الفقه والعرف ( 1 ) - فقه و العرف (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فقه و العرف (1) - نسخه متنی

السید محمد الواسعی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الفقه والعرف ( 1 )

السيّد محمّد الواسعي

في البدء يتعرض المقال إلي أهمية العرف ودوره في الاستنباط من زوايا وجهات عديدة ، مؤكدا من خلال ذلك سعة البحث في هذا المضمار وعمقه .

ثمّ يعرض وبشكل منهجي للموضوعات التالية :

أوّلاً ـ تعريف العرف .

ثانيـا ـ تقسيمات العرف .

ثالثـا ـ حجّية العرف .

رابعـا ـ مجالات العرف .

وخاتمة في نتائج البحث .

المقدمة : في أهمية البحث :

البحث عن العرف ودوره في الاستنباط يُعدّ من أكثر البحوث أهمية في عصرنا الحاضر ؛ وذلك :

1 ـ إهتمام وسائل الإعلام ـ كالصحف ـ بطرحه ، حيث تعرضت له وناقشت دوره في عملية التقنين . وطُرحت في هذا المجال بعض التصورات الداعية إلي ضرورة التغيير في أحكام الشرع وقوانين الاسلام تبعا لتغير الأعراف وتبدلها ، لكي يحافظ الاسلام علي مواكبته للعصر والعرف السائد فيه .

فيما ذهب بعض آخر إلي أكثر من ذلك مدّعيا حيلولة الدين دون حركة المجتمع وتطوره ، ورائدهم في ذلك ما تصوروه ـ خطأ أو خداعا ـ عن ثورة الغرب الصناعية في اُخريات القرن التاسع عشر الميلادي وعلاقتها السلبية بالمسيحية المحرّفة ، حيث تصوروا أنّ وقوع تلك الثورة واستمرارها بفعل التطورات ، والإختراعات العلمية ، والقوانين المناسبة لها ، كان تماما في النقطة المقابلة لأحكام المسيحية وتشريعاتها الجافّة .

ومن هنا تأتي الدعوة إلي إهمال قوانين الاسلام والعمل بالقوانين المتمشيّة والعرف في كل زمان . الأمر الذي صنعته اُورپا حين خلعت سلطنة الكنيسة المتحجرة وانطلقت إلي تطور مذهل وسريع في كافة الصُعد العلمية والصناعيّة والمدنية والإقتصادية .

لقد تكفل الإسلام ـ باعتباره الدين الوحيد الذي لم تمسه يد التحريف ـ بسعادة الإنسان في شتي الأبعاد المادية والمعنوية . وسعي عبر تشريعاته النابعة من حاجات الإنسان الواقعية إلي تحقيق كافة مقتضيات التنمية وعوامل التقدم في جميع المجالات العلمية ، والثقافية ، والاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية . أجل ، لقد شرع اللّه‏ سبحانه الإسلام وقوانينه وهو المحيط العالم بما تمليه حياة الإنسان الفردية والاجتماعية من مقتضيات وضرورات ، فكانت تشريعاته علي وفق مصالح الإنسان ونفعه .

ومن هنا فإنّ من واجب الباحثين والعلماء التعريف بالوجه الحقيقي والمشرق للبعد التشريعي والتقنين في الاسلام ، والتصدّي لعمليات التشويه المطروحة في هذا المجال ( 2 ) .

وتأتي دراستنا للعرف وعلاقته بالفقه ـ بصورة مستوعبة وشاملة ـ خطوة في هذا السياق المذكور .

2 ـ وجود حالة من التطلّع إلي معرفة دور العرف ، فإنّ ثمّة أسئلة تثار ـ وهي تعكس بلاشك انفتاح باب البحث في هذا الموضوع ودراسة علاقته بالفقه ـ عن مدي حجيته واعتباره دليلاً علي الأحكام الفرعية ، وهل أنّها ترقي في قيمتها الدلالية إلي مستوي الإستنباط كواحد من الأدلّة المعتبرة فيه ، أم تنحصر حجيته بموارد سكوت الشارع ، وما لا نصّ فيه ؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل أنّ حجية العرف إلي حدّ بحيث تقع طرفا في معارضة أدلّة الأحكام ، أو انّها تتأطر بحدود تشخيص الموضوع وتحديد دائرته سعة وضيقا ، وفهم معاني الألفاظ ؟ وهل ثمّة اتفاق بين المسلمين علي اعتبار العرف وحجيته أم تختلف الآراء في ذلك ( 3 ) ؟

3 ـ عدم تعرض كتبنا الاُصولية لهذا البحث بصورة مستقلة بالرغم من أهميته الكبيرة ودوره في جملة من الأدلّة ؛ كدوره في حجية الظواهر ، ومرجعيته في تحديد الموضوعات الفقهية والاُصولية ، كما أنّ البحث فيه يشمل بناء العقلاء ، وسيرة المتشرعة ، وغيرها من الأدلّة الاُصولية ( 4 ) ، وهذا ما يحتّم بحثه بشكل منفرد ومستقل ، لاستكشاف دوره في عملية الاستنباط .

4 ـ دور العرف في فهم الخطابات الشرعيّة ؛ وذلك لأنّ الفهم العرفي يعتبر من أهم العناصر المؤثرة في الاستنباط ؛ إذ مما لاشك فيه أنّ بعثة الأنبياء إنّما هي لبيان الأحكام والمعارف للناس ، قال تعالي : « وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسانِ قومه ليبيّنَ لهم »( 5 ) ، وهذا يفترض أن يكون بيانهم واضحا ومفهوما للناس ، فما لم يتضح مراد الشارع فإنّه لا يمكن إطاعة أوامره .

وعلي ضوء ذلك ، فإنّ فهم الأجيال المتأخرة عن عصر التشريع للأدلة والخطابات الشرعيّة يتوقف علي تشخيص العرف القائم حين صدور الخطابات ، كي تحمل مفاداتها علي معانيها العرفية ( 6 ) ، هذا من جهة .

ومن جهة اُخري فانّه لابدّ من ملاحظة حالة اللاّاستقرار والتغيّر في الأعراف واختلاف الأعراف الموجودة فعلاً عن الأعراف المقارنة زمن الصدور ، مما قد يوجب خلطا ـ كما وقع فيه كثيرون ـ في فهم الأخبار ( 7 ) ، ولذا فانّه لابدّ من دراسة العلاقة بين العرف المقارن والعرف المتأخر ، ودور الأخير في تشخيص واكتشاف العرف المقارن .

5 ـ الدور الكبير الذي يضطلع به العرف في عملية الاستنباط ؛ إذ قد لا نبالغ إذا قلنا أنّ الأساس في كثير من الخلافات الفقهية يرجع إلي تعدد الاستظهارات العرفية ، وقد يعوّل الفقيه علي فهمه الشخصي بظن أنّه مستمد من العرف ، كما أنّه قد يعتمد الدّقة العقليّة والذوق الفلسفي بدل الفهم العرفي ( 8 ) . فالفقيه كما يقول المحقق القمي قدس‏سره : « متّهم في حدسه بالنسبة إلي العرف ، وإن كان هو من أهل العرف ؛ لكثرة وفور الاحتمالات وغلبة مزاولة المتخالفة من الاستعمالات » ( 9 ) .

ويقول الإمام الخميني قدس‏سره فيما يشترط في الاجتهاد : « الاُنس بالمحاورات العرفية ، وفهم الموضوعات مما جرت محاورة الكتاب والسنة علي طبقها والاحتراز عن الخلط بين دقائق العلوم والعقليات الرقيقة ، وبين المعاني العرفية العادية ؛ فانّه كثيرا ما يقع الخطأ لأجله كما يتفق كثيرا لبعض المشتغلين بدقائق العلوم ـ حتي اُصول الفقه بالمعني الرائج في أعصارنا ـ الخلط بين المعاني العرفية السوقية الرائجة بين أهل المحاورة المبني عليها الكتاب والسنة ، والدقائق الخارجة عن فهم العرف » ( 10 ) .

ومن هنا تتأكد وتتبلور ضرورة البحث في هذا الموضوع والتحقيق في جميع ما كتب إلي الآن عنه ؛ لنقف علي الفرق الفارق بين العرف والعقل في مجال الاستنباط .

6 ـ إعتماد العرف وسيرة العقلاء دليلاً بوحدهما في كثير من الموارد ، خصوصا بعد رفض جمع من محققي علم الاُصول لجملة مما كان يعتمده القدماء ، من قبيل الشهرة الفتوائية ، والإجماع المنقول ، وانجبار ضعف الرواية بعمل الأصحاب ( 11 ) .

ولا شك فإنّ الشارع قد اعتبر حجية العرف في كثير من السير العملية ، إلاّ أنّ المهم هو التمييز بين أنواع هذه السير العرفية وتصنيفها ، فانها تختلف باختلاف المنشأ فيها ، فقد يكون المنشأ فيها هو العواطف ، أو الأخلاق ، أو العادة ، أو الحسن والقبح العقليين ، أو الارتكازات والفطريات ، فلابدّ إذا من التمييز بين هذه المناشئ وعدم الخلط بينها لنصون بذلك عملية الاستنباط من حالات الإفراط أو التفريط التي قد يبتلي الفقيه بها ( 12 ) .

وبعد هذه المقدمة في أهمية البحث وضرورة دراسته ، فإنّا سنعقد البحث هنا في أربعة اُمور رئيسة ، هي :

الأمر الأوّل : كليات عامّة ، تشمل : تعريف العرف لغة واصطلاحا ، المقارنات ، أركان العرف .

الأمر الثاني : أنواع العرف ، وتشمل : العوامل المؤثرة في العرف ، معرفة أنواع العرف .

الأمر الثالث : العرف والشرع ، ويحتوي علي مقارنة بين العرف وطريقة الشارع ، شروط حجية العرف ، كون العرف دليلاً مستقلاً أو لا ، درجات العرف في الحجية .

الأمر الرابع : تطبيقات العرف وموارد استعماله ، وتشمل : العرف ومسائل الاُصول ، استعمالات العرف وتطبيقاته في الاستنباط ، حدود الدلالة العرفية ، دور العرف في تغيير الموضوع .

وخاتمة : نلخّص فيها نتائج البحث .

الأمر الأوّل : حقيقة العرف

ونتعرض فيه للمعني اللغوي واستعمالاته ، وكذلك المعني الإصطلاحي ، ومقارنته بالمفاهيم المشابهة له ، ثمّ نبيّن أركانه وعناصره .

أ ـ تعريفه اللغوي :

يستعمل في عدّة معاني :

1 ـ تتابع الشيء علي نحو تتصل أجزاؤه .

2 ـ كل عال مرتفع .

3 ـ ضد المنكر ، بمعني المعروف . والمعروف : الوجه ؛ لأنّ الإنسان يُعرف بـه .

ب ـ تعريفه الاصطلاحي :

وقد ذكروا له ـ سيما الاُصوليون ـ عدّة تعاريف متقاربة ، نذكرها مع حذف المكرر منها :

1 ـ تعريف الغزالي : هو ما استقر في النفوس من جهة العقول ، وتلقته الطبائع السليمة بالقبول ( 13 ) .

وقريب من هذا التعريف ما ذكره الجرجاني ( 14 ) ، وابن عابدين ( 15 ) .

المناقشة ـ ويلاحظ عليه :

أوّلاً : عدم كونه جامعا ولا مانعا ، لأنّه إن اُريد من ( العقول ) جميعها ، فالتعريف غير جامع ، وإن اُريد اجتماع جماعة من العقلاء علي أمر ، فالتعريف غير مانع للأغيار .

ثانيـا : إنّ قيد ( تقبله الطبائع السليمة ) يُخرج العرف الخاص من التعريف ؛ وذلك لأنّ الطبائع السليمة واحدة وثابتة في جميع الأزمنة والأمكنة ، وأمّا العرف الخاص فهو متغير بلحاظ المكان والزمان والطبقات الاجتماعية .

ثالثـا : انّه يخرج ـ بقيد ( العقول والطبائع السليمة ) ـ العرف الفاسد ، مع أنّهم قسّموا العرف إلي صحيح وفاسد ( 16 ) .

2 ـ تعريف بدران : العرف هو ما اعتاده الناس في سلوكهم ومعاملاتهم ، واستقامت عليه أوضاعهم ( 17 ) .

المناقشة ـ ويلاحظ عليه :

أوّلاً : عدم انحصار العرف بالمعاملات والسلوك ، بل هو شامل للأقوال والأفعال والاستعمالات ، حيث قسموا العرف إلي العرف القولي والعرف العملي ( 18 ) .

ثانيـا : عدم شموله لما يعتاد الناس تركه . وعليه فالتعريف غير جامع .

3 ـ تعريف الاُستاذ عميد زنجاني : فقد عرّفه : بالعمل الإرادي الذي يعتاده الناس ، من دون نِفرة أو اشمئزاز منه ، ويطلق عليه الفقهاء : « السيرة العقلائية » أو « السيرة العملية » ( 19 ) . وعرّفه أيضا في تعريف آخر : بالفعل الذي يستند إلي العقل العملي ، المعبّر عنه في المنطق بـ « الآراء المحمودة » وهي : مجموع القضايا التي يتلقاها عامّة الناس بالقبول ، ويجرون عليها بحسب ارتكازاتهم ( 20 ) .

المناقشة ـ ويلاحظ عليهما :

أوّلاً : عدم شمولهما للعرف القولي ، فإنّ مما لا شكّ فيه أنّ المتفاهم العرفي للألفاظ المعبّر عنه بالحقيقة العرفية ، هو عبارة اُخري عن العرف القولي الناشئ من كثرة استعمال اللفظ في معناه المجازي مع قيام القرينة الصارفة ، والذي قد يبلغ كثرة الاستعمال فيه حدا يحصل معه التبادر بدون قيام القرينة عليه ، فإذا وجود العرف القولي أمر مفروغ عنه . والتعريفان المذكوران لا يشملان العرف القولي .

وأمّا عملية الإنصراف إلي معني خاص فهي وإن كانت ترتكز علي البناءات العرفية كالتمسك بأصالة الظهور ، وأصالة الإطلاق ، وأصالة الجهة ، وهي جميعا من العرف العملي التي يتمسك بها العرف العام ويجري عليها ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي من تلك الألفاظ هو عين العرف القولي كما بيّناه .

ثانيـا : خروج العرف الخاص والعرف المشترك بقيد ( الأكثر ) في التعريف الأوّل ، وقيد ( مدركات العقل العملي ) في التعريف الثاني .

ثالثـا : اختصاص التعريف الأوّل بالعرف الناشئ من الفعل الإرادي المتكرر خاصة ، كأمارية اليد علي الملكية ، ولا يشمل الأعراف العقلائية الناشئة من الارتكازات الفطرية ، كالتملك بالحيازة ـ مثلاً ـ الذي هو من المرتكزات الفطرية .

رابعـا : عدم شمول التعريف الثاني للعرف الفاسد ، مع أنّه ينقسم إلي الصحيح والفاسد .

خامسـا : خلط في التعريف الثاني بين العرف في محل الكلام وبين العرف الناشئ من الحسن والقبح العقليين ، فإنّ الثاني وإن استند إليه الفقيه ، إلاّ أنّه من باب حكم العقل ، لا العرف المصطلح ، فهو خارج عن محل الكلام .

4 ـ تعريف عبد الوهاب خلاّف : ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ـ ثمّ قال : ـ ويسمّي العادة ( 21 ) .

وهذا التعريف مطلق يشمل العرف العام والخاص ، والصحيح والفاسد ، فلا يتوجه عليه ما تقدم علي نظائره . ومن هنا فقد عبّر عنه العلاّمة السيّد محمّد تقي الحكيم بأنّه أقرب إلي الحقيقة ( 22 ) .

ومما يهوّن الخطب في هذه التعاريف أنّها ليست تعاريف حقيقية يراد بها بيان حقيقة الشيء ، بل هي شرح للإسم وتوضيح عام للمفهوم ( 23 ) .

ج·· ـ مقارنات :

1 ـ العرف والعادة : العادة هي من العود ، وتطلق علي الخُلق أيضا ، وهي أعم ـ كما يقول الاُستاذ مصطفي الزرقا ـ من العرف ؛ لشمولها للعادة الناشئة من العوامل الطبيعية ، ومن العادة الفردية ( 24 ) . فإنّ العادات علي ثلاثة أنواع :

الأوّل : العادات الفردية التي يمارسها الفرد في أعماله وتصرفاته الشخصيّة كالنوم في ساعة معينة مثلاً .

الثاني : الاُمور المتكررة بفعل العوامل الطبيعية والأسباب التكوينية ، كالبلوغ المبكر في المناطق الحارّة .

الثالث : ما تعتاده المجتمعات البشرية في علاقاتها ،فإنّ لكل مجتمع طريقته واُسلوبه الخاص في نمط علاقاته ( 25 ) .

والمنشأ في هذه العادات مختلف ، فقد يكون المنشأ هو الارتكازات الفطرية ، وقد يكون الأهواء النفسية ، أو الفكر والإرادة أو غير ذلك . وجميع هذه العادات هي مما يرادف العرف ، بغض النظر عن صحتها أو سقمها من حيث المنشأ .

2 ـ العرف والإجماع : ويفترقان في :

1ً ـ يشترط في تحقق الإجماع تحقق اتفاق الاُمّة ، أو كافّة أهل النظر والاجتهاد فيها ، أو مجتهدي مذهب معين علي اختلاف المباني في الإجماع . وأمّا العرف فانّه لا يشترط فيه ذلك ، بل يكفي سلوك الأكثرية ، بلا فرق بين أهل الاجتهاد وغيرهم ( 26 ) .

2ً ـ يعتبر في العرف تحقق الجري العملي علي فعل أمر أو تركة ، فيما يكفي في الإجماع اتفاق الفقهاء في الرأي حسب ، ولو لم يستتبعه جري عملي .

3ً ـ إنّ العرف يتصف بالحسن تارة وبالقبح اُخري ، وأمّا الاجماع فليس كذلك ( 27 ) .

4ً ـ قد يختص العرف بأهل بلد أو مكان ما ، والإجماع ليس كذلك ( 28 ) .

3 ـ العرف والقانون : والفوارق بينهما هي :

1ً ـ إنّ تحقق العرف واستقراره يستلزم مرور فترة طويلة ، وكذلك الأمر في نسخ عرف ما بعرف آخر . وهذا بعكس القانون ، فإنّ تحققه أو نسخه لا يحتاج إلي ذلك .

2ً ـ إنّ العرف يستمد وجوده من سيرة الناس ، فهو ينشأ بشكل مباشر من الارتكاز الفطري لديهم . وأمّا القانون فإنّه يُقرر بشكل غير مباشر من قبل المنتخبين والنوّاب .

3ً ـ العرف أكثر إبهاما من القانون ( 29 ) .

4 ـ العرف و ( الموظة ) ! : والفوارق بينهما هي :

1ً ـ وجود الفارق النفسي بينهما ، فالأوّل فيه جانب الإلزام الاجتماعي بحيث يؤنب المتخلف عنه . وأمّا الثاني فليس كذلك ، بل هو أمر طوعي ، والسرّ هو : ابتناء الأوّل علي أساس فكري ومنطقي بعكس الثاني ( 30 ) .

2ً ـ العرف أكثر ثباتا وبقاءً ، بعكس الثاني فإنّه أكثر تغيّرا وتحولاً . ومن هنا نجد أنّ العرف والعادات والآداب والرسوم هي من النماذج البارزة للترابط الخلقي والاجتماعي بين الناس ، الأمر الذي لا نلحظه في الثاني ( 31 ) .

د ـ أركان العرف :

يتبين مما تقدم أنّ أركان العرف عبارة عن :

1 ـ القول أو الفعل الخاصّين ، أو تركهما .

2 ـ الاستمرار والديمومة لهما .

3 ـ الاستمرار إلي حدّ العادة .

4 ـ أن لا يكونا ـ القول أو الفعل ـ ناشئين من الغريزة أو العوامل الطبيعية .

الأمر الثاني : أنواع العرف

نعرض في البدء للعوامل المؤثرة في إيجاد العرف واستمراره وتغيّره ، ثمّ نشير إلي أنواعه .

العوامل المؤثرة في العرف :

لا شك أنّ للأعراف والعادات التي تظهر بين الناس ويطرأ علي بعضها التغيّر والتحول ، عللاً تتحكم بها ـ فهي معلولة لتلك العلل ـ مثلها في ذلك مثل سائر الظواهر المعلولة الاُخري . ويمكن تحديد المنشأ والعلّة فيها بما يلي :

1 ـ الفطرة الإنسانية يقول المحقق النائيني قدس‏سره في بيان مناشئ السيرة العقلائية : « . . . وإمّا أن تكون ناشئة عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها اللّه‏ تعالي في طباعهم » ( 32 ) .

2 ـ الإدراك والتعقل ( 33 ) .

3 ـ التجارب ( 34 ) . الحاصلة من مجموع النجاحات والإخفاقات .

4 ـ الأحكام الشرعيّة التي يبلّغها الأنبياء في وقتهم ثمّ تستمر من بعدهم ( 35 ) .

5 ـ القوانين اللزومية التي تؤسسها الدولة أو أي سلطة اجتماعية اُخري ، بحيث يجري عليها الجميع حتي العقلاء ، فتكون عرفا جاريا في المجتمع ( 36 ) .

6 ـ ما تمليه حاجات المجتمع ومتطلباته ، بنحو يقتضي طبع المجتمع بنفسه وجود العرف ، وتتفاوت هذه المتطلبات بحسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية والنظم والقوانين ، وخصائص الناس الخُلقية والوطنية وميزان تمدنهم ( 37 ) .

7 ـ التعصبات العرقية ، والمعتقدات الدينية ( 38 ) .

8 ـ تقليد الآخرين سواء كانوا من المتقدمين أو المعاصرين ؛ فإنّ بعض الأعراف يمكن الاستغناء عنها وإلغاؤها ؛ لانعدام الحاجة إليها ، ولكنها تُقرّ في المجتمع وتبقي من باب التقليد للسلف ، أو المجاراة مع رأي غيرهم من المعاصرين ( 39 ) .

9 ـ العلاقات الاقتصادية والثقافية والرياضية المتبادلة مع الدول المجاورة أو غير المجاورة التي تؤثر وبشكل طبيعي في تشكّل العرف وإيجاده .

10 ـ الغزو الثقافي الذي تقوده الدول الاستعمارية لتخريب القيم الخلقية لدي شعوب الدول الاُخري ، وإحلال ثقافتها المتحلّلة مكانها . وبالمآل إلغاء عرف وإيجاد عرف جديد .

11 ـ التسامح ، فإنّ بعض الأعراف تنشأ من التسامح الذي يبديه الناس في بعض الاُمور ، فمثلاً نراهم ومن باب التسامح يدّعون الوصول إلي محل أو مكان ما مع انّه لم يحصل الوصول حقيقة . أو يتسامحون فيدّعون حصول القدر المعين الذي يفرض حصوله حقيقة مع أنّه غير حاصل كذلك ( 40 ) .

12 ـ الجهل ، فإنّه مصدر من مصادر الإفراط والتفريط في السلوك الاجتماعي ، بحيث يتحول ذلك السلوك وبالتدريج إلي عرف رائج في المجتمع .

وبعد ملاحظة هذه العوامل وتأثيرها في العرف تتجلّي حينئذ ضرورة البحث في أنواع العرف .

أنواع العرف : يمكن تقسيم العرف من جهات مختلفة إلي أنواع عديدة :

أ ـ العرف العام والخاص :

العرف العام : هو العرف الذي يشترك فيه الأكثرية الساحقة من الناس ( 41 ) ، علي اختلاف ألوانهم وقومياتهم ، ولغاتهم وثقافاتهم ، وأقطارهم وأزمانهم ( 42 ) وينتظم في هذا القسم :

1 ـ المتفاهم العرفي ( = الفهم العرفي ) ، وهو عبارة عن الفهم العام لدي عموم الناس من الألفاظ علي اختلاف اللغات بينهم ، مثل المتفاهم العرفي من لفظ : ماء ، و ( آب ) بالفارسية ، و ( Water ) بالانجليزية و . . .

2 ـ سيرة العقلاء في الأخذ بظهور الكلام ، التملك بالحيازة ، أمارية اليد علي الملكية ، رجوع الجاهل إلي العالم ، وغير ذلك من بناءات العقلاء .

3 ـ تشخيص المصداق ، فإنّ العرف العام يحكم بعدم صدق الدم كمفهوم علي مجرد اللون ( 43 ) .

والعرف الخاص : هو العرف الذي ينشأ عند طبقة خاصة تجمعهم وحدة من لغة أو دين أو مكان أو زمان أو مهنة ( 44 ) . وينضوي تحته :

1 ـ عرف المتشرعة الحاصل من استمرار المسلمين في استعمال لفظ في معني ما ، أو فعل أو ترك ، علي نحو يكون المنشأ فيه هو الشرع ( 45 ) . ويشمل هذا : الحقيقة المتشرعية في الألفاظ ، وسيرة المتشرعة في السلوك والأفعال ، وسيرتهم الاستنكارية في باب ترك الفعل . وسيأتي توضيحها لاحقا ( 46 ) .

2 ـ عرف أهل بلد معين أو محل خاص ( 47 ) .

3 ـ عرف بعض الأعصار والأزمنة . كما في استعمال صيغ الوقف والوصايا التي تختلف من زمان إلي زمان ، كما أنّها تختلف باختلاف الأمكنة أيضا ( 48 ) .

4 ـ عرف أهل صنف معين ، كعرف أهل اللغة في استعمال اللفظ في معني خاص بدون نصب قرينة ـ المعبر عن ذلك العرف بالحقيقة اللغوية ـ أو كعرف الخياطين مثلاً في كون الخيط والازرار عليهم في خياطة الثوب ( 49 ) .

ب ـ العرف القولي والعملي :

العرف القولي : هو العرف الحاصل من شيوع استعمال لفظ في معني معين ، بحيث ينصرف الذهن إلي ذلك المعني بدون قرينة تدل عليه ( 50 ) . ويشمل هذا العرف : العرف القولي العام ، والعرف القولي الخاص :

1 ـ العرف القولي العام : وهو عبارة عن المتفاهم العرفي في باب استعمال الألفاظ في معانيها ، المعبّر عنه بالحقيقة العرفية . وقد يشترك في هذا العرف جميع الناس علي اختلاف لغاتهم كما تقدم توضيحه في تقسيم العرف إلي عام وخاص ، وقد يختص بأهل لغة خاصّه كاختصاص العرب في إطلاق لفظ الدابة علي حيوان خاص مع أنّه عام وضعا لكل ما يدبّ علي الأرض ( 51 ) .

2 ـ العرف القولي الخاص : الشامل للحقيقة الشرعيّة والحقيقة المتشرعية ، والفرق بينهما هو انّ الاُولي بلغ استعمال المتشرعة للّفظ في معناه حدّا بحيث يتبادر المعني من إطلاقه بلا قرينة في عصر النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، كما في لفظ الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها ، وأمّا الثانية فإنّه يتبادر المعني من الاطلاق فيه ، ولكن في العصر المتأخر عن زمانه صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ( 52 ) .

والعرف العملي : عبارة عن منهج عملي في سلوك الناس ، وليس المنشأ فيه العامل الطبيعي ، وتطبيقاته هي :

1ً ـ سيرة العقلاء ، وهي عبارة عن العمل العقلائي الذي يمارسه العقلاء ، كالتعاطي في المعاملات مثلاً ( 53 ) .

2ً ـ سيرة المتشرعة ، وهي عبارة عن السلوك الذي يسلكه المتشرعة ـ بما هم متشرعة ـ المعاصرون لزمن الأئمة عليهم‏السلام . نظير سيرتهم في غسل الوجه في الوضوء من الأعلي إلي الأسفل ( 54 ) .

3ً ـ السيرة العملية المختصة ببعض البلاد ، كسيرة أهل بعض البلاد في بيع بعض المبيعات بالعدد ( 55 ) .

4ً ـ الانصراف اللفظي القائم علي أساس البناءات العرفية ، كانصراف الذهن عند سماع لفظ الخبز إلي الخبز المتخذ من الدقيق ، ولفظ اللحم إلي خصوص لحم الشاة . فلو قال القائل : اشتر خبزا ولحما ، انصرف إلي هذين الفردين من باقي الأفراد الاُخري للفظ الخبز واللحم ، وليس ذلك إلاّ من باب المتعارف العملي بين الناس .

ج·· ـ العرف المطرد ، الغالب ، والمشترك :

العرف المطرد : هو العرف العام والشامل لكل ما تحته من مصاديق ، علي نحو يكون هو المتبع في جميع البلاد بين عامة الناس .

العرف الغالب : هو العرف الذي يُراعي في أكثر الأعمال والوقائع الجارية ( 56 ) .

وهذا العرفان لا يختصان بالعرف العام ، بل قد يكونا في العرف الخاص أيضا ، فانّه قد يكون في بعض الحالات مطردا ، كقيام العرف بشكل مطرد في بعض المناطق علي أخذ قسم من المهر معجلاً وبعضه الآخر مؤجلاً . وقد يكون أيضا غالبا كقيام العرف في بعض البلاد علي التعامل بالدينار أو الدولار ( 57 ) .

والعرف المشترك : هو الذي يتساوي العمل به أو تركه بين الناس ، وقد يصطلح عليه بالمتساوي أيضا ( 58 ) .

د ـ العرف المقارن وغير المقارن :

العرف المقارن : هو الذي يقترن وجوده مع شيء آخر ( 59 ) . وهو علي ضربين :

1ً ـ العرف المقارن لظهور الاسلام وصدر التشريع ، سواء كان قبل ذلك ثمّ بقي معاصرا له ، أو اقترن وجوده بالعصر الأوّل للاسلام ، بحيث يكون شاملاً للعرف المقارن القولي والعملي .

2ً ـ العرف المقارن لانعقاد العقود والمعاملات ، وصيغ الوصايا ، والإقرار وأمثالها .

والعرف غير المقارن : هو العرف المتأخر عن حدوث الشيء . وهو علي ضربين :

1ً ـ العرف الحادث ، وهو الحاصل بعد تشريع الأحكام ( 60 ) .

2ً ـ العرف المتأخر ، وهو الحاصل بعد انعقاد العقد ، أو بعد الإقرار ، أو بعد الوصية .

ه·· ـ العرف الدقيق والمسامحي :

العرف الدقيق : هو العرف الناشئ عن دقة التحقيق ( 61 ) . فمصداق كل مفهوم ينبغي تشخيصه بشكل دقيق . ولا ينبغي الخلط هنا بين العرف الدقيق ، والدقة الفلسفية ، فالعرف يحكم ـ مثلاً ـ بعدم وجود الدم مع بقاء لونه ، ولكن العقل يحكم بوجوده لعدم إمكان التفكيك بنظره بين بقاء اللون وعدم وجود الدم ( 62 ) .

والعرف المسامحي : هو العرف الناشئ عن التسامح وعدم التدقيق ، المصاحب لحالة التخمين والتقريب .

و ـ العرف الصحيح والفاسد :

العرف الصحيح : هو العرف الموافق للموازين الشرعيّة ، كالعرف القائم بين الناس علي استعمال الألفاظ في معانيها ومصاديقها ، أو قيام بعض المعاملات في بعض المناطق بالنقود الرائجة فيها ( 63 ) .

والعرف الفاسد : هو العرف المخالف للموازين الشرعيّة ، كمخالفته لنص الكتاب أو ظاهره ، كالعرف القائم علي المعاملات الربوية ، أو الانشغال باللهو واللعب ، وكذا العرف المخالف للإجماع إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم عليه‏السلام ، فإنّه من المخالفة للسنة كما لا يخفي .

الأمر الثالث : العرف والشرع

أ ـ العرف وطريقة الشارع :

يعتبر الاسلام ـ من حيث الزمان ـ آخر الأديان ، كما أنّه ـ من حيث المضمون ـ يعتبر من أكمل الأديان ، قال عزّ من قائل : « انّ الدين عند اللّه‏ الاسلام »( 64 ) .

وأحكام الاسلام علي نوعين : الأحكام التأسيسية ، والأحكام الإمضائية . والاُولي هي الأحكام التي أسّسها الشارع ولم تكن إلي قبل تشريعه ، كوجوب الصلاة ، والحج بخصوصياته التي في الاسلام ( 65 ) . والثانية هي الأحكام التي كانت موجودة قبل الاسلام في الأديان والمجتمعات السابقة عليه ، ثمّ جاء الاسلام وأمضاها .

كما أنّ ثمّه أعراف قد منعها الشارع ولم يقرّها . ونشير فيما يلي إلي طريقة الشارع في إنكار العادات والأعراف السابقة عليه :

1 ـ إقرار العادات والأعراف الدخيلة في حفظ المجتمع وبقائه ، والتي تنسجم ومقاصد الاسلام ومصالح المكلفين الواقعية . ومن ذلك باب المعاملات والعقود والايقاعات التي كان تشريعها عبارة عن إمضاء الشارع لها وإقرارها . كما في آية « وأحلّ اللّه‏ البيع »( 66 ) ( 67 ) .

2 ـ إقرار بعض الأعراف مع تهذيبها وإجراء بعض التعديلات عليها ، من قبيل أحكام القصاص ، والديات ، والطلاق ، والعدّة ، وغيرها من الأعراف التي أمضاها الاسلام .

3 ـ رفض كثير من العادات التي لا تنسجم وتشريعات الاسلام ، كالمعاملات الغررية والربوية ، وظاهرة تبني الأولاد التي كانت سائدة في المجتمع العربي . وقد أوصي النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم معاذ بن جبل عندما وجّهه إلي اليمن قائلاً : « وأمت أمر الجاهلية إلاّ ما سنّه الاسلام » ( 68 ) .

ب ـ الشروط المعتبرة في العرف :

ذكر الفقهاء لحجية العرف شروطا ، نشير لها :

1 ـ أن يكون العرف عامّا وغالبا : وهذا الشرط لازم في جميع الأقسام المتقدمة للعرف ، اللفظي والعملي ، الخاص والعام . ولا ينبغي الخلط بين هذا الشرط وبين العرف العام والخاص ، لأنّ العرف الخاص واجد للشرط المذكور في مورده ودائرته ( 69 ) .

2 ـ أن يكون العرف دقيقا : يشترط في العرف الدقة والوضوح للكشف عن مراد الشارع أو تشخيص مصداق الموضوعات بدقة . كما في موارد الأوزان ، والمقادير ، والمسافات الشرعيّة ، فإذا نقص الكر أو المسافة الشرعيّة شيئا قليلاً ، لم يُلتفت إلي الصدق العرفي للكر والمسافة عليهما . بل لابدّ من مراعاة الدقة في ذلك ( 70 ) .

3 ـ عدم مخالفة العرف للعقل العملي : بأن يكون مطابقا للعقل والذوق السليم والرأي العام ( 71 ) . فالأعراف الفاسدة والضررية والمخالفة للعقل العملي غير مشمولة لدليل الحجية ، وهذا الشرط هو غير البحث في اتصاف العقل النظري وتميّزه عن العرف بالدقة ، حيث يتقدم العرف ( أو الدقة العرفية ) ولا يعتني بالدقة العقليّة ، كما تقدم بيانه في الشرط الثاني .

4 ـ أن يكون العرف مقارنا : يشترط في التمسّك بالعرف ـ في الموارد التي نفتقد الدليل فيها علي الحكم الشرعي ، ونلجأ لاثباته من طريق سيرة العقلاء ، أو المتشرعة ، أو للاستدلال به علي قاعدة اُصولية ـ اتصاله بزمن المعصوم عليه‏السلام ؛ ليكون كاشفا عن صدور الردع أو عدم صدوره ، وبالتالي ثبوت كاشفيته عن الحكم الشرعي في الصورة الثانية . وأمّا إذا لم يحرز اتصالها وامتدادها إلي زمن المعصوم عليه‏السلام فلا يمكن حينئذ اعتماد كلا هاتين السيرتين في الكشف عن الحكم الشرعي . كما أنّه ينبغي أيضا عند مراجعة العرف لتحديد معاني الألفاظ أن يكون مقارنا لزمن صدور الخطاب ، فالمدار لدي الشارع هو عرف زمن الصدور ، من دون ملاحظة ما يطرأ علي الألفاظ في الأزمنة المتأخرة ، وعلي المكلفين في عصر الحضور والخطاب ـ سيما أصحاب الأئمة عليهم‏السلام وتلامذتهم ـ نقل تلك المعاني التي فهموها إلي المتأخرين عنهم .

5 ـ إحراز عدم ردع الشارع : يشترط في اعتبار العرف مضافا إلي ما تقدم ـ من لزوم مقارنته واتصاله بعصر المعصوم ، لكي يثبت حكما شرعيّا ، أو قاعدة اُصولية ـ إحراز عدم صدور الردع عنه ( 72 ) . فلا يكفي مجرد عدم العلم بصدوره ، أو احتماله حتي يقال : ما لم يصدر الردع فإنّ سلوك العقلاء وسيرتهم حجة يلزم العمل بها شرعا ، بل لابدّ من إحراز عدم الردع كشرط كاشف عن تقرير الشارع . ولإحراز عدم الردع يشترط :

أن تكون السيرة العقلائية بمرئي ومنظر من المعصوم عليه‏السلام ، أي متصلة بزمانه .

أن لا يكون ثمة معذور من الردع كالتقية ؛ ليكتشف من سكوته الإمضاء والرضا ، وعليه فإذا لم يتمكن الشارع من الردع من السيرة فلا كاشفية عن الإمضاء ( 73 ) .

عدم وجود ما يصلح للردع في الكتاب والسنّة ؛ فإذا وجد ما يصلح للردع فيهما كان كافيا في الردع ، ولا يشترط أكثر من ذلك ، بأن يبرز الشارع بيانا خاصا للردع عن العرف ( 74 ) .

ومنه يعرف أنّه لو كان العرف مخالفا للإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‏السلام ، فلا عبرة به حينئذ ، وأمّا إذا لم يكن الإجماع كاشفا اُخذ بالعرف ( 75 ) .

6 ـ عدم التصريح بالخلاف : لا شك أنّه يرجع إلي العرف في فهم مراد المتكلم ، إلاّ إذا كان هناك معني خاصا مقصودا عند الطرفين ، فلا يرجع إليه حينئذ ( 76 ) . وذلك لأنّ دلالة العرف دلالة ظنية وظهورية ، والتصريح بالخلاف متيقن ، فيتقدم علي الظني ولا ينعقد للكلام ظهور بحسب الفهم العرفي . ومثاله ما لو كان العرف قائما علي تقسيط الثمن ، واتفق المتبايعان علي خلافه ( 77 ) .

ج·· ـ عدم استقلال العرف في الدليلية :

اتضح مما تقدم أنّ العرف ليس دليلاً مستقلاً بنفسه ، بل هو بحاجة إلي إمضاء الشارع أو عدم ردعه . وقد اتضح هذا مما ذكرناه في شرطيّة إحراز عدم صدور الردع من الشارع ، حيث ثبت هناك أنّ السيرة العقلائية تستمد حجيتها من سكوت الشارع وتقريره ( 78 ) ؛ إذ العرف حجة ظنية كاشفة كشفا غير تام عن الحكم الواقعي ، والمتمم لحجيتها هو تقرير الشارع ( 79 ) . وهذا بخلاف حكم العقل فانّه حجة قطعية مستقلّة لا يمكن للشارع رفعها ، كحكم العقل بوجوب العدل وحرمة الظلم ، وأيضا بخلاف سيرة المتشرعة ، فانها ناشئة من الشارع نفسه .

فالمتحصل هو عدم اعتبار العرف حجة مستقلة في مقابل الكتاب والسنّة ، بل هو كاشف عن السنّة أو داخل فيها ( 80 ) كما هو الأمر في الإجماع وسيرة المتشرعة .

د ـ مراتب حجية العرف :

لا شك أنّ العرف العام هو المرجع في فهم مداليل الخطابات الشرعيّة ، فيما إذا لم يكن هناك عرف شرعي مفسّر للخطاب ( = الحقيقة الشرعيّة ) . فالعرف الشرعي مقدّم علي العرف العام . والعرف العام ( = الفهم العرفي ) مقدّم في حال الاختلاف علي العرف الخاص ( العرف اللغوي ) ؛ إذ الثاني طريق وكاشف عن العرف العام . كما أنّ المرجع في تحديد مصاديق الألفاظ بعد اتضاح معانيها ، هو العرف العام الدقي ( غير المسامحي ) ، ومع فقده واختلاف الأعراف بلحاظ الزمان والمكان ، فالمرجع هو العرف المكاني أو الزماني الخاص ، دون العرف المعاصر لزمن الشارع كما تقدم بيانه في شروط حجية العرف . فإذا كان ـ مثلاً ـ شيء كالحنطة من المكيلات عند بعض المكلفين ، فلا يصح عدّه من الموزونات إذا كان كذلك بلحاظ عرف بلد الآخر ( 81 ) .

وأمّا مداليل الخطابات غير الشرعيّة ، فالمرجع في فهمها وتعيين مصاديقها هو العرف الخاص لا العرف العام ، إلاّ إذا كان العرف الخاص مفقودا . كما أنّ المقدّم حال الاختلاف بين سيرة العقلاء والمتشرعة هو الثاني ؛ لأنّه كاشف قطعي عن الردع عن الأوّل .

الأمر الرابع : مجالات العرف

أ ـ العرف والمسألة الاُصولية :

يختلف العرف باختلاف موارده . فقد يمكن عدّه مسألة اُصولية فيما لو كان كاشفا عن حجية الظواهر أو قول الثقة ، ونظائرهما مما يقع ممهدا في طريق الاستنباط ، وأمّا لو كان كاشفا عن رأي المعصوم عليه‏السلام ، أو مراد المتكلم ( 82 ) ، أو لاثبات موضوع الحكم ، فلا يمكن حينئذ عدّه من مسائل الاُصول .

ب ـ دخالة العرف في الاستنباط :

وينتظم فيه الموارد التالية :

1 ـ فيما لو لم يوجد دليل علي الحكم الشرعي سوي كاشفية العرف . ويشترط فيه أن يكون عاما غير خاص بزمان أو مكان معين ، وذلك لكي يتم إحراز اتصاله بعصر المعصوم عليه‏السلام ، وإحراز السكوت والتقرير وكونه من السنّة التقريرية ، وتعتبر سيرة العقلاء والمتشرعة من هذا القبيل ( 83 ) ، ولنذكر مثالين علي ذلك :

1ً ـ البيع المعاطاتي : قال الامام الخميني قدس‏سره في وجه صحته : « يدل علي صحتها ـ المعاطاة‏ـ السيرة المستمرة العقلائية من لدن تحقق المدنية والإحتياج إلي المبادلات إلي زماننا ، بل الظاهر أنّ البيع معاطاة أقدم زمانا وأوسع نطاقا من البيع بالصيغة ، فلا ينبغي الشبهة . . . وقد كانت متعارفة في عصر النبوة وبعده بلا شبهة ، فلو كانت غير صحيحة لدي الشارع . . . لكان عليه البيان القابل للردع » ( 84 ) .

2ً ـ التصرف في مثل الأراضي الوسيعة والأنهار الكبيرة : حيث قامت السيرة القطعية علي ذلك وهي برأي ومنظر من الشارع . قال المحقق السيّد الخوئي قدس‏سره في بيان ذلك : « فالعمدة هي السيرة القطعية المستمرة حيث إنّ الناس يتصرفون في الأراضي الوسيعة بمثل الاستراحة ، والتغذي أو الصلاة فيها ، وفي الأنهار الكبيرة بالشرب ، والإغتسال ، والتوضؤ ، كما هو المشاهَد في الماشين إلي زيارة الحسين عليه‏السلام راجلاً » ( 85 ) .

2 ـ موارد الخطابات الشرعيّة المتضمنة للألفاظ التي ليس لها حقيقة شرعية ، فإنّ المرجع في فهم معانيها هو العرف العام ، المعبّر عنه بالتبادر المنساق إلي الذهن ، أو الانصراف والظهور العرفي ، كانصراف لفظ الدابّة لذوات الأربع خاصّة ، مع أنّه للأعم منها وهو كلّ ما يدبّ علي الأرض .

3 ـ الموارد التي أناط الشارع المقدس أمرها بالعرف ، كالموضوعات الخارجيّة المعبّر عنها بالموضوعات العرفية ، فإنّ تشخيصها سعة وضيقا بيد العرف ( 86 ) . ولم يتدخل الشارع في تحديدها . ويشكّل هذا القسم أهم موضوعات الأحكام الشرعيّة ، مثل :

إحياء الأرض الموات ، فإنّه موضوع لحكم التملّك . قال المحقق السبزواري : « الإحياء ورد في الشرع مطلقا من غير تفسير ، فلابدّ فيه من الرجوع إلي العرف ، فالتعويل علي ما يسمّي في العرف إحياء » ( 87 ) .

مفهوم المؤونة المستثناة من الخمس ، ومفهوم العيال الواقع موضوعا لأحكام عديدة . فانها مما يرجع في تحديدها إلي العرف ، قال صاحب الجواهر : « فالأولي إيكاله إلي العرف كإيكال المراد بالعيال إليه » » ( 88 ) .

الزيادة والنقيصة غير المتسامح فيهما ، حيث تقعان موضوعا لخيار الغبن ، قال في الجواهر : « والمرجع في ذلك ـ بعد ان لم يكن له مقدّر في الشرع ـ إلي العرف » ( 89 ) .

الاستحالة والإنقلاب ، فانهما موضوعان لطهارة الأعيان النجسة ، كاستحالة الكلب إلي الملح ، وانقلاب الخمر خلاًّ . فإنّ الملاك في صدقهما هو العرف .

بقاء الموضوع في الاستصحاب ، حيث يشترط في جريان الاستصحاب اتحاد القضيّة المتيقنة والقضيّة المشكوكة حال الشك ، بمعني بقاء القضيّة المتيقنة سابقا وكونها عين القضيّة المشكوكة فعلاً حال الشك ، وعليه فإنّ بقاء الموضوع وتشخيص سعته وضيقه بيد العرف . وقد صرّح بذلك صاحب الكفاية حيث ذكر : إنّ المعيار في بقاء الموضوع هو اتحاد القضيّة المتيقنة والمشكوكة ( 90 ) .

4 ـ الموارد التي يُرجع فيها ـ لتعيين مراد المتكلم في حال الإطلاق‏ـ إلي العرف سواء كان المتكلم هو الشارع أو غيره . أمّا الكشف عن مراد الشارع وفهمه فإنّه يدخل فيه كل ما يرتبط بالمداليل الالتزامية لكلامه ، شريطة أن تكون الملازمات العرفية هي المنشأ في الدلالة المذكورة . كما لو حكم الشارع بطهارة الخمر بعد انقلابه خلاًّ ؛ فإنّ العرف يحكم بطهارة ظرفه . ومثله أيضا الموارد التي يصلح فيها العرف أن يكون قرينة لتحديد مراد الشارع .

وأمّا الكشف عن مراد غير الشارع فانّه يدخل فيه جميع ما يدخل في صيغ الوصايا والشروط والأوقاف وغيرها إذا كانت لها مداليل ومعان عرفية ، عرفا عامّا أو خاصّا ( 91 ) .

5 ـ موارد القواعد الاُصولية المستخدمة في الفقه وللعرف دور الكشف عنها ، كالعرف القائم علي الأخذ بظواهر الكلام ، أو بقول الثقة وغير ذلك ( 92 ) . فقد ذكر المحقق النائيني : أنّ العمدة في حجية خبر الثقة هو السيرة العقلائية . وأفاد المحقق السيّد الخوئي ـ في حجية الظواهر ـ : أنّ حجيتها مورد اتفاق العقلاء في محاوراتهم ، حيث لم يؤسس الشارع طريقة جديدة في ذلك فيظهر منه حينئذ الإمضاء لطريقتهم .

وذكر السيّد البجنوردي ـ في حجية الاستصحاب ـ : انّ مما لا شك فيه أنّ سيرة العقلاء وبناءهم ـ سواء كانوا متدينين أم لا ـ علي العمل بالحالة السابقة ، وعدم الاعتناء بالشك فيها ، وهذا أمر مشهور وملحوظ في كافة أعمالهم ومعاملاتهم ، وحيث انّ الشارع لم يردع عن هذه السيرة فانّه قد أجازها وأمضاها .

وقال المحقق الخراساني في قاعدة تقدم الأمارات علي الاُصول : أنّ تقدّمها مما يؤيده العرف .

ج·· ـ حدود دائرة العرف :

بناءً علي ما تقدم من حجية العرف بالشروط السابقة فانّه يطرح ههنا سؤالان :

الأوّل : انّه هل يمكن للفقيه الاستناد إلي العرف في استنباط الحرمة أو الوجوب ؟

الثاني : انّه هل يمكن التعدّي من بناء العقلاء في زمن المعصوم عليه‏السلام إلي بناء العقلاء في زماننا لاستنباط الحكم في المسائل المستحدثة ؟

وعليه فالبحث يقع في أمرين :

أوّلاً ـ استنباط العرف للحكم الشرعي : والمقصود بالعرف هنا عبارة عن : سيرة العقلاء ، وسيرة المتشرعة ، والعرف اللفظي . فلابدّ من ملاحظة الضابط في دلالة كل واحد منها ، فنقول :

إنّ سيرة العقلاء مجملة لا بيان فيها علي الوجوب ولا علي الاستحباب ، ولا الحرمة ولا الكراهة ، إلاّ إذا اقترنت بقرائن حالية أو مقالية ، فالسيرة إذا تحققت في مورد فهي لا تثبت أكثر من المشروعية وعدم ثبوت الحرمة في تلك الموارد ، كما أنّها لا تثبت أكثر من عدم الوجوب ومشروعية الترك في المورد الذي تنعقد فيه علي الترك .

وأمّا سيرة المتشرعة فهي قد تدل علي عدم لزوم الإتيان بفعل ، كمسح القدم في الوضوء ببعض الكف ، حيث تدل علي عدم وجوب المسح بتمامها ، وقد تدل وتقوم علي الفعل أو الترك ، فتدل حينئذ علي جوازهما . نعم لو اُحرز الوجه في عمل المتشرعة وانّه علي الاستحباب مثلاً ، ثبت بذلك الاستحباب حينئذ .

وأمّا العرف اللفظي فإنّه عين البيان ، وهو تابع لدليله وخطابه .

ثانيـا ـ استنباط العرف لحكم المسائل المستحدثة : قد تقدم أنّ من شروط حجية العرف كون السيرة العقلائية بمرأي ومنظر من الشارع . وعليه فإنّ تقريره منحصر بخصوص السيرة القائمة في عصره ـ دون المتأخر عنه ـ علي نحو القضيّة الخارجيّة ، فلا إطلاق فيه لجميع السير المتأخرة ، بحيث يكون علي نهج القضيّة الحقيقيّة ؛ وذلك لأنّ التقرير والإمضاء السكوتي ليسا من قبيل الألفاظ ليقال انّهما ظاهران في القضيّة الحقيقيّة . بل قد يقال باختصاص السيرة المعاصرة للشارع في الإمضاء اللفظي أيضا ، فلا يعمّ غيرها . فلو أمضي الشارع العقود المعاصرة لزمانه بـ « أوفوا بالعقود » اقتصر في دلالتها عليها حسب ، دون العقود المتأخرة من زمانه كما عليه جماعة من الفقهاء . وعليه فلابدّ من درج العقود المستحدثة تحت واحد من العقود الممضاة لتتم مشروعيتها .

نعم ، ذهب جماعة إلي شمول عموم « أوفوا بالعقود »للعقود المستحدثة ( كعقد التأمين مثلاً ) حيث إنّ الشارع قد أمضي جميع أصناف السير العقلائية بنظير العمومات المذكورة ، فلا وجه حينئذٍ للانصراف .

وقد ذهب إلي هذا الرأي المحقق القمي في جامع الشتات ، وصاحب العروة ، حيث يرون صحة كل معاملة تقع مشمولة للعمومات ، إلاّ إذا ثبت فسادها بدليل خاص ، وذكر الامام الخميني في خصوص عقد التأمين أنّه عقد عقلائي وأنّ التعهد والالتزام الحاصلين فيه محترمان عند العقلاء .

وثمّة بحث جانبي آخر في تحليل الإمضاء الصادر من الشارع للتملك الحاصل بالحيازة . هل أنّه إمضاء لذات العمل الصادر عن العقلاء ـ الناشئ من الارتكازات والحيثيات العقلائية ـ أو أنّه إمضاء لأصل الارتكاز العقلائي وبنائهم ؟ فيشمل حينئذٍ التملك بالحيازة بواسطة الآليات الثقيلة الحديثة .

والذي يبدو هو أنّ المنشأ من قبل الشارع هو العموم ؛ لتوفر ملاك الإمضاء فيه مع صدق تنبيه الغافل عليه ( 93 ) .

يقول السيّد محمّد باقر الصدر قدس‏سره : « إنّ سكوت الشارع وامضاءه لا يشمل العمل الخارجي الناشئ من الارتكازات العقلائية فحسب ، بل يشمل أصل الإرتكاز والبناء العقلائي وإن لم يترتّب عليه أثر في الخارج » .

انّ مما لا شك فيه هو كون الحكم تابعا للموضوع ، وانّ بين الاثنين علاقة السببيّة والمسببيّة ، بنحو انّ كل تغيّر في الموضوع يستدعي تغيّرا في الحكم أيضا ، وتغيّر الموضوع ناشئ من تبدّل العرف وتغيّره . . فإذا لا إشكال في تغيّر الحكم بسبب تبدل الموضوع عرفا ، فإنّ مثل هذه التغييرات ـ سواء كانت عامّة أو خاصّة ، مخالفة للفتوي أم لا ـ مما تؤخذ بنظر الاعتبار ويترتّب عليها الأثر ؛ كما في موارد تغيّر النقد الرائج ، وتجدد المالية لما ليس له مالية بسبب الانتفاع به في بعض الحالات ، وإكراه غير السلطان ، وتبدل المكيل إلي الموزون وبالعكس .

وإليك مثالين تطبيقيين علي ما ذكرناه من تأثير تبدل الموضوع علي الحكم :

1 ـ قد ورد النهي عن المعاملات الخالية من الأغراض العقلائية ، كما يستفاد ذلك من النهي عن أكل المال بالباطل ( 94 ) . ولذا أفتوا بحرمة بيع الدم والبول مثلاً ؛ لانعدام المنفعة العقلائية فيهما . . . والمقصود بالمنفعة العقلائية ، المنفعة الغالبة عند العقلاء لا النادرة ، وإلاّ لجاز بيع كل شيء ؛ إذ ما من شيء إلاّ ويتصور له منفعة ما ، فتلغو حينئذٍ شرطية المنفعة الغالبة ( 95 ) . فالمدار إذا في التحريم والجواز هو اعتبار المنفعة العقلائية وعدمها . وهذا مما تؤثر فيه شرائط المكان والزمان ، فقد يجوز بيع شيء بعد تحريمه لتحقق المنفعة العقلائية فيه ، بعد ان لم تكن ، كما في بيع الدم في عصرنا ( 96 ) .

وللمحقق الخوانساري بحث مفصل في ذلك محصّله : أنّ الملاك في جواز المعاملة علي شيء وجود الغرض العقلائي ، وعدم ورود النهي عنه ، كما في بيع الدم في عصرنا وتزريقه في بدن المريض المشرف علي الموت فإنّه يشتمل علي فائدة عظيمة لا تخفي ( 97 ) .

2 ـ لقد نهي الاسلام عن الربا كما هو صريح القرآن الكريم ( 98 ) ، وموضوع الحرمة فيه هو كل مكيل وموزون كما ورد تحديد ذلك في قول الامام الصادق عليه‏السلام : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » ( 99 ) .

والمرجع في تشخيص المكيل والموزون هو العرف ، وهو مختلف بحسب الأزمنة والأمكنة ، فقد يكون شيء في زمان أو مكان معينين ليس من المكيل والموزون ، كالمعدودات ، فيجوز فيها التفاضل ، كبيع شاة بشاتين ، وبيضة باثنتين ، حيث سئل الامام الصادق عليه‏السلام عن ذلك فأجازه وقال : « لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزنا » ( 100 ) وأمّا إذا كانا يباعان بالوزن فلا يجوز التفاضل حينئذ ويدخلان في موضوع حرمة الربا ، والعكس صحيح كما لو كانا سابقا من الموزونات ثمّ صارا من المعدودات ، جاز فيهما التفاضل وكانا موضوعان للحلية والجواز .

نتائج البحث :

1 ـ تنشأ أهمية البحث عن ( العرف والفقه ) من الاُمور التالية :

طرح بعض الشبهات والتصورات المتطرفة والشاذة في وسائل الاعلام كالصحف .

كثرة الأسئلة حول الموضوع والتطلّع إلي البحث فيه من قبل طلاّب العلم .

عدم وفاء البحوث الموجودة .

افتقار البحث إلي المنهجية والاستيعاب .

2 ـ أنّ العرف هو عبارة عن رواج فعل أو قول أو تركهما في جميع الأزمنة والأمكنة أو بعضها .

3 ـ أركان العرف هي : القول أو الفعل الخاصّين أو تركهما ، استمرارهما وشيوعهما ، نشوؤهما من العوامل غير الطبيعية .

4 ـ ينقسم العرف باعتبارات مختلفة إلي : العرف العام والخاص ، العرف العملي والقولي ، العرف المطرد والغالب والمشترك ، العرف المقارن والمتأخر ، العرف الدقيق والمسامحي ، العرف الصحيح والفاسد .

5 ـ تتفاوت شرائط حجية العرف واعتباره بحسب اختلاف الأعراف ومجالاتها ، وهذه الشروط بشكل عام هي : الغلبة والشمول ، الدقّة ، عدم المخالفة لأحكام العقل العملي ، المقارنة والمعاصرة لعصر الشارع ، إحراز عدم الردع ، عدم التصريح بالخلاف .

6 ـ عدم اعتبار السيرة العقلائية دليلاً مستقلاً في قبال الكتاب والسنّة ، بل حجيتها منوطة بكاشفيتها عن تقرير الشارع ، وعليه فإنّ مرجعها إلي السنّة ، كما هو الحال في الإجماع والسيرة المتشرعية .

7 ـ يعتبر العرف الشرعي هو المعيار من بين سائر أنحاء العرف ، كالعرف العام ـ فضلاً عن الخاص ـ في فهم معاني الألفاظ وتحديد مداليل الخطابات ، فاذا لم يوجد عرف شرعي فإنّ المرجع هو العرف العام ، وأمّا في مثل موارد الوصايا ، والوقوف ، فالمرجع في تحديد مفاداتها هو عرف بلد المتكلم فإن لم يكن رُجع إلي العرف العام .

8 ـ يوظف العرف في خمسة موارد في عملية الاستنباط الشرعي وهي :

أ ـ الكشف عن الحكم الشرعي .

ب ـ تحديد معاني الألفاظ .

ج·· ـ تشخيص حدود الموضوعات .

د ـ الكشف عن مراد المتكلم ومعرفته .

ه·· ـ معرفة أدلّة الأحكام ، كالأخذ بخبر الثقة مثلاً .

9 ـ إنّ المرجع في حالات التعارض بين العرف والعقل لتشخيص موضوعات الاحكام وتحديدها أو بقائها وارتفاعها ، هو العرف لا العقل ؛ لابتناء خطابات الشارع علي الفهم العرفي .

10 ـ يعتبر العرف العلمي دليلاً لبيّا عار عن البيان ، فلا يدل علي حكم خاص بعينه ، إلاّ إذا اقترن بقرائن حاليّة أو مقاليّة تدل علي المقصود ، وهذا بخلاف العرف اللفظي فإن بيانه معه ، وهو تابع لدليله اللفظي .

11 ـ انّه لا يمكن اعتماد العرف دليلاً للاستنباط في المسائل المستحدثة ، إذا كان إمضاؤه ثابتا عن طريق عدم الردع عنه ، ومثل هذا الإمضاء إذا ثبت فانّه يثبت بنحو القضية الخارجية الناظرة لخصوص العرف القائم زمن الإمضاء وهذا بخلاف ما لو كان الإمضاء ثابتا ببيان لفظي فانّه يكون حينئذ بنحو القضية الحقيقية ، فيشمل كافّة العقود والمعاملات حتي الجديد منها .

12 ـ إنّ لتغيّر الأعراف وتبدّلها أثرا مهمّا في تغيّر موضوعات الأحكام الشرعية وتبدّلها في موارد وجود العلّة المنصوصة أو تنقيح المناط ـ الثابتان بملاحظة مناسبات الحكم والموضوع ـ وهذا هو السرّ في ديمومة الإسلام وخلوده .


( 63 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 6 .

( 96 ) دور العرف في الفقه والحقوق : 108 .

( 26 ) الاُصول العامة للفقه المقارن : 420 .

( 20 ) المصدر السابق : 218 .

( 87 ) كفاية الأحكام ، السبزواري : 241 .

( 23 ) مجلة المشكاة : العدد 21 ، بحث حول العرف : 2 .

( 40 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 5 .

( 38 ) كيهان انديشه ، العدد 48 : 6 .

( 15 ) سلّم الوصول : 317 .

( 8 ) مجلة كيهان انديشه ، العدد 48 .

( 1 ) المقالة منشورة في مجلّة القبسات العدد 15 ـ 16 : 42 . قام بترجمتها إلي العربية الشيخ صفاء الدين الخزرجي .

( 98 ) البقرة : 275 .

( 91 ) الاُصول العامة للفقه المقارن : 423 .

( 69 ) انظر : رسالة أثر العرف في الحقوق المدنية لايران : 35 .

( 4 ) انظر : نظرية العرف ، خليل رضا منصوري : 8 ـ 11 و 48 .

( 56 ) دور العرف في الحقوق المدنية لايران : 35 ـ 36 .

( 41 ) المصدر السابق : 3 .

( 34 ) كتاب العرف والعادة ، أحمد أبو سنة : 70 .

( 10 ) الرسائل للامام الخميني قدس‏سره : 96 .

( 18 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 2 .

( 55 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 . بحث حول العرف : 5 .

( 48 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 7 .

( 12 ) انظر : كيهان انديشه العدد 31 ، أثر المعرفة البشرية في المعرفة الدينية .

( 31 ) المصدر السابق .

( 49 ) نظرية العرف : 56 .

( 79 ) مجلة التوحيد ، العدد 58 ، مقالة العرف ودوره في عملية الاستنباط ، الشيخ محمّد علي التسخيري : 4 .

( 16 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 1 ـ 2 .

( 37 ) رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 35 .

( 80 ) انظر : مجلة المشكاة ، العدد 21 بحث حول العرف : 12 . ورسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 70 ـ 71 .

( 57 ) المصدر السابق .

( 93 ) رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 107 .

( 53 ) انظر : مصادر الاجتهاد لدي المذاهب الاسلامية : 395 .

( 32 ) فوائد الاُصول 3 : 192 ـ 193 .

( 28 ) انظر : مقدمة علم الحقوق ، الدكتور قدرت اللّه‏ واحدي : 707 .

( 19 ) كتاب الفقه السياسي ، عباس علي عميد زنجاني 2 : 217 .

( 13 ) مجموعة رسائل ابن عابدين : 112 .

( 35 ) فوائد الاُصول 3 : 192 ـ 193 .

( 46 ) المصدر السابق : 8 و 9 .

( 17 ) تاريخ الفقه الاسلامي : 213 .

( 9 ) قوانين الاُصول : 14 .

( 5 ) ابراهيم : 4 .

( 3 ) رسالة دور العرف في الفقه والحقوق ، علي محمّد محمودي ( بالفارسية ) : 1 ـ 2 .

( 88 ) جواهر الكلام 16 : 59 .

( 42 ) مصادر الاجتهاد ، آية اللّه‏ جناتي : 395 .

( 54 ) انظر : اُصول الفقه للمظفر : 405 .

( 7 ) نظرية العرف ، خليل رضا منصوري : 46 ـ 47 .

( 81 ) انظر : مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 19 ـ 20 .

( 78 ) انظر : رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 59 ـ 60 .

( 66 ) البقرة : 275 .

( 14 ) الاُصول العامة للفقه المقارن ، العلاّمة محمّد تقي الحكيم : 419 .

( 27 ) نظرية العرف : 174 .

( 70 ) انظر : رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 103 .

( 83 ) المصدر السابق : 13 .

( 100 ) المصدر السابق 5 : 134 .

( 94 ) البقرة : 188 .

( 92 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 14 .

( 43 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 بحث حول العرف : 5 .

( 95 ) جواهر الكلام 22 : 21 .

( 68 ) تحف العقول : 25 .

( 65 ) اُسس الاستنباط في الحقوق الاسلامية : 204 .

( 59 ) نظرية العرف : 56 .

( 76 ) انظر : مصادر الاجتهاد لدي المذاهب الاسلامية : 406 .

( 50 ) مجلة المشكاة ، بحثو حول العرف ، آية اللّه‏ السيّد محسن الخرازي : 5 .

( 47 ) نظرية العرف : 54 .

( 29 ) المصدر السابق .

( 82 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 14 .

( 64 ) آل عمران : 19 .

( 51 ) المصدر السابق .

( 39 ) رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 35 .

( 44 ) انظر : منابع الاجتهاد : 395 .

( 45 ) مجلة كيهان انديشه ، العدد 48 : 5 .

( 11 ) مباحث الاُصول ، تقرير أبحاث الشهيد محمّد باقر الصدر ، سيّد كاظم الحسيني الحائري 2 : 93 .

( 85 ) التنقيح 4 : 385 .

( 71 ) مصادر الاجتهاد لدي المذاهب الاسلامية : 406 .

( 73 ) انظر : رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 61 .

( 24 ) المدخل الفقهي العام 2 : 841 .

( 67 ) انظر : رسالة دور العرف في الفقه والحقوق : 36 .

( 75 ) انظر : مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 6 ـ 12 .

( 62 ) مجلة المشكاة ، العدد 21 . بحث حول العرف : 3 ـ 4 .

( 97 ) انظر : جامع المدارك 3 : 3 .

( 89 ) المصدر السابق 23 : 43 .

( 60 ) نظرية العرف : 55 .

( 61 ) تذكرة الأحكام ، العلاّمة الحلّي 2 : 659 .

( 86 ) انظر : مجلة المشكاة ، العدد 21 ، بحث حول العرف : 13 .

( 84 ) كتاب البيع للإمام الخميني 1 : 54 .

( 77 ) انظر : رسالة دور العرف في الحقوق المدنية لايران : 35 .

( 74 ) انظر : دروس خارج الاُصول لآية اللّه‏ وحيد الخراساني مدّ ظله .

( 52 ) انظر : اصول الفقه ، للمظفر : 31 ـ 32 . ط ـ الفيروز آبادي .

( 72 ) انظر : اُصول الفقه للمظفر : 406 ـ 407 . ط ـ الفيروز آبادي .

( 2 ) انظر : نظرية العرف ، خليل رضا منصوري : 89 .

( 99 ) وسائل الشيعة 18 : 123 ، ب 6 من أبواب الربا ، ح 1 ، ط ـ آل البيت عليهم‏السلام .

( 30 ) انظر : مجالات الحقوق التطبيقية ، حسين نجوميان : 316 ـ 317 .

( 25 ) أثر العرف في الحقوق المدنية لايران : 33 ـ 34 .

( 6 ) مقالة كاربرد عرف در استنباط ، حسين رجبي ( بالفارسية ) ، مجلة كيهان انديشه ، العدد 48 .

( 22 ) الاُصول العامة للفقه المقارن : 419 .

( 21 ) علم اُصول الفقه ، عبد الوهاب خلاّف : 99 .

( 58 ) كتاب العرف ، عادل بن عبد القادر 1 : 233 .

( 90 ) كفاية الاُصول : 386 . ط ـ آل البيت .

( 33 ) مجلة كيهان انديشه ، العدد 48 : 6 .

( 36 ) المصدر السابق .

/ 1