ما كتب و يكتب عن ثورة الامام الحسين السبط«عليهالسلام»
رضيه طهمازى ان ثورة الامامالحسين السبط«عليهالسلام» لا تحتاج الى تعريف و بيان، فانها غنية عن كل ذلك، و حقا لقد علم بها الخالق و المخلوقون، و يكفي انها صنعت التاريخ و لم يصنعها التاريخ نفسه، و غرست في كل نفس ابية بذرة الاباء الرفض لكل انواع الظلم و الطغيان، و انها اعادت و حفظت المسار الحقيقى الذى رسمه حبيب الله و خاتم رسله «صلى الله عليه وآله»، بعد الانحراف و العدول الذى تعرض اليه من خلال تسلط حكام لم يكونوا اهلا لذلك، و ذلك لاسباب بينة نحن فى غنى عن ذكرها هنا،... حيث صدى قوله الشريف«عليهالسلام»: "خرجت لاصلاح امة جدى رسول الله«صلى الله عليه وآله» " ينعكس في كل لحظه و من خلال كل ذرة من ذرات السماوات و الارضين، منذ ذلكالحين الى يوم يبعثون. فليست الكتابه فى هذا الموضوع هو للتعريف بها -الثورة، فالشمس لا تحتاج الى بيان، بل لنيل الفائدة المطلوبه و المبتغاة منها في رسم النهج القويم لسعادة الحياة الدنيويه و الاخرويه، و غرس الروح الحسينيه فى النفوس، حيث لو كانت الروح الحسينيه فى جنبي كل مسلم، بل كل حر من عبودية غير ا..، لما تجرا الظالم على ظلمه للاخرين، و لما اتيح للمستكبرين استغلال و استضعاف العباد... . لقد كتب كثيرون عن ثورة الامام الحسين السبط الشهيد«عليهالسلام»، من اسلاميين و غير اسلاميين، منذ شهادته«عليهالسلام» و لحد الان، و لا يزالون،... و قد كتب كل منهما من الجانب الذي تاثر به، و بالمدى الذي وصل اليه، و بالتحليل و التفسير الذى بادر اليه ضمن حدود و اطار عقيدته، و ظروفه، و موقعه،... فالذين كتبوا فى هذه الثورة العظيمه، المثيره للثورات الحقه الحرة على مدى الزمان، ينقسمون الى مايلي: 1- البعيدون فكريا و منهجا عن الحسين«عليهالسلام»، و يمكن اعتبارهم من المبغضين. 2- المحبون للحسين«عليهالسلام»،... و تشمل هذه المجموعه: المسلمين و غير المسلمين، و بعبارة اوضح المسلمين والنصارى، حيث ان النصارى يكونون اقرب مودة للمسلمين وفق الآية الشريفه: "... و لتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى، ذلكبان منهم قسيسن و رهبانا و انهم لايستكبرون" (1) فالقسم الاول قد كتبوا ولازالوا فى هذه الثورة العظيمه المعطاءة، و حللوها بما املتها عليهم معتقداتهم و سلوكهم و ظروفهم التى عاشوها و يعيشونها. و تتلخص آراؤهم بمايلي: 1- ان الحسين«عليهالسلام» القى نفسه فى التهلكة، و هو محرم وفق الآية الشريفة: "و لا تلقوا بايديكم الى التهلكه" (2) ناسين او متناسين ما يصلها بما قبلها و ما بعدها معنى و لفظا،... 2- انه«عليهالسلام» قتل بسيف جده«صلى الله عليه وآله»، لانه خرج على امام زمانه يزيد. (و قال جماهير من اهل السنة من الفقهاء و المحدثين و المتكلمين: لا ينعزل - الحاكم الذى سموه اماما - بالفسق و الظلم و تعطيل الحقوق، و لا يخلع و لا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه و تخويفه للاحاديث الواردة فى ذلك. و قال قبله: (و اما الخروج عليهم و قتالهم فحرام باجماع المسلمين و ان كانوا فسقة ظالمين، و قد تظاهرت الاحاديثبمعنى ما ذكرته و اجمع اهل السنة انه لا ينعزل السلطان بالفسق) (3) و قد ثبت من مصادر هذه الاراء، ان اصحابها من الذين لم يدرسوا و لم يتفهموا مسيرة اهل البيت«عليهمالسلام» و بالذات شخصية الامام الحسين السبط«عليهالسلام»،... فهم بعيدون كل البعد منها. اما القسم الثانى - المحبون للحسين«عليهالسلام» - من مسلمين و غير هم الذين تصدوا لهذه الثورة العظيمه، و الذى لا يوجد اي شك و ابهام فى حبهم له«عليهالسلام»، فلكل منهم آراءه، حيث نذكر بعضا منها: اولا: آراء المسلمين: 1- ان الحسين«عليهالسلام» خرج للاصلاح، و تصحيح ما حرف فى دين جده«صلى الله عليه وآله» بعد تسلط حكام لم يكونوا اهلا لذلك و توليهم امور المسلمين و هم بعيدون عن الاسلام، كبعده عنهم، حيثخرج«عليهالسلام» لتصحيح المسار و النهج الالهى القويم الذى رسمه الخالق لمخلوقه من خلال مصطفاه و حبيبه و خاتم و اشرف رسله«صلى الله عليه وآله»، و ذلكفى قوله الشريف الذى ردد و لا يزال يردد صداه جميع ذرات الكون منذ اطلاقه و الى يوم ينفخ فى الصور، الا و هي المقوله الحقه له«عليهالسلام»: (خرجت لاصلاح امة جدى رسول الله«صلى الله عليه وآله»)،... خرج «عليهالسلام» و هو لا يعلم بقتله و خذلانه وغدره من قبل اهل الكوفه الذين ارسلوا له بتلك الرسائل الجمة، طالبين منه القدوم اليهم و تولي امورهم، و من قولهم له «عليهالسلام»: (... اقدم، فقد اينعت الثمار، و اخضر الجناب...) 2- انه «عليهالسلام» خرج وفق تكليفه الشرعي الخاص، كامام معصوم مؤيد و مسدد من قبل الله تعالى، و الذى لا احد يعرف ذلكالتكليف الذى خرج الامام«عليهالسلام» و فقه، الا الله و الراسخون فى العلم... 3- انه «عليهالسلام» يعلم علم اليقين انه سيقتل،و ذلك من خلال علمه السياسي، حيث المامه التام بطبيعة ذلك المجتمع الذى يعيش فيه، و معرفته الكامله لطبيعة و خلفية حكام ذلك الوقت، و من خلال علمه الالهى (بشهادته) بانه امام معصوم مسدد و ملهم من قبل الله تعالى،... فخرج مناديا باسقاط الحكم الاموى، و قدم نفسه و اعز ما يخصه و ما يملك قربانا على مذبح العقيدة مبتغيا بذلك وجه الله تعالى و مرضاته: (و من يشرى نفسه ابتغاء مرضاةالله) (4) ليحدث هزة فكريه يوقظ بها وجدان الامة و يفجر فيها الحالة الثوريه لرفض الزيغ و الانحراف و الظلم، و ينال هو«عليهالسلام» الدرجات العليا بالشهادة فى سبيل ذلك و يلقى ربه راضيا مرضيا (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضيه) (5) و هذا الراى الاخير هو الذى يتبناه المفكرون الاسلاميون و ياخذوا به، و هو افضل ما قيل فى ثورة الامام السبط الحسين الشهيد«عليهالسلام»... اقول: ان الامام الحسين السبط«عليهالسلام» الذى لم يشهد اكمال حجبيتالله الحرام، الذى هو اقصى ما يبغيه المسلم المؤمن فى التقرب الى ربه تعالى، و الذى فسره الكتاب و المحللون بتفاسير و تحاليل شتى،.. فبالرغم من قبول اغلبها، الا ان كنه هذا العمل لا يكون سوى الاطاعه المحضه لتلبية دعوة الحبيب الخالق سبحانه و تعالى، فتوجه«عليهالسلام» للطواف حول عرشه العظيم و الاحتراق و الذوبان بنور قدسه و عظمته كالفراشة الطائفة حول الشمعه المشتعله (المتوهجه)، و الملتذة بالاحتراق بنورها، للحفاظ على قوام رسالته جل و علا التى هى دين جده«صلى الله عليه وآله»،... الم يكن هو«عليهالسلام» القائل: (ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي، يا سيوف خذيني)؟ و الم يكن هو من المقصودين فى الحديث القدسي الشريف: (.. و من احبنى احببته، و من احببته عشقته، و من عشقته قتلته، و من قتلته كانت علي ديته، و من كانت على ديته فانا ديته)...، و ليكن هو تعالى صاحب العزاء، و يكون بيته المحرم لا بسا السواد الدائم فى حزنه«عليهالسلام» الى ان يظهر المهدي المنتظر(عج) و ياخذ بثار جده«عليهالسلام» و ابدال الاسود ابيضا و ادخال الفرح و السرور الى قلب جده المصطفى«صلى الله عليه وآله» و امه الزهراء«عليهاالسلام» ثانيا: اما الذين احبوا الحسين«عليهالسلام» - من غير الاسلاميين - و كتبوا فى ثورته«عليهالسلام»، فيكون حبهم للاسباب التالية: 1- ان الحسين و السيد المسيح«عليهماالسلام» يتحدان بالمظلومية، و يتفقان بالاهداف. 2- ان الحسين و النبي يحيى«عليهماالسلام» قد ظلما و قطعت رؤوسها و طافوا بها البلدان، فهام بعض الناس حبا فيه عليهالسلام. اسباب اختلاف الآراء فى التفسير و التحليل فيما كتب و يكتب عن هذه الثورة العظيمة: لقد تعددت الاسباب فى اختلاف الآراء، ولكن تذكر اهمها: 1- الحلقات التاريخيه المفقودة التى تغني بها الكتاب و المحققين و الباحثين فى هذه الثورة، منها ما اتلفها الحاقدون و المبغضون لآل بيت المصطفى«صلى الله عليه وآله»، و منها ما قصر في نقلها المؤرخون عمدا اوسهوا، و منها لاسباب اخرى نحن فى غنى عن ذكرها، و مهمايكن، و ان دل ذلك على شىء، انما يدل على مدى الظلم و التغاضى الذى تعرض له النبي«صلى الله عليه وآله» و اهل بيته الطاهرين،... 2- الدراسات الناقصة و غير الملمة، او السطحيه الضعيفة و غير الجذرية، للحالة النفسية التى كانت عليها المرحلة فيما بعد حياة النبي«صلى الله عليه وآله»، و خاصة التى عاشها الامام الحسين«عليهالسلام». 3- انعكاس الذهنية الخاصة لكل كاتب و باحث، و هذا ماله التاثير الكبير فى صياغة التفسير و التحليل، لانهما لا يكونان سوى النتاج لتلك الذهنية. ما يجب على الكاتب و المحقق فيما يكتب فى هذا الموضوع: 1- يحاول ان يكون محايدا، و منصفا الى حد ما، و يحكم عقله الخالص فى كل ما ذكر و كتب فى هذا الموضوع، عارضا ذلك على الكتاب الكريم و السنة النبويه الشريفه اللذين هما الثقلين، و انهما المحك الرئيسي للمسلمين فى تشخيص الحق من الباطل . 2- ان يكون الفرد ذو اطلاع واسع و كاف بالمراحل التاريخيه التي مربها الامام الحسين السبط«عليهالسلام» و اهل بيته الكرام و اصحابه المخلصون قبل و اثناء و بعد واقعة الطف، و لاجل ذلك، عليه ان يراجع جميع المصادر و يدرسها دراسة تحليليه وافية من جميع الجوانب، ثم بعد ذلك يتعرض لكتابة هذا الموضوع، و الا، و بدون ذلك، فسيكون الاعراض عنه و تركه اولى و اكرم له . و قد لا يخفى على احد، ان هناك اسئلة كثيرة تطرح حول موضوع هذه الواقعة، رغم مرور اكثر من13 قرنا عليها، و كثيرا منها لا زالت مدفونة في اذهان المسلمين، و كلها تحتاج الى بيان و توضيح اكثر، بالاستناد على التحليل التاريخى و الاجتماعى - و ما يشمل الجانب النفسي و العقيدى... و الاخذ بنظر الاعتبار هذه الفتره السحيقة بيننا و بين تلك الواقعة. ان التطرق لهذه الثورة العظيمه، و ذكر اسبابها و ظروفها و نتائجها، ان لم يكن هو المهم... يفوق اهمية على جوانب الاثارات العاطفية، و ان كانت لها اهميتها الخاصه،... و تقع هذه المسؤولية العظيمه على عائق من له باع طويل فى هذا المجال من باحثين و محققين و كتاب من اهل العلم و القلم باسلوب صحيح و نية صادقه و عمل خالص لله تعالى وحده، ليكون بعيدا عن اثارة الحزازات او المضاعفات التى نحن فى غنى عنها، بل نحن فى ظرف نكون فيه احوج لتوحيد الصفوف الايمانية و الدعوة الى وحدة كلمة المسلمين و غرس الحب و الود و الالفة بينهم. من اسباب و عوامل عدم الاحاطة التامة لهذه الثورة العظيمة: 1- من البديهى، لا يمكن لايكاتب ان يتكامل فى طموحه، و يلم الماما كاملا فى كل ما يبغيه، فالله تعالى وحده هو اللامتناهي فى العلم و القدرة و الحكمه و... و...، فالعقل الانساني مهماتسامى فهو محدود، و على ذلك، فليس للانسان ان يدرك العلم و الحكمة الالهية كما هي، و كما يعلمها الراسخون فى العلم من اوليائه المخلصين، و انما يكون نصيبه منهما بما اسبغ عليهالله منه عطائه و مننه و (العلم نور يقذفه الله فى قلب من يشاء) (6) 2- تعدد القضايا و تزاحمها مع البعض فى موضوع واحد، بحيثيتعذر على العقل البشري الجزم و البتبها، حيث لا يمكن للانسان الاحاطه التامة بالواقعيات كما هي، و لا ادراكها،... فلو كان له ذلك لما وقع و تورط فى كل تلك الشكوك و الجهالات... 3- من يكتب و يتحدث عن حدث تاريخى كواقعة الامام الحسين«عليهالسلام» عليه ان يتمثل بهذا المثل: (يرى الحاضرما لا يرى الغائب)، (7) و واضح و بينانهم كانوا حاضرين و نحن غائبون، و هم مشاهدون و نحن غير مشاهدين، و من هذا الواقع ليس لنا - و لغيرهم - حق الاعتراض على اية واقعة و حدث تاريخي لم نشهده و لم نحط به خبرا،... اذ ان اهلها و القائمين بها كان لهم من العلم مالم نعلمه نحن من حيث القرائن و الظروف و الاجواء التي كانوا يعيشونها، و لهم الالمام التام بها من جميع جهاتها، و التى على ضوئها شخصوا تكليفهم بفعل كذا و ترك كذا، و ليس لنا حق التفوه ضدهم و الاعتراض عليهم لعدم المامنا نحن بالموضوع و عدم معايشتنا اياهم،... 4- ان بعض الامور النظرية و العلمية التى يتعذر على العقل البشرى ادراك واقعياتها، يلجا الى الناحية المنطقيه فى ردها، و ذلك بطرح افكار و اطروحات تحتمل محتملات معقوله بعد جمع قرائن على صحتها من ناحية، و من ناحية اخرى لدفع الاستدلال المضادبها. و بتعدد الاطروحات و الاستدلال المضادلها، سيدخل الاحتمال، اذ بدخوله سيبطل الاستدلال. و هذه الحالة النظرية يمكن سحبها و تطبيقها على كثير من حوادث التاريخ بالنسبة الى كثير من الشخصيات المعروفه السابقة، و خاصة اذا كانوا معصومين، بل المعصومين اولى بالصحه، حيث ان اقوالهم و افعالهم محرزة الصحة بعد ثبوت عصمتهم ببرهان لا محل لذكره هنا،... فان لم تكن وجه الحكمة الحقيقية معروفة من بعض امورهم، فبوجود اطروحه او اكثر يحملها على الصحة مما يبطل الاستدلال و التشكيك ضدهم جزما. 5- تعدد الاهداف و الحكم من كل قول او فعل صادر عن كل انسان، سواء كان معصوما او غيره،... و هذه الاهداف و الحكم اما ان تكون معلومة او محتملة او تكون فى (ضمن) الحكمه الالهية،... و المهم هنا ان تكون متعددة، و على هذا ستكون الاطروحات المحتملة المصححة لتلك التصرفات(القول او الفعل) متعددة ايضا. 6- لقد ثبت في الفلسفة ان لوجود اي مخلوق (انسان، حيوان، نبات، جماد، ام ملائكة ام غيرهم) حكمة و هدف (عله غائية) (8) فبالرغم من تخيير الله سبحانه الانسان، و اثابه و عقابه، او مدحه و قدحه،... الا ان افعاله هذه - رغم انها اختياريه -، و بصفتها من خلق الله سبحانه، - و انه خليفة الله - فهى منسوبة اليه جل و علا، و وفقا لذلك يكون ايجادها و فق القاعدة - ذا حكمه و عله غائية... و لها تتمة فى العدد القادم 1)المائده ،82
2) البقره، 195
3) النووي، شرع صحيح مسلم، 12،229
4) البقره،207:" و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاتالله..."
5) الفجر،27 و 28
6) المسترشد الطبرى،9
7) الحر العاملي، وسائل الشيعه، 11، 441
8) صدر الدين الشيرازى (صدرالمتالهين)، الحكمة المتعلايه،7،209
>