محمد فاكر الميبدي
الوحي في القرآن
الحوزة العلمية بقم التمهيد
لاشك في انّ القرآنعبّر عن نفسه بالوحي، بقوله تعالى: «وأوحِيَ اليَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ»(1). وقوله تعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِبِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ»(2). فانّ المُنْزَل الى الناس بواسطة النبي(ص) هو نفس الوحي الذي نزّله الله سبحانه وتعالى على نبيّه(ص) ، بقوله تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(3). فالوحي، بما هو قرآن وكتابنا السماوي، هو بمنزلة حجرالأساس في معارفنا واخلاقنا واحكامنا. فمن المناسب ان ْنبحث في هذا المجال، من وجهة نظر القرآن الكريم، لتبيين مراد الله تعالى من الوحي، وكيفية وصوله الى النبيّوتلقّيه، وكذا عن مراتب الوحي وصوره، و…
امّا بعد فانّ مقالتنا هذه تتألف من فصلين:
الفصل الاول/ الوحي في القرآن. الفصل الثاني/ الوحي القرآني.
الفصل الأول/ الوحي في القرآن
تعريف الوحي
للوصول الى معنى الوحي وتعريفه، نبحث اولاً عن الوحي لغةً، ثمّ نذكر ما قاله المفسرونوالباحثون في علوم القرآن، وبعد ذلك نشير الى ما جاء في القرآن الكريم والأخبار، وبالتالي نتعرض الى تعريف الوحي على الرأي المختار. الأول/ الوحي لغةً:
تطلق كلمة الوحي في لغة العرب على الإعلام السريع والخفيّ. سواء كان بالإشارة او بالكلام الخفي او بالكتابة الرمزية. قال ابن فارس/ الوحي/ الإشارة. والوحي/ الكتابوالرسالة وكل ما القيتَه الى غيرك حتّي علمَه، فهو وحي كيف كان. ثم اضاف/ الوَحِيّ/ السريع معني. (ابن فارس، ابوالحسين احمد، معجم مقاييس اللغة، وحي). وقال الراغبالإصفهاني/ اصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل امر وحْيٌ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض. وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وباشارة ببعض الجوارحوبالكتابة(4). الثاني/ الوحي اصطلاحاً:
للمفسرين والباحثين في علوم القرآن تعاريف للوحي، نشير الى بعضها كما يلي: الف/ تعاريف من اهل السنة:
عرّف الشيخ محمد عبده الوحي، بانّه/ هو إعلام الله تعالى لنبي من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه. وتبعه محمد رأفت سعيد(5). وعرفه رشيد رضا بالإلهام مكان الوحي، بانّه/ هو عرفانيجده الشخص في نفسه مع اليقين بانّه من قبل الله بواسطة او بغير واسطة. وقال عبدالقادر من المفسرين/ انّ القول الجامع في معنى وحي الله لانبيائه هو/ إعلام خفيّ سريع خاصبمن يوحيه اليه، بحيث يخفى عن غيره ، كما كان يوحى اليه في فراش عائشة فيعلم ما هو المراد وهي لاتدري ما هو. وكذلك كان يوحى اليه بمحضر مناصحابه في ما يتلقاه، وهم لايعلمون شيئاً منه الاّ تغير حال الرسول عمّا كان قبل الوحي(6). هذا التعريف يشمل اقسام الوحي من الرسالي، والإلهام وغيرهما.
ب/ تعريف الوحيعند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية
قال السيد الطباطبائي/ الإيحاء هو التكليم الخفي. ويستعمل في القرآن في تكليمه تعالى الى بعض خلقه بنحو الإلهام والإلقاء في القلب،او بنحو آخر كما في الأنبياء والرسل. (الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، 16/10). وقال الشيخ الاستاذ مكارم الشيرازي/ انّ هذه الكلمة{الوحي} تستخدم للإرتباطالخاص والسريع للأنبياء مع عالم الغيب وذات الخالق المنزهة(7). ما قاله الطباطبائي هو نفس المعنى اللغوي، الاّ انّه يقسّم الى اقسام. وما قاله مكارم الشيرازي، ينحصربالوحي الرسالي. الرأي المختار
بالنظر الى التفاوت في اقسام الوحي المستفاد من القرآن الكريم، فلابدّ من التعاريف العديدة ذات المراحل، فنقول/ للوحي ثلاثةتعاريف، فهي كما يلي: 1- الوحي والايحاء، اعلام في خفاء(8). فيشمل هذا التعريف كلّ وحي، سواء كان من الله الى الملَكَ او النبي او الولي، او الى غيره من الأرضوالنحل، او كان من غيرالله.
2- الوحي، عبارة عن اعلام خاص من الله المُوحِي الى المُوحىَ اليه مع اليقين بانّه من الله. سواء كان الى النبي او الى غيره. فيشملالإلهام الرباني والتسديد الإلهي، والهداية الالهية. ويخرج منه الإعلام
التكويني، والإلهام الغريزي، والإلقاء الشيطاني.
3- الوحيعبارة عن الارتباط الخاص للانبياء مع الله تعالى ، لأخذ الأحكام والقوانين. فهذا التعريف يختص بالوحي الرسالي، ويشمل انحاءه الثلاثة.
اركان الوحي
يبدو في ضوءهذه التعاريف انّ الوحي له ثلاثة اركان- الركن الاول- هو المُوحِي. الركن الثاني: هو المُوحَى اليه. الركن الثالث: هو المُوحَى او متنُ الوحي. نعم هناك ركن رابع وهو الواسطةبين المُوحِى والمُوحَي اليه، سنعرض له في بيان الوحي الرسالي، انشاءالله. الثالث/ الوحي في آيات القرآن:
استعمل القرآن الكريم لفظ الوحي، ومشتقاته منالإيحاء في ما يقرب من ثمانين مرة، في ثلاثين سورة. ثمّ انّ الوحي في القرآن قد يكون بمعنى المصدر، كما في قوله تعالى: «وَ لاتَعْجَلْ بِالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَىإلَيْكَ وَحْيُه»(9). وقد يكون بالمعنى المفعولي أي المُوحَى، كما في قوله تعالى: «إنْ هُوَ الاّ وَحْيٌ يُوحَيَ»(10). معاني الوحي
استخدم القرآن كلمة الوحي لعدّةمعان، فهي كما يلي: الأول/ الإشارة والإيماء
من ذلك قوله تعالى: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةًوعشِيًّا»(11). فانّ الوحي اُطلِق على ما اشار اليه زكريا، بتسبيح الله صباحاً ومساءً، وآنئذ لايكلّم الناس الاّ رمزاً. الثاني/ الإعلامالتكويني
من ذلك قوله تعالى: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها»(12). فانّ تحديث الأرض يوم القيامة، يحكي عن الأرض بانْ تكون شاعرةفي حد ذاتها بما يقع فيها من الأعمال خيرها وشرها متحمّلة لها، فباذن الله تعالى تحدّث اخبارها وتشهد بما تحملت. فعبّر عن هذا الإذن بالوحي، ويؤيده التعبير بأوحى لها،خلافاً لسائر الموارد، المعبر عنه بـ«أوْحىَ الى». الثالث/ الإلهام الغريزي
من ذلك قوله تعالى: «وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَالْجِبالِ بُيُوتاً ومِنَ الشَّجَرِ ومِمَّا يَعْرِشُونَ »(13). فانّ الله تعالى عبّر عمّا كان في وجود النحل غريزياً بالوحي، ونسب ذلك ايضاً الى نفسه تعالى . ولايخفى انّالغريزة غير منحصرة بالنحل، واختصاص هذا التعبير في خصوص النحل يشعر بالدراسة الدقيقة وهي اثبات التمدن والحياة الإجتماعية المدهشة في هذه المخلوقة العجيبة. الرابع: الإلقاء الشيطاني
من ذلك قوله تعالى: «وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ»(14). وقوله تعالى: «وَ كَذلِكَ جَعَلْنالِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ والْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً»(15). فانّ الله تعالى اطلق الوحي على وساوسالشياطين من الجنّ والإنس الى اوليائهم، وامرهم بالسوء، وكذا اطلق الوحي على القاء زخرف القول من بعض الشياطين الى بعض آخر. الخامس:التسديد والتأييد
من ذلك قوله تعالى: «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وإِقامَ الصَّلاةِوإِيتاءَ الزَّكاةِ وكانُوا لَنا عابِدِينَ»(16). عبرعن هذا الوحي في بعض الروايات، بوحي الخبر. وفسّره العلامة الطباطبائي بوحي تسديد، وقال: وهو غير الوحي المشرع الذييشرع الفعل اولاً ويترتب عليه اتيان الفعل على ما شرّع. ويؤيده قوله «وَ كَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»، فانّه يدل بظاهره على انهم كانوا قبل ذلك عابدين لله، ثمّ أيّدوابالوحي، وعبادتهم لله انما كانت باعمال شرّعها لهم الوحي المشرّع قبلاً، فهذا الوحي المتعلق بفعل الخيرات وحي تسديد وليس وحي تشريع. (الطباطبائي، محمد حسين، الميزان فيتفسير القرآن،17/305). السادس/ التقدير والتدبير
من ذلك قوله تعالى: «أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها»(17). تعرّض المجلسي في البحار الى هذا القسم منالوحي، المستفاد من كلام الإمام علي(ع). وسنشير اليه ان شاءالله. ثمّ فسره الطباطبائي بانّ المراد من هذا الوحي، هو امرالله تعالى بتحميل الملائكة للسموات. اي اوحي في كلسماء الى اهلها من الملائكة الامر الالهي المنسوب الى تلك السماء المتعلق بها(18). السابع/ الهداية الإلهية بأمر الهي
من ذلك/«وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَىالْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ»(19). انّ الله تعالى عبّرعن هداية الحواريين بالإيمان بالله ورسوله عيسىبالوحي. وبعبارة اُخرى اجابة الحواريين لعيسى بقولهم: «نَحْنُ اَنصْارُ الله آمنّا بِالله»، عقيب قوله: «مَنْ اَنْصَارِي الى اللهِ»(20). انمّا هي بالوحي. الثامن/ الإلهام الربانيّ
من ذلك قوله تعالى: «وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّولاتَخافِي ولاتَحْزَنِي»(21). فانّ الله تعالى اطلق الوحي على ما القى في قلب امّ موسى من إلقائه في اليمّ وعدم خوفها وحزنها عليه، وما أُلهمَ اليها فطرياً من رضاعتها،ونسب هذا الإيحاء الى نفسه تعالى . التاسع/ المخاطبة الربوبية
من ذلك قوله تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْفَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ»(22). انّ الله تعالى يطلق على خطابه للملائكة، بانّه مع المؤمنين، إسم الوحي. العاشر/ الوحي الرسالي
و المراد بهذا الوحي، هو إعلام الله تعالى ، تعاليمه السماوية للأنبياء. كما قال الله تعالى في بيان وحيه الى حبيبه النبي الأكرم(ص) بقوله:«أوحِيَ اليّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ»(23). وايضاً قوله: «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً»(24). وما قاله تعالى في بيانوحيه الى سائر الإنبياء، بقوله: «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِه وأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَوإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ وعيسى وأَيُّوبَ ويُونُسَ وهارُونَ وسُلَيْمانَ وآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً»(25). الرابع: الوحي في الأخبار:
نقتصر فيهذا المجال، على ما ورد عن علي اميرالمؤمنين(ع) في تفسير الوحي. قال(ع): (مِنْهُ وَحْيُ الّنُبوّةِ، ومِنْهُ وَحْيُ الإلهَامِ، ومِنْهُ وَحْيُ الإشارَةِ، ومِنْهُ وَحْيُأمْرٍ، ومِنْهُ وَحْيُ كِذْبٍ، ومِنْهُ وَحْيُ تَقْدِيرٍ، ومِنْهُ وَحْيُ خَبَرٍ، ومِنْهُ وَحْيُ الرِسَالَةِ) فامّا تفسير وَحْي النبوةوالرسالة فهو قوله تعالى: «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ ويعقوب...»(26). اما وحي الإلهام فهو قوله تعالى: «وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ ومِمَّا يَعْرِشُونَ»(27). ومثله: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمّ»(28). واما وحي الإشارة فقوله تعالى: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَالْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وعَشِيًّا»(29). اي اشار اليهم كقوله تعالى: «أنْ لاتُكَلّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ ايّام الاّ رَمْزاً»(30). وامّاوحي التقدير فقوله تعالى: «أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وقدّر فيها أقْواتَها»(31). واما وحي الأمر فقوله سبحانه: «وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْآمِنُوا بــــِي وبِرَسُولِي»(32). واما وحي الكذب فقوله عزوجلّ: «شَياطِينَ الْإِنْسِ والْجـــــِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ»(33). وامّا وحي الخبر فقوله سبحانه:«وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وإِقامَ الصَّلاةِ وإِيتاءَ الزَّكاةِ وكانُوا لَنا عابِدِينَ (34) ». هذه الرواية35تشير الى ثمانية اقسام من الوحي وتوضح سبعة منه، والسرّ في ذلك، انّه عطف الإمام(ع) وحي النبوة على وحي الرسالة. وهذه الأقسام الثمانية تطابق الاقسامالمذكورة مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.
اقسام الوحي
يبدو ممّا ذكر، أنّ للوحي اقساماً باعتبارات فهو كما يلي: الأول: ينقسم الوحي بإعتبارالمُوحِى، الى الوحي الإلهي والوحي غيرالالهي.
الثاني: ينقسم الوحي باعتبار المُوحى اليه، الى الوحي النبوي والوحي الوَلَوي.
الثالث: ينقسم الوحيبإعتبارالغاية والهدف، الى الوحي الرسالي، والوحي
غيرالرسالي.
الرابع: ينقسم الوحي باعتبار شرعيته، الى الإلهام الرباني والإلقاءالشيطاني.
الخامس: ينقسم الوحي باعتبار متعلقه، الى الوحي التشريعي، والوحي التكويني.
امّا الوحي التكويني، فهو في الحقيقة الهداية التكوينية التي تظهرفي الغرائز والقابليات والظروف والقوانين الخاصة، التي اوجدها الله في اعماق جميع الكائنات في هذا العالم. ثمّ يظهر ويمثّل ذلك في مثل المَلَك، والأولياء، وفي مثل النحلوالأرض وغيرها.
امّا الوحي التشريعي، فهو ما كان ينزل على الأنبياء لهداية الانسان الى السعادة الأبدية. وهو في الحقيقة العلاقة الخاصة بين الأنبياء وبين الخالقويتسلمون الحقائق والأوامر الإلهية عن هذا الطريق، وينتقل الى الإنسان ما يرتبط به. ثمّ يظهر هذا النوع من الوحي في نزول الكتب السماوية وبيانات الأنبياء والرسل.
تقسيم آخر
من جهة اُخرى، ينقسم الوحي في القرآن، الى الأقسام التالية: 1- الوحي، امّا بمعناه اللغوي، وامّا بالمعنى الإصطلاحي. 2- الثاني، امّا وحي من اللهوامّا من غيره. 3- فالأول، امّا الى الملك، وامّا الى غيره.4- فالثاني امّا الى ذي الروح، وامّا الى غيره. 5- فالأول، امّا الى الحيوان، وامّا الى غيره.6- فالثاني، امّا الىالإنسان وامّا الى غيره. 7- فالأول، اما الى النبي والرسول، واما الى غيرهما. 8- فالثاني، امّا بهداية وامّا بـإلهام، فهذه تسعة اقسام. ثمّ الوحي الى المَلَك اما هو الىحملة السموات، وامّا هو لتأييد المؤمنين فصارت عشرة اقسام.
نعم قد يعدّ غير الوحي الرسالي، اي الإلقاء الشيطاني، والإيحاء الى الأرض
والنحل والحواريين وام ّموسى والملائكة من المعاني اللغوية. لكنّ الحقّ انّه هو من معاني الوحي الاصطلاحي بالمعنى الأعم. ويؤيده تبيين الوحي في ثلاثة اقسام من كلامالله، مع انّها كلّها من الوحي الرسالي.
حقيقة الوحي في القرآن
حول حقيقة الوحي، نظريات كثيرة: منها: الإتصال الخارق لنفس الرسول مع العقل الفعال المسيطرعلى عالم الحسّ والخيال. كما قال به المشّاؤون من فلاسفة الاسلام.
منها: الشعور الباطن، اي اعتبروا اصحاب هذا الرأي، الوحي اظهاراً للإحساس او الوجدان المخفي، وانّالأنبياء يتمتعون بوجدان قوي جداً وذلك لتميزهم عن الباقين. وهو رأي كثير من المفكرين الغربيين.
منها: النبوغ الفكري، يعني انّ الأنبياء كانوا افراداً ذوي فطرةطاهرة ولهم نبوغ خارق، بحيث يدركون مصالح المجتمع الإنساني وبواسطته يضعون له المعارف والقوانين. كما ذهب اليه بعض العلماء المحدثين في عصرنا الحاضر.(الأمثل في تفسيركتاب الله المنزل، مكارم الشيرازي، ناصر، 15/527-531. ووحي شناسي، سعيدي روشن، محمد باقر، ص22-32).
و أخيراً قيل بانّ الوحي عبارة عن المكاشفة النفسانية والعرفانية، اوالرؤيا الصادقة التي يراها النبيّ، او هي التجربة الحاصلة للنبي.
لاشك في انّ هذه النظريات باستثناء النظرية الأولى، تنتهي الى انكار الوحي، او تؤول الى إمكان الوحيلكلّ افراد البشر وعدم اختصاصه بالأنبياء. مع انّ الوحي يختلف من النبوغ والوجدان والمكاشفة وغيرها بأمور:
1- انّ الأنبياء مع قطع النظر عن تلقي الوحي، لم يدّعوامنصباً لأنفسهم. مع ان الأفذاذ والعباقرة يدّعون ذلك لأنفسهم.
2- انّ الوحي لا يمكن مقارنته بالعلوم المكتسبة البشرية، سعة وشمولاً بحيثيشمل الوحي عالَم الكون وعالَم الإنسان من جهة، ويشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
3- انّ الوحي متضمن للبراهين القاطعة، وقابل لإنتقال مفاده الى مخاطبيه، ولايوجد فيالوجدان المخفي والمكاشفة، لانّه شهود ووجدان فردي ولايلتفت الى غيره، على انّه قابل للترديد.
نعم انّ الوحي، يمكن ان يحصل للنبي من طريق الرؤيا، ولكنه لم يكن رؤيامحضة، وبعبارة اخرى انّ الرؤيا تكون طريقاً الى الوحي، لانفسه.
حق الكلام والكلام الحقّ
حقّ الكلام في تحليل الوحي، لو خليت النفس من التأثيراتالنفسانية، او العلمية، يعترف بانه لايمكننا الاطلاع على حقيقته، وذلك لانّ الوحي هو نوع ارتباط بين الإنسان المصطفى ومصدر عالم الوجود، فبالنتيجة فإن حقيقته مجهولةلنا. لكن هذه الحقيقة لاتوجب إنكار الوحي، لانّه لاسبيل للعقل والعلم الى ادراكه، وغاية ما يمكن ان يقال/ انّ العلم لم يصل اليه، ومن البديهي انّه ليس من شأن العلم ، بلالعقل ايضاً انْ يحكم بعدمه ما لم يعرفه. وهذا لاينحصر بالوحي، ولايرتبط بهذا الخصوص فحسب، بل هذا التحليل من العلماء المحدثين وجوابه هو حيال جميع القضايا التي تختص بماوراء الطبيعة وخارج هذا العالم المادي. اما حقيقة الوحي من وجهة نظر القرآن، على ما عبر عنه الملاصدرا الشيرازي في (اسفاره)/ هو كلام الحقّ، نور من انوارالله المعنويةالنازلة من عنده على قلب من يشاء من عباده المحبوبين لا المحبينّ فقط(36). وعلى ما جاء في تفسير الميزان/ بانّه نوريهدي به الله من يشاء من عباده ويهدي به
النبي(ص) باذنه. (الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، 18/72). وذلك مقتبس من نفس الوحي بقوله تعالى: «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْأَمْرِنا … ولكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلـى صِراطٍ مُسْتَقِيم»(37). «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْبُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وأَنْزَلْناإِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً»(38). وهذا لاينحصر بالوحي القرآني، بل هو ماهية كل وحي يوحى من الله الى الموحى إليه، مع التفاوت فيمراتبه، ولهذا جاء في شأن التوراة ايضاً بانّه نور، وقال: « قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وهُدىً لِلنَّاسِ»(39). وكذا الإنجيل بقولهتعالى: «وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً ونُورٌ»(40).
انحاء الوحي
يظهر من الآيات، انّ القرآن يستخدم لفظين مرتبطين بمقولة الوحي، ينسبان الى اللهتعالى وهما الكلام والتكليم: امّا الكلام من الله تعالى فهو فعل من افعاله كالهداية والرزق والإماتة والإحياء وغيرها، وبعبارة اُخرى كان كلامه تعالى من صفاتهالفعلية او الجمالية. بخلاف القدرة والعلم والحياة وما شابهها، فانّها من الصفات الذاتية او الكمالية. وهو بالمعنى المعهود اي تفهيم ما في الضمير، الاّ انّ صدور الكلاممن الإنسان يكون بايجاد الأصوات الخارجة عن الحناجر، المؤلفة الدالة عليه بالوضع والإعتبار. اما صدور الكلام عن الله لايكون على حدّ ما يصدر الكلام من الإنسان لتنزهه عنالأجهزة الجسمانية كالحنجرة ومقاطع النَفَس، فبالطبع يكون بنحو آخر، يعني ايجاد خواصه وأثره.
و الكلام بهذا المعنى يستعمل في معنى: احدهما الكلام المَقْسمي، وهو فيقوله تعالى: «فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ»(41). وثانيهما الكلام القِسْمي، وهو
في قوله تعالى: «يامُوسى إِنِّياصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وبِكَلامِي»(42). فانّ الكلام بالمعنى الأول يشمل الكلام بالمعنى الثاني.
وكذا التكليم منه تعالى فهو ايضاً يستعمل فيالمعنيين المذكورين: اعني التكليم القِسمي والتكليم المَقْسَمي. فالأول في قوله تعالى: «وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً»(43). والثاني في قوله تعالى: «وَ ما كانَلِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاّوَحْياً…». فانّ التكليم في هذه الآية يشمل التكليم في الآية الأولى. ثمّ جعل القرآن التكليم بالمعنى الأخير مقسماً لوحيهوقال: «وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عليحَكِيمٌ»(44).
هذه الآية تقسّم تكليم الله للبشر الى ثلاث صور:
الصورة الاولى، ايْ كون الوحي: « وَحْياً » يكون بالإلهام والقذف في الرُّوع، بحيث يحسّ المُوحىَ اليهكانّما كتب في ضميره صفحة لامعة . الصورة الثانية، ايْ كون الوحي « مِنْ وَراءِ حِجابٍ»، كما كلّم الله نبيه موسى، بقوله: «فَلَمَّاأَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِالْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ»(45) (ففي هذه الصورة نادى الله موسى ( وسمعموسى نداءه من دون ان يراه. اذ الرؤية غير ممكنة للبشر، لافي الدنيا ولا في الآخرة. و عليه نفى الله رؤيته لموسى حين طلب منه بقوله: « رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ
إِلَيْكَ». فاجابه الله بقوله: « لَنْ تَرانِي». لكنه أراه آية عجز الإنسان عن رؤيته تعالى وقال: «وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُفَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرّ َمُوسىصَعِقاً»(46).
ثمّ المراد بالحجاب في هذا النوع من الوحي، هو الحجاب المعنوي،لبعد الفاصلة بين كمال الواجب ونقص الممكن. او يكون كناية او تشبيه بمن يتكلم محتجباً.
الصورة الثالثة، ايْ كون الوحي بارسال الرسول، ففي قوله تعالى:
«أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ»، فيكون الرسول مَلَكاً من الملائكة، وفي شأن القرآن هو جبرئيل، كما قال تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍكَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ »(47). فانّ صفات الرسالة والكرامة والقوة والمكانة والإطاعة والأمانة فهي لجبريل، اذ هو رسول(48)الوحي وواسطته الى رسول الله_ كما بيّن في موضع آخر من القرآن وقال: «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّه»(49) . «ثمّمثّل بعض المفسرين لأنحاء الوحي فقال في قوله تعالى: «وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ»، ايْ ليس لاحد من البشر أن يكلّمه الله الاّ: «وحياً»، وهو داود(ع)فانّ الله اوحي في صدره فزبر الزبور. هناك نظريات اُخرى، منها: ان المراد بقوله وحياً هي الرؤيا يراها في منامه(50). أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب، اي يكون من وراء الحجاب وهوموسى(ع)، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً، وهو جبرائيل ارسل الى محمد (ص). (51)) سيأتي انشاء الله تفصيله في الفصل الثاني.
لكن الحقّ هو انّ الوحي على هذا الترتيب انْ كان منمراتبه العالية الى مراتبه الدانية، ايْ كونه مباشراً، ومن دون ايّ واسطة بين الله ورسوله، ثمّ الوحي بواسطة الحجاب، وأخيرا بواسطة مَلك الوحي. فالمرتبة العاليةوالمباشرة في وحي الله تعالى، انّما تكون لرسول الإسلام لفضله على سائر الأنبياء، اذ هو سيّد الرسل وإمامهم، وهذا يقتضيه مقام الحبيب عند الحبيب، ويمتاز مقامه عن مقامالكليم.
و امّا ان كان المراد بقوله: «وحياً» هو ادنى مراتبه ايْ الإلهام او الإلقاء الى النبيّ، فتكون هذه المرتبة، من المراتب الدانية فهي للأنبياء، والمرتبةالثانية وهي تحت الحجاب الأرضي سواء كان الحجاب شجراً او غيرها، تكون لأصحاب الشريعة، ايْ اولي العزم من الرسل، والمرتبة العالية وهي تكيلم الله للبشر بواسطة المَلَكالمقرّب الأمين المكين، أي روح القدس، فهي حظّ نبي الإسلام.
نعم، هذا لاينافي، أنْ تجتمع هذه الأنحاء الثلاثة كلّها، في افضل الأنبياء، لما عقبهذه الأنحاء بقوله تعالى: «وَ كَذَلِكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحَاً مِنْ أمْرِنَا مَاكُنْتَ تَدْري مَا الْكِتَابَ ولا الإيمَانَ ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورَاً نَهْديبِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبادِنَا… ».
و لايخفى انّه فرق اساسي بين الوحي بواسطة الحجاب، والوحي بواسطة المَلك، اذ الأول لايوحى بوجه من الوجوه وانّما يبتديالوحي ممّا وراءه، ووراء الشيء خارج عنه قطعاً، كما اشار اليه قوله تعالى: «وَاللهُ مِنْ وَرَاءِهمِ مُحِيطٌ»(52). بخلاف الثاني فانّه يوحى بوجه.
موقف الرؤيا الصادقة
ممّا صرّح به القرآن ونطق به هو الإيحاء الى الأنبياء في منامهم، كما قال في قصّة ابراهيم(ع) « قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين»(53). فانّه يحكي عمّا يؤمر به من ذبح ابنه اسماعيل، فعليه شرع في العمل بهوتحققه، ورضي به اسماعيل(ع) وسلّم نفسه، كما جاء في قوله تعالى: « فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ونادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ…». جاء في الرواياتايضاً، ما يدلّ على أنّ الرؤيا تكون سبيلاً للوحي، كما قال على امير المؤمنين(ع): «رؤيا الأنبياء وحي»(54). و ذلك، انّ الإنسان اذا نامت عينه وأذنه وقلبه جميعاً وتماماًفلايقدر على ادراك شيء اصلاً، امّا اذا نامت العين والأذن فحسب، او نام القلب بجزئه فقط فقادر على ان يدرك الحقائق بقلبه اليقظان، ولاشك في انّ الانبياء بما التزمواالمسؤولية وأخذوا على عاتقهم هذه التبِعة المهمّة، سلب عنهم النوم التامّ، فصار نومهم ويقظتهم بمنزلة سواء، فلايفقد عنهم الادراك ولاينقص، كما روى زرارة عن ابي جعفر(ع)قال: رسول الله : «انّا مَعاشرّ الأنبياء تَنامُ عُيُونُنا ولاتَنامُ قُلوبُنا، ونَرى مِنْ خَلْفِنا، كمّا نَرىَ مِنْ بَيْن اَيْدِينَا»(55).
الجدير بالذكر انّ العلامة الطباطبائي: عدّ الوحي من طريق المنام، نوعاً من الوحي من وراء الحجاب، حيث قال بعد تبيين الوحي من وراء الحجاب في قصّة تكليم موسي(ع) ومن هذاالباب ما أوحي الى الأنبياء في منامهم(56).
كيف يمكن الوحي؟
لقد انكر بعضٌ النبوّة رأساً بتباعد ما بين العالم العلوي والعالم السفلي. وقالوا في النبوة والرسالةلابد من الإرتباط بين جانبين متباعدين غاية التباعد، اذ المبدأ روحي لطيف نهاية اللطافة، والمنزل متكدّر مادي غاية الكثافة. ولا واسطة بين الجانبين، فلا علقة تربط احدالعالمين بالآخر. وبتعبيرآخر يرى عالم الدنيا مادياً محضاً والعالم العلوي روحياً بحتاً، ولاتناسب بين الناسوت والملكوت. فحقّ ما قيل: أين التراب من ربّ الأرباب؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر ذهب بعض الى انّ النبوة لم تنحصر بشخص دون شخص، اذ يمكن لكلّ انسان انْ يرتبط بمبدأ الوحي ويتلقاه. هذا، لكن اذا عرفنا الإنسان حقّ معرفته، نذعنبانّه لاموقع للشبهة الأولى اصلاً. لانّ وجود الإنسان ذو جانبين/ احدهما جانب جسماني كثيف وفيه خصائص المادة السفلي، وثانيهما جانب روحاني لطيف وهو ملكوتي رفيع، كما صرّحبه خالق البشر في كتابه المجيد وقال: «إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُساجِدِينَ»(57). فللإنسان بعدان: بعد ترابي ارضي، وبعد روحي سمائي. وما يرتبط بالوحي وتلقيه انّما هو بالبعد الثاني وهو الذي يكون موجباً لأعباء الخلافة الالهية. وامّا ماقيل: بانّ النبوة ممكنة لكلّ انسان، ونفي انحصار النبوة بالأنبياء، فنقول: امكان النبوة امر ممكن، لكن تحقق كل ممكن لايمكن، ومن الواضح بانّ افراد الإنسان كلّهم يمكن انيكون متخصصاً في الطبّ او الهندسة او غيرهما من الإختصاصات العلمية، فهل تتحقق هذه الممكنات، او يصير عددٌ قليلٌ طبيباً او متخصّصاً فيالهندسة، وعلى هذا اصطفى الله تعالى عدداً يسيراً من عالم الإنسان لإرسال نبوته ورسالته، وقال: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَعَلَى الْعالَمِينَ»(58). وقال: « يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وبِكَلامِي فَخُذْ ماآتَيْتُكَ »(59). وبه يشعر قوله تعالى: «قُلْ إِنَّماأَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى الى أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ »(60). فانّ الرسول بشر مثل سائر البشر الاّ انّه يمتاز عنهم بنزول الوحي اليه، وهي ثمرة الإصطفاء. والجدير بالذكر، انّ اصطفاء الله بعض الناس للرسالة والنبوة، لم يكن الاّ عن صلاحية ذاتية ولياقة موجودة فيه.
الفصل الثاني، الوحي القرآني
قلنا في الفصل السابقانّ القرآن وحيٌ ويراد به اعلام الله تعالى ، تعاليمه السماوية الى رسوله الأكرم ونبيه الأعظم(ص)، ويشهد عليه نفس القرآن بقوله تعالى: «أوحِيَ اليّ هذَا الْقُرْآنُلِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ»(61). وايضاً قوله: «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآنـاً عَرَبِيًّا»(62). هذا لاشك فيه، انّما المهّم في هذا المجال، بيان ماهيةهذا النوع من الوحي. تعريف الوحي الرسالي
ذكر سابقاً، انّ الوحي الرسالي، عبارة عن/ الإرتباط الخاص للأنبياء مع الله تعالى ، لأخذ الأحكام والقوانين. نضيفهاهنا الى ذلك، ما قاله بعض الباحثين في تعريفهم للوحي الرسالي.قال الاُستاذ معرفة/ انّ الوحي الرسالي{عبارة عن}: اتصال روحي بماوراء المادة يحصل للأنبياء بداعي الرسالة،فيحملون رسالة الله الى الناس في وعي وامانة واخلاص(63)قال الدكتور سعيد/ الوحي هو اعلام الله تعالى لنبي من انبيائه بحكم شرعي ونحوه(64). فيظهر انّ هذا الوحي، يحصل للنبيّ بداعي الرسالة، فيحمله الى الناس ويبلّغه، فصار النبي مبلغاً من الله شارحاً لمعارفه ومبيّناً لأحكامه.عناصر الوحي الرسالي يبدو فيضوء هذه التعاريف، انّ الوحي الرسالي يتألف من اربعة عناصر وهي كما يلي:
العنصر الاول: المُوحِي، وهو الله تعالى .
العنصر الثاني: المُوحَى اليه، وهو النبيّوالرسول.
العنصر الثالث: المُوحَى به، او متنُ الوحي، وهي التوراة لموسى(ع)، والإنجيل لعيسى(ع)، والقرآن لمحمّد(ص).
العنصر الرابع: الوسيط بين المُوحِيوالمُوحَىَ إليه، وهو مَلَكُ الوحي، اعني جبرئيل. نعم قد يحذف الركن الرابع، كما في الوحي الرسالي المباشر.
انحاء الوحي الرسالي
انّ الوحي الرسالي،يتحقق في ثلاثة انحاء فهي الأقسام المذكورة في تكليم الله للبشر، اعني/ إلقاء المعنى في نفس البشر. وتكليم الله له من وراء الحجاب. وتكليمه للبشر بارسال المَلَك اليه.فالتقسيم هذا،كمامرّسابقاً هومستلْهم من القرآن نفسه، حيث قال تعالى:«وَ ما كانَ لِبَشَرٍأَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرسلرسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم(65). الجدير بالذكر انّ هذه الأنحاء غير مختصّة بعضها ببعض الأنبياء دون البعض، فمن الجائز أن تجتمع هذه الأنحاء كلّها، فيافضل الأنبياء، وهو السرّ في تعقيب هذه الأنحاء بقوله تعالى: «وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ماكنت تدري ما الكتَابَ ولا الإيمانَ ولكن جعلناهُ نوراً نهدي به من نشاءُمن عبادنَا..». فتحقق لنبي الإسلام اقسام الوحي كلّها.
انواع الوحي الرسولي
انّ الوحي الرسولي، يمكن ان يتحقق في انحاء مختلفة فهيكمايلي: 1ـ الوحي بالرؤيا
لاريب في ان النبي رأى رُؤيّاً صادقة قبل البعثة وبعدها، وقد نطلق بها القرآن في قوله تعالى: «لقد صدقَ الله رسولَهُ الرُّؤيابالحقِّ لتدخلنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنينَ محلقينَ رؤسكم ومقصِّرين»(66). وفي قوله تعالى: «.. ما جعلنا الرُّؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للنَّاس والشَّجرةالملعونة في القرآن»(67). وفي قوله تعالى: «إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر»(68). هذه الرؤى انما هي إعلام من الله الى نبيّهبما سيقع بعد رؤيته ايّاها واخبار عن الحوادث الواقعة في مستقبل الزمان، وهذا لاخلاف فيه. انما المهّم هو تحقّق الوحي النبوي بالرؤيا.
عرض السيوطي لهذا البحث فيتقسيم الآيات الى الفراشي والنومي، ونقل عن الإمام الرافعي: فهم (الباحثون في علوم القرآن) فاهمون من الحديث ان السورة (الكوثر) نزلت في تلك الإغفاءة، وقالوا من الوحي ماكان يأتيه في النوم، لانّ رؤيا الأنبياء وحي، وهذا صحيح لكن الأشبه ان يقال: انّ القرآن كله نزل في اليقظة. ثمّ قال: وكانّه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة،او عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة. ثم وجّه السيوطي وقال: الذي قاله الرافعي في غاية الإتجاه(69).
قال الأستاذ معرفة: .. اما بالنسبة الى نبيّنا محمد(ص) فكان يأتيهالوحي تارة في المنام وهذا - اكثرياً - كان في بدء نبوته. ثمّ اضاف: كان اول ما بدأ به من الوحي الرؤيا الصادقة، كان(ص) لا يرى رؤيا الإجاءت مثل فلق الصبح، وهو كناية عن تشعشعنوراني كان ينكشف لروحه المقدسة، تمهيداً
لافاضة روح القدس. ثمّ نقل ما قاله علي بن ابراهيم القمي: بانّ النبي(ص) لمّا أتي له سبع وثلاثونسنة، كان يرى في منامه كأنّ آتياً يأتيه، فيقول: يا رسول الله. ومضت عليه برهة من الزمن وهو على ذلك يكتمه، واذا هو في بعض الايام يرعى غنماً لابي طالب في شعب الجبال، اذرأى شخصاً يقول له: يا رسول الله. فقال له: من أنت؟ قال: أنا جبرئيل ارسلني الله اليك ليتخذك رسولاً(70).
التحقيق
من الجدير بالذكر اولاً: انّ ما قاله الاستاذ معرفة،هو عين ما رواه عروة بن الزبير عن عايشة، فانّها قالت: كان اوّل ما بُدئ به رسول الله(ص) من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لايرى رؤيا الاّ جاءت مثل فلق الصبح(71). ثانياً: انّ الاستاذ يعتقد بسبق نبوة النبيّ(ص) على رسالته، ويستدل عليه بما روي عن الإمام الباقر(ع) في الفرق بين النبي والرسول بقوله: «… ونَحْوُ مَا كانَ رأيرَسُولُ الله (ص) مِن أسْبابِ النُبوّة قَبْلَ الوَحْيِ حتّى أتَاهُ جَبْرَئيِلُ مِنْ عِنْدِاللهِ بِالّرِسَالَةِ…»(72). والفرق واضح بين ان نقول بانّ النبوة انّماكانت قبل الرسالة، وانْ نقول بانّ بداية النبوة انّما كانت بالرؤيا الصادقة. ثالثا: انّ المروي عن الباقر(ع) انّما كان في مقدمات النبوة لمكان قوله: «مِن أسْبابِالنُبوّة قَبْلَ الوَحْيِ»، فكيف يمكن انْ تكون النبوة قبل النبوة.
رابعاً: انّ الرؤيا الصادقة، وإنْ تحققت لرسول الله، الاّ انّه لايثبت وحياً رسالياً للنبيّبالمنام، وما ذكر فانّما هو من اسباب النبوة قبل الرسالة.
و به قال الدكتور رأفت سعيد.
2- نزول المَلَك
من انحاء الوحي الذي شمل رسول الله(ص) يتمثّل فينزول المَلَك، فكان الملك يأتيه ويلقي الوحي على مسامع الرسول بما كان مأموراً بـإرساله، فهذا الإيحاء يمكن انْ يتحقق في ثلاث صور، كمايلي:
الأولى: نزول الملك بصورته الأصلية
روى السيوطي عن ابن مسعود انّه قال/ انّ رسول الله(ص) لم ير جبرئيل في صورته الأصلية الاّ مرتين اما الأولى فانّه سألهانْ يراه في صورته فأراه صورتَه فسدّ الأفق، وامّا الثانية فانّه كان معه حيث صعد، فذلك قوله: «وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى»(73). قال الأستاذ محمد هادي معرفة (منالباحثين في علوم القرآن): والصحيح انّ المرتين كانت احداهما في بدء الوحي بحراء، ظهر له جبرئيل في صورته التي خلقه الله عليها، مالئاً افق السماء من المشرق والمغرب،فتهيبه النبي(ص) تهيباً بالغاً، فنزل عليه جبرئيل في صورة الآدميين فضمّه الى صدره، فكان لاينزل عليه بعد ذلك الاّ في صورة بشر جميل. والثانية كانت باستدعائه(ص).
ثمّاضاف بانّ هذا هو: الذي جاءت به الروايات: إذ كان لايزال يأتيه جبرئيل في صورة الآدميين فسأله رسول الله(ص) انْ يريه نفسه مرة أخرى على صورته التي خلقه الله فأراه صورتهفسدّ الأفق. فقوله تعالى: «وَ لَقــــَدْ رَآهُ بِالْأُفُق الْمُبِينِ»(74). كانت المرة الأولى. وقولــــه: «وَ لَقــــــــَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى»(75)، هي الثانية(76).ذهب اليه الدكتور محمد رأفت سعيد حيث قال: … وهُوَ بِالأفقِ الأعْلىَ…». فهذه هي المرة الأولي، واما الثانية فذكرت في السياق نفسه، فقال تعالى: «أفَتُمارُونَهُعَلى ما يَرى ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى». فالمرة الأولى في بداية الوحي. الى ان قال/ هذه هي المرة الأولى التي رأى الرسول(ص) فيها جبرئيلهي هيئته الملكية يملأ الأفق… وامّا الرؤية الثانية
التي رأى فيه الرسول(ص) جبرئيل(ع) على هيئته، ففي ليلة المعراج عند سدرةالمنتهي(77)…
التحقيق
ما قيل في نزول المَلَك في صورته الأصلية، لاتساعد عليه الروايات كما ادّعى الأستاذ معرفة، بل ليس في البين رواية قابلة للإعتماد عليها،والشاهد عليه ما عبّر عنه الطبرسي عن قائليه بـ: «قالوا». نعم هناك روايات رواها مسلم في صحيحه، منها/ ما رواه مسروق عن عائشة، فقالت/… انّما هو جبريل لمْ أره علىصورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطاً من السماء ساداً عِظمُ خلقه ما بين السماء الى الأرض...(78) وفيه رواية اخري عن مسروق عن عايشة.(79)
مضافاً الى انّالملك على القول بتنزّهه عن المادة والقذارات الجسمانية، لايمكن مجيئه ورؤيته على الهيئة الخلقية، الاّ بتمثّل آخر غير تمثله بشراً، وممّا يؤيّده، انّ له ستمئةجَناح.(80)
الثاني/ تمثل المَلَك بصورة الإنسان
هناك روايات تدلّ على تمثّل ملك الوحي بصورة الإنسان، فمن روايات اهل السنة، ما رواه مسروق قال: قلت لعائشة فأينقوله:«ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ماأَوْحى»(81). قالت: انّماذاك جبرئيل كان يأتيه في صورة الرجـال(82). وفي رواياتالشيعة الإمامية، ما رواه المجلسي، بانّه قد سأله(النبي) الحارث بن هشام، كيف يأتيك الوحي؟ فقال(ص): « … وأحْياناً يَتَمَثّلُ لِيَ المَلَكُ فَيُكَلّمُنِي فَأعي مَايَقُولُ».(83). وما قاله الإمام الصادق(ع):… انّ جَبرئيل(ع) إذَا أتَيَ النَبيّ(ص) لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْه حَتّى يَسْتَأذِنَه فَإذَا دَخَلَ عَلَيْه{جبرائيل} قَعَدَبَيْنَ يَدَيْهِ قَعْدَةَ الْعَبْدِ»(84). من هو المتمثَّل؟
يظهر من الروايات، انّ الذي يتمثل به جبرئيل في نزوله الى النبي، هودِحْيَةُ الكلبي، قال ابن هشام في سيرته/ مرّ رسول الله(ص) بنفر من اصحابه بالصورتين، قبل ان يَصِل الى بني قريظة، فقال/ هل مرّ بكم احدٌ، قالوا/ يا رسول الله قد مرّبنادحية بن خليفة الكلبي، على بغلة بيضاء عليها رحالة، عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله(ص)/ ذلك جبريل بُعِثَ الى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم.(85). نقلالمجلسي في البحار مثل هذه الرواية، مع اختلاف يسير.(86)
جاء في التمهيد/ والسبب في ذلك/ انّ جبرئيل كان حينما يتمثل بشراً، يتمثل صورة انسان خلقه الله على الفطرةالأولى، والإنسان في اصل خلقته جميل، فكان يتمثل جبرئيل في اجمل صورة انسانية، وبما انّ دحية كان اجمل انسان في المدينة، كان الناس يزعمون من جبرئيل، انّه دحية الكلبي.(87)وكان يتمثل جبرئيل للصحابة ايضاً بصورة دحية، كما في غزوة بني قريظة.
الثالث/ القاء المَلَك في قلب النبي
قد يكون الإيحاء الى الرسول، بالنَفْث في الرُوع،لما روي عن رسول الله(ص): أنّ رُوْحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوْعِي. على ما نقله القرطبي والسيوطي.(88) والروع على ما قاله الفيومي هو القلب والخاطر.(89) وقال الدكتور محمد رأفتسعيد/ معنى النفث في الروع هنا، انّ ملك الوحي وهو الروح الأمين او روح القدس، يلقي المعنى من غير أن يراه.(90) ويدل عليه ما جاء في كيفية نزول الوحي على رسول الله(ص) الذيستأتي الإشارة اليه، في كيفية اتيان الوحي. قال الاستاذ معرفة/ امّا نزول الملك عليه بالوحي من غير ان يراه فكثير
ايضاً، إمّا القاء علىمسامعه وهو يصغي اليه، أو إلهاماً في قلبه فيعيه بقوة، قال تعالى: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّمُبِين».(91)
و يمكن ان يحمل قوله تعالى: «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ»(92)، ايضاً على هذا النوع من الوحي.
مَلَك الوحي القرآني واوصافه
صرح القرآن الكريم بانّ الواسطة التي تصل الوحي الى النبيّ هو جبرئيل(ع) بقوله تعالى: «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَفَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ»(93). ووصفه بعدة من الصفات العالية تحكي عنمكانته ومنزلته عند الله، فهي كالتالي: و منها: الرسول، والكريم، والمكين عند ذي العرش، والمطاع والأمين، في قوله تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِيقُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»(94).
ايْ رسول من الله الى النبي، وكريم ذوالبركة لخلق الله، وقوي فيما كلّفه الله وامربه من العلموالعمل وتبليغ الرسالة، وكان رفيع الدرجة والمنزلة عندالله، وله المكانة والقرب لدى الله، ومطاع، ايْ تطيعه ملائكة السماء، وامين على وحي الله ورسالاته الى الأنبياء.
و منها/ الروح الأمين، في قوله تعالى: «وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين»(95).انّ جبرئيل هو امين الله في وحيه، لايغيره ولايبدّله، وهو الروح لانه يحيي به الدين، او يحيي به الأرواح بما ينزّل من البركات.
و منها: روح القدس، في قوله تعالى: «قُلْنَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ
لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وهُدىً وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ»(96). انّ جبرئيل هوروح القدس، ايْ روح طاهرة عن قذارات المادة، منزّهة عن الخطأ والغلط والضلال. لانّ الإضافة للإختصاص وإضافة الموصوف الى صفته، ايْ الروح المقدّس.
و منها: شديد القوى،وذو مرّة، في قوله تعالى: «إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِــــرَّةٍ فَاسْتَوى»(97). فانّ لجبريل، قويً شديدة لايضعف في تبليغ رسالة اللهالى الأنبياء، وذو مرّة، ايْ شديد في الخلقة، او ذو حَصافة في العقل، او ذو مرور، ذاهباً وجائياً، نازلاً وصاعداً.
و منهـا: المقري، انّ هذه الصفة منتزعة من قولهتعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي …اقْـرَأْ ورَبُّكَ الْأَكْرَمُ»(98). وقولـــه تعالى: «سنقرئك فلا تنسى»(99). فان جبرئيل كان يقرأ القرآن على رسول الله، فكانمقرئاً.
اعوان جبرئيل
قال العلامة الطباطبائي: في قوله تعالى: «يُنزّلُ الملائكة بالروح من أمرهِ..»(100) الباء للمصاحبة والمراد بالملائكة، ملائكة الوحي، وهماعوان جبرئيل، وقال في موضع آخر في تفسير الآية/ انّ تنزيل الملائكه بمصاحبة الروح، انّما هو لالقائه في روع النبي(ص) ليفيض عليه المعارف الإلهية، وكذا تنزيلهم بسببالروح، لانّ كلمته تعالى ، اعني كلمة الحياة تحكم في الملائكة وتحييهم كما تحكم في الإنسان وتحييه(101).
واسطة او وسائط
قلنا فيما مرّ انّ الوسيط في ارسال الوحي منالله الى الرسول، هو جبريل الأمين، وهذا ممّا لاريب فيه لصريح القرآن بقوله: «… لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ»، وبيّن ايضاًمبدأه وقال: «قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ». فانّ المستفاد منه هذه الآيات، انّ جبريل كان واسطةً الى النبي بلاواسطة اُخرى،وأمّا بين الله وجبريل فالآية ساكتة عنه، وما عبّر عنه القرآن بقوله: «بِإِذْنِ اللَّهِ» و«مِنْ رَبِّكَ » فانّه بيان لمبدأ الوحي ولالشيء آخر، ويؤيّده قوله تعالى:«وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ»(102).
إنّما الكلام هنا في الواسطة بين اللهِ وجبريل، احتمل بعضالمفسرين، فقال/ انّ ملكاً من الملائكة سمع الوحي من الله تعالى ابتداءً، فذلك الملك هو جبريل، ويقال: لعّل جبريل سمعه من ملك آخر، فالكل محتمل ولو بألف واسطة.(103)
يمكنتأييد هذه النظرية بما رواه المجلسي في البحار، بانّ رسول الله(ص) قال لابن سلام بعد الإجابة عن أسئلته: اما سمعت قوله تعالى: «وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّالَمُوسِعُون»(104). قال صدقت يا محمد، اخبرني من أخبرك بهذا؟ قال: اخبرني جبرائيل. قال: عن من؟ قال عن ميكائيل. قال عن من؟ قال: عن اسرافيل. قال: عن من؟ قال: عن اللوح المحفوظ.قال: عن من؟ قال: عن القلم. قال: عن من؟ قال: عن ربّ العالمين.(105)
3- الوحي المباشر
انّ المراد بالوحي المباشر، انْ يتلقى النبيُ الوحي من الله من دون ايّ واسطة،واشار اليه ما روي عن الإمام الصادق(ع) انّه قال: «كان رسول الله(ص) اذا اتاه الوحي من الله وبينهما جبرئيل، يقول هو ذا جبرئيل وقال لي جبرئيل. واذا اتاه الوحي وليس بينهماجبرئيل تصيبه تلك السَبْتَة ويغشاه منه ما يغشاه لثقل الوحي عليه من الله عزّ وجلّ»(106). السبتة عبارة عن النوم الثقيل. ويدلّ عليه ما قاله الصادق(ع) في جواب من سأله عنالغشية التي كانت تأخذ النبي، أكانت عند هبوط جبرئيل؟ فقال: لا… انّما ذلك عند مخاطبة الله عزّوجلّ ايّاه بغير ترجمان»(107).. فهاتان روايتان تدلان بالصراحة على ثبوتالوحي مباشرة. قال كثير من الباحثين ايضاً بانّ الوحي المباشر، يمكن لرسول الله، وتحقق
له في ليلة المعراج، كما تعرض له الدكتور محمدرأفت سعيد وقال: ونتناول مرتبة اُخرى وهي ما أوحاه الله سبحانه الى نبيّه(ص) وهو فوق السموات ليلة المعراج، الى ان قال/ ومن مراتب الوحي وصوره مع الرسول الكريم، والتيذكرها ابن القيم«ره» كلام الله له{محمّد} كما كلّم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة ثابتة لموسى(ع) قطعاً بنص القرآن الكريم، وثبوتها لنبيّنا(ص) وهو في حديث الإسراء، وقدذكرنا بعضاً من ذلك سابقاً، ويقول ابن القيم: وقد زاد بعضهم مرتبة وهي تكليم الله له كفاحاً(مواجهة)، من غير حجاب(108).
القرآن وانحاء الوحي
بعد ما بحثنا عن أنحاءالوحي الرسالى والرسولي، فقد حان الوقت، ان نبحث عن وحي القرآن وتلقيه من الله تعالى ، فنقول: لقد اختلف الباحثون في علوم القرآن، في نوع الوحي القرآني، فذهب بعضهمالى كونه مباشراً، جاء في التمهيد: لعّل اكثرية الوحي كان مباشراً لايتوسطه ملك، على ما جاء في وصف الصحابة حالته(ص) ساعة نزول الوحي عليه، كان ذا وطء شديد على نفسهالكريمة، يجهد من قواه وتعتريه غشوة منهكة، فكان ينكس رأسه ويتربد وجهه وينتصب عرقاً وتسطو على الحضور هيبة رهيبة(109).
لكن يبدو من ظاهر الآيات، انّ القرآن الكريم،كان من الوحي الرسولي يأتيه جبرئيل الى الرسول(ص)، وذلك لانّ الضمائر في قوله: «نزل به» و«نزّله» و«انّه» و«علّمه» و«هو»، يرجع الى القرآن كلّه.
يمكن ان يقال: حينمانطق القرآن بهذه الآيات المشتملة على الضمائر، لم يكن كلّ القرآن قد نزلت وانّما نزل بعض الآيات فقط، فكيف يمكن ان يراد
بمرجع الضمير القرآنكلّه؟ نجيب عن هذا الاشكال، بما في آيات التحدي، فانّها نزلت حينما نزل بعض القرآن، ولكن التحدي لم يقتصر على ذلك البعض، ولم ينحصر الإعجاز والتحدي بما نزل الى ذلكالزمان، بل يشمل القرآن كله. وتأويل الآيات ببعض القرآن لم يكن بأسهل من ارادة الكلّ،لضرورة التقدير، حتى يصحّ انْ نقول: «إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَنَزَلَ بِـه{ايْ بعضِهِ} الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ»، او «قُلْ نَزَّلَه{ أي ْبعضَهُ} رُوْحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ».
ثمّ هذا لاينافي ما جاء في الرواياتالسابقة الناطقة بتنويع الوحي الى الرسول، لانّ النزولات السماوية الى النبي لاتنحصر بالقرآن فحسب، فانّ منها القرآن، ومنها الأحاديث القدسية، ومنها نزل بياناًللأحكام، والشاهد على ذلك، قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُواللَّهُ»(110). فما هو المنزل الذي لم يبلغه النبي؟ أهو الآيات القرآنية؟ ام هو ما يبيّن الشرايع؟ أم هو ما يعيّن شخصاً لمنصب الهي؟
فلعّل اصابة الغشوة والسبتة للنبيوما قاله الأستاذ في وصف النبي عند تلقيه الوحي، انّما كان للوحي غيرالقرآني. ولو سلّم وقلنا بوحيانية القرآن مباشرةً، لانسلّم كونه الأكثر والأغلب.
كيفية اتيانالوحي الى النبي
استعرض المحدّثون والباحثون في علوم القرآن من الشيعة والسنة، بيان كيفية نزول الوحي على رسول الله(ص)، جاء في البحار تعابير كما يلي: منها: صلصةالجرس: قال رسول الله: «…وَ أحْيَاناً يَأتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرس».
منها: دويّ النحل: روي انّه:«كَانَ إذَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ، يَسْمَعُ عِنْدَوَجْهِهِ دَوياً كَدَويّ النّحْلِ».
منها: الفَصْم وفَصْد العرق: روي انّه: ««كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْم الشّديدِ الْبَرْدفَيَفْصِمُ عنْه، وانّ جَنْبَيْه لِيَنْفَصَدُ عَرَقاً».
منها: الكَرْب واربدادُ الوجه: روي انّه: «كَانَ إذَا نَزَل عَلَيْهِ، كرب لذلك ويربدّ وَجهه ونكس رأسه».(111)
و نقل السيوطي في الإتقان في علوم القرآن ما رواه احمد في مسنده عن عبدالله بن عمر،{انّه قال}: سألت النبي(ص) هل تحس بالوحي؟ فقال: «أسْمَعُ صَلاصِل ثُمّ أسْكُتُ عِندذلِك، فَمَا مِنْ مّرّةٍ يُوحى اليّ الاّ ظَنَنْتُ أنّ نَفْسِي يَقْبِضُ»(112). ونقل الدكتور محمد رأفت سعيد، ما رواه المجلسي، عن فتح الباري والقاموس المحيط وزادالمعاد(113).
قال المجلسي في بيانه لهذه التعابير: الصلصة صوت الحديد اذا حرّك. ويفصم عنّي، اي يقلع وافصم المطر، اذا اُقلِع وانكشف. وتفصّد العرق، اي سال عرقه، تشبيهاًفي كثرته بالفصاد. وكُرِب له، اي اصابه الكَرْب واربدّ وجهه، اي تغير الى الغبرة.
هذه جملة من الروايات الواصلة من طريقي الشيعة والسنة، وعلى فرض ثبوتها، فانّهامبيّنة لثقل الوحي على رسول الله، كما يشير اليه قوله: رُرَحاءُ الوحي، وشدّتُه.
خصائص الوحي القرآني
للوحي القرآني خصائص، نشير هنا الى بعض ما نطق به القرآنمنها، بما يلي: 1- منزّل من الله، كما اشار اليه قوله تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ ولا بِقَوْلِكاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعــــالَمِينَ»(114). هذه الآية تــــدلّ على انّ القرآن، ليس نظماً الفّه شاعر، ولم
ينظم النبي شعراً، وليس بكهانة، والنبي ليس بكاهن، حتي يأخذ القرآن من الجنّ. بل هو منزّل من ربّ العالمين.
2- ذو عظمة، لمـــــــا يشير اليــــــــه القرآن بقوله:«إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قــــَوْلاً ثَقِيلاً»(115). كونه ثقيلاً، اما هو من حيث تلقي معناه، لانّه كلام الهي مأخوذ من ساحة العظمة والكبرياء. وامّا من وجهة التحققّبحقيقة التوحيد وما يتبعها من الحقائق الإعتقادية، بحيث لو نزل على الجبل لصار خاشعاً، كما قال تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُخاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(116). وامّا من القيام بما يشتمل عليه من امر الدعوة واقامة مراسم الدين الحنيف واظهاره على الدين كله.
3- كونه غيرإرادي. لاريب في انّ الأنسان حرّ ومختار في اظهار ما في ضميره ومكنونات قلبه، لكنه اذا كان مأموراً من عند الله ومتصفاً برسالته ونبوته، لايكون له الخيرة في ايّ شيء قالاو عمل. ولهذا قال تعالى عند ما اذنَ رسول الله للمنافقين بالقعود والتخلف عن الجهاد: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَصَدَقُوا وتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ»(117). او عاتبه عندما حرّم على نفسه ما كان حلالاً له، فقال: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِيمَرْضاتَ أَزْواجِكَ»(118).
كما انّه اذا اراد الله ان يمحي شيئاً من الوحي، لايقدر النبيّ على ردّه وارجاعه، لما قال الله تعالى: «وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّبِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً»(119).
4- غير قابل للتغيير والتبديل. كما اشار اليه قوله تعالى: «وَ لَوْ تَقَوَّلَعَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ»(120). ايْ لو اختلق هذا الرسول الكريم، من نفسه قولاً ونسبه الى اللهتعالى ، لحاسبه الله تعالى حساباً شديداً. وقال ايضاً: «قالَ الَّذِينَ لايَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْأُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ»(121).
5- عدم كونه مساوياً لفهم البشر. كما قال الله تعالى: «ماكانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحى اليّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(122). هذه الآية تشعر بانّ معارف القرآن وعلومه،ليست على مستوى فهم البشر حتى نفس الرسول، بل هي على المستوى الأعلى والأرفع منه، والسر في ذلك انّ القرآن صدر من الملأ الأعلى والمبدأ الأسمى.
6- سلامة القرآن منالخطأ. من خصائص القرآن الكريم، انّه سالم من الخطأ ومصون عن الإشتباه في وصوله من المبدأ الأعلى الى قلب رسول الله(ص). ويدلّ على ذلك ما جاء في وصف ملك الوحي بـ: «الرُوحالأمين» و«رُوْح القُدُس» و«ذُو مرّة». وكونه أميناً وقُدساً. فبان بأنّ الوحي لايحتمل التباساً.
قال الدكتور محمد سعيد رأفت في هذا المجال/ لكي يطمئنّ الناس علىهذا الوحي وسلامة وصوله الى النبي(ص) نجد أنّ سورة النجم قد بينت سلامة المسيرة لهذا الوحي المبارك من الله تعالى الى جبريل(ع) الى قلب المصطفى(ص)، وانّ الطريق مأمون والوحيمحفوظ.
اسطورة الغرانيق
نقل بعض المفسرين من اهل السنة كالطبري والسيوطي:… عن ابن عبـاس قــــــال: انّ رســـول الله(ص) قـــــرأ «أَفَرَأَيْتُـمُاللاَّتَ والْعُزَّى ومَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى»(123) تلك الغرانيق العلى، وانّ شفاعتهن لترتجى، ففرح المشركون بذلك، وقالوا: قد ذكرآلهتنا فجاءه جبريل فقال: إقرأعلى ما جئتك به، فقرأ: «أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ والْعُزَّى ومَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى » تلك الغرانيق العلى، وانّ شفاعتهن لترتجى قال: ما أتيتك بهذا! هذا منالشيطان، فانزل الله«وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مايُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ»(124). وجاء في منقول آخر عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول لله(ص) بمكة سورة النجم، فلما بلغالموضع «أفرأيتم اللاتَ…»، القى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى… ومثله منقولات اُخرى(125).
التحقيق والنقاش
هذه المنقولات مخدوشة سنداً ورواية:سند الرواية
قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير: امّا اهل التحقيق فقد قالوا: انّ هذه الرواية باطلة موضوعة(126). وقال الأستاذ معرفة: لم يتصل تسلسلسند الحديث الى صحابي اطلاقاً، وانّما اسند الى جماعة من التابعين ممن لم يدرك حياة رسول الله، وعليه فالحديث مرسل غير موصول السند الى من شاهد القضية المدعاة فرضاً.واما بالنسبة الى ابن عباس فلاتزيد عن غيرها، بعد انْ كانت ولادة ابن عباس في السنة الثالثة قبل الهجرة، فهو لم يشهد القصة بتاتاً وانّما نقلت اليه. ثمّ نقل عن ابن حجرانّه قال: وجميع الطرق الى هذه القصة ـ سوى طريق ابن جبيرـ امّا ضعيف(يكون الراوي غير موثوق به او مرمياً بالوضع والكذب) او منقطع. واضاف الأستاذ: اما طريق ابن جبير، فذكرابوبكر البزاز: انّ هذا الحديث لم يسنده عن شعبة الاّ امية بن خالد وغيره، يرسله عن سعيد بن جبير…{فهو مرسل}، وقال ابوبكر بن العربي: كلّ ما يرويه الطبري في ذلك باطللاأصل له(127). دلالة القصّة
هذه الرواية المنقولة مردودة، لمخالفتها مع سورة النجم نفسها، لانّه جاء في صدر السورة قبل ذكر اللات والعزى، قوله تعالى: «ماضَلَّ صاحِبُكُمْ وما غَوى وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى»(128). مضافاً الى مخالفتها مع محكمات القرآن، منهاقوله تعالى: «وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ»(129). هذه الآيه تنفي ايّ اختلاق منناحية الرسول الكريم، ونسبته الى الله تعالى، فتهدّد النبيّ بأشد العقوبات وتقطيع يده وانتقامه تعالى منه(ص).
و منها قوله تعالى: «قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْأُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مـــا يُــوحى إِلَيَّ »(130). هذه الآية جواب عن مقترح الكفار باتيان غير هذا القرآن، وردّ لسؤالهم، وتعليمللنبي(ص) بانّ الله يريد من الكفار رفض اصنامهم والإجتناب عن كلّ ما لايرتضيه.
و منها قوله تعالى: «وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَلِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وإِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً»(131). هذا يدلّ على انّ الكفار سألوا النبيّ انّ يكفّ عن ذكر آلهتم بسوء ويبعد عن نفسه عبيدهم المؤمنينبه، حتّى يجالسوه. ايّ يريد الكفار باقترابهم، انّ يصرفوا الرسول عن الوحي، لكي يمكن له الإفتراء على الله، فردّ الله هذا الأقتراب والخلة.
و منها قوله تعالى: «وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً»0(132). الذي يدلّ على صفة العصمة وعدم ركون النبي الى الخصم ونفي الميل الى المشركين.
ومنها قوله تعالى: «وَ قالَ الشَّيْطانُ… مَا كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي… »(133). هذه الآية تنفي سلطة الشيطانعلى الإنسان الذي لايكون نبيّاً ولارسولاً، فكيف يمكن لسلطة الشيطان على إرادة النبيّ، وعلى لسانه(ص) حتى يقول ما كان كفراً.
و منها قوله تعالى: «قالَ رَبِّ بِماأَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ولَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبــادَكَ مِنْهُــــــمُ الْمُخْلَصِينَ»(134). هذه الآية تدل على نفياغواء الشيطان، عن عباد الله المخلصين، فكيف يمكن انّ يغوي الشيطانُ نبي الله المخلَص الذي وصل خلوصه الى نهاية حده. وايّ انسان أكثر خلوصاً
منالرسول؟
اضف الى ذلك، انّ هذه الاسطورة لاتلائم تأهّب النبيّ واستعداده لتلقي الوحي.
قال العلامة الطباطبائي/ الأدلة القطعية على عصمته(ص) تكذب متنها، وانْفرضت سندها. فمن الواجب تنزيه ساحته المقدسة عن مثل هذه الخطيئة، مضافاً الى انّ الرواية تنسب اليه(ص) اشنع الجهل واقبحه فقد تلا«تلك الغرانيق العلى وانّ شفاعتهن لترتجى»فجهل انّه ليس من كلام الله ولانزل به جبرئيل، وجهل انّه كفر صريح يوجب الإرتداد ودام على جهله حتى سجد وسجدوا في آخر السورة ولم يتنبه، ثمّ دام على جهله حتّى نزل عليهجبرئيل وامره ان يعرض عليه السورة فقرأها عليه واعاد الجملتين وهو مصرّ على جهله حتّي انكره عليه جبرئيل ثم انزل عليه آية(135).
و الجدير بالذكر انّ هذه المنقولاتالضعيفة والمكذوبة، انّما هي اسطورة مصطنعة، قد صارت موجبة لوَلَع المستشرقين، لانْ يطعنوا في دين الله الحنيف، والأخذ باذاعتها واثاروا حولها ضجّة من القول البذيءوالرديء.
لسان الوحي
انّ المراد بلسان الوحي هنا، هو اللسان التكليمي الذي يكلم افراد الإنسان بعضهم بعضاً، وليس المراد اللسان الهِدائي، او الثقافي،او اللسان الرمزي والإشاري، او اللسان العرفي، او ايّ لسان آخر. صرّح القرآن الكريم بانّه نزل بلغة العرب كما في قوله تعالى: «إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّالَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(136). ولايخفى انّ لعربية القرآن معنيين:
المعنى الأول/ ما يراد به البيان والإيضاح والتبيين، كما يشعر به قوله تعالى: «وَ كَذلِكَأَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا»(137). وقوله تعالى: «كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ
قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ »(138). وقولهتعالى: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(139).
المعنى الثاني: ما يراد به اللغة العربية وما نطق به العرب، مقابل اللغة الفارسية اواللغة الإنجليزية او غيرهما، ممّا نطق به العجم، كما يشعر به قوله تعالى: « يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّوهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ»(140). وقوله تعالى: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»(141).وقوله تعالى:« وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها»(142).
و الملاك في تشخيص عربية القرآن بياناً او لساناً،انّما هو بالقرينة كذكر اللسان ووصف العربي معاً كما في قوله: «وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ»، فانّ العربي هنا وهو الموصوف بالإبانة لايكون بمعنى البيان، للزومالتكرار في الإبانتين. او لميكن الموصوف من مقولة الكلام والكتابة مثل قوله تعالى: «وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْمــاً عَرَبِيًّا»(143). فانّ الحكم، يمكن انْ يراد بهالقرآن نفسه، الاّ انّ المتبادر الى الذهن، هو ما يبيّنه القرآن، يعني الأحكام المبيّنة.
تهيئة النبيّ لتلقّي الوحي
هنا سؤال له اهمية كبيرة بشأن النبوة، وهو انّالنبي كيف عرف انّه مبعوث، وكيف يطمئنّ بانّ الذي يأتيه ويكلّمه، هو ملك الوحي؟ هذا هو الذي يعبّر عنه بتهيئة النبي وتمهيده لتلقي الوحي. هذا سؤال اساسي، وجوابه واضح،اذ التمهيد والتهيئة ممّا يقتضيه رأفة الله ومقام لطفه على نبيّه، فيجب على الله تعالى انْ يقرن نبوة نبيّه بدلائل واضحة بحيث لايبقى مجال للشك والريب. كما يشعر به، سؤالزرارة بن اعين عن الإمام الصادق(ع) وجوابه، فانّه قال: قلت لابي عبدالله: كيف لم يخف رسول
الله(ص) فيما يأتيه من قبل الله ان يكون ممّا ينزغ بهالشيطان؟ فقال(ع) «انّ الله اذا اتخذ عبداً رسولاً، انزل عليه السكينة، فكان الذي يأتيه من قبل الله، مثل الذي يراه بعينه»(144). وفي حديث آخر، سئل ابوعبدالله(?كيف علمتالرسل انّها رسل؟ قال: «كشف عنها الغطاء»(145).
إذن فالله يمهّد لنبيّه ويهيّئه لتلقي الوحي، ولعّله كان في مراحل، كما يشعر به منامات النبي قبل بعثته، وظهور جبريل لهفي بعض الأحيان واعلامه له(ص) بانّ الله يتخذك رسولاً كما نقله علي بن ابراهيم القمي(146).
مراحل التمهيد والتهيئة
قال ابن حجر: بُدئ بذلك{النوم} ليكون تمهيداًوتوطئة لليقظة، ثمّ مهّد له في اليقظة ايضاً برؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر(147). ولقد اجاد في هذا المجال عبدالسلام مقبل المجيدي فانّه قسّم التهيئة اولاّ الىالتهيئة الإلهية والتهيئة البشرية ثمّ بيّن ذلك فقال: انّ الله أمر جبريل واعوانه من الملائكة بتهيئة النبي، ممّا هو خارج عن نطاق القدرة البشرية، وهو التهيئة الإلهية،و… اتيان جبريل في منام النبي(ص). وتقوية قواه البشرية كرؤية بعض العوالم الغيبية كالملائكة. ظهور الآيات كتسليم الحجر. الرؤيا الصادقة. التحنث في حراء. ومن التهيئةالبشرية، لقد كان النبيّ يهيئ نفسه ومحيطه تهيئة يلهمها الله له، كالمعالجة بالشدة. وبذله طاقة مستطاعة. واجتنابه للثوم ونحوها ممّا تتأذى منه الملائكة، والتهيئةالبِيئيّة لمحيطه الذي يتلقى الوحي فيه من إبعاد الكلب منه(148). ما يوحي الى النبيّ ؟
لقد وقع الخلاف في انّ ما يوحى الى النبيّ، أهي الفاظ القرآن والمعنىمعاً؟ او
القي اليه معاني القرآن فحسب، فجعل النبي تلك المعاني في قوالب ألفاظه؟ فذهب بعض لاسيما الباحثين الحديثين الى الثاني. لكنّ، يظهرمن كون القرآن إعجازاً لفصاحتة وبلاغتة وصحة التحدّي به: أنّ النازل هو اللفظ والمعنى معاً، وتبدو هذه الحقيقة من تعابير القرآن، وهي:
الكلام في قوله تعالى: «حَتَّىيَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ»(149). والجمع في قوله تعالى: «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَه»(150). والقراءة في قوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»(151).والبيان في قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ»(152). والتلاوة في قوله تعالى: «ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ»(153).
اضف الىذلك: الآياتَ الناهية عن تحريك اللسان والعجلة، كقوله تعالى:«لاتُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ»(154). وقوله: « لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْيُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُه»(155). والآياتَ الناهية عن التبديل، كقوله تعالى: « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحىإِلَيَّ»(156). وقوله: «وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ»(157). والآياتَ الدالة علىجعل القرآن عربياً كقوله تعالى: «إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(158).
قال الاستاذ جوادي الآملي في هذا المجال/ انّ ايجاد حقيقةالقرآن فعل يختص بذات الله المقدسة، كما انّ تنزيله منه تعالى وإلباسَه لباس العربية هو من افعاله الخاصة، بحيث قد انزل الله معانى القرآن على قلب رسول الله، ثمّ اختارالنبي اللفظ العربي وجعله لباساً لتلك المعاني.(تفسير موضوعي قرآن كريم(159).
و لا منافاة بين تلقّي القرآن وتنزيله من الله بقوله: «وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَمِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ»(160). الى قلب النبي، بل والى الناس بقوله: «أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مـا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْيَتَفَكَّرُونَ»(161). لانّ هذا التنزيل في حقيقة
القرآن من مبدئه، مقرون بلُبسه لباس العربية في منزله ومقصده.
بقي هنا سؤال، وذلك اذا كانالنازل هو اللفظ، فما نزوله على القلب؟ لانّ محل الألفاظ هو السمع لا القلب، وقبول اللفظ انّما هو بالإصغاء اليه. نجيب عن ذلك، بانّ تلاوة جبريل وقراءته عليه انّما هيبالألفاظ، والسماع من النبي، ثمّ إلقاء المعاني بتوسيط هذه الألفاظ الى قلب النبي بعد سماعه. ولعّل هذا هو المــــراد من قوله تعالى:«إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَــه ُوَقُرْآنَه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»(162).
ما حوى القرآن من الوحي؟
يحتوي القرآن على امّهات المعارف الإلهية واُسسها من العقائد والأخلاقوالآداب والأحكام والتاريخ والقصص وغيرها من العلوم، ممّا يحتاج اليه الإنسان في معاشه ومعاده، وكلّ ما كان مؤثراً في تربيته وتهذيب نفسه. فانّ الإنسان من وجهة نظرالقرآن هو خليفة الله في الأرض، فيها، فله دور اساسي في الكون، فعرّف القرآن لهذا الإنسان خالقه وهاديه، وبيّن له سبيله الى سعادته الأبدية، وأوضح له موانع رشده، ورسم لهخطوط افعاله العبادية في صراط معاده. و كلفّه بوظائفه الإجتماعية، وعرّفه بحقوقِه الأساسية، وجعل له التاريخ والقصص وسيلة لعبرته واعتباره، وعلّمه بعض مافي العلومممّا ينفعه لعمارة الأرض في سبيل معايشه.
1 - الانعام/ 19.
2 - وقوله تعالى: «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَقُرْآناً عَرَبِياً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها (الشورى/8)». وامر نبيّه باتباعه، بقوله تعالى: «اتَّبِعْ ما اوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّهُو(الانعام/ 106». ثم امرنا باتباعه بقوله تعالى: «اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ولاتَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أولِياء(الأعراف/ 3) - (يوسف / 3)».
3 -النحل/ 44.
4 - (الاصفهاني، الراغب، معجم مفردات الفاظ القرآن، وحي). وقال الجوهري/ الوحَي/ السرعة، ويقال/ الوحَى الوحَى/ يعنى/ البِدار البِدار. (الجوهري، اسماعيل بنحماد، الصحاح، وحي).
5 - (سعيد، محمد رأفت، تاريخ نزول القرآن الكريم، ص11).
6 - (علوم القرآن عند المفسرين، مركز الثقافة والمعارف القرآنية، 1/222).
7 - (الأمثل فيتفسير كتاب الله المنزل، مكارم الشيرازي، ناصر، 15/526).
8 - (هذا التعريف صدر عن الطباطبائي، والفخر الرازي والقرطبي. انظر/ تفسير القرطبي، 6/15. والتفسير الكبير، 11/108). 9 - طه/ 114.
10 - النجم/ 4.
11 - مريم/ 11.
12 - الزلزلة/ 5 و 6.
13 - النحل/ 68.
14 - الانعام/ 121.
15 - الانعام/ 113.
16 - الانبياء/ 73.
17 - فصلت/ 12.
18 -(الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، 17/368).
19 - المائدة/ 111.
20 - آل عمران/ 52.
21 - القصص/ 21.
22 - الانفال/ 22.
23 - الانعام/ 19.
24 - الشورى/ 8 . 25 -المائدة/ 163.
26 - المائدة/ 163.
27 - النحل/ 68.
28 - القصص/ 7.
29 - مريم/ 11.
30 - آل عمران/ 41.
31 - فصلت/ 12.
32 - المائدة/ 111.
33 - الانعام/ 113.
34-(بحارالانوار، المجلسي، محمد باقر، 93/16، و18/254.) (الانبياء/ 73).
35 - هذه الرواية وان لم تكن خالية عن الاشكال من حيث بعض الألفاظ، كاسقاط كلمة اسحاق في الآية المفسرةللوحي الرسالي، وعطف فقرة من الآية العاشرة من سورة فصلت، على الآية الثانية عشرة منها. لكنه لايضر شيئاً، اذ من الممكن ان يكون الاسقاط من الراوي، والعطف انما هوللتفسير، ويؤيده قوله تعالى عقيبها بقوله: «ذلك تقدير العزيز العليم».
36 - ( صدرالدين الشيرازي، محمد، ج7/24).
37 - الشورى/ 52.
38 - النساء/ 153.
39 - الانعام/ 92. 40 - المائدة/ 46.
41 - التوبة/ 41.
42 - الاعراف/ 144.
43 - المائدة/ 164.
44 - الشورى/ 51.
45 - القصص/ 30.
46- الاعراف/ 143.
47 - التكوير/ 19 - 21.
48 - نعم كان رسولالله ايضاً رسولاً كريماً، كما نطق به القرآن بقوله تعالى:«إِنــــــَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ٍ وما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ ولا بِقَوْلِكاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ». الحاقة/40-43. فانّ الرسول الكريم في هذه الآية بقرينة نفي الشعر والكهانة عنه هو رسول الله (ص). 49 - البقرة/ 97.
50 - تفسير القرطبي، 16/53.
51 - (الطبرسي، الفضل بن الحسن ، مجمع البيان في تفسير القرآن، 5/ 37).
52 - البروج/ 20.
53 - الصافات/ 102.
54 - (المجلسي، محمدباقر، بحار الانوار/ 11/64).
55 - (البحار/ 18/55(.
56 - (الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، 18/74).
57 - الحجر/ 28 - 29.
58 - آل عمران/ 33.
59 - الاعراف/ 144. 60 - الكهف/ 110.
61 - الانعام/ 19.
62 - الشورى/ 8.
63 - (معرفة، محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، 1/32).
64 - (سعيد، محمد رأفت، تاريخ نزول القرآن الكريم، ص11).
65 -الشورى/ 51.
66 - الحجرات/ 28.
67 - الاسراء/ 60.
68 - الانفال/ 43.
69 - الاتقان: 1/30.
70 - (التمهيد/ 1/31، بحارالانوار، 18/184 و194).
71 - (القشيري النيشابوري، الإمامابن مسلم، الجامع الصحيح، 1/97).
72 - (الكليني، اصول كافي، 1/249).
73 - (السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير المأثور، 7/643) (النجم/ 7).
74 - التكوير/ 23.
75 -النجم/ 14.
76 - (معرفة، محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، 1/36).
77 - النجم/ 1 - 13.
78 - .)القشيري النيشابوري، الإمام ابن مسلم، الجامع الصحيح، 1/110).
79 - (نفسالمصدر/111).
80 - (القشيري النيشابوري، الإمام ابن مسلم، الجامع الصحيح، 1/109).
81 - النجم/ 8 - 10.
82 - (القشيري النيشابوري، الإمام ابن مسلم، الجامع الصحيح، 1/111). 83 - (المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار/ 18/260).
84 - (المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار/ 18/260).
85 - (المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار/ 18/260).
86 - (المجلسي، محمد باقر،بحار الانوار/ 22/332).
87 - (معرفة التمهيد في علوم القرآن، 1/37).
88 - (الانصاري القرطبي، محمد بن احمد، الجامع لاحكام القرآن، 16/53. والسيوطي، الإتقان في علوم القرآن، 1/59).
89 - (الفيومي، احمد بن محمد، المصباح المنير، روع ).
90 - (سعيد، محمد رأفت، تاريخ نزول القرآن الكريم، ص23).
91 - (معرفة، التمهيد في علوم القرآن، 1/37) (الشعراء/ 193 - 195.
92 - البقرة/ 97.
93 - البقرة/ 97.
94 - النجم/ 10 - 20.
95 - الشعراء/ 192 - 194.
96 - النحل/ 102.
97 - النجم/ 3 - 4.
98 - العلق/ 1.
99 - الاعلى/ 6.
100 - النحل/ 2.
101 -(الطباطبائي، الميزان، 12/206 و208).
102 - الشعراء/ 192 - 194.
103 - (الفخر الرازي، التفسير الكبير، 27/189).
104 - الطور/ 47.
105 - (بحارالانوار، المجلسي، محمد باقر، 60/243). 106 - (البحار/ 18/271).
107 - (البحار، 18/206).
108 - (سعيد، محمد رأفت، تاريخ نزول القرآن الكريم، ص31).
109 - (معرفة، محمدهادي، التمهيد في علوم القرآن/ 1/38).
110 - المائدة/67.
111 - (بحارالانوار، المجلسي، محمد باقر، 18/260 و261).
112 - الاتقان 1/59.
113 - سعيد، محمد رأفتـ تاريخ نزو لالقرآن الكريم، ص 26).
114 - الحاقة/ 40 - 43.
115 - المزمل/ 5.
116 - الحشر/ 21.
117 - التوبة/ 42.
118 - التحريم/ 1.
119 - الاسراء/ 86.
120 - الحاقة/ 44 - 45.
121 - يونس/ 16.
122 - ص/ 70 - 71.
123 - النجم/ 19 - 20.
124 - الحج/ 53.
125 -(السيوطي، جلال الدين، الدرالمنثور في التفسير المأثور،6/65).
126 - الفخر الرازي، التفسير الكبير، 23/50.
127 - (معرفة، محمدهادي، التمهيد في علوم القرآن/ 1/62).
128 -النجم/ 3 - 4.
129 - الحاقة/ 44 - 45.
130 - يونس/ 16.
131 - الاسراء/ 73.
132 - الاسراء/ 74.
133 - ابراهي/ 22.
134 - الحجر/ 39 - 40.
135 - (الطباطبائي، محمد حسين، الميزان/16/396).
136 - الزخرف/ 2.
137 - طه/ 113.
138 - فصلت/ 3.
139 - يوسف/ 3 .
140 - النحل/ 103.
141 - الشعراء/ 103 - 105.
142 - الشورى/ 8.
143 - ابراهيم/ 37.
144 - (المجلسي،محمدباقر، بحار الأنوار/ 18/262).
145 - (بحار الأنوار/ 11/56).
146 - (بحار الأنوار/ 18/194).
147 - ( تلقي النبي الفاظ القرآن الكريم، عبدالسلام مقبل المجيدي، ص50).
148 -(تلقي النبي الفاظ القرآن الكريم، عبدالسلام مقبل المجيدي، ص50-60).
149 - التوبة/ 5.
150 - القيامة/ 17.
151 - القيامة/ 18.
152 - القيامة/ 12.
153 - آل عمران/ 58.
154 -القيامة/ 16.
155 - طه/ 114.
156 - يونس/ 16.
157 - الحاقة/ 44 - 45.
158 - الزخرف/ 2.
159 - (قرآن در قرآن)، آية الله جوادي آملي، ص 48).
160 - النمل/ 6.
161 - النحل/ 44.
162- القيامة/ 17 - 18.