من نذر الإحجاج معلقاً على شرط - فقه الحج جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فقه الحج - جلد 2

لطف الله الصافی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


1 ـ شرايع الإسلام: 1 / 168.

2 ـ تذكرة الفقهاء: 1 / 309.

[31]

يكون كذلك ديناً على الناذر فيجب بعد استقراره عليه أداؤه بالمباشرة، وإلا فبالاستنابة، ولعله لذلك استحسن وجوبها المحقق واستقر به العلامة (قدس سره) .

وليكن هذا وجه فتوى الشيخ في المبسوط الذي ظاهره أن مورده النذر المستقر على الناذر، قال: (والمعضوب إذا وجبت عليه حجة بالنذر أو بإفساد حجة وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلا فإذا فعل فقد أجزأه، فإن برأ فيما بعد تولاها بنفسه).(1)

فما في الجواهر من (أن الإنصاف ظهور عبارة المبسوط في النذر معضوباً)(2) كأنه خلاف ظاهرها، ومع ذلك كله فالجزم بالفتوى مشكل، وطريق الاحتياط معلوم.

هذا، ولو نذر المعضوب في حال عضبه الحج فهل هو منصرف إلى مباشرته بنفسه، أو ظاهر في الاستنابة، أو الأعمّ منهما؟

يمكن أن يقال: إنه إن شك في ذلك غيره مثل الوارث فلا ظهور لنذره في الاستنابة كما، يمكن منع ظهوره في المباشرة، فالأصل عدم وجوب القضاء على الوارث، لأنه لو كان النذر الحج المباشري لم يتمكن منه فلم يستقر عليه الحج، وتعلق النذر بالحج النيابي أو الأعم منهما مشكوك فيه.

وإن كان الشك من الناذر فلم يدرِ أنه نذر الحج المباشري أو النيابي ففيه أيضاً ليس عليه شيء، إلاّ إذا زال عذره وتمكن من المباشرة فيجب عليه الاحتياط بالجمع بينهما، وإن كان أطراف الشك ثلاثياً وتردد المنذور بين الحج المباشري والنيابي والأعم منهما فهو شاك بين وجوب أحدهماً تعييناً أو تخييراً، فيمكن أن يقال: مقتضى يقينه بالاشتغال بأحدهما إما على التعيين أو التخيير هو الاحتياط بإتيان كليهما، فلا يحصل له اليقين بالفراغ إلاّ به.

ويمكن أن يقال: إنه عالم بأنه إما يجب عليه أحدهما بالتخيير، أو يجب أحدهما عليه بالتعيين، فهو عالم بأنه يجب عليه على التعيين أحدهما المعين في الواقع المردد بينهما في الخارج أو أحدهما مخيرا فهو يكون مخيراً بين الإتيان

1 ـ المبسوط: 1 / 299.

2 ـ جواهر الكلام : 17 / 346.

[32]

بأحدهما، ولا يجب عليه الاحتياط بالإتيان بكليهما.

و فيه: أن الإتيان بأحدهما لا يكفي في العلم بفراغ الذمة، فإن دوران الأمر بين الأطراف الثلاثة يكون من دوران الأمر بين المتباينين، فيجب عليه الإتيان بكل واحد منهما، فتأمّل.

مسألة 9 ـ لو نذر إحجاج شخص في سنة معينة وخالف مع تمكّنه منه فلاريب في وجوب الكفارة عليه، لتحقق حنث النذر به، وأما القضاء فهل يجب عليه، أم لا؟

مقتضى الأصل وأن القضاء بأمر جديد عدم الوجوب، غير أن ظاهر كلماتهم في هذه المسألة وفي مسألة الحج وفي مسألة نذر الحج في سنة معينة وجوب القضاء.

والظاهر أنه لاستظهارهم الدَينية من دليل الحج والنذر من قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً)، ومن قول الناذر في النذر: «لله علىَّ أن أحج» أو لاستفادتهم ذلك من مثل صحيح علي بن مهزيار الذي مر ذكره بسنده وفيه: «قال: كتبت إليه (يعني أبا الحسن الهادي (عليه السلام)): يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ وكيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله.

وكتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) إليه: يصوم، يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة»(1) بإلغاء خصوصية نذر الصوم ومساواة نذر الحج والإحجاج وغيرهما مع نذر الصوم في هذه الحكم.

وإن مات قبل أداء الكفارة والقضاء فهل يقضيان من ماله، أم لا؟

الظاهر: أنه لاخلاف بين أداء الكفارة من أصل ماله كسائر الديون المالية، وأما القضاء فمقتضى دينيته ذلك، وهل يخرج من أصل التركة أو الثلث؟ الظاهر أنه يخرج من الأصل كما هو الأصل، في كل الديون التي اعتبرت أولاً كونها في عهدة

1 ـ وسائل الشيعة: باب 10 من كتاب النذر والعهد ح 1.

[33]

المديون، ووجوب أدائها منتزع من اشتغال ذمته بها وكونها على عهدة المديون، بخلاف مثل وجوب الصلاة والصوم فإن الذمة وإن كانت مشتغلةً به إلا أنه منتزع من تكليف الشارع وإيجابه الصوم و الصلاة على المكلف، فإذا سقط الوجوب يسقط ما تعلق بسببه على عهدة المكلف.

وأما الدين فهو مجعول على ذمة المكلف بجعل الله تعالى أو جعل نفسه، وينتزع منه وجوب أدائه على نفسه إذا كان هو حياً والا فمن ماله، بل وإن كان حياً وامتنع من أدائه يؤديه الحاكم من ماله، بخلاف الصلاة والصوم فإنه إن امتنع عن أدائهما لايقضيهما الحاكم عنه، وبالجملة فالفرق واضح.

نعم، يمكن أن يقال بإخراجه من الثلث تمسكاً بصحيح ضريس المتقدم.

قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلاً الى مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر، قال(عليه السلام): إن ترك مالاً يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال واُخرج من ثلثه ما يحج به رجلاً لنذره وقد وفى بالنذر، وإن لم يكن ترك مالا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك ويحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه »(1).

ونحوه صحيح ابن أبي يعفور المتقدم.

واُجيب عنهما: بأن موردهما نذر إحجاج الغير من غير تقييد بسنة معينة، وكلامنا في إحجاج الغير المقيد بسنة معينة.(2)

ويمكن أن يقال باستفادة الإطلاق من ترك الاستفصال، فإنَّ نذر الرجل أعم من نذر الإحجاج مقيداً بسنة معينة ومن غير المقيد بها.

ولكن فيه: أنه يلزم منه الحكم بتعلق النذر على الناذر وإن لم يتمكن من الوفاء به.

والظاهر أن مورد السؤال هو النذر الذي تمكن الناذر من الوفاء به وأخَّره من غيرتهاون وتسامح.

مضافاً إلى ما اُجيب عنه بأن القوم لم يعملوا في موردهما فكيف بغيره؟ فعلى ذلك

1 ـ وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1.

2 ـ معتمد العروة: 1 / 410.

[34]

كله فالأقوى إخراجه من الأصل.

ومما ذكرناه هنا يظهر أن الأقوى في مسألة نذر الحج مقيداً بسنة معينة أيضاً وجوب القضاء من صلب المال.

ولو نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة فإن تمكن منه وتركه متسامحاً فيه حتى مات فالظاهر أن حكم وجوب إخراج الكفارة والقضاء من أصل تركته كالفرع السابق، وأما إن تمكن منه ولم يتركه تسامحاً فالظاهر عدم وجوب إخراج الكفارة من ماله، لعدم تحقق الحنث منه دون قضائه، فإنه على ما ذكرناه يخرج من صلب ماله.

نعم، مقتضى صحيحي ضريس وابن أبي يعفور إخراجه من الثلث، ولكن الأصحاب على ما يستفاد من جماعة منهم لم يعملوا بهما، فهما ساقطان عن الحجية بإعراض الأصحاب عنهما.

مضافاً إلى أنهما ـ كما صرح به سيدنا الاُستاذ الأعظم (قدس سره) ـ معارضان برواية مسمع بن عبدالملك المؤيدة باشتهار الفتوى بصدرها، وخلوها من الاضطراب في المتن بخلافهما، وإليك روايته:

فقد روى ثقة الإسلام في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن مسمع (1) قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كانت لي جارية حبلى، فنذرت لله عزوجل إن ولدت غلاماً أن اُحجه أو أحج عنه، فقال(عليه السلام): إنّ رجلا نذر لله عزوجل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه، فمات الأب وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحج عنه مما ترك أبوه».(2)

خلاصة البحث: اعلم أن تنقيح ما ذكرناه في طىِّ المسائل المتقدمة يأتي في الفروع الآتية:

الأول: أن ينذر الحج مقيداً بسنة معينة فلم يأت به فيها عصياناً، فلا ريب في وجوب الكفارة عليه، وأما القضاء فقد قلنا بوجوبه، لكون المنذور على الناذر ديناً

1 ـ من الخامسة، أبو سيار كردين بن عبدالملك.

2 ـ وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النذر ح 1.

[35]

على عهدته وفي ذمته، فيجب أداؤه لأنه لا يسقط عن عهدته إلا بذلك.

مضافاً إلى ما استفدناه من صحيح علي بن مهزيار في الصوم بإلغاء الخصوصية.

وأما قضاؤهما عنه بعد الموت فالظاهر وجوبه في الكفارة وفي القضاء أيضاً، بمقتضى اعتبار المنذور ديناً على الناذر.

وهل يخرج من الأصل أو الثلث؟ فالظاهر أيضاً إخراجه من الأصل كسائر الديون، إلا أن يتمسك بصحيح ابن أبي يعفور، وصحيح ضريس في نذر الإحجاج فإنهما يدلان على إخراجه من الثلث، ولابد أن يكون ذلك بإلغاء الخصوصية، بل الأولوية.

قال الشيخ في النهاية: (ومن نذر أن يحج لله تعالى ثم مات قبل أن يحج ولم يكن أيضاً قد حج حجة الإسلام اُخرجت عنه حجة الإسلام من صلب المال، وما نذر فيه من ثلثه، فإن لم يكن المال إلا بقدر ما يحج به عنه حجة الإسلام حج به، ويستحب لوليه أن يحج عنه ما نذر فيه).(1)

والظاهر أنه عمل بروايتي ضريس وابن أبي يعفور بإلغاء الخصوصية، ولكن استشكل في الاستدلال بهما بعدم عمل الأصحاب بهما في موردهما.

مضافاً إلى أن كلامنا في النذر المقيد، والصحيحان وردا في النذر المطلق.

وفيه: أما عدم عمل الأصحاب بهما فغير ثابت، غاية الأمر عدم تعرض الأكثر له، وهذا شيخ الطائفة قد عمل بهما في نذر الحج، فكيف هو لا يعمل بهما في موردهما؟

وأما كونهما في النذر المطلق فلا يضر بالاستدلال بالأولوية، فإنه بعد مادل الدليل على إخراج الإحجاج من الثلث ـ وهو أشبه بالديون المالية التي تكون من بعض الأشخاص على بعضهم ـ فوجوب إخراجه من الثلث في نذر الحج بالمباشرة أولى منه.

الثاني: نذر الحج المطلق، والكلام فيه يجري كالكلام في المقيد غير أنه ليس فيه الكفارة إذا تركه لا عن تسامح وتساهل.

1 ـ النهاية / 284.

[36]

الثالث: ما لو نذر الحج مقيداً بسنة معينة أو مطلقاً ومات قبل التمكن من الأداء، والحكم فيه هو عدم وجوب القضاء، اللهم إلا أن يتمسك فيه أحد بحسنة أو مصححة مسمع بإلغاء الخصوصية، وفيه منع ظاهر، ويأتي الكلام في حديث مسمع إن شاء الله تعالى.

الرابع: أن ينذر الإحجاج مقيداً بسنة معينة فخالف النذر عصياناً فلا ريب في وجوب الكفارة عليه لتحقق حنث النذر منه، ويجب عليه القضاء أيضاً لما مر في الفرع الأول، وكذا يجب أداء الكفارة من أصل ماله إن لم يؤدها هو بنفسه.

وأما القضاء فالكلام فيه يجري كما جرى في الفرع الأول، مضافاً إلى دعواهم التسلم والقطع بذلك.

نعم، في إخراجه من الثلث أو الأصل الكلام فيه هو الكلام في الفرع الأول، غير أن إلغاء الخصوصية والتمسك بالمفهوم هناك كان بالأولوية، وفي هذا الفرع بدلالة المساواة بينه وبين مورد صحيحي ضريس وابن أبي يعفور، فلو قلنا بعدم إثبات إعراض القدماء عنهما لعمل مثل الشيخ بهما في غير موردهما لابد وأن نقول بإخراجه من الثلث.

الخامس: نذر الإحجاج المطلق وحكم قضائه في الجملة أيضاً كأنه مقطوع به، غير أنه وقع الكلام في إخراجه من الثلث أو من الأصل، وظاهر الأكثر إخراجه من الأصل، غير أنه مورد روايتي ضريس وابن أبي يعفور، ودلالتهما على إخراجه من الثلث بالمنطوق فيه ظاهرة، ولكن ضعّفوهما بعدم العمل بهما وإعراض الأصحاب عنهما واختار بعض الأعلام حجيتهما، لأنه لا يعتد بالإعراض وترك عمل الأصحاب بهما، ولا يراه مضراً باعتبار الخبر، كما لا يعتد بعملهم على الخبر الضعيف ولا يراه موجباً لجبر ضعفه، وأما الكفارة فوجوبها دائر مدار تحقق الحنث كما مرت الإشارة إليه.

السادس: من نذر الإحجاج مقيداً أو مطلقاً ولم يتمكن من العمل بنذره حتى مات فهل يجب القضاء عنه من ماله؟ ثم هل يخرج من أصل ماله أو ثلثه؟

قال في العروة: (ففي وجوب قضائه وعدمه وجهان، أوجههما ذلك لأنه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً.

غاية الأمر أنه مالم يتمكن معذور، والفرق بينه وبين نذر الحج بنفسه أنه لا يعد ديناً مع عدم التمكن منه واعتبار المباشرة، بخلاف

[37]

الإحجاج، فإنه كنذر بذل المال، كما إذا قال: لله عليّ أن اُعطي الفقراء مأة درهم، ومات قبل تمكنه ودعوى كشف عدم التمكن عن عدم الإنعقاد ممنوعة.

ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشري وإن استلزم صرف المال، فإنه لا يعد ديناً عليه بخلاف الأول).

أقول: تارةً يكون ذلك على نحو نذر النتيجة فيجعل على نفسه مالا للإحجاج وصرفه في الحج بالغير، فهو بذلك يصير مديناً به وإن لم يتمكن من أدائه.

وتارةً يجعل على نفسه لله إحجاج الغير وإيجاد الحج على وجه التسبيب، فهو لا يصير مديناً لذلك مادام لم يتمكن منه، والغالب وقوع نذر الإحجاج على الوجه الثاني، فعلى ذلك لا يجب القضاء عنه.

اللهم إلا أن يتمسك برواية مسمع، لعدم الفرق بين نذر الإحجاج مطلقاً كما في هذا الفرض وعدم التمكن منه حتى مات، وبين نذر الحج والإحجاج معلقاً بأمر، مثل إدراك الغلام وعدم تمكنه منه بعد حصول المعلق عليه، وسيأتي الكلام في هذا الحديث إن شاء الله تعالى.

من نذر الإحجاج معلقاً على شرط

من نذر الإحجاج معلقاً على شرط

مسألة 10 ـ إذا نذر الإحجاج معلقاً على شرط كمجيء المسافر أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط فمقتضى القاعدة عدم وجوبه في تركته إن حصل بعده; لأن انعقاد النذر متوقف على تمكن الناذر منه حين العمل، سواء كان ذلك على نحو الواجب المشروط أو المعلق، وذلك كما ذكرناه في مسألة نذر الحج معلقاً وموته قبل حصول الشرط.

إلاّ أنّه قد يقال: إنه يجب القضاء عنه لحسنة أو مصححة مسمع المتقدمة، والاستدلال بها متوقف على فهم المراد منها سؤالاً وجواباً.

فنقول: إنّه بالنظر إلى لفظ السؤال يمكن أن يكون السؤال عن تكليف الوالد، وأنه هل عليه أن يحج عنه أو يحجه؟ وبعبارة اُخرى: هل ينعقد مثل هذا النذر أم لا؟ فأجابه (عليه السلام) بحكاية نذر الرجل الوالد وانعقاده مع موت الأب قبل تحقق المعلق عليه النذر، وهو إدراك الولد، فإذا كان النذر ينعقد في هذه الصورة ينعقد في فرض السؤال بالأولوية، وأما فرض موت الولد قبل تمكن الوالد من العمل بالنذر أو بعده لا موت الوالد قبل ذلك أو بعده فلا نظر للسؤال إليهما.

إلاّ أنّ الحكاية المذكورة في

[38]

كلام الإمام (عليه السلام) بنفسها وبمنطوقها تدل على وجوب الوفاء بالنذر وإن مات الناذر قبل تحقق الشرط، والظاهر أنه خلاف القاعدة لأنّ من شرايط انعقاد النذر تمكن الناذر من العمل به في ظرف وجوب الإتيان به.

وقد ادعي عمل المشهور بهذه الرواية، كما اعترف به بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثه (1) قبال البعض الآخر، حيث قال: (إن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور، وهو موت الوالد قبل إدراك الغلام) (2)،

ولعل هذا ظاهر كلام مثل الشرايع: «ولو نذر إن رزق ولداً يحج به أو يحج عنه ثم مات حج بالولد أو عنه من صلب ماله» (3).

فإنه ظاهر في وقوع الشرط وتمكن الوالد من الوفاء بالنذر لا مطلقاً.

وكيف كان فهذا الفرع بهذه الخصوصية التي هي على خلاف القاعدة ـ أي قاعدة اشتراط تمكن الناذر من العمل في ظرفه في انعقاد النذر ـ الظاهر أنه غير مذكور في كلام القدماء، فإن كان هذا إعراضاً منهم عنها فالعمل بها مشكل، وإلاّ فلا بأس، بل يجب العمل بها في خصوص موردها، وهو نذر الإحجاج به أو الحج عنه .

ولا يخفى عليك أن مقتضى إطلاق قوله: «فأمره رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحج عنه مما ترك أبوه» خروجه عن الأصل، ولا يجوز تقييد إطلاقه بروايتي ضريس وابن أبي يعفور، لعدم عمل الأصحاب بهما في موردهما.

إذا نذر المستطيع أن يحجَّ حجّة الإسلام

إذا نذر المستطيع أن يحجَّ حجّة الإسلام

مسألة 11 ـ قال السيد (قدس سره) في العروة: (إذا كان مستطيعاً ونذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى وكفاه حج واحد).

أقول: في الجواهر ذكر في مسألة نذر صوم أول يوم من شهر رمضان عدم انعقاده عند المرتضى والشيخ، وأبي الصلاح، وابن إدريس، وعلّله بما في الشرايع من أن صيامه مستحق بغير النذر، وزاد: فإيجابه تحصيل للحاصل، ولأنه على تقدير كونه

1 ـ معتمد العروة: 2 / 415.

2 ـ مستمسك العروة: 11 / 334.

3 ـ شرايع الإسلام: 3 / 726.

[39]

يوماً من رمضان قد استحق صيامه بالأصل، ولا يمكن أن يقع فيه غيره.

ثم ذكر تردد المحقق فيه ووجهه بما عرفت، وبما أن مقتضى التعليل الأول ـ أي كونه تحصيلا للحاصل ـ عدم صحة نذر كل واجب، بل مقتضاه عدم صحة اليمين عليه أيضاً، وقد عرفت تواتر النصوص(1) في انعقاد اليمين على الواجب، ومنها مضافاً إلى عموم أدلة النذر يقوي الانعقاد وفاقاً لأكثر المتأخرين، وإيجاب صومه بأصل الشرع لاينافي وجوبه من جهة اُخرى، وليس هذا صحة غير شهر رمضان، بل هو من تعدد السبب في وجوبه الذي يمكن أن يراد لإفادة الإنبعاث حذراً من الكفارة ، وحينئذ فيجوز ترامي النذر وتعدد الكفارة بتعدده، كما أنه يجوز نذره واليمين عليه والعهد وغير ذلك مما يقتضي تأكيد وجوبه (2).

ثم إنه ربما يقال بأن مراد المانع من قوله في الاستدلال: «لأن صيامه مستحق.

.

.

» إن كان أنه واجب، فالجواب، بأنه لا ينافي وجوبه من جهة اُخرى تام، وأما إن كان المراد أنه مستحق لله تعالى ومملوك لله بالملكية الوضعية فلا يقبل التأكيد والتكرار، كما هو الأمر في الزوجية والرقية والحرية وغيرها، فنذر المستحق لله تعالى لا يوجب استحقاقاً له تعالى، فيكون باطلا(3)، ولذا يمكن أن نقول بالفرق بين نذر حج الإسلام وبين غيره، فإن في نذر حجة الإسلام يجعل ما هو مستحق لله تعالى مستحقاً له، ومثله لا يقبل التكرار والتأكيد، وفي نذر صوم شهر رمضان الواجب حيث لا يكون مستحقاً لله تعالى وملكاً له يجوز اعتباره ملكاً له، وعلى ذلك فيشكل الأمر في نذر حجة الإسلام والنذر على النذر دون غيرهما.

ثم إنه على القول بانعقاد نذر حجة الإسلام فإن عينها في سنة معينة وترك الحج يجب عليه الكفارة، وإن لم يعينها وسوَّف حتى مات تقضى من تركته، وأما الكفارة من تركته أو من ثلثه فقد مرَّ الكلام فيها.

هذا كله في نذر حجة الإسلام في حال الاستطاعة، وأما إن نذرها في حال عدم

1 ـ وسائل الشيعة: باب 23 من كتاب الأيمان.

2 ـ راجع جواهر الكلام: 35 / 441.

3 ـ مستمسك العروة: 10 / 336.

[40]

الاستطاعة: فإن كان مراده الإتيان بحجة الإسلام بعد الاستطاعة بأن قال ـ مثلا ـ: لله عليّ حجة الإسلام إن صرت مستطيعاً لها فلا ريب في عدم وجوب الحج عليه، بل عدم قدرته على حجة الإسلام قبل حصول الاستطاعة، وإن كان المراد نذر حجة الإسلام مطلقاً ومن غير تعليقها بحصول الاستطاعة فالظاهر أنه يجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة لإتيان الواجب.

والله العالم.

كفاية القدرة العقلية في الحج النذري

كفاية القدرة العقلية في الحج النذري

مسألة 12 ـ يكفي في الحج النذري القدرة العقلية عليه وإن لم يكن مستطيعاً له بالاستطاعة العرفية أو الشرعية.

فيجب مثلا على القادر على المشي وإن لم يكن له الراحلة، فحال الحج النذري مثل سائر الواجباب، والاستطاعة الخاصة مختصة بالحج الواجب بأصل الشرع وهو حجة الإسلام.

وعلى ذلك لا وجه لما في الدروس من أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، قال: (والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً، وظاهر الأصحاب تقديم حجة الإسلام مطلقاً، وصرف الاستطاعة بعد النذر إليها)(1).

عدم انعقاد نذر غير حجة الإسلام من المستطيع في عامها

عدم انعقاد نذر غير حجة الإسلام من المستطيع في عامها

مسألة 13 ـ لا ينعقد نذر حج غير حجة الإسلام في عامه هذا إذا كان مستطيعاً لحجة الإسلام إذا كان نذره مطلقاً، وسواء ترك حجة الإسلام أم لم يتركها.

فإنه في ظرف عدم تركها مستلزم لترك الواجب فلا ينعقد لعدم رجحان ما تعلق به قصد الناذر، أي المنذور مطلقاً، كما لا ينعقد نذر ضرب اليتيم مطلقاً، سواء كان ظلماً أو تأديباً.

وأما إذا نذر حجاً آخر على تقدير تركه حجة الإسلام فيمكن تصحيح القول

1 ـ الدروس الشرعية: 1 / 318.

[41]

بصحته على القول بالترتب، إلا أن هذا يتم لو قيل بجواز تأتِّي غير حجة الإسلام من المستطيع، وأما لو قلنا بأن حجة الإسلام عبارة عن المناسك التي يأتي بها المكلف في حال الاستطاعة وإن لم ينوِها كذلك فلا يتأتّى منه غير حجة الإسلام، وقصد غيرها لا يجعلها غيرها إذا كان على نحو الخطأ في التطبيق تقع المناسك على ما هي عليها فيجزي عن حجة الإسلام.

نعم، قصد غيرها ـ وإن لم تكن حجة الإسلام ـ موجب لبطلانها من جهة الإخلال بقصد القربة.

هذا وإن شك في أن نذره كان مطلقاً أو كان على تقدير تركه فحمله على تقدير الترك حملا على الصحة فالظاهر إجراء أصالة الصحة، كما لو شك في أنه أوقع العقد بالعربية أو الفارسية مع العلم ببطلانه بالفارسية.

نعم، لو أو قع النذر مطلقاً وشك في صحته لا تجري أصالة الصحة، كما لو أو قع العقد بالفارسية وشك في صحتها.

ثم إنه قد حكم في العروة ووافقه المحشّون بانعقاد النذر إذا نوى الحج غير حجة الإسلام على تقدير زوال الاستطاعة فزالت.

وفيه: إن كان المراد من زوال الاستطاعة كشف خلافها وأنه لم يكن مستطيعاً، كما إذا حصلت له الاستطاعة المالية فزالت قبل الموسم فلا إشكال في انعقاد النذر ووجوب الحج عليه، وإن كان المراد زوال الاستطاعة بعد استقرار الحج فالحكم ـ كما ذكر في أصل المسألة ـ بالتفصيل.

إذا نذر حجاً فورياً ثم استطاع

إذا نذر حجاً فورياً ثم استطاع

مسألة 14 ـ قال في العروة: (إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً، ثم استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً على حجة الإسلام وإن بقيت الاستطاعة إليه، لوجوبه عليه فوراً ففوراً فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد الفراغ منه).

أقول: لابدَّ لتحقيق المسألة من الكلام في اُمور:

الأول: أن هذه المسألة إنما يجري الكلام فيها على القول بالاستطاعة الشرعية، وعدم وجوب الحج لمنع وجوب النذر من حصول الاستطاعة له، وأما على القول

[42]

بالاستطاعة العرفية فلا ينعقد النذر، لاستلزامه ترك الواجب، وهو حجة الإسلام إلاّ على نحو الترتب.

الثاني: على القول بالاستطاعة الشرعية إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً ثم استطاع وأهمل فهل يجب عليه وفاء النذر في العام القابل وبعده إن أهمل الوفاء بالنذر مقدماً على حجة الإسلام، فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد فراغ ذمته عن النذر؟ الظاهر أن الكلام يجري فيما إذا بقيت الاستطاعة إلى العام القابل، وإلا فإن لم يبق كذلك لم يجب عليه في العام القابل إلا الوفاء بالنذر لعدم حصول الاستطاعة له.

وأما إن بقيت إلى العام القابل فالظاهر أن الأمر يكون كالعام السابق فلا يستطيع من كان عليه النذر لحجة الإسلام، ولا يجب عليه مالم يفِ بنذره، وليكن هذا كالوجه على صحة القول بالاستطاعة الشرعية; لأنه يلزم منه عدم حصول الاستطاعة لمن كان ذمته مشتغلةً بمثل الدين والنذر وإن أخّر أداءه سنةً بعد سنة.

الثالث: ظاهر كلام الشهيد في الدروس أنه لو نذر الحج ثم استطاع وأهمل وبقيت استطاعته إلى العام القابل يجب حجة الإسلام عليه، وقال: (والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرَف ذلك إلى النذر، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً) (1).




/ 33