بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ذكرناه أن لم يكن مما يجوز أن تتفق فيه الصحة اتفاقا، فإن في المنامات ما يجوز أن يصح بالاتفاق وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتفاق، فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه. فإن قيل: أليس قد قال أبو علي الجبائي في بعض كلامه في المنامات: أن الطبائع لا تجوز أن تكون مؤثرة فيها، لأن الطبائع لا تجوز على المذاهب الصحيحة أن تؤثر في شئ، وأنه غير ممتنع مع ذلك أن يكون بعض المآكل [IMAGE: 0x01 graphic] [ 12 ] يكثر عندها المنامات بالعادة، كما أن فيها ما يكثر عنده بالعادة تخييل الانسان وهو مستيقظ ما لا أصل له. قلنا: قد قال ذلك أبو علي، وهو خطأ، لأن تأثيرات المآكل بمجرى العادة على المذاهب الصحيحة، إذا لم تكن مضافة إلى الطبائع، فهو من فعل الله تعالى، فكيف تضيف التخيل الباطل والاعتقاد الفاسد إلى فعل الله تعالى. فأما المستيقظ الذي استشهد به، فالكلام فيه والكلام في النائم واحد، ولا يجوز أن نضيف التخيل الباطل إلى فعل الله تعالى في نائم ولا يقظان. فأما ما يتخيل من الفاسد وهو غير نائم، فلا بد من أن يكون ناقص العقل في الحال وفاقد التمييز بسهو وما يجري مجراه، فيبتدأ اعتقادا لا أصل له، كما قلناه في النائم. فإن قيل: فما قولكم في منامات الأنبياء عليهم السلام وما السبب في صحتها حتى عدما يرونه في المنام مضاهيا لما يسمعونه من الوحي؟. قلنا: الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحتها، ولا هي مما توجب العلم، وقد يمكن أن يكون الله تعالى أعلم النبي بوحي يسمعه من الملك على الوجه الموجب للعلم: أني سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه. فيقطع على صحته من هذا الوجه، لا بمجرد رؤيته له في المنام. وعلى هذا الوجه يحمل منام إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده. ولولا ما أشرنا إليه كيف كان يقطع إبراهيم عليه السلام بأنه متعبد بذبح ولده؟. فإن قيل: فما تأويل ما يروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: (من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلى الله عليه وآله ويخبر كل واحد منهم عنه بضد ما * هامش * (1) سنن ابن ماجة 2 / 284، الرقم 3901 * [IMAGE: 0x01 graphic] [ 13 ] يخبر به الآخر، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا؟. قلنا: هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد، ولا معول على مثل ذلك. على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به: من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة، لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان. فقد قيل: إن الشيطان ربما تمثل بصورة البشر. وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر، لأنه قال: من رآني فقد رآني، فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئية، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئي، وإنما ذلك في اليقظة. ولو حملناه على النوم، لكان تقدير الكلام: من اعتقد أنه يراني في منامه وإن كان غير راء له في الحقيقة، فهو في الحكم كأنه قد رآني. وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته. وهذا الذي رتبناه في المنامات وقسمناه أسد تحقيقا من كل شئ قيل في أسباب المنامات، وما سطر في ذلك معروف غير محصل ولا محقق. فأما ما يهذي إليه الفلاسفة، فهو مما يضحك الثكلى، لأنهم ينسبون ما صح من المنامات لما أعيتهم الحيل في ذكر سببه إلى أن ا لنفس اطلعت إلى عالمها فأشرفت على ما يكون. وهذا الذي يذهبون إليه في الحقيقة النفس غير مفهوم ولا مضبوط، فكيف إذا أضيف إليه الاطلاع على عالمها. وما هذا الاطلاع وإلى أي يشيرون بعالم النفس؟ ولم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطلاع؟. فكل هذا زخرفة ومخرقة وتهاويل لا يتحصل منها شئ وقول صالح فيه، مع أنه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة، لأن صالحا ادعى أن النائم يرى على الحقيقة ما ليس يراه، فلم يشر إلى أمر غير معقول ولا * هامش * (1) في المخطوطة (تمثلت) [IMAGE: 0x01 graphic] [ 14 ] مفهوم، بل ادعي ما ليس بصحيح وإن كان مفهوما، وهؤلاء عولوا على ما لا يفهم مع الاجتهاد، ولا يعقل مع قوة التأمل، والفرق بينهما واضح. وأما سبب الانزال، فيجب أن يبنى على شئ تحقيق سبب الانزال في اليقظة مع الجماع، ليس هذا مما يهذي به أصحاب الطبائع، لأنا قد بينا في غير موضع أن الطبع لا أصل له، وأن الإحالة فيه على سراب لا يتحصل. وإنما سبب الانزال أن الله أجرى العادة بأن يخرج هذا الماء من الظهر عند اعتقاد النائم أنه يجامع، وإن كان هذا الاعتقاد باطلا. والحمد لله. [IMAGE: 0x01 graphic] [ 15 ]