الفصل الثاني
في شروط
المتبايعين
يعتبر في
المتبايعين اُمور..
الأول: البلوغ
بأحد الاُمور المتقدمة في أول
مباحث الاجتهاد والتقليد، فلا
يصح بيع الصبي وشراءه لنفسه وإن
كان مميزاً يفهم معنى البيع
والشراء، ويدرك موارد النفع
والضرر الماليين. بل لابد في ذلك
من إذن الولي، ويأتي في كتاب
الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك
إن شاء الله تعالى.
الثاني: العقل فلا
يصح عقد المجنون. ويأتي في كتاب
الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك
إن شاء الله تعالى.
الثالث: الاختيار،
فلا يصح بيع المكره وشراؤه، وهو
الذي يأمره غيره بالبيع أو
الشراء المكروه له على نحو يخاف
من ترتب الضرر بمخالفته. نعم إذا
كان الإكراه بحق لم يمنع من صحة
البيع.
(مسألة 1): المراد من
الضرر الذي يتوقف صدق الإكراه
معه ما يعم الضرر الواقع على
نفسه وماله وشأنه وبعض من يتعلق
به ممن يهمه أمره كولده وأبويه
وإخوته، بل الظاهر أنه يعم من
يجب عليه دفع الضرر المعتد به
عنه شرعاً، كما لو هدده بقتل
مؤمن لا يعرفه، بل يعم من يحسن
منه شرعاً دفع الضرر عنه، كما لو
هدده بنهب مال مؤمن لا يعرفه.
(مسألة 2): لو قدر على
دفع ضرر المكره بالاستعانة
بالغير من دون محذور والتفت
لذلك، ولكنه لم يفعل وأوقع البيع
فالظاهر عدم صدق الإكراه، وصحة
البيع حينئذٍ. وكذا إذا قدر على
إيهام المكره أنه فعل ما أكرهه
عليه والتفت لذلك ولم يفعل، بل
أوقع البيع. ومنه إذا قدر على
التورية ـ كما لو قصد بقوله: (بعت) الإخبار دون
الإنشاء ـ والتفت إليها، ولم يخش
ظهور الحال والوقوع في الضرر،
فإنه إذا لم يورِّ حينئذٍ وباع
قاصداً البيع صح لعدم صدق
الإكراه.
(مسألة 3): إذا أمره
الغير بالبيع وخاف من ترتب الضرر
بمخالفته، لكنه باع برضاه من دون
أن يستند البيع لأمر الغير صح
البيع. وكذا إذا استند في بيعه
لأمر الغير دفعاً للضرر المترتب
على مخالفته، لكنه التفت إلى أنه
لا يصح شرعاً فأوقع البيع راضياً
به دفعاً للمشاكل الشرعية
المترتبة على بطلان المعاملة.
(مسألة 4): إذا أكره
على بعض الخصوصيات في البيع ـ
كالثمن والزمان والمكان ـ من دون
أن يكره على أصل البيع، بل كان له
تركه، فباع بالخصوصية التي أكره
عليها صح البيع. كما لو حدد له
الثمن من دون أن يلزم بالبيع به،
بل كان له ترك البيع رأساً، فإنه
لو اختار البيع بالثمن المحدد صح
البيع.
(مسألة 5): الإكراه
إنما يبطل البيع إذا وقع على من
له البيع أو على وليه أو وكيله مع
عدم رضا الموكل بالبيع، أما إذا
وقع على الوكيل مع رضا الموكل
بالبيع فالبيع صحيح. وكذا إذا
أكره صاحب المال أو وليه أو
وكيله شخصاً في أن يبيع عنه
فباع، فإن البيع يصح حينئذٍ، ولا
يبطله الإكراه.
(مسألة 6): يصح بيع
المكره بالإجازة اللاحقة منه أو
من وكيله أو وليه.
(مسألة 7): لما كان
البيع مع إكراه أحد الطرفين
فاسداً فكما يبقى المكره مالكاً
لما يؤخذ منه من ثمن أو مثمن يبقى
الطرف الآخر مالكاً لما يدفعه
للمكره، وحينئذٍ إن كان الطرف
الآخر عالماً بالإكراه وبفساد
العقد، وتعمد أخذ ما أخذ غصباً
كان للمكره تملك ما أخذه منه من
باب المقاصة، فإن كان ما أخذه
مساوياً لما أخذه الطرف الآخر في
القيمة فقد استكمل حقه ولا شيء
عليه، وإن كان ما أخذه أقل قيمة
بقي له عند الطرف الآخر فرق ما
بينهما، وإن كان ما أخذه أكثر
قيمة استحق مقدار ما أخذ منه
بالمقاصة، وبقي الزائد ملكاً
لصاحبه، لكن لا يضمنه الآخذ لو
تلف لعدم تعديه في أخذه. وبوسع
المكره تملك تمام الثمن بتصحيح
البيع بإجازته له لاحقاً، كما
تقدم في المسألة السابقة.
وإن كان الطرف
الآخر جاهلاً بالإكراه، أو
بفساد البيع بقي ما دفعه للمكره
في ملكه ولم يكن للمكره تملكه من
باب المقاصة، بل يجب عليه إرجاعه
لصاحبه ومراجعته فيه. ومع تعذر
مراجعته ـ لعدم معرفته أو
لانقطاع خبره أو لغير ذلك ـ
فاللازم مراجعة الحاكم الشرعي
فيه، لأنه ولي الغائب، وبوسع
المكره حينئذٍ تجنب ذلك بتصحيح
البيع بإجازته اللاحقة، كما
تقدم.
(مسألة 8): إذا اضطر
للبيع من غير جهة الإكراه لم
يبطل البيع، كما لو اضطر لبيع
داره لمعالجة مريضه أو تحصيل قوت
عياله. وكذا لو كان من جهة
الإكراه على أمر غير البيع، كما
لو أكرهه الجائر على دفع مال،
ولم يمكنه دفعه إلا ببيع داره.
(مسألة 9): يجوز
الشراء ممن يقبل بالثمن القليل
لاضطراره للبيع. وكذا البيع ممن
يقبل بالثمن الكثير لاضطراره
للشراء. نعم يكره استغلال
اضطراره بحيث يكون تقليل الثمن
في الأول وزيادته في الثاني لأجل
اضطراره، أما إذا كان بداع آخر،
كعدم الرغبة في الشراء أو البيع
فلا كراهة. وكذا إذا كان
الاضطرار للبيع أو الشراء
موجبين لهبوط السعر السوقي أو
ارتفاعه.
الرابع: السلطنة
على التصرف في المبيع أو الثمن،
لكونه مملوكاً له أو في ذمته ـ من
دون أن يكون محجوراً عليه ـ أو
لكونه وكيلاً على المال أو
مأذوناً في التصرف فيه ممن له
التوكيل والإذن أو لكونه ولياً
عليه. فلو لم يكن كذلك لم ينفذ
البيع، كما لو باع الأجنبي أو
المالك المحجور عليه لصغر أو سفه
أو غيرهما. وهو المسمى عندهم
ببيع الفضولي وشرائه.
(مسألة 10): لا يكفي في
خروج البيع أو الشراء عن كونه
فضولياً العلم برضا من له
السلطنة عليه به، بحيث لو التفت
إليه لأذن فيه، بل لابد من إعمال
سلطنته فيه، بإذنه في البيع أو
توكيله على إيقاعه، ولو كان
مستفاداً من شاهد الحال كما لو
رأى صاحب المحل ولده يبيع له
ويشتري وتكرر ذلك منه ولم ينكر
عليه مع قدرته على الإنكار، حيث
يظهر منه إذنه له في القيام
مقامه في إدارة المحل.
(مسألة 11): بيع
الفضولي وشراؤه ـ وإن كان
موقوفاً غير نافذ ـ إلا أنه لا
يبطل رأساً بحيث لا يبطل التنفيذ
والتصحيح، بل ينفذ بإجازة من له
السلطنة، من مالك أو وكيل أو ولي
أو غيرهم.
(مسألة 12): لابد في
تصحيح عقد الفضولي بالإجازة من
بقاء الطرف الآخر على التزامه
بالبيع إلى حين الإجازة، فلو
أعرض عنه لم تنفع الإجازة في
تصحيحه، فإذا باع الفضولي دار
زيد على عمرو فأعرض عمرو عن
البيع قبل إجازة زيد للبيع لم
تنفع إجازة زيد بعد إعراض عمرو
في صحة البيع.
(مسألة 13): يكفي في
الإجازة كل ما يصلح لبيان إمضاء
من له السلطنة للعقد من قول أو
فعل، كقبض الثمن، وتسليم
المبيع، وغيرهما. بل يكفي سكوته
عنه وعدم رده بعد علمه به إذا كان
كاشفاً عن إقراره وتنفيذه له.
أما مجرد الرضا الباطني بالعقد،
مع عدم المبرز لإقرار العقد
والرضا به فلا يكفي في إجازة
العقد ونفوذه.
(مسألة 14): ينفذ عقد
الفضولي بإجازة من له السلطنة،
سواء سبق منه أو من غيره من ذوي
السلطنة المنع عن إيقاعه أو الرد
له بعد وقوعه، أم لم يسبق شيء
منهما.
(مسألة 15): إجازة عقد
الفضولي تقتضي نفوذه وترتب جميع
أثار صحته من حين وقوعه، لا من
حين إجازته فقط، فإذا باع
الفضولي الدابة ـ مثلاً ـ وحصلت
الإجازة بعد مدة من الزمن حكم
بملكية المشتري لها من حين
العقد، فتكون نماءاتها ـ كالولد
واللبن ـ ومنافعها من حين العقد
للمشتري، ولو اعتدى عليها شخص
بعد العقد وقبل الإجازة فأتلف
منها شيئاً كان ضامناً للمشتري
لا للمالك الأول، وهكذا الحال في
بقية الآثار. كما أنه يحكم
بملكية البائع للثمن من حين وقوع
العقد وتترتب آثار ذلك.
(مسألة 16): إذا باع
الفضولي العين من شخص ثم أخرجها
المالك أو من يقوم مقامه عن ملكه
ـ ببيع أو هبة أو غيرهما ـ قبل
إجازة بيع الفضولي فلا مجال
لإجازته بعد ذلك. أما إذا آجر
المالك أو من يقوم مقامه العين
من دون أن تخرج عن ملكه فالظاهر
أن له إجازة العقد الفضولي، فإذا
أجازه صح، غايته أن يكون للمشتري
حينئذٍ الخيار، وله فسخ البيع
للعيب. وكذا الحال في كل تصرف من
المالك في العين يوجب نقصاً فيها
من دون أن يوجب سلب سلطنته على
بيعها كالرهن، بل حتى التصرف
الخارجي فيها منه أو من غيره،
كهدم الدار، أو تغيير صورتها،
وخياطة الثوب، ونحوها.
(مسألة 17): إذا باع شخص
فضولاً وقبل الإجازة ملك المبيع
بالشراء أو بغيره لم يصح بيعه
الفضولي، حتى لو أجازه. وكذا لو
ملكه غير البائع الفضولي، فإنه
لا يصح منه إجازة بيع الفضولي
السابق على ملكيته للعين.
نعم إذا كان
انتقال العين من المالك الأول
للبائع الفضولي أو غيره
بالميراث فلصحة بيع الفضولي
بالإجازة من المالك الثاني وجه،
إلا أن الأحوط وجوباً التوقف
والرجوع للصلح ونحوه مما يكون
مرجعاً عند اشتباه الحقوق.
(مسألة 18): إذا باع
الشخص باعتقاد كونه مالكاً أو
وكيلاً أو ولياً فتبين عدم كونه
كذلك كان البيع فضولياً، وتوقف
على الإجازة، كما سبق. وإن باع
باعتقاد عدم كونه مسلطاً فتبين
كونه ولياً أو وكيلاً وكان البيع
مناسباً لولايته أو وكالته نفذ
البيع ولم يحتج للإجازة. وإن
تبين كونه مالكاً، فإن ابتنى
بيعه على إعمال سلطنته ـ ولو
ادعاءً، نظير بيع الغاصب ـ نفذ
البيع، وإن لم يبتن على ذلك، بل
على مجرد إيقاع العقد بانتظار
تنفيذ من له السلطنة فالظاهر عدم
نفوذ البيع وتوقفه على إجازته،
أو إجازة غيره ممن له السلطنة.
(مسألة 19): إذا باع
الغاصب المال المغصوب لنفسه لم
ينفذ البيع إلا بإجازة صاحب
المال، فإن أجاز وقع البيع له
ودخل الثمن في ملكه، ولا يقع
للغاصب ولا يدخل الثمن في ملكه.
وكذا الحال في غير الغاصب ممن
يبيع مال غيره لنفسه، كالذي
يعتقد ملكية مال الغير خطأً أو
تشريعاً.
(مسألة 20): من كان عنده
مال للغير فاشترى به من دون إذن
صاحب المال، فإن نوى الشراء
لصاحب المال كان من بيع الفضولي،
وتوقف نفوذه على إجازة صاحب
المال، وإن نوى الشراء لنفسه،
فله صورتان..
الاُولى: أن يشتري
بشخص ذلك المال، كما لو قال:
اشتريت منك هذا الثوب بهذا
الدينار، وفي هذه الصورة يلحقه
حكم بيع الفضولي، فيتوقف نفوذه
على إجازة صاحب المال.
الثانية: أن يشتري
بالذمة ويدفع مال الغير، كما لو
قال: اشتريت منك هذا الثوب
بدينار، ثم دفع له الدينار الذي
هو ملك غيره. وهذه الصورة هي
الشائعة، والبيع فيها نافذ بلا
حاجة إلى إجازة من صاحب المال،
ويكون المبيع للمشتري لا لصاحب
المال، غاية الأمر أن ذمة
المشتري لا تبرأ من الثمن، بل
يبقى في ذمته للبائع حتى يجيز
صاحب المال، أو يعوض المشتري
صاحب المال عنه، أو يدفع المشتري
الثمن من ملكه.
(مسألة 21): إذا لم ينفذ
بيع الفضولي لعدم الإجازة، فقبض
المشتري المبيع كان قبضه بلا حق،
وجرى عليه حكم المغصوب، من حيثية
ضمانه وضمان منافعه وغير ذلك،
مما يأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى، من
دون فرق بين العالم بكون البائع
فضولياً والجاهل بذلك، وإنما
يفترقان في الإثم وعدمه.
نعم إذا علم
المشتري رضا المالك بقبضه
للمبيع وبتصرفه فيه جاز له ذلك،
وإن لم ينفذ البيع ولم يملكه
لعدم الإجازة. بل يكفي الرضا
التقديري من الغافل، وذلك بأن
يكون بحيث لو علم لرضي، فإنه
يجوز التصرف مع ذلك لكل أحد.
وحينئذٍ إن علم أنه يرضى بالتصرف
من دون ضمان فلا ضمان، إلا أن
ينكشف الخطأ فيضمن بالمثل أو
القيمة، كما في الغصب، وإن علم
أنه يرضى بالتصرف مع الضمان
بالمثل أو القيمة تعين الضمان
بأحد الأمرين، إلا أن ينكشف
الخطأ فلا ضمان، وإن علم أنه
يرضى بالضمان بالأقل من أجرة
المثل أو بالأكثر منها فالأحوط
وجوباً التراضي بينهما في الفرق
بين أجرة المثل وأحد الأمرين.
(مسألة 22): لو باع
الإنسان ما له السلطنة على بيعه
وما ليس له السلطنة على بيعه
صفقةً واحدةً نفذ البيع فيما له
السلطنة عليه، وتوقف نفوذه فيما
لا سلطنة عليه على إجازة من له
السلطنة، ومع عدم الإجازة يكون
للمشتري خيار تبعض الصفقة مع
جهله بعدم السلطنة على بيع
البعض، وكذا مع علمه بذلك إذا
كان البيع مشروطاً ـ ولو ضمناً ـ
بتمامية المبيع للمشتري، وأما
إذا لم يكن مشروطاً بذلك فلا
خيار له. وأما طريق معرفة حصة كل
منهما من الثمن، فيأتي الكلام
فيه في خيار تبعض الصفقة إن شاء الله تعالى.
تتميم
في أولياءالعقد
للإنسان أن يتصرف
ـ بنفسه أو بوكيله ـ في نفسه
وماله، ما لم يكن محجوراً عليه
لصغر أو جنون أو سفه. والكلام هنا
في الأولياء الذين لهم التصرف في
شؤون المحجور عليه الراجعة
لنفسه وماله.
(مسألة 23): للأب والجد
للأب التصرف في مال الصغير
بالبيع والشراء وغيرهما، كما أن
لهم التصرف في نفسه بمثل الإطعام
والاستخدام والعلاج والاستئجار
للقيام ببعض الأعمال، والنكاح ـ
على تفصيل يأتي في كتاب النكاح
إن شاء الله تعالى ـ وغير ذلك.
نعم لا يجوز لهما طلاق زوجته،
ولا يلحق به فسخ النكاح بأحد
الأسباب المسوغة له، وهبة المدة
في النكاح المنقطع، بل يجوز لهما
القيام بهما بالشرط الآتي.
(مسألة 24): لا يعتبر في
تصرف الأب والجد لزوم المصلحة
للصغير، فيجوز ـ مثلاً ـ بيع
ماله بقيمة المثل مع عدم الحاجة
للبيع، نعم لابد من عدم لزوم
المفسدة من التصرف وعدم كونه
تفريطاً في حق الصغير عرفاً، فلا
يجوز التصرف مع المفسدة، كالبيع
بأقل من قيمة المثل من دون حاجة،
كما لا يجوز التصرف بدون مفسدة
مع تيسر التصرف الأصلح والأنفع،
كالبيع بقيمة المثل أو بأزيد
منها مع تيسر البيع بأكثر من
ذلك، لأنه تفريط حينئذٍ. بل
الأحوط وجوباً في مثل إعمال
الحقوق وإسقاطها ـ كهبة المدة في
النكاح المنقطع، والفسخ في مورد
الخيار، والإقالة، وإسقاط حق
الخيار ـ الاقتصار مع الأمرين
السابقين على صورة الحاجة
العرفية لذلك، بأن يكون عدم
القيام بها معرضاً لحدوث مشكلة
للصغير أو لغيره ممن يتعلق به
الحق، أو حصول مصلحة معتد بها
للصغير، ولو بأن يبذل له مال
معتد به بأزاء التصرف المذكور.
(مسألة 25): يجوز للأب
والجد نصب القيم على اليتيم بعد
موتهما، وهو الوصي فيكون له
الولاية على التصرف في مال الطفل
على النحو المتقدم، من عدم
المفسدة وعدم لزوم التفريط. نعم
الأحوط وجوباً له عدم الاتجار
بمال الطفل ـ بضاعة أو مضاربة أو
نحوهما ـ إلا إذا أجاز له الموصي
ذلك بالخصوص، أو مع ضمان الخسران
لو وقع وكان العامل مليَّاً
قادراً على التدارك. ويكون الربح
بتمامه لليتيم إلا إذا نص الموصي
على الإذن في المضاربة.
(مسألة 26): ليس للقيم
الوصي من قبل الأب أو الجد نصب
القيم على اليتيم بعد موته
والوصية بذلك لغيره. إلا إذا نص
الأب أو الجد على الإذن له في ذلك.
(مسألة 27): إذا بلغ
الصغير مجنوناً استمرت ولاية
الأب والجد والوصي منهما عليه،
وكذا إذا بلغ غير رشيد في بعض
الجهات من الماليات أو غيرها،
فإن ولايتهم تبقى عليه في تلك
الجهة. وأما إذا بلغ رشيداً ثم جن
فالظاهر انحصار الولاية عليه
بالأب والجد، فلا يتولى غيرهما
التصرف إلا بإذنهما. والظاهر عدم
توقف التصرف على مراجعة الحاكم
الشرعي، وإن كان هو الأحوط
استحباباً.
(مسألة 28): إذا فقد
الصغير أو المجنون الأب والجد من
قبل الأب والوصي من قبل أحدهما
فولايته لمن هو الأولى بميراثه،
لكن لا بنحو يجب عليه تولي أمره،
بل بمعنى أنه لا يجوز لغيره
مزاحمته في ذلك، ولو تولى أمره
تعين على غيره استئذانه إذا أراد
تولي شيء من أمره. أما إذا لم
يتول أمره فلا يجب على غيره
استئذانه في إدارة أمره. نعم
الأحوط وجوباً في التصرفات
المهمة إشراك العادل بها نظير ما
يأتي في المسألة اللاحقة.
(مسألة 29): إذا لم يتول
الأولى بالميراث أمر اليتيم أو
المجنون في المسألة السابقة جاز
ـ بل استحب ـ لكل أحد كفالته
ومخالطته بالمعروف وبالنحو الذي
يصلح له، كالنفقة عليه من ماله ـ
مع وجوده ـ أو من غيره، وحمله على
التكسب بعمل أو غيره، والمحافظة
عليه، ومداواته، وتأديبه، ونحو
ذلك مما يحتاج إليه، وتقتضيه
طبيعة المعاشرة والمخالطة، من
دون إفساد أو تفريط بالنحو
المتقدم في ولاية الأب والجد.
والإنسان على نفسه بصيرة،
والرقيب على ذلك هو الله تعالى، فإنه
يعلم المصلح من المفسد.نعم
الأحوط وجوباً في التصرفات
المهمة الخارجة عن ذلك مراجعة
العادل فيها إن لم يكن المتولي
عادلاً مثل قسمة الميراث،
وتصفية الأموال ببيع ما لا صلاح
في بقائه، ولا يحتاج في جميع ذلك
إلى مراجعة الحاكم الشرعي، وإن
كان هو الأحوط استحباباً. وإذا
بلغ اليتيم غير رشيد بقي الحكم
السابق عليه. وكذا الحال في
المجنون الذي لا ولي له. نعم لا
يجوز تزويجهما عند احتياجهما
للزواج إلا بمراجعة الحاكم
الشرعي مع إمكان ذلك، ومع تعذره
يكفي الرجوع للعادل، نظير ما
تقدم.
(مسألة 30): يجب الرجوع
للحاكم الشرعي وتثبت له الولاية
في اُمور..
الأول: مال الغائب
الذي لا يمكن الوصول إليه، ولا
لوليه عند الحاجة إلى التصرف
فيه، ومثله المال الذي يتعذر
الرجوع لوليه، لغيبة أو خوف أو
غيرهما. نعم يجوز التصرف الخارجي
في الجميع بمثل النقل والأكل
وغيرهما إذا أحرز رضا المالك أو
الولي به ولو تقديراً، بأن يكون
بحيث لو التفت لرضي بالتصرف.
الثاني: الأموال
العامة التي ليس لها مالك خاص،
كأموال الخراج.
الثالث: الخمس،
على تفصيل تقدم في كتاب الخمس.
الرابع: الأوقاف
التي لا ولي لها والأموال
التابعة لها، على تفصيل يأتي في
كتاب الوقف إن شاء الله تعالى.
(مسألة 31): إذا تعذر
الرجوع إلى الحاكم الشرعي في
الموارد المتقدمة وجب الرجوع
إلى عدول المؤمنين، ومع تعذره
يجوز القيام بالتصرف لكل أحد،
والأحوط وجوباً الاقتصار فيهما
على مقدار الضرورة بحيث يقطع
بأهمية التصرف ورضا الشارع
الأقدس به، إلى أن يتيسر الرجوع
إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 32): لابد في
الولي في جميع الطبقات المتقدمة
من أن يكون نظره على طبق
الموازين العقلائية، فإذا كان
شاذاً في اختياره خارجاً عن
طريقة العقلاء في نظره سقط عن
مقام الولاية، إلا أن تكون
مخالفته لما عليه عموم العقلاء
لاطلاعه على ما خفي عنهم، بحيث
لو اطلعوا على ما اطلع عليه
لأقروه على تصرفه ووافقوه في
اختياره.
(مسألة 33): المعيار في
تشخيص المصلحة وعدم المفسدة على
نظر الولي حين إيقاع التصرف، لا
على نظر الغير، فإذا باع الولي
باعتقاد كون التصرف مصلحة جاز
الشراء منه وإن اعتقد المشتري
عدم المصلحة أو وجود المفسدة. بل
إن ظهر للولي الخطأ بعد إيقاع
التصرف لم ينكشف بطلان التصرف،
إلا أن يرجع ذلك للتقصير منه في
النظر للمولى عليه، فيبطل
التصرف لقصور ولايته حينئذٍ. كما
أنه لو تصرف معتقداً ترتب
المفسدة على التصرف لم ينفذ
تصرفه وإن كان التصرف صلاحاً في
الواقع، وكان موقوفاً على
الإجازة، كتصرف غير الولي.
(مسألة 34): إذا وقع
التصرف من غير الولي أو من الولي
الخارج عن مقتضى ولايته لحقه حكم
تصرف الفضولي، فيتوقف نفوذه إذا
كان عقداً على تنفيذ من له
السلطنة عليه، على النحو السابق
في العقد الفضولي، سواء كان هو
المولى عليه إذا ارتفع الحجر عنه
ـ كالصبي إذا بلغ، والمجنون إذا
أفاق ـ أم وليه حين إيقاع العقد،
أم ولياً آخر حصلت له الولاية
بعد إيقاع العقد، كما لو أنعزل
من كان ولياً حين العقد بالخيانة
فصارت الولاية للحاكم الشرعي
فرأى مصلحة المولى عليه في تنفيذ
العقد، فمثلاً إذا بيع مال
الصغير بدون قيمة المثل
تفريطاً، ثم نزل سعر المبيع إلى
ما دون الثمن الذي وقع به البيع
أمكن للولي تنفيذ البيع
المذكور، لكون التنفيذ حينئذٍ
مصلحة للصغير.