أقول: أما الرواية الاولى فقد سمعت الكلام فيها و أما الثانية فتدل على فضيلة المسعى لأن كل جبار يذل فيه عند سعيه في حجه و مشيه و هرولته فيه و لا دلالة لها لاستحباب السعي بالخصوص و مستقلا عن الحج.وأما سندها ففي الكافي،(3) محمد بن يحيى (4) عن محمد بن الحسين (5) عن محمد بن اسلم(6) عن يونس (7) عن أبي بصير (8) وهو ضعيف بمحمد بن أسلم والله هو الهادى إلى الصواب.
لومات صاحب الوديعة وعليه الحج
لومات صاحب الوديعة وعليه الحج مسألة 13 ـ قال في الجواهر: «(لو كان عند إنسان وديعة و مات صاحبها و عليه حجة الإسلام و علم أن الورثة لا يؤدونها) عنه (جاز) و عن المهذب عليه (أن يقتطع) منها (قدر اجرة الحج) حسبة من البلد أو من الميقات إن
1 ـ وسائل الشيعة: 13 ب 1 من ابواب السعى ح 2 .2 ـ مستمسك العروة: 11 / 114.3 ـ الكافي: 4 / 434 السعي ح 3.4 ـ الأشعري العطار القمي شيخ أصحابنا في زمانه من الثامنة.5 ـ أبي الخطاب جليل من أصحابنا عظيم القدر مسكون إلى روايته منالسابعة.6 ـ محمد بن أسلم الجبلي من الطبري ضعيف كأنه من السابعة.7 ـ لعله يونس بن يعقوب ممدوح بمدائح كثيرة من السادسة أوالخامسة.8 ـ من الرابعة.
[170]
لم يوص على الأصح والمسمى إن أوصى و خرج الزائد من الثلث أو أجاز الوارث (فيستأجر به) من يؤديها عنه أو يحج هو (لانه خارج عن ملك الورثة) بناء على بقاء ما قابل الدين على ملك الميت».(1)أقول: فى المقام جهات من الكلام:
الجهة الاولى: الظاهر من إستدلال الجواهر أولا تبعا للشرايع أنه يجوز للودعي إذا علم أن الورثة لا يؤدون حجة الإسلام التي على الميت، أن يؤديها بما عنده حسبة و ظاهر استدلاله جواز أداء سائر ديونه إذا علم ذلك من ورثته.و لا يخفى عليك أن مقتضى الأصل و القاعدة عدم جواز تصرف الودعي فيما عنده من المال بصرفه في أداء دين الميت حجا كان الدين أو غيره و سواء لم يكن الوارث ممتنعا من الأداء أو كان ممتنعاً و سواء أمكن إثبات ذلك عندالحاكم أو لم يمكن و ذلك لأنه لا ولاية للودعي على المال لأنه إما أن نقول بانتقال تركة الميت إلى الوارث و إن وجب عليه صرفه في دين الميت ولايجوز له التصرف في التركة قبل أداء دين الميت فلا وجه لتصرف الودعي في ملك الورثة فيجب عليه رد المال إلى مالكه وإما أن نقول ببقاء المال بمقدار الدين في ملك الميت و عدم انتقاله إلى الوارث فلا يجوز التصرف فيه للودعي أيضا لأن ولي الميت هو الوارث و هو المخاطب بأداء دين الميت من تركته و لا ولاية للودعي على المال أو على الميت فكيف يجوز له التصرف فيه فأمره و أمر تركته راجع إلى الوارث فلعله يرى أداء دينه من مال آخر أو أداء حجه بنفسه.هذا مضافاً إلى أنه لو كان المال الذي عند الودعي أكثر من الدين أو مصارف الحج يكون مشتركاً بينه و بين الميت فبأي وجه يجوز له تقسيم المال المشترك بين الميت و الوارث الميت.فإن قلت: أداء ديون الميت كتغسيله و الصلاة عليه و دفنه من الواجبات الكفائية يجب على كل أحد القيام به و إن كان الولي أولى به فما دام هو مقدم على ذلك لا يجوز للغير الإستقلال به و أما اذا كان هو ممتنعا منه فيجب على السائرين الإقدام
1 ـ جواهر الكلام: 17/402.
[171]
عليه.قلت: يجب في هذه الصورة الرجوع إلى الحاكم و الإستيذان منه فإنه ولي الممتنع.فإن قلت: إذا كان الودعي يعلم أن الوارث لو اطلع على ذلك يطالبه بالمال و لا يدفعه إلى الدائن و لا يمكن له اثباته عند الحاكم كيف يجوز له إعلامه به وتضييع حق الدائن.قلت: لا ولاية له على ذلك و صاحب الحق يطالب الوارث بحقه عند الحاكم.نعم، لو علم الودعي أن المال لم يكن للمودع أو هو أوصى به لغيره و لا يزيد على ثلثه يجوز له بل يجب عليه رده إلى صاحبه أو الموصى له إذا علم أن الوارث لا يتضرر بذلك كما إذا كان للميت وصايا اخرى غير ذلك.اللهم إلا أن يقال بدلالة صحيح بريد على ذلك في حجة الإسلام إذا تعذر حمل الورثة على الأداء و لو بالرجوع إلى الحاكم كما يأتي في الجهة الثانية.الجهة الثانية: استدل صاحب الجواهر ثانيا بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن بريد العجلي ففي الكافي (1) محمد بن يحيى (2) عن محمد بن الحسين (3) عن علي بن النعمان (4) عن سويد بن القلا (5) عن أيوب(6) عن بريد العجلي (7) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لولده شيء و لم يحج حجة الاسلام؟ قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم»ثم قال: (لكن لا دلالة فيه على عدم اعتبار استيذان الحاكم الذي هو الولي لمثل
1 ـ الكافى: 4 / 306، الرجل يموت صرورة...، ح 6.2 ـ ابو جعفر القمى العطاء من الثامنة.3 ـ ابى الخطاب من السابعه.4 ـ الاعلم النخعى ثقة ثبت و اضح الطريقة من السادسة.5 ـ سويد بن مسلم القلاء ثقه له كتاب من الخامسة او السادسة.6 ـ كانه من الخامسة و إن هو ايوب بن حر او ايوب بن نوح بن دراج فهما ثقتان.7 ـ ابن معاوية ثقة فقيه ممن اجمعت الصحابة على تصديقهم من الرابعة.
[172]
ذلك و إن تمكن منه لاحتمال الامر منه لبريد الإذن به فيه فلا إطلاق فيه حينئذ يدل على خلافه فما عن الشهيد من استبعاده بعد أن حكاه قولا بل في الحدائق الجزم بمنافاته لإطلاق الصحيح في غير محله ضرورة أنه من خطاب المشافهة و المتيقن من تعديته إلى غير المشافهة ذلك نعم لو لم يتمكن منه استقل هو بذلك حسبة إن كان من عدول المسلمين).(1)أقول: إطلاق الرواية و شموله لصورة إمكان الإستيذان من الحاكم يدور مدار كون المراد من قوله (عليه السلام) «حج عنه» الحكم الشرعى فكأنه قال: «فليحج عنه من بيده الوديعة» .وصاحب الحدائق يرى أنه و إن كان السؤال عن واقعة شخصية إلا أنه سؤال عن حكمها لا الإستيذان من الإمام فإذا كان الجواب الإذن بصرفه في حج صاحب المال لا يطابق الجواب السؤال مضافا إلى انه يمكن أن يكون السؤال ايضا على سبيل المثال و عن حكمه الكلي و حينئذ يقوي ما اختاره الحدائق من إطلاق الجواب و جواز صرفه في حج صاحب المال و ان كان متمكنا من الإستيذان من الحاكم.(2)
الجهة الثالثة: هل يجوز له الإستقلال بالعمل إذا علم ان الورثة يؤدون حج مورثهم أو ظن ذلك من ظاهر حالهم؟
الظاهر أنه ليس له ذلك بل إنما يجوز إذا كان حق الميت معرضا للضياع و الإنكار كما ربما يستفاد ذلك من قوله: «و ليس لولده شيء» وبالجملة لا يستفاد من الخبر نفى ما للورثة من الأمر في ذلك فيجوز لهم الإستيجار بغيرهذا المال أو التبرع عن الميت.والظاهر أنه لا يجوز التمسك بالإطلاق بترك استفصال الإمام (عليه السلام) فإن الظاهر أن مورد السؤال كان معلوما و هو ما إذا لم يكن اطمينان بالورثة و أمانتهم أو لا يعلم حالهم دون غير ذلك فإن الحكم فيه كان معلوما على مثل بريد أحد الاربعة
1 ـ جواهر الكلام: 17/402.2 ـ الحدائق الناضرة: 14/279.
[173]
النجباء امناء الله على حلاله و حرامه و الذين لو لم يكونوا انقطعت آثار النبوة و اندرست.الجهة الرابعة: لا يختص وجوب الحج على الودعي عن صاحب المال في الصورة المفروضة بما إذا لم يكن لورثته مال وذلك لأن تسليم المال إليهم موجب لتفويت حق الميت و ما ذكر فى السؤال من قوله «وليس لولده شىء » لايقيد السؤال و لا الجواب به فإن المراد منه بيان مظنة تضييع الحج لحاجة الورثة إليه و عدم قيامهم بالوظيفة ولا فرق في ذلك بين كون الورثة فقيرا او غنيا إذا كان الغني أيضا لا يؤدى الحج عن مورثه فالمراد أنه لا يجوز إعطاء المال ممن لا يعرف من حاله أدائه في حج الميت.الجهة الخامسة: إذا قلنا بلزوم الإستيذان من الحاكم أو جواز استقلال الودعي بالأمر فهل يجب على الودعي الحج عن صاحب المال بنفسه لقوله(عليه السلام): «حج عنه» أو يجوز له استيجار الغير به؟الظاهر أنه لا فرق و لا يختص وجوب صرف المال في حج صاحب المال بحج الودعي عنه بنفسه لأن الغرض تفريغ ذمته و هو حاصل بكل منهما من دون تفاوت.الجهة السادسة: هل وجوب صرف المال الذي عنده من الميت في حجة إسلامه في الصورة المذكورة يختص بما إذا كان المال وديعة عنده أو لا فرق في ذلك بينها و بين حصول ماله عنده بأي سبب من الاسباب كالإجارة و العارية حتى الغصب.الظاهر أنه لا فرق فى ذلك بين الوديعة و غيرها و ذلك لأن الوديعة إنما وقعت مورد السؤال على نحو المثال و لو كان المثال فيه عن واقعة الراوي الخاصة به فيمكن دعوى شموله لمثل ما ذكر بإلغاء الخصوصية و تنقيح المناط القطعي.الجهة السابعة: قد ظهر مما ذكر في الجهة الأولى أنه لا يلحق سائرالديون المالية التي تؤدى من تركة الميت بحجة الإسلام كديون الناس و الخمس و الزكاة فلا وجه لدعوى ذلك بعد عدم استفادة ذلك من الصحيح لا بالاُولويه و لا بمفهوم
[174]
المساواة (1).و أما ما قيل من أن ظاهر النص هو اختصاص هذا الحكم بالحج، فليس في محله لأنه لايستفاد من النص الإختصاص و إنما لايستفاد منه شمول الحكم لغير مورده لا اختصاص الحكم بمورده و مع ذلك دعوى الحاق هذه الديون بالحج إذا تعذر إلزام الوارث بالوفاء و لم يكن للورثة مال آخر ليس ببعيد والمسألة بعد ذلك لا يخلو من الإشكال.الجهة الثامنة: لا ريب في أن الودعي إذا علم أن على صاحب المال حجة الإسلام و أن وارثه يمتنع من أدائه ولايؤديها عصياناً أو عذراً فَصرف المال في حجه ليس عليه شىء و لا يجب عليه إعلام الوارث إن علم أنه لا يقبل منه ذلك.لكن إذا اطلع الوارث على الامر و طالبه بما عنده بدعوى أنه ولي الميت أو انكار وجوب حجة الإسلام على مورثه أو عدم علمه بها وكان المال موجوداً عند الودعي، هل يجوز له رد المال إلى الوارث و هل للوارثمطالبته به و بعبارة اخرى هل يكون القدر المتيقن من صحيح بريد ما إذا لم يطلع عليه الوارث دون ما إذا اطلع على ذلك أو يكون في معرض اطلاعه و مطالبته الودعي به فإذا اطلع فهو على حجته؟يمكن أن يقال: إن القدر المتيقن من وجوب ذلك على الودعي هو ما إذا لم يكن الأمر معرضا لاطلاع الوارث عليه و لم يطلع هو عليه وأما إذا اطلع على ذلك لا يسمع دعواه على الودعي و يجب عليه تصديقه فأول الكلام حتى إذا صرفه الودعي في حج الميت.و بالجملة فغاية ما يستفاد من الحديث جواز صرف الودعي ما عنده في حجة إسلام صاحب المال إذا علم أن الورثة لا يؤدونه و لا يمكن له حملهم على أدائها و لو بالرجوع إلى الحاكم فليس عليه إعلامهم به أما وجوب قبول الورثة ذلك منه إذا كانوا غير عالمين بواقع الأمر فلا دلالة للحديث عليه.و الله هو العالم.
1 ـ راجع معتمد العروة: 2/161.
[175]
مسألة: 14 ـ يجوز للنائب أن يطوف عن نفسه و عن غيره بعد فراغه عن الأعمال للمنوب عنه.لإطلاق أدلة الدالة على استحباب الطواف كما يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسهو عن غيره.ولا يضر بذلك الفصل المعتبر بين العمرتين لاختصاصه بما إذا كانتا مفردتين عن نفسه لا بما إذا كانت إحديهما عمرة التمتع و لا إذا كانتا إحديهما عن غير ما كانت الاخرى له كما يأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى. هل يجوز الاستيحار للأجير
هل يجوز الاستيحار للأجير مسألة 15 ـ إذا أعطاه مالاً ليحج به عنه لا لاستيجار الحج عنه يجوز له أن يحج به عنه بنفسه أو يستأجر له الغير و إن أعطاه لاستيجار الحج و كانت هناك قرينة على إرادته الاعم من حجه بنفسه أو استيجار الغير يجوز له أن يحج عنه بنفسه وإن كان شاكاً في ذلك لا يجوز له إلا استيجار الغير.وما في العروة من جواز ذلك ما لم يعلم أنه أراد الإستيجارمن الغير لا يكفي للحكم بالجواز فإن عدم العلم بإرادته استيجار الغير لا يستلزم العلم بإرادته الأعم من نفسه و غيره و ما هوالمجوز لذلك العلم بعدم إرادته خصوص استيجار الغير لا عدم العلم بذلك كما لا يخفى.هذا و إذا عين المعطي شخصاً تعين إلا إذا علم أن ذكره لم يكن على سبيل التعيين و كان من باب المثال و إن علم أن المعطي في تعيينه وقع في الإشتباه و عين من ليس له صلاحية ذلك كما إذا كان معذوراً من أداء بعض الأعمال فالظاهر أنه يجب عليه الرجوع إلى المعطي و لا يجوز له استيجار غيره بعد ما كان تعيينهلا على سبيل المثال خلافا لما في العروة فإنه جوز ذلك كما جوز ذلك بعض الأعاظم إذا علم برضاه به.(1)
وفيه: أن مجرد العلم بالرضا لايكفي في التصرف في مال الغير إلا بالإذن الصريح أو الفحوى أو شاهد الحال.
1 ـ معتمد العروة: 2/167.
[178]
«أقسام العمرة»
«أقسام العمرة» العمرة تنقسم كالحج إلى ما هو واجب بالأصل و هو ما يجب على كل من كان واجداً لشرايط الإستطاعة فيجب عليه كالحج فى العمر مرة أو متمتعاً بها إلى الحج على التفصيل الذي سنذكره إن شاء الله تعالى.وذلك ثابت بالكتاب على ما جاء في تفسير قوله تعالى: (والله على الناس حج البيت) الآية و بالسنة و بالإجماع.و ما هو واجب بالعرض كالعمرة الواجبة بالنذر أو العهد أو اليمين ولدخول مكة و بالعقد كالا جارة و بالشرط في ضمن العقد و بالوصية وبالإفساد والفوات فإن من فاته الحج يجب عليه التحلل بالعمرة و إلى ما هو المندوب كل ذلك ثابت لا حاجة إلى كثير البحث فيه كما أنه لا مجال للخدشة في فورية وجوبها و لا عدم ارتباط حصول الإستطاعة لها بالا ستطاعة بالحج كما لا ترتبط استطاعة الحج بالإستطاعة لها إلا في حج التمتع و العمرة المتمتع بها إلى الحج فإن الإستطاعة معتبرة لهما معاً.نعم حكي عن الشهيد(قدس سره) فى الدروس أنه قال: (و لو استطاع لها خاصة لم تجب و لو استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب).(1)
ولصاحب كشف اللثام (2) كلام أشار فيه إلى ما يمكن أن يستدل به للشهيد و إلى جوابه و ما استدل به له وجوه:
الاول: الأصل والظاهر أن مراده أصالة برائة الذمة من وجوب العمرة بالإستطاعة لها خاصة و دون الإستطاعة للحج.
1 ـ الدروس: 1/338.2 ـ كشف اللثام: 1/315.
[179]
وفيه: أنه لا مجال له بعد دلالة الدليل على وجوبها فهو مقطوع بالدليل.الثاني: ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة.وفيه: أن ذلك ليس الدليل على عدم الوجوب غاية الامر منع كون الآية دليلاً على الوجوب و عدم كونها دليلاً على الوجوب ليس دليلاً على عدم الوجوب مضافا إلى إمكان دعوى شمول الآية بالعمرة والحج على السواء فمن صار مستطيعاً للعمرة مستطيع لحج البيت و الدليل على ذلك تفسير الآية بهما في الأحاديث ففي صحيح ابن اُذينة المروي في علل الصدوق: «سألت أباعبدالله(عليه السلام)عن قول الله عزوجل: (و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) يعني الحج دون العمرة؟ قال(عليه السلام): لا و لكنه يعنى الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان».(1) وقد أشار كاشف اللثام إلى ردهما بالا جمال بقوله: «و هو ممنوع».الثالث: عدم دلالة قوله تعالى: (واتموا الحج و العمرة لله) الدال على وجوب إتمامها على وجوب إنشائهما و منع استلزام وجوب الإتمام وجوب الإنشاء.ففيه: أيضا أن هذا رد للإستدلال على وجوبها بالآية و ليس دليلاً إلى عدم وجوبها مضافا على أن الآية مفسرة بوجوب الإنشاء ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج فإن الله تعالى يقول: (وأتموا الحج و العمرة لله)»(2).الرابع: أنه لو وجبت العمرة لكان من استكمل الا ستطاعة لها و مات قبلها و قبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة و لم يذكر ذلك في خبر أو كتاب.وفيه: إما أن نقول بفورية وجوب العمرة و عدم كونها موقتا بوقت الحج نلتزم بوجوب استيجار العمرة عنه إذا استطاع لها و إما ان نقول بوجوبها عند الحج نلتزم بعدم وجوب الا ستيجار بل و عدم وجوبها قبل ذي الحجة.الخامس: إذا كانت الإستطاعة لها خاصة كافية لوجوبها لزم أن نقول بأن المستطيع لها إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج يجب أن ينوى بعمرته عمرة الإسلام1 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 7 .2 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 2 .
[180]
لاحتمال أن يموت أو لا تبقى استطاعته للحج إلى وقته.وفيه: انا إن قلنا بوجوب العمرة عند الحج، نقول: كما قاله كاشف اللثام بوقوعه قبل أشهر الحج مندوبا و نافلة فليس له أن يأتي بعمرة الإسلام إلا عند الحج سواء احتمل موته و زوال استطاعته أو لم يحتمل وإن قلنا بوقوعه في غير أشهر الحج أيضا يجب عليه أن ينوي بعمرته عمرة الإسلام سواء احتمل الموت أو زوال الإستطاعة أم لم يحتمل فتلخص من ذلك كله استقلال حصول الا ستطاعة لكل واحد من النسكين في وجوبه و إن لم يكن مستطيعا للاخر. وجوب العمرة المفردة على النائى المستطيع لها خاصة
وجوب العمرة المفردة على النائى المستطيع لها خاصة مسألة 1 ـ لا ريب و لا خلاف في إجزاء العمرة المتمتع بها إلى الحج عن العمرة المفردة و النصوص على ذلك كثيرة.وإنما وقع الكلام في أنه هل تجب العمرة المفردة على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها ولم يستطع للحج فمن استطاع للعمرة مثلا في شهر رجب خاصة دون الحج فلم يستطع له فهل تجب عليه العمرة المفردة أم لا؟ و كذا من كان أجيرا للحج عن أحد و بعد الفراغ من أعماله تمكن من العمرة، هل تجب عليه أم لا؟ قال في العروة: (المشهور عدمه بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات).أقول: مقتضى الآية و الروايات وجوبهما في الجملة فتنطبق العمرة الواجبة على التي تجب على من كان من حاضري المسجد الحرام مفردا أو قارنا و على التي يأتي بها النائي متمتعا بها إلى الحج فكما أن الحج يصدق على حج التمتع و لا يجب على النائي غيره ابتداء و يصدق على القران أو الإفراد الذي هو وظيفة حاضر المسجد الحرام تصدق العمرة على العمرة المتمتع بها إلى الحج وعلى العمرة المفردة التي هي وظيفة الحاضرين.و الظاهر أن دلالة الروايات لا تزيد على ذلك،فمنها صحيحة الفضل أبي العباس (1) «عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزوجل (و أتموا الحج و العمرة لله)؟ قال:
1 ـ ابن عبد الملك البقباق، ثقة له كتاب من الخامسة.
[181]
هما مفروضان».(1) ومثلها لا يكفي لإثبات وجوب العمرة المفردة على النائي الذي يأتي بها متمتعا بها إلى الحج فإنها ليست في مقام بيان ما هو موضوع الوجوب بتمامه وتفاصيله فلا ينافي عدم كون العمرة المفردة على النائي وجوبها عليه في الجملة و إن كان في ضمن حج التمتع كما لا ينافي في عدم كون حج الإفراد و القران عليه إذا كان التمتع عليه واجباً.ومنها صحيح عمر بن اذينة(2) قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) به يعنى الحج دون العمرة؟ قال : لا لكنه يعنى الحج و العمرة جميعا لانهما مفروضان»(3) وهو أيضا كسابقه لا يدل إلا على وجوبهما في الجملة و منها غيرهما مما هو مثلهما في عدم الدلالة على وجوب العمرة على النائي إذا استطاع لها خاصة.نعم، هنا روايات ربما توهم دلالتها على أن المتمتع كان عليه العمرة المفردة و إنما تسقط عنه إذا أتى بالعمرة المتمتع بها الى الحج دون ما إذا لم يأت بها.فمنها صحيح يعقوب بن شعيب (4) قال: «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) قول الله عزوجل : (وأتموا الحج و العمرة لله) يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة ؟ قال: كذلك أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه» (5)فهذا الصحيح يدل على أنه يكتفى بالعمرة المتمتع بها إلى الحج إذا أتى بها عن العمرة المفردة و أما إذا لم يأت بها فالتكليف بالعمرة المفردة على حاله.ولكن يمكن أن يقال: إن السؤال راجع إلى أن العمرة المفردة التي كانوا يأتون بها بعد الحج هل يكتفى بالعمرة المتمتع بها إلى الحج عنها فأجاب الا مام(عليه السلام)بأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بذلك يعني أن التشريع وقع على إتيان العمرة بالتمتع بها إلى
1 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة، ح 1.2 ـ ثقة له كتاب هرب من المهدى و مات باليمن من الخامسه.3 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمره ح 7.4 ـ ابن ميثم ابن يحيى التمار الكوفي له كتاب من الخامسة.5 ـ وسائل الشيعة: ب 5 من ابواب العمرة، ح 4.
[182]
الحج و بعبارة اُخرى المراد أن الواجب من العمرة على من يجب عليه حج التمتع العمرة المتمتع بها إلى الحج فلا يجب عليه غيرها و إن لم يتحصل له الا ستطاعة لحج التمتع و تحصلت لها خاصة.ومنها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر(1) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن العمرة أو اجبة هي؟ قال: نعم، قلت: فمن تمتع تجزىء عنه؟ قال: نعم».(2)وبيان الإستدلال لوجوبها على النائي المستطيع لها و إن لم يكن مستطيعا للحج أن الا مام (عليه السلام) أجاب بإجزاء حج التمتع عنها فيبقى غيرها على وجوبها.ومثلها خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام): «العمرة مفروضة مثل الحج فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة». (3)
أقول: الإنصاف عدم دلالتهما أيضا على وجوب العمرة مفردة مستقلا على النائي وأما خبر البزنطي فلا يدل إلا على وجوب العمرة إجمالا و على إجزاء العمرة المتمتع بها إلى الحج عنها و هذا لاينافي كون ما عليه عمرة التمتع و الثاني أيضا لا يدل على أزيد من ذلك و لا يثبت به وجوب العمرة المفردة على النائي الذي وظيفته حج التمتع.وأما معارضة صحيح الحلبي «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» و خبر أبي بصير «العمرة المفروضة مثل الحج فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة» وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) أيجزي ذلك؟ قال: نعم» ونحوها مع مثل صحيح يعقوب بن شعيب فلم نفهم ذلك منها و إن صرح به بعض الأعاظم.اللهم إلا أن يقال: إن كل هذه الروايات و ردت في جواب المخالفين من الذين يزعمون وجوب العمرة المفردة على الجميع و انها على ذمتهم ففي الحقيقة أن هذه الروايات ترشدهم إلى أن ما على النائي هي العمرة المتمتع بها إلى الحج و هي
1 ـ البزنطي جليل القدر من السادسة.2 ـ وسائل الشيعة: ب 5، من ابواب العمرة، ح 3.3 ـ وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العمرة ح 6.
[183]
التي جعلت مكان المفردة للنائين.نعم يمكن القول بمعارضة ما دل على دخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة لما قيل بدلالته على وجوب العمرة المفردة فإن الظاهر منه أن ما على النائي العمرة المتمتع بها إلى الحج دون العمرة المفردة و إلا يلزم وجوب العمرتين على من استطاع للعمرة خاصة في سنة و أتى بها ثم استطاع لحج التمتع في تلك السنة أو سنة اخرى و لا أظن أن يلتزم بها فقيه.وجوب العمرة لدخول مكة
وجوب العمرة لدخول مكةمسألة 2 ـ قد ذكرنا في أقسام العمرة و ما تجب منها بالعرض وما تجب لدخول مكة و المراد منه أنه حيث حرم دخول مكة المكرمة بدون الإحرام فإذا وجب دخولها بسبب من الاسباب يجب الإحرام له بحكم العقل تخلصا من الحرام.