تأثير ابن سينا و ابنرشد في مسألة الوجود و الجوهر فيالفلسفته الاسلامية و الغربيه الحديثه
نويسنده: الدكتور غلامرضا اعواني محاضرة ألقيت بالعربيه في ندوة ابن رشد الدولية بمناسبة مرور ثمانمائه سنة علي و فاته بدمشق.ابن سينا و ابن رشد كلاهما من كبار الشخصيات الفلسفية و الفكرية في العالم ا لإسلامي و لهماتأثير كبير في تيّار الفلسفه، شرقها و غربها، لا سيما لابن سينا في الفلسفة الاسلاميه و الغربيه، و لابن رشد في الفلسفة الغربية.يري المستشرقون الباحثون في الفلسفة الاسلامية أن ابن رشد هو آخر فيلسوف في حلقة المفكري الكبار في الحضارة الاسلاميه و هذاليس بصحيح، لأن الفلسفة الاسلاميه، بالمعني الدقيق للكلمة، بدأت في عالم الاسلام، بعد ابن رشد و كان لها استمراراً متصلاً و مازال حتي اليوم و برزت منها شخصيات فِذّه كالشيخ الشهيد شهاب الدين السهروردي و الخواجه نصيرالدين الطوسي و ميرداماد و غياث الدين الدشتكي و ابنه منصور الدشتكي و جلال الدين الدواني و صدرالدين الشيرازي المعروف بصدرالمتألهين الذي شيّد بنياناً مرصوصاً في التفكير الاسلامي و أسس مدرسة عُرفت بالحكمة المتعاليه و صنف اكثر من خمسين كتاباً و رسالة في هذاالمجال و ايضاً عاشت الفلسفه حياة طيبه في اعلام كفيض الكاشاني و اللاهيجي و مولي علي النوري و المولي عبدالله الزنوزي و ابنه آقا علي المدرس الزنوزي و المولي هادي السبزواري و غيرهم ممن يطولُ ذكرهمْ.و علي ما اظن ان مدي تأثير الفيلسوف الكبير ابن رشد غيرمعروف في الغرب و خاصة اهميته في الدراسات و الابحاث الفلسفية و الميتافيزيقيه والدليل علي ذلك انه اشتهر في الغرب بنظريته المعروفة بالحقيقة المزدوجه و هويعتبر كأبٍ روحاني للرشدية اللاتينية التي كان ابن رشد علي رأيي يكرهها و ينبو و يحيد عنها ان كان قد عرفها. لانه كيف يسوغ لنا ان نقول ان ابن رشد وهو قاضي قضاة مدينه قرطبه بل الاندلس بأسرها، الذي كتب رسالة فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وجَهَد فيها غاية جُهده ليبرهن الاتصال بين العقل و الشرع والدين و الفلسفة كيف قال بالبينوته والفصل و الافتراق بين الاثنين كمانسبت اليه و اشتهر عنه هذاالقول في الغرب.علي ما أري كان لابن رشد تأثيراً بالغاً في الدراسات و الابحاث الميتافيزيقيه خاصة في مسألة الجوهر عند مفكري الغرب في العصرالوسيط و لنا ان نسألِ لماذا بني فلاسفة العصرالحديث أمثال ديكارت واسبينوزا صَرحهم الفلسفي علي اساس نظرية الجوهر ولم يبنوه علي اساس نظرية الوجود؟ و بزعمي كان لابن رشد دوراً بارزاً في تاسيس نظرية الجوهر بشكلهاالجديد كمانراها عندالفلاسفة الذين ذكرناهم و تحدثنا عنهم.و كان لابن رشد وابن سينا منهاجين مختلفين في تفسير مابعد الطبيعة عندارسطو اختلافاً لانكاد نري تأثيرها في المسائل الميتافيزيقيه حتي اليوم. و انا اعتبر تفسير ابن سينا تفسيراً وجودياً1 و تفسير ابن رشد تفسيراً جوهرياً2 و بذلك اعني ان احدهما فسرّميتافيزيقية ارسطو علي اساس نظرية الوجود و الآخر فسرها علي اساس نظرية الجوهر. والجدير بالذكران هاتين النظريتين متناقضتان، متعارضتان لاتلتقيان معاً و لهذانري أن ابنَ رشد يجادل اكثر ما يجادل ابن سينا في نظرية الوجود او كما نقول اليوم في انطولوجيا. يعتبر ابن رشد نظرية الوجود عند ابن سينا مبتدعة مختلقة غير ارسطية، اختلقها لاعلي اساس فلسفه المشاء كما رسمها ارسطو، و علي هذا يحاول أن يُفنّد النظرية الوجودية السينوية من بنيانها و في اي مجالٍ امكن له ذلك.والحرّي بالقول إن ابن سينا يجب ان يعتبر بصفة اول فيلسوف أسّس نظرية الوجود او معرفة الوجود (انطولوجيا) علي اساسٍ علمي واضحٍ. ما مِن احدٍ من مفسري ارسطو سبق ابن سينا، و لا ارسطو نفسه، كما نري، في تأسيس نظرية الوجود، لها موضوعها الخاص و مسائلها و مباديها كما نري في فلسفة ابن سينا و ان كانت هناك اشارات و تنبيهات شتي في آثار ارسطو مبدّدة مبعثرة في تضاعيف كتبه و رسائله.و من المعلوم ان لكل علم موضوعه الخاص و موضوع كل علم كالمحور تدور حوله مسائله و مباحثه و كما نقول في فلسفتنا موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه و هذه العوارض الذاتيه تعتبر كمسائل ذلك العلم و من البديهي ان موضوع كل علم هو علة وحدة المسائل في ذلك العلم و بدون موضوع واحدٍ لم تكن هناك وحدة في العلم ابداً. طرح ارسطو لاول مرة السؤال عن موضوع علم ميتافيزيقيا و اجاب عنه تارة بانه «موجود بما هو موجود» او باليونانيه « o he o» و تارة اجاب بأن موضوع هذا العلم «المبادي و العلل الاولي» او باليونانيه « prote aitiai kai archai» و تارةً بان موضوعه هو «الجوهر الاول»3 يعني به الله سبحانه و تعالي و من المعلوم ان الاوّل هنا (أي الجوهر الاول) لايكون عدداً من مراتب الاعداد بل بمعني المتقدم علي كل شي ءٍ في الوجود.إلاّ أن ارسطو لم يوضح ايٌّ من هذه الثلاث يكون موضوع الفلسفة الاولي اعني ميتافيزيقا و هذه المسألة، تعتبر من اهم المسائل التي بحثت عنها بعد ارسطو عند شارحيه و مفسريه كثئوفراستوس، ثامسطيوس و اسكندر الافروديسي و سمبليقيوس و هي لا تزال اليوم تحظي بأهمية قصوي عند الباحثين. نحن لانريد الآن ان نتناول هذه المسألة بالتفصيل، ولكن نلخصّ البحث فيها و نقول ان كل شارحي و مفسري ارسطو قبل ابن سينا كانوا يقولون بان هذه الموضوعات الثلاث موضوعٌ لعلم واحد الذي سماه أرسطو تارةً بالفلسفة الاولي4 و اُخري بالحكمة5 و احياناً بالالهيات6. و كما ان هذه العناوين الثلاث لاتكون الالعلم واحد يُسمّي اليوم بما بعد الطبيعة اوالميتافيزيقيا، كذلك هذه التعابير اوالعناوين الثلاث لاتكون الا واحدةً لموضوع علم واحد. و لهذا نري مفسري ارسطو قبل ابن سينا لم يألواجُهداً لاثبات وحدة تلك المواضيع الثلاث نظراً الي الاصول و المبادي ء التي بحثوا عنها في فلسفة ارسطو كاصل التناسب او التشكيك7 و غيرهما.و ابن سينا هو اول شارح لارسطو بل اوّل فيلسوف الذي وضع و برهن علي منهاجية 8او ميتودولوجي العلوم البرهانيه في قسم البرهان من كتاب الشفاء و اثبت أنّه لابد ان يكون موضوع كل علم واحداً و يجب ان لايكون موضوع العلم مطلوباً في ذلك العلم يعني مسألة من مسائل ذلك العلم و لا من مبادئه و الايلزم الدور او التسلسل و علي هذا برهن علي ان الموضوع الحقيقي لهذا العلم هو «الموجود بما هو موجود» و الباقي (العلل و الاسباب القصوي و الجوهر الاول تعالي جده) تكون مسائل هذا العلم و مطالبه، لايكونان موضوعاً له، لأن لايجيد ان تكون مسألة في أيّ علم، موضوعاً لذلك العلم.يقول ابن سينا في بداية قسم الالهيات من كتاب الشفاء «فهذا هو قدر ما يكون قد وقفت عليه فيما سلف لك من الكتب و لم يتبين من ذلك ان الموضوع للعلم الالهي ما هو بالحقيقه الا اشارة جرت في كتاب البرهان من المنطق ان تذكرتها و ذلك ان في سائر العلوم قد كان يكون لك شي ءٌ هو موضوع و اشياء هي المطلوبة و مبادي مُسلّمة منها تؤلّفُ البراهين و الآن فلست تحقق حق التحقيق ما الموضوع لهذا العلم و هل هو ذات العلة الاولي حتي يكون المراد معرفة صفاته و افعاله او معنيً آخر.«و ايضاً قد كنت تسمع ان ههنا فلسفة بالحقيقه و گـزارش / تأثير ابن سينا و ابن رشد في مسألة الوجود... فلسفة اولي و أنها تفيد تصحيح مبادي ء سائرالعلوم و انها هي الحكمة بالحقيقة و قد كنت تسمع تارةً ان الحكمة هي افضل علم با فضل معلوم و اخري ان الحكمة هي المعرفة التي هي اصح معرفة و ايقنها و اخري انها العلم بالاسباب الاولي للكل، و كنت لاتعرف ما هذه الفلسفة الاولي و ما هذه الحكمة و هل الحدود و الصفات الثلاث لصناعة واحده او لصناعات مختلفة كل واحدة منها تسمي حكمة؟«و نحن نبين لك الآن ان هذا العلم الذي نحن بصدده هو الفلسفة الاولي و انه الحكمة المطلقه و ان الصفات الثلاث التي رسم بها الحكمة هي صفات صناعة واحدة و هي هذه الصناعة و قد عُلم ان لكل علم موضوعاً يخصّه فلنبحث الآن عن الموضوع لهذا العلم ما هو؟ و لننظر هل الموضوع لهذا العلم هو انية الله تعالي جده او ليس كذلك بل هو شي ء من مطالب هذا العلم.«فنقول اِنه لايجوز ان يكون ذلك هو الموضوع لان موضوع كل علم هو امرٌ مُسلّم الوجود في ذلك العلم و انما يبحث عن احواله و قد علم هذا في مواضع اخري؛ و وجود الاله تعالي جدّه لايجوز ان يكون مسلماً في هذا العلم كالموضوع بل هو مطلوب فيه.«لكن النظر في الاسباب كلها ايضاً لايخلو اِمّا أن يُنْظَرَ فيها بما هي موجودات او بما هي اسباب مطلقه او بما هي كل واحدٍ من الاربعة علي النحو الذي يخصه، اعني ان يكون النظر فيها من جهة أن هذا فاعل و ذلك قابل و ذلك شي ء آخر او من جهة ما هي الجُملة التي تجتمع منها...«و هذا في الحقيقة مستند الي اثبات العلل و الاقرار بوجود العلل و الاسباب و هذا ليس بيّناً اولياً بل هو مشهود و قد علمت الفرقَ بينهما... ثم البيان البرهاني لذلك ليس في العلوم الاخري فاذن يجب ان يكون لهذا العلم...»و في ختام هذا البحث يقول: «فيجب اذن ان يكون الموضوع الاول هو الموجود بما هو موجود».فاذن ابن سينا لاول مرة،اعتبر «الموجودبما هو موجود» كموضوعٍ للعلم الالهي واعتبر موضو عين آخرين (الاسباب و العلل القصوي و الجوهر الاول) كالمطالب او المسائل لذلك العلم و بذلك افتتح ابن سينا باباً عظيما في تاريخ الفكر خلافاً علي مفسري و شارحي ارسطو من قبل الذين اعتبروا المواضيع الثلاث كموضوع واحد و كان عندهم العلم الالهي علما واحداً. ابن سينا، بناءً علي هذا الاساس قسّم العلم الالهي قسمين، (هذاالتقسيم لايكون في ارسطو) العلم الالهي بالمعني الاعم (او الالهيات بالمعني الاعم) و العلم الالهي بالمعني الاخص (او الالهيات بالمعني الاخص). كان موضوع العلم الالهي بالمعني الاعم الموجود، بما هو موجود، و موضوع العلم الالهي بالمعني الاخص الله سبحانه و تعالي و صفاته و افعاله. متي ترجم آثار ابن سينا باللغة اللاتينية عبرّوا عن الاعم والاخص في العلم الالهي «Metaphysica geeralis و Metaphysica specialis» بعض الفلاسفة في العصور الوسطي كآلبرت الكبير و توماس الآكوئني اتخذوا موقف ابن سينا في العلم الالهي وشيّدوا بنيانهم الفكري عليه و كتبوا كتبهم و رسائلهم علي نهج ابن سينا في مسئلة الوجود. كان لهذا التقسيم في العلم الالهي دوراً عظيماً في التفكير الاسلامي و المسيحي علي السواء و ايضاً في عصر الحديث مثلاً نري أن الفيلسوف الكبير كريستيان وُلف9 تلميذ لايب نيتس10 وضع لفظ انتو لوجيا11 لاوّل مرة كمعادلٍ للعلم الالهي العام12 و لفظ ثئولوجيا13 للعلم الالهي الخاص14 و هذا يعني أن ابن سينا هو المؤسس لعلم الوجود أو أنتولوجيا و نري في الواقع ان ابن سينا في العلم الالهي يبحث عن الوجود و احواله و ما يعرض الموجود بما هو موجود، كالماهية و العلية و الوحدة و الكثره و القوه و الفعل الي غير ذلك ما يسميه ابن سينا «الامور العامة». اساس نظرية الوجود في ابن سينا مبني علي التميز بين الماهية و الوجود اولاً و وضِعها كحجر اساسي لفلسفته ثانياً و قولهِ بزيادة او عروض الوجود علي الماهية ثالثاً و علي هذا تقسيمه الموجودَ بالموجود الواجب و الموجود الممكن رابعاً، لانجدها عند ارسطو و مفسريه من قبل و ان عثروا عليها كانوا يعتبرونها o hos alethes كما يقول به ارسطو او «الموجود الذي يدل علي الصادق» كما يقول به ابن رشد.ابن رشد يجادل مع ابن سينا اكثر ما يجادل في مسئلة الوجود و يتهم ابن سينا انه اخذ مشربه الفكري و الفلسفي في مسئلة الوجود لا من ارسطو، بل من الاشاعره، مثلاً كان ابن سينا يقول بزيادة الوجود علي الماهية و في زعم ابن رشد هذه المسألة، يعني مسئله الزيادة توجد عند الاشعريين حيث يقولون بزيادة الصفات علي الذات الالهيه او يحكون عن صفاتٍ زائدة علي ذات الشي ء، يقول ابن رشد:«و قد غلط ابن سينا في هذا غلطاً كثيراً فظن الواحد و الموجود يدلان علي صفات زائدة علي ذات الشي ء والعجب من هذا الرجل كيف غلط هذا الغلط و هو يسمع المتكلمين من الاشعريه الذي مَزَجَ علمه الالهي بكلامهم، يقولون إن من الصفات ما هي صفات معنوية و منها ما هي صفات نفسيه و يقولون ان الواحد و الموجود هما راجعان الي الذات الموصوفة بهما و ليست صفات دالة علي امر زائد علي الذات كالحال في الابيض و الاسود و العالم و الحي...15ان ابن رشد ينسب الي ابن سينا اقوالاً لم يقل بها و لانجدها في كتبه و آثاره مثلاً ينسب اليه انه كان يقول انه ممكن ان يتولد انسانٌ من تراب و هذا القول بعيد من شخص كابن سينا جداً، يقول ابن رشد:«حتي نجد ابن سينا علي شهرة موضعه من الحكمة يقول انه ممكن ان يتولّد انسان من التراب كما يتولد الفأر و هذا ان كان يعتقده و لم يقلد موافقة لاهل زمانه فانما عرض له ذلك قِبَل مباشرته علم الاشعرية الي غير ذلك مما يشبه هذه الاشياء مما يطول تعديدها».16ابن رشد يعترض علي ابن سينا اعتراضاً ثانياً في خصوص تميزه بين الماهية و الوجود و هو يعتقد أن هذا الامتياز، امتيازٌ لغوي فحسب لاعقليٌ فلسفي و ينشأ من صيغة اللفظ الموجود في اللغة العربيه لا في اللغات الاخري و علي هذا يعتقدأنَّ ابن سينا خلط بين علم اللغة و علم الحكمة. ابن رشد يوضح بأن في اللغة العربيه اسماء الصفات كالواحد و الابيض و الاسود و العالم و الموجود تكون اسماء مشتقه و لابسيطة مثلاً يُفَسَّر «الواحدُ» بالشي الذي يكون ذا وحدة و «الابيض» بالشي الذي ذا بياض و الكاتب بالشي الذي يكتب. و علي هذا السياق يفسّر ابن سينا الموجود «بالشي الذي له الوجود» او ب «ماله الوجود» او ب «ماهية لها الوجود». ابن رشد يعتقد ان هذه الالفاظ و الصفات بالرغم من أشكالها و صيغها المشتقة تكون بسيطة و الدليل علي ذلك ان هذه الالفاظ في اليونانيه و في لغات اخري تكون بسيطة لامشتقه مثلاً لفظ o في اليونانيه لفظ بسيط لامشتق و ايضاً معناه معني بسيط. كان ابن رشد لايعرف اللغة اليونانيه ولكن هو نظر نظرة دقيقة في المصادر و الترجمات القديمة و قارن الترجمات المختلفه لكتب ارسطو و دقق النظر فيها و رأي ان بعض المترجمين في عصر الترجمة ترجموا لغة o في اليونانيه بالموجود في اللغة العربيه و هويناقش ابن سينا في هذا الصدد و يَقول يجب ان يترجم لفظة o في اليونانيه بالفاظ اخري و هو يظن انه هو احسن ان يترجم لفظة o بالهوية و احسن منها لفظة «شي ء» و هذه الكلمة اقرب لفظا و معني الي كلمة o اليونانيه و هكذا لايُفهم من هذه الكلمة الماهية و الوجود لانها لاتكون مشتقة.نحن نتساءل هل كان ابن رشد محقاً في اعتراضه لابن سينا. في رائي و ان كان له حق في قوله بان لفظ الموجود في العربيه هو لفظ مشتق و في لغاتٍ اخري لايكون كذلك، لكن البحث عن الوجود و الماهية لايكون بحثاً لغوياً اشتقاقياً فحسب بل هو بحث عقلي و فلسفي صرف لأن السؤال عن ماهية الشي ء هو غير السؤال عن وجوده. مرةً نسأل ما هو الشي او باليونانيه Ti esti او بالفارسيه آن چيست؟ و هذا سؤال عن ماهية الشي ء و مرّة نسأل هل هو موجود باليونانيه hoti و بالفارسيه آن هست؟ و هذا سؤال آخر عن وجود الشي ء؛ هذان سؤالان حقيقيان يشيران الي اعتبارين مختلفين عقليين في كل شي ء. نحن احياناً نتصور ماهية الشي ء و نشك في وجودها و هذا دليل واضح علي التغاير بينهما. و من جانبٍ آخر اختلاف اللغات دليل واضحٌ علي ان وضع اللغوي لايكون معياراً لحّل المعضلات العقليه.و علينا ان نشير هنا الي مسألة اخري و هو ان ابن رشد فسّر تفسيراً خطأً من بعض آراء ابن سينا من أهمها مسئلة عروض الوجود علي الماهيه و هذا التفسير الخطأ وجد طريقه في البئية الفلسفيه في العصور الوسطي و نري فلاسفة كتوماس الآكوئني يَعيبُ علي ابن سينا في هذه المسئلة و الحق أنه مخطِيٌ في اعتراضه علي هذا الفيلسوف و هو مصداقٌ لقول الشاعر.و كم من عائب قَولاً صحيحاً و آفته من الفهم السقيمو تفصيل القول في مسئلة العروض التي نجدها في آثار ابن سينا وبعده في كتب الفلسفه الاسلاميه ان ابن سينا يقول بأن الوجودَ عارض علي الماهيه او زائد عليها و مراده من العروض و الزيادة في هذا الصدد هو المغايرة بين الاثنين في التصور العقلي و المفهوم الذهني حتي گـزارش / تأثير ابن سينا و ابن رشد في مسألة الوجود... اذاوجدنا مفهومين متغايرين تصوراً و ذهناً نقول أن احداهما عارض علي الآخر زائد عليه مغاير له و لهذا نقول إن الوجود عارض للماهيه و نعني به انه مغاير لها في التصور و الذهن و هذا لايعني ابداً ان الوجود عرضٌ من الاعراض كما فسرّه ابن رشد هذا القول و قال كيف يكون الوجود عرضاً من اعراض الماهية و المعلم الأول ماعّد الوجود كمقولة من المقولات العشر و يظن ان ابن سينا خطأ خطأً فاحشاً في هذا الامر و الحقُّ أنَّ ابن رشد ما ادرك هذا القول ادراكاً صحيحاً و نري الفيلسوف المسبحي توماس الآكوئني يبني نظرية فعلية الوجود17 علي اساس هدم و تفنيد نظرية عرضية الوجود لابن سينا والحق ان ابن سينا كان قائلاً بأصالة الوجود و فعليته في كل شي ء.اضافة علي ذلك يعترض ابن رشد علي ابن سينا في قوله علي مغايرة الموجود و الواحد. المسئلة راجعة الي ارسطو الذي يقول في كتاب ميتافيزيقا إن قولنا هذا انسان و هذا انسان واحد قول سواء و يعني بهذا القول ان لكل شي ء في الخارج له وحدة شخصيه و متي لم تكن له وحدة لم يكن موجوداً. ابن سينا يقبل هذا القول ولكن يقول المفهومان (الموجود و الواحد) متغايران في الذهن و ان كانا متحدان في الخارج.18«و احتج هذا الرجل [ابن سينا] لمذهبه بأن قال انه لوكان الواحد و الموجود يدلان علي معني واحد لكان قولنا الموجود واحد هذر بمنزلة قولنا الموجود موجود و الواحد واحد و هذا انما كان يلزم لو قيل اِنَّ قولَنا في الشي ء الواحد انما هو موجود و واحدٌ يدلان علي معني واحد من جهة واحدة و نحو واحد و انما قلنا انهما يدلان علي الذات الواحدة علي انحاء مختلفه لاعلي صفات مختلفة زائدة عليها.... و انما غلّط هذا الرجل امورٌ منها انه وجد اسم الواحد من الاسماء المشتقه و هذه الاسماء تدل علي عرض و جوهر... و منها انه ظن ان هذا الواحد المقول علي جميع المقولات هو الواحد الذي هو مبدأ العدد و العدد عرض فاعتقد أنَّ اسمَ الواحد يدل من الموجودات علي عرض...».نري ان اعتراض ابن رشد علي ابن سينا مبني علي ان لفظة الواحد في اللغة العربيه لفظة مشتقه و هوفسّر الواحد بالشي ء الذي له الوحدة و قال بتغاير هما و ايضاً يظن ان ابن سينا خلط و مزج بين الوحدة العددية التي تُعّدُ من مقوله الكم من المقولات العشر و الوحدة المساوقة للوجود و هذا الانتساب الي ابن سينا لايكون صحيحاً اصلاً.و اخيراً يعترض ابن رشد علي ابن سينا في نظريته المعروفة بالوجوب و الامكان و التي اشتَهُرت عنه و بني علي اساسها برهان الوجوب و الامكان لاثبات الله سبحانه و تعالي. النظرية تكون هكذا؛ كل شي ء نظراً الي ماهيته و نسبته الي الوجود يكون إمّا ممتنعا او ممكنا او واجبا. مثلاً هل هناك دائرة مربع معاً، لا، هذه ماهية يمتنع وجودها و الشي ء الممتنع لايوجد في الخارج ابداً و هو كما يقول ابن سينا ممتنع الوجود ـ و امّا هناك ماهيات ممكنة و يعني بالماهية الممكنة الوجود ما لاتكون نسبة وجوده الي ماهيته إمّا ضرورياً او ممتنعاً؛ مثلاً نسبة الوجود الي ماهية الانسان؛ نقول اِن الانسان هو ممكن الوجود لان وجوده لايكون ضرورياً و الا لكان موجوداً ازلياً ابديا و لايكون وجوده ممتنعا و الا لمَّا وجد قط و هو موجود الآن فهو ممكن الوجود و كل ممكن، ممكن نظراً الي نفسه و ماهيته و واجبٌ نظراً الي موجده و فاعله الذي يعطيه الوجود و الوجوب. فكل موجود سوي الله سبحانه و تعالي الذي هو واجب الوجود، يكون ممكنا في ذاته، واجباً في وجوده بغيره. فالواجب قسمان واجب بذاته و هو الله سبحانه و تعالي و واجب بغيره و هي ممكنات الموجودة في العالم باسرها.و يعترض ابن رشد علي هذه النظرية و يقول:«و لذلك لايصح ان يقال ان ها هنا شي ءٌ ممكن من ذاته ازليٌ و ضروري من غيره كما يقول ابن سينا ان الواجب منه ما هو واجب بذاته و واجب بغيره الا في حركة السماء فقط و أمّا ان يوجد شي ء هو في جوهره ممكن و هو من قِبَل غيره ضروري الوجود فلا يمكن ذلك لأن الشي ء الواحد لايمكن ان يكون من قبل جوهره ممكن الوجود و يقبل من غيره الوجود الضروري إلّا لو امكن فيه ان ينقلب طبعه. و اما الحركة فيمكن فيها ان تكون واجبة من غيرها ممكنة من ذاتها و السبب في ذلك ان الوجود لها من غيرها و هو المحرك فان وُجِدَت سرمديةً فواجب ان يكون مِن قِبَل مُحرّكٍ، لايتحرك لا بالذات و لا بالعرض، فالبقاء للحركة من قبل غَيرها و أما للجوهر فمن قبل ذاته و لذلك لم يمكن ان يوجد جوهرٌ ممكن من ذاته ضروري من غيره وامكن ذلك في الحركة...»نري ان ابن رشد يجوّز القول في الوجوب بالذات و الوجوب بالغير و الامكان في حركة السماء فحسب ولكن ابن سينا يجّوزه في كل الاشياء في وجودها لان الاشياء ماهيات يعقلها الذهن تعقلاً و اضحا و ينسبها الي الوجود نسبة حقيقية.هنا نلخص البحث و نقول أنَّ ابن سينا فسّر ارسطو تفسيراً وجودياً لم يُعهد و لم يسبقه احد في تاريخ الفلسفه و ابن رشد نقده نقداً هادماً عنيفاً في مسألة الوجود و استأصلها من بنيانها و شك في اصولها و مباديها. و الجدير بالذكر ان ابن سينا ما أسس نظريته الوجوديه علي اساس شرح و تفسير ارسطو فحسب لأن ابن سينا ما كان شارحاً و مفسراً لارسطو. و لهذا يقول ابو عبيد الجوزجاني تلميذ ابن سينا في ترجمته لابن سينا انه سأل ابن سينا ان يكتب شروحاً و تفاسير لكتب ارسطو و اعتذر ابن سينا و قال لستُ انا شارحاًو لكن اكتب لك كتاباً و سألني أن احضرله قرطاساً و أنا اعددت له اربعين ورقة و هو كتبَ فهِرسَ عناوين كتاب الشفاء في نفس الليلة. علي العكس من ذلك كان ابن رشد شارحاً و مفسراً كبيراً لآثار ارسطاطاليس اكثر من كونه فيلسوفاً و لهذا نراه يُزّيف آراء ابن سينا من وُجهة نظر كونه شارحاً لآثار ارسطو.علي أي حالٍ كان للفيلسوفان الكبيران، ابن سينا و ابن رشد اٍسهاماً غير قليل في تاريخ الفكر البشري و في تاريخ الفلسفة خاصة. أثر ابن سينا تاثيراً كبيراً في الفلسفة الاسلاميه خاصة في نظرية الوجود. و ابن رشد و ان كان غير معروف في شرق الاسلام و لكن كان هناك للعارف الاندلسي المعروف ابن عربي الذي عاش و مات في هذه المدينة الطيبه دِمشق صانها الله عن الآفات و الحدثان ابد الدهر قريب من اربعين سنة من عمره، كان له تأثير عظيم في مسألة الوجود و لعب دوراً هامّاً في العالم الاسلامي و في ايران خاصة حتي نري ان اكثر اتباعه و شارحيه كالجندي و الفرغاني صاحب مشارق الدراري و كاشاني و عراقي و جامي و خوارزمي و سيد حيدر آملي و غيرهم كانوا ايرانيين و حتي نجد لهم شروحاً كثيرةً علي كتب ابن عربي و علي كتاب فصوص الحكم خاصة. الحقيق بالذكران اتباع مدرسة ابن عربي الفّوا رسائل عديده في مسألة الوجود من اهمها للقونيوي و للقيصري و سيد حيدر آملي و الجامي و غيرهم و التقي هذان البحران يعني ابن سينا و ابن عربي في مدرسة ملاصدرا الوجوديه المعروفة بالحكمة المتعاليه التي تدور حول قطب الوجود و ملاصدرا يُعّد من كبار الفلاسفه الوجوديين في العالم بأسره.و امّا ابن رشد فقد فسّر الموجود في كتب ارسطو بالجوهر و هو عين ما فعل ارسطو نفسه مثلاً يقول ارسطو في كتاب ميتافيزيقيا «السوال الذي قد كان يسئل عنه من قبل و يُسئل حالياً و سيسئل عنه من بعد هو ما هو الموجود19 و اعني بالموجود الجوهر» و من اهم تقسيمات الموجود عند ارسطو انقسام الموجود بالمقولات العشر يعني ما يُسمي هوTo kategorio o kata ta schemata to و الموجود بما هو موجود يطلق اولاً علي الجوهر و علي الاعراض تبعاً للجوهر. كان لابن رشد تاثيراً عظيماً في تكوين نظرية الجوهر في الغرب مثلاً في ديكارت و اسبينوزا و غيرهم. ديكارت يُشيّد صَرحه الفلسفي علي اساس نظرية الجوهر و تعريف الجوهر عند ديكارت هو الموجود لذاته20 و هو تعريف لايوجد في ارسطو و لا ابن سينا بل هو تعريف يوجد في آثار ابن رشد خاصة في تفسيره الكبير. المحقق الباحث الكبير الفرنسي اتين جيلسون21 كتب مقالة قيّمة بَحَث فيها عن مأخذ عبارةٍ في توماس الآكوئني الذي يقول: «الموجود لذاته [es per se] لايكون تعريفاً حقيقياً للجوهر كما يقول ابن سينا» و هو فهم من هذه العبارة انها من ابن سينا و قال اني بحثتُ عنها في كتب ابن سينا ثلاثين سنة و ما وجدتها في آثاره» و الحق ان هذا التعريف لايكون سينوياً بل رشدياً.لابن رشد تاثيرهام جداً في نظرية الجوهر عند اسبينوزا و نحن نعلم أن اسبينوزا قرأ آثار ابن رشد و خاصة تفسيرة الكبير في ترجمتين ترجمةٍ عبرانيهٍ اولاً و ترجمةٍ لاتينيةٍ ثانياً و الهذا نري اتين جيلسون في كتابه الوجود و الماهية22 يقول من نظر في فلسفة اسبينوزا يري انه كابن رشدٍ صار ديكارتياً(Averroes Cartesia) و الي هنا تنتهي مقالتنا و الحمد لله وحده و به نستعين.1- Otological Iterpretatio 2- Ousiological Iterpretatio 3- prote ousia 4- prote' philosophia 5- Sophia 6- Theologike 7- Aalogia 8- Methodology 9- Christia Wolff 10- Leibiz 11- Otologia 12- Metaphysicageeralis 13- Theologia 14- Metaphysicaspecialis 15- كتاب تفسير الكبير ج1، ص313. 16- تفسير الكبير، ج1، صص7-46. 17- actus essedi 18- يقول ابن رشد في كتابه التفسير الكبير ج1، ص314 - 313. 19- Tiesti to o 20- es per se 21- Etiee Gilso 22- Etre et lEssece