قوله عزّ اسمه: [سورة الواقعة (56): آية 24]
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) كلّ ذلك يؤتى لهم جزاء بأعمالهم، فإنّجزاء علومهم و تعقّلاتهم ليس الجنّة و مافيها، بل مشاهدة ذات الحقّ الأوّل و صفاتهو أسمائه و ذوات العقول المقدّسين والملائكة المقرّبين و صفاتهم و آثارهم.و تحقيق ذلك «38» أنّ اللذات تابعةللإدراكات، و الإنسان جامع لجملة من القوىو الغرائز، و لكلّ قوّة و غريزة لذّة، ولذّتها في نيلها لمقتضى طبعها الذي خلقتله، و ألمها في فقدان ذلك عنها، فلذّةالغضب في التشفّي و الانتقام، و لذّةالشهوة في النكاح و الطعام، و لذّة البصرفي درك الأضواء و الأنوار، و لذّة السمع فيالأصوات المناسبة و الألحان، و لذّة الوهمفي الرجاء. و ألم كلّ منها في فقد مايناسبها. فكذلك في قلب الإنسان قوّة تسمّىبالنور الإلهي لقوله أَ فَمَنْ شَرَحَاللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَعَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [39/ 22].و قد تسمّى بالروح الإلهيّ لقوله: فَإِذاسَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْرُوحِي [15/ 29]. و هو غير الروح الحيوانيّلكونه من عالم الخلق، و هو من عالم الأمرلقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي[17/ 85].و قد تسمّى بالعقل النظري، و بالبصيرةالباطنة. و هو ممتاز عن ساير القوى والمشاعر في أنّ مدركاته هي المعاني التيليست متخيّلة و لا محسوسة و لذّاته و نعمهفي نيلها، و شقاوته و جحيمه في الجهل بها والجحود لها.فهذه القوى قد خلقت و أبدعت لأن تدركحقايق الأمور كلّها(38) اقتباس من احياء علوم الدين للغزالي (4/307- 310) مع إضافات و تغييرات هامة من المؤلف.