لقد قلنا سابقا- في هامش الآيتين (34 و 35) مننفس سورة النساء- إنّ كلمة «نشوز» مشتقة منالمصدر «نشز» بمعنى «الأرض المرتفعة» وحين تستخدم هذه العابرة في شأن الرجل والمرأة تعني ذلك «التكبر» و «الطغيان».و قد بيّنت الآيات السابقة حكم نشوزالمرأة، و في هذه الآية إشارة لنشوز الرجلفالآية تتحدث عن المرأة إذا أحست من زوجهاالتكبر و الإعراض عنها، و تبيّن أن لا مانعمن أن تتنازل عن بعض حقوقها، و تتصالح معزوجها، من أجل حماية العلاقة الزوجية منالتصدع، فتقول: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْمِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاًفَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحابَيْنَهُما صُلْحاً.و لمّا كانت المرأة تتنازل عن بعض حقوقهاطوعا و عن طيب خاطر و من غير إكراه فلا ذنبفي هذا العمل، حيث عبّرت الآية عن ذلكبعبارة «فلا جناح» أي لا ذنب، للدلالة علىالحقيقة المذكورة.و عند النظر إلى سبب نزول الآية، نستخلصمنها مسألتين فقهيتين:الأولى: إنّ حكما مثل تقسيم أيّام الأسبوعبين الزوجات، له طابع الحق أكثر من طابعالحكم، و لذلك فبإمكان المرأة التخلي عنهذا الحق بشكل تام إذا شاءت أو بصورةجزئية.و المسألة الثّانية: إنّ التراضي والتصالح لا يشترط أن يكون بالمال، بل يصحأن يكون بالتنازل عن حق من الحقوق.بعد ذلك تؤكد الآية على أنّ الصلح خير وأحسن، حيث تقول: وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ و هذهالجملة الصغيرة مع أنّها جاءت في مجالالخلافات العائلية، لكنها تبيّن قانوناكليا عاما شاملا، و تؤكد أنّ الصلح هوالمبدأ الأوّل في كل المجالات، و أنّالخلاف و النزاع و الصراع و الفراق ليس لهوجود في الطبع و الفطرة الإنسانيةالسليمة، و لذلك فلا تسوغ هذه الفطرةالتوسل بالنزاع و ما يجري مجراه إلّا في