عقدة و حل [اختيارنا في أفعالنا]
و لمّا ثبت و تحقّق ممّا ذكر من الكلام أنّكلّ ما يقع في هذا العالم أو سيوقع، مقدّرمكتوب بهيئته و زمانه و وضعه و مكانه فيعالم آخر، فإن اشتبه عليك أيّها القدريحال الأفعال المنسوبة إلى الاختيار، وتخيّل لك إنّها على هذا التقدير واقعةبالاضطرار و الإجبار، فما بالنا نتصرّففيها بالتدبير و التغيير و نصرّفهابالتقديم و التأخير، و نجد الفرق بينالمجبور عليه و المخيّر و المختار، والمضطرّ في جريان الأمر الإلهي في مجاريالقضاء و القدر؟ و تفكّر في ترتيب سلسلة الأسباب و العلل،و اعلم إنّ قدرة العبد و إرادته و علمه وشوقه من الأسباب القريبة لفعله و هيمستندة بأسباب اخرى متوسطة، و اخرى بعيدةحتّى ينتهي إلى قدرة اللّه و علمه و إرادتهو مشيئته و قضائه و قدره.فالقضاء و القدر إنّما يوجبان ما يوجبانبتوسّط أسباب و علل بعضها مقدّمات مدبّراتكالملائكة السماوية، عقليّة كانت أونفسيّة، قلميّة كانت أو لوحيّة و بعضهافاعلات محرّكات و موجبات مقتضياتكالمبادي العالية من الجواهر الفلكيّة والصور المنطبعة، و بعضها قوابل واستعدادات ذاتيّة و عارضيّة.و الصور اللاحقة الماديّة و الأوضاعالفلكية و الأمور الاتّفاقية كالادراكاتو الإرادات الإنسانية و الحركات و السكناتالحيوانيّة، يختصّ بحال دون حال و بصورةدون صورة ترتّبا و انتظاما معلوما فيالقضاء السابق.فاجتماع تلك الأسباب و الشرائط، معارتفاع الموانع، سبب تامّ يجب بها وجودذلك الأمر المدبّر المقضيّ المقدور «1» وعند تخلّف شيء منها أو حصول مانع يبقى1) ظ: المقدّر.