كلّ من اكتفي بظاهر العربيّة و بادر إلىتفسير القرآن بمجرّد نقل الكتب و حملالأسفار من دون الارتقاء إلى عالم الأنوارو فقه الأسرار و نقاء السريرة عن أغراض هذهالدار و خلاص القلب عن غشاوة هذه الآثارفهو حري بهذا التمثيل، فإنّ الاطلّاع علىظاهر العربيّة و حفظ النقل عن أئمّةالتفسير في ترجمة الألفاظ لا يكفي في فهمحقائق المعاني، و من أراد أن ينكشف له أنّهذه المرتبة ليست من مرتبة إدراك المعانيالقرآنيّة، و الاطّلاع على حقائقهافليتأملّ في مسألة واحدة منها و عجزالمفسّرين عن دركها، ليقيس عليها غيرها، وهو أنّ اللّه تعالى قال: وَ ما رَمَيْتَإِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى [8/17].و ظاهر تفسيره واضح جلي، و حقيقة معناه فيغاية الغموض، فإنّه إثبات للرمي و نفي له،و هما متضادّان في الظاهر ما لم يفهم أنّهرمى من وجه، و لم يرم من وجه، و من الوجهالذي لم يرم رماه اللّه تعالى. ثمّ يفهم (15)إنّه ما جهة الوحدة و الهوهويّة، و ما جهةالغيريّة و الكثرة.و كذلك قال تعالى: قاتِلُوهُمْيُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [9/14] فإذا كانوا هم القاتلين كيف يكون اللّههو المعذّب، و إن كان اللّه هو المعذّببتحريكهم فما معنى أمرهم (16) بالقتال؟ فالتحقيق في مثل هذا المقام يحتاج إلىالعلوم المتعالية عن علوم المعاملات، و لايغني عنه علوم العربيّة و تفسير الألفاظ،و لعلّ العمر لو اتّفق في