إشارة اخرى حكميّة [لزوم الاستعاذة]
قد ثبت في العلوم العقليّة انّه ما منموجود في الممكنات إلّا و له كمال من جهة وفقر من جهة أو جهات و لكل منها عشق لما حصلفيه من الكمال، و شوق إلى ما هو فاقد له.و لهذا حكموا بسريان العشق و الشوق في كلّالموجودات. ثمّ الإنسان مختصّ من بينالموجودات بخاصيّة هي تطوّره في الأطوار وتبدّله في الأحوال، فما من منزلة و مقاميصل إليه- سواء كان بحسب ميل الجبلّة والطّبع، أو بحسب الطّلب و الإرادة- إلّا ويشتاق إلى ما وراه و لا يقنع به سواء كان مناللّذات الدنياويّة، كالجاه و المال، أومن السّعادات الاخرويّة، كالعلم و الحال.وقد ورد في الحديث عن النبيّ- عليه و آلهسلام اللّه «1»: «منهومان لا يشبعان منهومالعلم، و منهوم المال»
و الحاصل إنّ الإنسان كلّما كان أكثر فوزابالمقاصد التي يشتاقه و يطلبه كان أعظمحرصا و أشدّ رغبة في تحصيل الزائد عليه، ولمّا لم يكن لمراتب الكمالات نهاية، فكذلكلا نهاية لدرجات الحرص و الشوق.و هما لا يخلوان من ألم و زجر، و كلّ ما هوفي عالم الإمكان فقد علمت إنّه لا يخلو مننقص و قصور و آفة و فتور و انما يتحقّقالكمال الأتمّ و الغاية القصوى و الجلالالأرفع و النور الأعظم في الحضرة الإلهيّةالتي هي منبع السرور و معدن الخير و النور.فما دام الإنسان بعيدا عن جناب القدس غيرراجع إلى ربّه فهو بعد في الم الحرمان،محترقا بنار الفرقة و الفقدان ممنوّا بمرضالحرص و آفة الهجران فثبت إنّ هذا داء عظيملا قدرة للعبد على علاجه إلّا برجوعه إلىخالق كل شيء و مبدع كلّ حيّ و مفيض كلوجود و كمال كلّ موجود بل هو مطلوب كلّطالب و إليه أوبة كلّ آئب فمن أراد أن يسكنعن
1)
في الجامع الصغير (2/ 184): «طالب علم و طالبدنيا».و
جاء في الخصال للصدوق (ره) عن الصادق (ع):«... منهوم علم و منهوم مال»
(باب الاثنين 1/ 53).