سورة العنکبوت نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سورة العنکبوت - نسخه متنی

محمد الغزالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

محمد الغزالي

محمد الغزالي

سُورَة العَنكبُوتِ


الابتلاء طبيعة هذه الدنيا التي نمرّ بها عابرين، وننتقل إلى ما وراءها لنرى نتائج ماقدمنا، نجاحاً أو فشلاً، فإما إلى جنة وإما إلى النار!.

ويتفاوت هذا الاختبار شدة ولينا حسب الطبائع والأقدار والمهمات، فبكاء امرأة ندَّ لها بعير غير بكاء رجل فقدولده ومجده في معركة هي بالنسبة له خاسرة!.

إن الهموم تناسب الهمم!.

والمكلّف بإصلاح حقل للزراعة غير المكلّف بإصلاح العالم وتطويعه لعبادة الله!.

وقد نظرت إلىالدنيا يوم طرقها محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فاستغربت حالها شرقا وغربا: جماهير هائمة تعبد الأصنام، وتتبع هواها في ظل هذه الوثنية السائدة.

ويهود غايتهم العظمىخدمة أسرة يعقوب بزعم أنها الشعب المختار! وأنهم سلالتها المفضلة على العالمين!

أما الإيمان والإصلاح والدعوة إلى الله الحق فمسألة ثانوية مؤخّرة...

ثم هناكالنصارى الذين جعلوا عيسى إلها ـ وهو بشر كريم ـ وجعلوا جبريل إلها وهو ملك أمين، وجعلوا الخالق الأعظم إلها ثالثاً، ثم قالوا: والكلّ بعدئذ إله واحد!!.

وتجاه هذهالركام الكثيف جئ بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقيل له: أنت مكلف بتبديد هذه الغيوم كلها، وقيادة الناس أجمعين إلى ربهم الذي تاهوا عنه.

ما أشدّ هذا الابتلاء! رجلفذٌّ يكلف بإصلاح العالم، وتغيير مساره ودفع البشرية جمعاء في طريق التوحيد والبرّ!.

لقد اعتمد على الله وحمل العبء، وهو حمل تنوء به الجبال.

ولكنه نهض به، وكوّنمن حوله صحابة أشداء على الكفار رحماء بينهم، وتعرض معهم للغربة والشدة والمعارك المتصلة.. وقاوم تقاليد راسية، ودولاً عظمى، ولم يتقهقر أو تلنْ قناته حتى دخل الناس فيدين الله أفواجاً...

وبديهٌ أن يجزع البعض من هذا التكليف الشاق، وأن يتراجع أمام الإهانات والمصائب، ولكن الوحي ينزل 'آلمّ. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهملا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا، وليعلمن الكاذبين' (1-3) ما أشبه الليلة بالبارحة.

إن العالم الآن متنكر لربه، شارد عن سبيله، وعلى رجالمحمد أن يواجهوا الأعداء التقليديين، وأن يعودوا بالجماهير إلى عبادة الله الواحد، وأن يتحمّلوا متاعب هذا البلاء.

وفي سورة العنكبوت يقول الله: 'ومن جاهد فإنمايجاهد لنفسه إن الله لغنيٌّ عن العالمين' (6) وفي آخر السورة وعدٌ صادق من الله سبحانه يقول فيه: 'والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين' (69).

إنه لابدفيه من منكب قويّ وعزم حديد 'ومن الناس من يقول آمنا بالله، فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله. ولئن جاء نصر من ربك ليقولُنَّ إنا كنا معكم. أَوَليس الله بأعلمبما في صدور العالمين' (10).

وهناك من يستعجل ثمرات هذا الجهاد أو يستطيل مراحله!.

وتعليماً لهؤلاء ذكرت السورة أن نوحاً ظل يدعو ألف سنة إلا خمسين عاما.

وهناك منيغيب عنه المنطق العقلي في التعريف بالله، ويظن الجهاد حماساً أجوف.

وتعليماً لهؤلاء سرد القرآن بعض ما تبعه إبراهيم في منهجه 'أولم يَروْا كيف يُبدئ الله الخلق ثميعيده إن ذلك على الله يسير. قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة' (19-20).

وهناك من طغت حيوانيتهم فأسرفوا في الشهوات الجنسية إسرافاًمنكوراً، وشذوا عن سنة الفطرة في الزواج الشريف، فقال لوط لهم: 'إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فيناديكم المنكر' (28-29).

والغريب أن مدنية الغرب سارت في الطريق نفسه، حذو النعل بالنعل، وهي الآن تتعرض لطاعون 'الإيدز' والسبب أنهم رفضوا الإطار الذي صنعه الإسلام حولالشهوة الجنسية، وكيف جعل الزواج عبادة، وكيف صنع سدوداً أمام المثيرات والمغريات بالحرام.

ومضت السورة تحصى أمما تمردت على الله وكرهت منهاجه، فماذا وقع لها؟ 'فكلاأخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا...' (40).

هل القوى المرهوبة وقفت أمام العقوبات الإلهية؟ كلا،كما تعصف الريح ببيت العنكبوت عصفت بكيانهم فصار هباء.

'وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون' (43).

فليتحمل المجاهدون الأعباء، وليثقوا بالمستقبلإما في هذه الدنيا، وإلا ففي يوم الجزاء.

أهل الكتاب صنفان: صنف لا يضنّ علينا بحق الحياة والعبادة والدعوة، بل يدعنا وشأننا وهؤلاء لهم مالنا وعليهم ما علينا، ولاتخفر لهم ذمة، ولا ينقض لهم عهد!.

وصنف آخر يضيق بنا وبكتابنا ونبينا، ويسعى لنقض بنائنا، وتنكيس لوائنا، ومن حقنا أن نتحفظ من هؤلاء ونحتاط! ولا يكلفنا عاقل أن نأمنلهم!.

وسورة العنكبوت تتضمن إرشاداً عاماً في معاملة هؤلاء وأولئك 'ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إليناوأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون. وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به، ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون' (46-47).

والمسلمون يؤمنون بكل سطر في كتابهم، ويودون العمل به، فلماذا يمنعونهم منه؟ ويتطاولون على صاحبه؟ ويتهمونه بالكذب؟ 'وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينكإذاً لارتاب المبطلون. بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون' (48-49).

إن الفتنة بمظالم أهل الكتاب شديدة.

وقد شنوّا في هذهالأيام هجوماً عاما ليردُّوا المسلمين عن دينهم ويقلِّصوا العمل به في أضيق نطاق حتى يتم القضاء عليه شكلاً وموضوعاً!!.

وقد ردّدت سورة العنكبوت شبهة طالما أثارهاالوثنيون عندما طالبوا محمد بخوارق العادات معجزة له، فقيل لهم: المعجزة المنشودة في هذا الكتاب الذي يسمعون آياته! 'وقالوا: لولا أنزل عليه آيات من ربه؟ قل إنما الآياتعند الله وإنما أنا نذير مبين! أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون' (50-51).

إن القرآن معجزة باقية على امتداد العصور،وأثره النفسيّ والاجتماعي عميق، وقد حفظ أمتنا في أشد الأزمات التي نزلت بنا، ولم أر كتاباً مثله في إنشاء علاقة بين المرء وربّه تقوم على التقوى واليقين.

إن القرآنيصنع أجيالاً تصحب ربها بمشاعر الرغبة والرهبة، وتجعل من هذه الصحبة أسلوب حياة ومنهج سلوك شريف!!.

وذلك بعض إعجاز الكتاب الكريم.

وقد تطول المعارك بين الحقوالباطل، وتفدح مغارمها ويتساءل العَجِلُون متى النصر؟ ويقول الكافرون: أين ما تهدوننا به؟ 'ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمّى لجاءهم العذاب. وليأتينهم بغتة وهم لايشعرون' (53).

وقد ترادفت على المسلمين الفتن وقيل للتاجر الصغير في مكة: أغلق دكانك وهاجر لتقيم دولة الإسلام.

ويتساءل التاجر الفقير: كيف أعيش هناك؟ فيجاب بهذهالآية 'وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم' (60)! وتتم الهجرة ويتعاون المهاجرون والأنصار ويتحقق النصر بعد ابتلاء صعب!.

إن الإيمان الذيصنعه القرآن صنع العجائب ولا يزال يصنع..

إذا كان هناك في عصرنا الذي ملكته الحضارة الحديثة وغزته بفلسفتها المادية مَنْ يعبد الحياة، ويجحد ما بعدها فإن هناك مسلمينيؤمنون بالدنيا والآخرة، ويعلمون أن الوجود هنا موقوت وقاصر، أما هناك فبصر أحدّ، وسمع أقوى، وشهود لا يغلبه حجاب! 'وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرةلهي الحيوان لو كانوا يعلمون' (64).

وتختم سورة الابتلاء بهذا التساؤل 'ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه. أليس في جهنم مثوى للكافرين؟. والذينجاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين' (68-69).



المصدر : التفسير الموضوعي

/ 1