فصل في أن الاستعاذة كيف تصح على مذهبالجبر و مذهب القدر
و أما على مذهب الجبر، فللقدري أن يقول:أعوذ باللّه يبطل القول بالجبر من وجوه:الأول إنّه اعتراف بكون العبد فاعلا لتلكالاستعاذة و لو كان خالق الأفعال هو اللّهدون العبد فيكون قوله كذبا. و أيضا إذا خلقاللّه فعلا في العبد امتنع لأحد دفعه و إذالم يخلقه امتنع تحصيله فلا فائدة فيالاستعاذة فثبت ان قوله «أعوذ» اعترافبكون العبد موجدا لفعله.الثاني: إن الاستعاذة باللّه إنما يحسنإذا لم يكن خالقا للأمور التي يستعاذ منها.و أما إذا كان هو فاعلها فيمتنع الاستعاذةبه منها و إلا لكانت الاستعاذة باللّه مناللّه.الثالث: إن الاستعاذة باللّه من المعاصي-و هي من قضاء اللّه- تستلزم أن لا يرضىالعبد بالقضاء و الرضاء بالقضاء واجب.الرابع: إن الاستعاذة باللّه من الشيطانإنما يحسن لو كانت الوسوسة فعلا له و أماإذا كانت فعلا للّه و لم يكن فعلا للشيطانو لا له أثر فيها فكيف يستعاذ من شرّه بليجب أن يستعاذ من شر اللّه لا من شرّه إذ لاشرّ إلا من قبله.الخامس: إن للشيطان أن يقول: يا إلهى إذاكنت ما فعلت شيئا أصلا و أنت يا إله الخلققضيت صدور الوسوسة عني و لا قدرة لي علىمخالفة قضاءك و حكمتك ثمّ قلت:لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّاوُسْعَها [2/ 286] و قلت: يُرِيدُ اللَّهُبِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُالْعُسْرَ [2/ 185] و قلت: ما جَعَلَعَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [22/78] فمع هذه الأعذار الظاهرة و الأسبابالقوية كيف يجوز في عنايتك و رحمتك أنتذمّني و تلعنني!؟