إن الآيات المذكورة و إن لم تصرح باسماليهود و لكن بقرينة القرائن الموجودة فيهذه الآية و الآيات السابقة و كذا بقرينةالآية 61 من سورة البقرة و نظائرها ممّاصرّح فيه باسم اليهود يستفاد أن قولهتعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُأَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَاللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ يرتبطباليهود، و يعنيهم.ففي هذا المقطع من الآية يقول سبحانه: أنأمام اليهود طريقين يستطيعون بهما أنيتخلصوا من لباس الذلة:إما أن يعودوا إلى اللّه، و يعقدوا حبلهمبحبله، و إما أن يتمسكوا بحبل من الناس، ويعتمدوا على هذا و ذاك، و يعيشوا ذيولا وأتباعا للآخرين.و تعني لفظة «ثقفوا» المأخوذة من «ثقف»على وزن «سقف». الحذق في إدراك الشيء، والظفر به بمهارة.و يقصد القرآن من ذلك: أن اليهود أينماوجدوا فإنهم يوجدون و قد ختموا بخاتمالذلة على جباههم مهما حاولوا إخفاء ذلك- وكان ذلك هي الصفة البارزة لهم بسببمواقفهم المشينة من تعاليم السماء، ورسالات الأنبياء العظام، إلّا إذا عادواإلى منهج السماء، أو استعانوا بهذا أو ذاكمن الناس لتخليصهم من هذا الذل.و إنقاذهم من هذا الهوان.و أما التعبير بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ و إن ذهب المفسّرونفيه إلى احتمالات عديدة، بيد أن ما قد ذكرقريبا يمكن أن يقال بأنه أنسب إلى الآية منبقية الاحتمالات، لأنه عند ما يوضع «حبلاللّه» في قبال «حبل من الناس» يتبين أنهناك معنى متقابلا متفاوتا لهما لا أنالأول بمعنى الإيمان باللّه، و الثانيبمعنى العهد المعطى لهم من جانب المسلمينعلى وجه الأمان و الذمة.