و قد أنكر بعض الاعاظم ـ ردا على المحقق القمي ـ كون الحج المشروط به الصلح مالاً و ملكاً للميت حتى ينتقل إلى الوارث، فإن الاشتراط لا يوجب كون الشرط ملكا للشارط لأن غاية ما يقتضيه الاشتراط لزوم العمل بالشرط و قال: (وبعبارة اُخرى: الاشتراط لا يوجب ملكية الشرط للشارط و لا يملك الشارط على المشروط عليه العمل بالشرط حتى ينتقل إلى الورثة و إنما يترتب على الاشتراط الالزام من الشارط و الالتزام بالشرط من المشروط عليه، فهو يقتضي إلزاماً من شخص والتزاماً من شخص آخر فالحج المشروط به الصلح في المقام ليس مما تركه الميت حتى يتنازع في خروجه من الثلث أو من الأصل و إنما يجب الإتيان به على المشروط عليه بمقتضى الوفاء بالشرط، فلو وفى بالشرط و أتى بالحج فقد أتى ما وجب عليه و ليس للورثة معارضته، و لو تخلف و ترك الحج يثبت الخيار لتخلف الشرط).(1)
أقول: أولاً، الظاهر خلاف ما ذكره لأنّ العرف يرى أداء ما جعل العقد مشروطاً بأدائه ملكاً للمشروط له ويجوز له بيعه، فلايرد بذلك ما اختاره المحقق القمي.
1 ـ معتمد العروة: 2 /141.
[158]
ثم إنه في صورة تخلف الشرط وترك الحج لا ريب في ثبوت الخيار و اختلفوا في أنه هل يكون للوارث فسخ المصالحة حتى يرجع المال إلى ملك الميت ثم ينتقل إلى الوارث أو أنه أجنبي عنه فيكون الخيار للحاكم الشرعي فيفسخ ويصرف المال فيما شرطه الميت على المفسوخ عليه أو ينتقل إلى الورثة وجوه.اختار الوجه الثاني بعض الأعاظم و قال: (إن الحج كما لا ينتقل إلى الوارث لعدم كونه ملكا للميت، كذلك حق الخيار بتخلف الشرط لا ينتقل إلى الوارث) و وجه ذلك في طي كلامه بأن خيار تخلف الشرط و إن كان ينتقل إلى الوارث كسائر الخيارات إلا أنه ثابت إذا كان الشرط مما ينتفع منه الوارث كما إذا شرط عليه بناء داره فإن ذلك يرجع نفعه إلى الوارث فالخيار المترتب على تخلفه داخل فيما تركه و أما الشرط الذي لا ينتفع به الوارث أصلا كحج المشروط عليه عنه فلا يكون الخيار المترتب على تخلفه مما تركه الميت فإن الإنتفاع به خاص بالميت نفسه فيكون الخيار أيضا مختصا به و من هنا ليس للورثة إسقاط هذا الخيار بل هم أجنبيون عنه و بما أن الميت لا يتمكن من إعمال الخيار للوصي أو الحاكم إعماله و صرف المال فيما شرط على المشروط عليه.وقال: والحاصل: أدلة الإرث لا تشمل المقام بل يلزم على المشروط عليه الوفاء بالشرط والإتيان بالحج و إن تخلف يلزمه الحاكم أو الوصي بالإتيان به و إن امتنع المشروط عليه من الوفاء يفسخ الحاكم أو الوصي و يصرف الوصي أو الحاكم المال في الحج باستيجار شخص آخر).(1)وفيه: أن ذلك محتاج إلى الإثبات، فلماذا اختص الخيار بمن كان الشرط بنفعه و لم يكن لمن لاينتفع بإعمال الخيار فإن المال يرجع به إلى تركة الميت و ينتقل إلى الوارث و إنما يكون الخيار للوصي أو الحاكم إذا انتفع الميت به و هو أول الكلام، لإمكان أن نقول: إن المال بالفسخ ينتقل منه إلى الوارث.و هل يمكن التفصيل بين ما إذا كان المصالح (بالفتح) هو الوارث بنفسه فلا يمكن انتقال الشرط إليه و لا إرثه من الشارط في خيار تخلف الشرط، فلا بد أن يكون
1 ـ معتمد العروة: 2 / 141.
[159]
ذلك للوصي أو الحاكم فإذا كان للوصي أو الحاكم فلا بد من الحكم بصرف المال في استيجار الحج عنه و إلا يكون الخيار لهما لغوا و بين ما إذا كان المشروط عليه غير الوارث و يكون له الخيار و انتقال التركة به إلى الوارث.والمسألة بعد ذلك محل إشكال، ولذا قال بعض الأعاظم: (الأحوط فسخ الوارث بإذن الحاكم الشرعي و صرف المال فى الحج).(1) إلا أن ذلك خلاف الإحتياط إذا كان بعض الورثة صغاراً.و الله هو العالم.وقد ذكر السيد (قدس سره) في العروة هنا مثالين لما نحن فيه: أحدهما لا ينطبق عليه و الآخر مطابق له، أما الأول فهو: تمليك داره مثلا بمأة و الشرط عليه بصرفها في الحج عنه أو عن غيره، و عدم انطباقه على المورد واضح كما نص عليه جمع من المحشين لأنه بتمليك داره بمأة يملك في ذمة المشروط عليه في حال حياته المأة و الشرط عليه بصرفه بعد موته الوصية إليه بصرفه بعد موته في الحج عنه أو عن غيره فيجرى عليه حكم الوصية و التصرف في ماله فهذا كالوصية الإبتدائية.وأما الثاني: فهو تمليك داره إياه بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحجأو نحوه، فهو مثل مسألتنا هذه لأن الدار تنتقل إلى المشروط عليه و الشرط إلزامه بتصرف خاص في ملكه لا في ملك الشارط حتى يكون كالوصية. لو أوصى او نذر الحج ماشيا أو حافيا
لو أوصى او نذر الحج ماشيا أو حافيا مسألة 7 ـ لو أوصى أن يحج عنه ماشياً أو حافياً صحت وصيته، فإن كان الحج الموصى به ندباً تنفذ وصيته من ثلثه وفيما زاد على الثلث موكول إلى ورثته، وإن كان الموصى به حجة الإسلام أو الحج الواجب بالنذر يخرج ما به يؤدى الحج الميقاتي بواجباته من أصل التركة و ما به التفاوت بين الحج الميقاتي و البلدي و بين اُجرة الحج ماشيا أو حافيا و بين اُجرته لا كذلك من ثلثه.ولو نذر حال حياته الحج ماشيا أو حافيا و تنجز عليه و لم يأت به حتى مات، يجب استيجار ذلك من أصل تركته سواء أوصى بذلك أم لم يوص به.
1 ـ معتمد العروة: 2 / 141.
[160]
وربما يفصل في ذلك بينما إذا كان المشي أو الحفا مقيداً بمباشرة الناذر و بين ما إذا كان قيدا للحج، فإذا كان على الأول و تعذر المشي و الحفا يقضى عنه أصل الحج بل و يسقط الحج أيضا إن كان الحج أيضا مقيدا بذلك دون الصورة الثانية فيقضى عنه باستنابة من يأتي به ماشياً أو حافياً.وبعبارة اخرى كما أفاد في العروة: إذا كانت المباشرة مورداً لا قيداً للمأمور به أو للمنذور، كما هو الحال في جميع التكاليف و النذور المطلقة، فإن موردها من يأتي بها بالمباشرة، دون أن تكون ملحوظة فيها، فإذا لم يتمكن من المباشرة يأتي به باستنابة غيره إذا كان من الأفعال التي تقبل النيابة.لايقال: فعلى هذا يجوز له من أول الأمر ترك المباشرة و الإستنابة.فإنه يقال: إن معنى ذلك و جوب المباشرة عليه لا تقيد المأمور به أو المنذور بالمباشرة فإذا تعذرت المباشرة يأتي به بالإستنابة.وأما إذا كانت المباشرة قيدا فيسقط المشي أو الحفا أو أصل الحج.والله هو العالم. لو أوصى بحجتين أو أزيد
لو أوصى بحجتين أو أزيد مسألة 8 ـ إذا أوصى بحجتين أو أزيد و قال: إنها واجبة عليه صدق و تخرج من أصل التركة إذا علم أن احديها حجة الاسلام و احديها الحج الواجب بالنذر و احديها الحج الإستيجاري (الواجب عليه) أو علم أن جميعها الحجج الواجبة عليه بالنذر أو الإستتيجارو أما إذا لم يعلم ذلك و احتمل أنها واجبة عليه بالعهد أو اليمين فوجوب إخراجها من أصل التركة محل إشكال فيمكن أن يقال: إن و فى الثلث بها فهو و إلا ففي الزائد على الثلث يتوقف انفاذ الوصية على امضاء الورثه.وجه وجوب تصديقه أن إخباره بوجوب الحج الإستيجاري أو النذري أو حجة الاسلام عليه إقرار بالدين و لا شك في نفوذ إقراره بالنسبة إلى ديونه لاستقرار سيرة العقلاء على ذلك و استفادة ذلك من النصوص الواردة في أبواب كثيرة و لا ريب أن هذه النصوص في مواردها لم ترد لخصوصية تلك الموارد بل إنماوردت لكونها تحت هذه القاعدة والسيرة العقلائية المقبولة عند جميع الأديان و الملل
وأما الاستناد بالنبوي المعروف بينهم «إقرار العقلاء على أنفسهم جايز»، فلم نجده
[161]
فيما تفحصنا فيه من كتب العامة كالبخاري و مسلم و ابن ماجة والترمذي والنسائي وأبي داود و مسند أحمد و موطأ مالك و غيرها كما أنه لم نجده في كتب أصحاب الحديث المعتمدة من أصحابنا الخاصة أيضا حتى في موسوعة البحار.نعم يوجد في مثل المختلف للعلامة والكتب المصنفة الا ستدلالية بعده مرسلا كما يوجد في كتاب عوالي اللئالي لابن أبي جمهور و رواه في المستدرك(1) تارة عنه في عوإلى اللئالي و اخرى عن درر اللئالي عن مجموعة أبي العباس بن فهد.وفي الوسائل قال: و روى جماعة من علماءنا في كتب الا ستدلال عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «إقرار العقلاء على أنفسهم جايز»(2) يريد بذلك أنه لم يرو في كتب الحديث و المصادر الحديثية، إذاً فلا يحتج به بقطع النظر عن مضمونه».نعم يمكن استناد هذا المضمون و الحكم به إلى الشارع بإمضائه الثابت لهذه السيرة العقلائية و لو بعدم ردعه وأما مرسل العطار عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام): «المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا عليه»(3).فالظاهر أنه مضافاً إلى ما فيه من ضعف السند وزانه وزان الأحاديث الواردة في حمل فعل المسلم على الصحة و قبول العذر منه، مثل قوله(عليه السلام): «كذب سمعك و بصرك عن أخيك» (4).هذا كله إذا كانت الوصية المذكورة المتضمنة لإقراره بكون الموصى به دينا عليه في غير مرض موته و أما إذا كانت في مرض الموت فإن لم يكن منهما فإقراره نافذ في جميع تركته و الإ فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه.«والله هو العالم» إذا مات الوصي بعد قبض المال وشك في الاستيجار
إذا مات الوصي بعد قبض المال وشك في الاستيجار مسألة 9 ـ إذا مات الوصي بعد قبضه المال الموصى به للحج و شك في أنه صرفه فى الاستيجار للحج قبل موته أم لا والشك إنما يكون إذا مضت مدة
1 ـ مستدرك وسائل الشيعة: 13/37.2 ـ وسائل الشيعة: ب 3 من الوصيا ح 1.3 ـ وسائل الشيعة: ب 3 كتاب الاقرار ح 2.4 ـ وسائل الشيعة: ب 157 من أبواب أحكام العشرة ح 4.
[162]
يمكن الإستيجار فيها وأما إن مات هو قبل ذلك فلا ريب في وجوب الاستيجار من أصل التركة إن كان الحج واجباً دينياً و من بقية الثلث إن كان غيره و يسترد ما أخذه الوصي إن كان باقيا فى أمواله و إن تلف عنده فضمانه له محل الإشكال لإمكان تلفه عنده بلا ضمان.وإن مات و قد مضت مدة يمكن الإستيجار فيها، فقال في العروة: (الظاهر حمل أمره على الصحة مع كون الوجوب فورياً منه و مع كونه موسعا إشكال).وأورد عليه بأنه إنما تجري أصالة الصحة فيما إذا صدر منه فعلا و شككنا في كونه واجداً لشرايط الصحة أم لا دون ما إذا كان الشك في أصل العمل و هذا هو القدر المتيقن من دليل أصالة الصحة وهو السيرة المتشرعة أو العقلائية التي أمضاها الشارع وجريانها في الزائد على ذلك و البناء على العمل عند الشك فيه، لم يثبت استقرار السيرة عليه.فإن قلت: إن كلامه يرجع إلى وقوع الشك في ذلك، إذا تصرف الوصي في المال و لم يكن المال موجودا عنده وشك فى أنه هل صرفه في استيجار الحج أو في غيره بحيث إذا كان صرفه في غيره صدر منه باطلاً فدار الأمر بين حمل عمله على الصحة أو البناء على فساده.قلت: فيه أيضا أن القدر المتيقن من حمل الفعل على الصحة هو ما إذا كان عنوان الفعل معينا كالا جارة و البيع و أما إذا لم يكن معينا و تردد الأمر بين عنوانين أحديهما باطل و الاخر صحيح فلا تجري أصالة الصحة لتطبيق عنوان الصحيح على الفعل.يمكن أن يقال: إن البناء على استيجاره في هذه الصورة إذا لم يمكن له عذر فى التأخير مبنى على ظهور حال المؤمن و أنه يعمل بوظيفته سيما إذا كان ظاهر حاله الصلاح و التعهد بالوظائف الشرعية و مثل هذا من الظهور معتبر عند العقلاء يعتمدون عليه.و يمكن أن يقال: إن ما على الوارث ليس إلا تسليم المال الموصى به إلى الوصي و ليس عليه تحقيق ذلك مادام هو يحتمل احتمالاً عقلائياً بأنه يعمل بوظيفته وليس على الوارث شيء فالأمر إليه.[163]
نعم إن علم بأنه لم يعمل بوظيفته و كان الموصى به واجباً على الميت يجب عليه تفريغ ذمة الموصي مادام بقي من تركته ما يفي به.هذا كله في ما إذا كان الوجوب فورياً و أما إذا كان موسعاً فإن كان المال باقياً ولم يتصرف فيه فالظاهر وجوب صرفه فى الحج و لا محل لإجراء أصالة الصحة لأن غاية ذلك إثبات مشروعية استيلائه على المال و لكن لا يثبت بها أنه بدله بمال آخر و صرفه في الاستيجار فالمال باق في ملك الميت و يجب صرفه في استيجار الحج.وإن لم يكن المال موجودا فلا يحكم بضمان الوصي و إن حكم بوجوب الاستيجارمن أصل التركة إن كان الحج واجباً دينيا و من بقية الثلث إن كان غيره.وإن قلنا بأن بعد أداء المال إلى الوصي ليس على الوارث الفحص عن عمل الوصى مادام هو يحتمل أنّه عمل بوظيفته.نعم إذا علم عدم العمل بالوصية و كان الحج الموصى به واجباً دينيا على الميت يجب إخراجه من التركة لا للوصية بل لوجوب أداء دينه و بعبارة اخرى، الوصى أمين الميت و رد إليه المال الموصى به، فحينذر لا تكليف على الورثة غير رد المال إليه و بقية التركة تنتقل إليهم وليس عليهم الصبر في التصرف فيها إلى إنفاذه وصية الموصي.والله هو العالم. إذا تلفت الاجرة عند الوصي
إذا تلفت الاجرة عند الوصي مسألة 10 ـ إذا تلفت الاجرة عند الوصي بلا تقصير منه لا يكون ضامنا و يجب استيجار الحج إذا كان واجباً دينيا من بقية التركة، لأن ثبوت الدين في التركة يكون من باب الكلي في المعين فلا يؤثر في وجوب أدائه من التركة ما تلف منها ما دام يكون الباقي منها وافياً بالدين، و إن كان الموصى به غير الحج الديني يؤخذ الاجرة مما بقى من الثلث.و بعبارة اُخرى يوضع ما تلف من التركة و يؤدى الاجرة من ثلث ما بقي منها إن وفى بها و ذلك لأن شركة الميت مع الورثة في التركة يكون على نحو الإشاعة، له ثلثه و لهم ثلثاه فإذا تلف منها شيء يدخل النقص على الجميع الثلث و الثلثان، بخلاف الدين فإنه كما قلنا ثبوته في التركة يكون على نحو الكلي في المعين فإذا
[164]
تلف شيء من التركة لا ينقص من الدين شيء و لا يدخل النقص فيه وعلى كل حال يسترد من الورثة ما يرد عليهم من النقص بعد هذا التلف.ولو شك في أن المال تلف عن التقصير من الوصي أم لا؟ فالظاهر عدم الضمان لأنه يدور مدار التقصير والأصل عدمه فلا ينتهى الكلام إلى إجراء أصالة البرائة لنفي الضمان.نعم إذا ادعى الولي عليه التقصير و لم تكن له البينة لاشىء له عليه إلا حلفه فما على الأمين إلا اليمين.ومما ذكرنا يظهر حكم ما إذا استأجر شخصا للحج و أعطاه اجرته فمات الأجير قبل إتياته بالحج ولا يمكن استردادها لتلفه في يده ولا أخذها من تركته، إما لأنه ليس واجداً لمال أو لايمكن أخذ ما عليه من ماله فيعامل مع بقية تركته على ما ذكرناه. إذا اوصى بمال معين للحج ندبا ولم يعلم وفاء الثلث به
إذا اوصى بمال معين للحج ندبا ولم يعلم وفاء الثلث به مسألة 11 ـ إذا أوصى بمال معين للحج ندبا و لم يعلم أنه يخرج من الثلث أم لا يفي الثلث به فهل يجوز صرف الجميع في الوصية تمسكا بأصالة الصحة لوقوع الترديد بين صحة الوصية وبطلانها لأن المال لو كان بمقدار الثلث تصح الوصية به وإن كان زائدا عليه لا تصح و مقتضى أصالة الصحة حمله على الصحيح فإن الوصية إيقاع صدر من الموصي فشك في صحته و فساده فيحمل على الصحة.واورد عليه كما تقدم عن بعض الأعاظم بأن المعتبر في إجراء أصالة الصحة إحراز ولاية العامل على العمل والشك في أنه أوقعه على الوجه الصحيح أم لا و يحمل حينئذ فعله على الصحة و هذا هو الذي عليه السيرة و موردها، فإذا تصدى أحد لبيع دار زيد و شك في ولايته عليه لايجوز الشراء منه بأصالة الصحة في بيعه و كذا إذا كانت عين الموقوفة في يده و أراد بيعها و شك في ولايته على ذلك لا يحكم بصحة بيعه بأصالة الصحة، قال: (و بالجملة لا دليل على جريان أصالة الصحة في جميع موارد الشك و الفساد و إنما قام الدليل على إجرائها في موارد
[165]
الشك في وجدان العمل للشرايط والاجزاء بعد إحراز الولاية على العمل).(1)والله هو العالم. استحباب الطوف مستقلا والنيابة فيه
استحباب الطوف مستقلا والنيابة فيه مسألة 12 ـ لا ريب في استحباب الطواف مستقلا من غير أن يكون في ضمن أعمال الحج و العمرة للروايات الكثيرة.و قد عقد شيخنا الحر (قدس سره) بابا في الوسائل بهذا العنوان (باب استحباب التطوع بالطواف وتكراره واختياره على العتق المندوب). (2)
وإن كان في دلالة بعضها على ذلك نظر بل منع مثل الحديث الاول والثاني بل و الثالث على ما أخرجه في هذا الباب تقطيعا و هو صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إن الله جعل حول الكعبة عشرين و مأة رحمة منها ستون للطائفين» الحديث فهذا المقدار لا يكفي لإثبات استحباب الطواف لعدم ظهور قوله (عليه السلام)«للطائفين» في الطواف الأعم من الواجب و المستحب فيسقط الإستدلال بهذه القطعة و أن استدل بها في المستمسك أيضا.ولكن بعد الرجوع إلى تمام الحديث تظهر تمامية الإستدلال به و إليك تمامه من الكافي: «إن الله تبارك و تعالى جعل حول الكعبة عشرين و مأة رحمة منها ستون للطائفين و أربعون للمصلين و عشرون للناظرين». (3) فذيل الحديث قرينة على أن المراد من الطائفين و المصلين أعم ممن يطوف طواف الواجب و صلاة الطواف و هذا بعض مضار تقطيع الروايات، و قد أخرجه في الوسائل تمامه في الباب التاسع من أبواب الطواف (ح 2).وأيضا تستحب النيابة في الطواف عن الميت بل و الحي و يدل عليه بإطلاقه ما رواه الكليني عن أبي على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن يحيى الأزرق قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الرجل يحج عن الرجل
1 ـ معتمد العروة : 2 / 152
2 ـ وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الطواف.3 ـ الكافي: ج 4، ب فضل النظر إلى الكعبة ح 2.
[166]
يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء». (1)وصحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: «قلت له: فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟ فقال: نعم.يقول حين يفتح الطواف: اللهم تقبل من فلان الذى يطوف عنه». (2) ورواية أبي بصير قال: «قال أبو عبدالله (عليه السلام): من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له أجره كاملا و للذي طاف عنه مثل أجره» الحديث. (3)
و رواية موسى بن القاسم عن أبي جعفر الثانى (عليه السلام) ورواية على بن ابراهيم الحضرمي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام).نعم إذا كان الحي حاضرا في مكة و ليس به علة لا تجوز النيابة عنه لما رواه في الوسائل عن الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه (4) عن حماد بن عيسى (5) عن إبراهيم بن عمر اليماني (6) عن ا سماعيل بن عبد الخالق (7) قال: «كنت إلى جنب أبي عبدالله(عليه السلام) و عنده ابنه عبدالله أو ابنه الذي يليه فقال له رجل: أصلحك الله يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز أمرت ابنى فلانا، فطاف عني سمي الأصغر و هما يسمعان» (8) و أخرجه بلفظ (أو ابنه) في المستمسك.(9)
أقول: الظاهر أن قوله «أو ابنه» تصحيف و الصحيح كما يدل عليه ذيل الرواية «و
1 ـ وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب النيابة ح 1.2 ـ الوسائل: ب 18 من ابواب النيابة ح 1.3 ـ وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب النيابة في الحج ح 2.4 ـ من السابعة.5 ـ غريق الجحفة أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه و هو من الخامسة و طال عمره فعاصر السادسة.6 ـ شيخ من أصحابنا ثقة بتصريح النجاشي من الخامسة.7 ـ من الخامسة وجه من وجوه أصحابنا بيته من بيوت الشيعة.8 ـ وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الطواف ح 1.9 ـ مستمسك العروة: 11/113.
[167]
ابنه» كما أن الظاهر أن غرض الراوي من هذه الرواية إثبات عدم صلاحية عبدالله لما ادعاه من الإمامة و إثبات إمامة الإمام مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام لان الإمام(عليه السلام) نص بمحضر عبدالله و مسمعه أنه لو جازت الا ستنابة في ذلك يستنيب هو ابنه موسى (عليه السلام).ثم إني بعد الا لتفات إلى ذلك بحوله و قوته راجعت الكافي فإذا فيه «و ابنه الذي يليه».(1)وقال العلامة المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول: (لعل غرض الراوي حط مرتبة عبدالله عما ادعاه من الإمامة فإنه (عليه السلام) عين الاصغر لنيابة الطواف مع حضوره و إذا لم يصلح لنيابة الطواف فكيف يصلح للخلافة الكبرى) (2).و بالجملة الحديث من النصوص على امامة مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام و بعد ذلك يدل على عدم جواز النيابة عمن هو بمكة و ليس به علة.ويدل عليه مرسلة عبد الرحمان بن أبي نجران (3) عمن حدثه عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: «قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما يقيمان بمكة قال: لا ولكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة قال: قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال: عشرة أميال»(4).هذا تمام الكلام في استحباب الطواف منفردا و النيابة فيه و أما سائر أفعال الحج فقد قال في العروة استحبابها غير معلوم حتى مثل السعي بين الصفاء و المروة.أقول: ربما يقال باستحباب السعي مستقلا لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل من الانصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند الله أجر من حج ماشيا عن بلاده ومثل أجر من أعتق سبعين
1 ـ الكافي: 4 / 42 طواف المريض ح 5.2 ـ مرآت العقول: 18/50.3 ـ ثقة ثقة له كتب كثيرة من صغار السادسة.4 ـ وسائل الشيعة: باب 18، من أبواب النيابة في الحج، ح 3.
[168]
رقبة مؤمنة».(1)وجه الإستدال به أن ذكر السعي في قبال الحج مع أن كل حج فيه السعي يدل على ترتب هذا الثواب الذي منه أجر من حج ماشيا عن بلاده على السعى بنفسه.وأورد عليه بأن الا ستدلال به يتم لو كان الصحيح وارداً في خصوص السعي كما في الوسائل و المحاسن و لكن الصحيحة إنما وردت فيما يترتب على أعمال الحج من الثواب و ليست مختصة بذكر السعي و ثوابه فراجع الفقيه (2) والتهذيب (3) فما جاء فيه من الثواب ثواب أعمال الحج بالتفصيل لا خصوص السعي بنفسه حتى يستفاد منه استحباب السعي بنفسه و مستقلا.وأما الاشكال في مفاد الحديث بأنه كيف يمكن أن يكون للسعي أجر من حج ماشيا من بلاده مع أن الحج أيضا مشتمل على السعي و لو قلنا بأن المراد أجر الحج ماشيا بدون ملاحظة أجر السعي يطرح الاشكال بالسؤال من أنه كيف يكون للسعي و للساعي أجر الحاج بطوافه و صلاته و وقوفه وغيرها.و الذي يأتي في خاطر هذا القاصر للجواب عن هذا السؤال و جهان و إن لم أجدهما في كلام من تعرض لذلك من الأجلة و الأعلام و الله هو العاصم عن الخطاء.أحدهما: أن الثواب المذكور في هذا الحديث إنما يكون ثواب حجة الإسلام والمراد من الحج ماشيا من بلاده الحج المندوب و لايستبعد أن يكون ثواب السعي فيها كأجر الحج ماشيا و يرشدنا إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله على ما في التهذيب قبل هذه الفقرة في ثواب صلاة الطواف و فضلها: «فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بهما ألف حجة متقبلة».وثانيهما: أن هذا الثواب للساعي بين الصفا و المروة يكون على وجه التفضل لا الأجر و بعبارة اخرى ما يترتب على جزء من أجزاء الحج وأعماله بالخصوص
1 ـ وسائل الشيعة: ب 1، من أبوبا السعي، ح 15.2 ـ من لايحضره الفقيه : 2 / 133 و131 ب فضائل الحج ح 1
3 ـ تهذيب الاحكام: 5 / 24 و25 ب ثواب الحج ح 357