و هو إن للإنسان أيّاما ثلثة:الأمس و البحث عنه يسمّى بمعرفة المبدإ واليوم الحاضر و البحث عنه يسمى بالوسيط والغد و البحث عنه يسمى بعلم المعاد. والقرآن مشتمل على رعاية هذه المراتب وتعليم هذه المعارف الثلاثة التي كمالالنفس الإنسانية منوط بمعرفتها، و نفسالأعمال البدنيّة إنّما يراد لأجلها لأنّغايتها تصفية مرآة القلب عن الغواشيالبدنيّة و الظلمات الدنيويّة لأن يستعدّلحصول هذه الأنوار العقليّة، و إلّا فنفسهذه الأعمال الحسنة ليس إلا من بابالحركات و المتاعب و نفس التصفية المترتبةعليها ليس إلا أمرا عدميّا لو لم يكن معهااستنارة صفحة القلب بأنوار الهداية وتصوّرها بصور المطالب الحقّة الإلهيّة والقرآن متضمّن لها و هي العمدة الوثقى فيهلما ذكرنا.و لمّا كانت هذه السورة مع و جازتهامتضمّنا لمعظم ما في الكتب الإلهيّة منالمسائل الحقّة و المقاصد اليقينيّةالمتعلّقة بتكميل الإنسان و سياقته إلىجوار الرحمن، فلا بد أن يتحقّق فيها جميعما يحتاج إليه الإنسان منها، فنقول هيهكذا.أمّا اشتمالها على علم المبدإ، فقولهتعالى: الحمد للّه ربّ العالمين إشارة إلىالعلم بوجود الحقّ الأول و أنّه مبدأسلسلة الموجودات و موجد كلّ العوالم والمخلوقات.و قوله: الرّحمن الرّحيم إشارة إلى العلمبصفاته الجلاليّة و أسمائه الحسنى.و قوله: مالك يوم الدّين هو إثبات كونهسببا غائيّا للمخلوقات كلّها كما انّه سببفاعلي لها جميعا ليدلّ على أنّ فاعليّتهعلى غاية الحكمة و التمام و رعاية المصلحةللأنام.