و على كل حال فالحكم بالنسبة إلى قبل السنة التمتع و بعد السنتين الإفراد فإن احتاط فيما بين ذلك بما ذكرنا صورته فهو اولى بل لاينبغي تركه والله هو العالم.تتمة ـ فهل إنا ـ ولو لم نقل بإعراض الأصحاب عما دلّ على أن الإعتبار في انقلاب الفرض يكون على إقامة سنة ـ، يمكن أن نقول بعدم تعارضه مع مثل صحيحي زرارة و عمر بن يزيد لإمكان الجمع الدلالي العرفي بينهما؟
بيان ذلك: أن لمثل قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): «من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة» مدلولين: أحدهما أيجابى وهو دخالة اقامة سنة في انقلاب الفرض والحديث نص فيه لايحتمل فيه غير ذلك وثانيهما سلبي وهو عدم دخل الزائد على السنة في الحكم والحديث ظاهر فيه.وصحيحي زرارة وعمر بن يزيد مثل «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة» مدلولهما الإيجابي دخل سنتين في الإنقلاب وهو نص فيه.فنرفع اليد عن مدلول رواية محمد بن مسلم السلبي الذي هى ظاهرة فيه بمدلول صحيحى زرارة وعمر بن يزيد الإيجابي الذي هما نصان فيه.
[223]
أقول: في الحكم بالتعارض وعدمه الحاكم هو العرف والعرف حاكم بتعارض قوله في مقام التحديد: «من أقام بمكة سنة فهو من أهل مكة» مع قوله: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة» فإن العرف يرى أن المتكلم يكون في مقام بيان كل ماله دخل في الموضوعية وتمام الموضوع لانقلاب الفرض، لا ماله دخل ما وهذا واضح. فروع
فروع ثم إن هنا فروع: الأول أنه هل هذا الحكم مختص بمن استطاع للحج بعد إقامته في مكة أو يعمه و من استطاع له قبل إقامته و لم يأت بفرضه و سوّف حتى مضى عليه سنتان؟ قال في العروة: (فلا إشكال في بقاء حكمه (يعنى وجوب التمتع عليه إذا استطاع قبل إقامته، فلاينقلب فرضه) سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين).و ظاهر البعض حكاية الإجماع على ذلك.و الذي يمكن أن يقال: إن إطلاق مثل قوله (عليه السلام): «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لامتعة له» و قوله (عليه السلام): «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاور سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتع» يشمل من استطاع للحج قبل إقامته كما يشمل المقيم الذي استطاع في أثناء هذه المدة قبل إكماله سنتين.و دعوى انصراف الإطلاق إلى من استطاع للحج بعد إقامته في مكة بل بعد إقامته تمام سنتين و وجوب الأخذ بالقدر المتيقن في تخصيص العام،(1) لاوجه له و مع ذلك الأحوط الإتيان بالحج بصورة يحصل له العلم بفراغ ذمته عن التكليف.الثاني: الظاهر أن الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج على المقيم بعد تمام سنتين هي الإستطاعة لفرض المكي فيجب عليه هذا الفرض و إن لم يكن مستطيعاً للحج التمتع من بلده أو من مكة فهو مثل من استطاع للحج في أثناء الطريق أو عند الميقات فلايعتبر في استطاعته تمكنه من المسير من بلده فالذي يستطيع للحج من مكانه الذي هو فيه يكون مستطيعاً لايعتبر في حصولها أن يكون مستطيعاً له من ابتداء المسافة التي قطعها إلى المكان الذي هو فيه كما لايجب عليه أن يرجع إلى
1 ـ راجع معتمد العروة: 2/213.
[224]
وطنه و مكانه الأول ثم ينشأ السفر إلى مكة.نعم بالنسبة إلى منتهى أمره تلاحظ مؤنة رجوعه إلى وطنه إن كان مريداً لترك المجاورة و الرجوع فإن كان بذل ما يتوقف عليه أداء الحج مانعاً من تمكنه من الرجوع ليس مستطيعاً فالمسألة تدور مدار حكم العرف بالإستطاعة وعدمها فمن كان باقياً على مجاورته لايحتاج إلى مؤنة العود و من كان يريد العود و ترك المجاورة يعتبر في استطاعته مؤنة العود و الله هو العالم.الثالث: المكي إذا أخرج إلى بعض الأمصار و أقام فيه و جاوره إلى سنتين أو أزيد لاينقلب وظيفته إلى وظيقه النائي.لعدم الدليل على ذلك فلايقاس بالنائي نعم إذا توطن في غير مكة يلحقه حكم الوطن و يجب عليه التمتع.هذا إن قلنا بأن الحكم في النائي المجاور بمكة يكون مبنياً على التعبد و أما إن قلنا إنه من باب حكم العرف بأن المجاور في مكان إلى سنتين يعد من أهله فلابدّ أن نقول به في هذه المسألة أيضاً بانقلاب فرض المكي إلى فرض النائي و على هذا لايجوز ترك الإحتياط. حكم ميقات المقيم بمكة إذا وجب عليه التمتع
حكم ميقات المقيم بمكة إذا وجب عليه التمتع مسألة 6 ـ المقيم في مكة المكرمة إذا وجب عليه حج التمتع كما إذا استطاع للحج قبل انقلاب فرضه إلى فرض المكّي يجب عليه أن يخرج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع ولكن قد وقع الإختلاف في أنه هل له ميقات معين كميقات أهل بلده و مهلّ أرضه فلايجزيه الإحرام عن غيره أو أنه مخيّر بين الخروج إلى أحد المواقيت أو يكفيه الإحرام من أدنى الحلّ في المسألة أقوال.فالأول مختار المفيد في المقنعة (1) وأبي الصلاح في الكافي (2) و الشيخ في النهاية (3) و ابن سعيد في الجامع (4) وابن زهرة في الغنية (5) والمحقق في النافع
1 ـ المقنعة / 396.2 ـ الكافي /202
3 ـ النهاية /211 .4 ـ الجامع /178 .5 ـ الغنية /155 .
[225]
(1) والعلامة في جملة من كتبه.(2)و الثاني عزي إلى الشهيد في الدروس(3) والشهيد الثاني في المسالك(4) و الروضة(5) وغيرهما كالمحقق في الشرايع. (6)
والثالث منقول عن الحلبي و هو إن كان ابن زهرة، فقد عرفت منه خلاف ذلك و أن مختاره القول الأول وعن المدارك: أنه يحتمل قويّاً (7) و عن الكفاية: أنه استحسنه (8) و عن الأردبيلى: أنه استظهره. (9)
و الذي يقتضيه الأصل في المسألة هو الأخذ بالإحتياط بالإحرام من مهل أرضه لأنه لايحصل اليقين بالفراغ و برائة الذمة إلاّ به لدوران الأمر بين التعيين و التخيير.و أمّا بحسب الأدلة: فاستدل للقول الأول بمارواه شيخنا الكليني (قدس سره) عن الحسين بن محمّد(10) عن معلى بن محمّد(11) عن الحسن بن علي(12) عن أبان بن
1 ـ المختصر النافع /80 .2 ـ تحرير الاحكام: 1/565
3 ـ الدروس الشرعية: 1/342.4 ـ مسالك الافهام، 2/221
5 ـ الروضة البهيه: 2/223 .6 ـ شرايع الاسلام: 1/178
7 ـ مدارك الاحكام: 7/235.8 ـ الكفاية للسبزوارى /58 .9 ـ مجمع الفائدة: 6/171.10 ـ ابن عمار بن عمران الأشعري أبوعبدالله من الثامنة ثقة له كتاب.11 ـ البصري من السابقة وصف بأنه مضطرب الحديث و المذهب و كتبه قربية (جش) و عن ابن الغضائري يروي عن الضعفاء.12 ـ ابن زياد الوشاء من السادسة عين من وجوه الطائفة له كتب.
[226]
عثمان(1) عن سماعة(2) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام): نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبي إن شاء». (3)فإن قوله (عليه السلام): «يخرج إلى مهل أرضه فيلبي إن شاء» يدل على أن ميقاته لحج التمتع مهل أرضه سواء كان حجة الاسلام أو غيرها.واستشكل فيه، أولاً بضعف سنده بالمعلى بن محمد البصري الموصوف بأنه مضطرب الحديث و المذهب ويروي عن الضعفاء. (4)وثانيا بضعف دلالته من جهة قوله (عليه السلام): «إن شاء» لظهور التعليق بالمشية في عدم الوجوب. (5)
وأجيب عن ضعف سنده بانجباره بالعمل وبأنه من رجال كامل الزيارات، وأن اضطراب الحديث معناه رواية الغرائب، وأن الاضطراب في المذهب لايضر إذا كان الشخص ثقة في نفسه. (6)
أقول: أما انجبار ضعف سنده بالعمل، فقد عرفت أنه معمول به، عمل به المفيد وأبي الصلاح و الشيخ وغيرهم اللهم إلا أن يقال: إن كونهم مستندين في فتواهم إلى هذا الخبر، غير ثابت فلعلهم أفتوا بوجوب الإحرام من مهل أرضه للأصل ولكونه موافقاً للإحتياط.وأما الإستناد لإثبات وثاقة المعلى بن محمد بكونه من رجال كامل الزيارات، فقد عدل القائل بتلك الكلية عنها ويؤيد صحة الإعتماد عليه بعمل الأصحاب رواية عدة من الشيوخ الأجلاء عنه وأنه من أرباب الكتب ووصفه الشيخ فى الفهرست
1 ـ الأحمر البجلي من الخامسة و من الناوسية و من الذين أجمعت العصابة على تصحيح مايصح عنه.2 ـ ابن مهران الحضرمي من الخامسة ثقة و اقفي له كتاب.3 ـ وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب اقسام الحج ح 1.4 ـ رياض المسائل 6/168 .5 ـ معتمد العروة: 2/219.6 ـ معتمد العروة: 2/219.
[227]
وقال: (له كتب منها كتاب الإيمان ودرجاته ومنازله وزيادته و كتاب الكفرو وجوهه وكتاب الدلائل وكتاب الإمامة). (1)وأما تفسير الإضطراب في الحديث برواية الغرائب فالظاهر أنه خلاف ما اصطلح عليه أهل فن الدراية والحديث فإن الحديث المضطرب عندهم ما اختلف راويه سواء كان واحداً أو متعدداً في لفظه أو في سنده فيرويه مرة على وجه ومرة على وجه اُخرى وعن البعض: (المضطرب ماروي على اوجه مختلفة متدافعة على التساوي في الإختلاف من راو واحد).وفي اختصار علوم الحديث: (هو أن يختلف الرواة على شيخ بعينه أو من وجوه آخر متعادلة لايترجح بعضها على بعض وقديكون تارة فى الاسناد وقد يكون في المتن).وأما تفسير مضطرب الحديث برواية الغرائب فلم أجده فيما رجعنا إليه من كتب الدراية وعلم مصطلحات الحديث.نعم يوجد في كلماتهم تعريف الحديث الغريب بأنه قد يتفرد بالمتن كأن يتفرد برواية راو واحد أو بالسند كما إذا كان الحديث محفوظا ومروياً من وجه آخر أو وجوه ولكن بإسناد خاص كان غريبا فعلى هذا يمكن أن يكون اضطراب الشخص في الحديث كاشفاً عن سوء الحفظ فلا يعتمد عليه.فإن قلت: هذا الذي ذكرت هو تعريف للحديث المضطرب وصفة للحديث وليس تعريف مضطرب الحديث الذي هو من صفات الراوي فمن يروي الحديث الذي اختلفت رواته أو راويه، ليس مضطرب الحديث غاية الأمر يكون راويا للحديث المضطرب فالضعف إن كان، فيما يرويه لا في روايته فلا يضر ذلك برواياته المستقيمة.اللهم إلا أن يقال: إن توصيف الشخص بذلك إنما يصح إذا كان أكثر ما يرويه الأحاديث المضطربة.قلت: يوصف الرواي بأنه مضطرب الحديث لروايته سنداً أو متناً تارة بصورة كذا واُخرى بصورة اُخرى فهو مضطرب الحديث وإن كان الحديث المضطرب يطلق على هذا وعلى ما اختلف رواية في سنده أو لفظه.
1 ـ الفهرست /165.
[228]
وبالجملة، فاللازم الاستقصاء عن ذلك هل استقر اصطلاحهم في الحديث المضطرب على ما كان في متنه أو سنده غرابة وفي مضطرب الحديث على من كان في حديثه غرابة؟فإن كان الثاني، فلايدل غرابة ما يرويه على ضعفه وضعف روايته ما ليست فيه الغرابة وإن كان المراد الأول كما هو الظاهر فهو يدل على الضعف لدلالته على سوء الحفظ.نعم، الاضطراب في المذهب إذا كان الشخص ثقة بنفسه، لايضر كما لايضر روايته عن الضعفاء بما رواه عن الأقوياء.نعم، لاتكون روايته عمن لم تثبت وثاقته دليلاً على وثاقته والله هو العالم.هذا كله فى ما يرجع إلى سند الحديث.واما دلالته، فضعفت بدلالة قوله «ان شاء» على عدم الوجوب.وفيه: أنه إن كان راجعاً إلى الخروج يدل على عدم وجوب كون الإحرام من مهل أرضه فهو إن شاء الخروج يحرم منه وإن لم يشأ يحرم من أدنى الحل، بخلاف ما إذا كان راجعاً إلى التمتع، فإنه يدل على وجوب كون الإحرام من مهل أرضه، فإن شاء التمتع يحرم منه وإن لم يشاء لم يحرم ولايتمتع.بل يمكن أن يكون راجعاً إلى قوله «فيلبي» يعني إن شاء أن يلبي ويحج.والظاهر أنه راجع إما إلى التمتع أو التلبية وعلى كل واحد منهما يكون الخبر ظاهراً في وجوب الإحرام من مهل أرضه، وأما إن كان راجعاً إلى الخروج يكون معناه أراد أن يخرج إلى مهل أرضه فيحرم منه وإلا فمن ميقات آخر أو أدنى الحل فلا يدل على وجوب الإحرام من مهل أرضه.ويبعد هذا الاحتمال أن السؤال لم يقع عن جواز الخروج إلى مهل أرضه وعدمه فعلاً أو تركاً بل وقع عن جواز التمتع للمجاور فإذا كان يجوز له التمتع من مهل أرضه وسائر المواقيت وإلا أدنى الحل، فما وجه اختصاص ذلك بالذكر؟
واستدل للقول الثاني بما في موثقة سماعة رواها الصدوق (قدس سره) بإسناده عن سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال (عليه السلام) فيها: «فإن هو (يعني المجاور) أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز
[229]
عسفان فيدخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها»(1).وجه الإستدلال به: أنا وإن لم نتحصل ما اُريد من مجاوزته عسفان وأنه واقع فى أحد المواقيت أو مكان آخر إلا أنه يكفي في الاستدلال قوله (عليه السلام): «حتى يجاوز ذات عرق» وهي آخر العقيق الذي هو ميقات أهل نجد و العراق، لأنه يستفاد منه جواز الخروج إلى ميقات من المواقيت وإن لم يكن ميقات أهل بلده لعدم خصوصية لذات عرق والعقيق.واستدل للقول الثالث بروايات: منها صحيح الحلبي الذي أخرجه الشيخ بإسناده عنه وقد ذكرناه في المسألة السابقة وفيه: «فإذا أقاموا (يعنى القاطنين بمكة) شهراً فإن لهم أن يتمتعوا فقلت: من أين؟ قال (عليه السلام) يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال (عليه السلام): من مكة نحواً مما يقول الناس» (2)ومنها رواية سماعة التى أخرجها الكليني (قدس سره) عن علي بن إبراهيم (3) عن أبيه (4)عن إسماعيل بن مرار (5) عن يونس (6)عن سماعة (7) عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب أو شعبان أو رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج فإن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذوالحجة من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها» الحديث.(8)
ومنها صحيح عمر بن يزيد الذي رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام)
1 ـ وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام الحج ح 2.2 ـ وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.3 ـ من صغار الثامنة.4 ـ من السابعة .5 ـ من السابعة مسكوت عنه.نعم هو من رجال تفسير علي بن إبراهيم ومن مشايخ أبيه.6 ـ ابن عبدالرحمان من السادسة مشهور معروف.7 ـ من الخامسة.8 ـ وسائل الشيعة ب 8 من أبواب أقسام الحج ح 2.
[230]
قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها» (1) ولكن أورد عليه بأن الظاهر منه وروده في العمرة المفردة.واستشكل في هذه الروايات بعدم القائل بها إلا ما نقل عن الحلبي وإن لم نتحصله.ولكن يمكن أن يقال: إن مجرد الفتوى بوجوب الخروج إلى مهل أرضه لايثبت عملهم بمادل على وجوب الخروج إلى ميقات أهله وبلده، كما لايدل على إعراضهم عما يدل على التخيير بين المواقيت أو بينها وبين أدنى الحل فلعل ذلك كان منهم لمجرد الإحتياط لما رأوا تعارض الروايات وعدم ترجيح بعضها على بعض.والذي ينبغي أن يقال: إن الطائفة الثالثة لولا إشكال إعراض المشهور عنها لاخدش فيها، لامن حيث السند لاعتبار بعضها ولا من حيث الدلالة.وأما الطائفة الأولى فحجيتها تتوقف على جبر ضعف سندها بالعمل والطائفة الثانية فلايستفاد منها خصوصية الخروج إلى الميقات، فضلاً عن الخروج إلى خصوص ذات عرق ويمكن أن يكون المراد منها بقرينة قوله أو عسفان الخروج إلى خارج الحرم.وعلى هذا يمكننا أن نقول بالجمع بين الطوائف الثلاة، لأن الطائفة الاُولى صريحة في إجزاء الإحرام من مهل أرضه وظاهرة في عدم الإجزاء عن غيره والطائفة الثانية أيضاً تدل على إجزاء الإحرام من أحد المواقيت وظاهرة أو مشعرة بعدم الإجزاء من غيره كأدنى الحل وأما الطائفة الثالثه فتدل بالنص على إجزاء الإحرام من أدنى الحل، فمقتضى حمل الظاهر على النص وجعل الأظهر قرينة على المراد من الظاهر الأخذ بما هو الطوائف الثلاثة نص فيه وهو إجزاء مهل أرضه وأحد المواقيت وأدنى الحل و رفع اليد عما هو ظاهر الطائفة الأولى بما هو نص الطائفة الثانية ورفع اليد عن ظاهر الطائفة الثانية بنص الطائفة الثالثة.إذاً فالأقوى كفاية الإحرام من أدنى الحل وإن كان الأحوط الإحرام من أحد المواقيت وأحوط منه الإحرام من مهل أرضه.والله هو العالم1 ـ وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب المواقيت ح 1 .
[231]
طواف النساء في العمرة المتمتع بها
طواف النساء في العمرة المتمتع بها مسألة 7 ـ قد ذكر الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ صورة حج التمتع إجمالاً و اقتفى اثرهم السيد الفقيه صاحب العروة (قدس سره) و سيأتى إنشاء الله تعالى بيانها بالتفصيل و من المسائل التى تعرضوا لها مسألة طواف النساء في العمرة المتمتع بها إلى الحج و ذكروا أن المتسالم عليه عدم وجوبه بل قيل: لاخلاف فيه بل الإجماع عليه و في الجواهر: قد استقر عليه المذهب الآن بل و قبل الآن).(1)
و قال الشهيد (قدس سره) في الدروس: (و نقل عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف النساء و في المبسوط الأشهر في الروايات عدمه)(2) و أشار إلى رواية سليمان بن حفص عن الفقيه (عليه السلام) : «المتمتع إذا قصر فعليه لتحلة النساء طواف و صلاة».(3)
و إليك لفظ الشيخ بعينه في المبسوط قال: (و طواف النساء فريضة في الحج على اختلاف ضروبه وفي العمرة المبتولة و ليس بواجب فى العمرة التي يتمتع بها إلى الحج على الأشهر في الروايات). (4)
أقول: من هذه الروايات ما رواه الكليني رضوان الله عليه عن محمد بن يحيى(5)عن محمد بن أحمد(6) عن محمد بن عيسى(7) قال: «كتب ابوالقاسم مخلد بن موسى الرازي(8) إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف
1 ـ جواهر الكلام: 18/8.2 ـ الدروس الشرعية: 1 / 329.3 ـ وسائل الشيعة: ب 82 من ابواب وجوب طواف النساء ح 7 لأن عليه لتحلة النساء طوافاً وصلاة.4 ـ المبسوط: 1 / 360.5 ـ العطار أبوجعفر القمي من الثامنة شيخ أصحابنا ...له كتب .6 ـ ابن يحيى بن العمران الأشعري بن كبار الثامنه جليل القدر كثير الرواية.7 ـ ابن عبيدالله اليقطين من السابعه جليل القدر حسن التصانيف.8 ـ لعله من السابعه الظاهر أنه محل الإعتماد.
[232]
النساء والعمرة التي يتمتع بها إلى الحج فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء»(1).و أخرج هذا الحديث الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى(2) و في موضع آخر: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى و فيها بزيادة ((عليه السلام)) بعد الرجل و زيادة «(عن) على العمرة التي...».(3)و الظاهر أنه سقط من الأول (محمد بن يعقوب) أو عنه و كذا بين محمد بن يحيى أو محمد بن أحمد بن يحيى و محمد بن عيسى، سقط محمد بن أحمد.و في الإستبصار أخرجه عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن عيسى بلفظ الكافي(4).والظاهر أن الراوي عن محمد بن عيسى هو محمد بن أحمد كما هو في الكافي و في موضع من التهذيب و إن كان يجوز أن يكون أحمد بن محمد أيضاً فهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهو أيضاً من الطبقة السابعة له الرواية عن محمد بن عيسى و يروي عنه محمد بن يحيى.و على كل حال فدلالته على عدم طواف النساء في العمرة التي يتمتع بها إلى الحج ظاهرة.و منها ماروا الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار(5) عن محمد بن عبدالجبار(6) عن العباس (7) عن صفوان بن يحيى (8) قال: «سأله أبو حرث(9)
1 ـ الكافي: 4 / 538، ح 9.2 ـ تهذيب الاحكام: 5 / 163، ح 545.3 ـ تهذيب الأحكام: 5/254، ح 861.4 ـ الإستبصار: 2/232، ح 804.5 ـ من الثامنة قمي له كتب.6 ـ من كبار السابعة قمي ثقه.7 ـ من كبار السابعه فقه.8 ـ من السادسة ثقة ثقة روى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق.9 ـ من السادسة.
[233]
عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف و سعى و قصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى».(1)و قد عدّ في الجواهر من النصوص الدالة على ذلك ما فيه بيان كيفية التمتع دون أن يذكر فيه طواف النساء بعد العمرة مثل صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفاء و المروة و قصرّت و أحللت من كل شيء و ليس لك أن تخرج من مكه حتى تحج (2) ومثله صحيح معاوية بن عمّار و (3) و خبر عبدالله بن سنان(4) و خبر عمر بن يزيد(5) و حسن الحلبي (6) و خبر الحلبي(7).وبإزاء هذه الروايات رواية سليمان بن حفص التي رواها الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى عن سليمان بن حفص المروزي (8) «عن الفقيه (عليه السلام)قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف بالبيت فصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم (عليه السلام)وسعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حل له كل شيء ما خلا النساء لأن عليه لتحلة النساء طوافاً وصلاة» (9) الدّالة على وجوب طواف النساء وصلاته في العمرة
1 ـ وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف، ح 6.2 ـ وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الإحرام ح 3
3 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 4.4 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 2.5 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 3.6 ـ وسائل الشيعة:ب 3 من أبواب التقصير، ح 2.7 ـ وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التقصير، ح 4.8 ـ من السادسة او السابعة.9 ـ تهذيب الأحكام: 5/162.
[234]
المتمتع بها إلى الحج.ولكن و إن عبر عنها بعض الأعاظم (1) بالمعتبرة لوقوع سليمان بن حفص المروزي في أسناد كامل الزيارات، رميت بالشذوذ و ضعف السند من غير جابر ثم سقوطها عن الحجية بمعارضة ما هو أقوى منها معها و ترك الأصحاب العمل بها.مضافاً إلى وقوع الإضطراب في لفظه و مضمونه فإن الشيخ أخرجها في الإستبصار (2) بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسى عن سليمان بن حفص و ليس «و قصر» و عليه لاترتبط الرواية بطواف النساء في عمرة التمتع فلابد أن يحمل على المتمتع الذي دخل مكة و أتم عمرة التمتع و حج و أتى بالمناسك إلى أن سعى بين الصفا و المروة فإنه يحل له ما حرم عليه بالحلق في منى قبل الطواف و التقصير إلا النساء.فإن قلت: يدل على عدم زيادة قوله: «و قصر» أن الإحلال في العمرة يحصل بعد القصر و أما في الحج فيحصل بعد الحلق قبل الطواف و السعي و إذا كان الكلام راجعا إلى الحج يلزم أن لا يحصل الإحلال بالحلق و يكون بالطواف و السعي و هو خلاف ما هو المسلم عندهم فليكن هذا دليل على إسقاط كلمة «و قصر» في الإستبصار.قلت: قيل (3) في الجواب عن هذا: إن الحلية في الحج و إن كانت تثبت بالحلق في كثير من محرمات الإحرام إلا أن حلية كلها ما عدا النساء إنما تكون بالطواف و السعي ففي صحيحة معاوية بن عمار: «فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء» (4) مع أن الحلية في الجملة ثابتة قبل ذلك بالحلق وفي صحيحة منصور ابن حازم: «عن رجل رمى وحلق1 ـ معتمد العروة: 2/227.2 ـ الإستبصار 2/244 ح 853.3 ـ معتمد العروة: 2/228.4 ـ وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحلق و التقصير ح 1.