رسوخ الهيئات و تأكد الصفات الحاصلة منتكرر أعمال الحسنات و السيئات هو المسمىعند الحكماء بـ «الملكة» و في لسان أهلالنبوة و المشاهدة بـ «الملك» و «الشيطان»و المعنى واحد و ان اختلفت الإشارات، و لولم يكن لتلك الملكات النفسانية من الثباتما يبقى أبد الآباد لم يكن لخلود أهلالطاعة و المعصية في الثواب و العقاب وجهلان منشأ الدوام لو كان نفس العمل أوالحالة الزائلة من النفس يلزم بقاءالمعلول مع زوال العلة.و ايضا الفعل الجسماني الواقع في زمانمتناه و مكان خاص كيف يكون منشأ للجزاءالثابت في الزمان الغير المتناهي؟ و مثلهذه المجازاة لا يليق بالحكيم، و قد قال:وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [50/ 29]و قال: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِماكَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [2/ 225] و لكن انمايخلد أهل الجنة في الجنة و اهل النار فيالنار بالثبات في النيات.و من هاهنا ظهرت نكتة اخرى في قوله: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ و هيبيان السبب الموجب للعقاب من غير ظلم و جورو اعتساف و ميل و حيف في الميزان و الحساب،فكل من فعل مثقال ذرة من الخير أو الشر يرىأثره و ملكوته في صحيفة ذاته أو صحيفة أرفعمن ذاته في كتاب لا يجليها الا لوقتها وإذا حان وقت أن يقع بصره الى وجه ذاته عندكشف الغطاء، و فراغه عن شواغل هذه الأدنى وما يورده الحواس، و يلتفت الى صفحة باطنه وقلبه و هو المعبر عنه بقوله: وَ إِذَاالصُّحُفُ نُشِرَتْ [81/ 10] فمن كان في غفلةعن ذاته و حضور قلبه يقول عند ذلك كما حكىاللّه عنه بقوله: ما لِهذَا الْكِتابِ لايُغادِرُ صَغِيرَةً وَ