التسبيح السادس
في تقرير أمر المعاد و اختلاف حال الناسبحسبه لأجل اختلاف هممهم في طلب اللذّات،إذ النفوس الخسيسة الدنيّة يطلبن «1»العاجلة و الدنيا، و العقول العاليةالزكيّة الشريفة يطلبون الآجلة و القصوى.قوله تعالى [سورة الأعلى (87): آية 17]
وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى (17)فهذه الآية إشارة إلى مطلبين:
الأوّل: أنّ سبب إعراض أكثر الخلق عناكتساب المعارف الإلهيّة و اقتناصالحقائق العقليّة إيثارهم الحيوةالدنياويّة و شهواتها على الآخرة وخيراتها، و ذلك لاستيلاء الدواعيالجسمانيّة من القوى الوهميّة و الشهويّةو الغضبيّة على القوّة العاقلة، فبحسبتسلّط القوّة الجسمانيّة على القوّةالعقليّة تكون قوّة الرغبة إلى الدنيا وشدّة النفرة عن الآخرة.و لا يخفى عليك أنّ دنياك ليس إلّا حالتكقبل الموت من جهة استعمال آلة الحسّ والحركة في جلب المنافع البدنيّة و دفعالمضارّ الجسمانيّة بقوّتي الشهوة والغضب، و آخرتك ليست إلّا حالتك بعد الموتو قطع علاقتك عن هذا البدن المظلم من جهةاستعمال المشاعر الاخرويّة- من السمع والبصر و غيرهما- حسبما يناسب أعمالك وأفعالك- و شرح ذلك ممّا يطول-.(1) في النسخ: يطلبون.