فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) اعلم إنّ هؤلاء الأصفياء و إن كانوا منجهة هويّاتهم العقليّة مقرّبين منه تعالىلأنّهم جالسون تحت قبة الجبروت لكنّهم منجهة نفوسهم الحيوانيّة المطيعة لأمراللّه المسلمة لحكمه منسرحون في مراتعاللّذات متنعّمون بنعيم الجنان فإنّ لكلّحقيقة درجات في الوجود و مراتب بعضها فوقبعض لا ينفكّ بعض مراتبه عن بعض، فما منحقيقة كلّيّة هي مظهر اسم من أسماء اللّهإلّا و لها بعد مرتبة ذلك الاسم الإلهيّعقل و نفس و طبيعة و جسم، حتّى أنّ هذهالخلائق الكونيّة إنّما هي أصنام و أضلاللحقايق اخرى عقليّة روحانيّة و هذه الأرضإنّما هي صنم لأرض عقليّة روحانيّة و هذاالإنسان الحسّي إنّما هو صنم للإنسانالعقلي، و الإنسان العقلي مظهر لإسم اللّهو نور من أنواره حاصل من أمره في عالمالغيب، كما قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْأَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَالْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [17/ 85].ثمّ إذا ثبت أنّ لكلّ حق حقيقة و لكلّمحسوس معقولا فيحتمل أن يراد من الجنّات:الجنّات العقليّة. فإنّ الجنّة جنّتان:جنّة محسوسة بالحواسّ الاخرويّة. و جنّةمعقولة مشاهدة ببصر الباطن العقلّي و لكلّمنهما درجات. كما أنّ العالم عالمان: غيب وشهادة، و لكلّ منهما منازل فالإنسانالسعيد بروحه الذي هو عقل بالفعل جنّةمعنويّة بما يحمله من المعارف و العلوم، ولنفسه الحيوانيّة جنّة صوريّة بما يحملهمن اللذات و الشهوات و يناله من طريق قواهاالعمليّة الحسيّة من أكل و شرب و نكاح وغيرها جزاء بما صبرت