلميّ في معظم الوقايع، وتقريرمقدّماته على نحو الحكومة لا يمنع عن نفوذحكمه في الاختلاف والترافع في الموضوعاتأو بعض الأحكام المشار إليها، ولا يحتاجإلى دعوى عدم القول بالفصل، غاية الأمر لاينفذ حكمه في غير الموردين، لعدم علمه فيغيرهما كما هو ظاهر الفرض. التجزّي في الاجتهاد
_ [4] قد قيل بعدم إمكان التجزّي في الاجتهادأي في ملكة الاجتهاد، فالتجزّي فيالاجتهاد بمعنى ان تستنبط بعض الأحكام منمداركها ويترك استنباط بعضها الآخرفإمكانه بل وقوعه ممّا لا كلام فيه،وموضوع البحث في المقام أن يكون الشخص لهاقتدار على استنباط بعض الأحكام منمداركها كالمجتهد المطلق، وليس له اقتدارعلى استنباط جملة اُخرى، فهذا هو الذي قيلبعدم إمكانه، لكون ملكة الاستنباطوالاقتدار عليه أمر بسيط كساير الملكات،فلا يقبل التبعّض كما هو مقتضى بساطةالشيء، ولكن ضعفه ظاهر، فإنّ مسائل الفقهوأبوابها مختلفة بحسب المدارك، والمداركتختلف بحسب السهولة والصعوبة، فربّ مسألةيكون المدرك فيها رواية أمر سندهاودلالتها مما لا صعوبة فيه، بخلاف بعضالمسائل الاُخرى، فإنّه ربّما تكونالروايات الواردة فيها متعدّدة مختلفةيحتاج إحراز تعارضها أو الجمع العرفيّبينها إلى كثرة الخبرة والاُنس بالخطاباتالشرعيّة والروايات والتأمّل فيالمداليل، وقد تكون مسائل فيها استنباطالأحكام محتاجاً إلى ضمّ مقدّمة أومقدّمات عقليّة، ويختلف الأشخاص بحسبقصور الباع وطوله بالإضافة إلى تنقيح تلكالمقدّمات وتطبيقها على مواردها، فيوجبكلّ ذلك حصول الاقتدار وحصول بعض مرتبةمنه قبل حصول مرتبة اُخرى إلى أن تكملالمرتبة العليا، وليس المراد أنّ حصولمرتبة منه من المقدّمة لحصول مرتبة أعلىمنه كما هو ظاهر الماتن (قدس سره) حيث ذكرلزوم التجزّي، وعدم حصول الاجتهاد المطلقبدونه عادة، وعلّله بلزوم الطفرة. وعلى الجملة الاقتدار على استنباط أحكامالمعاملات وتعيين المشروع منها عن غيرالمشروع غير الاقتدار على استنباط مايعتبر في العبادات والتكاليف المتعلّقةبها، حيث إنّ المدار في جلّ المعاملات أيالعقود والإيقاعات لقلّة الخطاباتالشرعية الواردة فيها سهلة تبتني فيغالبها على بعض الخطابات من الآياتوالروايات والقواعد العامّة، فيكونالاقتدار على الاستنباط فيها غير ملازملحصول الاقتدار على الاستنباط فيالعبادات والفروع الجارية فيها، حيث إنّالروايات فيها كثيرة وفي غالبها مختلفةكما أشرنا إليها، وإن شئت فلاحظ الاقتدارعلى مسائل علم وتنقيحها غير الاقتدار علىالعلم بمسائل علم آخر، وكذلك الاقتدار فيمسائل علم واحد. ثمّ إنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المتجزيمع اجتهاده الفعليّ في بعض المسائلكالمجتهد المطلق يجوز له العمل باجتهاده،كما هو مقتضى اعتبار العلم والأمارةوالاُصول حيث إنّ المفروض أنّ المتجزّييعتمد في تلك المسائل على العلم والأمارةبعد الفحص اللازم فيها، ومع فقدها يعتمدعلى الأصل، كما لا يبعد أن يعتمد العاميّويرجع إليه فيها في تلك المسائل إذا لميعلم مخالفة نظره لمجتهد آخر مساو له أومجتهد مطلق ـ تفصيلاً أو إجمالاً ـ كما هومقتضى أدلّة جواز التعلّم والأخذ بمعالمالدين من العارف بها الثقة المأمون، ولايبعد نفوذ قضائه أيضاً فيما حصّله منأحكام الوقايع وكيفيّة الحكم المعتبر،حيث يعمّه قوله (عليه السلام): يعلم شيئاًمن قضاياهم ويروى أحاديثهم وينظر فيحلالهم وحرامهم، إذا كان بمقدار معتدّ به،لا مثل استنباط مسائل قليلة معدودة كما لايخفى.
(1). مصباح الاُصول 3:439. (2). وسائل الشيعة 1:34، الباب 2 من أبوابمقدمات العبادات، الحديث 12. (3). وسائل الشيعة 27:13 ـ 14، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 5. فصل لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفةالعلوم العربيّة في الجملة، ولو بأن يقدرعلى معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد فيالمسألة[1]. العلوم التي تعدّ من مبادئ الاجتهاد
_ [1] تعرّضوا في مباحث الاجتهاد لما يتوقفعليه من العلوم المعدودة من مباديه، وذكرالماتن (قدس سره) من المبادئ وعدّ كغيره منمبادئ الاجتهاد علوم العربيّة، فإنّالمستند للأحكام الشرعيّة الفرعيّة فيغالبها الكتاب والسنة يعني الأخبارالمأثورة من المعصومين صلوات اللّهوسلامه عليهم، ومن الظاهر أنّ استظهار أيّحكم في الوقايع منهما يتوقّف على العلمبمعاني اللغات ومفاد الهيئات التركيبيّةعلى اختلافها، والمتكفّل لذلك علم اللغةوالصرف والنحو، ولا يعتبر حضور الذهن بهافي الاجتهاد، بل بحيث لو راجع إلى الكتبالمدوّنة فيها تمكّن من معرفتها، وليسلازم ذلك اعتبار قول اللغويّ أو النحويّفي نفسه، بل المراجعة إلى تلك الكتب ربّمايوجب تعيين ظهور الآية أو الخبر الموضوعللاعتبار بعد الفحص عن القرينة على خلافهأو إحراز عدم المعارض له. وقد ذكر من تلك العلوم علم التفسير، فإنّمعرفته أيضاً من مبادئ الاجتهاد، والمرادمن معرفته التمكّن من عرفانه ولوبالمراجعة إلى مصادره، فإنّ التفسير يطلقعلى معنيين؛ أحدهما: تعيين المراد منالمجمل والمتشابه، والثاني: تعيين المرادفيما يكون على خلاف ظاهر الآية أو بيان أنالمراد المعنى العامّ، يعمّ غير معنىظاهره. وممّا ذكر يعلم أنّ التفسير لابدّ من أنيكون دليله نفس الكتاب المجيد أو من السنةوالأخبار المعتبرة والنقل المتواترالإجماليّ، وهذا النحو من الدليل لايتعرّض له تماماً في الكتب المرسومة فيالتفسير، فلابدّ للمجتهد من معرفة مصادرهولو من غير كتب التفسير من كتب الأخبار،وأمّا تشخيص ظواهر الآيات من حيث الموادوالهيئات التركيبيّة، وهيئات الألفاظالواردة من المشتقات فقد تقدّم أنّالمتكفّل لمعرفتها علوم العربيّة. وقد ذكر (قدس سره) أنّ عمدة ما يتوقف عليهالاجتهاد هو معرفة المسائل الاُصوليّةوتنقيح نتايجها، فإنّه ما من مسألة فرعيّةفي الفقه يتوقّف استنباط الحكم الشرعيّفيها على ضمّ مقدّمة أو مقدّمات اُحرزت فيعلم الاُصول وتحسب من نتايج مسائله،وتدوين تلك المسائل مستقلاًّ وتسميتهابعلم الاُصول أو تنقيحها في الكتبالفقهيّة تمهيداً لمسائلها من غيرتدوينها في كتاب مستقلّ وتسميتها بعلمالاُصول غير فارق، حيث إنّ تدوين تلكالقواعد وجمعها في كتاب مستقلّ ليس إلاّكجمع مسائل الفقه وبيان أدلّتها في كتابمستقلّ. وكذا الحال في غيرها من العلوم،فليس للأخباريّ الدعوى لكون علم الاُصولبدعة إلاّ تحاشي تدوين تلك المقدماتمستقلاًّ لا إنكار أصلها رأساً، وقد ذكرناأنّ التدوين مستقلاًّ لا يدخل في موضوعالبدعة، ودعوى أنّ الاجتهاد والفقاهة كانفي الصدر الأوّل ولم تكن تلك القواعد كماترى، فإنّ جملة من تلك القواعد كحجيّةالظواهر والأخبار والعلاج في التعارض بينالأخبار وغير ذلك كانت في الصدر الأوّلولم تكن مدوّنة في كتاب مستقلّ، وبعضالقواعد كمباحث الاستلزامات، كمسألةاقتضاء النهي عن معاملة أو عبادة ومسألةجواز اجتماع الأمر والنهي كانت في أذهانالفقهاء في ذلك الزمان بصورة الارتكاز،فإنّهم أيضاً يرون أنّ مقتضى النهي عنالتصرف في ملك الغير والأمر بالوضوء أوالاغتسال أو الصلاة في ملك الغير يرفعاليد عن إطلاقات خطابات الأمر بها بخطابالنهي، ولكن بما أنّه حدث في الأزمنةالمتأخرة شبهة إمكان الأخذ بالإطلاق فيكلّ من خطابي الأمر والنهي صارت مسألةجواز اجتماع الأمر والنهي وعدم جوازهبالصورة الفعلية، وأنّهم يفهمون من مثلقوله سبحانه (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلواوجوهكم)(1) وجوب الوضوء ومن مثل قوله (عليهالسلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل»(2)وجوب الغسل، ووقع في كلام المتأخرين أنّالأمر في مثل هذه الموارد إرشاديّ وليسبمولويّ، فادعى بعضهم أنّ الأمر فيهامولويّ غيريّ، لأنّ الأمر بالشيء وإيجابهيستلزم إيجاب مقدّمته، والكلام وقع في صحةأحد النظرين والثمرة بينهما، فاُخرجتمسألة مقدّمة الواجب و البحث عن الملازمةبين الإيجابين بصورة فعليّة إلى غير ذلك. ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) لم يتعرض لعلمالمنطق، ولم يذكر أنّه من مبادئ الاجتهاد،ولعلّه لكون ما هو لازم في الاجتهاد منكلّية الكبرى وكون صغراها موجبة ونظائرذلك من الضروريّات والواضحات لا يحتاج إلىإقامة البرهان، ولا يتوقّف الاجتهاد علىمعرفة الاصطلاحات فيها من التسميّةبالشكل الأول في القياس، وكون القضيةالموجبة اسمها صغرى، والمحمول الموضوع فيالقضية الكليّة مع محمولها كبرى، إلى غيرذلك من المصطلحات، كما أنّه لم يتعرض لعلمالرجال ولزوم معرفتها في الاجتهاد ولعلّهليس هو في الاصطلاح من العلوم، ولكن بماأنّ المدرك في معظم المسائل الفقهيّةالأخبار المأثورة عن المعصومين (عليهمالسلام)، وكما نحتاج في معرفة مداليلهاإلى معرفة العلوم العربيّة كذلك نحتاج فيمعرفة أسانيدها وتمييز رواتها إلى عرفانالرواة ورجال الطبقات، هذا بناءً على ماهو الصحيح من أنّ الأخبار المخرجة في كتبالأخبار المعروفة في غالبها داخلة فيعنوان أخبار الآحاد، ولا يعتبر منها ما لميكن مقترناً بقرينة موجبة للعلم بصحتهاوالوثوق بها غير أخبار الثقات والعدولوالحسان. نعم لو التزم أحد بأنّ الأخبار المخرجة فيتلك الكتب هي قول المعصوم (عليه السلام)،وإنّما ذكر السند لها للزينة وخروجها عنصورة المقطوعة والمرفوعة والمرسلة، كمازعم ذلك جلّ الأخباريين، أو التزم بأن كلّما عمل به المشهور من أخبارها يكشف عملهمعن إحرازهم القرينة على صحّتها، وماتركوها كاشف عن إحرازهم القرينة على خلافذلك، فلا تكون حاجة إلى علم الرجال، ولكنشيء من الالتزامين لم يتمّ له دليل ووجهيمكن الاعتماد عليه، وتمام الكلام فيمقدّمات الطبقات، وأمّا الاعتذار بعدمكون علم الرجال علماً بالمعنى المصطلح فلايفيد شيئاً، فإنّ علم اللغة أيضاً ليسعلماً بالمعنى المصطلح مع أنّه داخل فيالمراد من العلوم العربيّة.
(1). سورة المائدة: الآية 6. (2). وسائل الشيعة 3:405، الباب 8 من أبوابالنجاسات، الحديث 2. فصل اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليّات[1]. التخطئة والتصويب
_ [1] لا ينبغي التأمّل ولا خلاف في التخطئةفي العقليّات سواء كانت عقليّة محضةكامتناع إعادة المعدوم وإمكان إعادته،وامتناع الجزء الذي لم يتجزّأ أو إمكانه،حيث لا يعقل التصويب عن القائلين بكلّ منالإمكان والامتناع; لاستلزامه كون شيءممكناً وممتنعاً، أو كانت من العقلياتالتي لها دخل في استنباط الأحكام الشرعيّةكمسألة جواز اجتماع الأمر والنهي في واحدمن جهتين ـ سواء كانت الجهتان اتحاديّتينأو كان التركيب بينهما انضماميّاً ـ فإنّالاجتماع كذلك لا يمكن أن يكون ممكناًوممتنعاً، وإنّما وقع الخلاف بيننا وبينمخالفينا في الشرعيّات، حيث التزممخالفونا فيها بالتصويب في الاجتهاد، فإنأرادوا أنّه ليس في الوقايع حكم شرعيّمجعول مع قطع النظر عن الاجتهاد في حقّجميع المكلفين في الوقايع، بل الحكمالمجعول في حقّ كلّ مجتهد ومقلّديه مايؤدّي إليه اجتهاده في المسائل، ولكن بماأنّ اللّه سبحانه يعلم ما يؤدّي إليهاجتهاد كلّ مجتهد جعل ذلك الحكم في حقّه منالأوّل، نظير ما قيل في الواجب التخييريّمن أنّ الواجب في حقّ كلّ مكلف واحد معيّنمن الخصال وهو ما يعلم اللّه سبحانه أنّهيختاره. وظاهر الماتن (قدس سره) إمكان التصويببهذا المعنى وأنّه ليس بمستحيل إلاّ أنّهمخالف لإجماع أصحابنا، وللأخبار المستفادمنها أنّ للّه في كلّ واقعة حكماً يشتركفيه الجاهل والعالم، وإن أرادوا أنّ الحكمالمجعول في حقّ كلّ مجتهد يترتّب علىفعليّة اجتهاده بأن لا يكون في كلّ واقعةحكم مجعول قبل اجتهاده، وإنما يثبت الحكمفي الواقعة بعد اجتهاده، بمعنى أنّ اللّهيكتب بعد اجتهاده ما أدّى إليه اجتهادهفهذا أمر غير معقول، حيث إنّه إذا لم يكنقبل اجتهاده حكم مجعول في حقّه فكيف يفحصعنه إلاّ أن يلتزم بحكم إنشائيّ محض في كلّواقعة والمجتهد يفحص عنه، ويصير ما يؤدّيإليه اجتهاده حكماً فعليّاً حقيقيّاً فيحقّه سواء صادف ذلك الحكم الإنشائيّالمجعول أم يؤدّي إلى غيره، وذلك الحكمالإنشائيّ المحض مع قطع النظر عن العلم بهليس بحكم حقيقة، وهذا القسم من التصويبيلتزم به القائل باعتبار الطرق والأماراتعلى مسلك السببيّة والموضوعيّة، وربّمايشير إليه ما عن بعض أصحابنا من أنّ ظنيّةالطريق لا تنافي قطعيّة الحكم أي قطعيّةالحكم الفعلي. نعم بناءً على مسلك الطريقيّة فيالأمارات والطرق المعتبرة يقال بأنّمؤدّيات الطرق أحكام شرعيّة طريقيّة لانفسيّة، فيوجب عند إصابتها للواقع بلوغالأحكام الواقعية النفسيّة بمرتبةالفعليّة فتكون منجزّة للواقع، ويمكن ـكما تقدّم في بحث الأمارات ـ أنّمؤدّياتها ليست بأحكام طريقيّة أيضاً، بلللأحكام الواقعيّة فعليّة تبلغ مرتبةالتنجّز بقيام الطريق وإصابته الواقعفتكون الأمارات منجّزة، ولا يكون للواقعتنجّز عند عدم قيام الحجّة عليه، بل لايكون للواقع فعليّة حينئذ. أقول: الالتزام بإمكان كون المجعول في حقّكلّ مجتهد واقعاً ما يؤدّي في علم اللّهاجتهاده إليه، وأنّ المجتهد يفحص عنه عنداجتهاده على قرار ما قيل في الواجبالتخييريّ أمر غير معقول; لأنّ الاجتهادعندهم هو تحصيل الظنّ بالحكم الشرعيّ،والظنّ ينافي فرض العلم به، فاللازم أنيكون ما تعلّق به الظنّ غير ما تعلّق العلموالجزم به، أضف إلى ذلك أنّ ما ذكر البعضفي الواجب التخييري باطل، فإنّه إذا لميختر المكلّف من الخصال شيئاً فلا يكون فيحقّه تكليف أيضاً، كالمجتهد الذي لم يجتهدفي الحكم الشرعيّ في الوقايع أصلاً معتمكّنه منه حيث لا يكون في حقّه في الوقايعحكم وتكليف أصلاً مع كونه متمكّناً منهلكونه ذا ملكة الاجتهاد. واللازم على القائل بالتصويب أن يلتزمباعتبار الطرق والأمارات على نحوالسببيّة والموضوعيّة، أو يلتزم بالمصلحةالسلوكيّة بحيث يكون العمل بالأماراتوالطرق عدلاً حقيقة للواقع على تقديرخطئها عن الواقع، لا أن يكون صلاحاعتبارها مجرّد تسهيل الأمر علىالمكلّفين، بحيث يكون العمل عليها عندخطئها عذراً في مخالفة الواقع ما لم ينكشفالخطأ على ما تقدّم في بحث إمكان التعبّدبالأمارات حتّى في صورة الوصول إلى الواقعبالعلم الوجدانيّ، وفي الواقع والحقيقةتكون المصلحة في اعتبارها لا في العمل بهاكما بيّنا(1) هناك. والروايات الواردة في وجوب طلب العلمبمعالم الدين وعدم كون الجهل بها ـ معالتمكّن من تحصيل العلم بها والعمل عليهاـ عذراً، والأمر بالاحتياط في الشبهاتوالترغيب إليه فيها، ومقتضى إطلاقاتخطابات الأحكام والتكاليف، ثبوتها في حقّكلّ مكلّف حتى في صورة الجهل وإمكانالوصول إلى رعايتها ولو بالاحتياط فيموارد احتمالاتها. والأحكام الظاهريّة في موارد الجهل بهاالتي تكون مفاد الاُصول الشرعيّة لا توجبرفع اليد عن إطلاقاتها; لما بيّناه من عدمالمنافاة بين التكليف الواقعيّ والترخيصالظاهريّ مع عدم الوصول إليه بعد الفحصوعدم وجدان ما يدلّ عليه. وقد يقال(2): بعدم تحقق التخطئة في مواردالاُصول الشرعيّة بل مطلق الاُصولالعمليّة، فلا يكون مجتهد يعمل بالأصلالعمليّ في مورد مخطئاً ومجتهد آخر لايعمل به مصيباً، كما إذا رأى مجتهد عدماعتبار الأخبار الحسان ويعمل في مواردهابالأصل العمليّ، ويرى مجتهد آخر اعتبارتلك الأخبار ويأخذ بها ويترك الأصلالعمليّ، فلا يكون أحدهما مخطئاً والآخرمصيباً، بمعنى أنّ كلّ واحد يعمل علىوظيفته، فإنّ الأخبار الحسان لو كانتمعتبرة واقعاً إنّما يكون اعتبارها معوصول ذلك الاعتبار إلى المكلّف، ومع فحصالمحتهد وعدم وصوله إلى ما يدلّ علىاعتبارها يكون موضوع الأصل العمليّ فيحقّه فعليّاً بخلاف المجتهد الآخر. أقول: إن اُريد ما ذكر من نفي التخطئة فيموارد الاُصول العمليّة فله وجه، وإناُريد غير ذلك فلا يمكن المساعدة عليه،كالالتزام بالتصويب فيما إذا كان مجتهديرى اعتبار الاستصحاب مطلقاً في الشبهاتالحكميّة، ثمّ تغيّر نظره إلى عدم اعتبارهفيها فيأخذ بأصل البراءة في الموارد التيكان يستصحب التكليف، فإنّ الالتزام بعدمخطئه في كلتا الحالتين كما ترى. ونظير ذلكما إذا كان نظره إلى قيام الطريق المعتبرإلى التكليف الواقعيّ، فكان يفتي به، ثمّظهر عدم اعتباره وأنّ المورد من مواردالأصل العملي، فإنّه لا يتحقّق موضوعالأصل العمليّ من حين تغيّر نظره، بل يكشفأنّ المورد كان من موارد الأصل العمليّ منالأوّل؛ لأنّ احتمال الخلاف كان من الأوّلموجوداً، فقد تخيّل أنّ ما قام في المسألةعلم بالواقع اعتباراً، ثمّ ظهر أنّه لميكن كذلك.
(1). مصباح الاُصول 3:445. (2). دروس في مسائل علم الاُصول 3:107. فصل إذا اضمحلّ الاجتهاد السابق بتبدّل الرأيالأول بالآخر أو بزواله بدونه فلا شبهة فيعدم العبرة به في الأعمال اللاحقة، ولزوماتباع اجتهاد اللاحق مطلقاً أو الاحتياطفيها[1]. اضمحلال الاجتهاد السابق
_ [1] إذا اضمحلّ الاجتهاد السابق بتبدّل نظرالمجتهد إلى نظر آخر أو زال نظره الأوّل منغير أن يستقرّ إلى نظر آخر فلا ينبغيالتأمّل في أنّه لا عبرة بنظره السابقبالإضافة إلى الأعمال اللاحقة، بل يتعيّنعليه العمل فيها بنظره اللاحق مطلقاً أيبلا فرق بين أن يكون اجتهاده الأوّلوالثاني من الجزم بالواقع أم لا، كما أنّعليه الاحتياط في الأعمال اللاحقة فيمازال نظره السابق من غير استقرار نظره إلىشيء، فإنّ الاجتهاد الأوّل إن كان جزماًمنه بالواقع فقد فرض زواله، وإن كانبحسبانه أنّ نظره السابق كان مدلول دليلمعتبر، وقد فرض ظهور أنّه ليس بمدلول دليلمعتبر بالظفر بالمقيّد أو المخصّص أوالقرينة على خلاف مدلوله أو بالظفربالمعارض أو ظهور ضعف سنده، وإن كانبالاعتماد على الأصل الشرعيّ فقد تبيّنأنّ المورد ليس من موارد ذلك الأصل، ويلزمعليه العمل بنظره اللاحق إذا فرض تبدّلهإليه، ولزوم الاحتياط مع زوال نظره السابقوعدم استقراره إلى نظر آخر حيث إنّه معالتبدّل يكون نظره اللاحق مستنداً إلىالحجة المعتبرة، ومع زواله وعدمه تكونالشبهة بالإضافة إليه قبل الفحص، فيلزمعليه الاحتياط إلى أن يصل إلى حجّة شرعيّةعلى التكليف أو عدمه، أو أن يصل إلىالاعتماد على الأصل العمليّ سواء كانمثبتاً للتكليف أو نافياً له. وإنّما الكلام في المقام في بقاء اعتبارالاجتهاد الأوّل بالإضافة إلى الأعمالالسابقة فلا يكون عليه التدارك ولالمقلّديه، أو يلزم تداركها على طبقالاجتهاد الثاني من إعادتها أو قضائها أوبغير ذلك من التدارك كتجديد المعاملةالسابقة، ويكون التدارك بعنوان الاحتياطالمشار إليه على تقدير زوال الاجتهادالسابق وعدم استقرار نظره إلى أمر معيّن. فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّ مقتضىالقاعدة لزوم تدارك الأعمال السابقة علىطبق الاجتهاد اللاحق إلاّ في موارد قيامالدليل على الإجزاء والصحة مع الخللالمحرز بالاجتهاد الثاني، كحديث: «لاتعاد»(1) في باب الصلاة وحديث الرفع(2) فيالصلاة وغيرها، وكالإجماع على ما ادّعى فيالعبادات صلاة كانت أو غيرها، وعلّل (قدسسره) كون عدم الإجزاء مقتضى القاعدة بأنّهإن كان الاجتهاد الأوّل من الجزم بالحكمفقد اضمحلّ ولم يكن في مورد الاجتهادالأوّل إلاّ التكليف والحكم الواقعيّ،فشأن ذلك الجزم هو المعذوريّة فيالمخالفة، لا صحة العمل الذي كان مع الخللبحسب الاجتهاد اللاحق سواء كان العمل منقبيل المعاملة أو غيرها، والمرادبالمعاملة العقود والإيقاعات. وإن كان الاجتهاد السابق بحسبان طريقمعتبر فيه، ثمّ ظهر الخلاف وأنّه لم يكن فيالبين طريق معتبر، كما في موارد الظفربالمعارض أو القرينة على خلاف مدلوله أولخلل في السند وغير ذلك، بلا فرق بين القولبأنّ معنى اعتبار الأمارة جعل المنجزيّةوالمعذريّة لها أو جعل مؤدّاها حكماًطريقيّاً ظاهريّاً، فإنّ الغرض من جعلالحكم الطريقيّ تنجيز الواقع عند إصابتهوالعذر في المخالفة عند الخطأ، من غير أنيوجب انقلاباً في الحكم الواقعيّ فيالواقعة بحيث يصحّ العمل معه، بلا فرق بينالاجتهاد في متعلّقات التكاليف والأحكامأو في نفس التكاليف والأحكام، والمراد منمتعلّقات التكاليف العبادات، ومنمتعلّقات الأحكام العقود والإيقاعات أوغيرهما مما اعتبر في ناحية موضوع الحكمقيداً كالتذكية في الحيوان. وقد فصّل صاحب «الفصول» (قدس سره) بينالمتعلّقات ونفس التكاليف والأحكام بأنّالمتعلّقات لا تتحمّل اجتهادين، بخلافنفس التكاليف والأحكام فيكون ـ في مواردتبدّل الرأي ـ الحكمُ هو الإجزاء بالإضافةإلى الأعمال السابقة بخلاف التبدّل وزوالالرأي السابق في نفس الأحكام حيث يحكمبعدم الإجزاء، ويأتي التعرّض لعدم تمامهذا الفرق، وقد ذكر الماتن (قدس سره) في ذيلكلامه أمرين: أحدهما: أنّ الخلاف في موارد تبدّل الرأيأو زوال الرأي السابق في الإجزاء إنّما هوعلى مسلك الطريقيّة في الأمارات، وأمّابناءً على مسلك الموضوعيّة والسببيّة فياعتبارها فلا مجال لاحتمال عدم الإجزاء،فإنّه على ذلك المسلك لا يكون في الواقعةحكم غير مؤدّى الاجتهاد السابق،وبالإضافة إلى الوقايع المستقبلة الحكمالواقعيّ فيها ما يكون على طبق الرأياللاحق، نظير تبدّل المكلّف من موضوع حكمإلى موضوع حكم آخر، فإنّ الاختلاف فيهالتبدّل الموضوع نظير اختلاف موضوع وجوبالقصر ووجوب التمام. والآخر: أنّه إذا كان مستند الرأي فيالسابق التمسّك بالاُصول العمليّةالشرعيّة كالاستصحاب وأصالة البراءة يحكمبالإجزاء مع إحراز متعلّق التكليفبالاستصحاب أو بأصالة الحليّة أوالطهارة، واعتمد في الحكم بالإجزاء على ماذكر في بحث الإجزاء من أنّ جريانالاستصحاب في شيء يكون قيداً لمتعلّقالتكليف يثبت أنّ المعتبر فيه أعمّ منوجود ذلك الشيء واقعاً أو تعبّداً، كما هومقتضى الاستصحاب وقاعدة الحليّة أوالطهارة، أو يثبت أنّ متعلّق التكليف مطلقبالإضافة إلى وجود الشيء الفلانيّ وعدمه،كما هو مقتضى أصالة البراءة الجارية عندالسهو عن الجزء أو الشرط ونسيانهما، بلحتّى في صورة الجهل على وجه ذكره في بحثالشكّ في جزئيّة الشيء أو شرطيّته في بحثالأقلّ والأكثر. أقول: إذا قام دليل على إجزاء عمل في موردـ كحديث «لا تعاد» في موارد الخلل فيالصلاة ـ يكون مدلوله عدم الجزئيّة أوالشرطيّة أو المانعيّة في صورة الجهلبالموضوع، وأمّا مع العلم بالموضوعوالجهل بالجزئيّة والقيديّة يكون مفادهجعل البدل في مقام الامتثال، كما أوضحناذلك عند التكلّم في مفاد الحديث، وأيضاًيحكم بالإجزاء في موارد اعتبار العلمبالشيء في اعتباره قيداً لمتعلّقالتكليف، كما في مانعيّة نجاسة الثوب أوالبدن في الصلاة حيث إنّ المانعيّة لمتثبت لواقع إصابة القذارة لهما، بل علىإحراز اصابتها، وفي غير هذين الموردين لايكون الإجزاء بالإضافة إلى الأعمالالسابقة، ولكن مع ذلك يظهر الحكم بالإجزاءفي موارد تبدّل الرأي في العبادات، وكذافي العقود والإيقاعات من جملة من الأعلام،ويستفاد ذلك مما ذكره أيضاً في العروة فيالمسألة الثالثة والخمسين من مسائلالاجتهاد والتقليد، والمفروض في تلكالمسألة وإن كان تقليد العاميّ ـ بعد موتمجتهده ـ مجتهداً آخر يخالف رأيه رأيالمجتهد الذي قلّده أوّلاً، إلاّ أنّ ماذكره فيه ليس لدليل يختصّ ذلك الفرض بليجري في فرض تبدّل الرأي على ما يأتيبيانه. قال (قدس سره) في تلك المسألة: إذا قلّد منيكتفي بالمرّة مثلاً في التسبيحات الأربعواكتفى بها أو قلّد من يكتفي في التيمّمبضربة واحدة، ثمّ مات ذلك المجتهد، فقلّدمن يقول بوجوب التعدّد لا يجب عليه إعادةالأعمال السابقة، وكذا لو أوقع عقداً أوإيقاعاً بتقليد مجتهد يحكم بالصحة، ثمّمات وقلّد من يقول بالبطلان يجوز لهالبناء على الصحة، نعم فيما سيأتي يجبعليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني،وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيءكالغسالة، ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاستهفالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحةوإن كانت مع استعمال ذلك الشيء، وأمّا نفسذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلكبطهارته، وكذا الحال في الحلّية والحرمة،فإذا أفتى المجتهد الأوّل بجواز الذبحبغير الحديد مثلاً، فذبح حيواناً كذلكفمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته، فإنباعه أو أكله حكم بصحّة البيع وإباحةالأكل، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوحموجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله وهكذا. وظاهر كلامه (قدس سره) أنّه يحكم بالإجزاءفي موارد العبادات والعمل بمقتضىالاجتهاد الأوّل بالإضافة إلى الأعمالالسابقة، وإنّما اللازم مراعاة فتوىالآخر بالإضافة إلى الأعمال الآتية، وكذاالحال بالإضافة إلى المعاملات أي العقودوالإيقاعات، وأمّا في غير العبادات وغيرالعقود والإيقاعات فلابدّ من رعاية فتوىالآخر حتى بالإضافة إلى السابق كما فيالحكم بطهارة الغسالة وجواز الذبح بغيرالحديد، فإنّه لو بقي الحيوان المذبوح أوتلك الغسالة يحرم أكله ولا يجوز بيعهويحكم بنجاسة الغسالة. أقول: يستدلّ على الإجزاء في الاجتهادالأوّل بالإضافة إلى الأعمال السابقةبوجوه: الوجه الأول: أنّ الاجتهاد اللاحق لا يكشفعن بطلان الأعمال السابقة بكشف وجدانيّ بلالمحتمل حتى بعد الاجتهاد الثاني أن تكونالوقايع في علم اللّه على طبق الاجتهادالأوّل، وعلى ذلك يمكن دعوى عدم سقوطالاجتهاد الأوّل عن الاعتبار بالإضافةإلى الأعمال الماضيّة، وإنّما المحرز عدمترتيب أثر عليه بالإضافة إلى الأعمالالمستقبلة حيث زال أو تبدّل بالاجتهادالثاني، والمعلوم من اعتبار الاجتهادالثاني هو هذا المقدار. والجواب عن ذلك بأنّ الاجتهاد الأوّل بعدزواله لا يكون، ليكون حجّة بالإضافة إلىالأعمال السابقة، بخلاف الاجتهاد الثانيفإنّه تعلّق بالحكم حتّى بالإضافة إلى تلكالأعمال وحكم وقايعها، فاللازم أن يستندفي عدم تدارك الأعمال السابقة إلى حجّة،وبما أنّ الاجتهاد الثاني تعلّق بحكمالواقعة من الأوّل فاللازم اتّباع ذلك. وبتعبير آخر الاجتهاد السابق لا يزيد علىالعلم الوجدانيّ والاعتقاد الجزميّبالموافقة في تلك الوقايع، وكما أنّه إذازال الاعتقاد السابق وتبدّل إلى العلمبالخلاف أو بالشكّ الساريّ فاللازماتّباع الطريق الفعليّ، أو ملاحظةالقواعد عند تبدّله إلى الشكّ الساريّ،هذا بالإضافة إلى نفس رأي المجتهد ونظرهالسابق، وأمّا بالإضافة إلى مستنده فقدظهر بالاجتهاد الثاني أو بزواله أنّه لميكن موضوع الاعتبار، بل كان مجرّدالاعتقاد والغفلة في تشخيص موضوعالاعتبار عند الاجتهاد واستنباط حكمالواقعة، غايته أنّها عذر ما لم ينكشفالحال. الوجه الثاني: ما يذكر في المقام ونحوه منأنّ تدارك الأعمال السابقة في العباداتوالمعاملات من العقود والإيقاعات يوجبالعسر والحرج نوعاً، بحيث لولم يخلّتداركها بنظام معاش العباد يقع الناس فيالعسر والحرج نوعاً، كما إذا تبدّل الرأيالأوّل أو زال بعد زمان طويل من العمل به،بل تدارك المعاملات ربّما يوجب الاختلافبين الناس، ولزم الفحص عن مالك الأموالالتي اكتسبها الناس بالمعاملات التي ظهرفسادها على طبق الاجتهاد الثاني أوالتقليد الثاني، أو المعاملة معها معاملةالأموال المجهول مالكها، إلى غير ذلك منالمحذور ممّا يقطع بعدم إلزام الشارع بمثلهذه التداركات التي كانت الأعمال حينوقوعها على طبق الحجّة المعتبرة في ذلكالزمان. نعم لو بقي موضوع الحكم السابق كالحيوانالمذبوح بغير الحديد مع إمكان ذبحه بهيعمل في مثله على ما تقدّم في كلام صاحبالعروة. وقد أجاب عن ذلك الماتن (قدس سره) وغيرهبأنّ أدلّة نفي العسر والحرج ناظرة إلىنفي العسر أو الحرج الشخصيّ، فيلتزمبالنفي في موارد لزومهما، ومسألةالاختلاف بين الناس في موارد المعاملاتترتفع بالمرافعات. أقول: لا يخفى أنّ وجه الاستدلال ناظر إلىدعوى العلم والاطمينان بأنّ الشارع لميلزم الناس بتدارك الأعمال السابقة، فإنّلزومه ينافي كون الشريعة سهلة وسمحة، كماأنّه يوجب فرار الناس عن الالتزامبالشريعة، نظير ما ادّعى من العلموالاطمينان بعدم لزوم الاحتياط علىالعاميّ في الوقايع التي يختلف المجتهدانأو أكثر في حكمها فيما إذا احتمل العاميّأن الحكم الواقعيّ خارج عن اجتهادهما. الوجه الثالث: دعوى سيرة المتشرعة على عدملزوم تدارك الأعمال الماضيّة الواقعة فيوقتها على طبق الحجّة المعتبرة منالعبادات والمعاملات من العقودوالإيقاعات، نعم لم يثبت اعتبار الفتوىالسابق في موارد بقاء موضوع الحكم الوضعيّالسابق أو موضوع الحكم التكليفيّ، كما فيمثل مسألتي الذبح بغير الحديد وبقاء ذلكالحيوان المذبوح كذلك بعضاً أو كلاًّ،وبقاء الشيء المتنجّس الذي كان علىاجتهاده السابق أو تقليده طاهراً، ومنالمقطوع عدم حدوث هذه السيرة جديداً منفتوى العلماء بالإجزاء، بل كانت سابقةومدركاً لهذا الفتوى، كما يظهر ذلك منالروايات التي ذكر الإمام (عليه السلام)الحكم فيها تقيّة، حيث لم يرد في شيء منالروايات تعرّضهم (عليهم السلام) للزومتدارك الأعمال التي روعيت فيها التقيّةحين الإتيان بها. وعلى الجملة لا امتناع في إمضاء الشارعالمعاملات التي صدرت عن المكلّف سابقاًعلى طبق الحجّة عنده، ثمّ ينكشف فسادهاواقعاً ووجداناً فضلاً عما لم ينكشف إلاّتعبّداً، كما يشهد لذلك الحكم بصحة النكاحوالطلاق من كافرين أسلما بعد ذلك، وانكشفلهما بطلان عقد النكاح، أو الطلاق الحاصلقبل إسلامهما، وكذا في مسألة التوارث قبلإسلامهما، وكما في مسألة الرجوع عنالإقرار الأوّل بالإقرار الثاني على خلافالأوّل. نعم فيما إذا انكشف بطلان العمل السابقوجداناً لم يحرز جريان السيرة علىالإجزاء، بل المحرز جريانها في مواردالانكشاف بطريق معتبر غير وجدانيّ، كماوقع ذلك في نفوذ القضاء السابق حيث لاينتقض ذلك القضاء حتّى فيما إذا عدلالقاضي عن فتواه السابق، ولا ينافيالإجزاء كذلك في مثل هذه الموارد مع مسلكالتخطئة، وربّما يشير إلى الإجزاءالتعبير بنسخ الحديث فيما إذا قام خبرمعتبر عن إمام (عليه السلام) على خلافالخبر السابق، كما في موثّقة محمد بن مسلمعن أبي عبداللّه (عليه السلام) قلت له: مابال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسولاللّه (صلّى الله عليه وآله) لا يتّهمونبالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال: إنّ الحديثينسخ كما ينسخ القرآن»(3) فإنّ نسخ القرآنيكون بالتخصيص والتقييد والحمل على خلافظاهره بالقرينة كما هو مقتضى الجمعالعرفيّ في موارده، والتعبير يشير إلىالإجزاء في موارده حتّى فيما إذا كان بينالحديثين صدر أحدهما أوّلاً ثمّ جاء بعدالعمل به خلافه حتّى في موارد الجمعالعرفيّ.
(1). وسائل الشيعة 5:471، الباب الأول منأبواب أفعال الصلاة، الحديث 14. (2). وسائل الشيعة 1:371 ـ 372، الباب 3 من أبوابالوضوء، الحديث 8. (3). وسائل الشيعة 27:108، الباب 9 من أبوابصفات القاضي، الحديث 4. فصل في التقليد وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به فيالفرعيّات أو للالتزام به فيالاعتقاديّات تعبّداً[1] بلا مطالبة دليلعلى رأيه، ولا يخفى أنّه لا وجه لتفسيرهبنفس العمل ضرورة سبقه عليه، وإلاّ كانبلا تقليد.
_ [1] ظاهر كلام الماتن (قدس سره) أنّ التقليدعبارة عن تعلّم قول الغير ورأيه، ويكونداعيه إلى تعلّمه العمل به في الفرعيّاتوالالتزام به في الاعتقاديات تعبّداً أيبلا مطالبة دليل على رأيه وقوله، بمعنىأنّ المتعلّم والآخذ برأي الغير لا يطالبالدليل على رأيه وقوله، وهذا أحد الأقولفي تفسيره وبيان المراد منه، وقيل إنّهنفس الالتزام بالعمل بقول الغير، وعلى ذلكفلو أخذ رسالة مجتهد للعمل بما فيها فيالوقايع التي يبتلي بها فقد حصل التقليدوإن لم يعلم بما في الرسالة من أحكامالوقايع فضلاً عن العمل بما فيها، وقيلإنّه نفس العمل بقول الغير، بمعنى أنّالعمل إذا استند إلى قول الغير ورأيهتحقّق التقليد. ولا يخفى أنّ ما يأتي بأنّه يجب علىالمكلّف في الوقايع التي يبتلي بها أنيكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً لاينظر إلى ما ذكر من أنّ التقليد هوالالتزام بالعمل بقول الغير، ولا لمجرّدتعلّمه لغاية العمل به، فإنّ الوجوبالمذكور من حكم العقل على ما يأتي، والذييحكم به العقل مراعاة الأحكام والتكاليفالشرعيّة في الوقايع بالموافقة والطاعةإمّا بالوجدان ويحصل ذلك بالاحتياط، أوبالاعتبار والاعتماد على حجّة فعليّة وهيما استنبطه من مدارك الأحكام والتكاليفبطريق مألوف كما في المجتهد، أو قولالمجتهد وفتواه على تقدير تمام الدليل علىجواز الاعتماد على فتوى الفقيه من العاميّفي مقام العمل. وعلى الجملة حكم العقل في مقام الطاعة هولزوم تحصيل المؤمّن للمكلّف في الوقايعالتي يبتلى بها، ولا يلزم في حكمه بلزومتحصيله أن يكون سبق التعلّم على العمل،وأن يكون عمله بدونه قبله من العمل بلاتقليد، حيث إنّه إذا عمل العاميّ في واقعةعملاً برجاء أنّه عمل بالواقع والوظيفة،ثمّ ظهر له بعد العمل أنّه على طبق فتوىالمجتهد الذي يجب الرجوع إليه كفى ذلك فيحكم العقل المتقدّم، وعدم سبق التقليد علىالعمل لا يضرّ في الفرض، فاستشهاد الماتن(قدس سره) بأنّ التقليد عبارة عن تعلّمالوظيفة للعمل لا نفس العمل بقول الغيروإلاّ كان العمل الأوّل بلا تقليد كماترى، هذا كلّه بالإضافة إلى حكم العقل. وأمّا الأدلّة والخطابات الشرعيّة فقدذكرنا سابقاً أنّ وجوب تعلّم الأحكاموالتكاليف بالإضافة إلى الوقايع التييبتلي بها المكلّف أو يحتمل ابتلاءه بهاطريقيّ، بمعنى أنّ الغرض من إيجاب التعلّمإسقاط الجهل بالتكليف عن العذريّة في صورةإمكان تعلّمه، فهذه الأدلّة منضمّاً إلىالروايات الواردة في إرجاعهم (عليهمالسلام) الناس إلى رواة الاُحاديث وفقهاءأصحابهم كافية في الجزم في أنّ لزوم تعلّمالأحكام في الوقايع التي يبتلي بها المكلفأو يحتمل ابتلاءه يعمّ التعلّم من فقهاءرواة الأحاديث، فلا يكون الجهل مع إمكانالتعلّم من الفقيه عذراً في مخالفةالتكليف وترك الوظيفة. ومما ذكرنا يظهر أنّ ما ذكره في العروة ـمن بطلان عمل العاميّ التارك للاحتياطوالتقليد ـ بمعنى عدم الإجزاء به عقلاً،وأنّه لو كان مع تركهما مخالفة التكليفالواقعيّ لاستحقّ العقاب على تلكالمخالفة، بخلاف ما إذا لم يكن تركهماموجباً لذلك، كما إذا عمل حين العمل برجاءأنّه الواقع، ثمّ علم بعده أنّه مطابقلفتوى من يجب عليه التعلّم منه، فإنّالأمن وعدم استحقاق العقاب الحاصل بهذاالإحراز كاف في نظر العقل، وليس وجوبالتعلّم قبل العمل كساير التكاليفالنفسيّة على ما تقدّم. وأمّا ما ذكره جمع من العلماء من اعتبارالعمل بفتوى المجتهد حال حياته في جوازالبقاء على تقليده بعد موته، وما ذكروه منعدم جواز العدول عن الحيّ إلى حيّ آخر معالعمل بفتوى الأوّل وجوازه بدونه لا يقتضىكون التقليد هو نفس العمل، فإنّ المتّبعفي جواز الأول وعدم الجواز في الثانيملاحظة الدليل فيهما ليؤخذ بمقتضاه؛ ولذااعتبر في الجواز وعدمه العملَ فيهما مَنْيرى التقليد هو الالتزام بالعمل أوالتعلّم للعمل. يقع الكلام في جواز التقليد في طريق إحرازالعاميّ جوازه بنظره، ليمكن له التقليد،وفي جوازه للعاميّ بنظر المجتهد، وقد ذكرالماتن (قدس سره) أنّ جوازه في الجملة أيالفرعيّات ـ مع ملاحظة الأوصاف المعتبرةفي المجتهد أو المحتملة اعتبارها ـ منالأوّليات التي تكون فطريّة لكلّ إنسانيعلم بثبوت الأحكام والوظايف الشرعيّة فيالوقايع التي يبتلى بها أو يحتمل الابتلاءبها، ولأجل كون هذا فطريّاً جبليّاً يجدهكلّ عاميّ من نفسه، ولا يحتاج فيه إلى دليليوجب علمه بجوازه، ولو كان علم العاميّبجوازه موقوفاً على الدليل على إحرازهجوازه لانسدّ باب العلم بجوازه عليهمطلقاً أي ولو كان له حظّ من العلم ما لميكن له ملكة الاجتهاد، فإنّ استنادالعاميّ في جوازه إلى التقليد يستلزمالدور أو التسلسل، فإنّ تقليده في مسألةجواز التقليد يتوقّف أيضاً على إحرازهجواز التقليد فيها. وأمّا جواز رجوع العاميّ إلى المجتهدبنظر المجتهد فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّالعمدة في جوازه بنظر الفقيه هو الحكمالفطريّ أيضاً؛ لأنّ ما عداه من الوجوهالقائمة عند المجتهد التي ذكروها غيرتامّة، كالاستدلال على جوازه بالإجماع،فإنّ الإجماع مدركيّ لاحتمال أن يكونالمدرك لاتفاقهم هو كون الرجوع أمراًفطريّاً ارتكازيّاً، وهذا حال الإجماعالمحصّل، فكيف بالمنقول؟ وإن قيل باعتبارالمنقول في غير مثل المقام، وممّا ذكريظهر الحال في دعوى كون جواز التقليد علىالعاميّ من ضروريات الدين؛ لأنّ احتمالكونه من ضروريّات العقل وفطريّاته أولى منتلك الدعوى، وأيضاً يظهر الحال في دعوىسيرة المتديّنين، فإنّ سيرتهم ليست ناشئةمن مستند شرعيّ غير ما ذكر من كون الجوازأمراً فطريّاً، وما استند في جوازه من بعضالآيات من الكتاب المجيد غير تامّ، فإنّآية النفر لا دلالة لها على جوازه وأخذ قولالنذير والفقيه تعبّداً، حيث إنّها فيمقام إيجاب تعلّم الأحكام والتفقّه فيهاووجوب إبلاغها إلى السائرين بنحو الوجوبالكفائي، وآية السؤال في مقام إيجاب الفحصوالتعلّم، ولعلّه لتحصيل العلم لا إيجابالتعبّد بجواب المسؤول، كما يشهد لذلك كونالمسؤول هم أهل الكتاب والمسؤول عنه منالاعتقاديّات، ولو قيل بأن المسؤول همالأئمّة (عليهم السلام) كما ورد في بعضالروايات فلا شبهة في اعتبار قولهموكلامهم، وهذا خارج عن مورد الكلام فيالمقام. نعم يتمّ الاستدلال على جواز التقليدبالروايات الواردة في جواز تقليد العاميّبالمطابقة أو بالاستلزام أو بالمفهوم،كما فيما ورد في جواز الإفتاء مع العلممفهوماً أو منطوقاً، فإنّ ما يدلّ على عدمجواز الإفتاء من غير علم ظاهر مفهوماًجواز الإفتاء بالعلم، وهذا الجواز يستلزمجواز التقليد، ونظير ذلك ما ورد في إظهاره(عليه السلام) أن يرى في أصحابه من يفتيالناس بالحلال والحرام، فإنّ مقتضاه جوازالتقليد بالاستلزام؛ لأنّ افتاء شخص أوشخصين لا يوجب العلم بالواقع، بخلاف الأمربإظهار الحقّ وحرمة كتمانه، فإنّه لا يدلّعلى التعبّد بالإظهار والأخذ بالبيان،فإنّ الأمر بالإظهار وحرمة الكتمان لغايةظهور الحقّ والعلم به، كما يقتضيه مناسبةالحكم والموضوع. والحاصل أنّ الأخبار المشار إليهالكثرتها وتعدّد أسانيدها توجب القطعبصدور بعضها عن الإمام (عليه السلام)،وإمضائهم جواز تقليد العاميّ فيالفرعيّات ولو في الجملة، فيكون مخصّصاًلما دلّ على عدم جواز اتّباع غير العلم،وما دلّ على الذمّ على تقليد الغير منالآيات والروايات كقوله سبحانه: (لا تقف ماليس لك به علم)(1) وقوله سبحانه: (قالوا إناوجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهممهتدون)(2) مع إمكان دعوى خروج التقليد فيالفرعيّات من الفقيه عن مدلول الآيتينتخصّصاً لا تخصيصاً، فإنّ آية الذمّ علىالاقتداء راجعة إلى رجوع الجاهل إلى مثله،وآية النهي عن اتّباع غير العلم ناظرة إلىالنهي في الاعتقاديّات التي لابدّ منتحصيل العلم والمعرفة بها. وأمّا قياس الفرعيّات بالاعتقاديّات فيعدم جواز التقليد، بدعوى أنّ مع غموضالأمر في الاعتقاديّات لا يجوز التقليدفيها، فكيف يجوز في الفرعيّات مع سهولةالوصول إليها فلا يمكن المساعدة عليه،فإنّ الاُصول الاعتقاديّة المطلوب فيهاالعلم واليقين والاعتقاد مسائل معدودةيتيسّر تحصيل العلم بها لكلّ شخص، بخلافالفرعيّات التي لا يتيسّر الاجتهادالفعليّ في مسائلها إلاّ في كلّياتهاللأوحديّ في طول عمرهم كما لا يخفى. أقول: الحكم العقليّ الفطريّ وإن كانالمنشأ في بناء العقلاء على الرجوع في كلّأمر يعرفه أهل خبرته إليهم، إلاّ أنّ هذاالبناء وحكم العقل قابل للردع عنه، حيثيمكن للشارع إلغاء التقليد في الحكمالشرعيّ الفرعيّ بالأمر بالاحتياط في كلّواقعة لم يتفق العلماء الموجودون في عصرهعلى نفي التكليف فيها، وإذا أمكن ذلكواحتمل العاميّ الردع فلا يفيده الحكمالعقليّ الفطريّ، وقوله (قدس سره): لولاذلك الفطريّ عند العاميّ لانسدّ علىالعاميّ باب العلم بجواز التقليد، ممنوع؛إذ اللازم على العاميّ علمه بجواز التقليدله في المسائل التي يبتلي بها، وهذا يحصلمن الاستدلال، والاستدلال لا يتوقّف علىتمكّنه وإحاطته بجميع ما يكون دليلاًللجواز عند الفقيه، بل على العاميّ أنيعتمد على علمه الحاصل من فتوى علماء عصرهالعدول المعروفين ومن كان قبل عصره،والجزم بأنّه لو منع الناس عن الرجوع إلىالعلماء في تعلّم الفتوى والعمل به وأوجبعليهم الاحتياط لما أفتى هؤلاء بالجواز،وجواز الاقتصار بالعمل على طبق الفتوىالمعتبر، وبهذا أيضاً يقنع نفسه في مسألةلزوم تحصيل العلم واليقين فيالاعتقاديّات ورفع اليد عن حكم الارتكاز،بأنّه لولم يجب ذلك على الناس وجازالتقليد فيها لما أفتوا بوجوب تحصيل العلمواليقين والاعتقاد ولو بدليل يقنع نفسه. وقد يقال: إنّه لولم يتمكّن العاميّ منتحصيل العلم بجواز التقليد كان اللازم فيحقّه بحكم العقل هو الاحتياط في الوقايعبالأخذ فيها بأحوط الأقوال من العلماءالمعروفين في عصره؛ لأنّه لا يعلم بثبوتتكاليف زائدة في حقّه في الوقايع التييبتلي بها غير ما أفتوا بها فيها ولو منبعضهم، فإنّ مقتضى العلم الإجماليّبالتكاليف في موارد فتاويهم يوجب علمهالإجماليّ بثبوت التكاليف في حقّالمكلفين في الوقايع، وهذا الاحتياط علىما ذكرنا لا يوجب محذوراً على العاميّ منعسر فضلاً عن اختلال النظام. ولكن لا يخفى أنّ انحلال العلم الإجماليّالكبير بالعلم الإجمالي الصغير لا ينفعفيما إذا كان احتمال التكليف بنفسهمنجّزاً للتكليف كما في المفروض فيالمقام، حيث لا يتمكّن العاميّ من الفحصعن جميع الفتاوى في الوقايع ولا عن أدلّةالأحكام. نعم إذا حصل له الوثوق والاطمئنان بعدمالدليل على التكليف في غير موارد فتوىالعلماء المعروفين في عصره، مع اعتقادهوجزمه بأنّ الشارع لم يردع عن العملبوثوقه واطمئنانه ذلك أمكن له تركالاحتياط في غير موارد فتاوى علماء عصرهبالتكليف، أو حصل الوثوق بفحص علماء عصرهفي مورد فتاويهم بنفي التكليف، وكان هوبنفسه عارفاً باعتبار الاُصول النافية. وأيضاً ما ذكر الماتن (قدس سره) من الإيرادعلى دعوى الإجماع ونقله وإن كان صحيحاًإلاّ أنّ عطفه (قدس سره) دعوى السيرةالمتشرعة على الإجماع في عدم جوازالاعتماد عليها لا يمكن المساعدة عليه،فإنّه لو ثبتت السيرة المتشرعة وكونهاحتّى في زمان المعصومين (عليهمالسلام)لكان ذلك دليلاً جزميّاً على عدمالردع عن السيرة العقلائيّة المعمولةبالإضافة إلى الأحكام الفرعيّة. وأمّا الروايات فلا بأس بدلالتها ـ ولوبالالتزام في بعضها وبالمطابقة في بعضهاالآخر ـ على جواز تعلّم العاميّ والعملعلى طبقه في الأحكام الفرعيّة من العالمبها بالطرق المألوفة في الجملة، ويأتيالتعرّض لذلك تفصيلاً. وقد ظهر ممّا تقدّم استقلال العقل بعداعتبار قول المفتي في حقّ العاميّ بأنّالمكلّف في الوقايع التي يبتلي بها إمّاأن يكون مجتهداً يعمل على طبق اجتهاده، أومقلّداً يعمل على طبق فتوى المجتهد أومحتاطاً، وهذا التخيير بعد إحراز جوازالامتثال الإجماليّ حتى فيما إذا كانالعمل عبادة، والاحتياط فيها موجباًلتكرار العمل؛ ولذا لا يجوز الأخذبالاحتياط في العبادات إلاّ مع إحرازجوازه ولو بالاجتهاد في هذه المسألة أو معالتقليد فيها، واعتبار قول المفتي في حقّالعاميّ كاعتبار خبر العدل والثقة فيالأحكام طريقيّ يوجب تنجّز الواقع معالإصابة والعذر عند موافقته وخطئه،فيختصّ اعتبار الفتوى بموارد الجهلبالحكم الواقعيّ، ولا يكون مورد التقليدفي ضروريات الدين والمذهب، ولا فيالقطعيّات التي يعرفها العاميّ ولوبالتسالم عليه كأكثر المباحات. نعم فيما يتردّد الحكم بين الإباحةوالاستحباب أو بينهما وبين الكراهة فإنأراد الإتيان بقصد الاستحباب أو بقصدالكراهة كي ينال الثواب فعليه إحراز خصوصالحكم أو الإتيان بالرجاء واحتمال نيلالثواب؛ لئلا يكون عمله تشريعاً، وقدتقدّم مدلول أخبار وجوب طلب العلم وأنّهبالإضافة إلى الفرعيات طريقيّ. بقي في المقام ما ربّما يتوهّم من أنّالعمومات الناهية عن اتّباع غير العلموالمتضمّنة للذمّ على اتّباع غيره رادعةعن التقليد كقوله سبحانه: (لا تقف ما ليس لكبه علم)(3)وقوله سبحانه: (وإذا قيل لهمتعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرسولقالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا)(4) إلىغير ذلك. ولكنّ العموم أو الإطلاق لا يصلح رادعاًخصوصاً بالإضافة إلى السيرة المتشرعةوالمشار إليها والأخبار المستفاد منهالزوم رجوع العاميّ إلى الفقيه، وقولالفقيه يكون من اتّباع العلم، والذم فيالآية راجع إلى اتّباع الجاهل مثله بقرينةما في ذيلها: (أو لو كان آباؤهم لا يعلمونشيئاً ولا يهتدون) مع أنّها ناظرة إلىالتقليد في الاعتقاديّات ولا يجزي فيهاالتقليد، بل يجب فيها تحصيل العلموالعرفان والإيمان، ولا يمكن فيها الأخذببعض الأخبار، ودعوى إطلاقها يعمّ جوازالتعلّم في الاعتقاديات أيضاً بالأخذ بمايقول المسؤول، فيكون قوله أيضاً فيهاعلماً وعرفاناً لا يمكن المساعدة عليهبوجه، فإنّ مقتضى تلك الروايات اعتبار قولمن يرجع إليه، وأنّه علم في جهة طريقيّتهلا من جهة الوصفيّة، والمطلوب في اُصولالدين والمذهب العلم بما هو صفة ويقينينشرح به الصدر، ويشدّ القلب بالعروةالوثقى من الإيمان والاعتقاد، كما هومقتضى الأمر بالإيمان فيها في الكتابالمجيد في الآيات، وكذا الحال في الرواياتالواردة فيها.
(1). سورة الإسراء: الآية 36. (2). سورة الزخرف: الآية 22. (3). سورة الإسراء: الآية 36. (4). سورة المائدة: الآية 104. فصل إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوىمع اختلافهم في العلم والفقاهة، فلابدّ منالرجوع إلى الأفضل[1]. في لزوم تقليد الأعلم مع إحراز العاميّاختلاف الأحياء فيما يبتلى فيه من المسائل
_ [1] إذا علم العاميّ اختلاف الأحياء في ـالفتوى سواء كان علمه باختلافهم فيهابالتفصيل أو بالإجمال بالإضافة إلىالمسائل التي يبتلى بها ـ يتعيّن عليهالأخذ بفتوى الأعلم فيها؛ لأنّ اعتبارفتاويه فيها في نظره متيقّن، ويشكّ فياعتبار فتوى غيره. وبتعبير آخر حكم العقل في دوران الحجّةبين التعيين والتخيير هو التعيين، ولايكون رجوعه فيها إلى غير الأعلم عذراًومبرئاً لذمّته حتّى فيما إذا أجاز ذلكغير الأعلم؛ لأنّ اعتبار فتواه بفتواهدوري، أو تسلسل إن كان بفتوى ثالث مثله. نعم لو فرض استقلال عقل العاميّ بتساويالرجوع إلى الأعلم أو غيره فلا بأسبتقليده المفضول لعدم لزوم المحذور، وكذاإذا فرض أنّ الأعلم جوّز الرجوع إلى غيرالأعلم في المسائل، هذا بناءً على دورانالأمر في الحجّة بين التعيين والتخييربنظر العاميّ، وأمّا جواز الرجوع إلىالمفضول في الفرض بنظر الفقيه بملاحظةالوجوه الدالّة على جواز تقليد العاميّفالأمر كذلك يعني تقليد العاميّ مع العلمبالاختلاف ولو إجمالاً في المسائل التييبتلي بها ورجوعه فيها إلى الأعلم متعيّن؛لأنّ ما دلّ على اعتبار الفتوى بالإضافةإلى العاميّ من الروايات المشار إليها لاتعمّ صورة إحرازه اختلاف العلماء في حكمالمسألة، كما هو شأن كلّ دليل يتكفّلباعتبار شيء طريقاً، فإنّه لا تعمّ صورةتعارضه، ولا يظنّ أن يلتزم عالم أنّالإمام (عليه السلام) إذا أمر بالرجوع إلىيونس بن عبدالرحمن أو الحارث النضري أنّهأمر بالرجوع إلى كلّ منهما ولو مع علمالمراجع بأنّهما يختلفان في حكم مسألته،فإنّ ارتكاز الاعتقاد بأنّ كلاًّ منهمايخبر عن الحكم الشرعيّ الواحد في تلكالواقعة، وبحسب نظر كلّ منهما ذلك الحكمغير ما يذكره الآخر. نعم الالتزام بجواز الرجوع إلى كلّ منهمافي بعض المسائل يعمّ صورة احتمال خلافهمافيها، بل على ذلك السيرة العقلائيّة فيالرجوع في ساير الاُمور إلى أهل خبرتها،فيراجع الناس الأطباء في بلد مع كون كلّمنهم طبيباً حاذقاً وإن احتمل المراجعاختلافهم في الطبابة في مرضه. نعم مع إحراز اختلافهم يتّبعون قولالأعلم ومن يكون أكثر خبرة بالإضافة إلىالآخرين، أفلا تجد أنّه إذا اختلف اثنانفي فهم الحكم من رسالة مجتهد وفسّرها فيالرسالة من هو أقوى خبرة في فهم الحكم منهاأنّ المراجع يأخذ بقول من هو أقوى خبرةمنهما؟ نعم ربّما يكون ما فسّرها به غير الأعلممنهما مطابقاً للاحتياط والمراجع يعمل بهاحتياطاً لا إلزاماً بحيث لولم يتركالاحتياط وأخذ بتفسير الأكثر خبرة فيفهمها لا يكون مورداً للتوبيخ، بل يقبلعذره عند العقلاء وهذا دليل الاعتبار،وكذا الحال في المجتهدين إذا اختلفوا أوكان واحد منهم أكثر خبرة، بل نلتزم بجريانذلك أي الرجوع إلى من كان أكثر خبرة فياختلاف أهل الخبرة في تعيين الأعلم أومحتمل الأعلميّة. والحاصل أنّ السيرة المشار إليها تكوندليلاً قاطعاً على تعيّن الأخذ بقول أعلمالمجتهدين فيما إذا اُحرز اختلافهم فيالمسائل ولو بالعلم الإجماليّ، وإلاّ فماذكروه من أنّ الأخذ بقول الأعلم من دورانالأمر بين التعيين والتخيير في الحجّة،وأنّ الشكّ في اعتبار قول غير الأعلم كاففي الحكم بعدم اعتباره في الوقايع التييبتلي العاميّ بها أو يحتمل ابتلاءه لايفيد شيئاً، فإنّ مع سقوط دليل اعتبارالفتوى بعدم شمول ما دلّ على اعتبارهللمتعارضين يمكن الإشكال في اعتبارالفتوى مع التعارض والاختلاف، ويحتمل كونوظيفة العاميّ الأخذ بأحوط الأقوال فلايكون في البين دوران الحجّة بين التعيينوالتخيير. وأمّا ساير ما يقال في تقديم قول الأعلممن الوجوه من دعوى الإجماع عليه، أو دلالةمقبولة عمر بن حنظلة على الترجيحبالأعلميّة، أو قول مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)في عهده إلى مالك الأشتر:«اختر للقضاء بين الناس أفضل رعيّتك»(1)،أو كون فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع،كلّها مخدوشة، فإنّه لا مجال لدعوىالإجماع التعبّدي في مثل المسألة،والمقبولة واردة في ترجيح القضاء وفصلالخصومة فلا يمكن فيه الحكم بالتخيير،وبهذا يظهر الحال في العهد إلى مالكالأشتر، وأنّ تعيين الأعلم للقضاء فيالبلد لا يقتضي تعيين أعلم الأحياء فيالإفتاء، وأنّه ربّما تكون فتوى المفضولأقرب إلى الواقع لمطابقة قوله لفتوىالميّت الأعلم من الحيّ الفاضل. وما يقال في عدم لزوم تقليد الأعلم؛ لكونإحراز الأعلم أمراً حرجيّاً، فيه ما لايخفى، فإنّ التقليد عن الأعلم ليس تكليفاًنفسيّاً ليرتفع بقاعدة العسر والحرج، بلاعتبار فتوى الأعلم طريقيّ، فمع يسر رعايةالتكليف الواقعي ولو بالاحتياط في تلكالمسائل لا يلاحظ عسر تعيين الأعلم أويسره، ويشهد لعدم كون التقليد من الأعلمأمراً حرجيّاً مضافاً إلى ما يأتي التزامالمتشرّعة بتقليد الأعلم أو محتملالأعلميّة في طول الأعصار في صورة إحرازالمخالفة بين علماء العصر من غير أن يقعوافي حرج أو عسر. بقي في المقام اُمور: الأوّل: أنّه هل يجب الفحص عن الأعلم فيماإذا تعدّد علماء العصر واُحرز اختلافهم فيالفتوى في الوقايع التي يبتلي بهاالمقلّد؟ فنقول: لا ينبغي التأمّل في الفرض في لزومالفحص فيما إذا علم أنّ بين الأحياء منالعلماء من هو أعلم من غيرهم؛ لأنّ اعتبارفتواه محرز دون فتوى السائرين المخالفينله، فلا يكون الاستناد إلى فتوى بعضهماستناداً إلى الحجّة إلاّ مع إحراز كونههو الأعلم. نعم يجوز في الفرض الأخذ بأحوط القولين أوالأقوال في المسألة لأنّ الفتوى المطابقللاحتياط لو كان من الأعلم فقد عمل به، وإنكان فتوى غيره فالترخيص في الفعل أو التركالذي هو مقتضى فتوى الأعلم لا يمنع عنالأخذ بالاحتياط في المسألة لا في الجملةولا بالجملة؛ ولذا لا يبعد الالتزام مععدم إمكان تعيين الأعلم المعلوم إجمالاًبالأخذ بأحوط الأقوال، وكذا فيما إذااحتمل أنّ ما بين المختلفين في الفتوى منيحتمل كونه أعلم من غيره، وهذا بناءً علىأنّ الحكم مع تساوي المجتهدين المختلفينفي الفتوى هو التخيير؛ لأنّ الأخذ بقولأحدهم مع احتمال أنّ في البين من هو أعلممنه يكون من الأخذ بمشكوك الاعتبار. نعم إذا كان احتمال الأعلميّة منحصراً فيواحد معيّن قبل الفحص أو بعده يتعيّنالأخذ بقوله على بناء التخيير بينالمتساويين، لإحراز أن فتواه بالأخذ بهحجّة، بخلاف الآخرين فإنّه لا يعلم حتىبالأخذ اعتبار فتواهم، وبناءً علىالتساقط في فرض عدم وجود الأعلم بينهموعدم ثبوت التخيير بين المتساويين يكونالحكم هو لزوم الاحتياط التامّ فيالواقعة، كما في صورة إحراز التساوي وعدمثبوت التخيير بينهما. اللّهم إلاّ أن يقال بثبوت السيرةالعقلائيّة عند اختلاف أهل الخبرةبالرجوع إلى من يكون احتمال الخبرويّة فيهأقوى من الغير، وإذا كان احتمال الأعلميّةغير متعيّن في واحد معيّن، بأن احتملأعلميّة زيد من الجميع حتى من عمرو،واحتمل أنّ عمراً كذلك يعني أعلم من الكلّحتى من زيد لزم الاحتياط بين فتاوى زيدوعمرو، ولا يجب الاحتياط التامّ فيالواقعة إذا علم أنّ أحدهما أعلم من الآخرإجمالاً أو احتمل ذلك إجمالاً، وأمّا إذالم يكن كذلك بأن علم تساويهما في الفضيلة،فإن قلنا بالتخيير في المتساويين كانالعاميّ مخيّراً بينهما، وإن لم نلتزمبالتخيير لعدم تمام الدليل عليه يكونالحكم هو الاحتياط التامّ في الواقعة، كماإذا أفتى زيد بوجوب صلاة الظهر وعمروبوجوب الظهر أو الجمعة تخييراً وكان فيالمسألة قول آخر ولو من غير علماء عصرهبوجوب الجمعة تعييناً فلابدّ للعامي منالإتيان بكلّ من الظهر والجمعة تعييناًللاحتياط التامّ. لا يقال: إذا أفتى أحد الأحياء بوجوب صلاةالظهر تعييناً والآخر بوجوبها أو وجوبالجمعة تخييراً فمع فرض التساوي بينهما فيالفضيلة وكونهما أفضلين بالإضافة إلىباقي الأحياء أو من المحتمل أعلميّتهمايكونان متفقين في عدم وجوب صلاة الجمعةتعييناً وأنّ صلاة الظهر يوم الجمعة مجزيةعن الواقع، فما وجه الاحتياط التامّ فيهذه الصورة حتى لزم على العاميّ أن يحتاطبالإتيان بصلاة الجمعة أيضاً. فإنه يقال: ما ذكر إنّما يتمّ فيما إذااُحرز أنّ أحدهما أعلم من الآخر أو محتملالأعلميّة، ولكن لم يتمكّن من تعيينهشخصاً منهما، وأمّا إذا اُحرز تساويهماولم نقل بالتخيير في الفرض كما هوالمفروض؛ لأنّه لم يتمّ دليل على اعتبارفتواهما للتعارض يسقط اعتبار كلّ منالفتويين، وقد ذكرنا أنّه إذا سقط الطريقعن الاعتبار في مدلولهما المطابقيّ فلايبقى مجال لاعتبار مدلولهما الالتزاميّ،وإذا احتمل وجوب صلاة الجمعة تعييناًفاللازم رعايته. فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ المعيّنلاعتبار فتوى مجتهد إحراز أعلميّتهبالإضافة إلى الآخرين أو احتمالالأعلميّة فيه خاصّة، بأنّه إمّا أعلم منالسائرين أو أنّه والسائرين على حدّ سواء،بلا فرق بين أن يصل احتمال الأعلميّة فيهإلى حدّ الظنّ أم لا. وأمّا إذا تردّدتالأعلميّة بين المتعدّدين أو احتمالهمافاللازم الاحتياط بالأخذ بالفتوىالمطابقة للاحتياط منهما. الثاني: إذا تردّدت الأعلميّة بين اثنين،بأن ظنّ أنّ زيداً أعلم من عمرو، واحتملأيضاً أنّ عمراً أعلم من زيد، ولكن كاناحتمال أعلميّة عمرو أضعف، فهل الظنّ يكونمعيّناً لاعتبار فتواه بحيث لا يلزم علىالعاميّ الاحتياط بين فتواهما، أو يجب فيالفرض الجمع بأحوط القولين في المسائل؟بناءً على ما ذكر من التخيير بينالمتساويين فمجرّد احتمال مرجّحيّة الظنّيوجب دوران الحجّة بين التعيين والتخييرفاللازم الأخذ باحتمال التعيين، وأمّابناءً على عدم الدليل على التخيير ولزومالاحتياط بين فتاويهما أو حتّى بالإضافةإلى الواقع فلا يكون مجرّد الظنّبالأعلميّة مع احتمال الأعلميّة في الطرفالآخر أيضاً مرجّحاً فاللازم الاحتياطبالأخذ بأحوط القولين أو الاحتياط التامّعلى تفصيل تقدّم. هذا كلّه فيما إذا أمكن الاحتياط بينالفتاوى أو في الواقع وإلاّ فمع اختصاصاحتمال الأعلميّة ـ ظنّاً أو بدونه ـلأحدهما يختصّ العمل بفتواه وإلاّيتخيّر؛ لأنّ اللازم على المكلّف مع عدمالتمكّن من الموافقة القطعيّة للحكمالواقعيّ أو الحجّة المعتبرة الاكتفاءبالموافقة الاحتماليّة، بل الأمر كذلكحتى فيما أمكن الاحتياط بين الفتاوى أوحتّى بالإضافة إلى الحكم الواقعيّ فيالواقعة، ولكن اُحرز أنّ الشارع لا يلزمالناس على الاحتياط المتقدّم، لعسره علىالناس ولما يناسب كون الشريعة سمحة وسهلة،بأن يوجب إلزامهم به فرار الناس عنالالتزام بأحكام الشريعة، فيتخيّر الناسفي الوقايع بالاكتفاء بالموافقةالاحتماليّة فيما إذا لم تختصّ الواقعةبنفسها بعلم إجماليّ، أو لم يختصّ احتمالالأعلميّة بواحد من المجتهدين سواء كانبحدّ الظن أم لا. الثالث: قد ذكر في العروة في المسألةالسابعة عشرة من مسائل الاجتهاد والتقليدمن العروة: المراد من الأعلم من يكون أعرفبالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر اطلاعاًلنظائرها وللأخبار وأجود فهماً للأخبار،والحاصل أن يكون أجود استنباطاً، والمرجعفي تعيينه أهل الخبرة والاستنباط. أقول: ما ذكره (قدس سره) في قوله أجوداستنباطاً بالإضافة إلى الآخرين صحيح،ويحصل ذلك بكون الشخص أقوى مهارة فيالقواعد التي تحسب من المدارك في المسائلمن حيث تنقيحها وتطبيقها على صغرياتها،وأجود فهماً للخطابات الشرعيّةوالخصوصيّات الواردة فيها خصوصاً فيالأخبار من تشخيص مداليلها، وتشخيص الجمعالعرفيّ بين مختلفاتها، ولحاظ المعارضةبين بعضها مع بعض، ولا أظنّ أن يكون مجرّدكثرة الاطلاع على الأخبار أو نظائرالمسألة دخيلاً في الأعلميّة، والمراد منالقواعد المشار إليها أعمّ من القواعدالفقهيّة العامّة أو القواعد الاُصوليّةالتي يستعملها الفقيه في مقام الاستنباطمن الخطابات الشرعيّة كما لا يخفى.
(1). انظر نهج البلاغة: 451، الكتاب رقم 53.طبعة دار الثقلين. فصل اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي،والمعروف بين الأصحاب الاشتراط وبينالعامّة عدمه، وهو خيرة الأخباريّين وبعضالمجتهدين من أصحابنا[1]. وأمّا الاستمراري فربّما يقال بأنه قضيةاستصحاب الأحكام التي قلّده فيها[2]. اشتراط الحياة في المفتي
_ [1] ذكر (قدس سره) أنّ المعروف بين أصحابنااعتبار حياة المجتهد في جواز تقليده فلايجوز تقليده بعد موته حدوثاً وبقاءً،خلافاً لما هو المعروف بين العامّة من عدماعتبار الحياة، وهو خيرة الأخباريّينوبعض المجتهدين من أصحابنا، وربّما يفصّلفيقال لا يجوز تقليد المجتهد بعد موتهابتداءً، ولكن يجوز البقاء على تقليدالمجتهد بعد موته، فيشترط في جواز التقليدالبدويّ ولا يشترط في التقليدالاستمراريّ. وذكر (قدس سره) في وجه ما هوالمعروف بين أصحابنا وهو المختار عندهبأنّ جواز تقليد الميّت مشكوك والأصل عدمجوازه. وبتعبير آخر كون شيء طريقاً بحيثيوجب تنجّز الواقع عند الإصابة والعذر عندخطئه وموافقته يحتاج إلى الإحراز وقيامدليل عليه، وإلاّ فالأصل عدم الاعتبار. وقد يقال في الاستدلال على الجواز وجوهاًضعيفة لا تصلح لرفع اليد عن الأصل الذيذكرناه. منها الاستصحاب في بقاء رأي المجتهدونظره بعد وفاته أيضاً على الاعتبار. وأجاب (قدس سره) عن هذا الوجه بأنّ الرأيوالنظر بنظر العرف متقوّم بالحياة، ولابقاء له بعد موت المجتهد حتى يستصحباعتباره، ويعتبر في جريان الاستصحاب فيحكم ـ وضعيّاً كان أو غيره ـ بقاء الموضوعله، وبقاء بعض الأحكام بعد موت الشخصكطهارته أو نجاسته وجواز نظر زوجته إليهإنّما هو بحسبان العرف بتقوّم هذه الأحكامببدنه الباقي بعد موته وإن كانت الحياةدخيلة في حدوث هذه الأحكام، وهذا بخلافاعتبار الرأي والنظر، فإنّ الرأي والنظربحسب النظر العرفيّ يتقوّمان بحياةالشخص، ولا بقاء له بعد الموت ليستصحباعتباره. نعم الموضوع له وإن كان باقياً حقيقةلقيامه بالنفس الناطقة التي لتجرّدها لازوال له، إلاّ أنّ المعيار في جريانالاستصحاب بقاء الموضوع بنظر العرف، ولابقاء للموضوع للرأي والنظر بعد الموت، فلايجدي بقاء النفس عقلاً في جريان الاستصحابمع عدم مساعدة العرف على بقاء النفسوحسبان أهله أنّها غير باقية وإنّما تعاديوم القيامة بعد انعدامها. وتعرّض (قدسسره) بعد ذلك لما يقال: هذا فيما كان حدوثالرأي والنظر موضوعاً لحدوث الاعتباروبقاء الرأي والنظر موضوعاً لبقاءالاعتبار، وأمّا إذا كان الحدوث بمجردهموضوعاً لحدوث الاعتبار وبقائه فلا إشكالفي جواز التقليد بعد موت المجتهد. وأجاب عنذلك بأنّ الأمر ليس كذلك، بل بقاء الرأيموضوع لبقاء الاعتبار؛ ولذا لو تبدّل رأيالمجتهد أو زال بالهرم والجنون فلا يبقىللرأي الحادث اعتبار، هذا كلّه بالإضافةإلى جواز التقليد عن المجتهد بعد موتهابتداءً. أقول: عدم جواز تقليد المجتهد بعد زوالعقله بجنون ونحوه أو تبدّل رأيه لا يدلّعلى أنّ الموضوع لحدوث الاعتبار حدوثالرأي، ولبقاء الاعتبار بقاء الرأي، فإنّنظير ذلك ثابت في اعتبار الخبر أيضاً،فإنّ المخبر إذا ذكر كذب خبره السابقوأنّه وقع اشتباهاً فلا يعبأ بخبره السابقفي الأحكام الشرعيّة الكلّية، بل فيالموضوعات أيضاً في غير مقام الشهادةوالإقرار حيث إنّ مع تمام الشهادة وحصولالقضاء لا ينقض الحكم السابق، والرجوع منالإقرار السابق لا يسمع يعنى لا يبطلإقراره السابق إلاّ فيما اعتبر تعدّدالإقرار كالإقرار بالزنا ونحوه أو مطلقالحدود بناءً على سقوطها بعد الإقرار علىما قيل، مع أنّ الخبر والإقرار بحدوثهماموضوع للاعتبار حدوثاً وبقاءً، وكما يمكنأن يكون الخبر فيما إذا وقع موضوعاًللاعتبار بشرط عدم رجوع المخبر عن إخبارهوعدم اعترافه بوقوعه اشتباهاً، كذلك يمكنأن يكون الرأي موضوعاً لحدوث الاعتباروبقائه ما لم يقع رجوع عن الرأي الحادث أوما لم يحدث جنون ونحوه، حيث إنّ المفتي بعدجنونه رأيه السابق غير معتبر، لا لعدمبقاء الرأي بعده، بل لأنّ المجنون لا يليقبه منصب الزعامة الدينيّة؛ ولذا يعتبر فيمرجع التقليد بعض الاُمور مما لا يكونالشخص مع فقدها مناسباً لذلك المنصب ولومع بقاء رأيه. والصحيح في الجواب عن استصحاب اعتبارالرأي والنظر هو ما تقدّم عند التكلّم فيالاستصحاب في الأحكام من الشريعةالسابقة، وأنّ المتيقّن هو اعتبار رأيالمجتهد بالإضافة إلى من تعلّم الحكم منهحال حياته، وأمّا بالإضافة إلى من لميتعلّم منه حال حياته وأراد تعلّم رأيهونظره بعد موته فلا دليل على اعتبار نظرهالحادث بالإضافة إليه، والمتيقّن السابقغير باق قطعاً، والمشكوك فعلاً غير مسبوقباليقين به. أضف إلى ذلك أنّ الشبهة حكميّةوالاستصحاب في عدم الجعل بنحو العموم لولميكن وارداً على الاستصحاب في بقاء المجعولفلا ينبغي أنّه معارض له. ومع الاغماض عن جميع ما ذكر فما ذكرالماتن (قدس سره) من عدم بقاء الرأي للميّتـ فإنّ قيامه بالنفس الناطقة وهي وإن كانتباقية حقيقة ولكنّ بقاءها خلاف النظرالعرفيّ حيث يرى أهل العرف زوالها بالموتويحسبون الحشر إعادة للنفس الناطقةالمعدومة ـ لا يخفى ما فيه، فإنّ أهل العرفيرون بقاء الروح الانسانيّة ويحتمل بقاءالميّت بعد موته على رأيه وإن يحتملونالزوال بحسب انكشاف الحال للروح بعد الموتإلاّ أنّ ذلك لا يمنع من استصحاب بقاء رأيهبحاله ولو بالنسبة إلى المدارك التي كانتعنده قبل موته في هذه الدنيا.
_ [2] بعد ما منع (قدس سره) من جريان الاستصحابـ في بقاء حجيّة الرأي والنظر بما ذكره منأنّ الموضوع لحدوث الحجيّة حدوث الرأيولبقائها بقاء الرأي، وحيث إنّ المجتهد لايبقى له رأي ونظر بعد موته فلا يكونلاستصحاب الحجيّة والنظر موضوع ليجري فيهالاستصحاب ـ تعرّض لاستصحاب آخر ذكروهلمشروعيّة بقاء العاميّ على تقليد مجتهدهبعد موته، وهو جريانه في بقاء الأحكامالشرعيّة الثابتة في حقّ العامّي عندتقليده ذلك المجتهد حال حياته، حيث إنّرأي مجتهده ونظره وإن كان واسطة في حدوثهاإلاّ أنّ تلك الأحكام التي حدوثها مقتضىحجّية رأي مجتهده عارضة لموضوعاتها منالأفعال وغيرها كساير الموضوعات. وأجاب عن هذا الاستصحاب بأنّه لا مجال لهبناءً على ما تقدّم منه من أنّ اعتبار شيءطريقاً مقتضاه ثبوت الحجّيّة أيالمنجّزيّة والمعذّريّة له، لا إنشاءأحكام يكون مفادها مطابقاً لمفاد ذلكالشيء حتّى بمفاد الحكم الشرعيّ الطريقيّالظاهريّ، وإذا كان مفاد دليل اعتبارهثبوت الحجيّة أي المنجّزيّة والمعذّريّةتكون الحجّيّة ثابتة لنفس الرأي والنظر،ولا بقاء لهما بعد موت المجتهد ليجري فيهالاستصحاب في ناحية حجّيته، وما تقدّم منه(قدس سره) سابقاً في بعض تنبيهات الاستصحابفي توجيه قيام الأمارة المعتبرة مقامالعلم في إحراز الحالة السابقة من أنّمفاد خطابات الاستصحاب جعل الملازمة بينثبوت الحكم وبقائه بحيث تكون الحجّة علىالحدوث حجّة البقاء أيضاً عند الشك كانتكلّفاً، فلا يقال إنّ مقتضاه أنّ ما دلّعلى اعتبار الرأي والنظر عند حدوثه يلازمبقاء الحادث على اعتباره، فلا يكون فيالبين دليل حجّية رأيه السابق في اللاحقأي بعد موته. نعم بناءً على ما هو المعروف عند العلماءمن أن مقتضى اعتبار شيء طريقاً إنشاءأحكام تكليفية أو وضعيّة على طبق الطريقالمعتبر، وتكون تلك الأحكام أحكاماًطريقية ظاهرية فللاستصحاب في بقاء تلكالأحكام بعد موت المجتهد في حقّ مقلديهوجه، بدعوى أنّ حدوثها وإن كان مقتضىاعتبار الرأي والنظر إلاّ أنّها كانتقائمة بموضوعاتها ومتعلّقاتها، إلاّ أنّهلا يمكن المساعدة عليها، فإنّه وإن بنىعلى ثبوت تلك الأحكام في حقّ العاميّ إلاّأنّها كانت بعنوان رأي المجتهد ونظره،وهذا العنوان المقوّم لها غير باق بعد موتالمجتهد، واحتمال أنّ الأمر في تلكالأحكام كان بهذا العنوان كاف في عدمجريان الاستصحاب فيها، لعدم إحراز بقاءالعنوان المقوّم لها. بل يمكن أن يقال إنّه إذا لم يجز البقاءعلى تقليد المجتهد بعد زوال رأيه لهرمومرض لم يجز البقاء بعد موته بالأولويّة؛لأنّ المرض والهرم لا يوجب زوال الشخص بليزول رأيه ونظره، بخلاف الموت فإنّه زوالللشخص أيضاً. أقول: لا يخفى ما في كلامه في قوله (قدسسره) عدم جريان الاستصحاب على تقديرالالتزام بأنّ معنى اعتبار الرأي والنظرجعل الحجيّة له إلاّ على التكلّف السابق،مع أنّ على ذلك التكلّف أيضاً لا موضوعللاستصحاب في المقام؛ لأنّ التكلّفالسابق كان حاصله أنّه إذا اُحرز التكليفوالحكم بالأمارة المعتبرة، وكان الشكّ فيسعة ذلك الحكم والتكليف ثبوتاً بحيث علىتقدير ثبوته واقعاً له سعة تبقى في موردقصور تلك الأمارة على دلالتها على البقاء،فيقال إنّ مفاد خطابات الاستصحاب جعلالملازمة والتعبّد بها في مورد الشكّ فيالبقاء على تقدير الثبوت سابقاً، فتكونالنتيجة هي أنّ الأمارة التي تكون منجّزةلذلك التكليف والحكم توجب التنجّزبالإضافة إلى مورد الشكّ في بقائه، والشكّفي المقام ليس في بقاء التكليف والحكمالواقعيّ على تقدير إصابة الفتوى بالواقعوثبوت ما أدّى إليه نظر المجتهد واقعاً،بل بقاؤه على هذا التقدير وجداناً معلوم،وإنّما الشكّ في نفس إصابة نظر المجتهدللواقع. نعم على تقدير الثبوت كان رأيه ونظرهمنجّزاً له بالإضافة إلى حال حياته، كماأنّه كان موافقة نظره عذراً على تقدير عدمإصابة ومخالفة المكلّف الواقع، والمفروضأنّ هذا المنجّز والمعذّر انتفى بموتالمجتهد، فإن أمكن استصحاب الحجيّة لذلكالنظر الذي كان حال حياة المجتهد فهو،وأمّا إذا بنى على أنّ النظر في بقائهمنجّز بالإضافة إلى التكاليف المتوجهةإلى المقلّدين فلا موضوع للحجيّة؛لانتفاء ذلك النظر بالموت. هذا كلّه مع قطع النظر عمّا ذكرنا فياعتبار شيء طريقاً حيث يعتبر ذلك الشيءعلماً بالواقع، وعليه فالمكلّف عند تعلّمرأي المجتهد وفتواه حال حياته للعمل كانعالماً بتكاليفه الواقعيّة في نظر الشارعويشكّ بعد موته أنّ المتعلّم منه كذلكيكون أيضاً عالماً بتلك التكاليف بنظرالشارع، فبناءً على جريان الاستصحاب فيالشبهات الحكميّة يجري الاستصحاب فيبقائه عالماً بها. وأمّا ما ذكره (قدس سره) في وجه عدم جوازالبقاء وتقليد الميّت ابتداءً بقياسالأولويّة فقد ذكرنا ما فيه، فإنّ الإجماععلى عدم جواز البقاء وتقليد المجتهد بعدالجنون أو الهرم الذي يلحق معه الشخصبالصبيان، للعلم بعدم رضا الشارعبزعامتها الدينيّة، بخلاف الموت فإنّهارتحال الشخص من عالم إلى عالم أرقى حيثبموت الأنبياء والمعصوم والأولياء لاينقص من شرفهم وعظمتهم شيئاً؛ ولذلك نلتزمبجواز البقاء على تقليد الميّت إذا لم يكنفي الأحياء الموجودين من هو أعلم منه، بلوجوب البقاء على تقليده إذا كان هو أعلممنهم، وتعلّم منه حال حياته الوظايفالشرعيّة للعمل بها، وأمّا ما لم يتعلّمهافاللازم فيها الرجوع إلى الحيّ علىالتفصيل السابق. وليس المدرك في شيء من ذلك الاستصحاب، كلّذلك الالتزام لا للاستصحاب ليقال بأنّالمقام من الشبهة الحكميّة ولا اعتبارللاستصحاب فيها، بل لإطلاق الرواياتالواردة في جواز أخذ معالم الدين منالأحياء المتحمّلين لها على ما فيالروايات المتعدّدة، فإنّه لم يقيّد فيشيء منها بأنّ المأخوذ من المعالم إذا كانبصورة الفتوى يعمل به مادام المأخوذ منهحيّاً، والالتزام بعدم جواز التقليد منالميّت ابتداءً ـ يعني التعلّم من الميّتللعمل بالرجوع إلى من يخبر بفتواه وما سمعمنه ـ لاحتمال أنّ المقدار الممضى منالسيرة العقلائيّة في الرجوع إلى أهلالخبرة في تعلّم الأحكام الشرعيّة للعملهو الرجوع إلى الحيّ والتعلّم منه. وبتعبير آخر الفقيه الذي تعلّم العاميّمنه وظيفته الشرعيّة في الوقايع التييبتلي بها حال حياته يحسب كأحد الأحياء،فإن كان أعلمهم يجب الأخذ بقوله ولو بعدموته كما هو مقتضى السيرة العقليّة، وإنكان فيه احتمال الأعلميّة جاز البقاء علىتقليده إن اختصّ به احتمالها لو لم نقلبتعيّن البقاء في الفرض أيضاً، بدعوىاختصاص احتمال الأعلميّة بواحد فيالأحياء كان معيّناً، لدوران الحجّة فيذلك الفرض بين التعيين والتخيير، ولا يجريهذا الدوران فيما إذا كان الاحتمال فيالميّت؛ لأنّ جماعة من العلماء لم يجوّزواالتقليد من الميّت حتى بقاءً وحتّى في فرضكونه أعلم من الحيّ فلا يتمّ دوران الأمرفي تقليده بين التعيين والتخيير، وماذكرنا من جريان السيرة العقلائيّة مناتّباع قول من يختصّ باحتمال الأعلميّة،إحرازها فيما إذا كان المحتمل ميّتاً لايخلو عن المناقشة، فالمتعيّن في الفرضالاحتياط بين قوله وقول أعلم الأحياء إلاّإذا ادّعى العلم أو الوثوق بأنّ الشارع لايريد من العاميّ الاحتياط في الوقايع حتّىبين الأقوال، ويكتفى بالموافقةالاحتماليّة الحاصلة بمطابقة عمله بقولأحدهما. وقد يقال إنّما يجوز البقاء على تقليدالميّت أو يجب فيما إذا عمل العاميّبفتواه حال حياته، وما لم يعمل به يتعيّنرجوعه إلى الحيّ سواء كان الميّت أعلم أملا، ولعلّ هذا القائل يرى أنّ التقليد هوالعمل المستند إلى الفتوى وما دام لم يعملبه حال حياة المفتي يكون اتّباع قوله بعدوفاته من التقليد الابتدائيّ من الميّت،أو يقال إنّه يكون المجتهد نوعاً فيفتاواه مبتلى بالمعارض من مثله من الأحياءبحيث كان العاميّ مخيّراً بين تقليدهوتقليد الميّت، والتخيير في الحجّةمقتضاه أن يكون أحدهما حجة تعيينيّةبالأخذ بأحدهما المعيّن، كما تقدّم ذلك فيالتخيير بين الخبرين المتعارضين علىالقول به، ولكن لا يخفى أنّه إذا كانالمجتهد حال حياته أعلم أو محتملالأعلميّة كانت فتواه معتبرة، فيكونتعلّم العاميّ الحكم في واقعة منه موجباًلعلمه بالحكم الشرعيّ في تلك الواقعة، وقدتقدّم أنّه مع التعلّم من مجتهد حال حياتهلا يعتبر العمل به حال حياته أيضاً. ومما ذكرنا يظهر أنّ ما ذكر في العروة ـ منأنّ التقليد هو الالتزام بالعمل بقولمجتهد معيّن وإن لم يعمل به، بل ولولم يأخذفتواه، فإذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بمافيها كفى في تحقق التقليد ـ غير تامّ؛ لأنّالالتزام غير داخل لا في مدلول أخبار وجوبطلب العلم وأخذ معالم الدين، ولا في حكمالعقل من لزوم رعاية التكاليف الواقعيّةوموافقتها وامتثالها وجداناً أو بالإحرازالتعبديّ، فإذا أخذ رسالة مجتهد والتزمللعمل بما فيها ولكن توفّي المجتهد قبلالتعلم منها فضلاً عن العمل يكون تقليدهتقليداً من الميّت ابتداءً، لخروجها عنأخبار الأخذ والتعلّم التي أشرنا إليهاوذكرنا إحراز الإمضاء في مقدار مدلولها منالسيرة ولم يحرز الإمضاء في غير ذلكالمقدار. وكذا ظهر الحال فيما ذكره من أنّ الأقوىجواز البقاء على تقليد الميّت ولا يجوزتقليد الميّت ابتداءً. وقد تقدّم الوجه في عدم جواز تقليد الميتابتداءً، وقد يقال(1) في وجه عدم جوازه وجهآخر وهو أنّ المسائل الاختلافيّة بينالفقهاء في نفسها كثيرة جدّاً ولولم يعتبرفي جواز التقليد الابتدائيّ حياة المفتيبأن جاز التقليد عن الميّت ابتداءً لزمالرجوع في تلك المسائل الكثيرة إلى الأعلممن الأحياء والأموات، فينحصر جوازالتقليد في المذهب بواحد أو اثنين في جميعالأعصار لاعتبار الأعلميّة من الكلّ أويحتاط بين اثنين وثلاث، وهذا خلاف المعلوممن ضرورة المذهب حيث إنّ هذا النحو منالتقليد يعدّ مذهباً للعامّة. ولكن هذا الوجه فيه من المناقشة؛ لأنّالأعلم إلى بعض الأعصار لا يبقى بالإضافةإلى جميع الأعصار في وصف الأعلميّة، بليوجد في بعض العصور التالية من هو أعلمبالإضافة إلى الأعلم السابق، وهذا ليسنظير مذهب العامّة حيث لا ينسدّ بابالاجتهاد في الأحكام وينفتح باب الاجتهادفي فهم الفتوى أو استخراج الفتوى من أقوالالسابقين المعروفين بالأعلميّة لا يحتاجإلى تكلّفه بعد ما بيّنا الوجه في اعتبارالحياة في المفتي في التقليد الابتدائيّمن قصور أدلّة إمضاء السيرة العقلائيّة.
(1). مصباح الاُصول 3:462. مسائل في الاجتهاد والتقليد ولا بأس بالتعرّض في المقام إلى جملة منالمسائل التي ذكرها في العروة في الاجتهادوالتقليد، منها ما ذكره (قدس سره) في: (مسألة 10) إذا عدل عن الميّت إلى الحيّ لايجوز له العود إلى الميّت[1]. (مسألة 11) لا يجوز العدول عن الحيّ إلىالحيّ إلاّ إذا كان الثاني أعلم[2]. (مسألة 12) يجب تقليد الأعلم مع الإمكان علىالأحوط[3] . . . (مسألة 13) إذا كان هناك مجتهدان متساويانفي الفضيلة يتخيّر بينهما إلاّ إذا كانأحدهما أورع فيختار الأورع[4]. (مسألة 14) إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألةمن المسائل يجوز[5] في تلك المسألة الأخذ منغير الأعلم وإن أمكن الاحتياط. (مسألة 15) إذا قلّد مجتهداً كان يجوّزالبقاء على تقليد الميّت فمات ذلكالمجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده فيهذه المسألة، بل يجب الرجوع إلى الحيّالأعلم في جواز البقاء وعدمه[6].
_ [1] وقد ظهر ممّا تقدّم إذا تعلّم الوظايفمن مجتهد أعلم حال حياته ومات ذلك المجتهدفقلّد مجتهداً حيّاً، فإن كان الميّت أعلمبالإضافة إليه فرجوعه إلى الحيّ غير صحيح،ووجب عليه العمل بما تعلّم من الميت حالحياته، وإن كان في كلّ منهما احتمالالأعلميّة بالإضافة إلى الآخر فلا بأسفيما إذا لم يوجب القطع بمخالفة التكليفالواقعيّ إمّا في الواقعة السابقة أواللاحقة وإن لم نقل بالاحتياط بين القولينوالاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة.
_ [2] ولا يخفى أنّ الثاني إذا صار أعلم منالسابق يجب الرجوع إليه، وأمّا إذا علمأنّ الثاني كان أعلم من الحيّ الأوّلفيعلم بطلان تقليده الأوّل.
_ [3] أقول: قد تقدّم لا يجب تقليد الأعلم فيالمسائل التي لا يعلم اختلاف المجتهدينفيها لا إجمالاً ولا تفصيلاً، واتّباعالأعلم في المسائل التي يعلم العاميّاختلاف العلماء فيها ولو إجمالاً عندهملعدم اعتبار قول غيره، ويجب الفحص عنالأعلم فيها مع العلم بوجوده، بل معاحتمال وجوده لإحراز الحجّة فالأخذ بقولأحدهم مع الشك في اعتبار قوله لا يكونمجزياً، كما تقدّم في بيان حكم العقل فيإحراز الامتثال والطاعة، كما لا يحرز أنما أخذه منه إحراز لمعالم دينه ووظيفتهالشرعيّة في الواقعة. نعم لا بأس بتركهوالاحتياط بالأخذ بأحوط القولين.
_ [4] أقول: يقع الكلام تارة فيما إذا لم يعلمالعاميّ اختلاف أحدهما مع الآخر فيالمسائل التي يبتلي بها أو يحتمل ابتلاءهبها، واُخرى فيما إذا اعلم اختلافهماتفصيلاً أو إجمالاً، أمّا الفرض الأوّلفالظاهر جواز تعلّم الحكم من كلّ منهما،وبعد تعلّمه يجب عليه العمل بما تعلّمه،وقد تقدّم أنّ هذا مقتضى الإطلاق فيما دلّعلى جواز المراجعة إلى من يثق به في تعلّمالأحكام من يونس بن عبدالرحمن والحارث بنالمغيرة وأمثالهما بلا حاجة إلى إحراز عدمالمخالفة بينهما بالأصل، ولا أثرلأورعيّة أحدهما في الفرض؛ لأنّ ما يمكنأن يستند إليه في الالتزام بالرجوع إلىالأورع من مقبولة عمر بن حنظلة وروايةداود بن الحصين التي في سندها الحكم بنمسكين عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «فيرجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما فيحكم وقع بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلينفاختلف العدلان بينهما، عن قول أيّهمايمضي الحكم؟ قال: ينظر إلى أفقههماوأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ حكمهولا يلتفت إلى الآخر»(1)وهما ظاهرتان فيفرض ظهور اختلافهما. وأمّا إذا كان الاختلاف بينهما محرزاًفالمتعيّن سقوط اعتبار كلّ من الفتاوىالمختلفة بينهما عن الاعتبار، فإنّ دليلجواز التقليد بمعنى تعلّم الحكم من الفقيهلا يعمّ صورة العلم بالاختلاف، إلاّ فيماإذا كان أحدهما أعلم كما هو خلاف الفرض فيالمسألة، فيدور أمر العامي في المسألة بينالاحتياط في الواقعة إذا لم يمكن الاحتياطفيها بالأخذ بأحد القولين، وإذا أحرز أنّالشارع لا يريد منها الاحتياط في الوقايعفتصل النوبة إلى الموافقة الاحتماليّةالتي تحصل بمطابقة عمله لفتوى أحدهما فيالمسائل، حيث إنّه إذا لم يجب الموافقةالقطعيّة في الوقايع يكتفى بالموافقةالاحتماليّة في الوقايع، وهذه الموافقةالاحتماليّة مقدّمة على الموافقةالقطعيّة في بعض الموارد مع العلمبالمخالفة في بعضها الآخر. ولا دلالة في المقبولة ولا لرواية داودعلى خلاف ذلك، فإنّ موردهما القضاء وفصلالخصومة، ولا يمكن ذلك ـ يعني فصلها ـ إلاّبنفوذ حكم أحدهما المعيّن، ولو ادّعىاستفادة حكم الرجوع إلى الفقيه في تعلّمالحكم الشرعي أي الفتوى منهما لزمالالتزام بأنّه إذا كان أحد الفقيهين أعلممن الآخر، والآخر أورع من الأعلم يكونالمكلّف على التخيير بينهما مع أنّ صاحبالعروة أو غيره لم يلتزم بذلك، ووجهاللزوم ظهور المقبولة والرواية كون كلّ منالأوصاف مرجّحاً لقضاء صاحبه، لا أنّالمرجّح مجموع تلك الأوصاف؛ ولذا كرّر فيالمقبولة السؤال عمّا إذا كان كلّ منالحكمين مساوياً فيها وليس لأحدهما فضلعلى الآخر فيها. ثمّ إنّه كما تقدّم لا تصل النوبة فيمفروض المسألة بقاعدة احتمال التعيّن فيالحجّة عند دوران أمرها، بأن يقال فتوىالأورع حجّة يقيناً والشكّ في فتوى الآخروذلك فإنّ التخيير الذي ذكرنا للالتزامبعدم وجوب الاحتياط و كفاية الموافقةالاحتماليّة، لا لاعتبار كلا الفتويينعلى نحو التخيير أو اعتبار فتوى الأورعتعيّناً، ليقال يؤخذ بالتعيين عند دورانالحجّة بين التعيين والتخيير. وقد يقال(2): لا يكون المقام من دورانالحجّة بين التعيين والتخيير حتّى بناءًعلى الالتزام بأنّ الحجة عند دوران الأمربين مجتهدين متساويين تخييريّة؛ لأنّ مافي أحد المجتهدين من المزيّة غير دخيل فيملاك طريقيّة فتواه، كما إذا دار الأمربين مجتهدين متساويين في العلم ولكنأحدهما يواظب على نافلة الليل دون الآخر. ولكن لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه إذااحتمل أنّ ما في أحدهما من المزيّة وإن لميكن ذلك دخيلاً في مطابقة فتاويه للواقعاعتبره الشارع بملاحظة منصب المرجعيّةوالقضاء، دخل المقام مع الالتزامبالتخيير في الحجّة في صورة التساوي فيدوران الأمر بين التعيين والتخيير فيها.
_ [5] قد يفصّل(3) في المقام بين ما إذا لم يفتِالأعلم في مسألة لعدم إكمال فحصه عن مقتضىمدارك الحكم فيها أو أنّه لم يفحص عنها فيتلك المسألة أصلاً، كما ربّما يتّفق ذلكفي مقام الاستفتاء عنه في مسألة فيجيبفيها بالاحتياط، ففي مثل ذلك ممّا يحتملالأعلم أنّه لو أكمل فحصه أو فحص عن المدركفيها لأفتى بما أفتى فيه غير الأعلم، وكذافيما لا يريد الأعلم أن يفتي فيها ببعضالملاحظات، كأن لا يريد أن يخالف المشهورفي إفتائهم وإن كان مقتضى ملاحظة المداركللأحكام هو ما أفتى به غير الأعلم، فإنّهيجوز في ذلك أيضاً الرجوع إلى فتوى غيرالأعلم، فإنّه عالم بحكم المسألة كما هوفرض كونه مجتهداً عارفاً بطريق الاستنباطوتعيين الأحكام من أدلّتها، وكان المانععن اعتبار فتاواه في ساير المواردمعارضتها وإحراز مخالفتها مع فتوى الأعلمولو إجمالاً، وهذا المانع غير موجودبالإضافة إلى مفروض الكلام فيعمّه ما دلّعلى الرجوع بالعارف بالأحكام، ويؤيّدهالسيرة العقلائيّة، ويلحق بذلك ما إذاكانت المسألة مما لم يتعرّض الأعلم لحكمهاأصلاً ويحتمل العاميّ أنّه لو كانمتعرّضاً لحكمها لأفتى بما أفتى به غيرالأعلم. وأمّا إذا كان عدم إفتاء الأعلم بالإضافةإلى نفس الحكم الواقعيّ لا بالإضافة إلىمدركه، بل كان المستفاد من قوله أنّ مقتضىرعاية المدارك هو الحكم بالتكليف أو ما هوالموضوع له من الوضع، كما لو عبّر بقوله:الأحوط لولم يكن أقوى هو الترك أوالإتيان، في مقابل من أفتى بجواز الارتكابأو جواز الترك أو رأى الأعلم أنّ مقتضىالعلم الإجماليّ الموجود بالتكليف فيالمسألة هو الاحتياط والجمع بين الفعلين،كما قال بالاحتياط في مسألة من سافر أربعةفراسخ غير قاصد الرجوع من يومه، وإذا رأىالمجتهد أنّ ما دلّ على وجوب القصر فيهمعارض بما دلّ على التمام فيه وليس فيالبين معيّن آخر لوجوب خصوص أحدهما، فقاللا مجال في المسألة إلاّ الاحتياط بالجمعبين القصر والتمام، فلا يجوز للعاميّ فيمثل ذلك الرجوع إلى فتوى غير الأعلم الذيينفي التكليف في الفرض الأوّل أو يعيّنالتكليف في ناحية أحد الفعلين. وعلى الجملة إذا كان ما ذكره الأعلم فيالمسألة من الاحتياط متضمّناً لتخطئة منينفي التكليف أو الاحتياط فلا مجال فيهاللرجوع إلى قول غير الأعلم. وقد ذكرنا في جواب هذا التفصيل في الدوراتالسابقة أنّ ما هو معتبر بالإضافة إلىالعامّي هو الفتوى بالحكم الشرعي، ومع عدمالافتاء به فلا موضوع لوجوب التعلّم منهوالمفروض في المقام أنّه ليس للأعلم فتوىبالإضافة إلى الحكم الشرعي في المسألةليعارض فتوى الآخر، ويبقى ما يتضمّن قولالأعلم من تخطئة غيره، وأنّه ليس بمقتضىالمدارك ولا دليل على اعتبار قول الأعلمفي نفس هذا القول، ولكن لا يبعد بأن يقالالدليل على اعتبار قول الأعلم في فرضالمعارضة السيرة العقلائيّة، والعقلاء لايعتنون بقول غير الأعلم إذا كان القولالمزبور موضع اتّهام من الأعلم مع إمكانرعاية الواقع ولو بالاحتياط، والمفروضأنّ الأعلم عيّن الوظيفة الظاهريّة فيه. ثمّ إذا جاز العدول إلى غير الأعلم فيموارد عدم الفتوى من الأعلم يجب رعايةالرجوع إلى الأعلم فالأعلم مع اختلافهمالعين ما تقدّم. اختلاف الحيّ والميّت في مسألة جوازالبقاء
_ [6] يقع الكلام تارة في فتوى المجتهدالميّت في مسألة البقاء على تقليد الميّتسواء أفتى فيها بجواز البقاء أو بعدمجوازه أو بوجوب البقاء، واُخرى في فتوىالحيّ الأعلم سواء أفتى بجواز البقاء أوبعدم جوازه. فنقول: إذا أفتى الميّت بجواز البقاء علىتقليد الميّت فلا يجوز الاستناد إليهوالاعتماد عليه في مقام العمل بسايرفتاواه؛ لأنّ الاستناد في العمل بفتاواهاعتماداً على فتواه بجواز البقاء دوريّ،فلابدّ من الرجوع إلى الحيّ الأعلم فيمسألة جواز البقاء على تقليد الميّت،فيكون المقام نظير ما إذا لم يكن للأعلمفتوى في المسائل التي ابتلى بها المكلّف،حتّى فيما إذا فرض أنّ الميّت كان أعلم منالحيّ الموجود فعلاً، إذ لا يعتبر قوله فيمسألة البقاء على تقليد الميّت سواء كانفتواه بجواز البقاء أو وجوبه أو عدم جوازالبقاء، وكذا يكون نظير ما إذا كان الأعلمالحيّ غير واجد لساير شرايط التقليد حيثيرجع إلى فتوى الحيّ الواجد لشرايط جوازالتقليد، حيث إنّ فتوى الأعلم الحيّ هوالمتيقّن في الاعتبار بالإضافة إلىالعاميّ بعد سقوط فتوى الميّت عن الاعتبارفي مسألة البقاء على تقليد الميت. وعلى ذلك فإن أفتى الحيّ الأعلم بعدم جوازالبقاء على تقليد الميت فلا يترتّب علىرأي الميّت في المسائل أيّ أثر حتّى إذافرض أنّ فتواه كانت وجوب البقاء على تقليدالميّت فضلاً عن فتواه بجواز البقاء أوحرمته، وأمّا إذا أفتى الحيّ الأعلم بجوازالبقاء فهل يمكن الالتزام بأنّ للعاميّ أنيعتمد في مسألة البقاء على تقليد الميّتعلى فتوى الميّت بفتوى الحيّ فيها بجوازالبقاء؟ بأن يبقى على تقليد الميّت فيخصوص هذه المسألة بحيث صار ما يفتي الميّتحال حياته من جواز البقاء على تقليدالميّت حجّة بعد وفاته أيضاً بفتوى الحيّ،أو أنّ فتاوى الميّت في ساير المسائلمعتبرة بفتوى الحيّ بجواز البقاء ولاتعتبر فتوى الميّت في مسألة جواز البقاءحتّى مع حكم الحيّ بجواز البقاء على تقليدالميّت. الصحيح أن يقال: إن لم يختلف فتوى الحيّالأعلم مع فتوى الميّت في مسألة جوازالبقاء على تقليد الميّت ـ بأن يكون ماأجازه الحيّ من البقاء كان هو الجائز علىفتوى الميّت ـ فلا يصير قول الميّت فيمسألة جواز البقاء مع تقليد العاميّ عنالحيّ الأعلم حجّة معتبرة في تلك المسألة،فإنّ فتوى الأعلم الحيّ بجواز البقاءمعناه أنّ الفتاوى من الميّت في المسائلإذا قلّد العاميّ إيّاه فيها حال حياته هيالوظائف الشرعيّة بالإضافة إليه بعدمماته، ومع فرض رجوع العاميّ إلى الحيّالأعلم في ذلك وصيرورته عالماً بوظائفهالشرعيّة لا معنى لاعتبار فتاوى الميّتعلماً في حقّ العامي ثانياً بفتوى نفسالميّت حال حياته بجواز البقاء، لأنّ هذاالاعتبار يصير لغواً محضاً، وكذا الحالفيما إذا اختلفت فتوى الحيّ الأعلم معفتوى الميّت وكانت فتوى الحيّ أوسع منفتوى الميّت في الجواز، كما إذا كانالميّت يعتبر في جواز البقاء العمل بفتوىالميّت حال حياته، ولكنّ الحيّ الأعلميجوّز البقاء مطلقاً سواء عمل بفتوى الميتحال حياته أم لم يعمل، فإنّه في هذا الفرضأيضاً يكون العاميّ بالرجوع إلى الحيّعالماً بالوظايف الشرعيّة في الوقايعالتي قلّد فيها المجتهد الميّت، فلا أثرللضيق في فتوى الميّت في مسألة جوازالبقاء. وبتعبير آخر إذا صارت فتاوى الميّت فيالوقايع في المسائل التي تعلم حكمها منالميت حال حياته حجة في حق العاميّ بفتوىالحيّ فلا يمكن شمول اعتبار فتوى الحيّبالإضافة إلى فتوى الميّت في مسألةالبقاء، حيث إنّه لغو محض. وأمّا إذا كان الأمر بالعكس، بأن كانالميّت يجوّز البقاء على تقليد الميّت فيالمسائل التي فيها قلّد في حياة المجتهد،سواء عمل بها في حال حياته أم لا، ولكنالحيّ الموجود فعلاً يجوز له البقاء علىتقليد الميّت في خصوص المسائل التي قلّدفيها المجتهد، وعمل بها في حال حياته، ففيهذا الفرض لو عمل العاميّ بفتوى الميّت فيمسألة البقاء حال حياته، كما إذا بقي علىتقليد مجتهد برهة من الزمان بعد موتهاعتماداً على فتوى حيّ أجاز البقاء علىتقليد الميّت ولولم يعمل بفتواه حالحياته، وبعد موت هذا الحيّ إذا رجع إلىالحيّ الذي يعتبر العمل في حال حياةالميّت يبقى على تقليد الثاني في مسألةالبقاء الذي عمل بفتواه حال حياته فيالبقاء على تقليد الميّت الأوّل، وبذلكيمكن القول باعتبار فتوى الميّت الثانيبفتوى الحيّ الفعليّ في البقاء على تقليدالميّت الأوّل حتّى في المسائل التي لميعمل بفتواه فيها زمان حياته، فيكون هذانظير ما أقمنا الدليل على حجّية خبر العدلفي الأحكام الشرعيّة وقام خبر عدل علىحجّية خبر مطلق الثقة في الأحكامالشرعيّة، فتكون النتيجة حجّية خبر مطلقالثقة في الأحكام الشرعيّة. لا يقال: إذا أفتى الحيّ الفعليّ بجوازالبقاء على تقليد الميّت في خصوص المسائلالتي عمل بها العاميّ حال حياة مجتهده،ومنع عن البقاء على تقليده فيما لم يعمل بهحال حياته؛ لقيام الدليل عند الحيّ علىالاختصاص، فكيف يجوز للعاميّ الذي عملبفتوى الميّت في مسألة جواز البقاء حالحياته البقاء على فتاوى الميّت الأوّل مععدم عمله بتلك الفتاوى زمان حياة الميّتالأوّل؟ حيث إنّ الحيّ الفعليّ يمنع عنمثل هذا البقاء. فإنّه يقال: العاميّ لم يستند في البقاءعلى تلك الفتاوى إلى فتوى الحيّ في مسألةجواز البقاء ليتناقض هذا النحو من البقاءمع فتواه، بل يستند في جواز البقاء عليهاإلى فتوى الميّت الثاني في مسألة جوازالبقاء، والمفروض أنّه عمل بهذه الفتوى فيزمان حياته ويستند في البقاء في هذاالجواز إلى فتوى الحيّ الفعلي. وبتعبير آخر إنّما منع الحيّ في الاستنادفي تلك الفتوى بأن يعمل العاميّ بهامستنداً إلى الحيّ الفعليّ وأنّه جوّز هذاالاستناد فيها ولم يمنع عنه، ولكن لم يمنععن العمل بها مستنداً إلى فتوى الميّتالثاني. ولا يخفى أنّ المراد بجواز البقاء في كلّمن فتوى الحيّ والميّت الثاني عدم تعيّنالبقاء، وعليه يكون فتاوى الميت الأوّلوفتاوى الحيّ الفعليّ من قبيل الحجّةالتخييريّة بالمعنى المتقدّم، بمعنى أنّللعاميّ اختيار إحداهما في مقام العمل. وأمّا إذا أفتى الميّت بجواز البقاء علىتقليد الميّت، وأفتى الحيّ بوجوب البقاءفهل يمكن أن يعمّ فتوى الحيّ لمسألة جوازالبقاء على تقليد الميّت التي أفتى فيهاالميّت بالجواز؟ بحيث جاز للعاميّ العدولفي غيرها من المسائل إلى الحيّ استناداًإلى فتوى الميّت بجواز العدول والبقاء، أوأنّه لا يمكن أن تعمّ فتوى الحيّ تلكالمسألة، بل يختصّ اعتبار فتوى الحيّلساير فتاوى الميّت في المسائل. قد يقال بالاختصاص حيث إنّ شمول اعتبارفتوى الحيّ بوجوب البقاء لنفس مسألة ماأفتاه الميّت في مسألة جواز البقاء يوجبأن يكون فتوى الميّت في ساير المسائل حجّةتعيينيّة وتخييريّة حيث إنّ شمول فتوىالحيّ لما أفتى به في ساير المسائل مقتضاهأنّ فتوى الميّت فيها حجّة تعيينيّة،وشمول فتواه لنفس مسألة جواز البقاء الذيهو فتوى الميّت يوجب كونها حجّة تخييريّة،ولا يمكن أن يكون فتوى أيّ مفت في مسألة منالمسائل أن تكون حجّة تعيينيّة وتخييريّة. أقول: إنّما لا يكون قول الميّت حجّة فيمسألة البقاء على تقليد الميّت ولا فيسائر المسائل إذا كان الاستناد بنفس قوله،وإذا أفتى الحيّ بوجوب البقاء على تقليدالميّت، وكان قوله حجّة فيها يكون العاميّبرجوعه إلى هذا الحيّ عالماً بوظايفه فيسائر المسائل التي تعلّم حكمها من الميّتحال حياته كما هو مقتضى الحجّةالتعيينيّة، ولا يعتبر قول الميّت فيمسألة جواز البقاء وإن تعلّمه العاميّ منالميّت حال حياته؛ لأنّ مرجع قول الميّتأنّ العاميّ جاهل بعد موت مجتهده بالوظائففي المسائل ما لم يختر البقاء والرجوع إلىالحيّ، والمفروض أنّ الحيّ الذي قولهمعتبر في البقاء نفى ذلك وأفتى بأنّالعاميّ بعد موت مجتهده عالم بالوظائفوأنّ وظائفه هي التي كانت عليها حال حياةمجتهده. وبتعبير آخر اختيار البقاء أو الرجوع فيالمسائل إلى الحيّ وفتوى الميّت في مسألةالبقاء موضوعها العاميّ والجاهلبالوظيفة، وبفتوى الحيّ بوجوب البقاءواعتباره كما هو المفروض يخرج العاميّ عنالموضوع الذي ذكر الميّت الحكم له، فيكونفتوى الحيّ حاكماً على فتوى الميّتفتدبّر. وأمّا إذا كان الأمر بالعكس، بأن كان فتوىالميّت في مسألة البقاء الوجوب وفتوىالحيّ الجواز، حيث لا اعتبار بفتوى الميّتفي المسائل ومنها مسألة البقاء علىالتقليد بعد موت المجتهد فيجوز للعاميّالبقاء على فتاوى الميّت أو الرجوع فيهاإلى الحيّ. وبتعبير آخر لا يمكن أن تكون فتاوى مجتهدبالإضافة إلى العاميّ حجة تعيينيةوتخييريّة وحيث إنّ قول المجتهد الثانيليس بحجّة يكون المتّبع قول الحيّ. نعم إذا كان لفتوى الحيّ في الجوازخصوصيّة ولم تكن تلك الخصوصيّة في فتوىالميّت، بأن أجاز الحيّ البقاء في خصوصالمسائل التي عمل المكلف بها زمان حياةمجتهده، وفرض أنّ العاميّ قد عمل بفتوىالميّت بوجوب البقاء في حياة المجتهد جازله البقاء على تقليد المجتهد الثاني فيهذه المسألة، وبذلك تكون فتاوى المجتهدالميّت الأول حجّة في حقّه وإن لم يكنعاملاً بها زمان المجتهد الأوّل الذي ماتقبل المجتهد الثاني. وأمّا إذا كان كلّ من الميّت والحيّالفعليّ قائلاً بوجوب البقاء على تقليدالميّت فإن لم يكن بينهما اختلاف فيالخصوصيّات أصلاً أو كانت الخصوصيّة فيفتوى الميّت فقط فلا يعتبر قول الميّت فيمسألة البقاء أصلاً لعين الوجه المذكورفيما تقدّم في المسألة في صورة تجويز كلّمنهما البقاء على تقليد الميت، وأمّا إذاكانت الخصوصيّة في فتوى الحيّ فقط، كماإذا أفتى الحيّ بوجوب البقاء في خصوصالمسائل التي عمل العاميّ بها زمان حياةالمفتي، وكان فتوى الميّت وجوب البقاءسواء عمل بها زمان حياة مجتهده أم لا،فيمكن أن تصير فتوى الميّت حجّة في مسألةوجوب البقاء على النحو الذي فرضنا فياختلاف الحيّ مع الميّت في فتواهما فيخصوصيّة جواز البقاء. بقي في المقام ما إذا أفتى الحيّ بعدمجواز البقاء على تقليد الميّت بعد موته،وقد أشرنا في أوّل البحث أنّ فتواه بعدمجواز البقاء على تقليد الميت يوجب الرجوعفي تمام المسائل إليه ولا يعتبر شيء منفتاوى الميّت لا في مسألة البقاء علىتقليد الميت، ولا في سائرها؛ لأنّ معنىعدم جواز البقاء أنّ فتاوى الميّت لا تكونشيء منها حجّة في حقّ العاميّ، والمفروضأنّ على العاميّ الرجوع في الوقايع التييبتلي بها إلى أعلم الأحياء، فإنّ قولهالقدر اليقين في الاعتبار بالإضافة إليه،واللّه العالم.
(1). وسائل الشيعة 27:113، الباب 9 من أبوابصفات القاضي، الحديث 20. (2). بحوث في الاُصول (الاجتهادوالتّقليد):65. (للإصفهاني). (3). التنقيح في شرح العروة 1:145. (مسألة 16) عمل الجاهل المقصّر الملتفتباطل[1] وإن كان مطابقاً للواقع، وأمّاالجاهل القاصر أو المقصّر الذي كان غافلاًحين العمل وحصل منه قصد القربة، فإن كانمطابقاً لفتوى المجتهد الذي قلّده بعد ذلككان صحيحاً، والأحوط مع ذلك مطابقته لفتوىالمجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حينالعمل. (مسألة 17) المراد من الأعلم من يكون أعرفبالقواعد والمدارك للمسألة، وأكثراطّلاعاً لنظائرها وللأخبار، وأجود فهماًللأخبار. والحاصل أن يكون أجود استنباطاً،والمرجع في تعيينه أهل الخبرةوالاستنباط[2]. (مسألة 18) الأحوط عدم تقليد المفضول حتّىفي المسألة التي توافق فتواه فتوىالأفضل[3]. (مسألة 19) لا يجوز تقليد غير المجتهد وإنكان من أهل العلم، كما أنّه يجب على غيرالمجتهد التقليد وإن كان من أهل العلم[4]. (مسألة 20) يعرف اجتهاد المجتهد بالعلمالوجدانيّ، كما إذا كان المقلِّد من أهلالخبرة وعلم باجتهاد شخص. وكذا يعرفبشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكنمعارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيانعنه الاجتهاد. وكذا يعرف بالشّياع المفيدللعلم. وكذا الأعلميّة تعرف بالعلم أوالبيّنة الغير المعارضة أو الشياع المفيدللعلم[5]. (مسألة 21) إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيلالعلم بأعلميّة أحدهما ولا البيّنة، فإنحصل الظنّ بأعلميّة أحدهما تعيّنتقليده،[6] بل لو كان في أحدهما احتمالالأعلميّة يقدّم، كما إذا علم أنّهما إمّامتساويان أو أن هذا المعيّن أعلم ولايحتمل أعلميّة الآخر، فالأحوط تقديم منيحتمل أعلميّته. (مسألة 22) يشترط في المجتهد اُمور: البلوغ،والعقل، والإيمان، والعدالة[7]. والرجوليّة، والحرية، على قول[8]. وكونه مجتهداً مطلقاً فلا يجوز تقليدالمتجزّئ[9]، والحياة فلا يجوز تقليدالميّت ابتداءً نعم يجوز البقاء كما مرّ،وأن يكون أعلم[10]. فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول معالتمكّن من الأفضل، وأن لا يكون متولّداًمن الزنا[11]. وأن لا يكون مقبلاً على الدنيا وطالباًلها مكبّاً عليها، مجدّاً فيتحصيلها[12]ففي الخبر: «من كان من الفقهاءصائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاًلهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أنيقلّدوه. حكم الجاهل القاصر والمقصّر
_ [1] يقع الكلام في المقام تارة في استحقاقالجاهل العقاب على مخالفة الواقعوالتكليف الثابت فيه، بل وفي استحقاقهالعقاب على احتمال مخالفته الواقع وإن لميخالفه اتّفاقاً، واُخرى في الحكم بصحةأعماله الصادرة عنه حين الجهل فيما إذاصادفت الواقع. أمّا الكلام في الجهة الاُولى فلا ينبغيالتأمّل في أنّ الجهل قصوراً لا يوجباستحقاق العقاب على مخالفة الواقع فضلاًعمّا إذا لم يخالفه ولو اتّفاقاً، والمرادمن الجاهل القاصر في المقام من لم يستند فيعمله إلى الحجّة الشرعيّة، كالعاميّ إذالم يستند في عمله إلى الحجة الشرعيّة، ولميكن متمكّناً من الاحتياط، وأمّا إذا كانمقصّراً بأن لم يستند في عمله إلى الحجةالشرعية من فتوى المجتهد مع تمكّنه منهوترك الاحتياط أيضاً كذلك فلا كلام فياستحقاقه العقاب على مخالفة الواقع فيمالو تعلّم الفتوى أو أخذ بالاحتياط لم يكنيخالف الواقع، بل يمكن الالتزام باستحقاقالجاهل العقاب فيما ترك التعلّم وتركالاحتياط ولكن لم يخالف التكليف الواقعيّاتفاقاً حيث إنّ احتمال مخالفة التكليفالواقعي حين ارتكاب العمل من غير حجّةشرعيّة على جواز الارتكاب لا يقصر عنالتجرّي، كمن شرب العصير الزبيبيّ بعدغليانه مع جهله بحليّته، واحتماله الحرمةحين الارتكاب يعدّ من التجرّي ولو كان فيالواقع حلالاً. وأمّا الحكم بصحة أعمال الجاهل فيما إذاأحرز بعد ذلك بطريق معتبر تمام العمل ولواتّفاقاً، فإن كان العمل المزبور من قبيلالمعاملات بالمعنى الأعمّ كالذبيحة التيذبحها مع الجهل بكيفية الذبح فلا ينبغيالتأمّل في ترتيب آثار الصحة عليها؛ لأنّالمفروض تمامها وعدم اعتبار قصد التقرّبفيها حال العمل، وكذا إذا ظهر نقصها ولكنكان نقصه قابلاً للتدارك كمن غسل ثوبهالمتنجس بالبول في الكر مرّة، فإنّه إذاغسله مرّة ثانية يترتّب عليه طهارته وتذكرأنّ الطريق إلى إحراز صحّتها حين العملبالإضافة إلى العاميّ فتوى المجتهد الذييتعيّن عليه فعلاً الرجوع إليه، ولا عبرةبفتوى من كان عليه التعلّم منه حال العملمن غير فرق في ذلك بين الجاهل القاصروالمقصّر. وأمّا إذا كان العمل السابق من العباداتفقد فصّل الماتن (قدس سره) بين الجاهلالقاصر والمقصّر فيما إذا انكشف تمامالعمل حينه وأنّ ما أتى به الجاهل كانمطابقاً للواقع، فإنّه حكم بالصحة فيماكان قاصراً أو مقصّراً ولكن كان حين العملغافلاً بحيث حصل منه قصد التقرّب حالالعمل، بخلاف ما إذا كان حين العململتفتاً إلى كونه مقصّراً، فإنّه حكمببطلان عمله ولو مع انكشاف أنّه كانمطابقاً للواقع بعد ذلك، وكان الوجه فيالحكم بالبطلان التفاته حين العمل بكونهمقصّراً فلا يحصل معه قصد التقرب. ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّ التجرّي يكونبتركه الاحتياط، كما إذا لم يعلم أنّوظيفته في الواقع القصر أو التمام، فإنّالتجري في الفرض يكون بترك صلاة التمام لابالإتيان بالقصر، وإنّما أتى بالقصرلرجاء أن تكون وظيفته في الواقع القصر،وكذا في مورد كون الاحتياط غير مستلزمللتكرار، كما إذا اقتصر في صلاته علىقراءة سورة الحمد خاصة مع احتماله وجوبالسورة بعد قراءتها، فإنّ تجرّيه يكونبترك الاحتياط أي بعدم إعادة الصلاة بعدتلك الصلاة بقراءة السورة بعد الحمد، لافي الإتيان بالصلاة المأتيّ بها لاحتمالكونها هي الواجب. وعلى الجملة الإتيان بالعمل لرجاء كونهالواجب يحقّق قصد التقرّب. ثمّ إحراز العاميّ بالعلم الوجدانيّ بأنما أتى به في السابق من الأعمال كانتمطابقة للوظايف الواقعية أمر لا يتحقّق،ويكون إحرازه ذلك بفتوى المجتهد الذي تكونوظيفته الرجوع إليه فعلاً؛ لأنّ رجوعه إلىالمجتهد الذي مات بتعلّم فتواه من تقليدالميّت ابتداءً ولأنّ تدارك الأعمال أوعدم تداركها بالقضاء أو الإعادة منالوقايع الفعليّة التي ابتلى بها،والمعتبر فيها قول المجتهد الحيّ فعلاً. نعم ربّما يكون استناد العاميّ في أعمالهالسابقة إلى فتوى المجتهد السابق، بأنكانت تلك الأعمال عن تقليد موجباً لحكمالمجتهد الفعليّ بإجزائها على ما تقدّم،وهذا خارج عن مفروض الكلام في المقام. لا يقال: إذا فرض كون فتوى المجتهد السابقحجّة كان العمل المطابق له مجزياً سواءاستند في العمل إلى فتواه في زمان العمل أولم يستند إليه كما هو شأن سائر الطرقالمعتبرة. فإنه يقال: قد تقدّم أنّ مقتضى أدلّةإمضاء السيرة في الرجوع إلى أهل الخبرة فيالوظايف الشرعيّة كون التعلم في حياة منيرجع إليه مجزياً ـ سواء كان العمل بماتعلّمه منه حال حياته أو بعد مماته ـ وفيغير ذلك لا سبيل إلى كشف الإمضاء. وعلى الجملة ما يعتبر في حقّ العاميّبالإضافة إلى صحة أعماله السابقة فتوىالمجتهد الذي يتعيّن عليه الرجوع إليهفعلاً. نعم رعاية موافقتها لفتوى المجتهدالسابق أيضاً أحوط. مسائل التقليد
_ [2] قد تقدّم في بحث وجوب تقليد الأعلم بيانالمراد من الأعلم فراجع.
_ [3] قد ذكرنا سابقاً أنّ مقتضى ما ورد فيجواز تعلّم الحكم ممن يعلمه وأخذ من يؤخذمنه معالم الدين جواز التعلّم من كلّ منالفاضل والمفضول مع عدم العلم ولو إجمالاًبمخالفتهما في الفتوى، وإذا أحرز العاميّتوافقهما في مسائل مما يبتلى بها يجوز لهالاستناد فيها إلى كلّ منهما، فإنّه كماأنّ للمجتهد الاستناد في فتواه إلى كلّ منالخبرين المعتبرين أي للجميع، كذلك الأمرفي العاميّ إذا تعلّم منهما الحكم في تلكالمسائل. نعم إذا لم يحرز توافق الفاضل والمفضولواحتمل مخالفتهما في تلك المسائل فيجوزالأخذ والعمل بالفتوى من كلّ منهما كما هومقتضى السيرة العقلائيّة في الرجوع إلىأهل الخبرة على ما بيّنا سابقاً، وكذاإطلاق أدلّة الإمضاء بأمر الإمام (عليهالسلام)فيها بالرجوع إلى بعض أصحابه فيأخذ معالم الدين، وكذا في الرجوع إلى بعضأصحاب أبيه إلاّ أنّه ما لم يحرز الاتفاقلا يجوز الاستناد في عمله إليهما، بل له أنيختار أحدهما في التعلّم والاستناد فيعمله إلى قوله، وهذا ظاهر.
_ [4] عدم جواز التقليد من غير المجتهد فلأنّغير المجتهد ليس من أهل الخبرة في الوقايعبالإضافة إلى الوظائف الشرعيّة المقرّرةفيها بالإضافة إلى المكلّفين، وما ورد فيتعلّم الأحكام والأخذ بمعالم الدين ممنيعلمها هو الرجوع إلى من يعرفها بالطريقالمألوف المتعارف في ذلك الزمان منعرفانها بنحو الاجتهاد والاستظهار منالخطابات المأثورة وأقوال المعصومين(عليهم السلام) ولو كان ذلك الاجتهاد قدتطوّر بمرور الزمان لكثرة الوسائطوالمناقشات في المقدّمات اللازمةللاجتهاد الموجبة للحاجة إلى تنقيح تلكالمقدّمات، وهذا غير الاعتماد على قول بعضأهل العلم في نقل الفتوى ممن يرجع الناسإليه ويأخذون الفتوى بواسطته، فإنّالاعتماد المذكور من باب حجّية خبر الثقةوالعدل بالفتوى حيث يجب على مثل هذاالعالم التقليد عن المجتهد كالعامي. نعم ذكرنا فيما سبق أنّ الجاهل بالحكم فيواقعة ابتلى بها يجوز له الرجوع إلىالعالم بحكمها من طريق المألوف في معرفةالأحكام وإن كان متمكّناً من الوصول إلىالحكم الشرعيّ بالسؤال من الإمام (عليهالسلام) والأخذ بما استظهره من كلامه، كماهو مقتضى بعض تلك الروايات الواردة فيالإرجاع إلى بعض الرواة من الفقهاء معظهور أنّ المأمور بالرجوع ممن له أهليّةالاستظهار من كلامه (عليه السلام) وتمكّنهمن الوصول إليه فراجع.
_ [5] لا كلام إذا علم باجتهاد المجتهد أوكونه أعلم، كما إذا كان المقلّد من أهلالعلم والخبرة واُحرز وجداناً اجتهاد شخصأو كونه أعلم من غيره، فإنّ اعتبار العلمالوجدانيّ ذاتيّ، بمعنى أنّه لا يحتاجاعتباره إلى جعل شرعيّ وأن يقوم الدليلعلى أنّ الشارع اعتبره، وإنّما الكلام فياختصاص الاعتبار بالعلم الوجدانيّ كما هوظاهر المتن، أو أنّه يعمّ الاطمينانوالوثوق، ولا يبعد عدم الاختصاص فإنّالاطمينان وإن لم يكن كالعلم الوجدانيّبحيث يكون اعتباره ذاتياً، إلاّ أنّالظاهر أنّ الوثوق والاطمينان يعتبر عندالعقلاء، ولم يردع عنه الشارع لا في إحرازالموضوعات ولا الأحكام. نعم لم يثبت الاعتماد عليه حتّى عندالعقلاء في إثبات الدعاوى على الغيرونحوها من ارتكاب موجب الحدّ من حقوقاللّه وحقوق الناس مما قرّر الشارع فيثبوتها طريقاً خاصّاً. ومما ذكرنا يظهر أنّه لو كان لاجتهادالمجتهد أو كونه أعلم شياع بين أهل الخبرةبحيث أوجب ذلك العلم باجتهاده أو كونهأعلم كفى في ثبوتهما، وذكر الماتن (قدسسره) في ثبوت الاجتهاد أو الأعلمية شهادةعدلين من أهل الخبرة وكأنّ شهادتهما تدخلفي البيّنة المعتبرة في الموضوعات، ومنهااجتهاد المجتهد أو كونه أعلم. ويستدلّ على اعتبار شهادة العدلينبوجهين: الأول: ما ورد في القضاء وفصل الخصومة بينالمترافعين والتعبير عن شهادتهمابالبيّنة في مثل قوله (عليه السلام):«إنّما أقضي بينكم بالبيّنات»(1) فإنّظاهره أنّ المراد بالبينة ما تكون بيّنةمع قطع النظر عن القضاء وإنشاء فصلالخصومة، وقد طبّق عنوان البيّنة علىشهادة العدلين إلاّ في موارد خاصّةكالبيّنة على الزنا ونحوه، والشاهد لكونالمراد بالبيّنة ما ذكر وأنّ شهادةالعدلين بيّنة للاُمور مع قطع النظر عنمقام القضاء أنّه لو كان المراد أنّشهادتهما بيّنة في مقام القضاء وبلحاظ فصلالخصومة، لا مع قطع النظر عن ذلك لم يكنلعطف الأيمان على البيّنة في بعض الرواياتوجه، حيث إن اليمين أيضاً في خصوص القضاءبيّنة لإثبات مورد الخصومة أو نفيه. والثاني: بعض الروايات الوارد فيهااعتبارها في ثبوت كلّ موضوع للحكمالإلزامي وغيره تكليفاً ووضعاً، كروايةمسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه (عليهالسلام) قال سمعته يقول: «كلّ شيء هو لكحلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه، فتدعه منقبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قداشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّهحرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً، أوامرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والأشياءكلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أوتقوم به البيّنة»(2) فإنّ ظاهرها أنّ كلّشيء يحتمل حلّيته وحرمته وحكم بحليّته عندالجهل بأيّ جهة فهذه الحلية تنتهي بظهورالخلاف والعلم بحرمته أو تقوم بخلافالحليّة بيّنة، فتكون الرواية ظاهرة فيأنّ البيّنة مثبتة لجميع الموضوعات التييترتب عليها الحكم الإلزامي وضعاًوتكليفاً وإن اقتضى خلافها قاعدة اليد،كما في مسألة شراء الثوب أو العبد المشترىأو أصالة عدم تحقّق الرضاع والنسب كما فيمسألة تزويج المرأة إلى غير ذلك، وعليهيرفع اليد عن أصالة عدم بلوغ أهل العلممرتبة الاجتهاد أو عدم صيرورة المجتهدأعلم بقيام البيّنة على اجتهاده أو كونهأعلم. وقد يناقش في الاستدلال بهذه الرواية ـ معالإغماض عن سندها، حيث إنّ مسعدة بن صدقةلم يثبت له توثيق ـ بأنّه لا يمكنالاستدلال بها في المقام؛ لأن البيّنةشهادة كلّ من العدلين على واقعة محسوسةمنهما، والاجتهاد أو كون شخص أعلم منالاُمور الحدسيّة لا الحسّية، ولذا يعتبرفيهما قول أهل الخبرة. وقد يجاب(3) عن ذلك بأنّ الأمر الحدسيّ إذاكان له أثر بارز حسّي يدرك بالحسّ كالسماعلكيفية الاستنباط من مدارك الأحكاموكيفية استظهاره الحكم منها وتكرّر هذاالسماع مكرّراً يحسب عند العقلاء حسّاًبالواقعة، نظير الشهادة بإيمان شخصواقعاً واعتقاده بالولاية برؤية آثارهافي الوقايع المتعدّدة. وفيه إذا كان الأمر الحدسي بحيث يكون أثرهمحسوساً بحيث يعرفه كلّ من أحرز ذلك الأثربالحسّ كالشهادة بالشجاعة والعدالة يصحّدعوى أنّ هذه الاُمور عند العقلاء داخلةفي الحسّ، فيكون الإخبار بها برؤية آثارهاشهادة عليها بالحسّ، ولكن اجتهاد الشخص أوكونه أعلم ليس من هذا القبيل، فإنّهما وإنيحرزان بالأثر لكن إحرازهما من الأثر أمرحدسيّ يختصّ هذا الإحراز والحدس بأشخاصمخصوصين، ولا يكون الإخبار بهما شهادةبالواقعة بالحسّ. ولا يستفاد اعتبار التعدّد في الإخبارعنهما مما ورد في اعتبار التعدّد فيالشاهد بالواقعة، كما لا يستفاد ذلك مماورد في اعتبار البيّنة في القضاء ولا منرواية مسعدة بن صدقة المتقدّمة، بلالمعتبر في الاُمور التي يرجع فيها إلىأهل الخبرة قولهم إلاّ مع الاختلاف حيثيكون المتّبع قول من هو أكثر خبرة حتّىفيما إذا كان واحداً، وعليه فلا يعتبرفيمن يرجع إليه في إحراز الاجتهاد أو كونهأعلم التعدّد كما هو مقتضى السيرةالعقلائيّة في الرجوع إلى أهل الخبرة. وربّما يورد(4) على الاستدلال بروايةمسعدة بن صدقة بأن البيّنة معناها اللغويما يوضح الشيء ويثبته، وقد استعمل كثيراًحتى في الرواية بهذا المعنى، غاية الأمرقد طبّق عنوانها في موارد فصل الخصومة علىشهادة عدلين في أكثر موارد فصلها، وإذاكان في بناء العقلاء وسيرتهم العمل بأخبارالثقات في غير موارد الدعاوى ونحوها ولميثبت ردع الشارع عنها، بل ورد في بعضالموارد الاعتناء بخبر الثقة مع كونها منالموضوعات يكون خبره أيضاً بيّنة. ولكن قد ذكرنا في بحث ثبوت النجاسات أنّالمراجع في الأخبار يطمئنّ لولا الجزمبأنّ البيّنة في زمان الصادقين (عليهماالسلام) وما بعده في نظير المقامات ظاهرهاشهادة العدلين، فالعمدة في الإشكال ضعفالرواية سنداً وكذا خبر عبداللّه بنسليمان عن أبي عبداللّه (عليه السلام) فيالجبن قال: «كلّ شيء حلال حتى يجيئك شاهدانيشهدان أنّ فيه ميتة»(5). وعلى الجملة هاتان الروايتان لضعفهماسنداً لا تصلحان للردع عن السيرة التيأشرنا إليها من الاحتجاج والاعتذار فيالموضوعات أيضاً بأخبار الثقات، كما هوالحال في الإخبار بالأحكام الكليّةبحكاية قول المعصوم (عليه السلام) أو فتوىالمجتهد الذي تكون فتواه معتبرة في حقّالعاميّ. وقد يقال: إنّه لولم نقل باعتبار خبرالثقة في ساير الموضوعات فأيضاً يلتزمباعتبار الخبر باجتهاد شخص أو بأعلميّتهأو بفتواه ولو كان الخبر واحداً ولم يعارضخبره بخبر مثله، وذلك فإنّ الخبر باجتهادشخص أو كونه أعلم، أو بفتواه كما يخبر بهماكذلك يخبر بأنّ فتواه هو الحكم الشرعيّ فيحقّ العاميّ نظير خبر زرارة مثلاً بقولالإمام (عليه السلام)، فإنّه كما أنّالمرويّ بالمطابقة قول الإمام (عليهالسلام) كذلك المرويّ بالالتزام هو الحكمالشرعيّ الكلّي. غاية الأمر المدلول الالتزاميّ في خبرزرارة بقول الإمام (عليه السلام) يكون بحدسالمجتهد، وفي الإخبار باجتهاد شخص أوأعلميته أو فتواه يكون أيضاً بحدس المجتهدولكن لا يختصّ به بل يعمّ المخبربالاجتهاد والفتوى أيضاً، وكما أنّالإخبار بقول المعصوم حتى للمخبر بهبالإضافة إلى المدلول المطابقيّ كذلك نفساجتهاد الشخص أو فتواه مدلول مطابقيّوحسّي للمخبر بهما. ثمّ ذكر القائل إنّه على ذلك يكفي الخبرالواحد في توثيق الراوي ولا يحتاج إلىالتعدّد ولو قيل باعتبار التعدّد فيالإخبار عن الموضوعات، حيث إنّ الإخباربتوثيق الراوي إخبار عن كون ما يرويه هوالحكم الشرعيّ الكلّي. ولا يخفى ما فيه، فإنّ غاية ما ذكر أن يكونالخبر الواحد كافياً في نقل فتوى المجتهدلمقلّديه بالتقريب، وأمّا الإخبار بكونالشخص مجتهداً أو أنّ ما استظهره من مداركالأحكام استنباط شخص ذي ملكة بطريق متعارففهو إخبار بأمر حدسيّ لا حسّي، بخلاف خبرزرارة بقول الإمام (عليه السلام) حيث إنّما يرويه من قول الإمام (عليه السلام) أمرحسّي قد سمعه منه (عليه السلام)، وكذاالحال في خبر شخص بكون الراوي ثقة، فإنّهقد أحرز حال الراوي وأنّه يجتنب عن الكذبوإظهار خلاف الواقع، وأمّا كون ما يرويهعن الإمام (عليه السلام)هو الحكم الشرعيّواقعاً فهذا خارج عن شأن الراوي بما هوراو، ولا يدلّ دليل اعتبار خبر الثقة بقولالإمام (عليه السلام) على اعتبار حدسالراوي في هذه الجهة، بل اعتباره بالنسبةإلى اعتبار الدالّ على الحكم الشرعيّالكلّي الحكم الذي يستظهره الفقيه من ذلكالدالّ، بخلاف الخبر عن اجتهاد شخص فإنّهليس إخباراً بالدالّ على الحكم الشرعيّولا بلزوم الحكم الشرعيّ الكلّي حسّاً، بلالمخبر عن الحكم الشرعيّ الكلّي هو نفسذلك المجتهد. نعم المخبر باجتهاد شخص أو بكونه أعلميخبر عن حكم جزئيّ وهو اعتبار فتواه، ولكنلا يكون قوله في هذا الحكم معتبراً لولميكن عند من يخبره هذا الحكم معلوماً، كماهو الحال في الإخبار بسائر الموضوعات حيثإنّ المعتبر بقول المخبر نفس الإخباربالموضوع، ولو بنى على اعتبار تعدّدالشاهد والمخبر لزم رعاية التعدّد فيالإخبار عنهما مع قطع النظر عما ذكرنا منعدم الاعتبار في موارد الرجوع إلى أهلالخبرة، ومما ذكر يظهر الحال في مواردالإخبار بكون الراوي ثقة وأنّه من قبيلالإخبار بالموضوع لا الحكم الكلّي ولاالحكم الجزئيّ إذا لم يحرز المجتهد اعتبارخبر الثقة.
_ [6] قد تقدّم الكلام في ذلك في ذيل لزومتقليد الأعلم فيما إذا علم الاختلاف بينالمجتهدين في المسائل التي يمكن ابتلاءالمكلف بها حتى فيما إذا كان ذلك بنحوالعلم الإجماليّ، وذكرنا أنّ الاطمينانوالوثوق ملحق بالعلم، وأنّ مجرّد الظن لااعتبار به، بل لو اختصّ احتمال الأعلميّةبأحدهما المعيّن تعيّن تقليده وإن لم يكنالاحتمال بمرتبة الظنّ، ومع جريانالاحتمال في ناحية كلّ منهما يحتاط أويكتفي بالموافقة بقول أحدهما على ما مرّمن التفصيل.
_ [7] ينبغي أن تعلم الاُمور المعتبرة فيالمجتهد بالإضافة إلى اعتبار فتواه في حقّالعاميّ، لا بالإضافة إلى عمل نفسه حيثتقدّم أنّ العاميّ لابدّ له من علمه بجوازالتقليد، ولا يمكن أن يحصل له العلم إلاّإذا اجتمع في المجتهد الذي يرجع إليه جميعما يحتمل دخالته في جواز التقليد، والكلامفي المقام أنّه بنظر المجتهد المستفاد منمدارك الحكم أيّ أوصاف تعتبر في المجتهدالذي يرجع إليه العاميّ حتى يمكن للعاميّبعد كونه القدر المتيقن من جواز التقليدأن يستند إلى فتواه في رجوعه ولو فياحتياطاته إلى من هو واجد لما يعتبره منأوصاف المجتهد، فنقول: أمّا اعتبار البلوغفقد ادّعي على اعتباره في المجتهد الإجماعوالاتّفاق وأنّ المرجعيّة التي ينالهاأشخاص مخصوصون منصب يتلو منصب الإمامةوالنبوّة، فلا يناسب التصدّي لها منالصّبي حيث يصعب على الناس إحراز أنّه لايصدر عنه انحراف وزلل، ولا ينتقض ذلكبنبوّة بعض الأنبياء وتصدّيهم النبوة حالصغرهم، وكذا بالإمامة حيث تصدّى بعضالأئمّة إلى الإمامة حال صغرهم، فإنّعصمتهم تخرجهم عن مقام التردّد والشكّ فيأقوالهم، وتوجب اليقين والجزم بصحّةأقوالهم وأفعالهم. وعلى الجملة مع العصمة لا ينظر إلى السنّوالبلوغ، بخلاف من لم تكن فيه العصمة،فإنّ الصّبي في صباوته معرض لعدم الوثوقبه، كيف وقد رفع القلم عنه ولا ولاية لهبالمعاملة في أمواله ونحوها، فكيف يكون لهمنصب الفتوى والقضاء للناس؟ مع أنّ منيؤخذ منه الفتوى يحمل أوزار من يعملبفتاويه، مع أنّ الصّبي لا يحمل وزر عملهفضلاً عن أوزار أعمال الناس. والحاصل المرتكز عند المتشرعة هو كونالمفتي ممن يؤمن بأنّ وزر من عمل بفتواهعليه وأنّه يحاسب به، ويشهد لذلك بعضالروايات منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاجقال: كان أبو عبداللّه (عليه السلام)قاعداً في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابيّفسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه، فلمّاسكت قال له الأعرابيّ: أهو في عنقك؟ فسكتعنه ربيعة ولم يرد عليه شيئاً، فأعادالمسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال لهالأعرابيّ: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقالأبو عبداللّه (عليه السلام): «هو في عنقه،قال أو لم يقل وكلّ مفت ضامن؟»(6). وربّما ينساق من معنى تقليد مجتهد تحميلوزر العمل بفتواه عليه، وعلى ذلك فلا يصلحالصّبي والمجنون للتحميل والتحمّل للوزرعليه، بل يكون في تقليد المجنون ولو كانأدواريّاً مهانة للمذهب حيث إنّالمرجعيّة للفتاوى ـ كما تقدّم ـ منصبوزعامة دينيّة يتلو منصب الإمامة،والمجنون والفاسق بل العادل الذي له سابقةفسق ظاهر عند الناس لا يصلح لهذا المنصب. ويعتبر فيمن يرجع إلى فتاواه كونه أهلالإيمان لا لمجرّد رواية أحمد بن حاتم بنماهويه قال: كتبت إليه يعني أبا الحسنالثالث (عليه السلام) أسأله عمّن آخذ معالمديني؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما:فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كلّمسنّ في حبّنا وكلّ كثير القدم في أمرنا،فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى»(7)ورواية علي بن سويد قال: كتب إليّ أبوالحسن (عليه السلام) وهو في السجن: «وأمّاما ذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك، لاتأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا فإنّك إنتعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذينخانوا اللّه ورسوله، وخانوا أماناتهم،إنّهم ائتمنوا على كتاب اللّه فحرّفوهوبدّلوه فعليهم لعنة اللّه ولعنةرسوله»(8). فإنّ الثانية ضعيفة سنداً لوقوع محمد بناسماعيل الرازي وعلي بن حبيب المدائني فيسندها، وكذا الاُولى فإنّ في سندها أحمدبن حاتم وغيره ممّن لم تثبت وثاقته، مع أنّفي الاُولى اعتبار كثرة الحبّ، وقدم أمرهفي ولايتهم، بل لما تقدّم من أنّالمرجعيّة في الفتاوى منصب يتلو منصبالإمامة، وغير المؤمن لا يصلح لذلك فإنّتصدّيه لهذا المنصب وهن، حيث يوهم الناسبطلان المذهب حيث يلقي فيهم أنّه لو كانمذهبهم حقّاً لما عدل عنه. وما ذكر من الأوصاف يعتبر في المجتهدابتداءً وفي البقاء على تقليده لجريان ماذكرنا من الوجوه المانعة في أصل الرجوعوفي البقاء على تقليده.
_ [8] يعتبر فيمن يرجع إليه في الفتوىالرجوليّة، ويستدلّ على ذلك بما ورد فيالقضاء في معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرمالجمال قال: قال أبو عبداللّه جعفر بن محمدالصادق (عليه السلام): «إيّاكم أن يحاكمبعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظرواإلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا،فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً»(9). ودعوى(10) أنّ ذكر الرجل باعتبار العادة فيالخارج في ذلك الزمان لعدم وجود من يعلم منقضاياهم من النساء، وكذا الحال في معتبرةعمر بن حنظلة حيث ورد فيها: «ينظران إلى منكان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالناوحرامنا وعرف أحكامنا»(11) حيث إنّ ظاهرهاأنّ المرجع في القضاء الرجل، لا يمكنالمساعدة عليه، فإنّ القيد الغالبي إنّمالا يمنع عن الأخذ بالإطلاق إذا كان فيالبين إطلاق يعمّ مورد القيد وعدمه، ولكنليس في أدلة نفوذ القضاء إطلاق يعمّالنساء، بل ورد فيه أنّ المرأة لا تتولّىالقضاء، وإذا لم يكن القضاء من غير الرجلنافذاً فكيف يعتبر فتوى غير الرجل؟ فإنّمنصب القضاء ليس بأكثر من منصب الإفتاء،بل ربّما يكون القضاء بتطبيق القاضي فتواهعلى مورد الترافع. أضف إلى ذلك أنّ الشارعلا يرضى بإمامة المرأة للرجال في صلاتهمفكيف يحتمل تجويزه كونها مفتية للناسالمقتضي جعل نفسها عرضة للسؤال عنها منالرجال، مع أنّ الوارد في حقّ المرأة: أنّمسجدها بيتها(12)، وخوطب الرجال بأنّالنساء عورات فاستروهن بالبيوت(13) إلى غيرذلك. وأمّا ما ذكره (قدس سره) من اعتبار الحريّةعلى قول فليس في البين ما يعتمد عليه فياعتبارها في المفتي وأن لا يجوز الرجوعإلى العبد الواجد لساير الشرايط، فإنّ ماورد في القضاء يعمّ كونه حرّاً أو عبداًوليس في تصدّي العبد لمقام الإفتاء أيّمنقصة فيه، وما يقال من أنّ استغراق أوقاتالعبد بالجواب عما يسأل عنه في الأحكامالشرعيّة ينافي كون أعماله ملكاً لمولاهحيث لا يجوز له صرفها في غير ما يأمر مولاهبه من الأعمال فيه ما لا يخفى، فإنّه لواتّفق ذلك ووجب على العبد التصدّي للجوابعمن يسأله يكون ذلك كساير وظائفه الشرعيّةالتي لا يجوز لمولاه منعه عن مباشرتها.
_ [9] إذا أراد العاميّ التقليد في الوقايعالتي يبتلي بها مع علمه إجمالاً بمخالفةالأحياء فيها ولو كان علمه بنحو الإجمالفلا يجوز له التقليد من المتجزّي ولاالمجتهد المطلق الذي لا يكون أعلم أومحتمل الأعلمية من السائرين، كما أنّه لادليل على كفاية التعلّم فيما إذا علم منأهل العلم مسألة أو مسألتين أو عدّة مسائلمعيّنة من مداركها؛ لعدم الدليل علىاعتبار فتواه، فإنّ عمدة ما اعتمدنا عليهفي جواز التقليد الروايات المتقدّمةالوارد فيها الإرجاع إلى أشخاص خاصّة،ولاحتمال اقتصار الشارع في الإمضاء علىأمثالهم لا يجوز التعدّي إلى مثل الشخصالمفروض، بل يتعدّى إلى ما ورد في معتبرةعمر بن حنظلة، ويلتزم بأن يصدق على من يرجعإليه رجل يعرف حلالهم وحرامهم وينظر فيهماكما ورد فيها. وأمّا ما ورد في معتبرة أبي خديجة سالم بنمكرم: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً منقضايانا، فاجعلوه حكماً»(14) فمضافاً إلىأنّه في القضاء وفصل الخصومة، ونفوذ قضائهلا يلازم جواز الرجوع إليه في الفتوى، أنّقوله (عليه السلام): «يعلم شيئاً منقضايانا» لا يعمّ عرفان مسألة أو مسائلمعدودة، فإنّ إطلاق الشيء على علمه فيمقابل علمهم (عليه السلام) كإطلاق شيء منالماء على ماء النهر العريض الجاري فيمقابل ماء البحر كما لا يخفى.
_ [10] قد تقدّم الكلام في ذلك عند التكلم فياشتراط الحياة في المفتي، وذكرنا الوجه فيعدم جواز تقليد الميّت ابتداءً، كما ذكرناالوجه في جواز البقاء على تقليد الميّتعلى التفصيل المتقدّم، وتقدّم أيضاًالوجه في لزوم تقليد الأعلم في المسائلالتي يعلم اختلاف الأحياء فيها ولو بنحوالإجمال إذا كانت تلك المسائل محلّالابتلاء للعاميّ.
_ [11] لا يجوز أخذ الفتوى من ولد الزنا وإنكان عادلاً لما تقدّم من كون شخص ولد الزناغير مناف لكونه مجتهداً وعادلاً، إلاّ أنتصدّيه لمقام المرجعيّة والإفتاء مهانةللمذهب، فيعلم أنّ الشارع لا يرضى به، كيفوأنّ الشارع لم يجوّز إمامته وتصدّيه كونهإمام الجماعة؟ فكيف يحتمل أن يجوّز تصدّيهلمنصب يتلو منصب الإمامة؟ وممّا ذكرنايظهر أن طروّ بعض الاُمور التي لا يحسبطروّها منقصة للشخص ولا المنصب لا يمنع منجواز التقليد حدوثاً أو بقاءً، كعروضالإغماء لمرض وإن استمرّ، بخلاف عروضالجنون ولا سمح اللّه الفسق، فإنّ عروضهمامنقصة للشخص ويمنع من جواز التقليد بقاءًفضلاً عن التقليد عنهما ابتداءً.
_ [12] ظاهر كلامه (قدس سره) حيث ذكر اشتراطالعدالة في المفتي قبل ذلك أنّ هذاالاشتراط زائد على اشتراط العدالة لا أنّهتكرار؛ ولذا يقع الكلام في الدليل علىاعتبار الزائد من العدالة، فإن كانالمستند في ذلك الخبر المروي في تفسيرالعسكري (عليه السلام)على ما هو المعروففلا دلالة له على أزيد من العدالة، فإنّالمكبّ على الدنيا بجمع المال حتّى منالحرام ينافي العدالة، وأمّا جمعه منالحلال بعد أداء ما عليه من الحقوق إلىأهلها فلم يثبت كراهته فضلاً عن كونهمنافياً للعدالة، والورع ومخالفة الهوىظاهره الإمساك عمّا تشتهيه النفس منارتكاب ما حرّم اللّه سبحانه، وأمّا ماأباحه سبحانه فلا ينافي الورع. هذا مع ضعف الخبر وعدم صلاحه للاعتمادعليه، مع ظهور المكبّ يعني المكبّ علىالدنيا تحصيلها بحلال وحرام، وكذا اتّباعالهوى الإتيان بما تشتهيه نفسه ولوبتهيّئة المقدّمات من حلال وحرام.
(1). وسائل الشيعة 27:232، الباب 2 من أبوابكيفية الحكم، الحديث الأول. (2). وسائل الشيعة 17:89، الباب 4 من أبواب مايكتسب به، الحديث 4. (3). التنقيح في شرح العروة 1:175. (4). المصدر السابق 1:173. (5). وسائل الشيعة 25:118، الباب 25 من أبوابالأطعمة المباحة، الحديث 2. (6). وسائل الشيعة 27:220، الباب 7 من أبوابآداب القاضي، الحديث 2. (7). وسائل الشيعة 27:151، الباب 11 من أبوابصفات القاضي، الحديث 45. (8). وسائل الشيعة 27:150، الباب 11 من أبوابصفات القاضي، الحديث 42. (9). وسائل الشيعة 27:13، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 5. (10). التنقيح في شرح العروة 1:187. (11). وسائل الشيعة 1:34، الباب 2 من أبوابمقدمة العبادات، الحديث 12. (12). وسائل الشيعة 5:236، الباب 30 من أبوابأحكام المساجد. (13). وسائل الشيعة 20:66، الباب 24 من أبوابمقدمات النكاح، الحديث 6. (14). وسائل الشيعة 27:13، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 5. (قدس سره)(مسألة 23) العدالة عبارة عن ملكةإتيان الواجبات وترك المحرمات[1]. وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً أوظنّاً[2] وتثبت بشهادة العدلين، وبالشياعالمفيد للعلم. (مسألة 24) إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقدهللشرائط يجب على المقلّد العدول إلىغيره[3]. (مسألة 25) إذا قلّد من لم يكن جامعاً[للشرائط] ومضى عليه برهة من الزمان كانكمن لم يقلّد أصلاً، فحاله حال الجاهلالقاصر أو المقصّر[4]. (مسألة 26) إذا قلّد من يحرّم البقاء علىتقليد الميت فمات وقلّد من يجوّز البقاء،له أن يبقى على تقليد الأوّل في جميعالمسائل إلاّ [في] مسألة حرمة البقاء[5]. (مسألة 27) يجب عل المكلّف العلم بأجزاءالعبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها[6]ولولم يعلمها لكن علم إجمالاً أنّ عملهواجد لجميع الأجزاء والشرائط وفاقدللموانع صحّ وإن لم يعلمها تفصيلاً. (مسألة 28) يجب تعلّم مسائل الشكّ والسهوبالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالباً،نعم لو اطمأنّ من نفسه أنّه لا يبتليبالشكّ والسهو صحّ عمله وإن لم يحصل العلمبأحكامهما[7]. (مسألة 29) كما يجب التقليد في الواجباتوالمحرّمات يجب في المستحبّات والمكروهاتوالمباحات[8] بل يجب تعلّم كلّ فعل يصدر منهسواء كان من العبادات أو المعاملات أوالعاديّات. (مسألة 30) إذا علم أنّ الفعل الفلاني ليسحراماً ولم يعلم أنّه واجب أو مباح أومستحبّ أو مكروه يجوز له أن يأتي به،لاحتمال كونه مطلوباً[9] وبرجاء الثواب.وإذا علم أنّه ليس بواجب ولم يعلم أنّهحرام أو مكروه أو مباح له أن يتركه لاحتمالكونه مبغوضاً. (مسألة 31) إذا تبدّل رأي المجتهد لا يجوزللمقلّد البقاء على رأيه الأوّل[10]. (مسألة 32) إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلىالتوقّف والتردّد يجب على المقلّدالاحتياط أو العدول إلى الأعلم بعد ذلكالمجتهد[11]. العدالة وحقيقتها
_ [1] قد وقعت العدالة قيداً لموضوع الحكم فيجملة من الموارد، كالعدالة في المفتي حيثإنّها قيد لاعتبار فتواه، وعدالة القاضيفإنّها قيد لنفوذ قضائه، وعدالة الشاهد فيقبول شهادته والاستماع إلى الطلاق،وعدالة إمام الجماعة والجمعة في صحّةالاقتداء وإجزاء صلاة الجمعة وغير ذلك؛ولذا يقع البحث في المراد منها والمعروفبينهم أنّها ملكة الاجتناب عن الكبائروترك الإصرار على الصغائر كما ذكر ذلكالماتن (قدس سره) أيضاً في عدالة إمامالجماعة، ولكن أطلق فيما نحن فيه بذكرأنّها ملكة الإتيان بالواجبات وتركالمحرّمات. ومقتضاه عدم الفرق بين واجبوواجب آخر وعدم الفرق بين حرام وحرام آخرفي أنّ ملكة الإتيان بالأوّل وترك الثانيهي العدالة. وعبّر في كلمات البعض عن الملكة بأنّهاحالة راسخة للنفس أو في النفس تدعو إلىالاجتناب عن المحرّمات والإتيانبالواجبات، فيكون اتّصاف الشخص بالعدالةمن وصفه بصفات نفسانية، ويظهر من بعضالكلمات أنّ اتّصاف الشخص بالعدالة منقبيل وصفه بصفات الفعل، فالعدل هو كونالشخص مستمرّاً في أفعاله وأعماله علىالوظيفة الشرعيّة بأن يستمرّ على الإتيانبالواجبات وترك المحرّمات، وكونه كذلك فيأعماله فعلاً أو تركاً ناشئاً عن حالتهالنفسانيّة المستقرّة، فالعدالة هيالمسبّب عن الملكة لا أنّها بنفسها هيالملكة. وقد يقال: إنّ العدالة ثبوت حسن الظاهرللشخص بحيث لو سئل عن معاشريه والمطلّعينعلى أحواله قالوا علمنا منه الاستمرار علىالوظائف الشرعيّة ولم نر منه سوءاً، كماأنّه قيل أيضاً بأنّها ظهور إيمان الشخصوأنّه مؤمن مع عدم ظهور الفسق منه، ولكن لايخفى أنّه لو كان لظهور إيمان الشخص وعدمإحراز فسقه اعتبار فهو بمعنى كونه طريقاًإلى عدالته واقعاً، لا أنّ العدالة تجتمعمع الفسق الواقعيّ، فإنّ المضادّة بينالفسق والعدالة لا تحتاج إلى إقامةالدليل، وكذا الأمر في حسن الظاهر فإنّإخبار من يعاشره أو أشخاص يعاشرونه بحسنظاهره، وأنّهم لم يروا منه إلاّ الخيروالمواظبة على الطاعات، ذلك من إحرازالطريق إلى عدالته لا أنّ نفس حسن الظاهربنفسه هو العدالة؛ لأنّ الفسق المستور عنالناس لا يجتمع مع العدالة الواقعيّة. وعلى ذلك يبقى الكلام في أنّ العدالة هياستقامة الشخص في أعماله على طبق الوظائفالشرعيّة وعدم انحرافه عنها في العملبأنّه يطيع اللّه ولا يعصيه، ولو انحرفاتفاقاً في عمل من باب: الجواد قد يكبو،وأنّ الغريق قد ينجو بذكر اللّه تداركهبالتوبة والاستغفار، أو أنّ العدالة منصفات النفس لا وصفٌ له بحسب أعمالهوأفعاله وسلوكه الدينيّ. تنبيه وقبل التكلّم في الاحتمالين بل القولينينبغي التنبيه لأمر، وهو أنّ تعويدالإنسان نفسه بترك الحرام والإتيانبالواجب بحيث يشمئز من تصوّر الحرام ولحاظوقوعه منه، ويشتاق إلى فعل الواجبوالإتيان به غير معتبر في تحقّق العدالة،سواء قيل بأنّها ملكة فعل الواجبات وتركالمحرمات أو كونها الاستقامة على الوظائفالشرعيّة وعدم الانحراف عنها، فإنّه يوصفالشخص بأنّه عادل بدون ذلك، فإنّه إذا خافمن سوء الحساب والابتلاء بالعقاب يومالحساب وأوجب ذلك أي دعاه إلى ترك الحراممع كمال ميل نفسه إليه، والإتيان بالواجبمع صعوبته عليه ويستمرّ على ذلك، وإذااتّفق الانحراف والارتكاب أحياناً تندمبعده واستغفرّ ربّه فهو عادل ومأمون فيدينه، وينطبق عليه بعض العناوين الواردةفي موارد اعتبار العدالة من كونه خيّراًومرضيّاً وصالحاً وثقة في دينه إلى غيرذلك. وعلى ذلك فنقول: ينظر في ارتكاز المتشرعةفي عدالة الشخص وفسقه إلى أعماله، فإن لميخرج في أعماله عن وظائفه الدينيّة فهورجل عادل، بخلاف ما إذا لم يكن مبالياًفيها فيرتكب الحرام إذا دعاه غرضه إلىارتكابه للوصول إليه أو إذا هوت إليهنفسه، ويترك الواجب ولا يبالي به إذا كانتركه يساعده على الوصول إلى غرضه الدنيويّأو هوى نفسه، فإنّه يقال إنّه ليس بعادل.وبتعبير آخر استمرار الشخص في أعماله علىوظائفه الشرعيّة وإن ينشأ من أمر نفسانيّمن خوفه من سوء الحساب والابتلاء بالعقابأو اشتياقه إلى نيل الثواب والوصول إلىالجنة أو غير ذلك من تحصيل رضى ربّه، إلاّأنّ كون العدالة هي الأمر النفسانيّخصوصاً في تعيينها في الملكة دون الخوف مناللّه والاشتياق إلى نجاة نفسه من العقابونيل الشفاعة أمر لا يساعده ارتكازالمتشرعة ولا معنى العدالة عرفاً فياستعمالاته في مقابل الفسق والغيرالمباليّ. لا يقال: إذا كان المراد من العدالةاستقامة الشخص في أعماله بحسب وظائفهالشرعيّة، وانحرافه عنها موجباً لفسقهوعدم عدالته فلا يمكن إحراز العدالة إلاّبالإضافة إلى النوادر من الأشخاص؛ إذالعلم الإجماليّ بأنّ نوع الإنسان يرتكبولو في بعض الأحيان بعض الصغائر حاصل،فكيف يحرز توبته ليترتّب عليه آثارالعدالة من جواز الاقتداء به وقبول شهادتهوصحة الطلاق عنده إلى غير ذلك؟ وكيف يمكنللمدعيّ إقامة شهادة عدلين لدعواه؟ فإنّه يقال: قد ذكرنا أنّ الانحرافالاتفاقيّ لا يضرّ بالعدالة إذا تداركهبالتوبة أي الندم والاستغفار، فإنّالتائب بتوبته واستمراره في أعماله علىطبق الوظائف الشرعيّة عادل في دينه كمايشهد لذلك ما ورد في التوبة، غاية الأمردعوى أنّ التوبة من المرتكب ولو اتفاقاًلا تحرز غالباً، ولكن هذا الأمر سهل مع جعلالشارع الطريق إلى إحراز عدالة الشخص وهوثبوت حسن الظاهر له، وإذا اُحرز ثبوت هذاالحسن في حقه واحتمل عدالته واقعاً يكونذلك إحرازاً لعدالته، كما هو الحال فيإحراز سائر الاُمور بالطريق المعتبر فيه. وعلى الجملة عدالة الشخص استقامته فيأعماله وعدم الانحراف فيها عن وظائفهالشرعية. نعم الاستقامة يوماً أو يومين ونحو ذلك لاتكون مصداقاً للاستقامة فيها ما لم يحرزاستمرارها ودوامها بحسب الحالات وطروّالتغيّرات الزمانيّة. ما يستدلّ به على كون العدالة هي الملكة ويستدلّ على كون العدالة بمعنى ملكةالاجتناب عن الكبائر وترك الإصرار علىالصغائر أو ملكة الإتيان بالواجبات وتركالمحرّمات بوجهين: الأوّل: أنّ الأحكام المترتّبة علىالعدالة وعنوان العادل ثبوتها في حقالفاقد للملكة لولم يكن عدم ترتّبهامحرزاً فلا أقلّ من الشكّ في ترتّبها علىفقدها وفاقدها؛ لأنّ العدالة لولم يكنظاهرها ما ذكر من الملكة فلا أقلّ منإجمالها واحتمالها في تحقّقها، فيدورترتّبها على القليل أو الكثير فيؤخذبالقدر المتيقّن، فإنّه لولم يكن فاقدالملكة من الفاسق احتمالاً فلا يحرز كونهعادلاً. وفيه قد ذكرنا أنّ ظاهر العدالة أنّها وصفللشخص بحسب أعماله وأفعاله وعدم الخروجفيها عن وظائفه الشرعيّة سواء كان منشأالاستقامة في أعماله وعدم انحرافه فيها عنوظايفه الشرعيّة الملكة المذكورة، أومجرّد الخوف من اللّه وسوء الحسابوالابتلاء بجزاء أعماله يوم الجزاء، هذاأوّلاً. وثانياً: ليس كلّ مورد يترتّب فيهالأثر اُخذ عنوان العدالة قيداً في خطابذلك الأثر، فإنّ الموضوع لأخذ الفتوىونفوذ القضاء من يعلم معالم الدين وحلالالشرع وحرامه، غاية الأمر علمنا بما تقدّمذكره أنّ الشارع لا يرضى بالاعتماد على منهو غير مستقيم في دينه وغير أمين في قوله،ويبقى في الموضوع من هو مستقيم ومأمون فيقوله، واحتمال اعتبار الملكة يدفعبالإطلاق، وكذا الحال في الايتمام فإنّالمقدار الثابت في إمام الجماعة اعتباركونه ثقة في دينه ومأموناً في الاقتداء به. والوجه الثاني: استظهار اعتبار الملكة فيالعدالة من بعض الروايات كصحيحة عبداللّهبن أبي يعفور التي رواها الصدوق وفي سندهاأحمد بن يحيى لا يضرّ بصحّتها؛ لأنّه منالمعاريف الذين لم يرد فيهم قدح، قال: قلتلأبي عبداللّه (عليه السلام) بم تعرف عدالةالرجل بين المسلمين حتى يقبل شهادته لهموعليهم فقال: «أن تعرفوه بالستر والعفافوكفّ البطن والفرج واليد واللسان، ويعرفباجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليهاالنار من شرب الخمر والزنا والربا، وعقوقالوالدين، والفرار من الزحف وغير ذلك،والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراًلجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين وراءذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ماوراء ذلك،ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته فيالناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمسإذا واظب عليهن، وحفظ مواقيتهن بحضورجماعة من المسلمين، وأن لا يتخلّف عنجماعتهم في مصلاّهم إلاّ من علّة، فإذاكان كذلك لازماً لمصلاّه عند حضور الصلواتالخمس، فإذا سئل عن قبيلته ومحلّته قالوا:ما رأينا منه إلاّ خيراً، مواظباً علىالصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه،فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بينالمسلمين، وذلك أنّ الصلاة ستر وكفارةللذنوب»(1) الحديث. وهذه الصحيحة تتضمّن لفقرات ثلاث: الاُولى: قوله (عليه السلام): أن تعرفوهبالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليدواللسان. الثانية: قوله (عليه السلام): ويعرفباجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليهاالنار. الثالثة: قوله (عليه السلام): والدلالة علىذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه. ولا ينبغي التأمّل في أنّ ما في الفقرةالثالثة بيان لحسن ظاهر الشخص الذي يعتبرطريقاً إلى عدالته الواقعيّة عند الجهلبها، كما هو الشأن في ساير الطرقالمعتبرة، وأمّا الفقرة الاُولى فقد قيلإنّ الستر والعفاف وكفّ البطن والفرجواليد واللسان بمجموعها وقع معرّفاًللعدالة وبما أنّ الستر والعفاف من صفاتالنفس تكون العدالة مساوية للملكةالداعية إلى الكفّ وعدم انتشار أعضاءالشخص إلى المعاصي. وبتعبير آخر ثبوت الستر والعفاف للشخصظاهره أن له الاستحياء من ربّه في المعاصيونحو امتناع النفس له في ارتكابه فيلزمالكفّ وعدم انتشار جوارحه إليها، وعليهفالمذكور في الفقرة الاُولى تعريف لنفسالعدالة، والعرفان المذكور مأخوذ فيهابما هو طريق لا وصف دخيل في العدالة، ولايمكن أن يكون نفس الستر والعفاف طريقاًإلى العدالة لا نفسها، ويؤيّد ذلك أنّه لوكان المذكور فيها طريقاً إلى العدالة لابياناً لنفس العدالة لما كان وجه لما ذكرهفي الفقرة الثالثة حيث إنّه مع إحراز ماذكر في الفقرة الثالثة لا يحتاج إلى إحرازما ذكر في الفقرة الاُولى. وحمل ما ذكر في الفقرة الثالثة على اعتبارالطريق إلى الطريق الوارد في الفقرةالاُولى ينافيه قوله (عليه السلام) فيالفقرة الثالثة: «ويجب عليهم تزكيتهوإظهار عدالته» حيث إنّ ظاهرها كون ما ذكرفي الفقرة الثالثة طريقاً إلى نفس العدالةلا أنّها طريق إلى طريقها. أقول: كون الفقرة الثالثة طريقاً معتبراًإلى عدالة الشخص المعبّر عن الطريق بحسنالظاهر مما لا كلام فيه، ولكن لا دلالةفيها ولا في الفقرة الاُولى على كونالعدالة هي الملكة، وذلك فإنّ المذكور فيالفقرة الاُولى: «أن تعرفوه بالستروالعفاف وكفّ البطن . . . إلخ» ولا ينبغيالتأمّل في أنّ الكفّ من أفعال النفس،وكون المراد من العفاف غير الكفّ غيرظاهر، فإن عفّة الشخص عن المعاصي امتناعهعن ارتكابها، وأمّا الستر فهو إمّا بمعنىالستر عن الناس أو الستر عن اللّه بمعنىثبوت الحاجز بينه وبين معصية اللّه،والحاجب والمانع يكون الخوف من اللّه أوغيره، فيكون المفاد إذا عرف الشخص بالستروالعفاف والكفّ واجتناب المعاصي فعدالتهتحرز، ولكن لا تدلّ على أنّ العدالة هيالستر والعفاف والكفّ، ولعلّ العدالة هيالاستقامة في العمل الناشيء من ستر الشخصوعفافه وكفّه، هذا إذا كان المراد بالستروالعفاف صفة النفس، وأمّا إذا كان المرادبهما ما هو من أفعالها بأن يكون المراد منالعفّة الامتناع عن العصيان، والسترالامتناع عن الظهور على تقدير الاتفاقواستمرّ له الكفّ عن المعاصي يكون الشخصممن عرفت عدالته، ولا بأس بالالتزام بأنّعرفان ذلك عرفان لاستقامة الشخص فيأعماله. ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) قد ذكر في فصلشرايط إمام الجماعة عدالته، وفسّرالعدالة بأنّها ملكة الاجتناب عن الكبائروعن الإصرار على الصغائر وعن منافياتالمروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبهابالدين، وذكر في المقام العدالة عبارة عنملكة الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات،ولم يفصِّل كما ترى بين الكبيرة والصغيرة،ولم يذكر منافيات المروّة، وأمّا التفرقةبين الكبائر والصغائر فيأتي الكلام فيهابعد ذلك. ارتكاب خلاف المروة قادح في العدالة أو فيحسن الظاهر أم لا؟ والكلام فعلاً في اعتبار ملكة منافياتالمروّة، فنقول: فسروا المروّة بعدم خروجالشخص عن العادات مما يعدّ ارتكاب خلافهامهانة له وعلامة لخسّة النفس ومراعاتهاكمالاً لها وإن لم يكن من ترك الواجب أوفعل الحرام، ويستدلّ على اعتبار ذلك بماورد في صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور من كونالشخص: «ساتراً لجميع عيوبه»(2) فإنّ جميعالعيوب يشمل العيوب المشار إليها. والماتن(قدس سره) اعتبر الاجتناب عن منافياتالمروّة أي الدالة على أنّ مرتكبها لايبالي بالدين، وظاهره أنّ الشخص إذا كانبين الناس بحيث لا يبالي بالإضافة إلى مايعدّ عندهم عيباً وقبيحاً بالإضافة إلىأمثاله ولا يراعيها أصلاً يكشف ذلك عندهمأنّه لا يبالي أيضاً بالإضافة إلى الوظائفالشرعيّة فلا تتحقق العدالة. أقول: ظاهر ما ورد في صحيحة عبداللّه بنأبي يعفور من كونه: «ساتراً لجميع عيوبه»هو العيوب الشرعيّة، وعلى تقدير الإغماضفارتكاب خلاف المروّة يوجب انتفاء حسنالظاهر الذي هو طريق إلى العدالة، لا أنّهيوجب انتفاء العدالة حيث لا ملازمة بينكون الشخص غير مبال بعادات أمثاله وكونهمبالياً تماماً ومحافظاً على رعايةالوظائف الشرعيّة، فما ذكره الماتن (قدسسره) من دلالة ارتكاب المنافيات ولو بعضهاعلى عدم المبالاة في الدين غير تامّ. نعم إذا كان ارتكاب شيء مباح في نفسه فيموارد موجباً لهتك المرتكب وإذلال نفسهعند الناس فلا يجوز ذلك الارتكاب، ويخرجبه الشخص عن العدالة؛ لأنّ حرمة هتكالمؤمن لا تختصّ بما إذا كان الهاتك شخصاًوالمهتوك شخصاً آخر، بل يعمّ هتك المؤمننفسه، كما إذا خرج المؤمن إلى الأسواقومجتمعات الناس عارياً ساتراً عورتهبخرقة صغيرة بحيث لا يرى عورته فقط، فإنّهذا العمل حرام وإن كان في نفسه لا بأس به،كما إذا فعل ذلك في مغتسل الحمام أو عندبعض أهله، وأمّا إذا لم يكن ارتكاب خلافعادة أمثاله كذلك بحيث رأى الناس في عملهقدحاً فيه فغايته انتفاء حسن الظاهر،لاحتمال الناس أنّ جرأته لخرق عادة أمثالهناشئة من عدم اهتمامه بالوظائف الشرعيّة. وقد تقدّم أنّ انتفاء الطريق إلى العدالةغير انتفاء العدالة فإذا علم أنّه متعبّدومبال بالإضافة إلى الوظائف الدينيّة ولاينحرف عنها يترتّب عليه ما يترتّب علىالعادل وعدالته، ولا يبعد أن ينتفي حسنالظاهر بترك المستحب أو ارتكاب المكروه،كما في عدم حضور الشخص لصلاة الجماعة فيأوقات الصلوات أو خلف وعده إذا وعد مع أنّخلفه ليس بحرام. ثمّ إنّ المنسوب إلى المشهور قدح ارتكابالكبيرة في العدالة، وإذا تاب عنها رجعإلى العدالة، والظاهر أنّ الإصرار علىالصغيرة عندهم كذلك أيضاً حيث وردت عدّةروايات معتبرة في أنه: «لا صغيرة بصغيرة معالإصرار»(3) ولعلّ المستند عندهم لذلك أنّثبوت الملكة التي هي العدالة عندهم لاتنافي ارتكاب الذنب اتفاقاً وإن لم يتب،هذا بالإضافة إلى الصغيرة حيث إنّ تركهالكبائر وعدم إصراره على الصغيرة مكفّرلذنبه، بخلاف ارتكابه الكبيرة أو إصرارهعلى الصغاير، فإنّ الشخص يدخل معارتكابهما في عنوان الفاسق ما لم يتب،ولكن لا يمكننا المساعدة على المنسوبإليهم فإنّ العدالة ـ كما ذكرنا ـ هيالاستقامة من الشخص في وظائفه الدينيّة،وعدم انحرافه عنها، وإذا انحرف عنها ولوبارتكاب الصغيرة يكون داخلاً في عنوان غيرالعادل إلاّ إذا تاب ورجع إلى استمرارهعليها حيث إنّ التائب عن ذنبه كمن لا ذنبله، ولا فرق في الرجوع بالتوبة بين ارتكابالكبيرة أو الصغيرة. لا يقال: إذا لم يكن فرق في الخروج عنالعدالة والعود إليها بالتوبة بينالكبيرة والصغيرة فما معنى تقسيم المعاصيإلى الكبائر والصغائر. فإنّه يقال: المستفاد من الخطاباتالشرعيّة أن تقسيم المعاصي إليها بلحاظأمر آخر، وهو أنّه إذا كان الشخص عند ذهابهمن هذه الدنيا ممن ليس عليه كبيرة فيأعماله قد وعد بغفران صغائره كما هو ظاهرالآية المباركة أيضاً، ولكن من في أعمالهكبيرة لم يتب عنها فليس في حقّه وعدالغفران إلاّ إذا تاب، فتكون توبته مكفّرةعن سيئاته كبائرها وصغائرها. نعم غفرانالربّ الجليل لسعة رحمته ولو ببركة شفاعةالنبي وأوصيائه وأولياء اللّه وصلحاءعباد اللّه له مقام آخر، فلاحظ الآياتوالروايات الواردة في غفران الربّ الجليلوالتوبة إليه والشفاعة وما يرتبط بهاواللّه الهادي ووليّ التوفيق.
_ [2] قد تقدّم تفسير حسن الظاهر بما ورد فيصحيحة ابن أبي يعفور ومايرى من الاختلافبينها وبين غيرها من الروايات يجمع بينهماإمّا بحمل الإطلاق على التقييد، أو أنّالوارد في غيرها أيضاً فرد آخر من حسنالظاهر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام): «لو كان الأمر إلينا لأجزناشهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصمفي حقوق الناس»(4)، فإنّها تحمل على ما إذاكان ساتراً لجميع عيوبه أيضاً بالمعنىالمتقدم، كما يحمل على ذلك مثل روايةإبراهيم بن زياد الكرخي عن الصادق جعفر بنمحمد (عليه السلام): «من صلّى خمس صلوات فياليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيراًوأجيزوا شهادته»(5). كما يظهر الحال في صحيحة حريز عن أبيعبداللّه (عليه السلام) في أربعة شهدوا علىرجل محصن بالزنا فعدّل منهم اثنان ولميعدّل الآخران فقال: «إذا كانوا أربعة منالمسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اُجيزتشهادتهم جميعاً واُقيم الحدّ على الذيشهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بماأبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن يجيزشهادتهم إلاّ أن يكونوا معروفينبالفسق»(6)، فإنّ مثل هذه يعارضها ما دلّعلى اعتبار العدالة في الشهود، فيحملالجواب على الفرض الذي أحرز حسن ظاهرهم،وإن لم يكن لهم حسن الظاهر وطريق إحرازعدالتهم تكون شهادتهم جايزة في سقوط حدّالقذف عنهم إذا كانوا أربعة إلاّ أنيكونوا معروفين بالفسق. وأمّا موثقة سماعةبن مهران عن أبي عبداللّه (عليه السلام):«من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلميكذبهم، وواعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمتغيبته، وكملت مروّته، وظهر عدله، ووجبتاُخوّته»(7)، فهو فرد آخر من حسن الظاهريترتّب على من له ذلك آثار العدالة فيماإذا احتمل كونه عادلاً في الواقع كما هوشأن كلّ طريق معتبر. ونحوها روايتاعبداللّه بن سنان وعبداللّه بن أحمد بنعامر الطائي عن أبيه عن الرضا (عليهالسلام) عن آبائه. وما في كلام المتن من تقييد اعتبار حسنالظاهر بما إذا كان مفيداً للعلم أو الظنّلا يمكن المساعدة عليه، فإنّ حسن الظاهرعلى الوجه المتقدم أمارة للعدالة فتتّبعمع احتمال الإصابة ولولم يفد ظنّاً. وقد تقدّم اعتبار البيّنة في الموضوعاتوأنّه لا يبعد ثبوت الإخبار بالموضوع بخبرالثقة العارف في غير موارد الترافعوالموارد التي اعتبر الشارع في ثبوتهاطريقاً أو شهادة خاصّة، ولا فرق في اعتبارالبيّنة وخبر الثقة العارف بين إخبارهمابنفس عدالة الشخص أو بحسن ظاهره على النحوالمتقدّم الذي هو طريق إلى إحراز نفسالعدالة، وكذا في اعتبار الشياع المفيدللعلم أو الاطمينان حيث إنّ العلم طريقبالذات أي بلا جعل جاعل، والاطمينانكإخبار الثقة معتبر ببناء العقلاء إلاّ فيالموارد التي أشرنا إليها.
_ [3] هذا بالإضافة إلى الشرائط التي تعتبرفي جواز التقليد حدوثاً وبقاءً، وأمّا مايعتبر في جواز التقليد ابتداءً كحياةالمفتي فيجوز البقاء على تقليده إذا كانالحيّ الفعليّ يُجوّز البقاء على تقليدالميّت على ما مرّ الكلام فيه.
_ [4] إذا كانت فتوى من رجع إليه غير معتبرة،كفقد شرط الرجوع إليه يكون عمله بلاتقليد، فيجري فيه ما ذكرنا في المسألةالسادسة عشرة.
_ [5] قد ذكر سابقاً أنّ المجتهد الذي قلّدهفي الوقايع التي يبتلي بها أو يحتملابتلاءه بها إذا أفتى بعدم جواز البقاءعلى تقليد الميت لا تكون هذه الفتوى منهبعد موته معتبرة، بلا فرق بين ما أفتىالحيّ الفعلي بجواز البقاء على تقليدالميّت أو أفتى بوجوب البقاء، والسرّ فيذلك أنه لا يمكن أن تكون فتواه في مسألةالبقاء معتبرة.
_ [6] ولعلّ ذكر مقدّمات العبادات عطفتفسيريّ للشرائط والموانع، وإلاّ فلانعرف مقدّمة تتوقّف عليها صحّة العمل ولميكن من الشرائط والموانع الداخل فيها عدمالقاطع، وكيف كان بما أنّ المكلف في مواردالتكليف بالعبادة عليه الامتثال فلايفرّق بين الامتثال التفصيليّ الحاصل ولوباتّباع طريق معتبر في معرفتها وإحرازالإتيان بها والامتثال الإجمالي الحاصلبالاحتياط ولولم يعلم تفصيلاً أجزاءهاوشرائطها وموانعها المعتبرة فيها. والحاصل إذا أمكن للمكلّف الإتيانبالواجب الواقعي بتمام ما يعتبر فيه منغير علمه تفصيلاً بأجزائه وشرائطهوموانعه يكون الامتثال مجزياً، كما تقدّمفي مسألة جواز الاحتياط مع التمكّن منالاجتهاد الفعليّ أو التقليد بلا فرق بينموارد استلزام الاحتياط التكرار، كما فيمورد دوران أمر الصلاة بين القصر والتمام،أم لا، كما في دوران الصلاة بين الأقلّكالاكتفاء بقراءة الحمد خاصّة فيالركعتين الأوّلتين، أو الأكثر كلزومقراءة السورة بعد قراءتها، هذا كلّه فيصورة إحراز الامتثال بالإتيان بالواجبالواقعي إمّا بالتفصيل أو الإجمال. وأمّا تعلّم أجزاء العبادة وشرايطهاوموانعها فيما لولم يتعلّمها لم يتمكن منالامتثال أو لم يتمكّن من إحراز الامتثالفيفرض الكلام في الواجب المشروطوالموقّت، وأنّ المكلّف لولم يتعلّمالواجب قبل حصول شرط الوجوب أو دخول الوقتيمكن له التعلّم بعد حصول الوجوب بحصولشرطه أو دخول وقته، كما هو الحال فعلاً فيواجبات الحج وشرائطه وموانعه، ففي هذاالفرض حيث المكلّف يتمكّن من المعرفةوالامتثال في ظرف التكليف فلا موجب لوجوبالتعلّم عليه قبل فعليّة التكليف وقبلحصول الاستطاعة. واُخرى لولم يتعلّم أجزاء العمل وشرايطهوموانعه لم يتمكّن من إحراز الامتثال فيظرف التكليف أو لا يمكن له الامتثالأصلاً، كما في الصلاة حيث من لم يكن من أهلاللسان لولم يتعلّم كيفية الصلاةوالقراءة وغير ذلك مما يعتبر فيها قبلدخول وقتها لا يتمكّن من الصلاة في وقتهاأو لا يتمكن من إحراز الامتثال، وفي هاتينالصورتين عليه التعلّم قبل حصول شرطالوجوب ودخول الوقت؛ وذلك فإنّ الأخبارالواردة في وجوب التعلّم وأنّ الجهل لايكون عذراً مسوّغاً لترك الواجب وأنّالمكلّف يؤخذ به ولو فيما إذا كان منشؤهترك التعلّم قبل حصول الشرط ودخول الوقت،بل لا ينحصر وجوب التعلّم فيما إذا كانالعلم بابتلائه بذلك الواجب فيما بعد،ويجرى فيما إذا احتمل الابتلاء ولم يتمكّنبعده من التعلّم وأنّه لا يكون جهله فيتركه عذراً فيما إذا انجرّ ترك تعلّمه إلىمخالفة التكليف باتّفاق الابتلاء. وقد يقال(8): إنما يحتاج إلى أخبار وجوبالتعلّم قبل الوقت أو حصول شرط الوجوبفيما إذا توقف التمكّن من إتيان الواجببعد حصول شرط وجوبه على التعلّم قبله،وأمّا إذا توقف إحراز الامتثال علىالتعلّم قبل أحدهما فالعقل يستقلّ بلزومالتعلّم؛ لأنّ في تركه احتمال ترك الواجبكما هو فرض القدرة على الإتيان بعد حصولشرط وجوبه. فإنّه يقال: المستفاد من أخبار وجوبالتعلّم أنّ القدرة على الإتيان بالواجبمن ناحية التعلّم شرط لاستيفاء الملاكالملزم، ولا يكون تركه حتى مع عدم القدرةعليه وعدم التكليف به خطاباً بعد حصول شرطوجوبه عذراً إذا كان العجز ناشئاً من تركالتعلّم سواء كان تركه محرزاً أو محتملاً،وأنّه لا مجال للاُصول النافية في هذهالموارد أو دعوى جواز الاكتفاء بالموافقةالاحتماليّة فيما إذا كان بعد حصول شرطالوجوب لم يتمكّن إلاّ منها. لا مجال للاستصحاب لإحراز عدم الابتلاءبالواقعة التي ترك تعلّم حكمها لا يقال: إذا لم يجب على المكلّف التعلّمبالإضافة إلى الوقايع التي يعلم بعدمابتلائه بها ولو مستقبلاً فيمكن له إحرازعدم الابتلاء عند الشك بالاستصحاب، حيثيتمسّك به ويحرز عدم ابتلائه ولو مستقبلاًفينتفي الموضوع لوجوب التعلّم،والاستصحاب كما يجري في أمر يكون نفس ذلكالأمر موضوع الحكم أو نفيه كذلك يجري فيماإذا كان إحراز ذلك الأمر هو الموضوعللحكم، فيثبت أو ينفى على ما تقدّم من قيامالاستصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوعبنحو الطريقيّة والكشف لا بنحو الوصفوالصفتّية، وأيضاً تقدّم في بحثالاستصحاب أنّه كما يجري في الاُمورالماضيّة كذلك يجري في الاُمورالاستقباليّة، فلا وجه لما يقال بعدمجريان الاستصحاب في الابتلاء وعدمه لعدمكونه حكماً ولا موضوعاً له. فإنّه يقال: قد تقدّم أنّ وجوب التعلّمحكم طريقي قد جعل لإسقاط الجهل بالحكمالتكليفى والوضعي وغيره من العذريّة فيمخالفة التكليف ـ سواء كان للجهل بالحكمأو المتعلّق ـ وعليه فعدم وجوب التعلّم فيموارد العلم الوجدانيّ بعدم الابتلاءلكون التعلّم الواجب النفسيّ الطريقيّعلى كلّ مكلّف لغواً بالإضافة إلى مواردعلمه بعدم الابتلاء، لا لأنّ لخطابات وجوبالتعلّم الطريقيّ ورد تقييد خارجيّ بعدموجوبه في موارد عدم ابتلائه، ليتوهّم أنّالاستصحاب في عدم الابتلاء مستقبلاً عندالشكّ محرز لذلك القيد، والاستصحاب بعدمالابتلاء مستقبلاً لا يثبت اللغويّة معإطلاق خطابات وجوب التعلّم وشمولهالموارد إحراز الابتلاء واحتماله. وعلى الجملة بمجرّد الاحتمال يحرز موضوعوجوب التعلّم، والاستصحاب إنما يكونتعبّداً بالعلم فيما إذا لم يعلم الحكمالواقعيّ في الواقعة ولو كان المعلومحكماً طريقيّاً واقعيّاً.
_ [7] إن قيل بحرمة قطع الصلاة الواجبةكاليوميّة يجب على المكلّف تحصيل العلمبأحكام الشكّ والسهو في الصلاة فيما إذااحتمل ابتلاءه بهما أثناء الصلاة مع عدمإمكان تعلّم حكمهما؛ لأنّ مع عدم تعلّمحكمهما من قبل وإن يمكن له الإتيانبالوظيفة المقرّرة للشاكّ والساهي فيصلاته اتّفاقاً إلاّ أنه يحتمل أن يكون ماأتى به حالهما مبطلاً، كما يكون رفع يده عنتلك الصلاة باستينافها قطعاً للفريضة،كما إذا شكّ حال القيام في أنّه رفع رأسهمن الركوع أو أنّه بعد لم يركع، فإنّه إذاسجد يكون هذا إبطالاً لصلاته لو كان تركهالركوع مطابقاً للواقع، فإحراز أنّه لايرتكب الحرام بقطع تلك الصلاة وترك الركوعأو تدارك الركوع يتوقّف على تعلّم أحكامالشك والسهو ولو قبل مجيء الوقت. نعم لو التزم بعدم حرمة قطع الصلاةالواجبة أو إبطالها وأنّ ما ذكر في أحكامالشكّ والسهو تعيين علاج السهو والشكّ فيتلك الصلاة فلا موجب للقول بوجوب التعلّم،لإمكان إحراز الامتثال بالاستيناف بعدالإبطال من غير ارتكاب محذور. ثمّ إنه لا وجه لتقييد الماتن (قدس سره)وجوب التعلّم بما هو محلّ الابتلاءغالباً، إلاّ أن يراد منه عدم وجوبالتعلّم بالإضافة إلى الموارد التييطمئنّ بعدم الابتلاء بها. وأيضاً ما ذكر (قدس سره) من أنّ المكلّفإذا لم يتعلّم أحكام الشكّ والسهوبالإضافة إلى الموارد التي يعمّ الابتلاءبها نوعاً وأتى المكلف بالصلاة معاطمئنانه بأنّه لا يبتلي بها يصحّ عمله،ولازم ذلك أن لا يحكم بالصحة مع عدمالاطمينان بابتلائه، أو ابتلى بها وأتىبوظيفة الشاك والساهي اتّفاقاً بعنوانالرجاء، لا يمكن المساعدة عليه، كما إذاأتى في المثال السابق بالركوع برجاء أنّذلك وظيفته وأتمّها ثمّ ظهر أنّ ما فعلهفتوى العلماء، ولعلّه (قدس سره) يرى أنّهلا يتحقق في الصورتين قصد التقرّبالمعتبر، حيث إنّه لا يتحقّق ممّن يحتملارتكاب الحرام بصلاته نظير ما يقال بأنّهلو توضّأ بأحد الماءين يعلم بغصبيّةأحدهما يبطل وضوؤه حتّى ما إذا ظهر بعدالوضوء به أنّه كان المباح منهما، أو إذاتوضّأ بكلّ منهما يحكم ببطلان وضوئه لعدمتحقق قصد التقرّب عند التوضؤ بكلّ منهما. أقول: حرمة إبطال الصلاة الفريضة أو عبادةاُخرى أثناءها موقوفة على كون الدخول فيالصلاة أو نحوها دخولاً صحيحاً، وإذا فرضمن الأوّل بطلان ذلك العمل لجهة ما فلايكون قطعه محرّماً، فلابدّ من الالتزامبأنّ عدم تعلّم حكم الشكّ والسهو والدخولفي الصلاة مع احتمال عدم ابتلائه بهماأثناءهما لا ينافي قصد التقرّب إذا اتّفقعدم ابتلائه بهما، نظير من صام في نهار شهررمضان مع عدم تعلّمه المفطرات الموجبةارتكابها بطلان الصوم برجاء أنّه لا يرتكبشيئاً منها، حيث لا يحكم ببطلان صومه معإمساكه عنها طرّاً، وكذا فيما إذا دخل فيالصلاة مع احتماله إتمامها صحيحاً حتّىفيما إذا اتّفق الشك والسهو ولكن بنى عندطروّ أحدهما على شيء باحتمال أنّه وظيفةالشاكّ والساهي ثمّ تبيّن أنّ البناء الذيعمل عليه كان وظيفة الشاكّ أو الساهي، كماإذا ركع في فرض الشكّ في الركوع حال قيامه. وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين التوضّؤ بأحدالماءين الذي يعلم بكون أحدهما مغصوباًوبين الدخول في الصلاة مع احتمال إتمامهاصحيحاً لعدم ابتلائه بالشكّ أو السهو، أومع بنائه بما يحتمل كونه وظيفة الشاكّ أوالساهي، بخلاف التوضّؤ بأحدهما حيث يحتملأنّ الغسل به ارتكاب الحرام المنجّزالمعلوم بالإجمال، حيث إنّ ما يبنى عليهعند عروض الشكّ والسهو من أحد الطرفينرجاءً لدوران الأمر بين المحذورين، بخلافالوضوء فإنّه يتركه ويتيمّم كما هووظيفته. بقي في المقام أمر وهو أنّ المنقول عنالشيخ الأنصاري (قدس سره) أنّ من ترك تعلّمأحكام الشكّ والسهو في الصلاة يحكم عليهبالفسق، وهذه الفتوى منه (قدس سره) لا يمكنأن تبتنى على حرمة التجرّي شرعاً، فإنّه(قدس سره) لم يلتزم لا بحرمة التجرّي ولابقبحه الفعليّ، وهو (قدس سره)يرى أنّالعدالة هي ملكة الاجتناب عن المحرّماتوالإتيان بالواجبات، ولو قيل بأنّ هذاالتجرّي يكشف عن عدم ملكة الاجتنابوالإتيان بالواجب، فلوجود الواسطة بينعدم الملكة والفسق لا يحكم بكونه فاسقاً،وقد تقدّم أنّ العدالة ليست بمعنىملكتهما، بل هي استقامة الشخص على وظائفهالشرعيّة وعدم خروجه عنها، وهذا الشخص لميخرج بترك تعلّمه عن وظائفه الشرعيّة، بلالمفروض أنّه أتى بصلاته صحيحة. والتعلّم لم يكن وجوبه نفسيّاً بل كانوجوبه طريقيّاً، والغرض من موافقتهالخروج عن عهدة التكاليف النفسيّة وعدممخالفتها، والظاهر أنّ حكمه بالفسق مبنيّعلى ما تقدّم من بطلان الصلاة من تاركالتعلّم لأحكام الشكّ والسهو حتّى ما إذاصلّى ولم يبتل فيها بالشكّ والسهو، فيكونمحكوماً بالفسق. ودعوى(9) أنّ الحكم بالفسق فيما إذا استلزمترك التعلّم عدم تمكّنه من إحراز الامتثالبالإضافة إلى التكليف المنجّز في موطنه،فإنّ عدم إحراز امتثاله خروج عن الوظيفةالدينيّة فيكون فاسقاً، لا يمكن المساعدةعليها، فإنّ انطباق عنوان الفاسق فيما إذاترتب الأثر الشرعيّ عليه مشكل جدّاً وإنلا يبعد نفي بعض العناوين المنطبقة علىالعادل عنه، كالمأمون بدينه أو أنّه يواظبعلى وظائفه الشرعيّة فتدبّر.
_ [8] لا ينبغي التأمّل في أنّ على العاميّتعلّم الواجبات الشرعيّة بأجزائهاوشرائطها وموانعها بالتقليد أو الاحتياطفيها على ما تقدّم، وكذلك الأمر فيالمحرّمات حيث إنّ القيود المعتبرة فيالمحرّم إمّا أن تحرز بالتقليد أو عليهالاحتياط، وأمّا لزوم التقليد فيالمستحبات والمكروهات والمباحات ففيماإذا احتمل الإلزام فيها، حيث إنّ عليهرعاية احتمال الإلزام أو التقليد في إحرازعدم الإلزام في الفعل سواء كان إحرازه نفيالإلزام بفتوى الفقيه بالاستحباب أوالإباحة أو الكراهة. وأمّا إذا علمالعاميّ بعدم الإلزام وتردّد في استحبابهالشرعيّ فإنّه وإن يجوز الإتيان به برجاءكونه مستحبّاً إلاّ أنّ قصد الاستحبابالجزميّ فيه يتوقّف على إحراز الاستحباببالتقليد، وكذلك ترك الفعل فيما إذا احتملكراهته مع إحرازه عدم الحرمة فيه، ويجريلزوم التقليد في الأجزاء والشرائط فيالعبادات المستحبة، بل في المعاملة فيإحراز صحتها إن ترك الاحتياط فيها أو لميعرف كيفيّة الاحتياط فيها.
_ [9] إذا ترك التقليد في الصورة الاُولى ولميحرز عدم وجوبه فعليه الاحتياط بالإتيانبه برجاء الوجوب، فإنّ الاحتياط علىالعاميّ قبل الفحص لازم في موارد احتمالالتكليف، وكذا الحال في الصورة الثانيةإذا لم يحرز عدم حرمته عليه الاحتياط فيتركه. نعم إذا أحرز عدم الوجوب والحرمة فيالصورتين يجوز له الاحتياط بما ذكره، فإنّإحراز عدم التكليف بالطريق المعتبر لايمنع عن الاحتياط بل هو حسن ومستحب كماقرّر في محلّه.
_ [10] قد تقدّم أنّ الفتوى السابقة بعد رجوعالمجتهد عنها إلى فتوى اُخرى لا تبقىالفتوى الاُولى على الاعتبار، والفتوىإخبار عن حكم الواقعة وتعيين للوظيفةالمجعولة فيها من أوّل تأسيس الشريعة علىطبق ما استفاده من مدارك الأحكام؛ ولذاقلنا إنه لولم يكن دليل على إجزاء الأعمالالسابقة التي كانت على طبق الفتوى السابقةكان على المكلّف تداركها على طبق الفتوىالجديدة؛ لأنّ ما دلّ على اعتبار الفتوىللعاميّ من الروايات والسيرة العقلائيةلا يعمّ شيء منهما صورة عدول المجتهد منفتواه السابقة، ولا فرق في ذلك سواء كانعدوله من فتواه السابقة إلى الفتوىالاُخرى أو كان إلى التوقّف والتردّد فيحكم الواقعة. هذا فيما إذا أحرز العامي العدول إلىالفتوى الاُخرى أو إلى التوقّفوالاحتياط، وأمّا إذا شكّ في العدول فلهأن يبقى على تلك الفتوى، فإنّه مقتضىالاستصحاب في بقاء تلك الفتوى وعدم العدولعنها.
_ [11] فإنّه برجوع المجتهد إلى التوقّفوالفتوى فلا يكون له في الواقعة فتوىفعلاً، ويكون على العاميّ فعلاً إماالاحتياط في الواقعة أو الرجوع إلى الأعلمبعد ذلك المجتهد على ما تقدّم سابقاً منتخيير العاميّ بين الاحتياط والرجوع إلىفتوى المجتهد الواجد للشرايط.
(1). وسائل الشيعة 27:391، الباب 41 من أبوابكتاب الشهادات، الحديث الأول. (2). مرّ تخريجه قبل قليل. (3). وسائل الشيعة 5:111، الباب 70 من أبوابأحكام الملابس، الحديث 2. (4). وسائل الشيعة 27:394، الباب 41 من كتابالشهادات، الحديث 8. (5). المصدر السابق: 395، الحديث 12. (6). وسائل الشيعة 27:397، الباب 41 من كتابالشهادات، الحديث 18. (7). وسائل الشيعة 8:315 ـ 316، الباب 11 من أبوابصلاة الجماعة، الحديث 9. (8). التنقيح في شرح العروة 1:247. (9). التنقيح في شرح العروة 1:254. (مسألة 33) إذا كان هناك مجتهدان متساويانفي العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء[1]ويجوز التبعيض في المسائل. وإذا كانأحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورعأو نحو ذلك فالأولى بل الأحوط اختياره. (مسألة 34) إذا قلّد من يقول بحرمة العدولحتى إلى الأعلم ثم وجد أعلم من ذلكالمجتهد[2] فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلموإن قال الأول بعدم جوازه. (مسألة 35) إذا قلّد شخصاً بتخيّل أنّه زيدفبان عمراً، فإن كانا متساويين في الفضيلةولم يكن على وجه التقييد صحّ، وإلاّفمشكل[3]. (مسألة 36) فتوى المجتهد يعلم بأحد اُمور:الأوّل: أن يسمع منه شفاهاً، الثاني: أنيخبر بها عدلان، الثالث: إخبار عدل واحد بليكفي إخبار شخص موثّق يوجب قوله الاطمئنانوان لم يكن عادلاً، الرابع: الوجدان فيرسالته، ولابدّ أن تكون مأمونة من الغلط[4]. (مسألة 37) إذا قلّد من ليس له أهليّةالفتوى ثمّ التفت وجب عليه العدول، وحالالأعمال السابقة حال عمل الجاهل الغيرالمقلّد. وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب علىالأحوط العدول إلى الأعلم، وإذا قلّدالأعلم ثمّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجبالعدول إلى الثاني على الأحوط[5]. (مسألة 38) إن كان الأعلم منحصراً في شخصينولم يمكن التعيين فإن أمكن الاحتياط بينالقولين فهو أحوط، وإلاّ كان مخيّراًبينهما[6]. (مسألة 39) إذا شكّ في موت المجتهد أو فيتبدّل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جوازتقليده، يجوز له البقاء إلى أن يتبيّنالحال[7]. (مسألة 40) إذا علم أنّه كان في عباداته بلاتقليد مدّة من الزمان ولم يعلم مقداره،فإن علم بكيفيّتها وموافقتها للواقع أولفتوى المجتهد الذي يكون مكلّفاً بالرجوعإليه فهو، وإلاّ فيقضي المقدار الذي يعلممعه بالبراءة على الأحوط، وإن كان لا يبعدجواز الاكتفاء بالقدر المتيقّن[8]. التبعيض في التقليد
_ [1] هذا مبنيّ على ثبوت التخيير للعاميّبين تقليد أيّ من المجتهدين المتساويين فيالعلم مطلقاً سواء لم يعلم المخالفة بينفتاويهما في الوقايع أصلاً أو علم ذلك ولوبالإجمال، وقد ذكر هذا التخيير الماتن(قدس سره) سابقاً ولكن قيّده بما إذا لم يكنأحدهما أورع من الآخر واحتاط في تقليدالأورع. وفي المقام أجاز التبعيض بينهمافي المسائل وقال: إذا كان أحدهما أرجح منالآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلكفالأولى بل الأحوط اختياره، وكما ترى لايكون كلامه في المقام ظاهراً في الاحتياطالوجوبيّ، بخلاف ما تقدّم في مسألة تخييرالعاميّ بين تقليد أحد من المجتهدينالمتساويين في العلم. أقول: لو قلنا بالتخيير وبجواز التبعيضفهذا القول فيما لم يعلم ولو إجمالاًاختلافهما في المسائل التي يبتلي بهاالمكلف صحيح لاغبار فيه، وأمّا في المسائلالتي يعلم العاميّ باختلافهما فيهاإجمالاً فثبوت التخيير محلّ إشكال إلاّبناءً على ما ذكرنا سابقاً من إحراز أنّالشارع لا يريد العسر، وأن يعمل العاميّبالاحتياط في المسائل المشار إليها، لابالإضافة إلى الاحتمالات في الواقعة، ولاالاحتياط بالإضافة إلى فتوى كلّ منالمتساويين في الواقعة، فإنّ الاحتياط فيالأول عسر وينافي ما عليه الشريعة السهلةالسمحة، والثاني لا وجه له فإنّ مع سقوطفتوى المجتهدين في واقعة للمعارضة لا يمكننفي الاحتمال الثالث لما تقرّر في الاُصولمن أنّه لا يمكن نفي الثالث بالدلالةالالتزاميّة بعد سقوط المدلول المطابقيّعن الاعتبار، فلا وجه لما يقال في وجهالاحتياط بين القولين بأنّه لا اعتباربفتوى الآخرين؛ لأنّ المفروض أنّهمابالإضافة إلى الآخرين أفضلان أو أنّفتواهما تتضمّن الفتوى بأنّ الحكم الثالثغير ثابت في الواقعة فتدبّر. وربّما(1) يقال: إنّه على تقدير التبعيض فيالتقليد فاللازم رعاية عدم استلزامهالإتيان بعمل بنحو يكون باطلاً عندكليهما، كما إذا أفتى أحدهما بعدم وجوبالسورة بعد قراءة الحمد في الركعتينالأوّلتين وبلزوم الإتيان في الأخيرتينبالإتيان بالتسبيحات الأربعة ثلاث مرات،وأفتى الثاني بلزوم قراءة السورة وكفايةالتسبيحات مرّة، فإنّ العامي إذا قلّد فيمسألة قراءة السورة بالأوّل وفيالتسبيحات بالثاني فالصلاة التي يأتي بهابلا سورة وبالتسبيحات بالمرّة لا تصحّ عندكليهما فهذا التخيير غير جايز، وكذاالتبعيض في الموارد التي يكون العملمتعدّداً وفي واقعتين ولكن بينهما تلازمفي الحكمين وأوجب التبعيض التفكيك بينالمسألتين، كما إذا أفتى أحدهما بوجوبالتمام والصوم في سفر وأفتى الآخر فيهبالقصر والإفطار فقلّد العامي الأوّل فيوجوب التمام، والثاني في لزوم الإفطار،وهكذا فإنّ العلم الإجمالي إمّا ببطلانصلاته أو عدم جواز إفطاره منجّز. وقد أجبنا عن ذلك وقلنا بجواز التبعيض حتىبالإضافة إلى العمل الواحد في مسألة (65)الآتية حيث قال الماتن (قدس سره) فيها: فيصورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليدأيّهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى فيأحكام العمل الواحد حتّى أنّه لو كانمثلاً فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة،واستحباب التثليث في التسبيحات الأربعوفتوى الآخر بالعكس يجوز أن يقلّد الأوّلفي استحباب التثليث، والثاني في استحبابالجلسة. وما قيل من أنّ صلاته بتقليد الأول فياستحباب التثليث، والثاني في استحبابجلسة الاستراحة تكون باطلة عند كلاالمجتهدين غير صحيح، فإنّ من يقول ببطلانالصلاة من المجتهدين بترك التثليث فيالتسبيحات الأربع يقول بالبطلان مع عدمالعذر في تركها، وكذلك من يقول ببطلانهابترك جلسة الاستراحة يقول ببطلانها فيصورة عدم العذر في تركها كما هو مقتضىحديث: «لا تعاد» وليس من يفتي بعدم وجوبجلسة الاستراحة يقيّد عدم وجوبها بصورةالإتيان بالإتيان بالتسبيحات الأربعثلاثاً، كما أنّه ليس فتوى من يفتي بكفايةالواحدة يقيّد كفايتها بصورة الإتيانبجلسة الاستراحة بحيث لولم يأتبالتسبيحات إلاّ مرّة يكون عليه الإتيانبجلسة الاستراحة، وليس على العاميّ إلاّالتقليد عمّن يرى عدم وجوب جلسة الاستراحةوالتقليد عمّن يرى عدم وجوب التثليث فيالتسبيحات الأربع، كما هو مقتضى جوازالتبعيض في تقليده لتساوي المجتهدين. نعم، فيما إذا كان الجزء أو القيد ركناًبحيث لا يعذر فيه الجاهل بأن يبطل عملهبالإخلال به على قولي المجتهدين، فمعالإخلال بالركن في ذلك العمل لم يجزالتبعيض، وهذا لا يفرض في الصلاة لعدمالاختلاف في أركانها، ويتصوّر في مثلالحجّ، كما إذا أفتى أحد المجتهدين بإجزاءدرك الوقوف الاضطراريّ المزدلفة يومالعيد وإن لم يدرك الوقوف الاختياريّوالاضطراريّ بعرفة، ولكن كان فتواه عدمكفاية الغسل المستحب في الطهارة من المحدثبالأصغر، ويرى المجتهد الآخر العكس وأنّالغسل الاستحبابي يجزي ولا يجزي الوقوفالاضطراريّ من غير درك الاضطراريّ بعرفةوالمكلّف أدرك الاضطراري بالمشعر خاصّة،وعليه فإن أدرك المكلّف الوقوف الاضطراريبالمشعر خاصّة وأتى بطواف حجه وعمرتهبالغسل المستحب من وضوء يكون حجّه باطلاًعند كلا المجتهدين، وفي جواز التبعيض كذلكإشكال لعدم إحراز العاميّ صحة عمله علىفتوى واحد منهما. وأمّا مسألة القصر والصوم فلا تكون من هذاالقبيل؛ لأن من يوجب القصر من المجتهدينوالإفطار فصلاته قصراً وظيفته عندهوالآخر يقول إنّ الصوم وظيفته الواقعيّة،والقائل بالإفطار يقول بصحّة صومه لكونهصائماً جهلاً بوجوب الإفطار عليه. نعم لو علم العاميّ أنّ وجوب القصر فيالصلاة في سفر لا يجتمع مع وجوب الصوم فيهيلزم عليه الجمع بين القصر والتمام والصومفيه والقضاء بعده أو ترك التبعيض؛ لأنّعلمه الإجماليّ بعدم اجتماع وجوب القصر معوجوب الصوم في السفر المفروض يوجب علمهببطلان أحد الأمرين من صلاته أو صومه.
_ [2] حيث إنّه (قدس سره) احتاط في تقليدالأعلم ـ كما تقدّم سابقاً ـ احتاط فيالمقام أيضاً في العدول. ولكن لا يخفى أنّه لو كان تقليد الأعلم منالأوّل احتياطاً واجباً لا يكون العدولإلى الأعلم في الفرض من الاحتياط؛ لأنّظاهر الفرض وقوع التقليد الأوّل صحيحاًوكان يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم،وبعد وجدان الأعلم منه متأخّراً يحتملتعيّن تقليد ما قلّده، كما تقدّم في مسألةعدم جواز العدول عن الحيّ؛ وذلك لا لفتوىذلك المجتهد بعدم جواز العدول حتّى إلىالأعلم، بل لاحتمال تعيّن الحجّة فيفتاويه في الوقايع كما أنّ تعيّن الرجوعإلى الأعلم منجّز لوجوب تقليد الأعلمالفعليّ فعليه الجمع في المسائل بين فتوىالأعلم السابق والأعلم الفعليّ فيها. هذا بناءً على ما ذكره من وجوب الاحتياطفي تقليد الأعلم من المجتهدين، وأمّابناءً على ما ذكرنا من عدم اعتبار فتوى غيرالأعلم مع الأعلم يتعيّن الرجوع فيالمسائل التي يعلم اختلافهما فيها ولوإجمالاً.
_ [3] حاصل ما ذكره في المقام أنّه إذا كان فيالبين مجتهدان متساويان في الفضيلة بحيثيجوز للعاميّ تقليد أيّ منهما وقلّدأحدهما باعتقاد أنّه زيد ثمّ بان أنّهعمرو أي المجتهد الآخر، فإن كان العاميّبحيث لو علم من الأوّل أنّه عمرو كان أيضاًيقلّده ففي الفرض حكم بصحة التقليد، وأمّاإذا كان عالماً بأنه عمرو لم يكن يقلّدهفإنّه مشكل في تحقّق التقليد. وعبّر في الصورة الاُولى بأنّ قصدالتقليد عن الشخص المزبور في الفرض الأوّللم يكن بنحو التقييد بخلاف الفرض الثاني،وهذا نظير ما ذكر في الاقتداء وأنّ المكلفإذا قصد الائتمام بالإمام باعتقاد أنّهزيد ثمّ ظهر بعد الصلاة أنّه عمرو، فإن كانقصده الائتمام بزيد لا على نحو التقييدبحيث لو كان عالماً من الأوّل أنّ الإمامعمرو كان أيضاً يأتمّ به تصحّ صلاتهجماعة، وأمّا إذا كان عالماً بأنّ الإمامعمرو لما كان يأتمّ به فصلاته أو جماعتهباطلة. ولكن لا يخفى أنّ القابل للتقييد حقيقة هوالكلّي أي ما كان الفعل كليّاً ولو مع عدمكليّة متعلّقه، كما في متعلّقات الأوامروالنواهي وغيرهما من الأحكام التكليفيّةوالوضعيّة حيث يمكن لجاعل الحكم أن يجعلمتعلّق حكمه واعتباره مطلقاً أو مقيّداً،وأمّا ما صار فعليّاً في الخارج بأن تحقّقفيه فلا يتّصف بالإطلاق والتقييد، بل هوموجود جزئيّ خارجيّ لا محالة. فإن كان ذلك الموجود الخارجيّ من الفعلعنوانه من العناوين غير القصديّة ينطبقعنوانه عليه لا محالة، غاية الأمر إذا كانالفاعل الصادر عنه الفعل ملتفتاً إلىعنوانه حين صدوره منه يكون الفعل عمديّاً،وإن كان غير ملتفت إليه بحيث لو كانملتفتاً لم يصدر عنه ولم يفعل يكون خطأً،وكذلك إذا كان ملتفتاً إلى عنوان الفعلولكن لم يلتفت إلى ما وقع ذلك الفعل عليهمن المتعلّق له، فلو كان ملتفتاً إليه كانالفعل المقصود والملتفت إلى عنوانهعمديّاً وإلاّ كان خطأً، كما إذا قتلشخصاً بزعم أنّه زيد ولكن ظهر بعد ذلك أنّهعمرو بحيث لو احتمل أنّه كان عمراً لم يكنيقتله. وأمّا إذا كان عنوان الفعل من العناوينالقصديّة ولم يقصد ذلك العنوان بفعله لايكون ذلك الفعل مصداقاً لذلك العنوان، منغير فرق بين العبادات والمعاملات، وكذاإذا قصد العنوان القصديّ ولكن انتفى عماينطبق عليه العنوان القصديّ ما يعدّ قيداًمقوّماً في انطباق ذلك العنوان، كما إذاقصد إنشاء الطلاق لامرأة بتخيّل أنّهازوجته ولكن أخطأ ولم تكن المرأة زوجته بلأجنبية له، وهذا بخلاف ما إذا تحقّق ذلكالقيد، فإنّه يكون ذلك الفعل الذي هوعنوان قصديّ محقّقاً لا محالة، والمفروضفي المقام كذلك، فإنّ المفروض أنّ الذيقلّده بتخيّل أنّه زيد فبان أنّه عمروواجد لتمام الشرائط المعتبرة في المجتهد،وقد تعلم منه الفتوى وعمل على طبقه فيكونتقليداً مجزياً، ولو كان عالماً بأنّهعمرو لما قلّده من قبيل تخلّف الداعي،وكذا في مسألة الائتمام بأحد الشخصينالواجدين لشرائط الائتمام فإنه يتحقّقالائتمام ويكون مجزياً، بخلاف ما لم يكنواجداً لشرائط الائتمام فإنه لعدم تحقّقشرائط الائتمام لم يتحقّق الائتمام، غايةالأمر صلاة المأموم محكومة بالصحة إذا لميرتكب في صلاته ما يبطل صلاته الفرادىحتّى حال العذر كتعدّد الركوع في ركعة؛وذلك فإنّ صلاته لم تنقص من صلاة المنفردإلاّ القراءة وتسقط اعتباره عند العذر،ومنه الاعتقاد بصحة ائتمامه.
_ [4] وذلك فإنّ السماع من المجتهد شفاهاًتعلّم لفتواه وجداناً إذا كان ما ذكرالمجتهد من فتواه صريحاً بحسب المدلول أوكان ظاهراً، والكلام في اعتبار الظواهرمفروغ عنه في المقام، وأمّا الثاني يعنيإخبار العدلين بفتواه فإنّه داخل فيالبيّنة لفتواه إذا كان إخبارهما بهبالسماع من المجتهد، وأمّا إذا لم يكنإخبارهما كذلك أو أخبر عدل بفتواه فهوداخل في خبر العدل، وقد تقدّم اعتباره فيالأحكام التي منها فتوى المجتهد بالإضافةإلى العاميّ، بل ذكرنا اعتباره فيالموضوعات أيضاً وإن استشكل فيه بعضالأصحاب كالماتن (قدس سره)، بل المعتبر فينقل الحكم خبر الثقة إذا استند في نقله إلىالحسّ وإن كان بوسائط؛ ولذا التزم الماتن(قدس سره) في المقام باعتبار خبر العدلالواحد بل الثقة وإن لم يكن عدلاً، ولكنقيّد الثقة بوصف بقوله: «موثّق يوجب قولهالاطمينان» ولو كان مراده الإيجابالنوعيّ فمفاده اعتبار نفس خبر الثقة، وإنكان مراده الاطمينان الشخصيّ تكونالنتيجة اعتبار الاطمينان الناشئ من خبرالثقة، وفي اعتبار خبر الثقة قولان وكأنهاختار أحد القولين يعني القول الثاني. وعلى الجملة كما أنّ قول الإمام (عليهالسلام) طريق إلى الحكم الشرعيّ المجعولفي الشريعة والراوي عنه (عليه السلام) يخبرعن ذلك الطريق كذلك فتوى المجتهد طريقشرعيّ إلى الحكم الشرعيّ المجعول فيالشريعة بالإضافة إلى العاميّ، والمخبربفتوى المجتهد يخبر عن ذلك الطريق المعتبرفي حقّه، فالراوي عن المعصوم لا يرويالحكم الشرعيّ المجعول في الشريعةبالذات، وإنّما يخبر عن طريقه بنقله قولالمعصوم. كذلك الراوي لفتوى المجتهد إنمايروي طريقه إلى الحكم الشرعيّ المجعولبنقل فتوى المجتهد ونظره؛ ولذا لم يستشكلالماتن (قدس سره) في اعتبار خبر العدل بلالثقة عن المجتهد بفتواه مع أنّه لم يلتزمباعتبار خبر العدل في الموضوعات بل استشكلفي اعتباره فيها. وما ذكر في المتن من تقييد الموثّق بما«يوجب قوله الاطمينان» إن كان من قبيلالوصف التوضيحيّ وبأنّ الموثّق من يوجبقوله الوثوق والاطمينان نوعاً فهو، وإلاّبأن كان المراد اعتبار الوثوق والاطمينانالشخصيّ من خبره فلا يمكن المساعدة عليه؛لما ذكرنا في بحث حجيّة الخبر من أنّ خبرالثقة موضوع للاعتبار عند العقلاء في مقامالاحتجاج والاعتذار، ولا يدور اعتبارهمدار الوثوق والاطمينان الشخصيّ وعدمه. والوجه في اعتبار أخبار الثقات عندالعقلاء هو تنظيم أمر اجتماعاتهم ولا يمكنأن يستند إلى أمر نفسانيّ لا يتمكّن نوعاًمن إحرازه، وعدم إحرازه في مقام الاحتجاجوالاعتذار فيما بينهم، كما ذكرنا ذلك فيبحث حجّية الظواهر أيضاً، حيث لا معنى أنيكون اعتبار ظاهر كلام المتكلّم منوطاًبظنّ السامع والمستمع بمراد المتكلّموعدم ظنّه، فيكون ظاهر كلامه معتبراً سواءحصل الظنّ منه بالمراد أم لا. وأمّا ما ذكره (قدس سره) من «الوجدان فيرسالته ولابد من أن تكون مأمونة من الغلط»فقد ذكر في بحث حجّية الظواهر أنّه لا فرقفي اعتبار ظهور الكلام بين أن يكونمكتوباً أو شفهياً، ولابد من إحراز كون مافي الرسالة كتابة فتواه بأن يكون مأموناًمن الغلط، كما إذا لاحظ المفتي الرسالةفوقّعها بأنّ ما ذكر فيها فتاواه فيالمسائل الشرعيّة، واللّه العالم.
_ [5] وذلك فإنّ الاستناد في أعماله السابقةإلى قول من ليس له أهليّة الفتوى لا يكوناستناداً فيها إلى الحجّة ولا يعتبر تعلّمقوله تعلّماً للحكم الشرعيّ في الواقعةالتي ابتلى بها، فعلى ذلك يجب تداركالأعمال السابقة على طبق فتوى المجتهدالفعليّ إذا كانت فتواه بطلان تلك الأعمالولا يحكم بإجزائها في موارد فتواهببطلانها؛ لأنّ ما ذكرنا سابقاً منالإجزاء في العبادات والمعاملات بمعنىالعقود والإيقاعات ما إذا كان العاميّ حالالعمل مستنداً إلى فتوى المجتهد الواجدلما تقدّم من الشرائط. وقد تقدّم أيضاً أنّه مع علم العاميّباختلاف الفتوى في الوقايع التي يعلمابتلاءه بها أو يحتمل ابتلاءه عليه أنيرجع إلى الأعلم، ولو كان علمه بالاختلافعلماً إجماليّاً فتقليده عن غير الأعلم فيالفرض غير مجزئ، ويجب العدول إلى الأعلمويتدارك أعماله السابقة إذا كان منها مايفتي الأعلم ببطلانه. نعم لو كان رجوعه إلى غير الأعلم فيهالفتوى الأعلم بجواز الرجوع إلى غير الأعلمفلا تحتاج الأعمال السابقة إلى التدارك،ويحكم بإجزائها على القول بالإجزاءبالإضافة إلى الأعمال السابقة فيالعبادات والمعاملات؛ لأنّ المفروض أنّالعاميّ كان مستنداً في تلك الأعمال إلىالحجّة، ونظير ذلك ما إذا كان آخذاً بفتوىالأعلم في أعماله السابقة ثمّ صار غيرهأعلم منه، فيجب الرجوع إلى الأعلمالفعليّ، ولكن يحكم في أعماله السابقةبالإجزاء. وما ذكر الماتن (قدس سره) من الاحتياطالوجوبيّ في تقليد الأعلم وكذا في فرضصيرورة غيره أعلم منه لعلّه يريد صورة عدمالعلم بالاختلاف، وإلاّ كما ذكرنا لااعتبار بقول غير الأعلم مع الأعلم في صورةالعلم ولو بالإجمال باختلافهما فيالمسائل التي يبتلي بها العاميّ، وكذا معالعلم الإجماليّ في المسائل التي يحتملالابتلاء بها. ثمّ إنّ ما ذكره (قدس سره) إذا قلّد غيرالأعلم وجب عليه العدول إلى الأعلم علىالأحوط، وكذا ما إذا قلّد الأعلم ثمّ صارغيره أعلم، ففي الاحتياط المذكور معاحتماله التخيير بين الأعلم وغير الأعلمتأمّل، خصوصاً في الفرض الثاني حيث كانتفتوى الأوّل حجة في حقّه ودار الأمر بينبقائه على الحجّة أو صيرورة الثاني حجّة،فلابدّ في صورة اختلافهما في الفتوى الأخذبالأحوط من قوليهما على ما تقدّم. نعم في الفرض الأوّل يجري الاستصحاب فيناحية عدم كون فتوى الأوّل حجّة في حقّه منالأوّل، فالأحوط على مسلكه العدول إلىالثاني.
_ [6] لإمكان الاحتياط صورتان: الاُولى أنيفتي كلّ منهما في المسألة بالتكليف ولكناختلفا في متعلّقه كما إذا أفتى أحدهما فيسفر بوجوب القصر، والآخر بوجوب التمام،كما إذا سافر المكلّف ثمانية فراسخ ثلاثةذهاباً وأربعة رجوعاً أو أفتى أحدهما فيكفارة بصوم شهرين متتابعين تعييناً،والآخر بالتخيير بينه وبين إطعام ستينمسكيناً، وفي هذا الفرض يجب على العاميالأخذ بالاحتياط بالجمع بين القصروالتمام، وبالتكفير بشهرين عن الصيام،وذلك إمّا لعلمه إجمالاً بوجوب إحدىالصلاتين أو علمه بقيام الحجّة على وجوبشهرين ولا يعلم بقيام الحجّة على إجزاءإطعام ستين مسكيناً وكونه بدلاً عن صيامشهرين متتابعين، وكما إذا أفتى أحدهما بأنمن فات عنه رمي الجمرات يقضيه من الغد،وقال الآخر يقضيه في ليلته، فإنّه يجبعليه الجمع بين الرمي في ليلته والرمي منالغد لعلمه بقيام الحجّة على وجوب أحدهما،ولو احتمل عدم وجوب التدارك أصلاً فإنّهذا الاحتمال لا يزيد على احتمال الخلافوعدم الإصابة في سائر الطرق والأماراتالمعتبرة. وربّما يتمسّك بأصالة الاشتغال وأنّمقتضاه الجمع بين الفتويين في العملوالأخذ بالأحوط منهما؛ لأنّ العلمالإجماليّ للعاميّ بثبوت التكاليف فيالوقايع التي يبتلي بها مقتضاه الاحتياطفي جميع الصور المتقدمة، بل عليه الاحتياطحتى فيما إذا احتمل التكليف إلاّ في موردأحرز الحجّة على نفي التكليف فيه، كما إذاأفتى في واقعة كلّ من المجتهدين اللذين لايحرز الأعلم منهما بعدم التكليف، بخلاف ماإذا أفتى أحدهما بالتكليف، وأفتى الآخربعدمه حيث إنّ مع اشتباه الحجّة بلا حجّةمن الفتويين لا يحرز قيام الحجّة على نفيالتكليف. هذا كلّه فيما إذا أمكن الاحتياط بالعملبالفتويين أو الأخذ بأحوط القولين، وأمّاإذا لم يمكن الاحتياط كذلك، كما إذا أفتىأحدهما بوجوب فعل والآخر بعدم جوازه أوأفتى أحدهما بوجوب الإفطار والآخر بوجوبالصوم فيتخيّر العاميّ في العمل بأحدهمالكفاية الامتثال الاحتماليّ بعد فرض عدمتمكّنه من الموافقة القطعيّة بالعملبالفتويين. وربّما(2) يقال في الفرض بتقديم فتوى منفيه ترجيح كما إذا كان في أحدهما المعيّنظنّ بأنّه الأعلم، ولعلّ ذلك للنزول منالموافقة الظنيّة بعد عدم التمكّن منالموافقة القطعيّة. وفيه أنّ العلم باعتبار أحد الفتويين لايزيد على العلم الوجدانيّ بثبوت أحدالتكليفين، فمع كون المقام من دوران الأمربين المحذورين لا يكون العلم بثبوت الحرمةأو الوجوب بياناً لأحدهما المعيّن،والعلم باعتبار الفتوى بالحرمة أو الوجوبلا يزيد على العلم بأحدهما، كما أنّ الظنّبأحدهما بعينه لا أثر له فكذلك العلمباعتبار أحد الفتويين، ولا تقاس المسألةبما إذا كان أحد المجتهدين بعينه أعلم منالآخر احتمالاً بأن علم إما أنّه أعلم أومتساويين فبناءً على التخيير فيالمتساويين يتعيّن تقليد ما هو محتملأعلميّته من الآخر في موارد العلمبخلافهما ولو كان المعلوم كذلك بالعلمالإجمالي. وعلى الجملة الظنّ إنّما يعتبر في الحجّةفي دوران أمر الحجّة بين التعيين والتخييركما يعتبر الظنّ بالأهميّة في مقامالتكليفين المتزاحمين.
_ [7] وذلك للاستصحاب في حياته وسائر أوصافهالتي تكون دخيلة في جواز البقاء علىتقليده، وبما أنّ الشبهة موضوعيّة لا يجبالفحص من بقاء حياته أو سائر الأوصاف، بليبنى على بقائها حتى يتبيّن الحال. نعم على العاميّ إحراز جواز البناء علىهذا البقاء من غير ناحية فتوى ذلك المجتهدالمشكوك بقاؤه على الأوصاف.
_ [8] إذا اتّفق للعاميّ المفروض في المسألةالعلم بأنّ أعماله السابقة كانت موافقةللوظيفة الواقعيّة وفرض الإتيان بها بقصدالتقرّب فلا ينبغي التأمّل في عدم لزومتداركها؛ لأنّ التقليد لم يكن شرطاً فيصحّة العبادات بل طريقاً إلى إحراز امتثالالتكاليف المتعلّق بها، وكذا إذا علمأنّها تكون مطابقة لفتوى المجتهد الذيتكون وظيفته في لزوم تداركها وعدمه الرجوعإليه فعلاً، فإنّه مع فتوى المجتهدالفعليّ بما ينطبق على أعماله السابقة لاموضوع لتداركها حتّى فيما إذا كانت بعضتلك الأعمال باطلة على فتوى المجتهد الذيكان على العاميّ الرجوع إليه في تلكالأعمال، فإنّ فتوى المفتي تعتبر طريقاًإلى التكليف والحكم الشرعيّ في الواقعةبنحو القضيّة الحقيقيّة من أوّل الشريعة،وإذا سقطت فتوى المجتهد عن الاعتبار لموتهأو غيره أو لم يكن معتبراً في حقّه لعدمتعلّمه منه وعدم الاستناد إليه في مقامالعمل يكون الطريق إلى تلك القضيةالحقيقيّة فتوى المجتهد الذي عليه الرجوعفعلاً؛ ولذا ذكرنا أنّ مقتضى القاعدةتدارك الأعمال السابقة على طبق فتوى منيعتبر فتواه فعلاً حتى فيما إذا كانمتعلّماً من المجتهد السابق وكان مستنداًإلى فتواه حين العمل، وإنّما التزمنابالإجزاء للعلم بأنّ الشارع لا يريد تداركعباداته السابقة فيما إذا احتمل صحتهاواقعاً وكان حين العمل مستنداً إلى فتوىمن كانت فتواه معتبرة في حقّه، وكذلكالحال في عقوده وإيقاعاته السابقة، وأمّاإذا لم يستند حين العمل بذلك الفتوىفالإجزاء فيها خارج عن مورد العلم به،فلابدّ من تداركها على فتوى المجتهد الذيتكون وظيفته الرجوع إليه فعلاً. نعم يفصّل في المقام بأنّه لا يحتاج إلىالتدارك في العبادات التي يكون تداركهابالقضاء، فإنّه يكفي فيها احتمالمطابقتها للواقع حال العمل أو صحّتهاواقعاً، فلا يجب فيه القضاء بخلاف ما إذااُحرز بطلانها بحسب فتوى المجتهد الذييرجع إليه فعلاً لإخلاله فيها بما يوجبقضاءها، كالإخلال ببعض الأركان في الصلاةأو الإخلال بسائر الأجزاء وتركها معاحتمال اعتبارها حال العمل حيث لا مجرىلحديث «لا تعاد» مع احتمال الاعتباروالإخلال حال العمل. وعلى الجملة موارد لزوم القضاء إحرازالفوت وجداناً أو بطريق معتبر فعلاً فمععدم إحرازه كذلك كما إذا لم يخلّ بصلاتهحال عدم تقليد في أركانها ولا في سائرالأجزاء وشرايطها إلاّ نسياناً أو غفلةفيكون مقتضى حديث «لا تعاد» الحكمبصحّتها، بخلاف ما إذا أخلّ في الأركان أوفي الأجزاء والشرائط التي كان يحتمل حالالعمل اعتبارها ومع ذلك لم يكن يراعيها،فإنّه يجب عليه تدارك تلك الصلوات، وكذاالحال في سائر العبادات التي يحرز فوتهابفتوى المجتهد الذي يجب الرجوع إليهفعلاً. وأمّا إذا شكّ في فوتها لعدم علمهبكيفية عمله في ذلك الحال فلا يجب قضاؤهالأنّ الشكّ فيه من الشكّ في التكليف فعلاً. وقد ذكر النائيني (قدس سره)(3) اختصاص حديث«لا تعاد» بالناسي حيث إنّ المكلف حالصلاته وإخلاله فيها جهلاً كان مكلّفاًبالإتيان بالصلاة التامّة كما هو مقتضىالتكليف الواقعيّ غير المقيّد بالعلموالجهل بالجزئيّة والشرطيّة، فالمكلّفالجاهل والمخلّ بالجزء أو الشرط جهلاًمكلّف عند إخلاله كقبل الإخلال، وبعدهمكلّف بما كان مكلّفاً به، بخلاف الناسيفإنّه حين نسيانه لا يكون مكلّفاً بالصلاةالتامّة لنسيانه الجزء والشرط وبعدتذكّره وزوال نسيانه يتوجه إليه التكليفبالإعادة أو عدمها، بخلاف الجاهل قاصراًأو مقصّراً فإنّه حين العمل يكون مكلّفاًبالصلاة التامّة على ما تقدّم. أقول: لا يختصّ ما ذكره (قدس سره) بالناسيبل يجري في حقّ المقصّر الذي كان غافلاً عناعتبار شيء في الصحة حيث إنّ التكليفبالواجد له لغفلته ساقط في حقّه فلا يختصالأمر بالإعادة في حقّ الناسي. لا يقال: إذا كان غفلة المكلّف عن اعتبارشيء في الصلاة ناشئاً عن ترك التعلّم فلايكون المكلّف معذوراً في تركه في الصلاة. فإنّه يقال: هذا لا يمنع عن الحكم بصحةالصلاة التي أتى بها حال غفلته إذا لم يكنالإخلال في أركانها. أضف إلى ذلك أنّ الغافل الذي لم يكن لهسبيل إلى معرفة جميع ما يعتبر في الصلاةوكان معتقداً صحّة ما أتى به حال العملفيدخل في حديث «لا تعاد»، فإنّه يجري فيهما ذكره (قدس سره) في الاستظهار من حديث «لاتعاد». أضف إلى ذلك أنّ مفاد حديث «لا تعاد» ليستكليفاً نفسيّاً بل هو إرشاد إلى بقاءالتكليف الواقعيّ عند الإخلال بما ذكر فيالمستثنى وعدم بقائه مع الإخلال بما يدخلفي المستثنى منه، وأنّ التعبير بالإعادةوعدمها لفرض أنّ المكلف حين العمل يأتيبما يعتقد أنّه وظيفته؛ ولذا لا يشملالجاهل المقصّر الذي يحتمل عند الإتيانأنّ عمله ناقص وفيه خلل من حيث بعض الأجزاءوالشرايط أو ارتكاب المانع مع تمكّنه منالإتيان بصلاته صحيحة ولو بالتعلّم، معأنّ الالتزام بشمول حديث لهذا الجاهلالمقصّر يوجب حمل بعض الخطابات الواردة فيالأجزاء والشرائط والموانع للعمل علىالفرد النادر كقوله (عليه السلام): «منتكلّم في صلاته متعمّداً فعليه إعادةالصلاة»(4) فإنّه على تقدير شمول «لا تعاد»للمقصّر الذي يحتمل عند التكلّم في صلاتهبطلانها يلزم حمل الخطاب المذكور علىالعالم المتعمّد، وصدوره من العالمالمتعمّد المريد للامتثال نادر. والمتحصّل مما ذكرنا أنّ الجاهل إذا لميعلم كيفيّة عمله واحتمل صحته واقعاً لايجب عليه القضاء؛ لأنّ الموضوع لوجوبه فوتالفريضة في وقتها، ومقتضى الاستصحاب فيعدم الفوت ولا أقل أصالة البراءة عن تكليفالقضاء عدم وجوبه. نعم لا تجري في حقّ العاميّ الجاهل حالالعمل أصالة الصحّة في عمله أي قاعدةالفراغ فإنّ العامي المفروض يحتمل إخلالهبالعمل جهلاً لا بطروّ الغفلة حال العملعلى ما قرّر ذلك في بحث قاعدة الفراغ، كماأنّ الاستصحاب في عدم الإتيان بالواجبعليه في وقته لا يثبت فوت ذلك الواجب. وممّا ذكر يظهر أنّه على العاميّ تداركمعاملاته السابقة إذا احتمل الخلل فيهاعلى طبق فتوى المجتهد الذي يجب الرجوعإليه فعلاً. وعلى ما ذكرنا كلّما دار أمرالقضاء بين الأقلّ والأكثر يكتفىبالأقلّ؛ لأصالة عدم فوت الزائد أو لأصالةالبراءة عن وجوب قضاء الزائد. ولكن ربّما يقال في الدوران بين الأقلوالأكثر لزوم القضاء بمقدار يعلم الفراغ،وعن بعض بمقدار يظنّ بالفراغ، وقد ذكر فيوجه ذلك أنّ في مورد دوران التكليف بينالأقلّ والأكثر غير الارتباطيين تجرىالبراءة عن التكليف الزائد، كما إذا أتلفمال زيد وتردّدت قيمته بين الأقلّوالأكثر، أو علم بعد شهر رمضان أنّه أفطرالصيام في مرضه ودارت تلك الأيام بينالثمانية وبين العشرة، أو أنّه استيقظ مننومه وتردّد أنّه نام تمام وقت صلاتين أويوماً واحداً بتمامه، ففي مثل ذلك لاينبغي التأمّل في الاكتفاء بالأقلّ،وأمّا إذا تردّد التكليف المنجّز السابقبين الأقلّ والأكثر، كما إذا علم أنّه لميصلّ أيّاماً وتردّد في تلك الأيام بعدذلك بين الأقل والأكثر فإنّه يجب عليهالاحتياط، وذلك فإنّ كلّ يوم ترك فيهالصلاة فقد تنجّز عليه قضاء صلوات ذلكاليوم، وكذا الحال فيما إذا تركها فياليوم الثاني تنجّز عليه قضاء صلوات ذلكاليوم أيضاً، وهكذا فإنّ هذا المكلّف إذااقتصر بعد ذلك بمقدار الأقلّ يحتمل مخالفةبعض التكاليف المنجّزة في حقّه من السابق،ونظير ذلك ما إذا استدان من زيد تدريجاًوبعد ذلك تردّد في ما استدانه بين الأقلّوالأكثر، فإنّه لا تجري البراءة في ناحيةالأكثر حيث إنّه كان مكلّفاً بأداء كلّدين بالتكاليف المنجّزة من السابق فيحتملعدم سقوط بعضها عن عهدته بأداء الأقلّوالعاميّ الذي ترك التقليد عمداً من هذاالقبيل. ولكن لا يخفى ما فيه، أوّلاً: لعدم اندراجالمقام في الكبرى المذكورة حيث إنّالمكلّف لا يعلم بكيفيّة أعماله السابقةالصادرة في ذلك الزمان ويحتمل انطباق تلكالأعمال على طبق فتوى المجتهد الذي يجبعليه الرجوع إليه فعلاً. نعم إذا علم أنّ ما أتى به سابقاً كانمخالفاً لفتوى من يجب عليه الرجوع إليهفعلاً وتردّد بعد ذلك في مقداره بينالأقلّ والأكثر فيمكن أن يقال: مقتضى ماتقدم هو الاحتياط. وثانياً: أنّ التكليف في دوران الواجبالاستقلاليّ بين الأقل والأكثر هو تنجّزالأقلّ والرجوع إلى البراءة في الأكثر منغير فرق بين الموارد؛ لأنّ تنجّز التكليفوإن كان بالعلم إلاّ أنّ بقاء تنجّزهإنّما هو ببقاء ذلك العلم على ما قرّر فيبحث اعتبار العلم والاعتقاد.
(1). التنقيح في شرح العروة 1:257 ـ 258. (2). التنقيح في شرح العروة 1:268. (3). كتاب الصلاة للمحقّق الآملي 3:5. (4). وسائل الشيعة 8:206، الباب 44 من أبوابالخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3. (مسألة 41) إذا علم أنّ أعماله السابقة كانتمع التقليد لكن لا يعلم أنّها كانت عنتقليد صحيح أم لا، بنى على الصحّة[1]. (مسألة 42) إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ فيأنّه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص[2]. (مسألة 43) من ليس أهلاً للفتوى يحرم عليهالإفتاء، وكذا من ليس أهلاً للقضاء يحرمعليه القضاء بين الناس، وحكمه ليس بنافذ[3]. ولا يجوز الترافع إليه، ولا الشهادةعنده[4] والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام وإنكان الآخذ محقّاً[5]. إجراء أصالة الصحة في تقليده السابق
_ [1] الشكّ في صحّة تقليده السابق من حيثالصحّة وعدمها يكون في فروض: الأوّل: أن يشكّ في أنّ من قلّده سابقاً،بأن تعلّم منه الفتوى وعمل به هل كانواجداً للصفات التي تعتبر في ناحية منيرجع إليه العاميّ ليكون العمل بفتاواهمجزياً فيما إذا كان فتوى من يرجع إليهفعلاً مخالفاً لفتوى ذلك المجتهد الذي كانيقلّده؟ الثاني: أن يشكّ في الطريق الذي اعتمدعليه في التقليد في السابق هل كان من الطرقالمعتبرة في تشخيص المجتهد الواجدللشرائط أو كان اعتماده في تقليده السابقبغير تلك الطرق؟ الثالث: أن يشكّ في كلا الأمرين من كونهواجداً للصفات المعتبرة في أخذ الفتوى منهوكون أخذه منه الفتاوى للاعتماد على الطرقالمعتبرة في تشخيص من يرجع إليه والأخذمنه أم لا. ويكون غرضه من إحراز صحة تقليده منه إحرازالإجزاء في أعماله السابقة التي وقعت علىطبق فتاوى ذلك المجتهد، واُخرى يكون غرضهإحراز صحة البقاء على تقليده كما إذا ماتذلك المجتهد وكان من يرجع إليه فعلاً فيتعلّم الفتوى شخص آخر أو عدم جواز رجوعهإلى حيّ آخر إذا كان الحيّ الآخر الفعليّواجداً لما يعتبر في التقليد عنه. فإن كان غرضه إحراز الإجزاء في أعمالهالسابقة الصادرة عنه على طبق فتاوىالمجتهد السابق وقلنا بالإجزاء في تلكالأعمال فيترتّب عليها الإجزاء في صورتين: الاُولى: أن يكون تقليده سابقاً عنهللاعتماد في تقليده على الطرق المعتبرة فيتشخيص من يجوز أو يجب تقليده من زمانتقليده. والثانية: إحرازه فعلاً بتلك الطرق أنّهكان في زمان الأخذ منه والعمل واجداًلتمام شرائط التقليد وإن كان في السابقمعتمداً على غير تلك الطرق، وحيث إنّإحرازه فعلاً كون ذلك المجتهد الذي أخذ فيالسابق منه الفتوى كان كذلك يكفي في إحرازالإجزاء، بل وفي جواز البقاء إذا مات علىتلك الفتاوى التي تعلّمها، وعدم جوازالعدول مع عدم موته إلى الحيّ الفعلي ولوكان مساوياً معه في الفضيلة، لا يكون فيالبين موضوع لأصالة الصحة في تقليدهالسابق، كما لا يكون موضوع لأصالة الصحةفيما إذا لم يحرز أنّه كان على الأوصافالمعتبرة وعلم أنّه كان عند تقليده سابقاًغير معتمد على الطرق المعتبرة في تشخيصالأعلم واجداً للأوصاف؛ لأنّه مع إحرازالغفلة في تقليده السابق أو احتمال تعمّدهفيه الخلل لا مجرى لأصالة الصحة على ماتقرّر في محلّه. نعم يبقى ما إذا احتمل صحة تقليده عنهسابقاً بالاعتماد على الطرق المعتبرة فيتشخيصه وجدانه الصفات وإن كان لا يتذكربذلك فعلاً، فإنّه تجري في تقليده أصالةالصحة ويبقى على تقليده في تلك المسائلالتي تعلّمها إذا لم يثبت الحيّ الآخر أوالحيّ الفعليّ أعلم منه وأفضل. وعلى الجملة فصحة التقليد السابق تحرزإمّا بأن يعتمد العاميّ على الطرقالمعتبرة في تشخيص من رجع إليه في تعلّمالفتوى زمان التقليد والعمل أو بعد ذلك،وأمّا مع عدم اعتماده عليها كذلك فمجرّداحتمال كونه واجداً لتمام الصفات لا يجديفي صحّته إذا لم يحرز بعد ذلك أيضاً كونهواجداً لها. هذا كلّه بناءً على الإجزاءوعدم لزوم الاحتياط في موارد الاختلاف.
_ [2] إذا كان الشكّ في كونه جامعاً للشرائطبقاءً؛ لاحتمال زوالها بعد أن كان جامعاًلها فلا ينبغي التأمّل في جواز البناء علىبقائه على تلك الشرائط، فإنّ ذلك مقتضىالاستصحاب الجاري في الموضوعات عند الشكّفي بقائها وقد تقدّم ذلك، وأمّا إذا أحرززوالها أو بعضها واحتمل بقاء فتواه السابقالذي تعلّم منه حال استجماعه الشرايط فقدتعرّضنا لذلك في مسألة جواز البقاء علىتقليد الميّت، وذكرنا أنّه يمكن اعتبارفتوى من كان مستجمعاً للشرائط حتى بعدزوالها فيما إذا صدرت الفتوى أو كانتعلّمه منه قبل زوالها، كما هو الحال فياعتبار الخبر عن المعصوم (عليه السلام)بالأحكام الشرعيّة أو الخبر والشهادة علىالموضوعات قبل زوال وصف العدالة والثقة عنالراوي، فإنّ زوال الوصف عن الراويوالشاهد فيما بعد لا يوجب سقوط خبره أوشهادته عن الاعتبار، بل يمكن التشبّث فيإثبات ذلك في الفتوى أيضاً بعد زوال بعضالأوصاف عن المفتي كالحياة ببعض الإطلاقفي الأخبار الواردة في الإرجاع إلى بعضالفقهاء من الرواة، إلاّ أنّه قد بيّناأنّه لا يمكن الالتزام ببقاء فتوى المفتيعلى الاعتبار بعد زوال بعض الأوصاف عنهمما يكون اتّباع فتواه بعد زواله مهانة فيالدين والمذهب. وإذا اعتقد العاميّ كون مجتهد واجداًلتمام الأوصاف المعتبرة في اعتبار فتواهكالأعلميّة في المسائل الخلافيّة بينالعلماء وقلّده فيها ثمّ شكّ في صحةاعتقاده السابق واحتمل خطأه نظير الشكّالساري فيتعيّن في الفرض الفحص وإحراز صحةاعتقاده، ومراد الماتن (قدس سره) في حكمهبوجوب الفحص هذا الفرض كما أشرنا إلى ذلكآنفاً حيث إنّ قاعدة اليقين لا دليل علىاعتبارها. وقد ذكرنا عند التعرّض للأخبار الواردةفي الاستصحاب(1) أنّ دعوى ظهور بعض تلكالأخبار في قاعدة اليقين فيكون دليلاً علىاعتبارها أيضاً، لا يمكن المساعدة عليهافإنّ قوله (عليه السلام): «من كان على يقينفشكّ فليمض على يقينه»(2) وإن قيل بظهوره فيالقاعدة حيث إنّ دخول (الفاء) على (شكّ)الدالّة على حصول الشكّ بعد اليقين مع حذفمتعلّقهما الظاهر فرض اتحاد متعلّقهما منجميع الجهات لا ينطبق إلاّ على قاعدةاليقين؛ لأنّه لا يعتبر في الاستصحاب حصولالشكّ بعد اليقين، بل المعتبر فيه سبقالمتيقن على المشكوك وإن كان الشكّ حاصلاًقبل اليقين ولا يمكن في الاستصحاب اتحادمتعلّقي اليقين والشكّ من جميع الجهات، بليكون متعلّق اليقين سابقاً وبقاؤهمشكوكاً، بخلاف قاعدة اليقين حيث يكون نفساليقين سابقاً والشكّ لاحقاً مع اتحادمتعلّقهما من جميع الجهات. والوجه في عدم المساعدة على الدعوىالمذكورة أنّ صدر الخبر مع قطع النظر عنذيله وإن كان كما ذكر إلاّ أنّ الذيل وهو:«فليمض على يقينه»، قرينة على أنّ المرادمنه أيضاً الاستصحاب حيث إنّ ظاهره المضيعلى يقينه الموجود حال المضيّ، وهذا يكونفي الاستصحاب؛ لأنّ اليقين والشكّ فيموارد الاستصحاب يجتمعان في زمان الحكمبالبقاء لاختلاف متعلّقهما من حيث الحدوثوالبقاء. وعلى الجملة دخول (كان) على (يقين) بلحاظالمتيقّن حيث إنّ زمانه بالإضافة إلى زمانالشكّ ماض غالباً في موارد الاستصحاب ولايوجب تقييداً في سائر خطابات الاستصحابالمطلقة من هذه الجهة كقوله (عليه السلام):«لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ وإنّماانقضه بيقين آخر»(3).
_ [3] إن كان عدم أهليّته للإفتاء لفقده ملكةالاجتهاد وعدم معرفة الأحكام في المسائلمن مداركها الشرعيّة فلا ينبغي التأمّل فيحرمة إفتائه؛ لأنّه يدخل في الافتراء علىاللّه كما إذا بيّن الحكم الشرعيّبالاستحسان والقياس والتأويل بذهنهالقاصر، ويدخل في قوله سبحانه: (ءاللّه أذنلكم أم على اللّه تفترون)(4) حيث إنّهسبحانه عدّ ما نسب إليه بلا إذن وحجّة فيالافتراء على اللّه سبحانه. وفي صحيحة أبي عبيدة قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): «من أفتى الناس بغير علم ولاهدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة وملائكةالعذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(5). وفيصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: قال أبوعبداللّه (عليه السلام): «إيّاك وخصلتينففيهما هلك من هلك، إيّاك أن تفتي الناسبرأيك أو تدين بما لا تعلم»(6) وفي معتبرةالسكوني عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله):«يعذّب اللّه اللسان بعذاب لا يعذّب بهشيئاً من الجوارح، فيقول: ربّ عذّبتنيبعذاب لم تعذّب به شيئاً، فيقال له: خرجتمنك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها،فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المالالحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزّتيلاُعذّبك بعذاب لا اُعذّب به شيئاً منجوارحك»(7) إلى غير ذلك. وأمّا إذا كان عدم أهليّته للفتوى من سائرالجهات مع علمه بالحكم الشرعيّ الكليّ منمدارك الأحكام على ما هو طريق الاستنباطمنها، ففي مثل ذلك مما يكون نظره وفتواهحجّة في حقّ نفسه فلا بأس بإظهار نظرهوفتواه في نفسه، فإنّه من الفتوى بعلموليس من الإفتاء بالرأي والتأويلوالاستحسان إلاّ أنّه قد يلتزم بحرمته؛لكون إفتائه إغراءً للجاهل وإضلالاً لهلعدم اعتبار فتواه بالإضافة إلى غير نفسه،وهذا فيما كان السائل أو السامع عنهجاهلاً بسائر شرايط العمل بالفتوى، وكانتالفتوى بحيث تتضمّن دعوة السائل والجاهلإلى العمل بفتواه، وأمّا إذا أظهر للجاهلشرائط العمل بفتوى المفتي ولم يتضمّنافتاؤه العمل به، كما إذا قال الحكمالشرعيّ في الواقعة بنظري هذا، فمجرّد ذلكلا حرمة فيه؛ لأنّه صدق وفتوى بعلم وليسفيه دعوة إلى العمل به إذا كان المخاطبعالماً بشرائط اعتبار الفتوى. وأمّا إذا لم يكن عالماً بها فعليه أنيعلمه شرائط العمل به من غير أن يظهر بأنّهواجدها وإلاّ كان كذباً. وأمّا القضاء ممن ليس أهلاً له فقد يقالبحرمة تصدّي القضاء بين الناس، ولو كانعالماً بموازين القضاء وكان قضاؤه علىطبقها، ولكن كان فاقداً لبعض ما يعتبر فيالقاضي من الصفات، ولا يقاس بالإفتاء ممّنيعلم الأحكام من مداركها ولكن كان فاقداًلشرائط التقليد منه، والفرق في ذلك أنّهيظهر من الروايات حرمة القضاء ممّن يكونفاقداً للوصف المعتبر في القضاء وأنّه لايجوز القضاء إلاّ ممّن ثبت الإذن له فيه،وفي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبداللّه(عليه السلام): «اتّقوا الحكومة فإنّالحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاءالعادل بين المسلمين لنبيّ أو وصيّنبيّ»(8) فإنّ مقتضاه أنّه لا يجوز التصدّيللقضاء بين الناس لغير النبيّ أو وصيّالنّبيّ، فيرفع اليد عن مقتضاها فيما إذاثبت له الإذن من النبيّ أو الوصيّ ولو كانالإذن عامّاً على ما نطقت به مقبولة عمر بنحنظلة وغيرها مما يأتي. وعلى الجملة القضاء في المرتبة الاُولىإنّما هو للنبيّ والوصيّ وفي المرتبةالثانية من كان مأذوناً في القضاء بينالناس من قبل أحدهما ولو كان بإذن عامّ،ويبقى غير من لم يثبت في حقّه الإذن تحتالمنع المستفاد من الحصر الوارد فيالصحيحة. وبتعبير آخر الإفتاء هو بيانالحكم الشرعيّ الكليّ المجعول بنحوالقضية الحقيقيّة كقول المجتهد: الخمرنجس، وعصير الزبيب بعد غليانه أيضاً حلال،وبيع المكيل والموزون بلا كيل ولا وزنباطل . . . إلى غير ذلك. وأمّا القضاء أي فصلالخصومة هو تعيين حكم جزئيّ في الواقعةوإنشاؤه ثبوته في الواقعة، كقوله فيالمترافعين إليه في قضية دعوى الدين: إنّفلاناً مديون لفلان وعليه إفراغ ذمته . . .ونحوها، وهذا لا يجوز التصدّي له إلاّممّن كان جامعاً للشرائط والأوصافالمعتبرة في القاضي. نعم بيان أنّ مقتضى موازين أن يحسب فلانمديوناً لفلان من غير أن ينشأ الحكم ممّنيكون عالماً بموازين القضاء ولم يكنواجداً لما يعتبر في القاضي لا يكون منالتصدّي للقضاء ولا يحسب قوله قضاءً، وهذابخلاف التصدّي للقضاء وإنشاء الحكم فإنهلا يجوز؛ لما تقدّم، ويؤيّده ما ورد من قولعلي (عليه السلام) مخاطباً لشريح: «يا شريح!قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبيّ أو وصيّنبيّ أو شقيّ»(9). ويدلّ على عدم جواز الترافع إلى غيرالواجد للشرائط ما ورد في النهي عنالترافع إلى قضاة الجور، وفي معتبرة أبيخديجة سالم بن مكرم: «إيّاكم أن يحاكمبعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظرواإلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا،فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياًفتحاكموا إليه»(10) فإنّ ظاهرها أنّ جوازالقضاء بين الناس ومشروعيّته يكون بجعلهمولو كان بجعل وإذن عامّ، وهذا الجعل ثابتفي حقّ من يكون من أهل الإيمان ويعرف جملةمن قضاياهم (عليهم السلام) كما في هذهالمعتبرة: «من كان منكم قد روى حديثنا ونظرفي حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوابه حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»(11)كما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة الواردفيها السؤال عمّن ترفع إليه المرافعة عندالحاجة إلى القضاء وفصل الخصومة بعد بيانعدم جواز رفعها إلى قضاة الجور. والحاصل أنّ التصدّي للقضاء بين الناسممّن لا يكون واجداً للصفات المعتبرة فيالقاضي والمراجعة إليه في المرافعات أمرمحرّم، ولا يكون قضاؤه نافذاً. نعم مجرّد بيان الحكم الجزئيّ في الواقعةبنحو الإخبار به من العالم به على طبقموازين القضاء من غير أن ينشأ ذلك الحكمبقصد أن يتّبعوه فلا دليل على حرمته، كماإذا قال: الحكم الشرعيّ في هذه الواقعة علىطبق موازين القضاء ينبغي أن يكون كذا. ثم ينبغي الكلام في المقام في اعتبارالاجتهاد في القاضي في جواز قضائه ونفوذهبأن يكون عالماً بالأحكام الشرعيّة منمداركها بطريق متعارف مألوف بين العلماء،أو كفاية العلم بها ولو من طريق التقليدالصحيح فخصوص العلم بطريق الاجتهاد غيرمعتبر، فالمنسوب إلى المشهور اعتباره،وعن جماعة منهم صاحب الجواهر (قدسسره)(12)كفاية علم القاضي ولو بطريق التقليدالصحيح، فلا يعتبر في جواز القضاء ونفوذهعنده إلاّ علم القاضي بما يقضي بالحجّةالمعتبرة عنده ولو أفتى المفتي بأنّه فياختلاف المالك ومن تلف المال عنده من غيرتفريط فقال المالك: إنّه كان قرضاً، وقالمن تلف المال عنده: إنّه كان وديعة، إذا لميكن لمن يدعي الوديعة بيّنة على أنّه كانوديعة، يحلف المالك على عدم الوديعة أوكونه قرضاً ويأخذ بدل التالف، ووقع الخلافكذلك بين اثنين وترافعا عند من يعلم ولوبالتقليد يجوز له القضاء بذلك. واستدلّعلى ذلك بالآيات والروايات كقوله تعالى:(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموابالعدل)(13)وقوله: (يا أيّها الذين آمنواكونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولايجرمنّكم شنآن قوم ألاّ تعدلوا اعدلوا)(14)ومفهوم قوله سبحانه: (ومن لم يحكم بما أنزلاللّه فاُولئك هم الفاسقون)(15). واستدلّ من الروايات بما ورد في: أنّالقضاة أربعة وأنّ ثلاثة منهم في النار،وواحد في الجنة وهو رجل قضى بالحقّ وهويعلم(16). وبما ورد في خبر أبي خديجة عن أبيعبداللّه (عليه السلام): «اجعلوا بينكمرجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا»(17) وفيمعتبرته قال أبو عبداللّه جعفر بن محمدالصادق (عليه السلام): «إيّاكم أن يحاكمبعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظرواإلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانافاجعلوه بينكم فإنّي جعلته حاكماًفتحاكموا إليه»(18) وصحيحة الحلبي قال: «قلتلأبي عبداللّه (عليه السلام): ربما كان بينالرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيءفيتراضيان برجل منّا، فقال: ليس هو ذلك،إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيفوالسوط»(19) إلى غير ذلك. ولكن لا يخفى أنّ الآية الشريفة بعنوانالقضية الشرطيّة ناظرة إلى لزوم رعايةالعدل في الحكم وعدم الانحراف عنه، وأمّاأيّ شخص له ولاية الحكم والقضاء فلا تدلّعلى تعيينه. وأمّا الآية الثانية فهي ظاهرة في حثّالناس على الاستمرار والمداومة على إقامةالقسط والعدل سواء كان في القضاء والشهادةأو غيرهما، ولكن لا دلالة لها على شرائطنفوذ القضاء أو الشهادة؛ ولذا يمكنالاستدلال بالآية على وجوب الشهادة علىكلّ شخص يعلم الحقّ ولكن لا تدلّ على نفوذشهادته. وعلى الجملة ظاهر مقبولة عمر بن حنظلةاعتبار الاجتهاد في ولاية القضاء ونفوذالحكم، كما هو مقتضى موردها من كون الشبهةفي قضية المنازعة المفروضة فيها حكميّة،وكلّ من الحاكمين فقيهاً يستند في حكمهإلى ما وصل إليه من الحديث، وقوله (عليهالسلام) فيها: «ينظران إلى من كان منكم قدروى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرفأحكامنا» الخ(20). وظاهر النظر اعتبارالاجتهاد، وقد تقدّم اعتبار الروايةسنداً حيث إنّ عمر بن حنظلة من المشاهيرالذين لم يرد فيهم قدح، ويؤيّده التوقيعالمنقول عن صاحب الأمر صلوات اللّه وسلامهعليه وعلى آبائه: «وأمّا الحوادث الواقعةفارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهمحجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه»(21) فإنّالمراد من «رواة حديثنا» الفقهاء ممّنيعتمدون في أقوالهم على أحاديثهم (عليهمالسلام) في مقابل فقهاء العامّة حيث لايعتمدون في فتاويهم وقضائهم إلى أحاديثأهل البيت (عليهم السلام)، وإلاّ فمجرّدنقل الرواية من غير نظر واجتهاد فيالروايات والأحاديث المنقولة عنهم (عليهمالسلام)لا يوجب انكشاف الحكم والقضاء فيالحوادث الواقعة. وكيف ما كان فالتوقيع لا يعمّ من كان يعلمالحكم في الوقايع لا عن أحاديثهم (عليهمالسلام)وإنّما يعرف فتوى من يرجع إليه فيالأحكام، وأمّا ما ذكر في «الجواهر» منالتمسّك بصحيحة الحلبي فلا يمكن الاستنادإليه في نفي اشتراط الاجتهاد، فإنّ الواردفيها أنّ التراضي بقضاء رجل منكم خارج عنالمراجعة بحكّام الجور، والمفروض أنّالرجل لابدّ من أن يكون عالماً بميزانالقضاء فيه ولو كان منشأ المخاصمة من قبيلالشبهة الحكميّة وحتّى ما إذا كانت القضيةالمرفوعة من مجتهدين، والعلم بالقضاء فيهذه الموارد في تلك الأزمنة لم يكن إلاّبالطريق المعهود بين الرواة الفقهاء كمالا يخفى.
_ [4] إذا كان الترافع إلى القاضي الذي ليس منأهل الإيمان فالمراجعة إليه من ترويجالباطل وإعانة الظالم على ترويج أمره، وإنكان للقضاء منصوباً من قبل الجائر فهو منالإيمان بالجبت والطاغوت كما في الروايات. وممّا ذكر يظهر الحال إذا كان الفاقدللأوصاف متصدّياً للقضاء حيث إنّالمراجعة إليه أيضاً ترويج للباطل وترغيبلفاقد الأوصاف على بقائه في تصدّيهالباطل، ويظهر الحال أيضاً في الشهادةعنده حيث يوجب ذلك كون الشاهد من أعوانالظلمة ومن المرغّبين للباطل.
_ [5] وقد يقال بدلالة مقبولة عمر بن حنظلةعلى ذلك حيث ورد فيها: «من تحاكم إليهم فيحقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى طاغوت، ومايحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّهثابتاً؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت»(22). ودعوى أنّ المراد بالحقّ الدين المأخوذكما هو ظاهر الحقّ فلا يشمل ما إذا كانالمأخوذ بحكمه عين ماله، لا يمكن المساعدةعليها؛ لأنّ الوارد في صدر المقبولة هواختلاف المترافعين في دين أو ميراثوتنازعهما فيها، ومن الظاهر أنّ الميراثيعمّ العين بل يكون غالباً العين. والصحيح في الجواب أنّ المقبولة ناظرةجواباً عمّا فرضه عمر بن حنظلة من اختلافالشخصين فيما كانت من الشبهة الحكميّة،ولا بأس بالالتزام فيها بأنّه لا يجوزالتصرّف في المأخوذ فيها بحكم القاضيالمفروض في الصدر حتّى فيما كان المأخوذله واقعاً، لأنّه لم يحرز أنّه ملكه بقضاءصحيح، وإنّما استند في كونه له بقضاءالجور، ولا أقلّ من الالتزام باستحقاقهالعقاب بتصرّفه فيه؛ لأنّ التصرّف فيه مععدم إحراز كونه له بوجه معتبر يعدّ منالتجرّي، ولعلّ المراد بالسحت ذلك لا عدمكون المأخوذ ليس له واقعاً أو أنّه مما لميتملّك لو كان هو الوارث له، ولو فرض إطلاقالمقبولة حتّى فيما إذا كانت المخاصمة فيالموضوعات، وكان كلّ من المدّعي والمنكرجازمين في الدعوى والإنكار فلابدّ من حملالمقبولة على ما ذكر جمعاً بينها وبينموثّقة الحسن بن علي بن فضّال قال: قرأت فيكتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الماضي (عليهالسلام)وقرأته بخطّه: سأله ما تفسير قولهتعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطلوتدلوا بها إلى الحكّام)؟ فكتب بخطّه:«الحكّام القضاة ثمّ كتب تحته: هو أن يعلمالرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي فهو غيرمعذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له إذا كانقد علم أنّه ظالم»(23). فإنّ مقتضى الذيلأنّه لا بأس بالمأخوذ فيما إذا لم يحرزأنّه ظالم وأنّه لا يأكل المال بالباطل.
(1). دروس في مسائل علم الاُصول 4:46 و 47. (2). وسائل الشيعة 1:246 ـ 247، الباب الأول منأبواب نواقض الوضوء، الحديث 6. (3). وسائل الشيعة 1:245، الباب الأول منأبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول. (4). سورة يونس: الآية 59. (5). وسائل الشيعة 27:20، الباب 4 من أبوابصفات القاضي، الحديث الأول. (6). المصدر السابق: 21، الحديث 3. (7). المصدر السابق: الحديث 4. (8). وسائل الشيعة 27:17، الباب 3 من أبوابصفات القاضي، الحديث 3. (9). المصدر السابق: الحديث 2. (10). المصدر السابق: 13، الباب الأول،الحديث 5. (11). وسائل الشيعة 1:34، الباب 2 من أبوابمقدمة العبادات، الحديث 12. (12). جواهر الكلام 40:15 فما بعد. (13). سورة النساء: الآية 58. (14). سورة المائدة: الآية 8. (15). سورة المائدة: الآية 47. (16). وسائل الشيعة 27:22، الباب 4 من أبوابصفات القاضي، الحديث 6. (17). المصدر السابق: 139، الباب 2، الحديث 6. (18). المصدر السابق: 13، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 5. (19). وسائل الشيعة 27:15، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 8. (20). وسائل الشيعة 1:34، الباب 2 من أبوابمقدمة العبادات، الحديث 12. (21). وسائل الشيعة 27:140، الباب 11 من أبوابصفات القاضي، الحديث 9. (22). المصدر السابق: 13، الباب الأول،الحديث 4. (23). وسائل الشيعة 27:15، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 9. والآية: 188 منسورة البقرة. إلاّ إذا انحصر استنقاذ حقّه بالترافععنده[1]. (مسألة 44) يجب في المفتي والقاضي العدالةوتثبت العدالة بشهادة عدلين، وبالمعاشرةالمفيدة للعلم بالملكة أو الاطمئنان بها،وبالشياع المفيد للعلم[2]. (مسألة 45) إذا مضت مدّة من بلوغه وشكّ بعدذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أملا، يجوز له البناء على الصحّة[3] في أعمالهالسابقة، وفي اللاحقة يجب عليه التصحيحفعلاً. (مسألة 46) يجب على العاميّ أن يقلّد الأعلمفي مسألة وجوب تقليد الأعلم[4] أو عدموجوبه، ولا يجوز أن يقلّد غير الأعلم إذاأفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم، بل لو أفتىالأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جوازالاعتماد عليه، فالقدر المتيقّن للعاميّتقليد الأعلم في الفرعيّات. (مسألة 47) إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم فيأحكام العبادات والآخر أعلم فيالمعاملات، فالأحوط تبعيض التقليد[5] وكذاإذا كان أحدهما أعلم في بعض العباداتمثلاً والآخر في البعض الآخر. (مسألة 48) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأًيجب عليه إعلام من تعلّم منه[6]، وكذا إذاأخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليهالإعلام. (مسألة 49) إذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألةلا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحدالطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعدالصلاة، وأنّه إذا كان ما أتى به على خلافالواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك وكان مافعله مطابقاً للواقع لا يجب عليهالإعادة[7]. (مسألة 50) يجب على العاميّ في زمان الفحصعن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط فيأعماله[8]. (مسألة 51) المأذون والوكيل عن المجتهد فيالتصرّف في الأوقاف أو في أموال القصّرينعزل بموت المجتهد[9]، بخلاف المنصوب منقبله. (مسألة 52) إذا بقي على تقليد الميّت من دونأن يقلّد الحيّ في هذه المسألة كان كمن عملمن غير تقليد[10].
_ [1] المذكور في كلمات الأصحاب جواز الترافعإلى حكام الجور فيما إذا توقّف استنقاذالحقّ أو دفع المظلمة على ذلك، فإنّه وإنورد تحريم الرجوع إليهم في جملة منالروايات بنحو الإطلاق، إلاّ أنّ الحرمةالمستفادة منها كالحرمة الواردة فيالروايات في سائر الأفعال حيث يرفع اليدعن إطلاق حرمتها في موارد جريان رفعالاضطرار وحكومة ما ورد في نفي الضرر، معأنّ جواز الرجوع إليهم في موارد التوقّفوالانحصار مما لا يحتمل تحريمه، كما يظهرذلك بملاحظة التأمّل في الخصومات الواقعةفي زمان المعصومين بين مواليهم وسائرالناس. وربّما يشير إلى الجواز ما في معتبرة أبيبصير عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: فيرجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقّفدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينهفأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء، كانبمنزلة الذين قال اللّه عزّ وجلّ: (ألم ترإلى الذين يزعمون أنّهم آمنوا بما اُنزلاليك وما اُنزل من قبلك يريدون أنيتحاكموا إلى الطاغوت وقد اُمروا أنيكفروا به)(1) حيث إنّ ظاهره أنّ وزر الرجوعإليهم على الممتنع من المرافعة إلاّ إلىقضاة الجور. ثمّ إنّ في تعيّن الدين فيالمال المدفوع فيما إذا كان المتصدّيلأدائه من مال غريمه قاضي الجور، أو منعيّنه لذلك في صورة توقّف إنقاذ الحق علىالترافع عنده إشكال، ولكن إذا علم من لهالحقّ بحقّه مع قطع النظر عن قضاء الجائركما هو ظاهر الفرض جاز له استيفاؤهتقاصّاً لحقّه ولا بأس به، وأمّا إذا باعقاضي الجور ماله للأداء فالاستيفاء مشكلجدّاً، إلاّ إذا كان الخصم منهم فيجوزأخذاً بقاعدة الإلزام.
_ [2] قد تقدّم اعتبار العدالة في المفتي،وما ذكرنا في وجه اعتبارها فيه يجري فيالقاضي أيضاً، فإنّ القاضي هو المنصوبلاستيفاء حقوق الناس بعضهم من بعض ودفعالمظلمة عنهم، فلا يحتمل إيكال هذا المنصبإلى الفاسق وغير المبالي للدين مع أنّالقضاوة في أصلها منصب للنبيّ والوصيّللنبيّ كما هو مدلول صحيحة سليمان بن خالدالمتقدّمة فلا يحتمل إيكاله إلى غيرالمبالي في دينه. ثمّ إنّه قد ذكرنا أنّ عدالة الشخص كسائرالموضوعات في أنّه يكفي في ثبوتها خبرالعدل والثقة العارف بالعدالة ولا يعتبرخصوص البيّنة، ولا يعتبر في اعتبار خبرالعدل والبيّنة أن يكون المخبر به أوالمشهود نفس العدالة، بل يكفي الخبروالشهادة بحسن الظاهر الذي هو طريق شرعيّإلى عدالة الشخص، وأيضاً لا يعتبر في ثبوتالعدالة بالشياع خصوص العلم بالعدالة أوبحسن الظاهر بل يكفي حصول الاطمينانبالعدالة أو بحسن الظاهر.
_ [3] الجاري في أعماله السابقة أصالة الصحةكما هو مفاد قاعدة الفراغ، فإن أحرز أنّأعماله السابقة كانت على طبق التقليد،ولكن شكّ فعلاً أنّ تقليده السابق كانصحيحاً بحيث تكون تلك الأعمال مجزية فيحقّه أم كان تقليده ممّن يكون التقليد منهغير صحيح فلا تكون مجزية في حقّه على تقديروقوع الخلل فيه، فإن كان احتمال الخلل فيتقليده لاحتمال غفلته عند التقليد فتجريأصالة الصحة في تقليده ويحكم بإجزاءالأعمال السابقة، وأمّا بالإضافة إلىالأعمال اللاحقة فلابدّ من إحراز صحةتقليده فيها، ولا يخفى أنّه بناءً علىالإجزاء في تقليده الصحيح يكون التقليدالصحيح شرطاً في صحة أعماله السابقة التيوقع فيها الخلل بالإضافة إلى الخطاباتالواقعيّة، سواء كانت تلك الأعمال منالعبادات أو من المعاملات بمعنى العقودوالإيقاعات. وأمّا بناءً على عدم الإجزاءولزوم تدارك الخلل الواقع فيها بمقتضىالأدلة الأوليّة الواردة في أجزاءالعبادات فتجري أصالة الصحة في نفس أعمالهالسابقة في موارد احتمال الخلل المبطلفيها، بل فيما كان تداركها بالقضاء الذيموضوع وجوبه فوت الواقع تجري أصالة عدمالفوت، ولا أقلّ من أصالة عدم وجوب القضاء. وكيف كان فأصالة الصحة في تقليده فيأعماله السابقة تفيد في الإجزاء بالإضافةإليها، وأمّا بالإضافة إلى أعماله الآتيةفاللازم إحراز صحّة تقليده فعلاً؛ لأنّالأعمال المستقبلة ليست مورد قاعدةالفراغ، كما أنّ الصحة في تقليده السابقلا تثبت صحة تقليده فعلاً. نعم إذا أحرز تقليده السابق على الموازينالشرعيّة بلا خلل في ذلك التقليد وشكّ فيصحّته فعلاً لاحتمال زوال بعض الأوصاف عنالمجتهد فيجري الاستصحاب في بقائها، ولايكفي في إحراز الصفات سابقاً أصالة الصحةالجارية في تقليده السابق؛ لأنّ إثباتالأوصاف بأصالة الصحة من الأصل المثبت حيثإنّ إثبات الموضوع بالتعبّد بالحكم ليس منالترتّب الشرعيّ، بخلاف إثبات الحكمبإثبات الموضوع لذلك الحكم فتدبّر.
_ [4] قد تقدّم أنّ على العاميّ أن يحرز جوازالتقليد ولا يجوز أن يستند في جواز تقليدمجتهد على قول ذلك المجتهد بجواز التقليد،وعليه فاللازم على تقدير علمه بجوازالتقليد في الجملة أن يقلّد المجتهد الذيهو القدر اليقين من جواز التقليد، فلايجوز له الاكتفاء بتقليد غير الأعلم فيالفرعيّات بقول غيرالأعلم بجواز التقليدمن غير الأعلم فيها؛ لأنّ تقليده فيالفرعيّات من غير الأعلم اعتماداً علىفتوى غير الأعلم بجوازه يكون دوريّاً،ويتعيّن عليه تقليد المورد اليقين وهوتقليد الأعلم فيها. نعم قد ذكروا أنّه إذا قلّد الأعلم فيمسألة جواز تقليد غير الأعلم بأن أجازالأعلم تقليد العاميّ في المسائلالفرعيّة من غير الأعلم جاز للعاميّتقليده اعتماداً على قول الأعلم، ولكنأشكل الماتن (قدس سره) في ذلك أيضاً؛ لأنّالعاميّ لا يحرز جواز التقليد من غيرالأعلم في الفرعيّات بهذه الفتوى منالأعلم، بل القدر اليقين عنده من جوازالتقليد من كان أعلم في الفرعيّات. أقول: قد جوّز الماتن (قدس سره) البقاء علىتقليد الميّت إذا أفتى الحيّ بجوازه معأنّ القدر اليقين عند العاميّ ـ من جوازالتقليد ـ الحيّ. وعلى الجملة مسألة جواز التقليد عن غيرالأعلم في الفرعيّات كمسألة جواز البقاءعلى تقليد الميّت فإن جاز تقليد الأعلم فيالثانية جاز في الاُولى أيضاً، ومسألةجواز تقليد غير الأعلم من نفس المسائلالفرعيّة فإذا أفتى أعلم الأحياء بجوازهففتواه قدر اليقين في الاعتبار في تلكالمسألة، فيجوز للعاميّ أن يعتمد علىفتواه في العمل بفتاوى غير الأعلم.
_ [5] قد يتّفق أن يكون أحد المجتهدين أعلم منالآخر في بعض أبواب الفقه كالعباداتلتضلّعه فيها في الأخبار وكونه أجوداطلاعاً على خصوصيّاتها ووجه الجمع بينمختلفاتها في موارد الجمع العرفيّ، بخلافمجتهد آخر فإنّه لا يكون في العبادات التيغالب المدرك في مسائلها الروايات ذلكالتضلّع والإحاطة، ولكنّه في المعاملاتالتي يكون مدرك الحكم في مسائلها القواعدالعامّة أكثر خبرة، ويفرض ذلك حتّى فيالعبادات بالإضافة إلى مجتهدين يكونلأحدهما أكثر ممارسة لمصادر الأحكام فيبعض العبادات وتضلّعه في فروعها، بخلافالثاني فإنه يكون كذلك في بعض العباداتالاُخرى. ولو اتّفق هذا الفرض وأحرز ذلكبوجه معتبر فاللازم على العامي التبعيض فيتقليده، فيقلّد من هو أعلم في الوقايعالتي يبتلي بها أو يحتمل ابتلاءه بها إذاعلم ولو إجمالاً اختلاف الأعلم مع غيرالأعلم في مسائل العبادات والمعاملات أوفي المسائل الراجعة إلى العبادات ولو كانغير الأعلم في بعضها أعلم في مسائل البعضالآخر؛ وذلك لما تقدّم من أنّ دليل اعتبارالفتوى كدليل اعتبار سائر الحجج لا يشملالمتعارضين فيسقط التمسّك به في صورةالتعارض، غير أنّ السيرة العقلائيّةوسيرة المتشرّعة الناشئة من السيرةالاُولى من غير ردع مقتضاها اتّباع قول منهو أعلم بحكم الواقعة أو يحتمل أعلميّته.
_ [6] إذا نقل فتوى المجتهد خطأً يكون النقلوالخطأ فيه في الإلزاميّات بمعنى أنّالمجتهد كانت فتواه الحكم الإلزاميّ أوالوضع الموضوع للإلزام ونقل عن المجتهدبأنّ فتواه في مسألة عدم التكليف ثمّ ظهرأنّه أخطأ في نقله، ففي هذه الصورة يجب علىالناقل الإعلام فيما إذا علم أو اطمأنّبأنّ المنقول إليه يعتمد على نقله ويعملعلى طبقه أو أحرز كذلك أنّ ما بينالمستمعين من يعمل على طبق نقله. والوجه فيوجوب الإعلام أنّ نقل فتوى المجتهد بنحوالخطأ في الفرض تسبيب إلى مخالفة التكليفالواقعيّ من المستمعين وذلك غير جائز، حيثإنّ المتفاهم العرفيّ من خطابات تحريمالمحرّمات والتكاليف بالواجبات عدم الفرقفي الحرمة وعدم الجواز بين أن يكون ارتكابالحرام أو ترك الواجب بالمباشرة أوبالتسبيب، فلو باع الدهن المتنجّس أوالطعام المتنجّس ثمّ تذكّر بعد بيعه أنّهكان نجساً فعليه إعلام المشتري بالحال،ولا يكون اشتباهه أو نسيانه عند البيععذراً في ترك الإعلام بعد العلم والتذكّر. وأمّا إذا كان الخطأ في النقل في غيرالإلزاميّات بأن نقل عن المجتهد الإلزاموالتكليف أو الوضع الموضوع له ثمّ التفت،بأنّ المجتهد لم يفت بذلك بل أفتىبالترخيص وعدم الإلزام بحيث لا ينجرّ عملالمستمع على طبق نقله إلى مخالفة المستمعالتكليف الواقعيّ لا يجري في الفرضالتسبيب إلى ارتكاب الحرام أو ترك الواجب،فلا موجب لوجوب إعلامه إلاّ إذا يؤدّي عدمإعلامه بزوال اعتماد المستمعين على غيرهمن الناقلين للفتوى أو وقوع بعضهم فيالضرر أو الحرج، كما نقل عن المجتهد بأنّالدهن المتنجّس لا يجوز بيعه مطلقاً، ونحوذلك مما يعلم بعدم رضا الشارع في إيقاعالناس في الضرر أو الحرج أو سلب اعتمادهمعلى المتصدّين لإبلاغ الأحكام الشرعيّةإلى الناس. هذا كلّه فيما إذا كان الاشتباه من ناقلالفتوى، وأمّا إذا كان الخطأ في نقلالفتوى من نفس المجتهد ففي الإلزاميات كماتقدّم في الخطأ في ناقل الفتوى فعليهالإعلام بفتواه فإنّه مضافاً إلى التسبيبالمتقدّم يجري فيه ما دلّ على ضمان المفتي. أمّا إذا كانت فتواه عدم التكليف وأفتىبالتكليف خطأً فإن كان المورد ممّا فيهاحتمال التكليف واقعاً فلا يجب عليهالإعلام؛ لأنّ المترتب على خطئه رعايةالمستفتي احتمال التكليف الواقعيّ، وأمّاإذا لم يكن الأمر كذلك فيجب عليه الإعلام؛لأنّ إرشاد الجاهل إلى تكليفه وحكمالشريعة في حقّه واجب كفائي كما هو مفادآية النفر وغيرها من الآية والروايات.
_ [7] إذا أمكن للعاميّ الاحتياط بعد اتّفاقالمسألة، كما إذا شكّ في قراءة الحمد بعدالشروع في السورة ولم يدر أنّه يصحّ لهالمضيّ في صلاته بالبناء على قراءة الحمدأو أنّ عليه استيناف القراءة، ففي مثل ذلكيصحّ له العود إلى قراءة الحمد بقصدالأعمّ من قصد كون قراءتها جزءاً أوقرآناً، ففي هذا الفرض يتعيّن عليه هذاالنحو من الاحتياط بناءً على عدم جواز قطعالصلاة الفريضة كما عليه دعوى الإجماعخصوصاً إذا لم يتعلّم حكم المسألة منالأوّل مع احتماله الابتلاء بها، فإنّحرمة قطع الصلاة في الفرض كانت منجّزةعليه بأخبار وجوب التعلّم. وأمّا إذا لم يمكن له الاحتياط، كما إذاشكّ حين قصد وضع الجبهة على الأرض للسجودفي أنّه ركع في تلك الركعة أم لا فإنّه إنرجع إلى الركوع يحتمل زيادة الركوع وإنمضى على الشكّ يحتمل نقص الركوع، ففي هذاالفرض إن لم يحتمل الابتلاء بهذه المسألةأثناء الصلاة ليجب عليه تعلّم حكمها، أوتعلّم حكمها ولكن نسي الحكم عند اتّفاقالابتلاء يجوز له قطع الصلاة واستينافها؛لعدم الدليل على حرمة قطع الفريضة عليه فيمثل هذا الفرض، فإنّ المتيقّن من حرمةقطعها صورة قطعها بلا عذر فإنّ الدليل علىالحرمة هو الإجماع. وهذا بخلاف صورة تركتعلّم المسألة من قبل مع علمه أو احتمالهبالابتلاء بها أثناء الصلاة حيث إنّ فيهذه الصورة يتعيّن عليه البناء على أحدالطرفين؛ لأنّ حرمة قطعها منجّزة عليه منقبل، وبما أنّه لا يتمكّن من إحرازالموافقة القطعيّة يراعي الموافقةالاحتماليّة مع الفحص عن حكمها بعد الصلاةوإعادتها على تقدير مخالفة ما بنى عليه معالوظيفة ويحكم بصحتها على تقدير كونه علىوفق الوظيفة، وكفى البناء على أحد الطرفينمع هذا القصد في حصول قصد التقرّب المعتبرفي العبادة عندنا، ولكن الماتن (قدس سره)قد تأمّل سابقاً في حصوله في مورد احتمالكون ما يأتي به إبطالاً للصلاة.
_ [8] وذلك فإنّ مقتضى العلم الإجماليّ بثبوتالتكاليف والأحكام الإلزاميّة ـ في غيرواحد مما يبتلى به ـ الخروج عن عهدة تلكالتكاليف بموافقتها وجداناً أو بطريقمعتبر على ما تقدّم في مسألة تخيير العاميبين الأخذ بالتقليد أو الاحتياط فيالوقايع المبتلى بها برعاية احتمالالتكليف فيها، وحيث إنّ التقليد في زمانالفحص غير حاصل تعيّن عليه الاحتياط مادامكذلك. ويكفي في هذا الاحتياط مراعاةالفتوى بالتكليف من فتاوى المجتهدينالذين احتمال الأعلميّة منحصر فيهم، بأنيأخذ بأحوط أقوالهم ولا عبرة بالتكليفالذي أفتى به غيرهم لعلمه بعدم اعتبار تلكالفتوى على ما تقدّم في مسألة انحصاراحتمال الأعلميّة في أحد المجتهدين أوأكثر.
_ [9] وذلك فإنّ المأذون والوكيل من المجتهديتصرّف في الأوقاف وأموال القصّر من قبلالمجتهد، كتصرّف الوكيل من قبل موكّلهفالتصرّف الواقع من المأذون والوكيليستند إلى المجتهد، ويكون المجتهد هوالمتصرّف في مال الوقف ويبيع ويشتريللأيتام بالاستنابة، ولذا يعتبر في الإذنوالتوكيل أن يكون الآذن والموكّل مالكاًلذلك التصرّف بأن يصحّ منه ذلك التصرفبالمباشرة، والمجتهد بعد موته ينقضي إذنهوتوكيله فينعزل المأذون والوكيل في الإذنوالوكالة وهذا ظاهر، وهذا بخلاف ما إذانصبه المجتهد متولّياً للوقف أو قيّماًللصغار فإنّ نصبه متولّياً أو قيّماً منقبيل جعل ولاية التصرّف في الوقف وأموالالقصّر، فإن كان جعل الولاية مقيّدة بمادامت حياة المجتهد فتنتهي الولايةالمجعولة بموته، كما إذا جعل واقف العينالتولية للوقف لشخص مادام حياة الواقفتنتهي ولايته بموت الواقف؛ لأنّ الوقوفحسب ما يوقفها أهلها، بخلاف ما إذا جعلالتولية للوقف أو القيمومة على الصغارمطلقاً فإنّ التولية أو القيمومة تبقى بعدموته أيضاً بمقتضى ما دلّ على نفوذ الوقفونفوذ جعل الوليّ القيّم لصغاره بعد موته.ولكنّ الكلام في المقام في الدليل على أنّللفقية الولاية على جعل المتولّي للوقف أوالقيّم للأيتام نظير ولاية الواقف والأبأو الجدّ لجعل القيّم لأولاده الصغار. وبتعبير آخر قد يقال: ليس للفقية هذهالولاية في الجعل كما هو مقتضى الأصل،وإنّما للفقيه التصرّف في أموال الوقفوالقصّر فيما إذا لم يكن للوقف متولٍّ منقبل الواقف وقيّم للصغار من قبل الأبوالجدّ سواء كان تصرّف الفقيه بالمباشرةأو بالاستنابة، فإنّ المقدار المتيقّن منجواز التصرف الذي مقتضى القاعدة الأوّليةعدم جوازه هو هذا المقدار، فلو جعل الفقيهمتولّياً للوقف أو قيّماً فهو في الحقيقةاستنابة في التصرّف وتوكيل فينتهي بموتالمجتهد، فيحتاج نفوذ تصرفهما إلىالاستيذان والتوكيل عن فقيه آخر. ودعوى أنّه مع احتمال بقاء التوليةوالقيمومة بعد موت المجتهد الذي جعل الشخصمتولّياً أو قيّماً يستصحب بقاء ما كانللشخص المفروض، فينفذ تصرفاته في الوقف أومال القصّر بلا حاجة إلى الاستيذان منحاكم آخر، لا يمكن المساعدة عليها، فإنّالاستصحاب المذكور بزعم أنّ المورد منموارد القسم الثاني من الكلّي فيستصحبالجامع بين الولاية والاستنابة فيترتّبعليه نفوذ التصرّف وجوازه، ولكن إذا جرىعدم الإمضاء بالاضافة إلى ما يقع منالتصرّفات بعد موت ذلك المجتهد فلا يبقىموضوع للجواز والنفوذ. وبتعبير آخر ولاية التصرّف وجوازه ونفوذهقبل موت المجتهد متيقّن ـ سواء كانالموجود سابقاً جعل المنصب أو الاستنابة ـوأمّا الولاية بعد موت المجتهد بمعنى جعلالمنصب مدفوع بالاستصحاب في عدم إمضائهولا يعارض بالاستصحاب في عدم الاستنابة؛لعدم الأثر له فعلاً حيث إنّ جواز التصرفحال حياة المجتهد متيقّن والاستصحاب فيعدم كون الحادث استنابة لا يثبت أنّه كانتولاية، كما أنّ دعوى أنّ للمجتهد إعطاءالمنصب والولاية للآخر بالاضافة إلىالوقف وأموال القصّر مستفاد من مقبولة عمربن حنظلة ومعتبرة سالم بن مكرم، لا يمكنالمساعدة عليها، فإنّ المستفاد منهاإعطاء ولاية القضاء وفصل الخصومة للفقيةمطلقاً أو بنحو قاضي التحكيم على ماتقدّم، وشيء منهما لا يتضمّن أنّ للفقيهجعل منصب التولية للوقف أو أموال القصّر،بل قضية التوكيل والاستنابة التي ذكرنامقتضى كون التصرف في الوقف أو أموالالقصّر ونحوهما دليل الحسبة. ودعوى أنّ مفاد الروايتين إعطاء ولايةالقضاء للفقيه بنحو النصب العامّ بمالولاية القضاء من الشؤون ونصب المتولّيللوقف أو القيّم للأطفال من شؤون ولايةالقضاء، يدفعها أنّ المعطى للفقيه على مايستفاد منهما هو منصب القضاء أي فصلالخصومة، لا إعطاء ولاية الحكم والقضاءبنحو كانت عند العامّة من الشؤون، فإنّالمنصوبين للقضاء من ولاة الجور وإن كانكما ذكر إلاّ أنّ الروايتين لا تدلاّن علىأن النصب العامّ من الإمام (عليه السلام)للقضاء كذلك؛ ولذا لا يمكن الاستدلال بهماعلى نفوذ الحكم الابتدائيّ من الفقيه،وأمّا سائر الروايات التي يستند إليها فيثبوت الولاية للفقيه بنحو الشمول بحيثيكون الفقيه مفروض الطاعة كالإمام، فقدذكرنا(2) في بحث ولاية الفقيه أنّ دائرةولايته في الاُمور الحسبيّة ولا تدلّ فيتلك الروايات على كون الفقيه مفروض الطاعةنفسيّاً كالإمام (عليه السلام)، فراجع. نعم يبقى في البين أمر وهو دعوى أنّ مجرّدالاستيذان والتوكيل من الفقيه في التصدّيلمثل أموال الأيتام والأوقاف لا يوجبانتظام اُمور الأوقاف وأموال القصّر وغيرذلك مما يعدّ التصرف فيها حسبة، حيث يعطّلالتصرّفات فيها ووضعها بحالها إلى حصولالإذن والوكالة من مجتهد آخر بعد موتالمجتهد الأوّل. وهذا مما يعلم أنّالتصرّفات في هذه الموارد لا يمكنتعطيلها، فاللازم أن يكون الصادر عنالمجتهد بنحو إعطاء الولاية بجعل الشيخمتولّياً أو قيّماً.
_ [10] ذكر (قدس سره) إذا بقي على تقليد الميّتمن دون أن يقلّد الحي في هذه المسألة كانكمن عمل بلا تقليد، وقد ذكر (قدس سره) فيمسألة من عمل في السابق بلا تقليد أنّه لاتجزي أعماله السابقة إلاّ إذا كان ما عملهالسابق مطابقاً لفتوى من يجب عليه الرجوعإليه فعلاً، وإلحاق من بقي على تقليدهالسابق في أعماله بلا رجوع إلى الحيّالفعليّ في البقاء بما ذكره في تلكالمسألة أن لا يحكم بصحة أعماله أيضاًإلاّ إذا كان مطابقاً لفتاوى الحيّالفعليّ. ولكن لا يخفى ما في الإلحاق وذلك فإنّ ماتقدّم في عمل العاميّ بلا تقليد وظيفتهبعد تلك الأعمال الرجوع إلى المجتهد الذيتكون فتاويه حجّة فعلاً بالإضافة إليه،فإن كانت تلك الأعمال مخالفة لفتاويهفعليه تداركها على طبق فتاوى المجتهدالفعليّ. ولا ينفع انكشاف مطابقتها لفتاوى المجتهدالذي كان يتعيّن عليه أن يقلّده في ذلكالزمان أو كان يجوز له التقليد منه حتّىفيما إذا كان أعلم من الحيّ الفعليّ حيث لايجوز للعاميّ فعلاً الرجوع إلى فتاويه؛لأنّ التقليد منه يحسب من التقليدالابتدائيّ من الميّت، بخلاف هذه المسألةفإنّ العاميّ قد عمل على فتاوى الميّتالذي تعلّم الفتاوى منه حال حياته، غايةالأمر لا يعلم جواز العمل بها بعد موته حيثلم يرجع في جواز البقاء على الحيّ، وإذارجع عليه وأوجب ذلك البقاء أو جوّزه تكونفتوى الحيّ في البقاء طريقاً معتبراً إلىاعتبار فتاوى الميّت بعد موته أيضاً،فالعاميّ المفروض يحرز الإتيان بوظائفهبالأخذ بفتاوى الميّت فيها، وأمّا فتاوىالحيّ الفعليّ لا يعتبر في حقّ العاميّ فيغير مسألة جواز البقاء إمّا لفتواه بوجوبالبقاء المسقط لاعتبار فتاويه، أو لفتواهبجواز البقاء الموجب لعدم اعتبار فتاويهفي حقّه في سائر المسائل ما لم يأخذالعاميّ بها، بخلاف فتاوى الميّت بعد موتهفإنّ المفروض أنّه أخذ بها وعمل عليها فيزمان حياته، فلا ترتبط هذه المسألة بمسألةالعمل بلا تقليد.
(1). وسائل الشيعة 27 : 11 ـ 12، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 2. والآية: 60 منسورة النساء. (2). إرشاد الطالب 3:26 فما بعد. (مسألة 53) إذا قلّد من يكتفي بالمرّة مثلاًفي التسبيحات الأربع واكتفى بها، أو قلّدمن يكتفي في التيمّم بضربة واحدة ثمّ ماتذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّدلا يجب[1] عليه إعادة الأعمال السابقة،وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليدمجتهد يحكم بالصحّة ثمّ مات وقلّد من يقولبالبطلان يجوز له البناء على الصحّة، نعمفيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوىالمجتهد الثاني. وأمّا إذا قلّد من يقولبطهارة شيء كالغسالة ثمّ مات وقلّد منيقول بنجاسته فالصلوات والأعمال السابقةمحكومة بالصحّة، وإن كانت مع استعمال ذلكالشيء، وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كانباقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته وكذا فيالحلّية والحرمة. فإذا أفتى المجتهدالأوّل بجواز الذبح بغير الحديد مثلاًفذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد منيقول بحرمته، فإن باعه أو أكله حكم بصحّةالبيع وإباحة الأكل، وأمّا إذا كانالحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعهولا أكله وهكذا. (مسألة 54) الوكيل في عمل عن الغير كإجراءعقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أوكفّارة أو نحو ذلك يجب[2] أن يعمل بمقتضىتقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانامختلفين، وكذلك الوصيّ في مثل ما لو كانوصيّاً في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكونعلى وفق فتوى مجتهد الميّت. (مسألة 55) إذا كان البايع مقلّداً لمن يقولبصحة المعاطاة مثلاً أو العقد بالفارسيوالمشتري مقلّداً لمن يقول بالبطلان، لايصحّ البيع بالنسبة إلى البايع[3] أيضاً؛لأنه متقوّم بطرفين، فاللازم أن يكونصحيحاً من الطرفين. وكذا في كلّ عقد كانمذهب أحد الطرفين بطلانه ومذهب الآخرصحته. (مسألة 56) في المرافعات اختيار تعيينالحاكم بيد المدّعي، إلاّ إذا كان مختارالمدّعى عليه أعلم، بل مع وجود الأعلموإمكان الترافع إليه الأحوط الرجوع إليهمطلقاً[4]. (مسألة 57) حكم الحاكم الجامع للشرائط لايجوز نقضه ولو لمجتهد آخر، إلاّ إذا تبيّنخطؤه[5]. (مسألة 58) إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيرهثمّ تبدّل رأي المجتهد في تلك المسألة، لايجب على الناقل إعلام[6] من سمع منه الفتوىالاُولى، وإن كان أحوط. بخلاف ما إذا تبيّنله خطؤه في النقل فإنه يجب عليه الإعلام. (مسألة 59) إذا تعارض الناقلان في نقلالفتوى تساقطا[7]، وكذا البيّنتان. وإذاتعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاهاًقدّم السماع، وكذا إذا تعارض ما فيالرسالة مع السماع، وفي تعارض النقل مع مافي الرسالة قدّم ما في الرسالة مع الأمن منالغلط. (مسألة 60) إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمهاولم يكن الأعلم حاضراً، فإن أمكن تأخيرالواقعة إلى السؤال[8] يجب ذلك، وإلاّ فإنأمكن الاحتياط تعيّن، وإن لم يمكن يجوزالرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم، وإنلم يكن هناك مجتهد آخر ولا رسالته يجوزالعمل بقول المشهور بين العلماء إذا كانهناك من يقدر على تعيين قول المشهور، وإذاعمل بقول المشهور ثمّ تبيّن له بعد ذلكمخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أوالقضاء. وإذا لم يقدر على تعيين قولالمشهور يرجع إلى أوثق الأموات، وإن لميمكن ذلك أيضاً يعمل بظنّه، وإن لم يكن لهظنّ بأحد الطرفين يبنى على أحدهما، وعلىالتقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد إنكان عمله مخالفاً لفتواه فعليه الإعادة أوالقضاء. (مسألة 61) إذا قلّد مجتهداً ثمّ مات فقلّدغيره ثمّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاءعلى تقليد الميّت أو جوازه، فهل يبقى علىتقليد المجتهد الأوّل، أو الثاني؟ الأظهرالثاني[9] والأحوط مراعاة الاحتياط. موارد الإجزاء في الأعمال السابقةالواقعة على طبق حجّة معتبرة
_ [1] قد تقدّم أنّ الوجه في التفصيل هو دعوىالعلم أو الاطمينان بأنّ الشارع لا يكلّفالعباد بتدارك الأعمال السابقة التي لايحصل العلم الوجدانيّ ببطلانها واقعاًفيما إذا أتى بها حين العمل على طبق حجّةمعتبرة ثمّ أحرز بحجّة اُخرى أنّها كانتمخالفة للواقع لا بانكشاف وجدانيّ بلبقيام حجّة اُخرى بعد سقوط ما كان للعاملعن الاعتبار في الحجّية، ومورد المتيقّنمن هذا الإجزاء ودعوى التسالم العباداتالسابقة والعقود والايقاعات، وأمّا غيرهامن الأعمال مما كان موضوع الحكم والتكليفبحسب الحجّة القائمة موجوداً فيعمل في ذلكالموضوع على طبق الحجّة القائمة، وبما أنّالذبح فيما كان الحيوان المذبوح غير داخلفي العبادات والعقود والإيقاعات فاللازمفيه رعاية التقليد الثاني، نعم ما باع منهقبل ذلك يحكم بصحة ذلك البيع. وعلى الجملة الإجزاء في الأعمال السابقةعلى خلاف القاعدة بعد سقوط فتوى المجتهدالسابق عن الاعتبار وكون المعتبر فيالوقايع هو فتوى المجتهد الفعليّ وإحرازفوت الواقع بهذه الفتوى، كما إذا أفتىباعتبار ضربتين في التيمّم أو فساد النكاحالأوّل بإفتائه باعتبار العربيّة في عقدالنكاح ونحو ذلك. نعم الالتزام بالإجزاءفي مثل الإخلال بالتعدّد في التسبيحاتالأربع على القاعدة، لحكومة حديث «لاتعاد» في الخلل الحاصل في الصلاة عن عذر فيغير الوارد في ناحية المستثنى في ذلكالحديث، أو غيره كالوارد في الإخلالبتكبيرة الإحرام، والمتحصّل الالتزامبالإجزاء مع كونه على خلاف القاعدة لماتقدّم من بعض الوجوه التي عمدتها ما أشرناإليه.
_ [2] لا ينبغي التأمّل في عمل الوكيل وأنّاللازم عليه رعاية تقليد الموكّل حيث إنّهوكيل فيما يكون عند موكّله نكاحاً أوبيعاً أو غير ذلك ممّا على الموكّل منإعطاء ما يجب عليه من الزكاة والخمس حيثإنّه لا يعتبر في إعطائهما المباشرة بليكفي التسبيب الحاصل بالإذن والتوكيل،وكذا الحال في الوصيّ فيما لا يجب الإتيانبه عن الميّت إلاّ بالوصيّة كما في قضاءالصلاة والصوم عنه، وأمّا إذا كان الإتيانبه لخروجه عن أصل التركة بحيث لو أحرزاشتغال ذمته به وجب إخراجه عن تركته وإن لميوص به، كاشتغال ذمته بالخمس أو الزكاةوالحج فعلى الوصيّ أن يؤدّيها على وجهيحرز به فراغ ذمة الميّت، فيكفي إحرازالفراغ بحسب تقليد نفسه، والأحوط لزوماًملاحظة تقليد الورثة أيضاً؛ لأنّ تركةالميّت تنتقل إلى الورثة بعد أداء مثل هذهالديون وإذا كان أداء الوصيّ صحيحاً علىتقليده وغير صحيح على تقليد ساير الورثةفلا يمكن للورثة تقسيم الباقي من التركةوالتصرّف فيه، كما أنّ ما يجب على بعضالورثة ولو مع عدم الوصيّة كقضاء الفائتةمن الأب من صلاته وصيامه ووجوبه على الولدالأكبر فعليه أن يلاحظ تقليد نفسه، وإذاكان على تقليد الأب المتوفّى صحة التيممبضربة واحدة وكان على تقليد الولد الأكبرلزوم ضربتين فلا يجوز له أن يقضي ما فات عنأبيه بضربة واحدة ونحو ذلك، فإنّ القضاءعن الأب تكليف متوجّه إلى الولد الأكبرفعليه إحراز فراغ ذمّة الأب عما عليه منالصلاة والصيام. وعلى الجملة ما ذكر من أنّ الوصي يراعيتقليد الموصي فوجهه انصراف وصيته إلىالإتيان بما هو صحيح عنده، وإذا كانالصحيح عنده باطلاً على تقليد الولدالأكبر فلا يجوز له الاكتفاء به حتى فيمالو استأجر الوصيّ من يقضي صلاة الأب علىطبق تقليد الموصي، ويجوز في الفرض تقسيمباقي التركة ـ بعد إخراج ثلث الميّت أومقدار الوصيّة وإن كان أقلّ من ثلثه ـ بينالورثة حتّى فيما كان ما صرف فيه ثلثالميّت أو مقدار الوصيّة باطلاً عندالورثة أو الولد الأكبر، والفرق بين مايؤخذ على الميّت من أصل التركة أو من مقدارثلثه، بأنّه لا يجوز التقسيم فيما يخرج منأصل التركة إلاّ في فرض صحة ما يخرج، ويجوزالتقسيم فيما لا يخرج من أصلها، ولا يجبالإتيان به إلاّ بالوصيّة النافذة منالثلث وإن أحرز الورثة ما صرفه الوصيّ فيهكان باطلاً على تقليدهم، يظهر بالتأمّلفيما ذكرنا. نعم لو أوصى الميّت بأنّه على الوصيّإفراغ ذمّة الموصي من صلاته وصيامه ونحوذلك فلا بأس أن يلاحظ الوصيّ تقليد نفسهولا يراعي تقليد الموصي. إختلاف المتعاملين في التقليد
_ [3] لا أظنّ أن يلتزم الماتن (قدس سره) أوغيره ببطلان المعاملة واقعاً فيما كانتالمعاملة فاسدة بحسب تقليد أحدالمتعاملين أو اجتهاده، حيث إنّ الصحةالواقعيّة للمعاملة أو فسادها لا تتبعآراء المجتهد أو تقليد المتعاقدين وليكنمراده (قدس سره) أنّه إذا كان العقد باطلاًبحسب تقليد أحد المتعاقدين لا يمكن أنيرتّب الآخر آثار الصحة عليه. لا يقال: إذا لم يمكن التفكيك بحسبالوظيفة الظاهريّة فالحكم بصحته بالإضافةإلى أحد المتعاقدين واقعاً يوجب الحكمبصحّته بالإضافة إلى الآخر فما وجه تقديمجانب البطلان؟ فإنّه يقال: المراد هو أنّه إذا حكمببطلان المعاملة بالإضافة إلى أحدالمتعاقدين فلا يجوز له أن يرتّب آثارالصحيح عليها. وإذا لم يرتّب آثار الصحيحعليها شرعاً فلا يمكن للآخر أيضاً ترتيبآثار الصحة لعدم جواز إلزام الآخر لقيامالحجّة عنده على فسادها؛ ولذا يحكم بفسادالمعاملة بالمعنى الذي ذكرنا أي بالفسادبحسب الظاهر، ولكن لا يخفى أنّه إن أمكنللمعتقد بصحة العقد وترتّب الأثر عليه منالفسخ واختاره فهو، وإلاّ فالمورد منموارد الترافع، فينفذ حكم الحاكم الثالثفي حقّهما. لا يقال: الرجوع إلى قضاء الثالث لا يرفعالمحذور، مثلاً إذا تزوّج بامرأة بالعقدالفارسيّ وكان مذهب المرأة بحسب تقليدهابطلان عقد النكاح بالفارسيّ مع التمكّن منالعقد باللغة العربيّة ومذهب الزوج صحتهوكان الزوج باذلاً للمهر، فإنّه إذا رجعاإلى الثالث الذي سيأتي أنّ اختيار الثالثبيد المدّعي وحكم بصحة الزواج فلا يجوزللمرأة التمكين؛ لأنّها بحسب تقليدهاأجنبيّة. فإنّه يقال: القضاء وإن لا يوجب تغييراًفي الحكم الواقعي لمورد الترافع كما يأتيفي المسألة الآتية، إلاّ أنّ هذا فيما إذااُحرز الحكم الواقعيّ وجداناً، ومع إحرازأحد المتنازعين الحكم بغير العلمالوجدانيّ بالتقليد أو الاجتهاد فمقتضىقضاء الثالث سقوط فتوى مجتهده ببطلانالعقد الفارسيّ عن الاعتبار في الواقعةالمرفوعة إلى الثالث حتّى فيما إذا اعتقدتالمرأة أنّ من رجعت إليه في الفتاوى أعلم،وهذا معنى انتقاض الفتوى بالقضاء، وهذافيما كان كلّ من الزوج والزوجة قائلاًبصحة تقليده، وأمّا مع تسالمهما أنّالأعلم هو المعيّن الذي يرجع إليه أحدهمافعلى الآخر أيضاً ولا تصل النوبة إلىالترافع.
_ [4] الكلام في المقام أنّ مع تعدّد القاضيكما إذا كان كلّ من المتعدّد فقيهاًمنصوباً ولو بالنصب العامّ المستفاد منالمقبولة والمعتبرة يكون اختيار القاضيبيد المدّعي أو بتعيين من سبق إليه أحدالمترافعين برفع القضية إليه أو يرجع معاختلاف الخصمين في تعينه إلى القرعة، ومعاتّفاق الخصمين إذا لم يختلفا، ذكر فيالمستند أنّه إذا كان هناك مجتهدان أوأكثر بحيث يجوز الرجوع إلى كلّ منهما أومنهم فمن اختاره المدّعي المرافعة عندهيكون له القضاء في الواقعة، ويجب على خصمهالإجابة إلى القاضي الذي عيّنه المدّعي،وعلى ذلك الإجماع؛ ولأنّ المدّعي هوالمطالب بالحقّ ولا حقّ للمنكر ابتداءً.وأجاب عن ذلك في ملحقات «العروة»(1) بأنّللمنكر أيضاً حقّ الجواب بأن يسبق إلىالحاكم فيطالبه بتخليصه عن دعوى المدّعي،ومقتضى القاعدة مع عدم أعلميّة أحدهما هوالقرعة إلاّ إذا ثبت الإجماع على تقديممختار المدّعي، وذكر (قدس سره) في المتناختيار الحاكم بيد المدّعي إلاّ إذا كانمختار المدّعى عليه أعلم، بل الأحوطالرجوع إلى الأعلم مطلقاً أي سواء كان هومختار المدّعي أم لا، اتّفقا في تعيّنه أماختلفا. أقول: ليس الملاك في كون شيء مدّعياً أنيكون مطالباً بحقّ بل يكفي في كونهمدّعياً أن تحتاج دعواه على الآخر إلىالإثبات سواء كان غرضه بثبوت حقّ له علىالآخر أو سقوط حقّه عنه كما في دعواه سقوطدين للآخر عنه بأدائه أو بإبراء الدائن،وحيث إنّ ما عليه الإثبات بطريق معتبر لايكلّف في إثباته بطريق خاصّ يريد خصمه بلعليه الإثبات بأيّ طريق معتبر، يكون تعيينالقاضي الواجد للشرائط بيدّ المدعي سواءكان ما يعيّنه بنظره أعلم من الآخرين أمكان مساوياً حيث ذكرنا في باب القضاء أنّاعتبار الأعلميّة غير معتبر في نفوذالقضاء. وما ذكر الماتن (قدس سره) في ملحقات«العروة» من ثبوت الجواب للمنكر أيضاً لايمكن المساعدة عليه، فإنّه لا دليل علىاعتبار الحقّ للمنكر قبل رجوع المدّعي إلىالقاضي وسماع دعواه، وإن اُريد جوازالجواب أو وجوبه بالإقرار أو بالإنكارفهذا ليس من الحقّ على المدّعي، بل هو حكميترتّب على رجوع المدّعي إلى القاضي وطرحدعواه عنده ومطالبة القاضي الجواب منه،وإن اُريد أنّ للمنكر حقّ استخلاص نفسه مندعوى المدّعي فليس في البين ما يدلّ علىثبوت هذا الحقّ له قبل المراجعة إلىالقاضي برفع الدعوى إليه من ناحية المدّعيومادام لم يطالب المدّعي من القاضي تحليفالمنكر حيث لا يكون للمدّعى عليه الحلفتبرّعاً ليسقط دعوى الغير عليه. هذا كلّه فيما إذا كان التنازع في الموضوعالخارجيّ، وأمّا إذا كان منشأ الاختلافالاختلاف في الحكم الشرعيّ الكليّ فإنكانا متسالمين في أنّ الأعلم أو محتملالأعلميّة مجتهد معيّن خارجاً فلا موردللترافع أصلاً بل عليهما أن يعملا علىفتوى الأعلم المزبور أو محتمل الأعلميّة،وأمّا إذا لم يكن بينهما تسالم على ذلكوتوقّف إنهاء المخاصمة على القضاءبينهما، كما إذا كان الاختلاف بين مقلّدينلمجتهدين يختلفان في الفتوى، فإن كانالمورد من موارد الدعوى على الغيروالإنكار، فإن أرادا القضاء بالتحكيمفلابد من تراضيهما إلى قاض، وإن أرادأحدهما القاضي المنصوب فالتعيين بيدّالمدعي، وحكمه نافذ على المدّعى عليه وإنكان مخالفاً لفتوى مرجعه لما تقدّم، بخلافما إذا كان المورد من موارد التداعيفيعيّن في الفرض القاضي المرفوع إليهالواقعة بالقرعة، فإنّ المورد من المواردالمشكلة من حيث الظاهر أيضاً.
_ [5] تبيّنُ الخطأ من القاضي إمّا بالعلمالوجدانيّ كما إذا علم أنّه استند في حكمهعلى شهادة رجلين فاسقين اشتباهاً أو أنّهاشتبه وطالب المنكر بالبيّنة، وحيث لم يكنله بيّنة حكم للمدّعي باستحلافه أو اعتمدفيما كان منشأ الخلاف الاختلاف في الحكمالشرعي بوجه استحسانيّ مخالف للكتابالعزيز أو الخبر الصحيح على خلافه ونحوذلك، فإنّه في مثل هذه الموارد ينتقضالقضاء بالقضاء الثاني أو بالفتوى حيثإنّه لم يكن على طبق الموازين المعلومةالظاهرة فيكون كالعدم ولا يجوزللمترافعين مع العلم بالحال ترتيب الأثرعليه، فإنّ القضاء على طبق الموازينالشرعيّة طريق فلا يجوز ترتيب الأثر عليهإذا اُحرز أنّه ليس بطريق لعدم كونه علىطبق الموازين بل هو خلاف تلك الموازين. نعم، إذا لم يحرز اشتباهه واحتمل أنّه علىطبق الموازين عنده حتى مع التذكّر له فلايجوز نقضه ولا ردّه حملاً لقضائه علىالصحة بعد إحراز أنّ له ولاية القضاءأخذاً بما دلّ على نفوذ قضاء الواجدللشرائط حتّى بالإضافة إلى الحاكم الآخرإلاّ إذا أحرز خطأه البيّن كما فيالمثالين وتمام الكلام موكول إلى بحثالقضاء. وبالجملة للقضاء جهتان: إحداهما: إنهاء المخاصمة بحيث لا يكونللمتخاصمين بعد القضاء تجديد المرافعةوسقوط حقّ الدعوى إثباتاً أو نفياً. والثانية: تعيين وظيفة المترافعين فيالواقعة. وللقضاء في الجهة الاُولى موضوعيّة إلاّفيما ذكر في تبيّن الخطأ؛ وذلك لعدمالدليل على مشروعيّة القضاء الثانيونفوذه، وأمّا القضاء بالإضافة إلىالوظيفة الواقعيّة يعتبر طريقاً فمن أحرزأنّه على خلاف وظيفته الواقعيّة وإن كانالقضاء على الموازين فعليه رعاية التكليفالواقعيّ، كما يشهد لذلك ما في صحيحة هشامبن الحكم: «فأيّما رجل قطعت له من مال أخيهشيئاً فإنّما قطعت له به قطعة من النار»(2)ولو كان اختلاف بين الرجل والمرأة في دوامالزوجيّة وانقطاعه فادّعى الزوج الدواموالزوجة الانقطاع وتمام مدّة المتعة وحكمالقاضي الواجد للشرائط بالدوام بعد إحلافالزوج بعدم الانقطاع فاللازم على المرأةالتشبث في حليّة تمكينها من إرضاء الرجلبعقد آخر دواماً ليتمكّن من تمكين الرجلمن نفسها، واللّه سبحانه هو العالم.
_ [6] والوجه في عدم وجوب الإعلام على الناقلهو أنّ ناقل الفتوى حين نقل فتوى المجتهدلم يتصدّ إلاّ للخبر عن فتواه، وأمّا بقاءالمجتهد على فتواه أو عدوله عنه أوالتردّد فيه مستقبلاً فشيء من ذلك غيرداخل في خبره، فارتكاب المنقول إليه ما هومحرّم بحسب فتواه الثاني أو تركه ما هوواجب بحسبه مستند إلى نفس المنقول إليه مناعتقاده بقاءه على فتواه السابق أوللاستصحاب في ناحية بقائه لا بتسبيبالناقل، بخلاف ما إذا كان نقله فتوىالمجتهد بعدم حرمة الفعل أو عدم وجوبه علىنحو الاشتباه والخطأ، فإنّ ارتكابالمنقول إليه المحرّم أو تركه الواجب يكونمستنداً إلى الناقل الذي وقع نقلهاشتباهاً. وأمّا التفرقة بأنّ التسبيب إلى ارتكابالحرام أو ترك الواجب في الفرض مستند إلىالناقل بخلاف مورد عدول المجتهد، فإنّارتكاب الحرام أو ترك الواجب مستند إلىفعل الشارع حيث اعتبر الشارع فتوى المجتهدحجّة شرعيّة، فإن كان المراد ما ذكرناه منالفرق فهو، وإلاّ فاعتبار الشارع نقلالناقل الثقة أيضاً أوجب ارتكاب المنقولإليه ما هو حرام أو تركه ما هو واجب. وعلى الجملة بقاء فتوى المجتهد أو زوالهمستقبلاً خارج عن مدلول خبر ناقل الفتوى،بخلاف صورة نقل الفتوى اشتباهاً، فإنّالناقل بخطئه في نقل الفتوى أوجب وقوعالمخبر إليه في خلاف وظيفته، وقد تقدّمتمام الكلام في المقام في المسألة الثامنةوالأربعين من المسائل المتقدّمة. الاختلاف في نقل الفتوى
_ [7] إذا كان مستند الناقلين السماع منالمجتهد بأن يخبر كلّ منهما بأنّه سمعالمجتهد أنّه يفتي بكذا، فتارة يكون تاريخأحد السماعين بحسب نقل أحدهما متقدّماًعلى زمان سماع الآخر بحسب نقلهما، فيؤخذبالنقل الذي سماعه متأخّر عن سماع الآخرمع احتمال العدول، حيث إنّه تقدّم أنّناقل الفتوى لا يتكفّل نقله بعدول المجتهدعن الفتوى الذي ينقله عنه مسقبلاً أو لايعدل عنه، وأمّا إذا كان في البين اطمينانبعدم عدوله عن فتواه كما إذا كان تاريخسماع أحدهما عن سماع الآخر قريباً جداًبحيث يطمئنّ المنقول إليه أنّه لم يكن فيالبين عدول فيتعارضان ويتساقطان، وكذلكفيما إذا لم يذكرا تاريخ سماعهما عند نقلالفتوى عنه أو ذكر أحدهما دون الآخر،فإنّه لا يعمل بشيء منهما إلاّ إذا كانالمنقول عن المجتهد بحسب أحد النقلينمطابقاً للاحتياط حيث إنّه لو كانت فتواهالترخيص فتلك الفتوى لا تمنع عن الاحتياطفي المسألة. وبالجملة مع اختلاف تاريخي السماع منالناقلين واحتمال العدول يؤخذ بالنقلالمتأخّر حيث لا يجري الاستصحاب في الفتوىالسابق مع النقل القائم بالفتوى المتأخّر. ومما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا كان النقلفي كلّ من الفتويين بنحو البيّنة حيث إنّهيؤخذ بالبيّنة المتأخّرة فيما إذا احتملعدول المجتهد عن فتواه السابق، ومعالاطمينان بعدم عدوله تقع بينهماالمعارضة فتسقطان عن الاعتبار، بل وكذاالحال فيما إذا كان الاختلاف بين النقلالمعتبر والبيّنة، فإن دعوى أنّ معالبيّنة لا يعتنى بالنقل على خلافها، لايمكن المساعدة عليها، فإنّ هذا في المواردالتي يعتبر في ثبوتها خصوص البيّنة أو كانالدليل على اعتبار النقل في مورد عدم قيامالبيّنة، وأمّا إذا لم يكن شيء من الأمرينـ كما هو الحال في مورد الكلام ـ تقعالمعارضة بينهما على قرار ما تقدّم، فإنّاعتبار البيّنة في المقام بما هو خبر عدلأو ثقة، فتكون المعارضة كما في صورة النقلعن الإمام (عليه السلام) بأن يخبر العدلانأنّهما سمعا عنه (عليه السلام) يقول كذاوقام خبر عدل عنه (عليه السلام) أو خبر ثقةعلى خلاف خبرهما، حيث إنّ الإخبار عنالفتوى بالاضافة إلى العاميّ كالإخبار عنقول الإمام (عليه السلام) بالإضافة إلى أهلالاجتهاد. ولو كان مستند إخبارهما رسالة المجتهد،فإن كان مستند أحدهما الرسالة المطبوعةسابقاً ومستند الآخر الرسالة المطبوعةجديداً مع أمنهما من الخطأ يؤخذ بالمطبوعةالجديدة مع احتمال العدول كما تقدّم، وإذاكان المستند لكلّ منهما الرسالة الواحدةوكان اختلافهما ناشئاً عن كيفيةالاستظهار من تلك الرسالة فيؤخذ بالنقلالذي ناقله أكثر خبرة في فهم الرسالة علىما أشرنا إليه من جريان السيرة العقلائيّةحتّى عند المتشرّعة بالأخذ بما يقولهالأكثر خبرة والأقوى فهماً فيما إذا علمالخلاف بينه وبين غيره، وهذا فيما لم يمكنالرجوع إلى نفس المجتهد ولو بتأخيرالواقعة وإلاّ فالمجتهد أقوى خبرة بماكتبه بالإضافة إلى غيره كما لا يخفى. وإذا تعارض النقل مع السماع من المجتهدشفاهاً قدّم السماع؛ لأنّ ما سمعه منالمجتهد شفاهاً هو فتواه، ولا عبرة بالنقلمع العلم بفتوى المجتهد. وقد يقال(3) بتقديم الرسالة على السماعمنه، وكذا في صورة اختلاف ما في الرسالة معالنقل عن المجتهد فيما كانت الرسالةمأمونة في الفرضين، كما إذا كانت بخطّالمجتهد أو لاحظها بنفسه بعد كتابتها،بدعوى أنّ المجتهد حين الكتابة أوملاحظتها عنايته بالمسألة وخصوصيّاتهاأكثر ممّا أجاب عن حكم المسألة عند السؤالمنه شفاهاً. أقول: على العاميّ في مثل هذه المواردالأخذ بالاحتياط حتى يتحقّق الحال، فإنّهكما يحتمل أن يكون ما سمع الناقل منالمجتهد أو نفس العاميّ عند السؤال عنمجتهده رجوعاً عما في الرسالة المأمونة منالغلط، كذلك يحتمل أن يكون المجتهد ناسياًلما ذكره في رسالته فأجاب عند السؤال بمااعتقد أنّه هو المذكور في رسالته. وعلىالجملة إطلاق تقديم السماع مشكل جدّاً.
_ [8] لزوم تأخير الواقعة ينحصر بما إذا لميتمكّن من الاحتياط، وإلاّ جاز الأخذبالاحتياط ولم يؤخّر الواقعة إلى السؤال،فإنّ العمل بفتوى المجتهد لزومه طريقيّومع الاحتياط وإحراز امتثال الوظيفةالواقعيّة لا يكون موضوع لإحرازهبالطريق، وإذا لم يمكن تأخير الواقعة ولميمكن الاحتياط يجوز الرجوع إلى مجتهد آخرمع رعاية الأعلم فالأعلم؛ لأنّ السيرةالعقلائيّة الجارية على الرجوع إلىالأعلم من الأحياء فيما أحرز الاختلافبينهم في فتاويهم، في صورة إمكان الرجوعإلى ذلك الأعلم، وإلاّ مقتضى سيرتهمالرجوع إلى غيره غاية الأمر مع رعايةالأعلم أو محتمل الأعلميّة بالإضافة إلىساير الأحياء، بل يمكن أن يقال بجوازالرجوع إلى غير الأعلم في الفرض حيث لايعلم مخالفة فتوى غير الأعلم فيها معالأعلم وإن علم الاختلاف بين فتاويهما ولوإجمالاً في سائر المسائل. وإذا لم يمكن الرجوع إلى غير الأعلم منهمأيضاً لعدم حضورهم وعدم إمكان تأخيرالواقعة وعدم إمكان الاحتياط في الواقعةفقد ذكر الماتن أنّه يعمل بقول المشهوربين العلماء إذا كان في البين من يتمكّن منتشخيص قول المشهور في حكم الواقعة، وإن لميمكن ذلك يرجع إلى قول أوثق الأموات إذاأمكن، فإن لم يمكن ذلك أيضاً يعمل فيالواقعة على الظنّ، فإن لم يكن ظنّ يعملبأحد الاحتمالين ثمّ إذا علم بعد ذلك قولالمجتهد الذي يتعيّن الرجوع إليه فإنوافقه ما عمله فهو وإلاّ يلزم تداركهبالإعادة والقضاء، وينحصر هذا التداركبناءً على إجزاء التقليد في موارد العملبقول المشهور أو أوثق الأموات أو العملبالظنّ والأخذ بأحد الاحتمالين وبناءًعلى القول بعدم الإجزاء يجرى التدارك معإمكانه في جميع الصور. ويستدلّ(4) على ما ذكره (قدس سره) بتماميّةمقدّمات الانسداد في حقّ العامي المفروضووصول النوبة إلى الامتثال غير العلميّ،وحيث إنّ مقتضاها التنزّل إلى الامتثالالظنّي مع مراعاة مراتب الظنّ حيث إنّأقواها قول المشهور، ومع عدم التمكّن منهعليه موافقة أعلم الأموات، ومع عدم تمكّنهمنه أيضاً عليه بمطلق الامتثال الظنّي،ومع عدم الظنّي أيضاً عليه الامتثالالاحتماليّ، وبما أنّ هذا بحكم العقل فيمقام الامتثال بعد تماميّة مقدّماتالانسداد يجب عليه مع التمكّن من قولالأعلم بعد ذلك فإن وافق عمله السابق قولهفهو وإلاّ لزم تداركه. أقول: لم يظهر ما في قول الماتن (قدس سره)من الرجوع: «إلى أوثق الأموات» ما المرادمنه؟ فإن كان المراد منه أعلم الأمواتفكيف يتنزّل مع عدم التمكّن منه إلى ظنّالعاميّ بالوظيفة الواقعيّة مع أنّه لاقيمة لظنّه في الحكم الواقعيّ الكلّي الذيلا يخرج عن التخمين، وكيف يقدّم ظنّه علىقول المجتهد الذي لم يعلم كونه أعلمالأموات أو علم بعدم كونه أعلمهم؟ وكيفتجرى مقدّمات الانسداد في الحكم الواقعيّالكلّي ولو في مسألة أو مسألتين؟ وكيف لايجوز له الاكتفاء بالامتثال الاحتماليّفيهما مع عدم إمكان التأخير وعدم إمكانالاحتياط فيها ولو كان له ظنّ بخلافه حيثإنّ المفروض أنّ الشارع لا يطالبهبالموافقة القطعيّة، ولم يقم دليل علىأزيد من الموافقة الاحتماليّة كما هومقتضى عدم اعتبار فتوى الميّت وعدم اعتبارظنّ العاميّ. وإنّما لا يجوز الاكتفاء بالامتثالالاحتماليّ بالإضافة إلى معظم الفقه فيحقّ المجتهد الانسداديّ للعلم بأنّالشارع لا يرضى بالاكتفاء بمجرد احتمالالموافقة في معظم الوقايع لاستلزام ذلكبقاء التكاليف الواقعيّة بلا امتثال فيجملة تلك الوقايع، ولا يجري ذلك في مفروضالكلام في المقام من جهل العاميّ بالحكموالتكليف الواقعيّ في مسألة أو مسائل لعدمتمكّنه فيها من الرجوع إلى فتوى المعتبرفي حقّه وعدم تمكّنه من الاحتياط فيها.
_ [9] ذكر (قدس سره) فيما إذا قلّد مجتهداًومات ذلك المجتهد فقلّد مجتهداً آخر فيالوقايع التي يبتلى بها ثمّ مات هذاالمجتهد فقلّد مجتهداً يفتي بجواز البقاءعلى تقليد الميّت أو بوجوبه، فهل علىتقدير البقاء يبقى على تقليد المجتهدالأوّل أو يبقى على تقليد الثاني؟ فاختار(قدس سره) البقاء على التقليد الثانيواحتاط استحباباً في مراعاة الاحتياطبالأخذ بأحوط القولين في المسائل أو الجمعبين فتواهما. ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّ المجتهد الحيّإذا أفتى بجواز البقاء مطلقاً أو فيما إذاكان الميّت أعلم، فهذا التخيير بين البقاءوالعدول أوجب سقوط فتاوى المجتهد الأول عنالاعتبار، وصارت فتاوى المجتهد الثانيحجّة تعيينيّة في حقّه زمان حياته، وإذاأفتى المجتهد الحيّ بعد موت الثاني بجوازالبقاء معناه أنّ ما كان حجّة للعاميّزمان حياة مجتهده فهو حجّة بعد موتهأيضاً، والمفروض أنّه بعدوله عن المجتهدالأوّل كانت الحجّة في حقّه فتاوى الثانيما لم يعدل عن فتاواه. وعلى الجملة التخيير في البقاء والعدولمعناه تعيّن الفتوى في الحجّية بالأخذوالاستناد إليه فيكون التخيير بدويّاً،ومع صيرورة الفتاوى من المجتهد الثانيحجّة على العاميّ بعدوله عن فتاوى الأوّليتخيّر بين البقاء على فتاوى المجتهدالثاني وبين الرجوع إلى الحيّ. نعم إذاأفتى المجتهد الحيّ بوجوب البقاء مطلقاًأو ما إذا كان الميّت أعلم فاللازم البقاءعلى فتاوى الأوّل مطلقاً أو ما إذا كانأعلم؛ لأنّ تقليده من المجتهد الثاني لميكن صحيحاً على فتوى المجتهد الحيّالفعليّ وإن التزم الحيّ بمعذوريّةالعامّي في أعماله في تلك الفترة بل وإنالتزم بالإجزاء أيضاً.
(1). محلقات العروة 3:14 و 15. (2). وسائل الشيعة 27:232، الباب 2 من أبوابكيفية الحكم، الحديث الأول. (3). التنقيح في شرح العروة 1:339. (4). التنقيح في شرح العروة 1:341. (مسألة 62) يكفي في تحقّق التقليد أخذالرسالة والالتزام بالعمل بما فيها[1] وإنلم يعلم ما فيها ولم يعمل، فلو مات مجتهدهيجوز له البقاء وإن كان الأحوط مع عدمالعلم، بل مع عدم العمل ولو كان بعد العلمعدم البقاء والعدول إلى الحيّ، بل الأحوطاستحباباً ـ على وجه ـ عدم البقاء مطلقاً،ولو كان بعد العلم والعمل. (مسألة 63) في احتياطات الأعلم إذا لم يكنله فتوى يتخيّر المقلّد بين العمل بهاوبين الرجوع إلى غيره الأعلم فالأعلم[2]. (مسألة 64) الاحتياط المذكور في الرسالةإمّا استحبابيّ وهو ما إذا كان مسبوقاً أوملحوقاً بالفتوى، وإمّا وجوبيّ وهو ما لميكن معه فتوى ويسمّى بالاحتياط المطلق،وفيه يتخيّر المقلّد بين العمل به والرجوعإلى مجتهد آخر، وأمّا القسم الأوّل فلايجب العمل به ولا يجوز الرجوع إلى الغير،بل يتخيّر بين العمل بمقتضى الفتوى وبينالعمل به[3]. (مسألة 65) في صورة تساوي المجتهدين يتخيّربين تقليد أيّهما شاء، كما يجوز لهالتبعيض[4] حتّى في أحكام العمل الواحد،حتى أنّه لو كان مثلاً فتوى أحدهما وجوبجلسة الاستراحة واستحباب التثليث فيالتسبيحات الأربع، وفتوى الآخر بالعكس،يجوز أن يقلّد الأول في استحباب التثليتوالثاني في استحباب الجلسة. (مسألة 66) لا يخفى أنّ تشخيص مواردالاحتياط عسر على العاميّ؛ إذ لابد فيه منالاطّلاع التامّ[5]، ومع ذلك قد يتعارضالاحتياطان فلابدّ من الترجيح، وقد لايلتفت إلى إشكال المسألة حتى يحتاط، وقديكون الاحتياط في ترك الاحتياط، مثلاً:الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفعالحدث الأكبر لكن إذا فرض انحصار الماءفيه الأحوط التوضؤ به، بل يجب ذلك بناءًعلى كون احتياط الترك استحبابيّاً،والأحوط الجمع بين التوضّؤ به والتيمّم.وأيضاً الأحوط التثليث في التسبيحاتالأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت، ويلزممن التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقتفالأحوط ترك هذا الاحتياط، أو يلزم تركه،وكذا التيمّم بالجصّ خلاف الاحتياط، لكنإذا لم يكن معه إلاّ هذا فالأحوط التيمّمبه، وإن كان عنده الطين مثلاً فالأحوطالجمع وهكذا. (مسألة 67) محلّ التقليد ومورده هو الأحكامالفرعيّة العمليّة فلا يجري في اُصولالدّين[6] وفي مسائل اُصول الفقه[7] ولا في مبادئالاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولافي الموضوعات المستنبطة العرفيّة أواللغويّة ولا في الموضوعات الصرفة. فلوشكّ المقلّد في مايع أنّه خمر أو خلّمثلاً، وقال المجتهد: إنّه خمر، لا يجوز لهتقليده. نعم من حيث إنّه مخبر عادل يقبلقوله، كما في إخبار العاميّ العادل وهكذا،وأمّا الموضوعات المستنبطة الشرعيّةكالصلاة والصوم ونحوهما فيجري التقليدفيها كالأحكام العمليّة. التقليد
_ [1] قد تقدّم في مسألة وجوب التقليد علىالعاميّ من أنّ التقليد تعلّم العاميّ حكمالواقعة للعمل به، وإحراز التكليف وجوداًوعدماً في الواقعة التي يبتلي بها، حيثإنّ وجوب طلب العلم وتعلّم التكاليف فيالوقايع التي يحتمل المكلّف الابتلاء بهاطريقيّ يوجب عدم كون مخالفة التكاليف فيهاعلى تقدير ثبوتها عذراً، كما هو مفادالروايات الواردة في وجوب طلب العلموتعلّم الأحكام، وهذا التعلّم لا يكونبمجرد أخذ رسالة مجتهد والالتزام بالعملفيها. وأمّا التقليد بمعنى تحصيل الأمنعلى العاميّ في مقام الامتثال فيكونبالاستناد في عمله في الواقعة إلى إحرازهالوجدانيّ كما في الاحتياط أو بطريق معتبروهو فتوى المفتي الواجد للشرائط، وهذاالمعنى من التقليد لازم بحكم العقل بعدقيام الدليل على اعتبار فتوى المفتي. وما ذكره (قدس سره) من أخذ رسالة المجتهدوالالتزام بالعمل بما فيها فلم يدلّ شيءعلى وجوبه لا تعييناً ولا تخييراً لاشرعاً ولا عقلاً، ودعوى أنّ مجرّد أخذرسالة مجتهد حال حياته مع الالتزام بالعملفيه يكفي في جواز العمل بما في تلك الرسالةولو مات ذلك المجتهد بعد أخذها معالالتزام المذكور وإن لم يعلم بما فيهاحال حياته ولم يعمل؛ لأنّ الدليل على عدمجواز تقليد الميّت ابتداءً هو الإجماع،والإجماع مفقود في الفرض لالتزام جماعة بلالمشهور بأنّ التقليد هو الالتزام، لايمكن المساعدة عليها؛ لما ذكرنا سابقاً منأنّ الأدلّة التي اُقيمت على مشروعيّةالتقليد عمدتها الروايات الواردة فيإرجاعهم (عليهم السلام) إلى من يعرف معالمالدين وأحكامه، وتلك الروايات لا تعمّإلاّ التعلّم من الحيّ، ومقتضى إطلاقهاالعمل بما تعلم، ولو كان العمل بعد موت منتعلّم منه، فعدم جواز تقليد الميّت أيالتعلّم بعد موته لخروجه عن مدلول تلكالروايات المستفاد منها إمضاء السيرةالعقلائية في الرجوع إلى أهل الخبرةبالإضافة إلى تعلّم العاميّ الوظايفالشرعيّة لاحتمال انحصار إمضائها فيمقدار مدلول تلك الروايات. نعم التقليد من الأعلم أي اعتبار التعلّممنه في موارد العلم ولو إجمالاً باختلافالفقهاء الأحياء وإن كان خارجاً عنمدلولها؛ لعدم شمولها لصورة الاختلافوالمعارضة إلاّ أنه لا يحتمل الفرق بينالتقليد المعتبر في جواز البقاء وعدمه فيالصورتين. ثمّ إنّه إذا علم الاختلاف بين الميّتالذي أخذ الحكم منه حال حياته وبينالمجتهد الحيّ الفعليّ فقد ذكرنا أنّهيتعيّن على العاميّ في الفرض البقاء علىتقليد الميّت مع فرض كونه أعلم من الحيّالفعليّ، ولا يجوز له الرجوع إلى الحيّالفعليّ إلاّ في مسألة جواز البقاء حيثعلى المجتهد الحيّ الفعليّ أن يفتي بوجوبالبقاء على هذا التقدير، وفي فرض كونالحيّ الفعلي أعلم منه أن يفتي بلزومالعدول على ما تقدّم الكلام في ذلك فيمسألة جواز البقاء وعدمه فراجع.
_ [2] مراده (قدس سره) أنّ احتياطات الأعلمالتي يذكرها في رسالته أو في الجواب عنالاستفتاءات إن كان له فتوى فيها كما إذاذكر الاحتياط بعد فتواه في المسألة أو قبلفتواه يكون الاحتياط فيها استحبابياًفيأخذ العاميّ بفتواه أو بالاحتياطالمذكور، وأمّا لولم يكن فيها فتواهويسمّى بالاحتياط المطلق أو الاحتياطالوجوبي، ففي هذه الموارد يجوز للعاميّالأخذ فيها بالاحتياط الذي ذكره أو الرجوعإلى فتوى غيره مع رعاية الأعلم فالأعلم.والوجه في ذلك أنّ الاحتياط المذكور حكملعمل العاميّ في المسألة التي يحتمل فيهاالتكليف الواقعيّ، وحيث إنّ المسألة قبلالفحص بالإضافة إلى العاميّ فيكونالتكليف الواقعيّ على تقديره منجّزاًبالإضافة إليه فيكون الاحتياط لرعايةتنجّز التكليف على تقديره، وحيث إنّالأعلم لم يفت في المسألة فتكون فتوى غيرهمعتبرة في المسألة بالإضافة إلى العاميّ؛لأنّ الموجب لسقوط فتواه عن الاعتبار فتوىالأعلم، والمفروض أنّ الأعلم لم يفت فيالمسألة. والحاصل يجوز لمقلّد الأعلم فيالاحتياطات الوجوبيّة الرجوع إلى فتوىغيره، ورعاية الأعلم فالأعلم في الرجوعإلى غيره ينحصر على موارد العلم بالمخالفةفي فتاوى الباقين ولو كان العلمإجماليّاً. وربّما(1) يقال إنّ جواز الرجوع فياحتياطات الأعلم إلى غيره ممّن يفتي بعدمالتكليف يجوز فيما لم يتضمّن احتياطهتخطئة غيره، كما إذا لم يفحص الأعلم عنمدارك الحكم في المسألة بالفحص المعتبرفاحتاط فيها، وأمّا إذا تضمّن تخطئة غيرهكما ذكر في المسألة أنّ رعاية الوجوب أورعاية الحرمة لولم يكن أقوى فلا أقلّ منكونه أحوط، فإنّه في هذه الصورة لا يجوزلمقلّد الأعلم أن يستريح في المسألةبالرجوع إلى فتوى غيره بفتواه بعدم الوجوبأو بعدم الحرمة لسقوط فتوى غيره عنالاعتبار لإحراز خطئه بقول الأعلم،اللّهم إلاّ أن يقال ذكر الأعلم الاحتياطفي هذه الصورة كالصورة السابقة حكمإرشاديّ عقليّ منوط باحتمال الضرر أيالعقاب المحتمل، وإذا أحرز العاميّ عدماحتمال الضرر بفتوى غير الأعلم بعدمالتكليف وعدم معارضته بقول الأعلم وفتواهـ كما هو الفرض ـ فلا بأس بتركه الاحتياط،ودعوى عدم شمول السيرة على الأخذ بقول غيرالأعلم في صورة تخطئة الأعلم غيره فيالإفتاء بعدم التكليف لا يمكن المساعدةعليها، وإن كان الأحوط عدم ترك الاحتياطفي الفرض مهما أمكن.
_ [3] قد ظهر ما ذكره (قدس سره) في هذه المسألةممّا ذكرناه في المسألة السابقة فلا حاجةإلى الإعادة.
_ [4] بناءً على ثبوت التخيير بين تقليد أيّمن المجتهدين في فرض تساويهما يجوزالتبعيض حتّى بالإضافة إلى عمل واحد علىما تقدّم. ولكن قد يقال(2) التبعيض في التقليد بحسبقيود العمل الواحد وأجزائه غير جائز كمافي المثال، حيث إنّه لو صلّى بترك الجلسةمع الاكتفاء بمرّة واحدة في التسبيحاتالأربع كانت صلاته باطلة بحسب فتوى أيّ منالمجتهدين، حيث من يفتي بجواز ترك الجلسةوصحة الصلاة مع تركها يقول ذلك فيما إذاأتى في تلك الصلاة بالتسبيحات الأربع ثلاثمرّات، ومن يفتي بجواز الاكتفاء بالمرّةالواحدة وصحة الصلاة يقول ذلك في صلاةروعي فيها الجلسة. وفيه ما تقدّم من الجواب وأنّ القائلمنهما بعدم وجوب الجلسة والتسبيحات ثلاثمرّات يقول ذلك فيما إذا لم يكن للمكلّفعذر في ترك الثلاث؛ ولذا لو سئل المجتهدالمفروض عمّن ترك التسبيحات ثلاثاً لعذروترك الجلسة أيضاً في صلاته يفتي بصحة تلكالصلاة أخذاً بحديث «لا تعاد» وكذلك الأمرفي ناحية من يكتفي بالمرّة ولكن يلتزمبوجوب الجلسة. وبتعبير آخر من يفتي بعدم وجوب الجلسة لايقيّد عدم وجوبها بصورة الإتيانبالتسبيحات ثلاثاً بحيث لولم يأت بهاثلاثاً فالجلسة واجبة بل فتواه عدم وجوبالجلسة مطلقاً، كما أنّ فتوى من يقول بعدموجوب التثليث لم يعلّق عدم وجوبه على صورةالإتيان بالجلسة، ولا يلزم على العاميّعلى الفرض إلاّ تعلّم الأجزاء والشرائطوالموانع للصلاة بالتقليد، وليست الصحةأمراً زائداً على الإتيان بالصلاةبالأجزاء والشرائط التي على طبق الفتوىالمعتبر في حقّه. وقد يقال إذا كان الاختلاف بينهما فيالجزء الركنيّ أو القيد الركنيّ بحيث لوأتى بالعمل الواحد على تقليدهما على نحوالتبعيض لكان ذلك العمل باطلاً عندهما فلامورد للتبعيض، كما إذا كانت فتوى أحدالمجتهدين صحة الحج إذا أدرك الحاج الوقوفالاضطراريّ بالمشعر يوم العيد، وكانأيضاً فتواه أنّ المستحاضة الكثيرة عليهاالغسل والوضوء لطوافه، والمجتهد الآخريرى عدم إجزاء ذلك الوقوف بمجرّده بللابدّ من درك الوقوف الاضطراريّ بعرفةأيضاً ليلة العيد، ولكن التزم باكتفاءالوضوء لطواف المستحاضة حتى فيما إذا كانتالاستحاضة كثيرة، فالمرأة المستحاضة كذلكإذا أدركت الوقوف بالمشعر يوم العيد قبلالزوال وتوضّأت لطوافها فقط أخذاً فيالوقوف بفتوى المجتهد الأوّل، وفي اعتبارالطهارة لطوافها بفتوى الآخر، فإنّ الحجكذلك يبطل عند كلا المجتهدين، اللهم إلاّأن يلتزم بالإجزاء حتّى في هذه الصورةلاحتمال الصحة الواقعيّة حيث يمكن أن يكونحجّها واقعاً صحيحاً، وقد أتت ببعضه بفتوىالمجتهد الأوّل والبعض الآخر بفتوىالمجتهد الثاني، ولكن في دعوى الإجماع علىالتخيير بين المجتهدين المتساويين علىتقدير ثبوتها بالإضافة إلى العمل الواحدإشكال خصوصاً إذا كان الاختلاف في القيودالركنيّة.
_ [5] لا يخفى أنّه يكفي في الاحتياط المبرئللذمّة الاحتياط في فتاوى العلماء الذينيحتمل وجود الأعلم بينهم في عصره أو أحرزذلك، وأمّا فتاوى الآخرين الذين اُحرزأنّهم لا يبلغون في الفضل العلماءالمذكورين فلا موجب للاحتياط برعايةفتاويهم، وهذا النحو من الاحتياط داخل فيالمسألة المتقدّمة في أوائل مسائلالتقليد من لزوم كون المكلّف في عباداتهومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أومحتاطاً حيث إنّ رعاية أحوط الأقوال منالمجتهدين المذكورين لا يدخل في التقليدعلى ما تقدّم من أنّ التقليد المعتبرشرعاً هو الأخذ بالفتوى للعمل بها بحيثيكون العاميّ بعد الأخذ عالماً بالحكمالشرعيّ في الواقعة. والآخذ بالاحتياط بحسب فتاويهم يراعيفتوى ذلك المجتهد، لاحتمال أنّ ما أفتى بهمن التكليف ثابت في الواقع ليكون قصدهرجاءً بإصابة الواقع المعبّر عن ذلكبالاحتياط. وعلى الجملة لا يتعيّن على العاميّالتارك للتقليد رعاية الاحتياط فيالوقايع على ما ذكره الماتن (قدس سره). ثمّ إنّ الاحتياط حتى بهذا النحو أيضاً قدلا يتيسّر على العاميّ فلابدّ في بعضالموارد من التقليد مثلاً إذا كان عندالمكلّف الجصّ والطين فقط فإن جمع بينالتيمّم بكلّ منهما تقع بعض صلاته خارجالوقت، وفي مثل ذلك لا مناص إلاّ منالتقليد ممّن توفّرت فيه الشروط المعتبرةفي جواز التقليد، وإذا لم يتيسّر لهالتقليد منه فلابدّ من التيمّم بأحدهماوقضاء تلك الصلاة في خارج الوقت بالطهارةالمائيّة إذا لم يحرز بعد العمل أنّ عملهكان مطابقاً لفتوى من يكون واجداً لشرائطالتقليد. والوجه في وجوب القضاء جريانالأصل بعد التيمّم بأحدهما في ناحية عدمكونه طهوراً فتدبّر.
_ [6] قد تقدّم أن ما يستفاد منه مشروعيّةالتقليد من الروايات مقتضاها تعلّمالعاميّ معالم دينه ممّن يعلمها على ماتقدّم من الاُمور المعتبرة في العالم بهامن حلال الشريعة وحرامها في الوقايع التييبتلى بها أو يحتمل ابتلاءه بها، وكذا مايكون من الأحكام الفرعيّة العمليّة أوملحقاً بها ممّا يأتي بيانها، وأمّا مايكون من اُصول الدين والمذهب مما يكونالمطلوب فيها تحصيل العلم والمعرفةوالاعتقاد والإيمان بها فلا يكون التقليدفيها مشروعاً، بمعنى أن قول الغير فيها لايحسب علماً وعرفاً واعتقاداً وإيماناً. نعم إذا كانت أقوال الصالحين من العلماءالعاملين المتّقين في طول الأعصار وكذاالشهداء والزهاد موجباً للإنسان اليقينوالاعتقاد باُصول الدين والمذهب بحيث صارالإنسان على معرفة ويقين واعتقاد بأنّهلولم يكن ما ذكروه في اُصول الدين والمذهبحقّاً لما كان هؤلاء في دار الدنيا متعبينفي طريق الدين والمذهب فأيقن أو اعتقدبها، كفى ذلك ممّا يجب على المكلّفبالإضافة إلى اُصول دينه ومذهبه، وليس هذامن التقليد فيهما، فإنّ التقليد كما تقدّمالأخذ بقول الغير تعبّداً أي من غير يقينودليل عنده على صحّة ذلك القول وكونهحقّاً مطابقاً للواقع، وإنّما يكون الأخذبقوله للدليل عنده على اعتباره في حقّهوإن لم يكن حقّاً واقعاً. وبتعبير آخر الدليل عند العاميّ إنّماعلى الأخذ بقوله لا على نفس قول الغير فيمورد مشروعيّة التقليد، ودعوى أنّه لايكفي اليقين والاعتقاد الناشئ من قولالغير في الاعتقاديّات من اُصول الدينوالمذهب استظهاراً من الكتاب المجيد:(قالوا إنا وجدنا آباءنا على اُمّة وإنّاعلى آثارهم مهتدون)(3) (بل نتبع ما ألفيناعليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلونشيئاً ولا يهتدون)(4)، لا يمكن المساعدةعليها، فإنّه قد تقدّم أنّه لا يستفادمنهما عدم اعتبار العلم واليقينوالاعتقاد الحاصل مما ذكرنا، وظاهر الآيةتعبّد الجاهل بقول جاهلين مثله كما لايخفى.
_ [7] كما إذا لم يتمكّن عالم من الجزمبامتناع اجتماع الأمر والنهي أو جوازهفقلّد من هو أعلم في مسائل اُصول الفقه،وكان هذا الأعلم يقول بجواز الاجتماع فيهاإذا كان التركيب في مورد الاجتماعانضماميّاً، وبالامتناع فيما إذا كانالتركيب فيه اتحاديّاً، وفرض أنّ العالمالمفروض يتمكن من تشخيص موارد التركيبالاتحاديّ والتركيب الانضماميّ في مسائلالفقه، فهل يجوز له بعد التقليد فيالمسألة الاُصوليّة واستنباط الحكمالفرعيّ العمل بما استنبطه أو لا يجزي فيعمل نفسه فضلاً عن رجوع الغير له؟ والظاهرإمكان هذا النحو من التقليد. وما يقال منعدم حصول الاقتدار على التطبيقاتوالتفريعات في نتائج المسائل الاُصوليّةبلا حصول الاقتدار على نفس المسائلالاُصوليّة، ويمكن العكس بأن لا يتمكّن منالاستنباط في الأحكام الفرعيّة منمداركها في جملة من الموارد، ولكن يكونمجتهداً في نفس المسائل الاُصوليّة لايمكن المساعدة عليه. نعم جلّ المسائل الاُصوليّة هو ممّا يكونالعلم بنتائجها الكلّية بالاستدلال فيهامقدّماً على الاجتهاد في المسائلالفرعيّة وذلك لكثرة المسائل الفرعيّة،والاتقان في تطبيقات قواعد الاُصول فيهايحتاج إلى الإحاطة الكاملة بخصوصيّاتالمسائل وصعوبة ملاحظة النسبة في كثير منالمسائل الفرعيّة التي تتعدّد في كلّ منهاالخطابات الشرعيّة المختلفة بحسبالظهورات الاستعماليّة. وعلى أيّ حال يمكن تجويز التقليد فيالمسائل الاُصوليّة في الجملة، ولا يكونالتجويز لغواً إلاّ أنّ عمدة الدليل علىجواز التقليد ما في الروايات من أخذ معالمالدين وحلاله وحرامه ممن يعلمها، وصدقمعالم الدين على ما يلتزم به الاُصوليّ منالتزامه بامتناع الاجتماع أو ثبوتالملازمة بين إيجاب الشيء وإيجاب مقدّمتهمطلقاً أو ما إذا كانت موصلة أو بقصدالتوصل غير محرز، ومجرّد عدم الإحراز كاففي الالتزام بعدم جواز التقليد فيها، ومايستنبط من الخطابات بضميمة التقليدالمتقدّم لا يكون علماً بالحكم الشرعي، لاوجداناً لما هو الفرض، ولا اعتباراً لعدمثبوت الاعتبار في البناء على الكبرى التيهي قول الغير في المسألة الاُصوليّة. أمّا التقليد في الموضوعات فقد قسّمالموضوعات على ثلاثة أقسام: الموضوعاتالمستنبطة الشرعية، والموضوعاتالمستنبطة العرفيّة واللغويّة،والموضوعات الصرفة، فقد التزم (قدس سره)بجواز التقليد في الموضوعات المستنبطةالشرعية كالتقليد في نفس الأحكامالشرعيّة، وبعدم جريان التقليد في غيرهامن المستنبطات العرفيّة واللغويّةوالموضوعات الصرفة. أمّا جريانه في القسم الأوّل فإنّ تلكالموضوعات إمّا من مخترعات الشارعواعتباراته كالصلاة والصوم وغيرهما منالعبادات أو من غير العبادات كالذكاةللذبيحة فاللازم تعلّمها ممن علم بها منمداركها الشرعيّة. وأمّا الموضوعات الصرفة التي تكونمفاهيمها مرتكزة معلومة عند الأذهان بحيثلا إجمال فيها، وإنّما يكون الجهل فيانطباق ذلك العنوان على الخارج للجهل بشيءمن جهات ما في الخارج، كما هو الحال فيالشبهات الخارجيّة، فهذه الموضوعات خارجةعن موارد التقليد الذي هو رجوع الجاهلبالحكم الشرعيّ المجعول في الشرع إلىالعالم به، فقول المجتهد مشيراً إلى مايعأنّه خمر كإخبار ثقة بأنّه خمر. وأمّا الموضوعات المستنبطة العرفيّة أواللغويّة، ككون الغناء مطلق كيفيّة الصوتالمقتضي للطرب بمعنى خروج النفس عنالاعتدال، أو كيفيّته التي تشتمل علىالترجيع وترديد الصوت في الحلق وإن لم يكنفي كلام باطل، أو خصوص ما كان في كلامباطل، وكون الكنز مطلق المال المذخور فيالأرض أو خصوص المذخور فيها من الذهبوالفضة، وكون الصعيد مطلق وجه الأرض أوخصوص التراب والرمل، فالصحيح جريانالتقليد فيهما؛ لأنّ مع إفتاء المجتهدبإطلاق الحكم أو خصوصه مع احتمال كون ماأفتى به هو الحكم الكلّي الفرعيّ فيالواقعة يكون ذلك طريقاً متّبعاًبالإضافة إلى العاميّ بلا فرق بين أن يذكرالغناء مطلق كيفيّة الصوت المقتضي للطربأو يقول هذه الكيفيّة حرام، فمع عدم العلمبالخلاف كما هو الفرض يجب الأخذ به. وممّا ذكرنا يظهر الحال في التقليد فيأحوال الرجال في أسناد الروايات، فإنّإحراز عدالتهم أو وثاقتهم كإحراز العدالةوالوثاقة في سائر الموارد لا تعدّ منالاُمور التي يرجع فيها إلى أهل خبرتها،بل العدالة والوثاقة من الاُمور التي تثبتبخبر العدل بلا واسطة أو معها ويحرز بحسنالظاهر، وليستا من الاُمور التي تحتاج إلىإعمال الحدس من أشخاص خاصّة، ولا يصلالأمر إلى دعوى انسداد باب العلم فيالرجال، مع أنّه لو كان انسداد لم يثبتفيها جواز التقليد ولا اعتبار مطلق الظنّفيها على ما تقرّر ذلك عند البحث فيمقدّمات دليل الانسداد في الأحكام.
(1). التنقيح في شرح العروة 1:346. (2). التنقيح في شرح العروة 1:312 و313. (3). سورة الزخرف: الآية 22. (4). سورة البقرة: الآية 170. (مسألة 68) لا يعتبر الأعلميّة فيما أمرهراجع إلى المجتهد إلاّ في التقليد، وأمّاالولاية على الأيتام والمجانين والأوقافالتي لا متولّي لها والوصايا التي لا وصيلها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية،نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من فيذلك البلد أو في غيره مما لا حرج فيالترافع إليه[1]. (مسألة 69) إذا تبدّل رأي المجتهد هل يجبعليه إعلام المقلّدين أم لا؟ فيه[2] تفصيل:فإن كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياطفالظاهر عدم الوجوب، وإن كانت مخالفةفالأحوط الإعلام، بل لا يخلو عن قوّة. (مسألة 70) لا يجوز للمقلّد إجراء أصالةالبراءة أو الطهارة أو الاستصحاب فيالشبهات الحكميّة[3] وأمّا في الشبهاتالموضوعيّة فيجوز بعد أن قلّد المجتهد فيحجيّتها، مثلاً: إذا شكّ في أنّ عرق الجنبمن الحرام نجس أم لا، ليس له إجراء أصالةالطهارة، لكن في أنّ هذا الماء أو غيرهلاقته النجاسة أم لا، يجوز له إجراؤها بعدأن قلّد المجتهد في جواز الإجراء. (مسألة 71) المجتهد الغير العادل أو مجهولالحال لا يجوز تقليده[4] وإن كان موثوقاً بهفي فتواه ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه،وكذا لا ينفذ حكمه ولا تصرّفاته فيالاُمور العامّة، ولا ولاية له في الأوقافوالوصايا وأموال القصّر والغيّب. (مسألة 72) الظنّ بكون فتوى المجتهد كذا لايكفي في جواز العمل، إلاّ إذا كان حاصلاً[5]من ظاهر لفظه شفاهاً، أو لفظ الناقل، أو منألفاظه في رسالته. والحاصل أنّ الظنّ ليسحجّة، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظواهرالألفاظ منه، أو من الناقل. عدم اعتبار الأعلمية في الاُمور الحسبية
_ [1] قد يذكر في المقام دعوى الإجماع على عدماعتبار الأعلميّة في ما أمره راجع إلىالحاكم الشرعيّ في غير مسألة التقليد فيالأحكام الشرعيّة على ما تقدّم، ولكنّالإجماع على تقديره غير مفيد في المقام،فإنّه من المحتمل جدّاً التزام الجلّ ممنتعرّضوا لذلك لإطلاق بعض الأخبار كإطلاقالتوقيع: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوافيها إلى رواة أحاديثنا»(1) وما ورد من أنّالعلماء ورثة الأنبياء(2) وأنّهم خلفاءالنبي (صلّى الله عليه وآله)وأنّ المؤمنينالفقهاء حصون الإسلام(3) وأنّ مجاريالاُمور والأحكام بيد العلماء(4). وما وردمن ثبوت منصب القضاء للفقيه على ما ورد فيمقبولة عمر بن حنظلة ومعتبرة أبي خديجةوغيرها، والظاهر أنّ الولاية للاُمورالمشار إليها من شؤون ثبوت منصب القضاء،وكان المتصدّي لها القضاة، كما يفصح بذلكبعض الروايات كصحيحة محمد بن إسماعيل بنبزيع قال: «مات رجل من أصحابنا ولم يوصفرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّرعبدالحميد القيّم بماله، وكان الرجل خلّفورثة صغاراً ومتاعاً، فباع عبدالحميدالمتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عنبيعهنّ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيته،وكان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهنّ فروج،قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام)[إلى أن قال (عليه السلام)]: إذا كان القيّمبه مثلك ومثل عبدالحميد فلا بأس»(5). أقول: قد تعرّضنا للأخبار الواردة في كونالعلماء ورثة الأنبياء ونحوها في بحثولاية الفقيه في «إرشاد الطالب»(6)، وذكرناأنّه لا يتمّ الاستناد إلى شيء منها فيالالتزام بثبوت ولاية النبيّ (صلّى اللهعليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) للفقيهالعادل بلا فرق بين زمان الحضور وزمانالغيبة، وأنّ غاية ما يستفاد منها أنّ ماعلى الانبياء في أمر تبليغ الدين وإرشادالناس وهدايتهم من بعدهم على العلماء،وأمّا الولاية الثابتة للنبيّ (صلّى اللهعليه وآله) والإمام (عليه السلام) من كونأمره الولائيّ واجب الاتّباع حيث إنّهم(عليهم السلام) قوم فرض اللّه طاعتهم فلمتثبت ذلك للفقيه فضلاً عن الولاية علىالتصرف، ويشهد لذلك إطلاق تلك الأخباروشمولها حتى لزمان الأئمّة (عليهمالسلام)، وغاية ما يستفاد من مقبولة عمر بنحنظلة ومعتبرة أبي خديجة نفوذ قضاء الفقيهوفصل خصومته وأنّ له ولاية القضاء بالنصبالعامّ ولم يظهر منهما أو من غيرهما إعطاءالولاية في أموال القصّر والأوقاف مع عدمالقيّم والمتولّي للفقيه. والتوقيعالمتقدّم وإن كان ظاهراً في غير ذلك إلاّأنّ السند فيه غير تامّ، ووقوع بعضالتصرّفات من المنصوبين للقضاء من قبلولاة الجور وإن لا يقبل الإنكار، إلاّأنّه لم يثبت إعطاء الولاية لهم من قبلهملدخولها في منصب القضاء، بل من المحتملأنّها كانت منصباً زائداً كان يعطى لهم،وعلى تقديره فتلك كانت في المنصوب بنصبخاصّ لا ما إذا كان بالنصب العامّ. وعلى الجملة بما أنّ هذه الولاية مخالفةللأصل فلابدّ من الاقتصار على مورداليقين، وهو ما إذا كان المتصرّف في تلكالاُمور الفقيه ولو بغير المباشرة منالتوكيل والإجازة لمن يقوم بها، ولكن لاتعتبر الأعلميّة في المجيز ومن يرجع إليهفي التوكيل والإذن أو النصب على ما مرّ؛لأنّه لا يحتمل أن يكون جميع الاُمورالحسبيّة في جميع أرجاء العالم بيد شخصواحد. نعم في الأمر الذي يريد الشخص التصدّي لهإن كان من الاُمور المهمّة جدّاً كحفظنظام البلاد وترتيب اُمور نظمهاوالمحافظة على أمنها وتهيئة الاستعداداتاللازمة للدفاع عنها ومنع نشر الفسادوأقامة مراكزه فيها فلا يبعد اعتبار إجازةالأعلم وأنّ له إجازة التصدّي للغير إذاكان الغير أهلاً له، وأنّ عليه الامتناععن الإجازة إذا لم يحرز الأهليّة فيمنيستجيزه. هذا بالإضافة إلى الاُمور الحسبيّة،وأمّا بالإضافة إلى القضاء فلا يعتبر فيهالأعلميّة كما هو مقتضى الإطلاق في مقبولةعمر بن حنظلة، وإطلاق معتبرة أبي خديجةسالم بن مكرم حيث ورد في الاُولى: «ينظرانإلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر فيحلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا»(7) وفيالثانية: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاًمن قضايانا»(8) والشيء وإن كان نكرة يعمّالشيء اليسير إلاّ أنّه قد تقدّم أنّهبالإضافة إلى علم قضايا الأئمة (عليهمالسلام) فلا ينافي كثرته في نفسه. وعلىتقدير الإغماض يقيّد بما ورد في المقبولة:«نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا». وما ورد في المقبولة من فرض العلمبالمخالفة في القضاء والأمر بالرجوع إلىالأعدل والأفقه لا يعمّ فرض عدم العلمبالمخالفة مع فرض الشبهة فيه حكميّة كماهو مقتضى اختلاف الفقيهين في حديثهم(عليهم السلام)، وأمّا ما في العهد المعروفإلى مالك الاشتر: «اختر للقضاء أفضلرعيّتك»(9) فهو وإن كان معتبراً من حيثالسند حيث إنّ الشيخ (قدس سره) ذكر لهطريقاً معتبراً، وعدم الإشارة إلىالاختلاف في متن العهد، وأنّه يروىبالطريق المعتبر العهد المعروف دليل علىعدم الخلاف في متنه، إلاّ أنه لا دلالة لهعلى أنّ وظيفة المترافعين المراجعة فيالقضاء إلى الأفضل، بل غاية ما يستفاد منههو أنّ على الوالي الذي عليه تعيين القاضيللبلد بالنصب الخاصّ أن يعيّن الأفضل،والكلام في المقام في الرجوع إلى القاضيالمنصوب بنصب عامّ. ثمّ إنّه قد يعدّ من الاُمور الحسبيّةالتي يرجع في التصرف فيها إلى الفقيهالسهم المبارك للإمام من الخمس، أو أنّهوإن لم يكن من تلك الاُمور إلاّ أنّه إذنالفقيه معتبر في التصرّف فيه في زمانالغيبة وعدم حضور الإمام (عليه السلام). وينبغي في المقام الكلام في سهم الإمام(عليه السلام) من الخمس أوّلاً، والتكلّمفي أنّه كيف يتصرّف فيه زمان الغيبة،فنقول المشهور بين أصحابنا أنّ الخمسيقسّم على ستّة أسهم ثلاثة منها للّهولرسوله والإمام (عليه السلام) فإنّ ما كانللّه بملكيّة اعتباريّة يصل النبيّ (صلّىالله عليه وآله) وما كان للنبيّ (صلّى اللهعليه وآله) وصولاً وأصالة يصل إلى الإمام(عليه السلام)، فيكون نصف الخمس ملك الإمامبعنوان أنّه الإمام المنصوب بعد النبيّبحسب العصور والأزمنة، وثلاثة أسهم منهللأيتام والمساكين وابناء السبيل ممنينتسب إلى هاشم بالاُبوّة، ولزوم اعتبارالخمس ستة أسهم كما ذكرنا هو المشهور بينالأصحاب واستظهر ذلك من ظاهر الآيةالمباركة: (واعلموا أنّما غنمتم من شيءفأنّ للّه خمسه وللرسول ولذي القربىواليتامى والمساكين وابن السبيل)(10)،مضافاً إلى دلالة بعض الروايات. وربّما ينسب الخلاف إلى ابن الجنيد وأنّهقال: السهام في الخمس خمسة، بحذف سهماللّه، وعن «المدارك» الميل إليه، وقدتعرّضنا لذلك في بحث قسمة الخمس من مباحثكتاب الخمس، وبيّنا أنّ نصف الخمس يعنيسهم اللّه وسهم الرسول وذي القربى المعبرعنه بسهم الإمام (عليه السلام) يصل إلىالإمام (عليه السلام)، وأنّ نصفه الآخريعني سهم اليتامى والمساكين وابن السبيلالمعبّر عنه بسهم السادات يصرف ويعطىالهاشميّ منهم أي من ينتسب إلى هاشم من جهةالأب، وفي موثقة زرارة عن أبي عبداللّه(عليه السلام): «لو كان العدل ما احتاجهاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعللهم في كتابه ما كان فيه سعتهم»(11)، ونحوهاغيرها. ومن الظاهر أنّ المجعول لهم فيالكتاب ما في آية الخمس. والمحكيّ عن ابن الجنيد أنّ السهام فيالخمس خمسة، بحذف سهم اللّه تعالى، وعن«المدارك» الميل إليه لصحيحة ربعي بنعبداللّه بن الجارود عن أبي عبداللّه(عليه السلام)قال: «كان رسول اللّه (صلّىالله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوهوكان ذلك له ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماسويأخذ خمسه ثمّ يقسم أربعة أخماس بينالناس الذين قاتلوا عليه ثمّ قسّم الخمسالذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّه عزّوجلّ لنفسه ثمّ يقسم الأربعة أخماس بينذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناءالسبيل يعطى كلّ واحد منهم حقّاً وكذلكالإمام يأخذ كما أخذ الرسول»(12). وفيه أنّ مدلولها اكتفاء رسول اللّه (صلّىالله عليه وآله) بسهم اللّه سبحانه وأنّهكان يترك سهمه، وحيث إنّ سهم النبيّ (صلّىالله عليه وآله) ملكه فله وضعه كيف ما شاء،فلا دلالة لها على أنّ فعله (صلّى اللهعليه وآله)كان واجباً عليه، وما في ذيلها:وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول، لم يكنبياناً للحكم الواجب على الإمام (عليهالسلام) في الخمس فضلاً عن صفو المال منالمغنم. وعلى الجملة ففي الآية المباركة ولوبملاحظة الروايات الواردة في قسمة الخمسظهور ودلالة على كون الخمس على ستّة أسهم،وورد في روايات منها صحيحة البزنطي عنالرضا (عليه السلام): «أنّ ما كان للّهوللرسول يصل إلى الإمام (عليه السلام) حيثسئل (عليه السلام) عن قول اللّه عز وجلّ:(واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّهخمسه وللرسول ولذي القربى) فقيل له: فماكان للّه فلمن هو؟ فقال: «لرسول اللّه(صلّى الله عليه وآله) وما كان لرسول اللّهفهو للإمام»(13) كما أنّ المراد بذي القربىفي الآية الأئمة (عليهم السلام) كما يظهرذلك من غير واحدة من الروايات، وهذهالسهام الثلاثة بعد النبيّ (صلّى اللهعليه وآله) للإمام من بعده وللإمام من بعدالإمام، وفي مرسلة حماد بن عيسى عن العبدالصالح (عليه السلام) في حديث طويل قال:«وله [يعني للإمام] نصف الخمس كملاً، ونصفالخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهموسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسّمبينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون به فيسنّتهم»(14) وقد تقدّم في موثقة زرارة: «لوكان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلىصدقة، إن اللّه جعل لهم في كتابه ما كانفيه سعتهم». ثمّ إنّه لا ينبغي التأمّل في جواز تصدّيمالك المال لدفع نصف الخمس يعني سهماليتامى والمساكين وابن السبيل إليهمزمان عدم حضور الإمام وعدم التمكّن منإيصال هذه السهام الثلاثة إليه ـ بناءًعلى ما ذكرنا من عدم ثبوت الدليل علىالولاية العامّة للفقيه العادل ونيابتهمعن الإمام (عليه السلام) بالنيابة العامّةـ فإنّ مقتضى الآية المباركة والرواياتالمشار إليها أنّ نصف الخمس إنّما جعللسدّ حوائج اليتامى والمساكين وأبناءالسبيل من السادات، كما يشهد لذلك صحيحةزرارة عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال:«إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولامطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم فيكتابه ما كان فيه سعتهم، ثمّ قال: إنّالرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة،والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجدشيئاً ويكون ممّن يحلّ له الميتة»(15). وهذه الصحيحة ومثلها بضميمة ما تقدّم منكون السهام الثلاثة للإمام (عليه السلام)تدلّ على قسمة الخمس على ستة أقسام وأنّسهم السادة تعويض عن الزكاة التي يكونفيها للمالك أكثر المال وله الولاية علىإخراجها؛ ولأنّ الشركة في كلّ من الزكاةوالخمس بحسب الماليّة، لا من قبيل الإشاعةفي العين حتى لا يجوز لأحد الشريكين ولوكان سهمه أكثر التصرّف في بعض المال بلاإذن شريكه، فإنّ الشركة في العين بحسبالماليّة مقتضاها إخراج الزكاة والخمس منالعين أو من قيمتها، ويجوز التصرّف فيالمال بعد إخراج سهم الغير ولو بالقيمة ـولو قلنا بأنّ تعلّق الخمس أو الزكاةبالمال بنحو الكلّي في المعيّن جازالتصرّف ولو قبل الإخراج ـ كما يدلّ علىذلك صحيحة محمد بن خالد البرقي قال: «كتبتإلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) هل يجوزأن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطةوالشعير وما يجب على الذهب، دراهم بقيمةما يسوى؟ أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّشيء ما فيه؟ فأجاب أيّما تيسّر يخرج»(16). وعلى الجملة مقتضى الإشاعة في ماليّةالعين كما في إرث الزوجة من البناء دفعالقيمة، وأنّه إذا كان من بيده المال الذيفيه حقّ من سهم الغير بنحو الإشاعة فيالماليّة يجوز أن يدفع سهمه بالقيمة. والحاصل إذا كان مدلول الآية المباركةولو بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرهاوملاحظة صحيحة زرارة المتقدّمة أنّ نصفالخمس ولو بالقيمة سهم السادات الكرام،يجب على الذي أكثر المال له إيصال هذاالسهم إليهم. وما دلّ على ولاية الإمام (عليه السلام)على ذلك السهم ووجوب إيصاله إلى الإمام(عليه السلام) كصحيحة حفص البختري عن أبيعبداللّه (عليه السلام) قال: «خذ مالالناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس»(17).وفي صحيحة علي بن مهزيار قال: «قال أبو عليبن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذحقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم:وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال:يجب عليهم الخمس»(18) الحديث، غاية مايستفاد منه إيصال سهم السادات أيضاً إلىالإمام (عليه السلام) ولو مع التمكّن منالإيصال إلى وكلائهم، وأمّا مع عدم إمكانهوانتهاء أمر الوكالة كما في زمان الغيبةالكبرى يكون مقتضى الآية المباركة بضميمةمثل صحيحة زرارة المتقدّمة إيصال المالكودفعه سهمهم إليهم، ولا ننكر أنّ الدفعإليهم بالاستيذان ممّن يلزم إيصال سهمالإمام إليه زمان الغيبة ـ على ما نذكر ـأحوط، وأمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام) فلا يجري فيه حكم المالالمجهول مالكه، نظير مال الغير الذي بيدالإنسان ولا يمكن إيصاله إليه لجهالةمكانه وعدم إمكان إحرازه، حيث إنّ جهة صرفالمال معلوم في الجملة كغيره من المالالمجهول مالكه مع العلم بجهة صرفه الذيعيّنه ذلك المالك. ويبقى في البين دعوى الجزم بأنّ الإمام(عليه السلام) راض وصادر منه الإذن فيالتصرّف في ذلك السهم في اُمور، من ترويجأحكام الشريعة وتثبيت أمر المذهب ونشرهحتّى في الأجيال الآتية من المؤمنينبتربية علماء الدين والمذهب وتبيينمعتقدات الشيعة وطريق عرفانهم حجج اللّهبعد نبيّهم وإيصال وإبقاء آثار أهل البيتوإنقاذ المضطرّين ورفع اضطرارهموابتلاءاتهم إلى غير ذلك من المهمات التيترجع كلّها إلى أمر ترويج الدين والمذهبونشره في الأجيال والبلاد والقرى وإنقاذالمضطرّين من المؤمنين بقضاء حوائجهمالضروريّة، وحيث إنّ المتصرّف في السهمالمبارك غير مالك بل هو ملك الإمام (عليهالسلام) ولو بعنوان الإمامة فاللازم أنيكون المتصرّف من يعلم برضاء الإمام عليهفي تصرّفه على ما ذكر، والمتيقّن هو الذييرجع إليه في أخذ الفتوى لاحتمال دخالتهفي الرضا بالتصرّف، حيث إنّ إيصال السهمالمبارك إلى يد وكلائه الثقات ورعاية نظرهفي التصرّف يوجب عزّ المذهب ويعرف المذهببعظمة هؤلاء الرجال كما يعرف كلّ منالأقوام برئيسهم، وإذا احتمل دخالة هذاالأمر في رضاء الإمام (عليه السلام)فلايجوز التصرّف فيه بطريق آخر؛ لأنّ القاعدةالأوّليّة عدم جواز التصرّف في مال الغير،ولا يجري هذا بالإضافة إلى سهم السادةالكرام؛ لما ذكرنا من ثبوت الإطلاق فيوجوب إخراجه ودفعه وعدم ثبوت التقييد لهابالدفع إلى الامام (عليه السلام) إلاّبمقدار إمكان الإيصال إليه (عليه السلام). هذا كلّه على تقدير ثبوت الخمس والتكليفبالأداء كما هو ظاهر الآية المباركةوالروايات الواردة في السؤال عن الخمسوالمعادن والكنز والغوص وأرباح التجاراتوالصناعات من فاضل المؤنة، ولكن ربّمايتوهّم أو يستظهر من بعض الروايات تحليلالخمس أو السهم المبارك للشيعة من ناحيةالأئمة (عليهم السلام)، فلا يكون للمؤمنتكليف بالإضافة إلى الخمس أو السهمالمبارك كصحيحة أبي بصير وزرارة ومحمد بنمسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قالأمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبيطالب: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم،لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّشيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ»(19) وصحيحةضريس الكناسي قال: قال أبو عبداللّه (عليهالسلام): «أتدري من أين دخل على الناسالزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسناأهل البيت، إلاّ لشيعتنا الأطيبين، فإنهمحلّل لهم ولميلادهم(20). ومعتبرة يونس بنيعقوب، قال: «كنت عند أبي عبداللّه (عليهالسلام) فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال:جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموالوتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت وإنّا عنذلك مقصّرون، فقال أبو عبداللّه (عليهالسلام): ما انصفناكم إن كلّفناكم ذلكاليوم»(21)، ومعتبرة أبي خديجة سالم بن مكرمعن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: قال رجلوأنا حاضر حلّل لي الفروج، ففزع أبوعبداللّه (عليه السلام) فقال له رجل: ليسيسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألكخادماً يشتريها أو امرأة يتزوّجها أوميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً اُعطيه،فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهموالغائب والميّت منهم والحيّ وما يولدمنهم إلى يوم القيامة فهو حلال، أمّاواللّه لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له»(22)الحديث، وفي مقابل ذلك روايات تدلّ علىإيصال الخمس وحقّ الإمام (عليه السلام)إليه وجملة من الروايات في صورة كون المالللشيعة كصحيحة حفص بن البختري عن أبيعبداللّه (عليه السلام) قال: «خذ مالالناصب حيثما وجدته وادفع إليناالخمس»(23)، وما في صحيحة علي بن مهزيار بعدعدّ ما يجب فيه في كلّ عامّ من الخمس كتب(عليه السلام): «فمن كان عنده شيء من ذلكفليوصله إلى وكيلي»(24). وعلى الجملة قضية وكلاء الأئمة (عليهمالسلام) وأنّهم كانوا يأخذون الحقوقللإمام (عليه السلام)وكان عمدتها الخمس منالواضحات، وشيء من ذلك لا يجتمع مع الأمربالتحليل المتوهّم من الرواياتالمتقدّمة، بل أمر الإمام (عليه السلام)مواليه بإيصال الخمس إلى وكيله أو دفعهإليه، كما هو ظاهر صحيحة علي بن مهزيار،وأنّ ما يصل إليه في كلّ عام بعنوان الربحوالفائدة أو سائر العناوين الراجعة إلىالدخول في عنوان الفائدة هو المراد منالغنيمة. وأمّا أخبار التحليل فهي ناظرة إلى تحليلما يؤخذ من الناس وقد تعلّق الخمس به فيأيديهم ثمّ يصل إلى الشيعة منهم فإنّهمورد التحليل، بل ظاهر بعضها عدم اختصاصالتحليل بوصول ما فيه الخمس ممن لا يعتقدبه، بل يعمّ ما يصل المال المتعلّق بهالخمس ممن لا يدفعه كما هو الحال بالإضافةإلى معتبرة أبي خديجة، وما ورد ما ظاهرهعدم حلّ الخمس فيما كان متعلّقاً به فيالأيدي السابقة على تقدير تماميّة السندكرواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمسلم يعذّره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له»(25)يحمل على شراء غير الشيعة. بقي أمر وهو أنّه قد ورد في صحيحة علي بنمهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليهالسلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ منمأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطه: «منأعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ»(26) وظاهرهابإطلاقها يعمّ ما إذا كان حقّه (عليهالسلام) قد انتقل إليه بالشراء ونحوه أوتعلّق حقّه (عليه السلام) بالمال في يدهفتحمل على الصورة الاُولى، ومع الإغماض عنذلك فللإمام (عليه السلام) الإغماض عنالخمس في حقّ شخص أو جماعة واقعين فيالحرج، كما يشهد لذلك صحيحة علي بن مهزيارحيث أوجب الإمام (عليه السلام) في سنةالكتابة بعض الخمس وأغمض عن بعض آخر.
_ [2] القائل بوجوب الإعلام عند تبدّل رأيالمجتهد إمّا أن يستند إلى عدم جوازالتسبيب إلى خلاف الوظيفة الواقعيّة،وأنّ فتوى المجتهد سابقاً مع عدم إعلامهبتبدّل فتواه تسبيب، فعليه أن يفصّل بينأن تكون فتواه السابقة مطابقة للاحتياط أومخالفة له، فلا يجب الإعلام بالعدول فيالأوّل دون الثاني، كما إذا كانت فتواهحرمة العصير بعد غليانه وذهاب ثلثيه بغيرالنار ثمّ تبدّل رأيه إلى حلية العصير بعدغليانه وذهاب ثلثيه ولو بغير النار، فإنّفتواه سابقاً بالحرمة كانت بحسب مااستفاده من مدارك الأحكام فلم يكن فيإظهاره في السابق محذور، وعدم إعلامه بعدتبدّل رأيه ليس فيه أيّ تسبيب إلى مخالفةالتكليف الإلزاميّ من ترك الواجب أوالحرام، غاية الأمر أنّ مقلّديه يتركونالعصير الذي ذهب ثلثاه بغير النار بعدغليانه بالبناء على حرمته، وهذا البناءمنهم لا يتضمّن أيّ محذور لهم لإحرازهمبوجه معتبر حرمته بفتواه السابق فلاتشريع، وكذا الحال إذا استند القائل بوجوبالإعلام إلى آية النفر حيث يجب على الفقيهفي الدين إنذار قومه، والإبلاغ بالحليّةوالطهارة ونحوهما لا يدخل في عنوانالإنذار. نعم إذا كانت فتواه السابقة على خلافالتكليف الإلزاميّ ثمّ تبدّل رأيه إلىالتكليف الإلزاميّ أو ما يلزم التكليفالإلزامي يكون مقتضى وجوب الإنذارإعلامه، وكذا مقتضى عدم جواز التسبيب إلىمخالفة التكليف الإلزاميّ. ولكن لا يخفى أنّ المجتهد لم يكلّفالعاميّ العمل بفتواه، بل هو من عنده أحرزأنّه يجوز له العمل بفتواه فيما إذا كانتفتواه السابقة غير إلزاميّة، والمفروضأنّ المجتهد لم يقصّر في فتواه السابقة،بل فحص المقدار اللازم من الفحص وأفتىبحلّية عمل وجوازه، والعاميّ أيضاً أحرزمن عنده أنّه يجوز العمل بفتواه، لإحرازهالاُمور المعتبرة فيه الموضوع لجوازالعمل بفتواه. نعم إذا سأل أحد المجتهد واشتبه وأفتى لهبخلاف فتواه من الإلزام فعليه أن ينبّهالسائل إذا أمكن، نظير ما ذكرنا في اشتباهالناقل في نقل فتوى المجتهد، وهذا غيرمسألة التبدّل، وأمّا بالإضافة إلىالإنذار فاللازم أن يجعل فتواه اللاحقةإذا كانت إلزاميّة في معرض الوصول، لاإعلام الذين أخذوا منه فتواه السابقةواستمرّوا في العمل على طبقها بمقتضىالاستصحاب في عدم عدوله وبقائه على فتواه.
_ [3] والوجه في ذلك أنّ كلاًّ من أصالةالبراءة والطهارة والاستصحاب جريانها عندالشكّ في الشبهات الحكميّة مشروطة بالفحصعن مدارك الأحكام والتكاليف وعدم الظفربالدليل على الحكم والتكليف في مواردإجرائها، وبما أنّ العاميّ لا يتمكّن منهذا الفحص وإحراز عدم الدليل على التكليفوالحكم الواقعيّ في الوقايع فلا يتمّ فيحقّه الموضوع لاعتبار تلك الاُصول. وبتعبير آخر الأخبار الواردة في وجوبتعلّم التكاليف والأحكام في الوقايع حيثإنّ مدلولها إسقاط عذريّة الجهلبالتكاليف في موارد تمكّن المكلّف منالوصول إلى تلك التكاليف ولو بطريق معتبر،فلا يكون للعاميّ سبيل إلى إجراء تلكالاُصول مع تمكّنه من الوصول إلى التكاليففي تلك الموارد بأخذ الفتوى من المجتهدالواجد للشرائط، وكما أنّ المجتهد ليس لهإجراء تلك الاُصول قبل الفحص عن مداركالأحكام، لسقوط جهله بالحكم والتكليف قبلالفحص عن تلك المدارك المعتبرة في حقّه،كذلك لا يجوز للعاميّ ولو كان فاضلاً يعلمباعتبار تلك الاُصول إجراؤها قبل الفحص عنفتاوى المجتهد الذي تعتبر فتاواه فيالوقايع في حقّه علماً بالواقع. وهذا بخلاف الشبهات الموضوعيّة الصرفةالتي بيّناها سابقاً، فإنّ العاميّ يجوزله الرجوع فيها إلى تلك الاُصول عند الشكّفيها خارجاً بعد أخذ الفتوى من المجتهدبعدم لزوم الفحص فيها، أو مع علمه بعدملزوم الفحص فيها من جهة كونه فاضلاً قداجتهد في جريان الاُصول العمليّة فيها منغير اشتراط الفحص، كما إذا شكّ في أنّ هذاالماء أو شيئاً آخر لاقى نجساً أم لا،فيبني على طهارته إلى أن يعلم نجاسته إلىغير ذلك.
_ [4] وذلك فإنّه مع عدم العدالة لا تكونفتواه معتبرة في حقّ العامي، لما تقدّم منأنّ المعتبر فتوى العادل لا ما يعمّ منيتحرّز عن الكذب خاصّة، وكذلك إذا لم يكنفي المجتهد سائر الأوصاف المعتبرة في أخذالفتوى منه. نعم فتواه معتبرة في حقّه؛ لأنّها ممّاأخذها من مدارك الأحكام بطريق متعارفكسائر المجتهدين وإن لم يجز للعاميّتقليده، وكذا الحال فيما إذا شكّ فيعدالته ولم تكن حالته السابقة العدالة،بلا فرق بين القول بأنّها ملكة أوالاستمرار والاستقامة في الدين؛ لأنّكلاًّ من العدالة والاستمرار علىالاستقامة أمر حادث مسبوق بالعدم، ولاينفذ أيضاً قضاؤه ولا تصرّفاته في الاُمورالعامّة ولا يكون له ولاية في التصرّف فيالأوقاف وأموال الغيّب والقصّر من بابالحسبة، على ما تقدّم الكلام في وجه جوازالتصرّف فيها.
_ [5] قد تقدم في بحث الظواهر أنّ المعتبر هوظهور الكلام الصادر عن الغير أو كلامالناقل عن الغير مع ثبوت اعتبار نقله، ولايختلف بين أن يكون الكلام الصادر بالتلفظأو بكتابته، فما لم يحرز بوجه معتبر قرينةعلى أنّ مراده على خلاف ظاهره يتّبع ظاهركلامه ـ سواء حصل الظنّ بأن ظاهر كلامهمراده الجدّي أو لم يحصل ـ وإذا كان ظاهركلامه في أمر ولم يظنّ المستمع بأنّ مرادهالجدّي هو على طبق ذلك الظاهر فعمل علىخلافه يؤاخذه المتكلّم بظاهر كلامه،واعتذاره بأنّي ما حصلت على الظنّ بالمرادأو كان ظنّي على إرادة خلاف الظهور غيرمقبول عند العقلاء، وحيث إنّ الشارع لميخترع في تفهيم مراداته طريقاً آخر غير ماعند العقلاء من الطريق يكون الأمربالإضافة إلى ظهورات الخطابات الشرعيّةأيضاً كذلك، فالملاك في الاعتذاروالاحتجاج هو ظهورات الخطابات والكلامالصادر عن المتكلّم مع عدم قرينة معتبرةعلى إرادة المتكلّم خلاف الظهور، وما فيكلام الماتن (قدس سره) من الاستثناء بقوله:إلاّ إذا كان حاصلاً من لفظه، مما يوحي إلىالذهن أنّ الاعتبار بنفس الظنّ الشخصيّالناشئ من الظهور غير مراد قطعاً، ولعلّمراده الظنّ النوعيّ الذي مرجعه إلى أصالةالتطابق بين الظهور والمراد الجدّي حيثيكون هذا التطابق في نوعه ظنيّاً، والمرادمن الظهور الذي يبنى على أنّ المرادالجدّي للمتكلّم على طبقه هو الظهورالاستعماليّ الذي لا من إحرازه ومع عدمالقرينة على الخلاف يبنى على التطابق.
(1). وسائل الشيعة 27:140، الباب 11 من أبوابصفات القاضي، الحديث 9. (2). المصدر المتقدم: 78، الباب 8، الحديث 2. (3). انظر وسائل الشيعة 3:283، الباب 88 منأبواب الدفن، الحديث الأول. (4). بحار الأنوار 100:80. (5). وسائل الشيعة 17:363، الباب 16 من أبوابعقد البيع، الحديث 2. (6). إرشاد الطالب 3:26 فما بعد. (7). وسائل الشيعة 1:34، الباب 2 من أبوابمقدمات العبادات، الحديث 12. (8). وسائل الشيعة 27:13، الباب الأول منأبواب صفات القاضي، الحديث 5. (9). نهج البلاغة: من كتاب له (عليه السلام)كتبه للأشتر النخعي، الكتاب رقم (53). (10). سورة الأنفال: الآية 41. (11). وسائل الشيعة 9:276 ـ 277، الباب 33 منأبواب المستحقين للزكاة، وفيه حديث واحد. (12). المصدر السابق: 510، الباب الأول منأبواب قسمة الخمس، الحديث 3. (13). المصدر السابق: 512، الحديث 6. (14). الكافي 1:619، الباب 186، الحديث 4. (15). مرّ تخريجه قبل قليل. (16). وسائل الشيعة 9:167، الباب 14 من أبوابزكاة الذهب والفضة، الحديث الأول. (17). المصدر السابق: 487 ـ 488، الباب 2 منأبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6. (18). وسائل الشيعة 9:500، الباب 8 من أبواب مايجب فيه الخمس، الحديث 3. (19). وسائل الشيعة 9:543، الباب 4 من أبوابالانفال، الحديث الأول. (20). المصدر السابق: 544، الحديث 3. (21). المصدر السابق: 545، الحديث 6. (22). المصدر السابق: 544، الحديث 4. (23). وسائل الشيعة 9:487 ـ 488، الباب 2 من أبوابما يجب فيه الخمس، الحديث 6. (24). المصدر السابق: 501 ـ 502، الباب 8، الحديث5. (25). وسائل الشيعة 9:540، الباب 3 من أبواب مايجب فيه الخمس، الحديث 6. (26). المصدر السابق: 543، الباب 4، الحديث 2.