وأما فسخ كل الإجارة لتبعض الصفقة واسترداد الاُجرة المسماة لكل واحد من الجزئين ورد اُجرة مثل ما أتى به الأجير إليه فالظاهر أنه لا وجه له.وإذا كان الجزءان منضمين باُجرة معينة واحدة فأتى الأجير بالحج من غير الطريق المعين عليه فالظاهر أن المستأجر مخير بين فسخ الإجارة واسترداد الاُجرة المسماة ودفع اُجرة مثل الحج لتبعض الصفقة وبين الرجوع إلى الأجير بقيمة ما فوته عليه وهي اُجرة مثل الطريق.
إيجار النفس لمباشرة حجتين في سنة معينة
إيجار النفس لمباشرة حجتين في سنة معينة مسألة 13 ـ قال في الجواهر: (وإذا استوجر لمباشرة حجة في سنة معينة لم يجز أن يوجر نفسه لمباشرة اُخرى في تلك السنة قطعاً لعدم القدرة على التسليم، فتبطل الثانية حينئذ ولو فرض اقترانهما بطلتا معاً، بل قد يقال: يكون الحكم كذلك مع عدم اعتبار المباشرة، فإنه وإن تمكن من الإتيان بهما بالإستنابة لكن يعتبر في الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن على إرادة الإستنابة، ففي الفرض
[106]
لايجوز الإجارة الثانية للحج في تلك السنة وإن كان المراد بها أو بالأولى أو بهما ما يعم الإستنابة.ولكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة إحتمال الصحة)(1).أقول: ما ذكره من احتمال الصحة هو الأقوى ولا وجه لمنع جواز استيجار الأعمى لاستنابته للقرائة كما هو كذلك في إجارة الحائض لكنس المسجد إذا لم يشترط عليها المباشرة فإن المعتبر في الإجارة كون ما استوجر له الأجير مقدوراً عليه ولو بالتسبيب ولا وجه لاشتراط أزيد من ذلك في صحة الإجارة.هذا ولو كانت الإجارة الاُولى مطلقة غير مقيدة بسنة معينة، قال في الجواهر: (فعن الشيخ إطلاق عدم جواز الإجارة لاُخرى حتى يأتي بالاُولى وقال المصنف ـ يعني المحقق ـ والفاضل في محكي المنتهى: يمكن أن يقال بالجواز إن كانت لسنة غير الاُولى بل عن المعتبر الجزم به وهو كذلك لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض بل في المدارك: يحتمل قوياً جواز الإستيجار للسنة الاُولى إذا كانت الإجارة الاُولى موسعة إما مع تنصيص الموجر على ذلك أو القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل، قال: ونقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل فيجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان ومستنده غير واضح وهو كذلك أيضاً بناء على الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور والفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك). (2)أقول: الظاهر اقتضاء إطلاق الإجارة التعجيل لا من جهة اقتضاء الأمر الفور بل لأن النظم العرفي في المعاملات يقتضي ذلك حتى يكون للمستأجر حق مطالبة الأجير بالعمل بالإجارة فالعرف في معاملاتهم يكونون على ذلك إلا في صوره التنصيص على الخلاف وعلى هذا فالقول بعدم جواز الإجارة للأخرى وجيه إلا أن تكون الثانية مقيدة بغير السنة الاُولى أو كانت الاُولى موسعة بتنصيص المستأجر على ذلك، والله هو العالم.
1 ـ جواهر الكلام: 17/377.2 ـ جواهر الكلام: 17/378.
[107]
ثم هنا فروع أشار إليها في العروة:منها أنه لو اقترن الإجارتان كما إذا آجر نفسه بالمباشرة لشخص وآجره وكيله كذلك للآخر في سنة معينة واتفق وقوع الإجارتين في زمان واحد بطلتا معاً فلا يترتب على إنشائهما أثر كما إذا باع بنفسه ماله من شخص وباع وكيله من آخر في وقت واحد أو زوجت نفسها من شخص وزوجها وكيلها من شخص آخر في زمان واحد فلا يترتب على عمل الوكيل والموكل أثر عند العرف ولا يعتبر العرف الزوجية والملكية بذلك لامتناع ترتب الأثر على كل واحد من الإنشائين وترتبه على الواحد المعين منهما كعقد الموكل وإن كان لا مانع له في عالم الإعتبار سواء كان بالمرجح أو بغير المرجح إلا أنه لم يثبت بناء من العرف على ذلك حتى تشمله الأدلة وإمضاء الشارع له وهذا هو وجه البطلان لا أن صحة العقد تحتاج إلى الدليل والأدلة لا تشمل المقام لأن شمولها لهما معا غير ممكن وشمولها لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فالنتيجة هي البطلان فإن البحث من شمول الدليل وعدمه إنما يجيء بعد كون المورد بيعاً أو نكاحاً أو إجارة عند العرف ولم يعتبر العرف وقوع الإجارة والبيع والنكاح في مثل ما نحن فيه لا بكليهما ولا بأحدهما، أما بكليهما فإن اعتبار الأثر لهما غير ممكن وأما لأحدهما دون الآخر فلم يثبت منهم البناء على ترتب الأثر لذلك واعتبار الملكية والزوجية لأحدهما او لخصوص ما صدر عن الموكل وشمول الأدلة للعقود فرع وجودها في عالم الإعتبار عند العرف وبنائهم على ترتب الأثر عليها.وبالجملة عدم شمول الأدلة لأحدهما ليس من جهة أنه ترجيح بلامرجح بل لعدم موضوع تشمله الأدلة والأدلة تشمل ما كان عند العرف منشاً للآثار ومثل هذا الإنشاء ليس عنده منشأ لذلك ولم يستقر منهم البناء عليه.فتدبر.الثاني: لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين أو سبق أحدهما المعين أو غير المعين على الآخر: له إجازة كل واحد منهما أراد لأن صحة عقد الفضولي ونفوذه تابعان للإجازة سواء تعلقت بالسابق أو اللاحق.الثالث: من آجر نفسه من شخص ثم علم أن فضوليا آجره من سابقاً من شخص آخر لا يجوز له إجازة عقد الفضولي سواء قلنا بأن الإجازة ناقلة أو كاشفة أما
[108]
على القول بالنقل فعدم جوازه واضح لعدم إمكان نقله إلى الغير بعد انتقاله إلى الآخر وأما على القول بالكشف فقد أفاد في العروة في وجه بطلان الإجازة انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك فكأنه يرى شمول أدلة الصحة لهذه الصورة وإنما رفع اليد عنها لانصرافها عن مثل ذلك.ولذا أورد عليه بعض الأعاظم وقال: (لا يخفى مافيه من المسامحة والأولى أن يعلل ذلك بقصور أدلة صحة المعاملة الفضولية عن شمول ذلك ـ ثم بين ـ أن الدليل على الصحة إن كان هو النصوص الخاصة فهي لا تشمل هذه الموارد وتختص بمواردها المذكورة فيها فمادل على صحة النكاح الفضولي لا يشمل المورد الذي زوجت المرأة نفسها من شخص آخر وكذا مادل على صحة بيع الفضولي وإن كان الدليل على صحة الفضولي هو القاعدة المستفادة من مثل قوله تعالى (أحل الله البيع)(1) أو (أوفوا بالعقود) (2) وقلنا بشمولها للمالك المجيز فيجب عليه الوفاء بالعقد لأن العقد الفضولي بعد الإجازة يستند إليه ويصير عقداً له في عالم الإعتبار فيجوز استناد البيع الذي هو من الاُمور الإعتباريه إلى المجيز حقيقة وإن لم يصدر منه العقد ويصدق عليه عنوان الموجر والبايع إلا أن المعاملة الفضولية بعد صدور المعاملة والتمليك والتملك من نفس المالك لا تقبل الإجازة والإستناد إليه ثانياً).(3)وفيه: أن الأمر في الاُمور الإعتبارية سهل فيمكن أن نقول: إن الاجازة بعد ما كانت كاشفة تكشف من كون العقد الفضولي مستنداً إلى المجيز دون عقد نفسه فالأولى بالنسبة إلى هذه القاعدة دعوى الإنصراف.والله هو العالم
عدم جواز تأخير الحج أو تقديه إذا آجر نفسه في سنة معينه
عدم جواز تأخير الحج أو تقديه إذا آجر نفسه في سنة معينه مسألة 14 ـ لا يجوز لمن آجر نفسه للحج في سنة معينة تأخيره عنها ولا التقديم غير أن في صورة التقديم لا يجزيه عما عليه بالإجارة ويجب عليه
1 ـ البقره /275.2 ـ المائدة /5.3 ـ معتمد العروة: 2/71.
[109]
الإتيان به في السنة المعينة أما في صورة التأخير فهو آثم بتأخيره وعدم وفائه بعقد الإجارة سواء كان التعيين على وجه الشرطية أو القيدية أو الجزئية .وعلى هذا إن أخره وأتى به في السنة الثانية فإن كان على وجه الشرطية يجوز للمستأجر إسقاط الشرط وأداء تمام الاُجرة المسماة ويجوز له الفسخ واسترداد اُجرة المسماة من الأجير ورد اُجرة المثل إليه وإن لم يأت به بعد فللمستأجر إسقاط الشرط وإلزام الأجير بإتيان الحج أو الفسخ واسترداد الاُجرة المسماة.وأما إذا كان على وجه القيدية فتقديمه على السنة المعينة لا تجزي أيضاً وعلى الأجير إتيانها في السنة المعينة اللهم إلا أن يقال: إن متعلق الإجارة إن كان الحج الواجب في ذمة المنوب عنه فأتى الأجير به في السنة المتقدمة على السنة المعينة حيث إنه يبرأ ذمة المنوب عنه به لا محل للإتيان بمتعلق الإجارة ثانياً فلا يستحق الأجير على المستأجر شيئاً بعنوان الاُجرة المسماة ولا بعنوان اُجرة المثل.نعم إذا كان على وجه الشرطية فحكمه وحكم صورة الإتيان به متأخراً عن السنة المعينة واحد، وإذا أتى به في صورة التقييد متأخراً لا يستحق على الأجير شيئاً وأما إذا كان على وجه الجزئية فالكلام فيه يظهر بالتأمل فيما مر في المسألة السابقة.إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة فتصور كون ذلك على وجه الجزئية لا الشرطية ولا القيدية فهو في غاية الإشكال لأن فرض كون وقوع الحج في سنة معينة جزءاً للمستأجر عليه في أصل الحج فرض غير معهود بل غير واقع كفرض كون المبيع متصفا بصفة كذائية جزءاً للمبيع وذلك لأن كون شيء جزءاً لمورد المعاملة تارة يكون في مقام الإثبات بأن يكون متعلق الإجارة أو البيع أمرين وكل واحد منهما مقصوداً بالإستقلال فيجعلهما تحت عقد وإنشاء واحد فيقول مثلا: بعت ماعلم بما علم أو أجرت ماعلم بما علم في المدة المعلومة ففي مثل ذلك لنا إجارتان لكل منهما حكمه الخاص وتارة يكون شيئين لكل واحد منهما دخل في الغرض المقصود منهما أو كماله كمصرعي الباب وكالفرس وجله ففي مثل ذلك إذا ظهر الخلاف وبطلان المعاملة بالنسبة إلى أحد الجزئين يكون للمشتري أو للمستأجر[110]
خيار تبعض الصفقة.وأما إذا كان أحدهما وصفا للآخر لا وجود له بنفسه قبال الآخر كالعرض والمعروض ففرض الجزئية في مثله لا مفهوم له ولا يجيء هنا إلا خيار تخلف الوصف إذا كان متعلق المعاملة جزئياً خارجياً وإلا فإن كان كلياً يجب على البايع أو الأجير الإتيان بواجد الوصف وإن تعذر بتقصيره، للمستأجر فسخ المعامله أو مطالبة الأجير بالقيمة.وكيف كان على فرض تصور الجزئية في مثل الحج في السنة المعينة فإن قدّم الحج عليها فإما أن لا يكون ذلك رافعاً لموضوع الإجارة كما إذا كان الإستيجار للحج الإستحبابي أو للنذر المقيد بالسنة المذكورة يجب عليه الإتيان به في السنة المعينة وإما أن يكون تقديم الحج على السنة المعينة مانعا عن الوفاء بالإجارة في تلك السنة ورافعا لموضوعه كما إذا استأجره لحجة الإسلام أو للنذر المطلق فيرجع إليه المستأجر بقيمة الجزء ويكون له خيار تبعض الصفقة فإن فسخ العقد يسترد تمام اُجرة المسماة وعليه أداء أجرة مثل الحج إلا أنه قد قلنا: إن تصور الجزئية في مثل ما نحن فيه وترتب الأحكام عليه في غاية الإشكال فلابد أن يرتب عليه أحكام الوصف وخيار تخلف الوصف.وأما إذا أخر الحج عن السنة المعينة وأتى به في السنة المتأخرة فللمستأجر أن يرجع إلى الأجير بقيمة الجزءأو يفسخ العقد ويسترد الاُجرة المسماة ويؤدي اُجرة المثل وإن لم يأت به بعد فللمستأجر أن يفسخ العقد ويسترد تمام الاُجرة المسماة، أو مطالبة الأجير بإتيان الحج ورد ما يعادل اُجرة الجزء من المسماة.وبعد كل هذا التفصيل الذي لا يتجاوز عن عالم التصور بل تصوره أيضاً في غاية الإشكال، نؤكد بأن أخذ مثل قيد السنة في المستأجر عليه لا يكون إلا على نحو الشرطية أو القيدية هذا كله فيما إذا كان أجيراً لإتيان الحج في سنة معينة وإذا أطلق الإجارة فعلى القول بعدم وجوب التعجيل يأتي به الأجير في سنة الإجارة وما بعدها على نحو لا يعد تأخيره ترك الإلتزام بالعقد وعلى القول بالتعجيل يأتي به في السنة التالية، ثم التالية وهل يوجب ذلك للمستأجر الخيار؟ فيه وجهان،
[111]
والظاهر أنه من آثار الإلتزام بالعقد كتسليم المبيع في البيع وليس بمنزلة الإشتراط وإنما يجب عليه ذلك تكليفاً فوراً ففوراً.فلا يوجب الخيار. تصحيح الاجارة الثانية
تصحيح الاجارة الثانية مسألة 15 ـ قد علم مما سبق عدم صحة الإجارة الثانية إذا سبق عليها إجارة نفسه بالمباشرة لسنة معينة إذا كانت الثانية أيضاً إجارة لتلك السنة كذلك.ولكن وقع البحث في أنه هل يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول حتى كانت الثانية واقعة له وكان الأجير مستحقاً للاُجرة المعينة في الاُولى والمستأجر الأول مستحقاً للاُجرة الثانية، أو تكون الإجازة مفيدةً لرفع يد المستأجر الأول عن شرط الإتيان بالحج في خصوص تلك السنة أو رضاه بقبول غير المستأجر عليه المقيد بكونه في سنة معينة برفع اليد عن القيد، حتى يكون الأجير مستحقاً لاُجرته في الإجارة الاُولى واُجرته في الثانية في الصورة الاُولى أو يكون الأجير فقط مستحقاً للاُجرة الثانية دون المستأجر؟ كما يأتي تفصيله.يمكن أن يقال: الإجارة الاُولى إذا كانت واقعة على تمليك عمل الأجير للمستأجر سواء كان شاملا لجميع أعماله ومنافعه أو كان مختصا بعمله الخاص كحج هذه السنة بالمباشرة فإذا آجر نفسه من غير هذا المستأجر على أن يكون منافعه أو منفعته الخاصة ملكاً له كالمستأجر الأول فأجاز المستأجر الأول تلك الإجارة تقع إجازته على العقد الذي تعلق بملكه وهو منفعة الأجير فطبعاً تؤثر إجازته وتكون الإجارة الثانية للمجيز فيستحق الأجير على المستأجر الأول الاُجرة المسماة المعينة في العقد الأول والمستأجر الاُجرة المسماة في الإجارة الثانية.ولا فرق في ذلك بين أن يستأجره الأول ليحج عن زيد في سنة معينة ويستأجره الثاني ليحج عن عمرو في تلك السنة باُجرة معينة أو استأجره الأول ليحج عن زيد باُجرة معينة في هذه السنة واستأجره الثاني أيضاً ليحج عن زيد باُجرة معينة.وإذا كانت الإجارة الاُولى واقعة على كون العمل في ذمة الأجير على وجه الشرطية، فهل للمستأجر الأول إجازة الإجارة الثانية أو ليس له لأن متعلقها ليس ملكا له ذلك ولا متعلقاً لحقه؟
[112]
يمكن أن يقال: إن المعاملة إذا توقفت صحتها على إجازة الغير وإن لم يكن ذلك التوقف لكون متعلقها ملكاً للمجيز أو متعلقاً لحقه تكفي في صحة المعاملة وصحة الإجارة هذه الإجازة ومعنى إجازتها إسقاط شرط المباشرة أو تعيين السنة لا الإقالة ولا فسخ المعاملة وعلى هذا فالأجير يملك على المستأجر الأول الاُجرة المعينة في العقد الأول وعلى المستأجر الثاني الاُجرة المعينة في الإجارة الثانية.وأما إذا كانت على كون المستأجر عليه بقيد المباشرة على ذمة الأجير فصحة إجازة المستأجر للإجارة الثانية محل الإشكال.وإن قيل: الإجازة معناها قبول غير المستأجر عليه بدلا عنه، فإن هذا محتاج إلى مبادلة جديدة بينه وبين الأجير .وإن كان المراد إقالة الإجارة الاُولى حتى يكون الأجير بالنسبة إلى إجارته الثانية كمن باع شيئاً فضولا ثم ملكه قيل: إنه يصحّ بإجازته وقيل: لا يصح إلا بتجديد الإجارة.وعلى ما ذكر: إذا كانت الإجارة الاُولى واقعة على ما في الذمة والثانية على المنفعة الخاصة يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول التي هي عبارة اُخرى من رفع اليد عن شرط المباشرة وإذا كانت بالعكس فتصحيح الإجارة الثانية لا يمكن إلا بشرط إقالة الاُولى أو قبول ما هو المستأجر عليه في الثانية الذي اُخذ الإتيان به بالمباشرة على وجه الشرطيه بدلا عما هو المستأجر عليه في الاُولى. إذا صار النائب مصدوداً أو محصوراً
إذا صار النائب مصدوداً أو محصوراً مسألة 16 ـ إذا صار النايب مصدوداً أو محصوراً يجب عليه ما يجب على الحاج عن نفسه.لعموم الأدلة المثبتة لهذه الأحكام فإنها بإطلاقها تشمل الحاج عن غيره كما تشمل الحاج عن نفسه، وهذا واضح، كما تشمله أدلة سائر الأحكام
وأما الإجارة فهي تنفسخ إذا كانت مقيدة بتلك السنة، ومع الإطلاق يبقى الحج في ذمة الأجير وإذا كان اعتبار تلك السنة في الإجارة على وجه الشرط، فللمستأجر خيار تخلف الشرط، فإن لم يأخذ به يبقى الحج في ذمة الأجير حتى يأتي به.وإذا كان الصد أو الحصر بعد الإحرام أو بعده وبعد دخول الحرم لا يجزي عن
[113]
المنوب عنه وإن قلنا به في من مات كذلك، فكما لا يجزي المصدود أو المحصور إذا كان حاجاً عن نفسه لا يجزي عن المنوب عنه إذا حج عنه غيره وهذا خلافاً للشيخ في الخلاف فإنه قال: (إذا مات أو اُحصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج ولا يلزمه رد شيء من الأجرة ـ إلى أن قال ـ : دليلنا: إجماع الفرقة فإن هذه المسألة منصوصة فهم لا يختلفون فيها)(1).لكن المحتمل كما ذكره بعضهم وقوع السهو هنا.وربما يقال باشعار كلام الشرايع على موافقته للشيخ في ذلك فإنه قال: (ولو اُحصر أو صد قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الاُجرة بنسبة المتخلف)(2).فإن مفهومه أنه إذا اُحصر بعد ذلك لا يستعاد منه بنسبة المتخلف والحكم بذلك لا يتم إلا على القول بكون الإحصار بعد الإحرام وبعد دخول الحرم كالموت، وكيف كان فالحكم بذلك كأنه لا وجه له وقياسه بالموت مع الفارق سيما مع عدم القول به في الحج عن نفسه.ثم إنه نسب إلى ظاهر المقنعة والنهاية والمهذب بل قيل: إنه ظاهر المبسوط والسرائر أنه لو ضمن الأجير الحج في المستقبل يلزم على المستأجر قبوله.وضعفه ظاهر لمخالفته للقاعدة وعدم وجود دليل عليه ولذا حمله غير واحد ـ على ما في الجواهر(3) على إرادة ما إذا رضي المستأجر بضمان الأجير، بمعنى استيجاره ثانياً.ثم إنه قال في العروة: (ظاهرهم استحقاق الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال وهو مشكل لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه وعدم فائدة فيما أتى به فهو نظير الإنفساخ في الأثناء لعذر غير الصد والحصر وكالإنفساخ في سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الإستناد إلى المستأجر فلا يستحق اُجرة المثل أيضاً).أقول: وجه السيد الاُستاد الأعظم (قدس سره) استحقاق الأجرة وقال في حاشيته على1 ـ الخلاف: 1/429.2 ـ شرايع الاسلام: 1/170.3 ـ جواهر الكلام: 17/380.
[114]
العروة: (عدم إجزاء ما أتى به من الأعمال لعدم حصول ما بقي منها لاينافي كونه آتياً ببعض العمل المستأجر عليه فالأقوى هو استحقاقه من الاُجرة بنسبة ما أتى به من الأجزاء بل وكذا المقدمات مع فرض دخولها في المستأجر عليه، وإن كان بوصف المقدمية، لأن هذا الوصف ثابت لها وإن لم توصل إلى ذي المقدمة وعدم حصول شيء من الغرض بالجزء والمقدمة لا يضر لعدم وقوع الإجارة على الفرض).أقول: إذا كانت الأعمال ملحوظة في الإجارة كل واحد منها بنفسه لا بحيث كونه مرتبطاً بغيره يوزع الاُجرة ويستحق العامل اُجرة ما أتى به من المستأجر عليه وأما إذا كانت الأجزاء كل واحد منها بوصف لحوق الأجزاء المتأخرة عليه ومعنوناً بعنوان الجزء ملحوظاً في الإجارة، فلا يتعنون الأجزاء بصفة الجزئية للكل إلا إذا أتى بالكل، كما أنه إذالم يكن ملحوقاً به الجزء اللاحق لا يكون متعلقاً للإجارة حتى يكون الإتيان به إتيان العمل المستأجر عليه.وأما قول السيد: (وعدم فائدة فيما أتى به) لعل مراده أنه إذا كان ما أتى به مما فيه الفائدة للمستأجر وينتفع به، يمكن أن نقول: إنه ليس له مجاناً فعليه أداء قيمته، أما فيما نحن فيه فلا ينتفع المستأجر بما أتى به الأجير لأنه لا يصح جعل ما أتى به جزء لما يأتي به الآخر حتى يكون بعض الأعمال صادراً من شخص وبعضها الآخر من الآخر كالبناء ونحوه.وأما قاعدة احترام عمل المسلم فهي أيضاً كما ذكره إنما تجري فيما إذا كان العمل صادرا منه ومستنداً إلى الغير، مضافاً إلى أنه قد وقع البحث بينهم فيها واختار بعضهم أنها قاعدة تكليفية لا تقتضي الضمان مستفادة من موثقة سماعة: «لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه»(1) وفي الحديث النبوي المعروف: «المؤمن حرام كله عرضه وماله ودمه». (2)نعم من جملة أسباب الضمان استيفاء عمل الغير.1 ـ وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب مكان المصلى ح 1.2 ـ بحار الأنوار: 77/160.
[115]
إتيان النائب ما يوجب الكفاره
إتيان النائب ما يوجب الكفاره مسألة 17 ـ إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة تجب عليه من ماله، لإطلاق الأدلة ولأنها عقوبة على فعل صدر منه ولا شيء على المستأجر لعدم ما يقتضى ضمانه.
هل يقتضي اطلاق الاجارة التعجيل ام لا؟
هل يقتضي اطلاق الاجارة التعجيل ام لا؟مسألة 18 ـ قد مر الكلام في اقتضاء إطلاق الإجارة وأنه هل يقتضي التعجيل أم لا؟
ولكن لم نستوف الكلام في ذلك وما بنينا عليه من أن النظم العرفي في المعاملات يقتضى ذلك إذا كان العقد مطلقاً حتى يكون للمستأجر أو لكل واحد من المتعاقدين حق مطالبة ما ملكه بالعقد من الآخر،
فيه: أن هذا يقتضى الحلول في مقابل الأجل لا التعجيل ووجوب الأداء إذا لم يطالبه منه، وهذا المقدار ـ أي عدم جواز التأخير ـ إذا طالبه صاحبه بالتسليم والأداء ثابت بالإتفاق، والمراد بالتعجيل إن كان ذلك فلا بحث فيه، أما الزايد على ذلك وهو وجوب التسليم والأداء وإن لم يطالبه صاحبه فمحتاج إلى البحث والدليل، ولذا نقول: إذا كان العوض أو المعوض عيناً من الأعيان يجب على من بيده تسليمه لعدم جواز الإستيلاء على مال الغير ووجوب أدائه إليه وحرمة تصرفه فيه إلا بإذنه ورضاه، فيجب عليه التعجيل في التسليم والأداء.وأما إذا كان المال في الذمة كالعمل المستأجر عليه مثل الحج وكالثمن الكلي أو المثمن الكلي.ففيه: وإن كان لصاحب المال حق مطالبته ممن هو بيده ويجب عليه إجابته وليس له التأخير، إلا أن في صورة عدم المطالبة الحكم بوجوب التعجيل يحتاج إلى الدليل،
والتمسك على ذلك بأن الأمر يقتضي الفورية، ففيه: أن المراد بالأمر إن كان الأمر بالوفاء بالعقد فهو يتوقف على كون ذلك وفاءًا به مضافاً إلى عدم تمامية ذلك من حيث الكبرى لعدم دلالة الصيغة على أزيد من طلب إيجاد الطبيعة كما بين في محله
[116]
نعم، قيل بأن ذلك مقتضى قاعدة السلطنة على الأموال والحقوق، فإنها تقتضي وجوب المبادرة إلى الأداء لأن التأخير خلاف تلك القاعدة.(1)وفيه: أن ما تقتضيه قاعدة السلطنة هو سلطنة صاحب المال والمستأجر على مطالبة الأجير بأداء المال والخروج عن عهدة ما عليه سواء كان من الأعيان الخارجية أو كلياً ثابتاً في ذمته.وكذلك الاستدلال على وجوب التعجيل بمادل على حرمة حبس الحقوق ففيه: أن مادل عليها إن كان من أدلة حرمة الغصب والإستيلاء على مال الغير أو حرمة التصرف فيه، فهو يجيء في الأعيان الخارجية، فمن استجار داراً لمدة معينة يجب عليه بعد انقضاء المدة تسليمها إلى الموجر وإخراجها عن تحت يده، لأن بقاءها تحت يده استيلاء عليه وتصرف يحتاج إلى رضى المالك وبقاء الكلي في الذمة وعدم رده ليس من الإستيلاء على مال الغير والتصرف فيه وإن طالبه المستأجر وإنما يجب عليه الأداء لوجوب الوفاء بالعقد ولقاعدة السلطنة.والله العالم.
فيما لو فضلت الاجره أو قصرت
فيما لو فضلت الاجره أو قصرت مسألة 19 : قد وردت روايات في أن من أعطى مالا يحج به ففضل منه أنه له، ولم أجد في الروايات حكم ما إذا قصرت الاُجرة إلا أن الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن في صورة الفضل للأجير ما فضل وليس للمستأجر استرداده وفي صورة القصر لا يجب على المستأجر أداء ما قصر ولا حق للأجير عليه.واستدل لهما في الجواهر بالأصل السالم عن المعارض ولصورة الفضل بأن من كان عليه الخسران كان له الجبران (2) وهذا نظير من كان عليه الغرم فله الغنم على هذا إن صح الإستدلال بذلك فيمكن الإستدلال به لصورة القصر أيضاً، بأن يقال: من كان له الغنم فعليه الغرم، وكيف كان فالمسألة مورد الإتفاق.وظاهر الجواهر ومن اعتمد على كلامه وجود النصوص على الصورتين، ولكن
1 ـ راجع مستمسك العروة: 11/46.2 ـ جواهر الكلام: 17/381.