اعلم إنّ سبب خلود أهل النار في النار وحرمانهم عن النجاة هو الملكة الراسخةللنفس بواسطة الأفاعيل الموجبة لحصول ماهو فيها بمنزلة الطبع و الرين في المرآةالمقتضي لعدم قبولها للتصقيل و التصفية،سواء كان منشأها الكفر و الجحود، أوالمعاصي و السيّئات.فإنّ النفس الإنسانيّة في الفطرة الاولىقابلة لقبول آثار الملائكة و آثارالشيطانيّة و آثار البهائم و السباع قبولامتساويا، و إنّما يقع المنع لها عن قبولبعض تلك الآثار بواسطة حصول بعض آخر لها، ومتى اشتدّ حصول البعض فيها بحيث صار ملكةراسخة فيها، منع بالكليّة عن قبول آثارالغير، فمتى رسخت للقلب صفات البهيميّة أوالسبعيّة أو الشيطانيّة بحيث انّها صارتملكة كالطبع و الرين لمرآة القلب، فكدرتهاو ظلمتها صارت مانعة له عن قبول صورةالرحمة الرحموتيّة و الهيئة الملكوتيّةمنعا كليا أبديّا لكون المانع هناك صفةذاتيّة جوهريّة كما حقّق في مجال أوسع منهذا المجال.و قد مرّت الإشارة إلى أن الإنسان في أولأمره، بين أن يكون بهيمة أو سبعا أو شيطاناأو ملكا، و في الآخرة لا يكون إلّا أحد هذهالأمور لأجل غلبة بعض الصفات المختصّة بهعلى قلبه من جهة تكرّر أفاعيل تناسبها، وإلى نحو هذا المعنى أشير في قوله فَطُبِعَعَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لايَفْقَهُونَ و قوله كَلَّا بَلْ رانَعَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوايَكْسِبُونَ.فإذا تقرّر هذا، فربّ كبيرة من المعاصييوجب تكرّر فعلها عن النفس خلودها فيالنار لضعف الايمان و قوّة العائق عنالخلاص، و ربّ كبيرة لا يكون كذلك لقوّةالايمان و ضعف العائق فيحتمل العفو عنها،و اللّه أعلم بأحوال قلوب العباد. فعلى هذالا تناقض بين الآيات الدالّة على ثبوتالوعيد من اللّه على صاحب الكبيرة والآيات الدالّة على ثبوت العفو عمّن يشاء،و سنزيد لهذا وضوحا في موضع آخر إنشاءاللّه تعالى.