الركن الخامس فيما يستعاذ له
و هي العلّة الغائية للاستعاذة إيالمطالب التي لأجلها يستعيذ الإنسانباللّه و كلماته مما هو شرّ و وبال له. واعلم إن الإنسان ممّا فطره اللّه بحيثيكون فيه استعداد كل صفة و حال و أهليّة كلفضيلة و كمال و ما من شرف و فضيلة و كمالإلا و في الإنسان قوة ذلك و أصله و فيه بذره(2) و استعداده في أول أمره و مبدأ تكوّنه.و ذلك لسرّ إلهى و فطرة ربّانية مودع فيمهيته و مبدع في فطرته الأصلية. و أما إذامرّت عليه أحوال و دهور و مضت عليه سنون وشهور، فإما أن يخرج بعض هذه الكمالات أوكلّها من القوة إلى الفعل أو يخرجمقابلاتها و أضدادها كلّا أو بعضا منالقوّة إلى الفعل «1». إذ له قوّة على كلشيء و قوة «2» أيضا على مقابله و ضدّه.هذا ما دام في هذا الكون الدنياوي. و أماإذا خرج من الدنيا فقد بطلت قوّته و زالاستعداده فهو إمّا سعيد بالفعل أو شقيّبالفعل.فإذا تقرّر هذا علم إنّ مطالب الإنسان (3)غير متناهية و مقابلاتها غير متناهية، يجبعليه أن يستعيذ لأجل كل مطلوب مما يعوقهعنه و يمنعه سواء كان وجوديّا أو عدميّا.فلا خير من الخيرات إلّا و هو يحتاج إلىتحصيله و لا شرّ من الشرور إلا و هو يحتاجإلى دفعه منه و إبطاله و ذلك في أوائل نشؤهو مبادي كونه. و أما عند رسوخ بعض الصفات والأخلاق و تأكّد ضرب من الملكات فليس كذلك.و لهذا لا ينفع التعويذ و التحذير لبعضالناس كما لا ينجع لهم الدعوة و التأديب والإرشاد و التهذيب لبطلان قوتهم و زوالاستعدادهم لجانب الفضيلة و الكمال لتكررأعمال قبيحة صدرت منهم تعدّ لنفوسهم هيئةمضادّة لها من باب الرذيلة و الوبال. كماقال مخاطبا لمن هو مبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم و إرشادهم- عليه و آله الصلوة والسلام: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْأَحْبَبْتَ [28/ 56] و1- 2) ن: إذ القوة على كل شيء قوة.