والدليل على ذلك ما في ذيل صحيحة حماد قال: «قلت: فأي الإحرامين والمتعتين متعة الاُولى أو الأخير؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته».(1)
هذا مضافاً إلى أن استحباب العمرة في كل شهر لاينافي وجوبها إذا وجب دخول مكة لأداء الحج والإحرام له منها والله العالم.الثالث: إن المراد من الشهر هل هو مابين الهلالين أو مقدار ثلثين يوماً؟ فعلى الأول إن تمت متعته في آخر يوم من رجب و خرج فيه من مكة و رجع في غرة شعبان يجب عليه الإعتمار و على الثاني لايجب إلاّ بعد مضيّ ثلثين يوماً من يوم إتمام عمرته أو الشروع فيه أو الخروج على الأقوال الثلاثة.يمكن أن يقال: إن الظاهر من إطلاق الشهر هو ما بين الهلالين لامقدار ثلثين يوماً
1 ـ وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج 6 .
[275]
إلاّ أن يعرف ذلك من بعض القرائن كما هو كذلك في العدة ويمكن أن يقال: إن ذلك يستفاد من قوله تعالى: (ان عدة الشهور عندالله اثنى عشر شهراً في كتاب الله)(1)و أمّا مارواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال: «قال أبوعبدالله(عليه السلام)السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة قال: قلت: أيكون أقل من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة».(2) فصدره و إنكان يدل على ذلك و استند إليه بعض الأعاظم،(3) إلاّ أن ذيله يمنع من ظهوره في كون الإعتبار على مابين الهلالين دون ثلثين يوماً، اللهم إلاّ أن يقال: إن المستفاد منه أن لكل شهر هلالي عمرة، ولكل عشرة أيام عمرة كما ورد: «العمرة في كل سنة مرة»(4)
الرابع: قال في الجواهر: (ليس في كلامهم تعرض لمالو رجع حلالاً بعد شهر و لو آثماً فهل له الإحرام بالحج بانياً على عمرته الاُولى أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهراً؟ و لكن الذي يقوى في النظر الأول لعدم الدليل على فسادها).(5)
واستظهر بعض الأجلة من الأدلة صيرورة العمرة الاُولى بذلك غير قابلة للإرتباط بالحج فإن عمدة الروايات الواردة في المقام روايتان: موثقة إسحاق بن عمار و صحيحة حمّاد و المستفاد من الاُولى أن العمرة التي يجب الإتيان بها إذا رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه هي عمرة التمتع لقوله (عليه السلام): «يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» يعني بالعمرة الثانية التي يأتي بها و الاُولى لايصير مرتهناً بالحج بها إلاّ إذا كانت عمرة التمتع فكأنه برجوعه في غير الشهر زال ارتباط عمرته بالحج وارتهانه به فتجب عليه عمرة التمتع ثانياً.
1 ـ التوبة /36.2 ـ وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 9.3 ـ معتمد العروة: 2/276.4 ـ وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب العمرة ح 6.5 ـ جواهر الكلام: 18 / 29.
[276]
و أمّا الثانية فهي صريحة في ذلك لقوله (عليه السلام): «وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الاُولى أو الأخيره؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته».أقول: أما في دلالة الاُولى فيمكن أن يقال: إن الرجوع إلى مكة بعمرة التمتع لأن لكل شهر عمرة و لعدم جواز الدخول في مكة محلاً و بغير الإحرام مستلزم لخروج الاُولى من كونها متعة و أمّا إذا لم يأت بها و دخل مكة محلاً فهي على حالها و هو مرتهن بها بالحج.و الثانية أيضاً كذلك فإن كون الثانية متعة لايستلزم خروج الاُولى عن كونها متعة إذا لم يأت بها فلعل خروج الاُولى عن كونها متعة كان لأجل وقوع الفصل بينها و بين الحج بالثانية و وجوب اتصال عمرة التمتع بحجها.هذا مضافاً إلى أن الأصل عدم اشتراط العمرة المتمتع بها إلى الحج بعدم الخروج من مكة و بعدم الدخول فيها بدون الإحرام إن خرج منها كذلك.الخامس: هل منع المعتمر عن الخروج من مكة مختص بالخروج إلى الأماكن البعيدة فلابأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين أو المنع مختص بالخروج عن الحرم أو إلى المسافة الشرعية أو أن الممنوع مجرد الخروج عن مكة؟الظاهر من الأدلة هو الأخير مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج» و لاريب أن مخالفة هذا النهي تصدق بمجرد الخروج من مكة و إن كان ذلك دون المسافة أو دون الحرم أو دون فرسخ و أقل منه.و الإستشهاد على أن الخروج الممنوع الخروج إلى المسافة لما ورد في بعض روايات صلاة المسافر من قوله (عليه السلام): «فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها»(1) لأن الخروج المعتبر فيها و المراد في هذا الخبر هو الخروج من المدينة إلى المسافة،
ضعيف جدّاً و لايجوز قياس البابين بالآخر مضافاً إلى أن معنى الخروج في هذه الرواية معلوم بدلالة سائر روايات باب صلاة المسافر مضافاً إلى أنه يلزم الإختلاف في التحديد مثلاً فإذا كان مريداً للذهاب إلى أربعة فراسخ و الرجوع
1 ـ وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 1.
[277]
من يومه أو قبل عشرة أيام لايجوز له الخروج و إذا لم يكن ناوياً الرجوع من يومه أو قبل عشرة أيام يجوز له الرجوع و على كل حال فهذا احتمال ضعيف و إن حكي عن بعض الأكابر في تعليقته على العروة كما رد عليه بعض تلامذته.السادس: لافرق في حكم الخروج من مكة بين الحج الواجب و المستحب لأن عدم جواز الخروج من مكة أو كراهته إنما هو حكم عمرة التمتع فالمعتمر بها يصير مرتهناً بالحج سواء كان الحج واجباً عليه أو مستحباً و ذلك لإطلاق الأدلة و عدم دليل على تقييدها و اختصاصه بالحج الواجب فهو مرتهن بالحج مطلقاً كما أنه يجب عليه إتمام الحج و إن لم يكن واجباً عليه هذا بالنسبة إلى حكم الخروج .أما بالنسبة إلى حكم الدخول، فقد فصل بأنه إن قلنا بأن العمرة الثانية عمرة مستقلة مفردة غير مرتبطة بالحج، فلاكلام في أنه يجب عليه الرجوع و الإحرام لدخول مكة لأنه يرجع إليها في غير شهر متعته فهو مرتهن بالحج و عمرته الاُولى مرتبطة به لاتنفصل عنه بخروجه من مكة و أما إن بنينا على أن العمرة الثانية هي المرتبطة بالحج و صيرورة الاُولى بالخروج من مكة مفردة مستقلة فالإعتمار الجديد وجوبه يدور مدار وجوب حج التمتع عليه بالإستطاعة أو بالنذر و شبهه أو بالاجارة و إلا فيجوز له ترك الإحرام و ذهابه إلى منزله أو إي مكان شاء وبعد ما استظهرنا من الأدلة ان العمرة الثانية هي التي ترتبط بالحج يجوز رفع اليد عن الحج المستحب و ترك الإحرام إذا لم يكن مريداً لدخول مكة بل يمكن أن يقال بجواز ذلك إذا كان وجوب الحج موسعاً كالواجب عليه بالإجارة الموسعة و النذر المطلق.(1)السابع: على البناء على أنه لو دخل في غير شهر الإهلال أو الإحلال أو الخروج أن العمرة التي تجب عليه هي عمرة متعته لا إشكال في أنه لايجب عليه طواف النساء فيها و لكن هل يجب عليه للاُولى التي انفصلت عن الحج بالخروج من مكة و الدخول في غير الشهر أم لا فيه وجهان:
وجه الوجوب إطلاقات مايدل على اعتبار طواف النساء في العمرة المفردة و قد
1 ـ معتمد العروة: 2/282.
[278]
صارت هي مفردة فيجب فيها طواف النساء.و وجه عدم الوجوب استبعاد حرمة إتيان النساء بعد إحلاله فإنه بعد التقصير في عمرته الاُولى حلت له النساء فكيف تحرم عليه ثانياً؟ مضافاً إلى أن مايظهر من مؤثقة إسحاق و صحيح حماد صيرورة العمرة الاُولى لاغية و كأن لم تكن فهي محكومة بالعدم و انقلابها إلى المفردة يحتاج إلى الدليل.وفيه: أن الإستبعاد فليس له موقع في الأحكام الشرعية بعد دلالة الدليل بل مطلقا و أما موثقة إسحاق و صحيح حماد فلا دلالة لهما على كون الاُولى محكومة بالعدم.نعم، يمكن أن يقال: إن سكوت الإمام (عليه السلام) في الروايات عن بيان حكم وجوب طواف النساء للاُولى سكوت في مقام البيان يدل على عدم الوجوب.و لكن يمكن الجواب عنه بإيكالهم الأمر إلى الوضوح و معلومية وجوب طواف النساء في غير عمرة التمتع و على هذا فالأحوط الإتيان بطواف النساء و صلاته للاُولى و الأحوط منه ـ كما قال في العروة ـ الإتيان بطواف مردد بين كونه للاُولى أو الثانية و الله هو العالم.الثامن: إذا خرج المعتمر بعمرة من مكة و دخل محلاً في غير الشهر و قلنا بوجوب العمرة الثانية عليه هل يجب عليه الرجوع إلى ميقات أهله أو إلى أحد المواقيت أو يكفيه الإحرام من خارج الحرم؟ و نحن قد قوينا ـ في مسألة المقيم في مكة إذا وجب عليه حج التمتع ـ كفاية الإحرام من أدنى الحل و الظاهر أن المسألتين في ذلك على حكم واحد فلانطيل الكلام بإعادة البحث هنا.التاسع: هل يجوز الخروج من مكة في أثناء عمرة التمتع أم لايجوز له ذلك؟ الظاهر أن المسألة لم تحرر في كتب الفقهاء رضوان الله عليهم و فيه وجهان:وجه الجواز القول باختصاص النصوص المانعة بمن أتم عمرة التمتع فالمرجع فيمن لم يتمها هو الأصل المقتضى للجواز.و وجه عدم الجواز إطلاق الروايات المانعة لأن موضوع المنع فيها هو الخروج من مكة بعد دخولها متمتعاً سواء أتم عمرته و أحلّ منها أو كان باقياً في إحرامه فقد قال (عليه السلام) في صحيح حماد: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن
[279]
يخرج حتى يقضي الحج».(1)و في صحيح الحلبي: «عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهلّ بالحج من مكة و ما اُحب أن يخرج منها إلاّ محرماً»(2) قال من استدل بها: (لم يفرض فيها الفراغ من العمل بل الظاهر منها أن موضوع السؤال و الجواب هو الإشتغال بالأعمال و أنه يخرج و هو مشغول بالأعمال خصوصاً أن قوله: «يتمتع» في صحيح الحلبي، ظاهر جداً في كون موضوع الحكم مجرد الدخول في مكة و الإشتغال بالأعمال و عدم الفراغ منها لأنه فعل استقبالي يدل على الإشتغال بالعمل في الحال بخلاف الفعل الماضي فإنه يدل على الفراغ من العمل كما هو كذلك في سائر موارد الإستعمالات فإذا قيل رجل يصلّي يراد به الإشتغال بالصلاة و إذا قيل رجل صلّى معناه الفراغ منها)(3).وفيه: أمّا في صحيح حمّاد فيمكن دعوى انصرافه عمن لم يأت بتمام عمرته فان خروج المعتمر قبل إتمام عمرته نادر جدّاً فالذي يأتي في أشهر الحج يتم عمرته و يحلّ منها ثم يتفق بعد ذلك له الخروج من مكة.وأمّا صحيح الحلبى وإن كان قوله: «يتمتع بالعمرة» ظاهر فيما ذكره إلاّ أن قوله «يهلّ بالحج من مكة و ما اُحب أن يخرج منها إلاّ محرماً» صريح في أن موضوع السؤال و الجواب المتمتع الذي فرغ من عمرته و على هذا فالأقوى هو الوجه الأول وإن كان الإحتياط ترك الخروج في أثناء العمرة والله هو العالم.
هل يجوز العدول عن التمتع
هل يجوز العدول عن التمتع مسألة 6 ـ الظاهر أنه لاخلاف بين الفقهاء رضوان الله عليهم في أن من وظيفته التمتع لايجوز له العدول عنه إلى القران والإفراد اختياراً و يدل على ذلك كلما دلّ على أن المفروض على النائي التمتع ومقتضى الأصل عدم جواز العدول كما أن مقتضى الأخبار والأصل عدم إجزاء الإفراد
1 ـ وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب اقسام الحج ح 6.2 ـ وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 7.3 ـ معتمد العروة: 2/288.
[280]
والقران للنائي.نعم، اتفقت كلماتهم أيضاً في الجملة على جواز العدول إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج.والأخبار على ذلك متضافرة لامعارض لها إلا مارواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن محمد بن سهل (1) عن زكريا ابن آدم (2) (الإستبصار زكريا بن عمران) (3) قال: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة؟ قال: لامتعة له يجعلها عمرة مفردة».(4)وقال السيد الگپايگاني (قدس سره): (بأنه لايصلح للمعارضة لما في سنده من الإشكال فأولا ضعيف بمحمد بن سهل فإنه مجهول الحال في كتب الرجال وإن استظهر بعض كونه إماميا أو موثقا ولكنه يحتاج إلى حدس قوي وثانياً بزكريا فإنه في التهذيب ابن آدم وفي الإستبصار ابن عمران وهو أيضا مجهول لم يذكر في كتب الرجال وإنما نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط وأما كونه زكريا بن آدم لكونه من شيوخ محمد بن سهل في روايات اُخرى واحتمال وقوع السهو في نسخة الاستبصار فالقول به أيضاً يحتاج إلى حدس قوي). (5)
أقول: أما محمد بن سهل فاحتمال كونه ثقة إماميا قوي جداً لكونه من شيوخ بعض الأجلاء و اعتمادهم عليه مثل أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن على بن محبوب و موسى بن القاسم البجلي و أما «زكريا» فاحتمال كونه «ابن آدم» أيضاً قوي جداً لأنه من شيوخ محمد بن سهل في غير واحد من الروايات و أما زكريا بن عمران فلم ينتقل روايته عنه إلا في سند هذا الحديث على نسخة الإستبصار دون التهذيب فوقوع الإشتباه في نسخة الإستبصار قوي جداً.
1 ـ ابن اليسع الأشعري القمي له مسائل عن الرضا (عليه السلام) وكتاب من السادسة.2 ـ القمي جليل عظيم القدر من السادسة من أصحاب الرضا (عليه السلام) .3 ـ القمي من الخامسة وهو يروي عن الكاظم (عليه السلام) .4 ـ وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب اقسام الحج ح 8.5 ـ كتاب الحج: 1/108 .
[281]
وأما ما ذكره في مقام تضعيف زكريا بن عمران بأنه نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط، ففيه إن كان مراده أن الشيخ لم يرو عنه غير هذه الرواية فهو في محله و إلا فقد روى في الكافي عنه في كتاب التوحيد و على كل حال لايبعد القول بإعتبار الرواية و صحة الإعتماد بسندها.هذا كله في سند الخبر وأما بحسب الأدلة فهو معارض للأخبار الكثيرة والإتفاق على جواز العدول إلى الإفراد بل وجوبه.والذي يقوي في الظن وقوع الإشتباه في النقل فبدلت كلمة «حجة» بـ «عمرة» يشهد بذلك وقوع هذه الجملة في عدة من الروايات هكذا «ويجعلها حجة مفردة» وبعد ذلك لاتطمئن النفس بعدم الإشتباه ولايجري في مثله أصالة عدم الإشتباه كما تجري في سائر الأحاديث.وكيف كان فلا كلام بينهم في ذلك وإنما وقع الكلام بينهم في الزمان الذي يتضيق فيه الوقت لإتمام العمرة ودرك الحج وقد اختلفوا فيه على أقوال:أحدها أن التمتع يحصل بإدراك مناسك العمرة وتجديد إحرام الحج وإن كان بعد زوال يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بعرفات بمسماه والذي يدل عليه روايات:
منها مارواه الكليني (رض) عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن يعقوب بن شعيب الميثمي قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول، لأباس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ماتيسر له مالم يخف فوت الموفقين».(1)
وضعف سنده بإسماعيل بن مرار، رد بأنه وإن لم يوثق في كتب الرجال إلا أنه من رجال تفسير علي ابن إبراهيم القمي (رض) وقد وثق هو جميع رجاله.ومن حيث الدلالة أفاد بعض الأعاظم: أن الظاهر أن الرواية أجنبية عما نحن فيه لأنها وردت في إنشاء إحرام الحج وأنه غير موقت بوقت خاص وأنه يجوز له إحرام الحج في أي وقت شاء وتيسر له مادام لم يخف فوت الموقفين ومحل
1 ـ الكافي: 4/444 ح 4.
[282]
كلامنا فيمن أحرم لعمرة التمتع وضاق وقته عن إتمامها. (1)أقول: هل الخبر صادر لبيان أن الإحرام للحج في أي وقت وقع يجزي إذا لم يخف فوت الموقفين أو لبيان انه لايعدل من التمتع إلى الإفراد ما لم يخف فوت الموقفين وبعبارة اُخرى معنى أنه إذا لم يخف فوت الموقفين له أن يؤخر إحرام الحج أن عليه إتمام ما بيده من عمرة التمتع ما دام لم يكن له خوف ذلك وعلى فرض إن لم يكن الخبر صادراً لذلك يستفاد ذلك منه.ومنها ما رواه الشيخ (رض) بإسناده عن عبدالله بن جعفر (2) عن محمد بن سرو(3) قال: «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) ما تقول في رجل يتمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات أعمرته قائمة أو ذهبت منه إلى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولاليلة التروية فكيف يصنع؟ فوقع(عليه السلام): ساعة يدخل مكة إنشاء الله يطوف ويصلي ركعتين ويسعى ويقصر ويحرم بحجته ويمضي إلى الموقف ويفيض مع الامام».(4)
والرواية دلالتها على كفاية إدراك مسمى الوقوف بعرفة تامة فإنها تدل على أن ما هو المعتبر في صحة الحج متمتعاً وعدم تضييق وقت عمرة التمتع هو درك الموقف بمقدار يفيض مع الإمام.لكنها وقعت مورد الإشكال عليها بضعف سندها بمحمد بن مسرور كما في الوسائل فإنه لاوجود له في كتب الرجال أو بمحمد بن سرو أو سرد كما في التهذيب فإنه مجهول و رد احتمال كونه محمد بن جزك وهو ثقة حتى يكون ذكر «سرو» او «سرد» من غلط النساخ لكون محمد بن جزك من شيوخ عبدالله بن جعفر بأن مجرد ذلك لايورث الإعتماد على سند الرواية بأن محمد بن «سرو» أو
1 ـ معتمد العروة: 2/292.2 ـ من كبار الثامنة.3 ـ من السابعة وفى بعض النسخ «سرو» بالدال.4 ـ الإستبصار: ج 2 /247، تهذيب الأحكام: 5/171 .
[283]
«سرد» هو ابن جزك فلعله كان غيره.أقول: اما كون السند في الوسائل محمد بن مسرور فما عندنا من النسخة منه فيها «محمد بن سرو» وذكر في الهامش أن في هامش المخطوط محمد بن سرد.(1)وأمّا كون محمد بن سرد أو سرو مجهولاً فهو كذلك لم يذكروه في كتب الرجال إلاّ بروايته هذه المكاتبة ولكن اعتماد مثل عبدالله بن جعفر الحميرى شيخ القميين و وجههم و صاحب الكتب يكفي في حصول الإطمينان بوقوع هذه المكاتبة بينه و بين الإمام (عليه السلام) والظاهر أنه كان شخصاً وجيهاً له هذا القدر و المنزلة أن يكاتب الإمام(عليه السلام) و يتشرف بالجواب و نقل عبدالله بن جعفر عنه هذه المكاتبة مشعر بأنه يعرفه و يرى ذلك له.ومنها ما رواه الشيخ (قدس سره) أيضاً بإسناده عن سعد بن عبدالله عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر».(2)
ودلالته كسنده لاخدشة فيها فإنه صريح في أن العمرة إتمامها إلى زوال الشمس من يوم عرفة و حيث أن السير إلى عرفات من مكة في الأيام السالفة بل في زماننا هذا يستغرق مدة من بعد زوال الشمس فلايدرك الشخص الموقف بتمامه غاية مايمكن يدرك مقداراً منه فلابد أن لايكون درك الموقف بتمامه معتبراً في صحة الحج و يكون دركه بمقدار المسمى كافياً في إدراكه.ومنها صحيح الحلبي الذي رواه الشيخ (رض)، بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي قال: «سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعاً ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي إن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال: يدع العمرة فإذا أتم حجّه صنع كما صنعت عايشة و لاهدي عليه».(3)
1 ـ وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.2 ـ وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب اقسام الحج ح 15 .3 ـ وسائل الشيعة:ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.
[284]
بيان دلالته: أن فوت الموقف يتحقق بفوت الوقوف في تمام وقته و إذا تحقق مسمّى الوقوف في الوقت لايصدق به فوت الموقف و كأنه كان في ذهن الراوي أنه لو لم يخش فوت هذا المقدار يطوف و يسعى ثم يحرم للحج لكنه خشي فوت هذا المقدار الذي هو مسمي الوقوف و يصدق بدركه درك الموقف فأجابه (عليه السلام): (بأنه يدع العمرة و يعدل إلى الإفراد كما صنعت عايشة).واستشكل في الإستدلال به بأن فوت الموقف أعمّ من أن يكون الفائت ركناً أو غيره فالعدول يجب بخوف الوقوف و لو في آن من آنات الوقت بين الظهر و الغروب.وفيه: أولاً أن فوت الموقف لايتحقق إلاّ بفوته في تمام الموقف و لم يفته، و لايقال فاته الوقوف أو الموقف بعد ما كان الوقوف بهذا المقدار كافياً ومصداقاً له و بعبارة اُخرى إذا كان الوقوف بمقدار المسمّى معتبراً عند الشارع و ركنا للوقوف و الحج ففوت الوقوف و الموقف لايصدق إلا بتركه بتمامه.وثانياً، لو كان المراد من فوت الموقف في الرواية فوت وقت الوقوف في الجملة من أول الزوال إلى الغروب و لو ساعة من أوله، من قدم مكة و الناس بعرفات لايخشى إن هو طاف و سعى يفوته ذلك بل هو عالم بذلك دون ما إذا كان المراد منه مسمى الوقوف فإنه يمكن أن يخشى فوته إن طاف وسعى.هذا وقد اُجيب عن هذا الاشكال بأنه لو تمّ ماذكر فهو بالإطلاق بمعنى أن إطلاق صحيح الحلبي يقتضي كون العبرة في العدول بفوت تمام الموقف من الزوال إلى الغروب ولكن صحيح جميل صريح في جواز إتيان العمرة إلى زوال يوم عرفة و هذا يقتضي فوات شيء من الموقف بالطبع بمقدار سيره من مكة إلى عرفات لأن ذلك يستلزم فوات عدة ساعات من الموقف فترفع اليد عن ظهور خبر الحلبي بصراحة رواية جميل. (1) وبعبارة اُخرى نقول إن صحيح الحلبى يدل بإطلاقه على أن عدم إدراك الموقف بكل آن من آناته موجب للعدول و صحيح جميل و مثل مكاتبة محمد بن سرو أو سرد يقيد ذلك بآن و زمان يوجب فواته فوت مسمى1 ـ معتمد العروة: 2 / 269.
[285]
الوقوف.و في هذا الجواب أن على هذا الإطلاق والتقييد يكون صحيح الحلبي بالنظر البدوي دالاً على أن العبرة في وجوب العدول خوف فوت الواجب الإختياري من وقوف عرفة بكل واحد من آناته وبعد تقييده بمايتحقق به فوت مسمى الوقوف و الآن الخاص وأن يبقى دلالته على وجوب العدول بخشية فوت هذا الآن الخاص إلاّ أنه بعد ذلك لاينبغي أن يعد دليلاً على عدم جواز العدول و وجوب إتمام العمرة إذا لم يخف فوت هذا الآن الذي بإدراكه يتحقق مسمى الوقوف بل الدليل على ذلك دليل تقييده به.وبعد ذلك كله في النفس وفي إطلاق صحيح الحلبي شيء فإنه إذا كان فوت الموقف أعم من الوقوف الركني و غيره معناه تحققه بفوت أول آنات الوقت فما هو معنى دلالته على فوته بفوت سائر آناته و لو كان ذلك منصوراً في غير مسألتنا هذه لايتصور فيها فإن معنى صحيح الحلبي و فوت الموقف يتحقق بأول آنات الوقت لاغيره فكيف يتصور الإطلاق.إذاً فيكفينا في الجواب، الجواب الأول والثاني ويتخلص منها دلالة الحديث على وجوب العدول إذا خاف فوت الوقوف الركني و هذا قول جماعة من الاصحاب على ما حكي عنهم في الجواهر قال: (ففي القواعد وعن الحلبيين و ابني إدريس و سعيد يحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج وإن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها و حينئذ فحدّ الضيق خوف فوات اختيارى الركن من وقوف عرفة (1) و سياتى النظر فيما أفاده بعد ذلك من رجوع ما في المبسوط و غيره إلى ذلك.القول الثاني في حدّ الضيق المسوغ للعدول: زوال يوم عرفة فله المتعة إلى زوال هذا اليوم و هذا ظاهر كلام الشيخ (قدس سره) في النهاية قال: (ومتى دخل انسان يوم التروية إلى مكة طاف و سعى و قصّر وأحلّ ثم عقد الإحرام للحج فان لم يلحق مكة إلاّ ليلة عرفة جازله أن يفعل ذلك أيضاً فإن دخلها يوم عرفة جاز له أن يحلّ1 ـ جواهر الكلام: 18/29.
[286]
أيضاً ما بينه و بين زوال الشمس فإذا زالت الشمس فقد فاتته عمرته و كانت حجته مفردة هذا إذا علم أنه يلحق عرفات فإن غلب على ظنّه أنه لايلحقها فلايجوز له أن يحل بل يقيم على احرامه ويجعله حجة مفردة)(1).وقال في المبسوط: (فإن لم يلحق مكة إلاّ ليلة عرفة أو يوم عرفة جاز أيضاً أن يطوف و يسعى و يقصر ثم ينشىء، الإحرام مابينه (و) بين الزوال فإن زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتته العمرة و يكون حجته مفردة).(2)وهذا القول هو مختار القاضي ابن البرّاج قال: (والمتمتع بالعمرة الى مكة ليلة عرفة جاز له أن يعقد الاحرام بالحج بعد أن يطوف و يسعى فإن دخلها يوم عرفة جاز له ذلك ايضاً الى زوال الشمس فاذا زالت فقد فاتته العمرة وبطل كونه متمتعاً و كانت حجته مفردة).(3)