عدالة الاجتماعیة فی نهج الامام امیر المومنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عدالة الاجتماعیة فی نهج الامام امیر المومنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) - نسخه متنی

محمد أمین أبو جوهر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

العدالة الاجتماعية في نهج الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‏السلام

محمد أمين أبو جوهر

استاذ جامعي ـ فلسطين

مقدمة :

خلّف علي بن أبي طالب عليه‏السلام منظومة فكرية متكاملة تصعب الاحاطة بمضامينها ومعانيها! فهي معين ثَرٌّ لا ينضب. ما نهل منه شارب الا وخرج بجديد ينفع الناس والمخولقات كافة. وليس في الأمر مبالغة ان أسميتها: «البيان الجامع». ان اصلاح العباد والبلاد هو الهدف الاساسي الذي يقوم عليه نهج أمير المؤمنين عليه‏السلام . فقد عالجت خطبه ورسائله، وأقواله شؤون المجتمع الاجتماعية والاقتصادية، والعلمية، والسياسية، والبيئية، والحفاظ على أمن الناس، وتأمين العيش الكريم لهم، ورسمت المعالم الأساسية لأول ميثاق لحقوق الانسان.

وكان عليه‏السلام ، في سلوكه اليومي وممارسته العملية منسجماً تمام الانسجام، مع أقواله ليس فقط مع محبيه، بل حتى مع مبغضيه، لأنه كان يؤمن أن الناس كلهم أخوة سوداً كانوا أم بيضاً، مسلمين، أو معاهدين.

لمحة تاريخية :

ولما كانت العدالة الاجتماعية في نهج أمير المؤمنين عليه‏السلام هي موضوع بحثي، فسأمتاح منها قدر طاقتي، وليس بقدر ما فيها من معان وتجليات! وقبل الدخول في الموضوع يكون مفيداً التطرق بايجاز، الى بعض القضايا، منها:

1ـ العرب قبل الاسلام :

نشأت بين القرنين السادس والسابع الميلادين فئة من كبار التجار العرب، وكانت تنمو نمواً متسارعاً، وتحمل في عوامل تكوينها الاجتماعي تباشير ولادة مجتمع العلاقات الاجتماعية التجارية. وكانت هذه الفئة الاجتماعية هي الجنين الطبقي لذلك المجتمع.

أما في مكة تحديداً، فقد ضم مجتمعها فئة قليلة (ملأ قريش) تمتلك الثروات الطائلة: نقدية وعينية، وأراضٍ واسعة. حصلت على أموالها عن طريق الاحتكار والتجارة، والربا، وعن طريق استثمار الفقراء والعبيد (أي الأغلبية الساحقة من الناس). في تربية المواشي، أو في زراعة الأرض وجني محصولها.

كانت قريش تتألف من عدة فروع أفقرها الفرع الهاشمي الذي تحدر منه النبي وابن عمه علي. ولم تكن لهذا الفرع المسؤوليات الخطيرة ولا الهامة في حكومة الأغنياء حكومة ملأ قريش وتجارها، وملاك قوافل تجارتها وعبيدها.

2ـ ظهور الاسلام :

ولما بعث محمد نبياً، ناصره الفقراء والمستضعفون وفي مقدمتهم الهاشميون. هال ذلك ملأ قريش فناصبوه العداء، وحاربوا أتباعه اقتصادياً وسياسياً، والبوا عليهم القبائل العربية...

تمكن المسلمون لاحقاً من الانتصار على ظالميهم، وفتحوا مكة، وانتشر الاسلام في شبه الجزيرة العربية، ودانت له قبائلها.

وكان سيف علي بن أبي طالب من أبرز السيوف التي طالما قطعت في ساحات القتال رقاب أشراف قريش وعتاتها، الذين تصدوا لدعوة الاسلام.

3ـ وفاة النبي :

بعد وفاة النبي مباشرة، تحركت نوازع الصراع على السلطة، وظهرت فجأة الى السطح رواسب الصراع القديم بين مكة والمدينة، وظهرت أيضاً المشاعر الطبقية الجنينية التي كان يتحسن بها الأنصار من قبل. كما تنبهت رواسب الفوارق القديمة في الجاهلية بين بني هاشم من جانب، وبين فروع قريش الأخرى.

وتحول ظاهر الصراع من كونه صراعاً بين المهاجرين والأنصار على السلطة، الى كونه صراعاً بين الهاشمين وسائر الفرقاء على من هو صاحب الحق بالخلافة؟! وكانت الخلافة بحد ذاتها ـ كمنصب ديني ـ تبدو أنها المحور الذي يدور حوله هذا التناقش، في حين ان الدوافع الاجتماعية، والطموح الى ما يعنيه هذا المنصب من امتلاك زمام السلطة، لتحقيق أهداف كل فريق هي التي كانت تكمن وراء هذا التناقض!

إذن من سيكون الخليفة، ولمصلحة من سيعمل؟

وقبل أن يوارى جسد النبي في الثرى بويع أبو بكر بالخلافة، واعترف عمر بن الخطاب بأن البيعة كانت (فلتة) وحذر من تكرارها! ثم تولاها عمر، ومن بعده عثمان بن عفان. وأعلن عمر صراحة لعبد اللّه‏ بن عباس: ان قريشاً كرهت ان تجتمع لبني هاشم النبوة والخلافة! (يعني استبعاد علي عليه‏السلام ).

4ـ خلافة عثمان بن عفان :

إتبع عثمان سياسة مكنت التيار القرشي القديم (ملأ قريش) ومن سار معه، من تحقيق مطامحه الاجتماعية، على حساب التعاليم الاجتماعية الثورية التي بشر بها الاسلام، وعلى حساب جماهير الفقراء، وكان الفرع الأموي من قريش بزعامة أبي سفيان، في مقدمة الذين استفادوا من هذا التطور الاجتماعي، ورأى في تولي عثمان الخلافة فرصة طالما انتظروها كي تعود لهم المكانة الأولى من جديد.

وقف أبو سفيان على قبر حمزة بن عبدالمطلب وهو يقول:

«رحمك اللّه‏ يا أبا عمارة، لقد قاتلتنا على أمر صار الينا».

(الامتناع والمؤانسة ـ أبو حيان التوحيدي ـ ج2 ـ ص75).

ومن الأساليب التي اتبعت لتحقيق طموحات ذلك التيار، أذكر الآتي:

ـ استخدم عثمان الكثير من أقربائه ولاة وحكاماً وقد استبدوا بالأمر دونه ولم تكن أموال الجزية والخراج تذهب الى بيت مال المسلمين، انما تذهب الى هؤلاء الحكام.

ـ أقطع كثيراً من الصحابة مساحات واسعة من الأراضي التي كانت ملكية عامة لبيت المال، والتي بلغ دخلها في عهده خمسون مليون درهم، وكان أول من أقطع أراضي العراق.

ـ أعلن عثمان وبصفته اماماً أنه يحق له التصرف كيف شاء في الأموال الزائدة من بيت مال المسلمين، وتساءل: اليس المال ولكم؟! فلم لا اصنع بالزائد ما أحببت؟ فلم كنت اماماً إذاً؟! ولم يجد حرجاً في منح ابنته عند زواجها ستمائة ألف درهم كلها من أموال الجزية والخراج!..

ـ تكون لديه موقف فكري لا يرى فيه حرجاً على الناس، ولا على ضمائرهم، من السعي في سبيل جمع الأموال، وان التقوى والايمان لن ينقص منهما جمع الأموال، شريطة أن يتصدق أصحابها، ويكرموا الضيوف، ويبذلوا منها قدراً معلوماً، في بعض وجوه البر والاحسان!

وهكذا تبدت مظاهر الثراء والبذخ، على عدد كبير من بني أمية، ومن الصحابة، وفيما يأتي غيض من فيض، من الشواهد:

ـ ذكر المسعودي خبراً عن عبد اللّه‏ بن عتبة أن عثمان بن عفان يوم قتل كان له عند خازنه من المال (خمسون ومائة الف دينار، والف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة الف دينار، وخلف خيلاً وإيلاً). (مروج الذهب ـ ج 2 ـ ص 340).

ـ بني الزبير «بن العوام عدة دور فخمة بالبصرة والكوفة ومصر، والاسكندرية، وعندما تحضره الوفاة يحصون في ثروته: خمسين ألف دينار، وألف فرس، وألفاً من العبيد والاماء.. الخ» (المصدر السابق ـ ج2ـ ص 342).

ـ «أما طلحة بن عبيد اللّه‏ التميمي فكان دخله من ممتلكاته بالعراق وحدها ألف دينار في اليوم الواحد، عدا عن الدور في العديد من المدن. وكان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف شاة من الغنم، وعندما توفي قدرت ثروته بأكثر من مليونين ونصف من الدراهم».

وعندما أحضرت لعثمان بن عفان بعض أكياس دنانير ودراهم عبد الرحمن بن عوف بعد وفاته، قال عثمان:

«اني أرجو لعبد الرحمن خيراً، لأنه كان يتصدق، ويقري الضيف، وترك ماترون» (المصدر السابق ـ ج2 ـ ص 349).

ـ كانت ثروة زيد بن ثابت «من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة الف دينار» (المصدر السابق ـ ص 342).

موجز القول: خلقت تلك التحولات الاقتصادية والفكرية شرحاً عميقاً في المجتمع، بين أكثرية فقيرة مسحوقة، وبين قلة ذات ثراء فاحش، وفجرت صراعاً حاداً بين جهات عديدة وصل الأمر ببعضها الى قتل الخليفة عثمان بن عفان! كما أوجدت في الوقت نفسه الأرضية الصلبة التي يرتكز عليها الظالمون، وهيأت الأسس الكافية لنجاح انقلابهم، واعلانهم نقض بيعة الامام علي عليه‏السلام .

يثبت التاريخ أنه كان بالامكان حماية عثمان من القتل فقد طلب المساعدة من معاوية بين أبي سفيان، فأتاه منفرداً، تاركاً جيشه على حدود بلاد الشام، متذرعاً بأنه جاء للاستطلاع فيقول لعثمان:

«قدمت لأعرف رأيك وأعود فأجيئك بهم، ويجيبه عثمان: لا واللّه‏ ولكنك أردت أن أقتل، فتقول: أنا ولي الثأر! ثم غاب معاوية ولم يعد الا بعد مقتل الخليفة» (تاريخ اليعقوبي ـ المجلد الثاني ـ ص 175).

5ـ علي خليفة :

قال النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : «ان اللّه‏ خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ هوى ولو أن عبداً عبد اللّه‏ بين الصفا والمروة ألف عام يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه اللّه‏ على منخريه في النار».

ثم تلا قوله تعالى: «لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى ».

نشأ علي وشبَّ في بيت ابن عمه رسول اللّه‏، وظلَّ ملازماً له حتى انتقل النبي الى الملأ الأعلى. وكان عليه‏السلام يقول: «وأنا من رسول اللّه‏ كالصنو من الصنو، والذراع من العضد!».

وشهد النبي أنه مدينة العلم وعلي بابها. ومهما اختلفت التفسيرات والاجتهادات حول حديث غدير خم، ففيها اجماع على أن علياً هو مولى رسول اللّه‏ ووصيه. ولا يعقل اطلاقاً أن يكون الموصي جاهلاً بوصيه، وغير عارف أو متأكد من قدرات وصيه، هذا اذا كان الموصي شخصاً عادياً، فما بالك اذا كان محمداً سيد ولد آدم وخاتم النبيين؟!

قال الامام أمير المؤمنين عليه‏السلام : «ما أعرف أحداً من هذه الأمة عبد اللّه‏ بعد نبينا غيري، عبدت اللّه‏ قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة تسع سنين».

أصبح الامام علي أول الراسخين في العلم بعد النبي محمد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم !

كان أبو بكر وعمر وكثير من الناس يستفتونه ويسألونه، وكانت اجاباته وفتاويه شافية كافية.

كان قرماً صلباً لا يخشى في الحق لومة لائم! وأكثر الناس حلماً، وأطولهم أناةً وصبراً، زاهداً في ملذات الدنيا، وهو القادر لو شاء لنال منها ما شاء، وهي الموضوعة بكل زخرفها بين يديه!

كل ذلك جعل منه عليه‏السلام أكثر الناس قدرة على الفهم العميق لكتاب اللّه‏ وسنة نبيه تفسيراً وتأويلاً، وكان هذا الفهم منهجاً له، ينطلق منه في صغير الأمور وجليلها!

بويع بالخلافة سنة 657 ميلادية، بايعه الفقراء والمستضعفون، وفي مقدمتهم أكثر الصحابة فقراً، وعارضه الأغنياء والمنتفعون.

رأى فيه من بايعه أن الضمانة الاساسية لاستمرار النهج الاجتماعي الذي شهدته شبه الجزيرة العربية، على يد دعاة الاسلام الأوائل، وأن لا يعود الملأ من قريش وأغنياؤها الذين التحقوا بالاسلام عندما لم يجدوا طريقاً لمقاومته، للامساك بالسلطة والسلطان، ثانية تحت رايات الدين الجديد واعلامه!

ان هذا المنهج الاسلامي بالذات للامام علي عليه‏السلام هو الذي أخاف الظلمة والظالمين، ولكنهم أخفوا ذلك، ورفعوا شعار: «الأخذ بثأر عثمان!».

تؤكد وقائع التاريخ أن معاوية بن أبي سفيان لم يقتص من قاتلي عثمان، علماً أنه ملك زمام الأمور كلها بعد مقتل الخليفة علي، مع أنه كان أكثر الناس اندفاعاً في المطالبة بدم عثمان. وبدلاً من ذلك، وجه كل نيران حقده وبطشه ضد شيعة علي عليه‏السلام ومحبيه!

العدالة الاجتماعية في نهجه عليه‏السلام :

يستنتج من «البيان الجامع» كما سميته، في مقدمة بحثي، أن مفهوم العدالة الاجتماعية في نهج أمير المؤمنين عليه‏السلام ، لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، في حقلي الانتاج والتوزيع، بل هو مفهوم أكثر اتساعاً يخرج عن قطاع الاقتصاد ليشمل كل القطاعات: السياسي، والاجتماعي، والاخلاقي، والجمالي.. وان كل ما ينتج في هذه القطاعات يجب ان يعمم بحيث تصبح لدى الجميع الامكانية كي يتملكوا ثمارها.

يستحيل علي كما أسلفت الاحاطة بكل ما في نهجه المتعلق بالعدالة الاجتماعية، وان ما سأذكره هو غيضٌ من فيضٍ ليس الا!

1ـ الثورة الشاملة :

كان صوته عليه‏السلام في مقدمة الأصوات التي ارتفعت بالنقد والمعارضة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على عهد عثمان، وعندما أصبح خليفة تصدى للانقلاب الهادف الى طمس معالم الاسلام وصورته وأسسه في العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ومحاربة العصبية الجاهلية. وكان عليه‏السلام يقول: «والذي بعث محمداً بالحق أنه لابد أن يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم، وليسبقن سابقون كانوا قد قصروا وليقصرن سباقون كانوا قد استبقوا».

و: «واللّه‏ لو وليتها لأنفضنهم نفض اللحام الواذم التربة» (أي لأزيلنهم كما يزيل عامل اللحام التراب عن الحديدة المحماة بواسطة النار).

وقال أيضاً: «اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك».

وقال: «وأيم اللّه‏ لأنصفن المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته، حتى أورده منهل الحق وان كان كارهاً».

وعندما بايعه الناس بالخلافة أعلن ما نسميه في لغة عصرنا: «الثورة الشاملة» ضد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت محل نقده ومعارضته على عهد عثمان بن عفان، فعزل ولاته على الأقاليم وردّ الأراضي التي أقطعها عثمان لولاته الى بيت مال المسلمين واعلن أنَّ المال مال اللّه‏، فألغى التمايز في العطاء، وقدَّر توزيعه بالسوية.. الى غير ذلك من التدابير!

2ـ مع من يجب أن يقف الحاكم؟

بداية: ليس المقصود بالحاكم من يقف على رأس النظام فقط، بل يتعداه ليشمل جهاز الحكم بكل مؤسساته، ومكوناته.

ترى بعض النظريات أن الحاكم فوق الطبقات، وموقفه حيادي ازاءها!

وهناك من يؤكد أن الحاكم منحاز شئنا ذلك أم ابينا! فهل يعقل أن يكون المرء أياً كان، في حياد بين الخير والشر، بين الحق والباطل؟!

بعث أمير المؤمنين عليه‏السلام كتاباً الى الاشتر النخعي واليه على مصر تضمن الكثير من التوجيهات والتعليمات التي تتعلق بالشؤون الدنيوية والأخروية. فمنها وصف للطبقات والفئات المكونة للمجتمع المصري، والدور الذي يلعبه كل منها في حياة البلاد ومما جاء فيه: «وأعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض: فمنها جنود اللّه‏، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل.. ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس...، ومنها الطبقة السفلى من ذوات الحاجة والمسكنة، وكل قد سمّى اللّه‏ له سهمه».

نستنتج مما سبق أموراً كثيرة منها :

1ـ لا يقتصر الوصف على المجتمع المصري، بل ينسحب ويصدق على كل المجتمعات!

2ـ ان الطبقات والفئات المكونة لأي مجتمع، هي:

«طبقات وفئات تقوم بانتاج الخيرات المادية والروحية، وهم العمال والفلاحون، والصناعيون والحرفيون، والعلماء، والباحثون وسائر المبدعين.

ـ قوى الأمن الداخلي والخارجي.

ـ فئات لا تستغني المجتمعات عن خدماتها كالعاملين، في جهاز الدولة ومؤسساتها على اختلاف مراتبهم ومسؤولياتهم. وهناك أيضاً العاملون في الجهات الحكومية.

«فئات، ولأسباب مشروعة، لا تستطيع القيام بأي عمل، بسبب عامل السن أو المرض أو العجز.

«فئات طفيلية تعيش على كد وتعب غيرها، فتجمع ثرواتها عن طريق الرشاوي والمحسوبيات، أو الاحتكار والسمسرة.. الى غير ذلك.

تصنف هذه الطبقات والفئات ـ رغم ـ تعددها وكثرتها ـ الى مجموعتين رئيسيتين:

أ ـ مجموعة المنتجين والذائدين عن الحمى، ويسميها أمير المؤمنين عليه‏السلام بطبقة العامة. أي الجماهير¨ الشعبية بمفهومنا المعاصر!

ب ـ مجموعة طفيلية.

3ـ يؤكد الامام أمير المؤمنين عليه‏السلام انحياز الحاكم الى واحدة منها اذ ليس في الأمر حياد! ولم يخف انحيازه الى طبقة العامة، ويأمر ولاته وعماله بأن يحذوا حذوه. وفيما يأتي بعض الأدلة، على ذلك:

آ ـ قال عليه‏السلام : «ان اللّه‏ تعالى فرض على ائمة العدل ان يقدروا أنفسهم بضعفة الناس لئلا يتبيغ (يثور) بالفقير فقره».

ب ـ «ولكن أسفاً يعتريني وجمعاً يريبني، من أن يلي هذه الأمة سفاؤها وفجارها، فيتخذون من مال اللّه‏ دولاً، وعباد اللّه‏ خولاً، والصالحين حرباً، والقاسطين حزباً!».

ج ـ خلق اللّه‏ الأرض وما عليها للناس كافة، كي يتمتعوا بخيراتها، ويسعدوا في معيشتهم عليها، ومن عجز عن ذلك فقد غُبن وظلم! يقول عليه‏السلام : «الكيس من كان يومه خيراً من أمسه! ومن اعتدل يوماه فهو مغبون!». و: «الفقر هو الموت الأكبر!».

د ـ «ثم اللّه‏ اللّه‏ في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمني...، واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الاسلام في كل بلد، فان للأقصى منهم مثل الذي للأدنى».

العامة عماد الأمة :

يطلب أمير المؤمنى عليه‏السلام صراحة في عهده الى الأشتر أن يتوصى بالعامة، فيقول له: «وليكن أحب الأموراليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية، فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة. وليس أحدٌ من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاد، وأكره للانصاف، وأسأل بالالحاف، وأقل شكراً عند الاعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عماد الدين وجماع المسلمين للأعداء العامة من الأمة، فليكن صفوك لهم، وميلك معهم».

5ـ التدابير التي يأمر عليه‏السلام باتخاذها للضرب على ايدي المستغلين والمحتكرين والمرتشين... الخ، ومنها:

1ـ تلتف حول كل مسؤول جماعة من الناس، هي الخاصة قد تجد فيه فرصتها لجني المكاسب والأرباح فتكون بطانة سوء. يحذر أمير المؤمنين عليه‏السلام واليه الاشتر، من ذلك قائلاً:

«ثم ان للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف في معاملة، فأحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال» ويتابع تحذيره:

«ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرِّ الحق لك...، ثم رضهم على ان لا يطروك، ولا يبجحوك ببطال لم تفعله، فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة!».

ـ وبعد أن يُعدد عليه‏السلام المنافع التي يقوم بها التجار، يُبين سلبياتهم، ويحذر منها، قائلاً: «ان فيهم ضيقاً فاحشاً، وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة وعيبٌ على الولاة.

وليكن البيع سمحاً: بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك اياهُ فنكل به، وعاقبه في غير اسراف!».

ـ ويطلب عليه‏السلام من ولاته اختيار أفضل الرعية للقضاء ممن: «.. لا يزدهيه اطراؤٌ، ولا يستميله اغراء، وأولئك قليل!».

ـ «الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له. والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه!».

3ـ الحاكم القدوة :

نضجت في ذهن أمير المؤمنين عليه‏السلام فكرة العدالة الاجتماعية على أساس من حقوق الجماعة ومن عرف علي بن أبي طالب وموقفه من قضايا المجتمع، أدرك أنه السيف المسلط على رقاب المستبدين الطغاة. وانه الساعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه وسياسته، وبكل موقف له، ومن ذلك:

أن الحاكم العادل هو الذي يكون قدوة للمحكومين، فما هو مباح له مباح لرعيته، وما هو حرام عليه حرام على رعيته، ولا يعفيه مركزه من مخالفة القوانين، بل يجب أن يكون السابق الى تنفيذها.

قال عليه‏السلام : «ما أحثكم على طاعة الا وسبقتكم اليها ولا أنهاكم عن معصية الا وأتناهى قبلكم عنها».

وكتب للحارث الهمذاني: «واحذر كل عمل يرضباه صاحبه لنفسه ويكرهه لعامة المسلمين، واحذر كل عمل اذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه!».

4ـ الرجل المناسب في المكان المناسب :

عانت أنظمة الحكم وتعاني من أمور قد تؤدي الى هلاكها، في مقدمتها توسيد الأمر لمن ليس أهلاً له! أدرك أمير المؤمنين عليه‏السلام خطورة ذلك فكان من أهم متطلباته لكل والٍ، قوله: «فضع كل إمرئ موضعه!».

5ـ من أين لك هذا؟

تلجأ العديد من الدول المعاصرة الى مسائلة موظفيها عما لديهم من أموال، قد تكون زائدة عما اكتسبوه، من رواتب وتعويضات، وقد لا تتم المساءلة على وجهها الصحيح. والملفت للنظر حقاً هو سلوك أمير المؤمنين عليه‏السلام انه وقبل أربعة عشر قرناً خاطب أهل الكوفة قائلاً: «يا أهل الكوفة، إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائنٌ»!.

6ـ المال العام :

كان يقول لعثمان بن عفان: «ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟! واللّه‏ لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان اثمه مشتركاً بينه وبينك!».

وعندما أصبح خليفة أطلقها صرخة مدوية: «المالُ مالُ اللّه‏!.

وقد رفض أن يعطي أخاه عقيلاً ـ ولو القليل ـ من بيت المال بالرغم من حاجة أخيه الماسة للمساعدة كما رفض اعطاء عبد اللّه‏ بن زمعة وهو من شيعته.

7ـ الانتاج والتوزيع :

ان الشرط الأول لوجود المجتمع البشري، هو تبادل الأشياء مع الطبيعة، وتلبية حاجات ومتطلبات الناس من الغذاء واللباس والمسكن... الخ. ولا يجد الانسان في الطبيعة جميع الخيرات الضرورية للحياة جاهزة، فهو مضطر الى انتاجها بنفسه. وعليه يكون الانتاج على الدوام وفي جميع الظروف أساس وجود الناس وضرورة أبدية وطبيعية.

حدثت في الماضي، وتحدث في الحاضر، صراعات حادة حول ملكية الانتاج والأدوات المستخدمة فيه، وقد شاهدنا كيف أن قلة من الناس (زمن الخليفة عثمان) امتلكت الأراضى الشاسعة وجعلت من العاملين عليها عبيداً، فتجمعت لدى تلك القلة ثروات طائلة، في حين عانت الغالبية العظمى من الناس العوز والحرمان!

رأى أمير المؤمنين عليه‏السلام في ذلك حيفاً كبيراً على العامة. وقرر أنه لا يجوز أن تترك خيرات الأرض بين أيدي المتخمين والمنزهلين الآكلين على شبع والشاربين على غير ظمأ المتبذخين بأموال العامة على غير جهد وبلاء! لأن الفقر كما قال: «منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت»! وقال عليه‏السلام : «ان اللّه‏ سبحانه، فرض في أموال الأغنياء قوت الفقراء، فما جاع الفقير الا بما متع به غني، واللّه‏ تعالى سائلهم عن ذلك».

وكانت سياسة أمير المؤمنين عليه‏السلام تقوم على تشجيع الانتاج فهو يؤكد أن: «الحرفة مع العفة، خبير من الغنى مع الفجور». و«لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمان» و«ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج» و«طوبى لمن طاب كسبه!».

وكان عليه‏السلام يحسب اقتطاع الأرض بالقرابة والنفوذ في جملة المال المنهوب، وفي ذلك يقول: «ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة ـ اقتطاع ضيعة ـ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم».

من لا يعمل لا يأكل :

إن العدالة تقتضي أن تكون الأموال والأراضي والضياع وجميع مصادر الثروة هي ملك الجماعة توزع على الأفراد بقدر الإستحقاق والحاجة بعد أن تُتاح الفرصة للعمل لجميع هؤلاء، فقد رفض أمير المؤمنين عليه‏السلام إعطاء عبد اللّه‏ بن زمعة، لأنه لم يُشارك في العمل قائلاً له: «إن هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو فئ المسلمين وجلب أسيافهم، فان شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم والا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم».

وقال: «والنهر لمن عمل دون من كرهه.!».

وقوله للأشتر: «ثم إعرف لكل إمرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلاء إمرئ الى غيره..، ولا يدعونك شرفُ امرئ الى ان تعظم من بلائه ما كان صغيراً ولا ضعة امرئ الى ان تستصغر من بلائه ما كان عظيماً».

8ـ المضمون الاجتماعي والاقتصادي للوطنية :


يخلق التفاوت الهائل في الملكية والثروات، الكثير من السلبيات، منها:

ـ ضعف الحس الوطني.

الانحطاط الخلقي.

تفشي الجريمة والمخدرات والأمراض الفتاكة.. الخ.

أدرك المصلحون وعلماء الاجتماع مؤخراً خطورة تلك السلبيات فوضعوا لعلاجها الكثير من النظريات. وأثبتت التجارب سلامة وقوة المجتمع الذي يعيش مواطنوه متضامنين متكافلين، ينعمون بخيرات بلدهم بمعنى أنه بقدر ما يكفله الوطن لمواطنيه من حقوق مادية وروحية تيسر لهم أمورهم الحياتية بقدر ما يزداد حبهم لوطنهم! وبهذا فقد اكتسبت الوطنية مضموماً اجتماعياً واقتصادياً. وعن هذا المعنى عبرت كلمات أمير المؤمنين عليه‏السلام الجامعة، ومنها: «ان الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة».

«وان المقل غريب في بلدته». أو: «احذروا صولة الكريم اذا جاع، واللئيم اذا شبع!» لان «الفقر يُخرس الفطين عن حجته!».

و«اذا أقبلت الدنيا على احد أعارتهُ محاسنَ غيره، واذا أدبرت عنه سلبتهُ محاسن نفسه!».

9ـ الخراج :

كانت قيمة المنتجات الزراعية في المجتمعات السابقة تُشكل النسبة الكبرى من الثروة القومية. وكان الخراج (الضرائب) المفروض على الأرض مصدر التمويل الأساسي لميزانية الدولة.

ويحدثنا التاريخ عن كثير من الحكام الذين أفرطوا في جباية الخراج، فأحلوا تعذيب الفلاحين، ومصادرة ممتلكاتهم، وأوجدوا القوانين التي تُجيز لهم بيع الفلاحين المعدمين في سوق النخاسة، علماً أن اساليبهم الظالمة هي التي كانت سبباً لاملاق الناس!

لم تغب أهمية الخراج عن ذهن أمير المؤمنين عليه‏السلام ، الا أن الانسان كان الأكثر أهمية عنده! وكان يأمر العاملين على الخراج بالرفق في العباد والبلاد وفي كتابه للأشتر مثالٌ ساطعٌ على ذلك إذ جاء فيه: «وتفقد أمر الخراج، بما يصلح أهله، فان في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سـواهم، ولا صلاح لمن سـواهم الا بهـم، لأن الناس كلهـم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخـراج، لأن ذلك لا يدرك الا بالعمارة. ومن طلب الخارج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره الا قليلاً».

يشدد عليه‏السلام في تحريم أخذ الخراج من الشعب اذا لم يكن الشعب راضياً عن حالته الاقتصادية وعن ولاته وحكامه! يقول عليه‏السلام : «لا تبيعن الناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها. ولا تضربن أحداً سوطاً لمكان درهم، ولا تمسنَّ مال أحد من الناس مصلٍ ولا معاهدٍ! ونهى زياد بن أبيه عن الزيادة في أخذ الخراج، فقال له: «استعمل العدل، وأحذر العسف والحيف، فان العسف يعود بالجلاء (هجرة العباد الى خارج البلاد) والحيف يدعو الى السيف!».

ان الحلول التي قررها أمير المؤمنين عليه‏السلام حول الأرض والخراج تصلح للصناعة، والسياحة..، وكل المرافق التي تحقق مردوداً مادياً أو روحياً، لأن الانسان هو مركز الرحى في تلك الحلول.

10ـ سياسة المحاسبة :

انطلاقاً من ايمانه المطلق بالعدالة، فقد كان عليه‏السلام يراقب ولاته وعماله ويتفقد السوق بنفسه، وينهي عن الاحتكار،.. ويحاسب الظالمين بشدة، فقد خاطب أحد ولاته قائلاً: «بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت قدميك، فارفع الي حسابك!».

كان همه عليه‏السلام أن يكون للمستضعفين وللمظلوم والفقير ينصفهم من المستغلين والمحتكرين ويمسك عليهم الحياة وكريم العيش.. ويا لشرف القول: «أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر، أو أكون أسوةً لهم في جشوبة العيش؟!».

أو قوله: «من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم!».

وطلب الى واليه الأشتر: «أنصف اللّه‏ من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فانك ألا تفعل تَظلِم».

كان جوهر الرقابة الذي طبقه على نفسه، ويطلب الى ولاته تطبيقه، يقوم على الافساح في المجال بأن تكون الرقابة أولاً وقبل كل شيء رقابة الجماهير الشعبية، وكلما ارتقى الموظف بمسؤولياته يجب ان تزاد الرقالة عليه.

وحذر أمير المؤمنين عليه‏السلام من اختيار الموظفين والمسؤولين بناء على القرابة، أو المحاباة. وشدد على أن يكون المعيار الأساسي للاختيار مبنياً على الكفاءة والاخلاص في العمل. فقال للأشتر: «ثم أنظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة واثرة، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم!».

11ـ حقوق الانسان :

تضمن العهد الذي بعث به عليه‏السلام ، الى الأشتر واليه على مصر، مبادئ، تعتبر وبحق وثيقة ناجزة لحقوق الانسان. وتتجلى هذه المبادئ بأقواله الآتية:

1ـ لا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه‏ حراً.

2ـ اياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة.

3ـ وأما الذنب الذي لا يغفر، فظلم العباد بعضهم لبعض.

4ـ لأنصفن المظلوم من ظالمه.

5ـ بئس العدوان على العباد.

6ـ أحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها.

7ـ أشقى الرعاة من شقيت به رعيته.

8ـ لا زعامة لسيئ الخلق.

9ـ من أمنت أذيته فأرغب في جواره.

10ـ وأشعر قلبك الرحمة بالرعية واللطف بهم والعطف عليهم ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فان الناس صنفان: «إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق!».

أدرك الامام علي عليه‏السلام بثاقب نظره عظمة الانسان، وأنه أثمن مال فسن له دستوراً يحميه دنياً وآخرة. كان ذلك قبل أكثر من ألف عام!

عصف الظلم بالشعب الفرنسي فأنتفض على ظالميه، وكانت الثورة الفرنسية، وصيغت على اثرها وثيقة لحقوق الانسان!

أصدرت الهيئة العامة للأمم المتحدة سنة 1949، اعلاناً لحقوق الانسان!.

لم تزد الوثيقتان حرفاً على الأصول التي تضمنها دستور امير المؤمنين عليه‏السلام ! شارك في صياغة الوثيقتين عدد كبير من الناس، في حين صاغ علي بن أبي طالب عليه‏السلام وحده تلك الوثيقة.

كان أمير المؤمنين عليه‏السلام حازماً في تطبيق دستوره. أما الموقعون على اعلان حقوق الانسان، فاننا نرى منهم العجب العجاب: فأكثرهم جعجعة وتشدقاً بالدفاع عن حقوق الانسان أشدهم بطشاً بالانسان قبل حقوقه!

12ـ موقفه من المعارضة!

كانت المعارضة الأولى لأمير المؤمنين، عندما اتخذ قراره بتوزيع العطاء، الذي قسم بالعدل بين الأسود والأحمر فوزع مال اللّه‏ بالتساوي بين أشراف العرب والموالي والمعاهدين من جميع الطبقات. وكان في مقدمة المعارضين: طلحة بن عبيد اللّه‏، والزبير بن العوام، وعبد اللّه‏ بن عمر، ومروان بن الحكم، وبلغوا في معارضتهم لقرار التسوية هذا نقض بيعتهم له واعلان الحرب عليه تحت ستار الطلب بدم عثمان!

فماذا فعل بمعارضيه؟ ناقش طلحة والزبير وقال لهما: ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم انك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا... ثم طلبا منه الأذن للخروج الى العمرة، فعرف أنهما يريدان العمرة ستاراً للخروج عليه ولم يمنعهما من ذلك. وكتب عليه‏السلام لسهل بن الأحنف الأنصاري عامله على المدينة، يقول:

.. وعلموا أن الناس عندنا في الحق اسوة، فهربوا الى الأثرءة، فبعداً لهم وسحقاً».

وكان عليه‏السلام لا يستعمل في حربه الا ما وافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف ذلك، بل ويستعمل جميع المكائد حلالها وحرامها. قال أمير المؤمنين عليه‏السلام : «لا تبدؤهم بالقتال حتى يبدؤكم ولا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً».

حاربه الخوارج بشراسة، ولم يكن عليه‏السلام يريد محاربتهم، الى أن تصاعد ارهابهم حتى أن بعض أصحابه قال له: عَلاَمَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفونا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا اليهم فاذا فرغنا منهم سرنا الى عدونا من أهل الشام! وكان عليه‏السلام يعطي الخوارج نصيبهم من الفئ أسوة بسائر الناس، ويفسح لهم في المجال لأن يتوجهوا حيث يشاؤون!

صاح أحد الخوارج الى علي: «قاتله اللّه‏ كافراً ما أفقهه؟!».

فوثب أتباع الخليفة ليقتلوه فنهاهم عنه وهو يقول: «انما هو سب بسب أو عفو عن ذنب». (عبقرية علي لعباس محمود العقاد ـ ص23).

أُدخل ابن ملجم على علي عليه‏السلام ، فقال علي: النفس بالنفس ان أنا مت فأقتلوه كما قتلني وان سلمت رأيت رأيي فيه، فقال ابن ملجم ولقد اشتريته بألف (يعني السيف) وسممته بألف فان خانني فأبعده اللّه‏!

ويكرر أمير المؤمنين طلبه لأبنائه بعدم انزال العقاب بابن ملجم قبل معرفة نتيجة الاعتداء، بل يوصي قائلاً: «واطيبوا طعامه وألينوا فراشه فان أعش فأنا ولي دمي اما عفوت واما اقتصدت وان مت فألحقوه بي ولا تعتدوا فان اللّه‏ لا يحب المعتدين! (الامامة والسياسة لابن قتيبة ـ ج1 ـ ص22 وتاريخ اليعقوبي ـ ج 2 ـ ص 212).

13ـ الحفاظ على الكوكب الأرضي :

خاطب الامام علي عليه‏السلام البشرية جمعاء بلا استثناء قائلاً: «اتقوا اللّه‏ في عباده فانكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم واطيعوا اللّه‏ ولا تعصوه».

وقال: «الناس أبناء الدنيا ولا يلام الرجل على حب أمه!».

أي شيء أكثر عظمة من هذا الخطاب؟

لم يقتصر مفهوم العالة عند أمير المؤمنين عليه‏السلام ، على الناس فيما بينهم، بل اتسع هذا المفهوم ليشمل كوكبنا وما عليه، كما أنه يشمل الكون كله!

يستنزف المستكبرون ثروات الأرض على نحو غير عقلاني، ويحتكرون الماء والطعام والدواء. وينشرون التلوث في البر والبحر والجو!

فغلاف الأرض الجوي يعاني من اتساع في ثقب الأوزون، وفي اتساعه خطر جدي على أنواع الحياة كافة! وتظهر أمراض فتاكة كالايدز وغيره، ويزيد مرض السرطان في انتشاره!

ان كل ذلك يشكل خطراً حقيقياً ليس على الأرض والحيوان والنبات فقط، بل وخطراً مميتاً على الانسان، هذا الانسان الذي جعل اللّه‏ منه في الارض خليفة!

نشطت وتنشط في عصرنا منظمات انسانية، تناضل من أجل الحفاظ على البيئة، وتدعو للرفق بالحيوان..

ان تعزيز وتوسيع دور هاتيك المنظمات الانسانية، وجعلها أكثر فاعلية، يُشكل استجابة لنداء أمير المؤمنين عليه‏السلام .

من الأرض أتينا وعليها نحيا واليها نعود... آنهاأملنا فلنكن بها بارين ان كنا لها أوفياء! والبر فيها يعني ابقاءها نظيفة معطاة لتنهل الاجيال اللاحقة من معينها الثرّ!.

الخاتمة :

وأخيراً، فان نهج الامام أمير المؤمنين عليه‏السلام ، المتصل بالعدالة الاجتماعية يصلح لكل المجتمعات التي يعاني أهلها من الفقر والحرمان. وان الحلول المستوحاة من ذلك النهج حول ملكية الأرض أو توزيع الانتاج والثروة، وتكافؤ الفرص.. الخ هي حلول تصدق على وسائل الانتاج كافة.. بمعنى أن تكون ملكيتها مشتركة بين الناس، ومنافعها موزعة حسب الجهود المبذولة فيها، لان في كل ذلك صلاح وخير للناس كافة.

/ 1