اعلم إن الإنسان مركّب من جسد كالمركب وروح كالراكب و هو منذ خلقه اللّه في سفرالآخرة و غاية سفره لقاء اللّه لهذا خلق وعليه فطر و جبل و هو المقصود من الروح، والمقصود من الجسد اكتساب المنافع و اقتناءالخيرات و التخلّص عن الشرور و الآفات. وهو المعني بالعبادة و الخدمة.فلا جرم كان أفضل أحوال الجسد أن يكونآتيا بالأعمال المقرّ به للروح إلى اللّهتعظيما للمعبود و خدمة له، و هو أول درجاتالسعادة للإنسان و هو المراد بقوله تعالى:إياك نعبد.و أفضل أحوال الروح أن يكون مرتبطا بالحقّمتعلقا به منقطعا عن غيره متجرّدا عنالدنيا و ما فيها، فإذا واظب على تحصيل هذهالمرتبة و داوم على تجريد ذاته و تخليصهاعن العلائق الماديّة و الغواشي الدنيويةفعند ذلك يظهر له شيء من أنوار القدس ولوامع الغيب فإذا تنوّر ذاته بنور المعرفةو العبادة يعلم إنّ مبدأ شوقه إلى عالمالملكوت و محرك ذاته لطلب التقرّب إليهتعالى لم يكن و لا يكون إلا اللّه مقلّبالقلوب و محرّك النفوس و إنّه بنفسه لايستقل بالإتيان بهذه العبادات و التدرّجعلى هذه الدرجات و لا يمكنه الإتيانبتحصيل شيء من الكمالات العلمية والعمليّة إلا بتوفيق اللّه و عنايته وعصمته و هو المراد من قوله تعالى: و إياكنستعين.و فيه ايضا حجّة لأهل التوحيد الأفعالي،قال بعض العرفاء الموحّدين: و لو لا أنّالعبد (72) ادّعى الاستطاعة في الأفعال والاستقلال بها لما أنزل اللّه عليه تكليفاقطّ و لا شريعة و لهذا جعل حظّ المؤمن منهذه الدعوى أن يقول ايّاك نستعين و حظّالعرفاء المكاشفين ممن وقع عنهم التبرّيمن الأفعال الظاهرة وجودها منهم أنيقولوا: لا حول و لا قوّة إلّا باللّهالعليّ العظيم فهذا