إنّ العاقل الفهم المميّز لما نظر فيوجودات هذا العالم و علم بالمشاهدة والقياس افتقار بعضها إلى بعض، تحقّق وتيقّن إنّها في سلسلة الحاجة منتهية إلىموجود قديم قادر يفعل الخيرات كلّها ويرحم على خلقه في الآخرة و الاولى فابتدأبآية التسمية تبرّكا و استفتاحا باسمه واعترافا بإلهيّته و استرواحا إلى ذكر فضلهو رحمته و كرمه و رأفته.و لمّا كان الاعتراف بالحقّ و العلمباللّه الفرد الأحد الذي هو مبدأ الخيراتكلّها و فاتح المهمات جلّها نعمة جليلة،اشتغل بالشكر له و الحمد فقال: الحمد للّهو لما رأى سراية نور التوحيد و نفوذ رحمةالوجود على غيره واضحة بنور الحجّة والبرهان كما شاهد آثارها على نفسه لائحةبقوّة الكشف و العيان، عرف انّه ربّالخلائق أجمعين فقال: ربّ العالمين.ثمّ لما رأى شمول فضله للمربوبين ثابتابعد إفاضة أصل الوجود عليهم، و عموم رزقهللمرزوقين حاصلا بعد إكمال الصورة فيأطوار الخلقة لهم قال: الرحمن.فلما رأى تفريطهم في حقّه و واجب شكره، وتقصيرهم في عبادته و الانزجار عند زجره واجتناب نهيه و امتثال أمره و إنّه تعالىيتجاوز بالغفران، و لا يؤاخذهم عاجلابالعصيان و لا يسلبهم نعمه بالكفران، قال:الرحيم.و لما رأى ما بين العباد من التباغي والتظالم و التكالم و التلاكم و أن ليسبعضهم من شرّ بعضهم بسالم علم إنّ وراءهميوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم فقال:مالك يوم الدّين.و إذا عرف هذه الجملة فقد علم إنّ له خالقارازقا رحيما يحيي و يميت و يبدئ