فصل فيما يرد على المعتزلة القائلينباستقلال العبد في أفعاله و حركاته
فمّا يرد عليهم أنّهم أشركوا باللّه فيأفعاله، و لم يتّفق لهم التوحيد الأفعاليكما لم يبق للأشاعرة- المثبتين للصفات-التوحيد الوصفي.و يرد عليهم أيضا انّهم منكرون لقضاءاللّه و قدره في كلّ شيء، و لم يذعنوا انّالخيرات و الشرور كلّها بقضائه و قدره.أمّا الخير فهو مقضيّ بالذات و أما الشرّفهو مقضيّ بالعرض. و مذهبهم في صدورالأفاعيل من العباد قريب من مذهب بعضالطبيعيّين و الأطبّاء الذين جعلوا مبدأفعل الآدمي طبيعته و مزاجه، و لم يرتفعنظرهم إلى ما فوق الدهر و الطبيعة منالملكوت الأعلى و الأسباب القصوى، و لميعلموا إنّ كل ما يقع في هذا العالم منالحوادث و الأكوان و الأفعال و الإرادات والحركات و السكنات، مقدّر بهيئته و زمانهفي عالم آخر قبل: كما دلّت عليه البراهينالعقليّة و المشاهدات الذوقيّة والمنامات الصادقة و الإلهامات و الكلماتالإلهيّة و الأحاديث النبويّة منها قولهتعالى كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِيالزُّبُرِ وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍمُسْتَطَرٌ [54/ 52] و منها قوله تعالى: وَ لارَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍمُبِينٍ [6/ 59] و منها قوله تعالى: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍمُبِينٍ [36/ 12] و كذا قوله: هذا كِتابُنايَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّاكُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْتَعْمَلُونَ [45/ 29] و قوله: ما أَصابَ مِنْمُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِيأَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْقَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها [57/ 22] إلى غير ذلكمن الآيات.1) المصدر: راقب قلبه.