فصل [في قوله تعالى: بما كانوا يكذبون]
قوله: بما كانوا يكذبون، صريح في أنّعذابهم الأليم معلّل بكذبهم، على قرائةعاصم و حمزة و الكسائي، و ذلك يقتضي أنيكون كلّ كذب قبيحا حراما و فيه رمز آخرإلى قبحه حيث علّل به استحقاق العذاب، وترتّب عليه دون الكفر مع وجوده، و نحوهقوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْأُغْرِقُوا [71/ 25] و انّهم كانوا كفرة إلّاانّه خصّت الخطيئات بالسببيّة استعظامالها و تنفيرا عن ارتكابها.و الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ماهو به و هو حرام كلّه، و أمّا ما يروى «1» عنإبراهيم عليه السلام إنّه كذب ثلاث كذباتفالمراد التعريض و لكن لما كانت صورتهصورة الكذب سمّي به.و المراد بكذبهم قولهم: آمنّا باللّه وباليوم الآخر، و الجاحظ لا يسمّيه كذباإلّا إذا علم كون المخبر عنه على خلافه وهذه الآية حجّة عليه.و قرء الباقون يكذّبون من كذّبه، نقيضصدّقه. لأنّهم كانوا يكذّبون الرسول صلىالله عليه وآله بقلوبهم، و إذا خلوا إلىشياطينهم.أو من كذب الذي هو مبالغة كذب كما بولغ فيصدق فقيل صدّق مشدّدا و نظيرهما: بانالشيء و بين و قلص و قلّص، أو بمعنىالكثرة كقولهم موّتت البهائم و برّكتالإبل.1) البخاري: 4/ 171.