مسألة 21 ـ لا ريب في أنه يشترط في انعقاد النذر تمكن الناذر من الإتيان بالنذر وكونه مقدوراً له، فإذا كان عاجزاً عن ذلك لا ينعقد، سواء كان متعلقه الحج أو غيره من الاُمور الراجحة، وكذا إذا كان متعلقه موجباً للتضرر النفسي المعتد به وإن لم يكن موجباً للهلاك.لحرمته شرعاً وعقلا على ما هو الظاهر من المتشرعة ومغروسية ذلك في أذهانهم ، خلافاً لبعض الأعلام المعاصرين، حيث إن الظاهر منه(قدس سره) عدم حرمة الإضرار بالنفس إذا كان غير مؤدٍّ إلى الهلاك، فعلى هذا يكون وزان الضرر غير المؤدي إلى الهلاك وزان الحرج (1).والظاهر عدم الإشكال في انعقاد النذر بالأمر الراجح الحرجي إذا كان مستحباً، فإن أدلة نفي الحرج لا تشمل المستحبات، لعدم إلزام من الشارع على إتيان المكلف بها، ووجوبها بالنذر إلزام منه على نفسه لا تشمله أدلة نفي الحرج، وعلى هذا فلا مانع من انعقاد نذر الحج المستحب ماشياً إذا كان حرجياً، وهكذا الحكم في الحج الواجب، فإن المشي في الحج مستحب، والإتيان بالمستحب الحرجي يجوز، بل فيه مزيد الأجر والثواب، لأن «أفضل الأعمال أحمزها»، وإذا صار متعلقاً للنذر تشمله أدلة الوفاء; لأن الناذر ألزم ذلك على نفسه، ورفعه عنه ليس الامتنان عليه، فعلى هذا لا تصل النوبة إلى الاستدلال بأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، كما أفاده في العروة وقرره كثير من المحشين عليه.هذا كله إذا كان عالماً بكون المنذور حرجياً حين النذر، وأما إذا عرض الحرج بعد
1 ـ مستمسك العروة: 10 / 356.
[55]
ذلك فالظاهر سقوط الوجوب به، والكلام في الضرر غير المهلك ـ إذا قلنا بعدم حرمته ـ هو الكلام الذي سمعته في الحرج. مبدأ وجوب المشي أو الحفاء أو الركوب
مبدأ وجوب المشي أو الحفاء أو الركوب مسألة 22 ـ مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بل والركوب إذا كان معيناً عند الناذر، فلا ريب في أنه هو المتعين، وإن نسيه أو لم يعينه في قصده فالظاهر أنه يجزيه ما يصدق به الحج ماشياً أو حافياً أو راكباً، وهو يتحقق بالمشي أو الحفاء أو الركوب من أول المناسك والأعمال، وهكذا الحال إن شك فيما قصده.غير أن الظاهر أنه يبني على ما يراد من اللفظ بحسب العرف، فلو قال: «لله علىّ أن أحج ماشياً» يمشي من أول الأعمال، وإن قال:«لله علي أن أمشي إلى بيت الله» يمشي من أول ما يريد الذهاب إلى مكة من أي بلد كان، ولا اعتداد بخصوص بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات.هذا بحسب المبدأ، وأما بحسب المنتهى فإن عين أيضاً مكاناً خاصاً فهو، وإلا فهل يجب عليه المشي إلى تمام الأعمال حتى طواف النساء، أو أن منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار؟
ويدل عليه صحيح جميل، قال أبو عبدالله(عليه السلام): «إذا حججت ماشياً ورميت الجمرة فقد انقطع المشي»(1)
وفي صحيح إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «قال أبوعبدالله(عليه السلام)في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمى الجمرة زار البيت راكباً وليس عليه شيء».(2)
وصحيح الحلبي: أنه «سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال(عليه السلام): إذا رمى الجمرة وأراد الرجوع فليرجع راكباً فقد انقضى مشيه، وإن مشى فلا
1 ـ وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 2.2 ـ وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج ح 3.
[56]
بأس »(1)وأما خبر يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام): متى ينقطع مشي الماشي؟ قال(عليه السلام): إذا أفضت من عرفات» (2).فالظاهر أنه غير معمول به في مورد من كان وجب عليه المشي بنذر وشبهه، ويمكن حمله على المتطوع بالمشي وعدم وجوبه عليه.هذا، ولكن استشكل في الاستدلال على انتهاء المشي برمي الجمار بأنه لم يذكر في صحيحي جميل وابن همام رمي الجمار، وما هو المذكور فيهما رمي الجمرة وهي تنطبق على العقبة وغيرها.نعم، في خبر علي بن أبي حمزة «رمى جمرة العقبة» إلا أنه ضعيف السند به.(3)
وفيه أولا: أن في بعض النسخ من الكافي في رواية ابن همام: «رمى الجمار».وثانياً: هذه الجملة: «رميت الجمرة ورمى الجمرة» ظاهرة في تمام الرمي برمي العقبة الثانية، وعلى فرض الإجمال يتم القول بانتهائه برمي الجمار باستصحاب وجوب المشي إلى تمام رمي الجمار.
ركوب الطائرة أو السفينة لمن نذر الحج ماشياً
ركوب الطائرة أو السفينة لمن نذر الحج ماشياً مسألة 23 ـ لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجه أن يركب الطائرة أو السفينة، لمنافاته لنذره، كما إذا نذر ذلك في سنة معينة أو في حجة الإسلام.ولو اضطر إلى الركوب أو عجز عن المشي سقط وجوب الوفاء لكشف ذلك عن عدم انعقاد النذر، فإن كان الحج الذي نذر الإتيان به ماشياً واجباً عليه لا من جهة هذا النذر بل من جهة نذر آخر مثلا، أو كونه حجة الإسلام يأتي به راكباً، وإلاّ فليس عليه شيء.وإن كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فهل يسقط به وجوب
1 ـ وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج ح 5.2 ـ وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 6.3 ـ معتمد العروة: 1 / 450.
[57]
الوفاء ويكشف به عدم انعقاد نذره، لكونه على سبيل العام المجموعي لا الاستغراقي حتى ينحل نذره بنذور كثيرة، أو أنه ينعقد النذر ويجوز له الركوب لمثل هذا العبور؟وهذا هو الظاهر من تعلق النذر بالمشي لاقتضاء الطريق ذلك عادة.وهل يجب عليه القيام في العبور على المركب، أم لا؟
حكي عن المشهور أنه يقوم عليه أو فيه، لخبر السكوني الذي رواه المشايخ الثلاثة.ولفظ الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت، فمر بمعبر ، قال: فليقم في المعبر قائماً حتى يجوز»(1).وضعف الخبر أولا: بالسكوني، وهو إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري، له كتاب، روى عنه النوفلي، كان عامياً من الخامسة، كان قاضياً في الموصل، روى عنه في الكافي أكثر من ثلاثمأة حديث، قال بعض الأعاظم (قدس سره) بأنه موثق (2) ولم يذكر موثِّقه، وحكى عن عدة الشيخ إجماع الإمامية على العمل بروايته وتصديق نقله (3).وثانياً: بالحسين بن يزيد بن محمد بن عبدالملك النوفلي النخعي الكوفي، الأديب الشاعر، الذي لعله كان من السادسة، ووثّقه بعض الأعاظم; لأنه من رجال كامل الزيارات (4).ولكنه عدل بعد ذلك عن التوثيق بكون الراوي من رجال كامل الزيارات.ولكن الظاهر كون الخبر معتبراً لاعتماد الكليني على الرجلين في أكثر من ألف حديث، ولعمل المشهور به كما نص عليه السيد البروجردي (قدس سره).فالأقوى وجوب
1 ـ الكافي: 7 / 455 باب النذور.2 ـ معتمد العروة : 1 / 452.3 ـ معجم رجال الحديث: 3 / 106.4 ـ معتمد العروة: 1 / 452.
[58]
القيام في المعبر. إذا خالف نذره فحج راكباً
إذا خالف نذره فحج راكباً مسألة 24 ـ إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً فإن كان المنذور الحج ماشياً من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإتيان به في السنين المقبلة ولا كفارة عليه، وصح ما أتى به إذا أتى به بنية الحج لا بقصد الوفاء بالنذر، وإن أتى به بقصد الوفاء ففي صحته إشكال ; لأنه لم يقصد الأمر المتوجه إلى ما أتى به، والأمر الذي قصده لم يتعلق بما أتى به، فما قصده ليس ما أتى به وما أتى به ليس ما قصده.إن قلت: فما تقول إن أتى بالحج ماشياً ناوياً الوفاء بالنذر ثم انكشف عدم انعقاد نذره، فهل يحكم بفساد حجه أو صحته؟
قلت: الحكم بالصحة هنا أيضاً مشكل إلا أن يدل عليها دليل بالخصوص، أو يقال باستفادة ذلك من مثل الحكم بصحة الصيام أياماً بقصد الكفارة ثم ترك التتابع، فإن ذلك لا يبطل ما أتى به من الصيام، أو ممّا دل على صحة عمل الأجير إذا خالف الإجارة، أو ينوي الوفاء بما يأتي به من الحج بقصد امتثال أمره الخاص.وإن كان المنذور الحج ماشياً في سنة معينة فخالف وأتى به راكباً فلا ريب في أنه عليه الكفارة لتحقق الحنث بذلك، وأما القضاء فيجب أيضاً على ما قويناه سابقاً.وأما صحته فهي أيضاً تدور مدار قصده، فإن أتى به بقصد ما هو مأمور به من غير جهة النذر من الحج الواجب أو المستحب فالظاهر صحته، وإلاّ فإن أتى به بقصد الوفاء بالنذر فالكلام في صحتها وعدمها هو الكلام الذي مر في الصورة الاُولى.وإذا كان المنذور المشي في حج معين فالظاهر صحة حجه، غير أنه يجب عليه الكفارة، ولكن ليس عليه القضاء لفوات محل النذر.
لو نذر المشي فركب بعض الطريق
لو نذر المشي فركب بعض الطريقمسألة 25 ـ لو ركب ناذر المشي بعضاً ومشى بعضاً فهل عليه أن يقضي ويمشي موضع ركوبه، أو يقضيه ماشياً، أو يفصل، فإن وقع الركوب بعد التلبس بالحج يقضيه ماشياً بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي من البلد فيكفي التلفيق؟ وجوه أو أقوال.
[59]
والأول منقول عن الشيخين وجماعة.والثاني منقول عن ابن إدريس (1).وفي الشرايع: أنه أشبه (2) والثالث ما يظهر من المدارك (3).وجه القول الأول على ما حكي عن المختلف: أن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً وقد حصل بالتلفيق فيخرج عن العهدة، إذ هو إنما نذر حجاً يكون بعد المشي في جميع طريقه وقد حصل، ولأنه أخل بالمنذور فيما ركب فيه فيقضيه.وفيه ما لا يخفى: فإن الواجب عليه كان قطع المسافة في حج واحد لا في الحجين أو الحجج المتعددة، كما أجاب عنه في المختلف (4)بالمنع من حصوله ـ أي المنذور ـ مع التلفيق، ولعله واضح، إذ لا يصدق عليه أنه حج ماشياً.ووجه القول الثالث: أنه لا يصدق على من ركب في جزء من الطريق بعد التلبس بالحج أنه حج ماشياً، بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي من البلد; لأن الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي وإن فعل في أوقات متعددة وهو يحصل بالتلفيق، إلا أن يكون المقصود قطعها في عام الحج.وفيه أيضاً ما لا يخفى: فإن المنذور هو قطع تلك المسافة في حج واحد لا في الحجج المتعددة.وبعد ذلك يبقى القول الثاني وهو الصحيح الموافق للقاعدة، لأنه أخل بالصفة المشترطة، ولا يصدق الوفاء بالنذر بدونها، ضرورة كون المنذور المشي إلى الحج في جميع طريقه، فلو لم يأتِ به كذلك يجب عليه القضاء والكفارة أو الإتيان به في السنين المقبلة.ثمّ إنّه قد تعرّض هنا في الجواهر لرواية فقال: (وعلى كل حال فما في خبر إبراهيم بن عبدالحميد بن عباد بن عبدالله البصري سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل جعل لله نذراً على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر، قال (عليه السلام):1 ـ السرائر: 1 / 518.2 ـ شرايع الإسلام: 3 / 752.3 ـ مدارك الأحكام: 7 / 105.4 ـ مختلف الشيعة: 1 / 323.
[60]
«ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به» لابد من حمله على استحباب ذلك للعاجز).(1)أقول: قد روى هذا الحديث الشيخ (قدس سره) في كتابيه: بإسناده عن الصفار(2) عن إبراهيم بن هاشم عن عبدالرحمن بن حماد (3) عن إبراهيم بن عبدالحميد (4) عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «سأله عباد بن عبدالله البصري عن رجل جعل لله عليه نذراً على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر؟ فقال(عليه السلام): ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به».(5)
وأما دلالته فالظاهر أن الجواهر استظهر منه ولو بالإطلاق أنه يجوز أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً بالاختيار ولا قضاء عليه، غير أنه ينفق من ذلك الموضع ويتصدق به، فهو بهذا المعنى متروك مهجور، ولذا قال: (لابد من حمله على استحباب ذلك للعاجز).ولكن بعض الأعاظم(قدس سره) حكم أولا باعتبار الرواية وقال: (قد ذكرنا مراراً وكراراً أن العبرة باعتبار الرواية، ولايضر هجرها، والرواية معتبرة، ورجال السند كلهم ثقات، حتى عبدالرحمان بن حماد فإنه من رجال كامل الزيارات ـ ثم قال: ـ والصحيح أن يقال: إن الرواية لا تدل على ما قيل من عدم وجوب الإتمام وجواز الترك اختياراً والاكتفاء بالتصدق، بل الظاهر أنها نظير الرواية التي دلت على وجوب صرف جمله ونفقة حجه وزاده في الإحجاج عن مالك هذه الاُمور إذا مات في بعض الطريق.والفرق أن مورد تلك الرواية فيما له جمل ومورد روايتنا هذه ما لا جمل له،
1 ـ جواهر الكلام: 17 / 353.2 ـ محمد بن الحسن بن فروخ، أبو جعفر الأعرج من الثامنه، كان وجهاً في أصحابنا القميين،ثقة عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية (المتوفى بقم سنة 290).3 ـ له كتاب، روى عنه البرقي كأنه من السادسة.4 ـ ثقة له أصل من الخامسة.5 ـ وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب النذور ح 2.
[61]
وبالجملة: المستفاد من الرواية أنه لو مات الناذر في بعض الطريق يتصدق بنفقته، ولا تدل على جواز ترك الحج اختياراً بمجرد المشي في بعض الطريق والتصدق بنفقة الحج.ويدل على ذلك قوله: «ينظر» فإنه ظاهر في أن المتصدق غير الناذر، فالمراد أن الناذر مات وينظر شخص آخر في نفقته، وإلاّ لو كان المراد وجوب التصدق على نفس الناذر يقال: يتصدق بنفقته.وعلى كل حال لا دلالة للرواية على مخالفة النذر في مورد السؤال).(1)أقول: أما ما استظهره من الرواية فالظاهر أنه أظهر مما حملها عليه الجواهر، وعلى كل حال فكما أفاد(قدس سره) لا ربط للرواية بمسألتنا هذه، وأما ضعف سندها بعبدالرحمان بن حماد لا يرتفع بما أفاد بعد عدوله بنفسه عما بنى عليه من وثاقة رجال كامل الزيارات، فالرواية ضعيفة السند لم يثبت من أحد أنه عمل بها في صورة عجز الناذر أو موته.والله هو العالم.
العجز عن المشي بعد التمكن منه
العجز عن المشي بعد التمكن منه مسألة 26 ـ إذا عجز عن المشي بعد انعقاد نذره بتمكنه منه لاريب في سقوطه عنه إذا لم يتوقع القدرة عليه بعد ذلك، وهل يجب عليه حينئذ الركوب؟
ومضافاً إلى ذلك هل يجب سوق الهدي، أو يفصّل بين ماإذا عجز بعد الإحرام فإنه يجب عليه الإتمام لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) وسوق الهدي لما نذكره من السنة، وبين ما إذا عجز قبل الإحرام فلا يجب عليه راكباً أيضاً إلا بدليل خاص لعدم تعلق نذره به وعدم كونه قضاءً له؟
يمكن أن يستدل لكل ذلك بصحيح الحلبي قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز عن المشي (ان يمشي) قال: فليركب وليسق بدنة فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف الله منه الجهد».(2)
وإطلاقه يشمل قبل الشروع في الحج وبعده، وقبل الإحرام وبعده.
1 ـ معتمد العروة: 1 / 459.2 ـ وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 3.
[62]
ومثله صحيح ذريح المحاربي ـ وإن كان السؤال فيه عن اليمين إلاّ أن الظاهر اتحاد حكم اليمين والنذر في مثل ذلك إما لكون المراد من اليمين معناه الأعم منه ومن النذر أو بإلغاء الخصوصية ـ قال: «سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن رجل حلف ليحجّنّ ماشياً فعجز عن ذلك فلم يطقه؟ قال: فليركب وليسق الهدي».(1)إلا أنه يعارضهما في سوق الهدي صحيح رفاعة بن موسى، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال: فليمش، قلت: فإنه تعب، قال: فإذا تعب ركب».(2) وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل جعل عليه مشياً إلى بيت الله فلم يستطع؟ قال: يحج راكباً».(3)
وقريب منهما خبر سماعة وحفص قالا: «سألنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً؟ قال: فليمشِ، فإذا تعب فليركب».(4)
وجه التعارض: سكوت هذه الروايات عن سوق الهدي مع كونها في مقام البيان، فليحمل الصحيحان المذكوران على الاستحباب.وفيه: أنّ السكوت في مقام البيان وإن كان ظاهراً في عدم الوجوب إلا أنه لا يزيد على الإطلاق اللفظي، وهو لاينافي التقييد بدليل آخر، فكيف بالسكوت؟ فالظهور اللفظي بلغ ما بلغ من القوة قابل للتقييد، نظير قوله (عليه السلام): «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء»(5)مع ورود التقييد على ذلك بسائر المفطرات، فمقتضى القاعدة هو الالتزام بالتقييد والعمل بالصحيحين، ولا إجماع على الخلاف.(6)
ويمكن أن يستدل للحمل المذكور (استحباب سوق الهدي) بما رواه الحلي في
1 ـ وسائل الشيعة: ب 34، من أبواب، وجوب الحج و شرائطه، ح 2.2 ـ وسائل الشيعة: ب 34، من أبواب، وجوب الحج و شرائطه، ح 1.3 ـ وسائل: ب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 9.4 ـ وسائل: باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 10.5 ـ وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.6 ـ معتمد العروة: 1/463.
[63]
آخر السرائر نقلا عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: «قلت له (يعني لأبي عبدالله(عليه السلام)): اشتكى ابن لي فجعلت لله عليَّ إن هو برىء أن أخرج إلى مكة ماشياً، وخرجت أمشي حتى انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو، فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت، فهل علىَّ شيء؟ قال: فقال لي: اذبح فهو أحب إليَّ، قال: قلت له: أي شيء (أشيء) هو إليّ لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: «من جعل لله على نفسه شيئاً فبلغ فيه مجهوده فلا شيء عليه، وكان الله أعذر لعبده».(1)وهذا الحديث صريح في عدم وجوب الهدي، والصحيحان ظاهران في الوجوب، ومقتضى الجمع بينهما وبين هذا الخبر حملهما على الاستحباب.وروى الشيخ (قدس سره) في كتابيه هذا الحديث عن عنبسة بسند ولفظ آخر، فرواه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن عنبسة بن مصعب قال: «نذرت في ابن لي إن عافاه الله أن أحج ماشياً فمشيت حتى بلغت العقبة، فاشتكيت فركبت، ثم وجدت راحة فمشيت، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك فقال (عليه السلام): إني اُحب إن كنت موسراً أن تذبح بقرة، فقلت: معي نفقة ولو شئت أن أذبح لفعلت (وعلىَّ دين)، فقال: إني اُحب إن كنت موسراً أن تذبح بقرة، فقلت: أشيء واجب أفعله؟ فقال(عليه السلام): لا، من جعل لله شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء».(2)
ولكن ضعف هذا الخبر بعنبسة، فإنه على ما حكي عن الكشي عن حمدويه (والظاهر أنه حمدويه بن نصير بن شاهي موصوف بأنه عديم النظير في زمانه، كثير العلم والرواية، ثقة حسن المذهب) ناوسي واقفي.ولكن صرح بصحة الحديث بهذا السند بعض الأعاظم; لأن عنبسة ثقة لكونه من رجال كامل الزيارات.(3)
1 ـ وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 6.2 ـ تهذيب الأحكام: 8 / 313.3 ـ معتمد العروة: 1 / 464.
[64]
أقول: أما توثيق عنبسة بما ذكر ففيه ما ذكر: أن المنقول منه العدول عن هذا البناء، واختصاصه تصحيح خصوص هذا السند دون ما نقله الحلي عن نوادر أحمد ابن محمد البزنطي لعله لجهالة إسناده إلى البزنطي، غير أن الظاهر أن كتابه كان موجوداً عند الحلي وأخرج الحديث على طريق الوجادة، وعندي أن ذلك يكفي في الاعتماد على الحديث.وأما عنبسة فقد قال صاحب الجواهر: (وخبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا)(1)، ولعلّ ذلك كان سبباً لاعتماد جمع من الأكابر عليه، سيما مع كون مثل البزنطي هو الراوى عنه.ومما يدل على اعتبار السند هو رواية الكليني في الكافي وللشيخ ـ في كتابيه ـ ما يدل على اعتماد مثل جميل بن دراج على روايته وتعبيره عنه وعن سورة بن كليب:«قد روى بعض أصحابنا»، فكل ذلك يكفي في الاعتماد على هذا الحديث.وهل يجب عليه الحج راكباً إذا عجز عن المشي قبل انعقاد نذره بالتمكن من المشي؟ الظاهر أن نذره إن كان مقيداً بسنة معينة لاشيء عليه لا الحج راكباً ولا سياق الهدي، وإطلاق الروايات منصرف عن ذلك، وإلا فإن أخذنا بإطلاق الروايات بهذه الصورة يجب أن نقول بجوازه راكباً وإن كان نذره مطلقاً غير مقيد بسنة معينة.ولكن الظاهر أنه لو لم يكن مقيداً بسنة معينة ينظر حصول التمكن، فإن حصل له يجب عليه الوفاء بالنذر.هذا إذا كان العجز قد طرأ قبل الشروع، وإن شرع بالحج برجاء التمكن وطرأ بعده العجز فهل يكشف ذلك أيضاً عن عدم انعقاد النذر إذا كان مقيداً بسنة معينة، أو يستفاد من إطلاق هذه الأخبار وجوب إتمام الحج راكباً، بل وكذا إذا لم يكن مقيداً بسنة معينة وشرع في الحج يجب عليه الركوب ويجزيه عن نذره فلا ينتطر التمكن من المشي؟يمكن أن يقال بشمول الروايات لهذه الصورة، خصوصاً رواية رفاعة ومحمد بن
1 ـ جواهر الكلام: 17 / 355.
[65]
مسلم لو لم نقل بكون رواية رفاعة نصاً فيها، من غير فرق بين المقيد بسنة معينة وغيره. المراد من العجز عن المشي
المراد من العجز عن المشي مسألة 27 ـ الظاهر أنه وإن كان مقتضى بعض الروايات المذكورة في المسألة السابقة في جواز الركوب وكفايته عن المشي اختصاص هذا الحكم بصورة وقوع الناذر في التعب مثل رواية رفاعة ورواية سماعة وحفص، فلا تشمل هذه سائر الموانع مثل العدو أو الخوف أو غيرهما.إلا أن الظاهر أن مادل منها على الحكم في صورة العجز وعدم الاستطاعة مثل صحيحي الحلبي وذريح المحاربي ورواية عنبسة يشمل مطلق العجز عن المشي، سواء كان بدنياً راجعاً إلى ضعف البدن والمرض وذهاب الطاقة على المشي ولو كان من كسر أو جرح وإلى غير ذلك من الموانع الخارجية كالخوف والعدو، أو حدوث مانع في الطريق من المشي لصدق عنوان العجز في الجميع فهو عاجز عن المشي.اللهمّ إلاّ أن يقال بانصراف العجز في هذه الأحاديث إلى العجز الجسماني دون ما حصل من سائر الأسباب، ولم نقل بعدم دخل حصوله من سبب خاص في الحكم.وعليه يكشف هذا العجز عن عدم انعقاد النذر فلا شيء عليه.ولكن الظاهر أن وجوب إتمام الحج وعدم جواز قطعه من الأثناء والرجوع إلى بلده كان مفروغاً عنه عندهم، والسؤال والجواب في الروايات وقع لعلاج وقوعه في ترك العمل بالنذر، ولذا استحب له سوق الهدي.وكيف كان فالاحتياط الواجب إلحاق العجز الحاصل من سائر الأسباب إلى العجز الحاصل من ضعف الجسم.والله تعالى هو العالم.
[66]
[67]
[68]
الكلام في الحج النيابي
الكلام في الحج النيابيلاكلام في جواز النيابة عن الميت والحي في الحج المندوب وعن الميت في الحج الواجب أيضاً وعن الحي في الواجب في الجملة وفي بعض الموارد وهذا الحكم مقطوع به يدل عليه الروايات الكثيرة فلا حاجة إلى سرد الكلام فيه.
القول في شرايط النايب
القول في شرايط النايبمسألة 1 ـ يشترط في النائب اُمور:
الأول: البلوغ على ما هو المعروف والمشهور فلا يصح نيابة الصبي وإن كان مميزاً والذي يمكن أن يكون الوجه لذلك اُمور:
أحدها: عبادة الصبي تمرينية فلا يكتفى بها للنيابة عن المكلفين الذين عباداتهم شرعية تترتب عليها آثارها الخاصة.وفيه: منع كون عباداتهم تمرينية صرفة بل عباداتهم شرعية صحيحة مثل عبادات المكلفين المندوبة.وثانيها: عدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه.وفيه: أن ذلك لا يقتضي بطلان عمله مطلقاً فيترتب عليه أثر الصحة هو بنفسه بعد بلوغه وكذا من يثق به.وثالثها: أن مقتضى الأصل عدم جواز الإكتفاء بفعل النائب إلا ما خرج بالدليل وما ثبت بالدليل جوازه والإكتفاء به هو حج البالغ.فقد ورد في الروايات جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل وعن المرأة ولا إطلاق فيها يشمل الصبي والصبية لعدم كونها في مقام بيان هذه الجهة وكونها في مقام بيان عدم اشتراط اتحاد الجنس أو الرجولية كما ورد في جملة منها لفظ الرجل مثل «فليبعث رجلا» وشموله للصبي أيضاً محل الإشكال، بل إلغاء خصوصية الرجل