أقول: على القول بالاستطاعة الشرعية لا فرق بين عام الاستطاعة والعام القابل وغيره من الأعوام الآتية إذا كانت ذمته مشغولة بالنذر، وظاهر كلامه أنه يجب عليه في العام القابل الحج النذري وحجة الإسلام، ولم يبين أن أيهما يقدم.وأما توجيه فتواه بوجوب حجة الإسلام إن استمرت استطاعته إلى العام القابل بأنه فوَّت على نفسه الحج(2).ففيه: أن التفويت إنما يصدق إذا استقر عليه الحج، وأما حرمة تفويت قدرته على الحج قبل عام الاستطاعة فهو أول الكلام، اللهم إلا أن يراد بالتفويت تفويته الحج
1 ـ الدروس الشرعية: 1 / 318.2 ـ معتمد العروة: 1 / 422.
[43]
النذري.وبالجملة: فكلام الشهيد في المقام لا يخلو من الإعضال والإشكال والله هو الهادي إلى الصواب.من نذر الحج مطلقاًمسألة 15 ـ إذا نذر الحج وأطلق من غير تقييد بحجة الإسلام ولا بغيره بحيث لا يكون نظره إلى إيجاب حج عليه بالنذر وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فالظاهر أنه يجزيه حج واحد بقصد الوفاء بالنذر عنهما، لا من جهة البناء على التداخل في المبحث المعروف بتداخل الأسباب أو المسببات، بل لأن النذر قد تعلق بجامع الحج وطبيعته، ويكفي في الوفاء به أداؤه مستطيعاً فيجزيه عنهما.وهل هذا الحكم مختص بأن ينوي الإتيان بالحج نذراً فيجزي عنه وعن حجة الإسلام، لأن حجة الإسلام ليس غير المناسك التي يأتي بها المستطيع ووجوبها يؤكد بالنذر، أو يكفي في الإجزاء عنها بنية حجة الإسلام فيجزيه عن النذر; لأن النذر قد تعلق بطبيعي الحج وقد أتى به في ضمن حجة الإسلام، فإذا أدى حجة الإسلام أدى ما عليه بالنذر، لأن وجوب الوفاء بالنذر توصلي لا تعبدي، فهو قد أدى ما عليه بالنذر في ضمن حجة الإسلام؟
اللّهم إلاّ أن يقال: إن الوفاء بالنذر وإن لم يعتبر فيه قصد القربة إلاّ أنّ تعنون الفعل بعنوان الوفاء بالنذر وأداء ما عليه به محتاج إلى القصد، فما دام لم يتحقق ذلك لا يفرغ ذمته ويجب عليه الوفاء، فعلى هذا لا يجزي قصد الحج عما عليه بالنذر، بخلاف الإتيان بالحج بقصد الوفاء بالنذر فإنه يجزيه عنهما.نعم، ربما ينتفي موضوع الوفاء بالعمل كما إذا نذر حج سنة معينة وأتى به بقصد حجة الإسلام أو النيابة عن الغير، ففي هذه الصورة يسقط فرض الوفاء لانتفاء موضوعه، وإن قلنا بوجوب القضاء والكفارة عليه، ولكن كلامنا في مسألتنا هذه في النذر غير المقيّد بالزمان، فيجب عليه الوفاء به.ثم إنه ربما يستدل على إجزاء الإتيان به بقصد النذر عن حجة الإسلام بصحيحة رفاعة، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام هل
[44]
يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم، قلت: وإن (أرأيت إن) حج عن غيره ولم يكن له مال وقد نذر أن يحج ماشياً أيجزي عنه ذلك (من مشيه)؟ قال(عليه السلام): نعم»(1).وصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فمشى هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال: نعم.»(2)والاستدلال بهما يتوقف على كون مورد السؤال الناذر الذي يأتي بنذره في حال الاستطاعة، سواء كان نذره أيضاً في حال الاستطاعة أو حصلت له الاستطاعة بعده.إلا أن الظاهر منهما أن مورد السؤال فيهما هو إجزاء الحج النذري عن حجة الإسلام إذا صار مستطيعاً لها بعده وهو غير معمول به، ولذا فيحمل على الإجزاء مادام لم تحصل له الاستطاعة.وأما ما اختاره في العروة من وجوب التعدد وعدم التداخل والإتيان بالحجَّين لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب، وظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة وكون الشرط سبباً لوجود الجزاء على وجه الاستقلال.ففيه: أن استظهار ذلك من القضية إنما يكون فيما إذا لم يقصد بها مطلق طبيعة الجزاء، وأما إذا قصد بها مجرد الطبيعة الحاصلة في ضمن كل فرد من أفرادها فالقضية الشرطية المطلقة التي قصد منها سببية الشرط لمطلق وجود الطبيعة تنطبق على المقيدة.وبعبارة اُخرى: في باب النذر يلاحظ نذر الناذر مع متعلق نذره، فإن تعلق نذره بالجامع وطبيعي الحج ينطبق على حجة الإسلام قهراً، وإن كان متعلقه غير حجة الإسلام لاينطبق عليه.والله هو العالم.
من علّق نذره بأحد أمرين فتعذّر أحدهما
من علّق نذره بأحد أمرين فتعذّر أحدهما مسألة 16 ـ الظاهر أنه ينعقد النذر إن تعلق بأحد الأمرين الراجحين، كنذر الحج أو الإحجاج، وكبناء المسجد أو الحسينية، أو كالصلاة أو الصوم،
1 ـ وسائل الشيعه، ب 27، من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ح 3.2 ـ وسائل الشيعه، ب 27، من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ح 1.
[45]
فالمنذور هو أحد الأمرين، ولذا لو تعذر أحدهما بعد التمكن منه وجب الإتيان بالآخر، بل إن كان أحدهما متعذراً من أول الأمر يجب عليه الإتيان بالآخر.خلافاً للشهيد فإنه (قدس سره) قال في الدروس: (ولو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فإن مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، ولو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط)(1).والظاهر أن وجه السقوط عنده أن موت الولد موجب لعدم التمكن من أحد العدلين وهو الحج به، فيسقط النذر ويكشف عن عدم انعقاده; لأن متعلقه كان أحد الأمرين على سبيل التخيير.وفيه: أن العدل الباقي مصداق لأحدهما فيجب الإتيان به، كما أنه لو نذر التصدق بأحد الدراهم التي في يده وتلفت حتى لا يبقى له إلا درهم واحد فإنه يجب عليه التصدق به، وكما لو ظهر كون الدراهم مغصوبة إلا درهماً واحداً.وبه يندفع ما في الجواهر (2) من الإشكال في المثال الأول بالفرق بينه وبين مانحن فيه، فإن في مثال الحج موت الولد يكشف عن عدم التمكن من الأول، وفي مثال التصدق وتلف الدراهم عدم التمكن من بعض الأفراد طار بعد التمكن، فإن في المثال الثالث عدم التمكن من التصدق بالدراهم المغصوبة كان من الأول.وعلى ما ذكر فمن نذر أن يَحجَّ أو يُحِجَّ يجب أن يأتي بأحدهما على وجه التخيير ، وإن تعذر أحدهما يجب عليه الآخر، وإن تركهما حتى مات وقلنا بوجوب قضاء الحج المنذور لنفسه وكذا الإحجاج يجب القضاء مخيراً بينهما.وأما إن قلنا بعدم وجوب قضاء ما عليه لنفسه فهل يجب الإحجاج عنه؟ الظاهر عدم الوجوب.نعم، على القول بقضاء ما عليه لنفسه فعند التعذر يجب العدل الآخر، وإن عرض له العجز عن أحدهما وترك الآخر حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً، كما إذا مات وهو متمكن من الإتيان بهما، وإن كان عجزه عن أحدهما من أول الأمر يمكن أن يقال بوجوب قضاء خصوص ما كان متمكِّناً منه.1 ـ الدروس الشرعية: 1 / 318.2 ـ جواهر الكلام: 35 / 392.
[46]
إذا نذر أحد الأمرين ثم مات قبل الوفاء
إذا نذر أحد الأمرين ثم مات قبل الوفاء مسألة 17 ـ قال في العروة: (إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين(عليه السلام)من بلده ثم مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته، ولو اختلف اُجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما اُجرة، إلا إذا تبرع الوارث بالزائد فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد اُجرةً وإن جعل الميت أمر التعيين إليه، ولو أوصى باختيار الأزيد اُجرةً خرج الزائد من الثلث).أقول: في صورة جعل الميت التعيين إلى الوصي، له اختيار الأزيد اُجرة، إلا أنه خرج الزائد من الثلث فلا وجه لحكمه بعدم الجواز مطلقاً، وفي صورة جعل الميت أمر التعيين إلى الوصي، ولا فرق بينها وبين صورة الوصية باختيار الأزيد، غير أن في الصورة الثانية يجب على الوصي اختيار الأزيد إن وفى به الثلث.
إذا تيقن بوجوب حجٍّ على الميت وشك بين حجة الإسلام والنذر
إذا تيقن بوجوب حجٍّ على الميت وشك بين حجة الإسلام والنذرمسألة 18 ـ إذا علم أن على الميت حجاً ولم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر يكفي في قضائه عنه الإتيان به قضاءً لما في ذمته، وأما الكفارة فلا تجب عليه، للشك في حنث النذر.لا يقال: إنه يعلم إجمالاً أن الواجب عليه إما قضاء حجة الإسلام أو قضاء حج النذر وكفارة الحنث، ومقتضى ذلك وجوب حج واحد وأداء الكفارة.(1)
فإنه يقال أولا: إنّ وجوب الكفارة فرع العلم بالحنث، والعلم الإجمالي باشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام أو النذر لايستلزم العلم بالحنث، لإمكان فوته عنه قبل التمكن منه لا عن تقصير ومسامحة.وثانياً: مقتضى هذا العلم وجوب قضاء الحج على كلا التقديرين.وبعبارة اُخرى: العلم التفصيلي حاصل بوجوب قضاء الحج عليه، وبالنسبة إلى وجوب الكفارة يكون شكه بدوياً، فهو عالم بوجوب الحج وشاك في وجوب الكفارة.نعم، على القول بعدم وجوب قضاء الحج من التركة ومع العلم الإجمالي بوجوب
1 ـ راجع معتمد العروة: 1/437.
[47]
قضاء حجة الإسلام أو كفارة حنث النذر يجب عليه الاحتياط، غير أنه حيث يتعلق بتركة الميت فلابد لتعيين قضاء الحج أو الكفارة من الرجوع إلى القرعة، إلا أن يتبرع الورثة بكليهما.ويمكن أن يقال: إن الوارث لا يجوز له التصرف في تركة الميت إلا بعد أداء ديونه، ولا يحصل له العلم بذلك إلا بعد قضاء الحج وأداء الكفارة، فتأمّل.ولو تردد ما عليه بين كفارة حنث النذر واليمين لتردد ما عليه من الحج بين الواجب بالنذر أو بالحلف، فإن قلنا بوحدتهما وإن كفارة حنث النذر كفارة اليمين فالحكم معلوم، وإن قلنا باختلافهما وإن كفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وإنّ كفارة النذر كفارة من أفطر في شهر رمضان فلاريب في كفاية عتق رقبة، كما أنه يكفي إطعام ستين مسكيناً; لأن فيه إطعام عشرة أيضاً.وأما القول بكون المسألة من صغريات الشك بين الأقل والأكثر بالعلم بكون الأقل وهو إطعام عشرة مساكين مورداً للتكليف والشك في التكليف بالأكثر فقيل فيه: (إنّ العبرة في جريان البراءة في الأقل والأكثر كون الأقل مورداً للتكليف ومتعلقاً له بالإجمال إما بتعلق التكليف به مقيداً ببقية الأجزاء، أو مطلقاً منها بحيث لو أتى بالأقل مع الأكثر أو بدونه كان آتياً بالتكليف، فعلى هذا يكون الشك واقعاً في أن الأقل الذي هو متعلق للتكليف قطعاً هل هو مقيد بالإتيان بالأكثر، أو هو مطلق عن ذلك وليس بشرط شيء، فتعلق التكليف بذات الأقل معلوم وكونه مطلقاً أو مقيداً مشكوك فيه؟ فنجري البراءة في القيد الذي هو التكليف الزائد، ونقول بوجوب الإتيان بذات الأقل التي كانت متعلقة للتكليف قطعاً، وأما فيما نحن فيه فمتعلق التكليف في أحدهما غير ما هو المتعلق له في الآخر، ففي كفارة اليمين أنّ متعلق التكليف هو الجامع بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وفي كفارة النذر هو الجامع بين عتق رقبة وإطعام ستين مسكيناً وصوم شهرين متتابعين، فالشك فيهما شك بين المتباينين، وإن كان بحسب الخارج تقع العشرة في ضمن الستين، والعبرة في الملاك الذي تجري معه البراءة إنما هي[48]
بملاحظة نفس التكليف ومتعلقه لا بملاحظة التطبيق الخارجي).(1)أقول: ما ذكره هو الحق، فلا يكتفى بإطعام عشرة مساكين في مثل المقام.
من نذر المشي في الحج
من نذر المشي في الحج مسألة 19 ـ لا إشكال في انعقاد نذر المشي في الحج الواجب عليه أو المستحب إذا لم يكن الركوب أفضل.وهو مورد التسالم ومقتضى النصوص، كصحيح رفاعة بن موسى الذي أخرجه الشيخ بإسناده الصحيح عن موسى بن القاسم عن ابن أبي عمير وصفوان عن رفاعة بن موسى(2) قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال(عليه السلام): فليمش، قال: قلت: فإنه تعب، قال(عليه السلام): فإذا تعب ركب».(3)
وخبر سماعة(4) وحفص (5) الذي رواه عنهما أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره ، قالا: «سألنا أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً قال(عليه السلام): فليمش، فإذا تعب فليركب».وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) مثل ذلك(6).فلا ينبغي الإشكال فيه، مضافاً إلى عمومات الصحة لكون المشي راجحاً فينعقد نذره، غير أن ذلك معارض بما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء(7) قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافياً، فقال(عليه السلام): إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خرج حاجاً فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل، فقال: من هذه؟ فقالوا: اُخت عقبة بن عامر
1 ـ معتمد العروة: 1 / 439.2 ـ من حسن الطريقة، لا يعترض عليه بشيء من الغمر...ثقة الطبقة الخامسة.3 ـ وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج ح 1.4 ـ في المصدر: رفاعة.5 ـ أما رفاعة فقد عرفت، وسماعة فهو ابن مهران، ثقة واقفي من الخامسة.وحفص مشترك بين جماعة.6 ـ وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج ح 1.7 ـ زياد بن عيسى وقيل: ابن رجاء، أو أبي رجاء منذر، ثقة صحيح، من الخامسة.
[49]
نذرت أن تمشي إلى مكة حافية، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا عقبة انطلق إلى اُختك فمرها فلتركب، فإن الله غني عن مشيها وحفاها، قال: فركبت»(1).وجه المعارضة: أنه وإن كان يمكن رفع التعارض بين تلك الروايات وما في هذه الرواية من حكاية اُخت عقبة بن عامر بحملها على صورة وقوعها في التعب، كما ربما يدل عليه مشيها بين الإبل، وهذا موافق لما في رواية رفاعة وغيرها، إلا أن حكايتها وقعت في جواب سؤال أبي عبيدة عنه (عليه السلام) عن نذر المشي حافياً إلى مكة ، والسؤال مطلق ليس فيه وقوع الناذر في التعب والمشقة، والإمام(عليه السلام) أجاب عنه بهذه الحكاية، فلو لم يكن المشي والحفاء مرجوحين مطلقاً لا يكون نقل هذه الحكاية جواباً عن السؤال.اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ السؤال أيضاً كان راجعاً إلى صورة وقوع الناذر في التعب، وذلك مفهوم من السؤال بقرينة الحال، فإن رجحان المشي إلى مكة لم يكن ممالم يعلم به مثل أبي عبيدة، بل كان رجحانه واستحبابه معلوماً على جميع الناس، ومثله انعقاد النذر عليه، وإنما السائل أراد السؤال عن صورة وقوع الناذر في التعب والمشقة فأجابه الإمام (عليه السلام) بهذه الحكاية.فإن كان المراد من الرواية هذا فهو، وإلاّ فهي بظاهرها لم يعمل بها، ولمخالفتها لسيرة المسلمين خلفاً عن سلف ولسائر الروايات.هذا كله فيما إذا لم يكن الركوب أفضل، وأما إذا كان الركوب أفضل لجهة كزيادة نفقته فالظاهر أن فيه أيضاً ينعقد نذره لرجحان المشي إلى الحج بنفسه، فلا يضر لذلك أرجحية غيره عليه، كما إذا نذر إكرام زيد المؤمن فإنه ينعقد وإن كان إكرام عمرو المؤمن العالم أفضل.ثم إنه قال في العروة: (وكذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً مطلقاً، ولو مع الإغماض عن رجحان المشي لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد).وقال في المستمسك: (الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر، وفي المعتبر: عليه1 ـ وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.
[50]
اتفاق العلماء، وتقتضيه عمومات صحة النذر ونفوذها).(1)أقول: أما عدم الخلاف والإجماع فقد قال في الجواهر: (الثالثة: إذا نذر الحج ماشياً وجب في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه)(2).فترى أن ما ادعى عليه الإجماع بقسميه ليس نذر الحج ماشياً مطلقاً، بل في الجملة، فقد حكى عن أيمان القواعد: (لو نذر الحج ماشياً وقلنا: المشي أفضل انعقد الوصف، وإلاّ فلا)، وقال: (وفي محكي إيضاح ولده: انعقد أصل النذر إجماعاً، وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان على أن المشي أفضل من الركوب أو العكس).وأما عمومات صحة النذر ونفوذها فالاستدلال بها متوقف على رجحان المشي مطلقاً، أو في صورة عدم كون الركوب أفضل، إلا أنه يتم الإستدلال بها برجحان الحج ماشياً وإن كان غيره أرجح منه.وقال في الجواهر: (وذلك كاف في انعقاده، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ماعداه، فلا وجه حينئذ لدعوى عدم الانعقاد على هذا التقدير أيضاً)(3).قال بعض الأعلام في شرح قول المحقق قدس سرهما: (إذا نذر الحج ماشياً وجب عليه، ويقوم في مواضع العبور، فإن ركب قضى): (لا خلاف في انعقاد النذر ووجوب الحج، لعموم أدلة وجوب الوفاء بالنذر، وإنما الإشكال في لزوم الوصف، فإن قلنا بأن المشي أفضل من الركوب فلا إشكال أيضاً في لزوم الوصف.وإن قلنا بأن الركوب أفضل فلا يلزم الوصف.كذا حكي عن الإيضاح.واستشكل عليه: بأن المنذور الحج على هذا الوجه، ولا ريب في رجحانه وإن كان غيره أرجح منه ، وذلك كاف في انعقاد النذر.وفيه نظر، لأن نفس الحج لا إشكال في رجحانه، أما كونه راجحاً مع وصف المشي بحيث يسري الرجحان إلى هذه الجهة مع رجحان الركوب كيف يتصور؟ والمفروض أنه تعلق النذر بالخاص، فمع الالتزام باعتبار
1 ـ مستمسك العروة: 10 / 352.2 ـ جواهر الكلام: 17 / 349.3 ـ جواهر الكلام: 17/349.
[51]
رجحان متعلق النذر بتمامه كيف يكون الناذر ملزماً بالوفاء؟ ثم إنه مع قطع النظر عن عدم الخلاف في لزوم أصل الحج يقع الإشكال من جهة اُخرى، وهي: أنه إذا وقع الإلزام والالتزام على كلّىٍّ موصوف بوصف خاصٍّ يعد الغير الموصوف مبايناً لذاك، فإذا وقع البيع مثلا على متاع موصوف بوصف ففاقد الوصف يعد عرفاً مبايناً للمبيع، وهذا بخلاف ما لو وقع البيع على عين شخصية موصوفة بوصف خاص فلا يعدّ مباينةً، غاية الأمر للمشتري خيار تخلف الوصف.فنقول في المقام: إذا تعلق النذر بالحج ماشياً، وقلنا بعدم رجحان المشي، والحج راكباً مباين للحج ماشياً كيف يكون الناذر ملزماً بنفس الحج ولو بإتيانه راكباً؟ إلا أن يقال: غاية الأمر لزوم الحج ماشياً لا لزوم الوصف بالنذر، بل للزوم الموصوف بذاته وكون ما أتى به وفاءً للنذر، فتأمل)(1).أقول أولا: إنّ دعوى عدم الخلاف في انعقاد النذر ووجوب الحج مطلقاً سواء قلنا بلزوم الوصف أو عدمه محل مناقشة، لوجود القول بعدم انعقاد النذر إذا كان الركوب أفضل، فلا يجب الحج قبالاً لقول صاحب الإيضاح، فإنه اختار وجوب الحج وعدم لزوم الوصف.وثانياً: يرد على ما أورده على الجواب الذي اُجيب به عن صاحب الإيضاح: أنه لا ينبغي الترديد في رجحان كل فرد من أفراد الكلي الراجح، حيث إنه لا يتحقق إلا في ضمن أفراده، وكل فرد منه مصداقه، ويصدق الكلي عليه بما هو عليه من المشخصات، فالحج ماشياً فرد من الحج، كما أن الحج راكباً فرده الآخر، وكل منهما مطلوب وراجح.وهذا مثل ما أفاده سيدنا الاُستاذ الأعظم (قدس سره) في مجلس حصل له اللقاء مع شيخ الطائفة الميرزا الشيرازي (الميرزا محمد تقي (قدس سره))، فإنه كان يستشكل في إتيان المستحبّات بقصد كونها جزءاً من الصلاة كأجزائها الواجبة، فأفاد سيدنا الاُستاذ: (بأن الصلاة لها أفراد متعددة متكثرة بعضها واجد لبعض المستحبات أو كلها، وبعضها فاقد لها كذلك، كما أن صلاة العشاء الثنائية فرد لها إذا كان المصلي مسافراً1 ـ جامع المدارك: 2 / 300.
[52]
، أو رباعيتها فرد لها إذا كان حاضراً، وكما أن كلاًّ من ثنائيتها ورباعيتها فرد منها إذا كان هو مشرفاً بالحضور في الحائر ـ زاد الله تعالى في شرفه، ورزقنا الله تعالى زيارته ـ فالمكلف يجب عليه على سبيل التخيير العقلي في مثل ما نحن فيه، وعلى سبيل التخيير الشرعي في مثل الصلاة وأفرادها المشتملة على المستحبات وغيرها الإتيان بأحد الأفراد، فكل واحد من الأفراد وكل حج من أفراد الحج جالساً وقع أم راكباً أم من الميقات الكذائي مثلا أو غيره وو...فرد من أفراد الحج يأتي بها المكلف بقصد القربة وامتثال أمر الحج، فكل منها راجح في نفسه ينعقد النذر المتعلق به).وأما ما أفاده من الإشكال على القول بوجوب الموصوف دون الوصف فهو تام في محله، غير أن ما أفاده أخيراً وكأنه صار في مقام تصحيح هذا القول أو إبداء وجه له فليس بتام، فإنه (قدس سره) قال: (إلا أن يقال: غاية الأمر لزوم الحج ماشياً لا لزوم الوصف بالنذر، بل للزوم الموصوف بذاته، وكون ما أتى به وفاءً للنذر، فتأمّل).ولعله تفطن بما يرد على كلامه فأمر بالتأمل، فإن على هذا كما يكون الحج ماشياً وفاءً للنذر يكون راكباً أيضاً وفاءً له.والله هو العالم. من نذر الحج راكباً
من نذر الحج راكباً مسألة 20 ـ قال في العروة:(لو نذر الحج راكباً انعقد ووجب، ولا يجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل، لمامّر من كفاية رجحان المقيد دون قيده...).أقول: نذر الحج راكباً مطلقاً أو في سنة خاصة أو في حجة الإسلام ينعقد لما ذكر، أما عدم جواز المشي فهو يدور مدار تحقق الحنث به، فإذا نذر حجاً راكباً يجوز له الحج ماشياً مادام بقاء تمكنه للحج راكباً، وإذا نذر حجة الإسلام راكباً فمادام لم يستطع لها يجوز له الحج ماشياً، وبعد الاستطاعة لا يجوز له المشي، كما أنه إن نذر ذلك في سنة معينة لا يجوز له المشي، ولكن هل يتحقق الحنث، بمجرد المشي، فإذا مشى بعد الإحرام تحقّق الحنث أو ذلك بعدم إمكان التدارك والرجوع إلى المكان الأول والركوب؟
الظاهر أنه لا يتحقق الحنث بذلك فيرجع ويحج ماشياً، وكذلك إذا طاف أو سعى ماشياً هل يتحقق الحنث به، أو يدور ذلك مدار عدم تمكنه من الطواف والسعي
[53]
راكباً، غاية الأمر أن طوافه وكذلك سعيه باطل لا يترتب عليه الأثر؟ وبالجملة: فإطلاق القول بعدم جواز المشي على الناذر لا يخلو من إشكال.وقال: (نعم، لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد، لأن المتعلق حينئذ الركوب لا الحج راكباً، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، وكذا ينعقد لو نذر الحج حافياً.وما في صحيحة الحذّاء من أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بركوب اُخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية قضية في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها، من إيجابه كشفها، أو تضررها، أو غير ذلك).أقول: لا إشكال حسب القاعدة في انعقاد نذر الحج حافياً، لأنه من أفراد الحج ومن مصاديقه، كنذر الحج ماشياً أو راكباً، غير أنه ربما يستشهد بصحيحة الحذاء على عدم رجحانه، وعدم انعقاد النذر عليه، فإنها تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أمر اُخت عقبة الناذرة أن تمشي إلى مكة حافية بالركوب، وقال: «إن الله غني عن مشيها وحفاها».(1)وفيه أولا: أن متعلق النذر في الرواية في سؤال السائل وجواب الإمام (عليه السلام)عنه بواقعة اُخت عقبة ليس الحج حافياً، بل هو المشي حافياً، وعدم انعقاد النذر عليه أعم من عدم انعقاد نذر الحج حافياً.وثانياً: في مورده ـ أي نذر الحفاء في الحج ـ معارض بصحيحة رفاعة وحفص، قال : «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً، قال(عليه السلام): فليمش فإذا تعب فليركب».(2)
وبعد التعارض ـ لو لم نقل بترجيح صحيحة رفاعة وحفص ـ المرجع هو عموم وجوب الوفاء بالنذر، كما أفاده بعض الأعلام (3)، إلا أنه يمكن أن يقال: إذا تساقطت الصحيحتان عن الحجية فجواز الرجوع إلى عمومات الوفاء بالنذر فرع
1 ـ وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 4.2 ـ وسائل الشيعة: كتاب النذر والعهد ب 8 ح 2.3 ـ راجع معتمد العروة: 1 / 445.