بسم الله الرحمن الرحيمهذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسروالقبادياني المروزي تاب الله عنه كانتصناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين فيأموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوانوباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتيبين أقراني وفي ربيع الآخر سنة أيام أبيسليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوقحاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوانونزلت في بنج ديه مرو الرود كان ذلك يومقرآن الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالىوتقدس يستجيب فيه إلى ما يطلب الناس منحاجات فذهبت إلى زاوية وصليت ركعتينودعوته تعالى وتبارك إن ييسر لي أمري فلماعدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشدشعراً فارسياً فجال بخاطري أبيات فكتبتهاعلى ورقة لأعطيه إياها حتى ينشدها فإذا بهينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقةفتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن اللهتعالى وتبارك قد قضى حاجتي ثم ذهبت إلىجزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشربالخمر قال النبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم " قولوا الحق ولو على أنفسكم " حتىإذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلاًيقول "لي إلى متى تشرب هذا الشراب الذييسلب لب الرجال خير لك إن تصحو فأجبت إنالحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقللهموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لاتتأتى بفقد الشعور والعقل والحكيم لايستطيع إن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاديصلح هادياً للناس بل ينبغي عليه إن يبحثعما يزيد العقل والحكمة قلت وأنى لي هذاقال من جد وجد ثم أشار إلى القبلة ولم يقلشيئاً فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤياماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلتلنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي إن أصحومن نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكرفوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي.وفي يوم الخميس من جمادى الآخر سنة ديسمبرمنتصف شهر دي من السنة الفارسية منالتقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلىالجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى إنيعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهياتوالسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى.ثم توجهت من هناك إلى شبورغان وفي المساءكنت في قرية بارياب ومنها سرت إلى مروالرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغتمرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلتإني عازم على الحج ثم أديت ما علي من حسابوتركت أموالي عدا القليل الضروري منها.وفي الثالث والعشرين من شعبان مارس عزمتعلى السفر إلى نيشابور فسرت من مرو إلىسرخس وهي على ثلاثين فرسخاً منها ومن سرخسإلى نيشابور أربعون فرسخاً وقد بلغتها يومالسبت الحادي عشر من شوال إبريل ويومالأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس كانالحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيكوكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجينأمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأولمرة للاستيلاء على ولاية أصفهان.وفي الثاني من ذي القعدة مايو غادرتنيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كانمؤدباً للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوانوزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس اللهروحه.وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة مايو سرتإلى دامغان ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوريوجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة يونيووقد مكثت هناك زمناً وتعرفت بأهل العلموقد دلوني على رجل اسمه علي النسائي وهوشاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كانشعر رأسه مرسلاً كان وهو يتكلم يقول إنيقرأت كذا على الأستاذ أبي علي سينا رحمهالله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذابن سينا ولما ناظرته قال إني قليلالمعرفة بكل علم وأحب إن أقرأ معك قليلاًفي الحساب فخرجت متعجبا قلت مإذا يعلمالآخرين وهو لا يعلم شيئاً.وعدت من بلخ إلى الري ثلاثمائة وخمسينفرسخاً ويقال إنه من الري إلى ساوه ثلاثونفرسخاً ومن ساوه إلى همدان كذلك ومن الريإلى أصفهان خمسون فرسخاً وإلى آمل ثلاثونوبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبةويسمى لواسإن ويقال إن بقمته بئراً يستخرجمنه النوشادر ويقال والكبريت أيضاً فيصعدعليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونهابالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبللتعذر إيجاد طريق لنقلها.