قوله جل اسمه: [سورة البقرة (2): آية 3]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّارَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) في الكشّاف «1»: الذين يؤمنون إمّا موصولبالمتّقين على أنّه صفة مجرورة، أو مدحمنصوب أو مرفوع بتقدير: أعني الذينيؤمنون، أو: هم الذين يؤمنون.و إمّا منقطع عن المتّقين مرفوع علىالابتداء مخبر عنه بأولئك على هدى.فإذا كان موصولا كان الوقف على المتقينحسنا غير تامّ، و إذا كان منقطعا كان وقفاتامّا. انتهى.و اعلم إنّه على تقدير كون «الذين» مع مايليه متّصلا بالمتقين و صفة له فإن كانالمراد بالتقوى ترك ما لا ينبغي فهو يكونصفة مقيدة له مترتبة عليه ترتّب الفعل علىالقوّة، و توقّف التحلية على التخلية والتصوير على التطهير.فإنّ النفس الإنسانيّة كاللوح القابللنقوش العلوم الحقة، و هي الايمان باللّهو اليوم الآخر و الأخلاق الفاضلة التي هيمبادئ الأفعال الحسنة، كالصلوة و الزكاة.فيجب تطهيره أولا بالتقوى عن النقوشالفاسدة حتّى يمكن إثبات النقوش الجيّدةفيه، و يستقرّ حصول الأوصاف الحسنة عليه.فلهذا السبب قدّم ذكر التقوى و هو ترك مالا ينبغي، ثمّ ذكر بعده فعل ما ينبغي و هوالايمان و الطاعة.و إنّ فسّر التقوى بما يعمّ فعل الطاعات وترك المعاصي، فيكون صفة موضحة للمتّقين، وذلك لاشتماله على ما هو أصل الأعمالالصالحة، كالايمان باللّه و ملكوته،فإنّه من امّهات الأعمال القلبيّة، و علىما هو أساس الحسنات كالصلوة و الزكاةفإنّهما من1) الكشاف: 1/ 94.