في الآية التالية نقرأ مثالا جميلا آخريقع في النقطة المقابلة لهذه الطائفة منالمنفقين، و هؤلاء هم الذين ينفقونأموالهم في سبيل اللّه بدافع من الإيمان والإخلاص فتقول الآية: وَ مَثَلُ الَّذِينَيُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَمَرْضاتِ اللَّهِ.تصوّر هذه الآية مزرعة خضراء يانعة تقععلى أرض مرتفعة خصبة تستقبل لنسيم الطلق وأشعة الشمس الوافرة و المطر الكثيرالنافع، و إذا لم يهطل المطر ينزل الطلّ وهو المطر الخفيف و ذرّات الهباب ليحافظعلى طراوة المزرعة و لطافتها، فتكونالنتيجة أنّ مزرعة كهذه تعطي ضعف ما تعطيالمزارع الاخرى، فهذه الأرض فضلا عن كونهاخصبة بحيث يكفيها الطلّ و المطر الخفيفناهيك عن المطر الغزير لأيناع حاصلها، وفضلا عن كونها تستفيد كثيرا من الهواءالطلق و أشعّة الشمس و تلفت الأنظارلجمالها، فإنّها لوقوعها على مرتفع تكونفي مأمن من السيول.فالآية الشريفة تريد أن تقول: إنّ الذينينفقون أموالهم في سبيل اللّه لتمكّنالإيمان و اليقين في قلوبهم و أرواحهم همأشبه بتلك المزرعة ذات الحاصل الوافرالمفيد و الثمين.و في ختام الآية تقول: وَ اللَّهُ بِماتَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فهو سبحانه يعلم ماإذا كان الدافع على هذا الإنفاق إلهيّامقترنا بالمحبّة و الاحترام، أو للرياءالمشفوع بالمنّة و الأذى.
بحوث
1- إنّ عبارة لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْبِالْمَنِّ وَ الْأَذى تفيد بأنّ بعضالأعمال
يمكن أن تبدّد نتائج بعض الأعمال الحسنة،و هذا هو الإحباط الذي مرّ شرحه في ذيلالآية 217 من هذه السورة.2- إنّ تشبيه العمل مع الرياء بالصخرة التيخطّتها قشرة ناعمة من التراب تشبيه دقيقجدّا لأنّ المرائي له باطن خشن و مجدبفيحاول تغطيته بمظهر حسن و جميل، و هو حبّالخير و الإحسان للنّاس، فأعماله غيرمتجذّرة في وجوده و روحه و ليس لها أساسعاطفيّ ثابت فما أسرع ما ينقشع هذا الحجاببسبب الأحداث و الوقائع في الحياة فيظهرباطنهم بذلك.3- جملة ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ تبيّندوافع الإنفاق الإلهي السليم، و همادافعان: ابتغاء مرضاة اللّه، و تقوية روحالإيمان و الاطمئنان في القلب.هذه الآية تقول إنّ المنفقين الحقيقيّينهم الذين يكون دافعهم رضا اللّه و تربيةالفضائل الإنسانية و تثبيتها في قلوبهم، وإزالة الاضطراب و القلق اللذين يحصلان فينفس المرء بإزاء مسئوليته نحو المحرومين.و عليه فإنّ «من» في الآية تعني «في» أي فينفوسهم.4- و جملة وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَبَصِيرٌ المذكورة في آخر الآية الثانيةتحذير إلى جميع الذين يريدون القيام بعملصالح كي يأخذوا حذرهم لئلّا يخالط عملهم ونيّتهم و أسلوب عملهم أي تلوّث، لأنّاللّه يراقب أعمالهم.