اعلم إنّه قد تقرّر في العلوم الكليّةبيان حكمة الموت و حكمة نفرة النفوس عنه،أمّا حكمة الموت فلأنّ كون النفس في هذهالدنيا حال نقص دون التمام، و كونها فيالآخرة حال تمام، فالبقاء على حال التمامأفضل و أكمل و ألذ و أشرف، كما أنّ حالالأبدان في الأرحام حال نقص عن التمام والكمال، و حالها بعد الولادة حال تمام وكمال، كما لا يخفى على أحد، و لا يجوز فيالعناية الربّانيّة إهمال شيء منالكمالات و الخيرات و عدم الإجادة به علىمستحقّه، فيجب بمقتضى جوده و رحمته إكمالكلّ ناقص بكماله اللائق بحاله.و كما أنّه لا يمكن الوصول إلى تمامالخلقة البدنيّة في الدنيا إلّا بعد تقدّمحال النقص في الرحم و الجواز عليه و الخروجعنه، فهكذا حال الأرواح في تمام تكوّنهاالاخرويّ و نشأتها الثانويّة، فإنّها لايصل إليها إلّا بعد تقدّم حال النقص في رحمالدنيا و الورود فيها و الجواز عليها والخروج عنها، فحال الأرواح بعد الموت علىموازنة حال الأبدان بعد مفارقتها الأرحاملأنّ الموت ليس معناه سوى مفارقة الروحالجسد و الدنيا، كما أنّ الولادة ليست سوىمفارقة الجسد المشيمة و الرحم.فالدنيا كالرحم، و البدن كالمشيمة، والروح كالجنين، و الم النزع كألم الولادة،و ملك الموت كالقابلة، و القبر كالمهد، وفضاء الآخرة و أنوارها الإلهيّة والجبروتيّة و الملكوتيّة بالنسبة إلى ضيقالدنيا و ظلماتها الثلاث التي بعضها فوقبعض- ظلمة الهيولى و ظلمة الطبيعة و ظلمةالنفس- بدواعيها الشهويّة و الغضبيّة