لأجل هذه المتكررات من الثواب الأبديالذي يناله المجاهد في سبيل اللّه؟! و هناأمر ثان يجب الانتباه له في الآية الأولىمن هاتين الآيتين، و هو عبارة بُرُوجٍمُشَيَّدَةٍ «1» التي تؤكد أنّ الموت لاتحول دونه القلاع و الحصون المنيعةالعالية، و السرّ في هذا الأمر هو أنّالموت الطبيعي لا يداهم الإنسان من خارجوجوده- خلافا لما يتصورون- و لا يحتاج إلىاجتياز القلاع و الحصون، بل يأتي من داخلوجود الإنسان حيث تقف أجهزة الإنسان عنالعمل بعد نفاذ قدرتها المحدودة علىالبقاء.
نعم، الموت غير الطبيعي يأتي الإنسانطبعا من خارج وجوده، و بذلك قد تنفع القلاعو الحصون في تأخير هذا النوع من الموت عنه.
و لكن ما ذا ستكون النهاية و النتيجة؟ هلبمقدور القلاع و الحصون أن تحول دون وصولالموت الطبيعي الذي سيدرك الإنسان- دون شك-في يوم من الأيّام؟!
من أين تأتي الانتصارات و الهزائم؟
يشير القرآن في هاتين الآيتين إلى و همآخر من أوهام المنافقين، حين يوضح أنهؤلاء إذا أحرزوا نصرا أو غنموا خيراقالوا: إنّ اللّه هو الذي أنعم عليهم بذلك،و زعموا أنّهم أهل لهذه النعمة: وَ إِنْتُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِمِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
أمّا إذا مني هؤلاء بهزيمة أو لحقهم أذىفي ميدان القتال، ألقوا اللوم على النّبيصلّى الله عليه وآله وسلّم و افتروا عليهبقولهم إنّ ما نالهم من سوء هو من عنده،متهمين خططه
1- «مشيدة» في الأصل من مادة «شيد» على وزنفيل، بمعنى الجص و المواد الاخرى التيتستخدم لتقوية البنيان، و بما أن أكثرالمواد استعمالا في البناء في تلك الازمنةهو الجص فان هذه الكلمة تطلق عليه عادة،فيكون معنى «بروج مشيدة» هو القلاعالرصينة و المتينة، و قد تستعمل و يراد بهاالمرتفعة و العالية. و ذلك أيضا لنفس السببلأنّه من دون استخدام الجص لم يكنبالإمكان بناء تلك الابنية المرتفعة.