الفصل الثالث
في شروط
العوضين
تمهيد..
لما كان البيع من
المعاوضات فهو موقوف بطبعه على
أن يتعين المبيع لجهة خاصة كي
يكون مورداً للمعاوضة، ويترتب
على ذلك أمران..
الأول: امتناع بيع
المباحات الأصلية، كالسمك في
الماء، والطير في الهواء قبل
اصطيادهما. نعم لا يعتبر أن يكون
ملكاً لإنسان خاص بل يكفي تعينه
لجهة عامة أو خاصة، كالأموال
الزكوية، وكالأموال المعينة
لجمعيات وهيئات خيرية، ونماء
الوقف غير المملوك، وغيرها.
(مسألة 1): لابد في
التعين للشخص أو للجهة، المصحح
لكون المال موضوعاً للبيع من
كونه شرعياً بتحقق سببه الشرعي،
من حيازة أو إحياء أو غيرهما. ولا
يكفي التعين بمقتضى القانون
الوضعي، فمثلاً لا يجوز بيع
الأراضي الموات المشتراة أو
الممنوحة من الدولة وإن تم
تسجيلها باسم شخص خاص، لعدم
كفاية ذلك في ملكها شرعاً. نعم
يجوز أخذ المال في مقابل التنازل
القانوني عنها للآخرين
والاعتراف بها لدافع المال
ونقلها له رسمياً وقانونياً،
وتتوقف ملكيته لها شرعاً على
حصول سببها الشرعي وهو الإحياء.
الثاني: أن يدخل
الثمن في ملك من خرج منه المبيع،
فلا يقع البيع على أن يدخل الثمن
في ملك غير البائع، وعلى ذلك فلو
دفع الأب مثلا لولده شيئاً على
أن يبيعه الولد ويأخذ ثمنه لنفسه
فلا يصح ذلك، إلا بأحد وجهين..
أحدهما: أن يرجع
إلى هبة الأب لولده ذلك الشيء
الذي دفعه له، أو الإذن له
بتملكه بحيث يملكه قبل البيع،
فيبيعه لنفسه ويدخل ثمنه في ملكه.
ويترتب على ذلك أنه لو فسخ البيع
ـ بإقالة أو خيار ـ رجع المبيع
للولد.
ثانيهما: أن يرجع
إلى إذن الأب لولده في تملك
الثمن بعد البيع، فيقع البيع
للأب ويدخل الثمن في ملكه بدلاً
عن المبيع، ثم يتملكه الولد هبة
من أبيه. ويترتب على ذلك أنه لو
فسخ البيع يبقى الثمن في ملك
الولد، ويجب على الأب ضمانه ـ
بمثله أو قيمته ـ للمشتري، إلا
أن تكون هبة الأب للثمن مشروطة ـ
ولو ضمناً ـ بتحمله تبعات
المعاملة. ولا يمكن أن يبقى
المبيع على ملك الأب إلى حين
البيع ثم يدخل الثمن بالبيع في
ملك الولد رأساً. أما المبيع
فمقتضى الوضع الطبيعي للبيع
دخوله في ملك من خرج منه الثمن،
فإذا باع زيد لعمرو ثوباً بعشرة
دنانيرلعمرو أو في ذمته كان
مقتضى إطلاق العقد بطبعه صيرورة
الثوب لعمرو بالبيع، لكن يمكن
قصد البيع على وجه آخر، بحيث
يكون البيع لشخص آخر غير من خرج
منه الثمن، وعلى ذلك يمكن أن
يدفع الأب مثلاً لولده مالاً
ليشتري به الولد شيئاً له من دون
أن يملك الولد ذلك المال، بل
ينتقل المال من الأب للبائع
رأساً في مقابل المبيع الذي
ينتقل من البائع للولد. ويترتب
على ذلك أنه لو فسخ البيع رجع
المبيع من الولد للبائع، ورجع
الثمن من البائع للأب دون الولد،
وفي مثل هذا البيع يكون أطراف
العقد ثلاثة، البائع والمشتري
ودافع الثمن، ولابد في صحته من
إذنهم أو إجازتهم.
إذا عرفت هذا
فالكلام في شروط العوضين يقع في
ضمن مسائل..
(مسألة 2): الظاهر أنه
لا يعتبر في العوضين أن يكونا
مالاً، وهو ما يتنافس العقلاء
على تحصيله، فيجوز بيع ما لا
مالية له ـ كالماء على الشاطئ،
وبعض الحشرات والفضلات غير
المرغوب في اقتنائها عند عموم
العقلاء ـ إذا تعلق الغرض الشخصي
بتملكها من مالكها. ويترتب عليه
جميع آثار البيع.
(مسألة 3): الظاهر عدم
وقوع البيع على المنفعة والعمل،
فلا تكون مبيعاً، بل تكون
موضوعاً للإجارة، نعم يجوز أن
تكون ثمناً في البيع. ويجوز بيع
بقية الأشياء القابلة للانتقال،
كالأعيان ـ مثل الثوب والدار ـ
والحقوق، كحق الاستثمار في
الأراضي الخراجية، وحق أولوية
الاستئجار وهو المعروف بـ (السرقفلية).
(مسألة 4): لا يصح بيع
الحق غير القابل للانتقال، كحق
الشفعة، نعم يمكن بذل المال في
مقابل إسقاطه بنحو من الصلح، ولا
يصدق عليه البيع، ولا تجري
أحكامه، فلا يثبت فيه الخيار
مثلاً. وكذا الحال في جميع موارد
إسقاط الحق بالعوض، كإسقاط الحق
الثابت بالشرط، ومثله الصلح على
عدم إعمال السلطنة الشرعية التي
هي نحو من الحكم الشرعي، كالصلح
على عدم حيازة بعض المباحات
الأصلية، وعلى عدم الدخول في
المزايدة في بعض المعاملات، فإن
ذلك كله ليس من البيع ولا تترتب
عليه أحكامه.
(مسألة 5): العين التي
يصح معاوضتها على أقسام:
الأول: أن تكون
خارجية شخصية، كالثوب الخاص
والدرهم الخاص.
الثاني: أن تكون
كلية في ضمن موجود خارجي، كما لو
كان عنده كيس فيه مائة كيلو من
الدقيق فباع كيلواً منها بدينار.
الثالث: أن تكون
ذميةً قبل البيع، كما لو كان له
في ذمة زيد كيلو من الدقيق فباعه
على عمرو بدينار، أو كان له على
زيد دينار فاشترى به منه كيلواً
من الدقيق.
الرابع: أن تكون
ذميةً بالبيع، كما لو باع الثوب
على زيد بعشرة دنانير في ذمته.
نعم لا يجوز بيع الدين بالدين
إذا كانا ثابتين قبل البيع، على
ما يأتي تفصيل الكلام فيه في
كتاب الدين.
(مسألة 6): لا يجوز بيع
الأرض الخراجية، وهي التي
افتتحها المسلمون بالقتال مع
الكفار وكانت عامرة حين الفتح،
لأنها متروكة مختصة بعامة
المسلمين ما تعاقبوا جيلاً بعد
جيل باستمرار الزمان، وليست هي
ملكاً لمن هي في يده، بل له حق
إعمارها بدفع الخراج للمسلمين
بالنحو الذي لا يجحف به، من دون
فرق في عدم جواز البيع بين أن
تكون فيها آثار مملوكة للبائع ـ
من بناء أو شجر أو غيرهما ـ وأن
لا تكون فيها آثار مملوكة له.
نعم للذي هي في يده
أولوية التصرف فيها بعمارتها
واستغلالها، وهي نحو من الحق له
في الأرض لا يجوز مزاحمته فيه.
وحينئذٍ يجوز شراء هذا الحق منه،
ويحل للمشتري القيام بعمارتها
واستغلالها مع دفع الخراج، وهو
حصة مما ينتج منها أو أجرة معينة.
(مسألة 7): يجزي في
حلية التصرف في الأراضي
الخراجية واستغلالها التعامل
عليها مع السلطان المدعي
للخلافة أو الولاية الدينية ـ
وإن كان ظالماً ـ إذا كان واضعاً
يده على الأرض مسيطراً عليها،
كما يرجع إليه في تحديد الخراج،
ويجزي دفعه له، ويحل أخذه منه
مجاناً بنحو الجائزة أو بمعاملة
معاوضة، بل يجوز للمكلف أن
يتقبّل الخراج من السلطان
المذكور بمال معين يدفعه إليه،
ثم يأخذ الخراج ممن يعمر الأرض
بدلاً من السلطان بالمقدار الذي
عيّنه السلطان عليه، ولا يجوز
لمن عليه الخراج منع الشخص
المذكور من الخراج إذا كان محترم
المال. نعم إذا كان السلطان
ظالماً، وأمكن منع الخراج منه
وجبت مراجعة الحاكم الشرعي فيه.
كما أنه إذا لم تكن الأرض تحت يد
السلطان المدعي للخلافة أو
الولاية الدينية، أو أمكن عدم
مراجعته فيها ـ لجهله بأنها
خراجية أو نحو ذلك ـ وجب التعامل
على الأرض مع الحاكم الشرعي،
والاتفاق معه على مقدار خراجها،
والرجوع إليه في مصرفه.
(مسألة 8): من كان بيده
أرض خراجية، فتركها وأعرض عن
عمارتها واستغلالها ـ إعراضاً
منه عنها أو لعجزه عن عمارتها ـ
سقط حقه فيها، وجاز لغيره
عمارتها والتعامل عليها مع
السلطان أو مع الحاكم الشرعي.
نعم إذا كان تركه لها بسبب مضارة
السلطان له، بتثقيل الخراج عليه
وإجحافه فيه بقي حقه فيها، ووجب
لمن يريد عمارتها إرضاؤه، إلا أن
تكون مضارة السلطان له سبباً في
إعراضه عنها بحيث لا تتعلق نفسه
بها.
(مسألة 9): إذا تركت
الأرض الخراجية مدة طويلة حتى
خربت وماتت ـ ولو بسبب ضعف
السلطان أو جوره ـ فالظاهر أنه
يجري عليها ما يأتي في حكم الأرض
الموات.
(مسألة 10): الظاهر أن
إحياء الأرض الموات موجب لجريان
حكم الملك عليها في ثبوت حق
للمحيي قابل للبيع والشراء
وغيرهما من أنحاء التصرفات
المبنية على السلطنة، ولا يوجب
ملكية الأرض حقيقة، بل هي ملك
للإمام (عليه السلام)، وليس ثبوت
الحق فيها لمن عمّرها إلا تفضلاً
منهم (عليهم السلام).
(مسألة 11): لو ترك صاحب
الأرض عمارتها مدة معتداً بها
حتى ماتت، بحيث صدق عليها أنها
من الأرض الموات سقط حقه فيها،
سواء كان ذلك للإعراض عن نفس
الأرض أو عن عمارتها، أم كان
للعجز عن عمارتها، أم لداع آخر،
كالانشغال بما هو أهم. وحينئذٍ
يجوز لغيره عمارتها، ويثبت حقه
فيها، ولا يجب عليه استئذان
الأول، ولا دفع الأجرة له عن
استغلالها والانتفاع بها، وإن
كان الأحوط استحباباً دفع
الأجرة له، وأحوط منه استحباباً
أيضاً إرضاؤه عن نفس الأرض، أو
دفعها له لو أرادها. بل الأحوط
وجوباً عدم مزاحمته لو أراد
عمارتها بعد خرابها قبل أن
يعمرها الغير، فلا يسبقه الغير
لعمارتها وإحيائها.
(مسألة 12): الظاهر عدم
سقوط حق صاحب الأرض فيها لو كان
خرابها بسبب منع ظالم له من
عمارتها، فلا يجوز لغيره التصرف
فيها حينئذٍ إلا بإذنه، إلا أن
يكون منع الظالم له من عمارتها
موجباً لإعراضه عن الأرض وعن
عمارتها، وانصرافه عن ذلك، بحيث
لا يستند بقاء الخراب لمنع
الظالم وحده، بل للإعراض
المذكور أيضاً، فلا يبقى حقه
فيها حينئذٍ، ويجوز للغير
عمارتها.
(مسألة 13): لابد في كل
من العوضين أن يكون معيناً، ولا
يجوز أن يكون مردداً، فإذا قال:
بعتك المتاع بدينار أو عشرة
دراهم، أو قال: بعتك الثوب أو
الطعام بدينار، فقبل، لم يصح
البيع، إلا أن يرجع إلى توكيل
أحد المتبايعين للآخر في إيقاع
العقد بالنحو الذي يراه
مناسباً، وحينئذٍ لا يتم العقد
إلا بعد إيقاعه بالوجه الذي يراه.
(مسألة 14): إذا باعه
بثمن حالاً وبأزيد منه مؤجلاً
فقبل، صح البيع بالثمن الأقل مع
الأجل، فإذا قال مثلاً: بعتك هذا
الثوب بدينار حالاً وبدينارين
إلى شهر، فقبل المشتري، وقع
البيع بالدينار مؤجلاً إلى شهر،
والأحوط وجوباً الاقتصار على
ذلك وعدم التعدي إلى ما يشبهه،
كالبيع مؤجلاً بأجلين بثمنين،
كما لو قال: بعتك بدينارين إلى
شهر وبثلاثة دنانير إلى شهرين،
أو البيع بأكثر من ثمنين، كما لو
قال: بعتك بدينار حالاً
وبدينارين إلى شهر وبثلاثة
دنانير إلى شهرين، وغير ذلك. بل
يشكل صحة البيع في الجميع لما
تقدم في المسألة السابقة. نعم لا
بأس بالمساومة بنحو الترديد
لتعيين الثمن المطلوب على كل
تقدير يفرض، ثم إيقاع العقد بنحو
محدد يتفقان عليه.
(مسألة 15): يجب في
المبيع إذا كان من المكيل أو
الموزون معرفة كيله أو وزنه عند
العقد، ولا يجوز بيعه جزافاً،
والأحوط وجوباً ذلك في الثمن
أيضاً. بل الأحوط وجوباً عموم
اشتراط العلم بمقدار كل من
العوضين بالنحو الذي يتعارف
تقديره به عند البيع، من كيل أو
وزن أو عد أو مساحة أو مشاهدة،
فلا بيع مع الجهل المطلق بأحد
العوضين أو كليهما، مثل البيع
بما في الصرة، والبيع بقيمة
الشراء، وبيع ما في الخزانة، كما
لا بيع مع التقدير بما لا يتعارف
التقدير به، كالاكتفاء
بالمشاهدة في المكيل أو الموزون
أو المعدود، والاكتفاء بالكيل
في الموزون أو المعدود أو غير
ذلك. نعم إذا تعارف بيع الشيء في
بعض الأحوال مجازفةً صح بيعه
كذلك، كبيع ثمرة البستان لسنةٍ
أو سنتين، وبيع اللبن في الضرع،
على ما يأتي التعرض له إن شاء الله تعالى.
(مسألة 16): يترتب على
ما سبق الإشكال فيما قد يجري
عليه بعض الناس من البيع بانتظار
قائمة الشراء، بأن يوقع الطرفان
البيع من دون تعيين للثمن
وينتظران في تعيينه وصول قائمة
الشراء والاطلاع عليها.
(مسألة 17): يمكن
التخلص من الإشكال المتقدم بأحد
وجهين:
الأول: إيقاع
المعاملة بثمن معين مع اشتراط
الفسخ لأحد الطرفين أو لكليهما
لو ظهر أن الثمن غير مناسب
للقائمة.
الثاني: إيقاع
المعاملة بثمن معين مع اشتراط
التدارك ببذل الفرق من البائع أو
المشتري لو ظهر أن الثمن غير
مناسب للقائمة.
(مسألة 18): إذا اختلف
تقدير الشيء الواحد باختلاف
الأحوال لزم تقديره في كل حال
بما يتعارف تقديره به في ذلك
الحال، كالثمر يباع بالمشاهدة
على الشجر أو عند البيع جملةً،
ويباع بالوزن عند البيع مفرداً،
كما أنه قد يباع الشيء في حال
كيلاً في صناديق أو أكياس، وفي
حال بالوزن، وغير ذلك. وكذا
الحال في اختلاف البلدان
والأزمنة، فيراعى في كل بلد
وزمان ما يناسبه.
(مسألة 19): يكفي في
معرفة المقدار إخبار البائع به،
كيلاً أو وزناً أو عداً أو
مساحةً. نعم إذا اشترى الشيء
اعتماداً على إخبار البائع لم
يصح منه الاكتفاء بذلك في التعهد
بالمقدار لمن يبيعه عليه، إلا أن
يعلم صدقه. وكذا يجوز الاعتماد
على ظهور حال المبيع لو تعارف
كونه بقدر خاص، كما قد يتعارف
بلوغ كيس الحبوب مائة كيلو،
والطاقة من القماش ثلاثين
متراً، والصندوق من الأمتعة
بعدد خاص، ونحو ذلك.
(مسألة 20): إذا ظهر
الخطأ ـ بالنحو الخارج عن
المتعارف ـ في الكيل أو الوزن أو
غيرهما من جهات معرفة المبيع أو
الثمن، فإن كان موضوع المعاملة
هو الكلي المقدر بالمقدار الخاص
ـ كعشرة كيلوات من الدقيق ومائة
دينار ـ وجب إتمام ما نقص وإرجاع
ما زاد، وإن كان شخصياً فإن كان
الخطأ في المبيع بالزيادة وجب
على المشتري إرجاع الزائد
للبائع، وإن كان بالنقيصة وجب
على البائع إرجاع ما قابلها من
الثمن على المشتري، وإن كان
الخطأ في الثمن بالزيادة وجب
إرجاع الزائد، وان كان بالنقيصة
وجب إرجاع ما قابله من المبيع.
نعم إذا كان الاجتماع مورداً
لغرض عقلائي كان لهما الفسخ في
مورد وجوب الإرجاع.
(مسألة 21): يجوز مع
التراضي جعل الكيل طريقاً إلى
معرفة العدد، بأن يعد ما في
مكيال خاص ثم يكيل بحسابه، وكذا
يجوز جعله طريقاً إلى معرفة
الوزن، بأن يوزن ما في مكيال خاص
ثم يكال بحسابه، أو يوزن بعض
الأكياس ثم يؤخذ باقيها بحسابه،
ولا رجوع مع ذلك لو ظهر الخلاف.
نعم لابد من كون الفرق المتوقع
قليلاً لا ينافي صدق معلومية
المقدار عرفاً، وأن يقع التراضي
بذلك من الطرفين، وإلا فلا مجال
للاكتفاء بذلك في معرفة المقدار.
(مسألة 22): يجوز مع
التراضي استثناء مقدار معين من
الوزن للظروف، كالصناديق
والأكياس والقرب ونحوها، إذا
كانت مجهولة المقدار وتردد
المستثنى بين الزيادة والنقصان،
ولا رجوع حينئذٍ لو ظهر الخلاف
كما في المسألة السابقة. وأما
إذا علم أن المستثنى أكثر من
مقدار الظرف فإن كان قصدهما بيع
تمام الباقي على جهالته أشكل
صحته، ويدخل فيما تقدم من بيع
المجهول، وإن كان قصدهما بيع
المقدار الأقل، وهبة الباقي من
البائع للمشتري صح البيع.
(مسألة 23): إذا اشترى
جملةً بكيل أو وزن فزاد أو نقص،
فإن كان بالمقدار الذي يتعارف
فيه الخطأ وكان البناء من
المتبايعين على الرضا بالزيادة
والنقصان صح البيع، وكفى الوزن
والكيل المذكوران، ولا يرجع
بالزيادة والنقصان، وإن كان
بالنحو الخارج عن المتعارف
المبتني على التعمد والاختلاس،
أو على الغلط في الحساب، أو نحو
ذلك لم يكف في التقدير، ولزم
الرجوع بالزيادة والنقصان على
نحو ما تقدم في المسألة (20).
(مسألة 24): يجوز بيع
مقدار معين في ضمن مقدار مجهول
بلا حاجة إلى عزل المقدار المبيع
وتعيينه بأحد الوجوه المتقدمة،
بل يدفع الكل على أن يكون
المقدار المعين منه مبيعاً
والزائد هبةً من البائع
للمشتري، فإذا كان عنده مقدار من
الطعام مردد بين العشرة كيلوات
فما زاد جاز دفعه بتمامه من دون
وزن على أن يكون عشرة كيلوات منه
مبيعاً والزائد هبة، لا على أن
يكون بتمامه مبيعاً على جهالة
مقداره.
(مسألة 25): إنما يلزم
معرفة المقدار بالنحو المتقدم
في الثمن والمثمن اللذين يقع
عليهما البيع، سواء كانا شخصيين
ـ كبيع الطعام الخاص، والبيع
بالدرهم الخاص ـ أم كليين، كبيع
مائة كيلو من الطعام، أو البيع
بعشرة مثاقيل من الفضة، أما بعد
تعين الثمن والمثمن في الذمة فلا
يلزم التعيين في مقام الوفاء،
فيجوز دفع مقدار مجهول وفاءً عما
انشغلت به الذمة إذا تراضى به
الطرفان على جهالته، كما يجوز
الوفاء من غير الجنس مع التراضي،
ويرجع إلى نحو من الصلح خارج عن
البيع ومترتب عليه.
(مسألة 26): الذي يلزم
أن يعرف مقدار العوضين بالنحو
المتقدم هو المتولي للمعاملة،
سواء كان أصيلاً، أم وكيلاً
مفوضاً في المعاملة، دون الأصيل
غير المتولي للمعاملة، ودون
الوكيل على إجراء الصيغة فقط.
(مسألة 27): يجوز إيكال
أحد الطرفين للآخر تعيين المثمن
أو الثمن، فيدفع المشتري للبائع
عشرة دنانير مثلاً ليدفع له ما
يقابلها من المكيل أو الموزون
بالقدر الذي يراه البائع
مناسباً، وإن جهله المشتري، أو
يأخذ به المشتري القدر الذي يراه
مناسباً، وإن جهله البائع، كما
يجوز أن يدفع البائع للمشتري
عشرة كيلوات من الطعام بالثمن
الذي يراه المشتري مناسباً، وإن
جهله البائع، أو يراه البائع
مناسباً، وإن جهله المشتري.
(مسألة 28): يجوز بيع
جملة مشاهدة مجهولة المقدار على
أن كل مقدار منها بثمن معين،
فيبيع بيدراً من الطعام مجهول
المقدار مثلاً على أن كل طنّ منه
بألف دينار، ويبيع طاقة من
القماش على أن كل متر منه بعشرة
دنانير، ونحو ذلك، ولا تضر جهالة
مجموع المقدار والثمن.
(مسألة 29): قد يؤخذ
الوزن أو الكيل أو العدد أو
المساحة شرطاً زائداً على
المبيع من دون أن يكون به قوام
التقدير والكمية المقابلة
بالمال، بل لتعلق الغرض بها
زائداً على الكمية المأخوذة في
البيع، كما لو باعه عشرة كيلوات
من الفاكهة على أن يكون عددها
مائة، أو باعه مائة بيضة على أن
يكون وزنها عشرة كيلوات، أو باعه
عشرين متراً من القماش على أن
يكون وزنها خمسة كيلوات، أو باعه
حيواناً مشاهداً على أن يكون
وزنه خمسين كيلواً، ونحو ذلك.
وحينئذٍ لو تخلف الشرط المذكور
لم يبطل البيع، ولم ينقص شيء من
الثمن، بل يثبت به خيار تخلف
الوصف فيتخير المشترط بين الفسخ
والرضا بالعقد بتمام الثمن.
هذا إذا كان
المبيع شخصياً، وإن كان كلياً قد
أخذت فيه إحدى الخصوصيات
المذكورة وكان المدفوع للمشتري
فاقداً لها فلا خيار حينئذٍ، بل
يتعين الإبدال بالواجد للخصوصية
المشروطة.
(مسألة 30): لا يعتبر
رؤية العوضين إذا لم تتوقف عليها
معرفة مقدارهما وصفاتهما
الدخيلة في الرغبة فيهما
لانضباطها، كبعض المصنوعات في
زماننا مما له ماركة معينة عرف
بها، بل الظاهر عدم اعتبار
الرؤية أيضاً فيما إذا لم يتوقف
عليها معرفة المقدار ـ بأحد
الوجوه المتقدمة ـ حتى لو توقف
عليها معرفة الصفات التي تختلف
فيها الرغبات من اللون والطعم
وغيرها. غاية الأمر أنه لو
اشترطت صفات خاصة ـ ولو ضمناً ـ
فتخلفها موجب للخيار في حق
المشترط لها، وأما بالإضافة إلى
الصفات الاُخرى غير المشترطة
والتي تختلف فيها الرغبات
فالظاهر ثبوت خيار الرؤية في حق
المشتري إذا لم ير المبيع، وهو
الأحوط وجوباً في حق البائع إذا
لم ير الثمن، فلابد في الخروج عن
الاحتياط المذكور بالتراضي
بينهما في فسخ العقد أو إقراره.
ويأتي الكلام في خيار الرؤية عند
الكلام في الخيارات إن شاء الله تعالى.
(مسألة 31): الظاهر عدم
اشتراط معرفة جنس العوضين
وصفاتهما ـ كاللون والطعم
والجودة والرداءة والرقة
والغلظة والرطوبة واليبوسة
وغيرها ـ إذا اختلفت القيمة
باختلافها، فضلاً عما لا أثر له
في اختلاف القيمة، وإن اختلفت
فيه الرغبات الشخصية. نعم إذا
اشترط وصف خاص في أحد العوضين ـ
صريحاً أو ضمناً ـ كان تخلفه
موجباً للخيار للمشترط. كما أنه
إذا ظهر أن أحد العوضين معيب جرى
عليه حكم العيب الذي يأتي عند
الكلام في الخيارات إن شاء الله تعالى. هذا
كله مع رؤية العوضين، أما مع عدم
رؤيتهما فقد تقدم الحكم في
المسألة السابقة.
(مسألة 32): ما يتعارف
بيعه مع جهالة مقداره وتعذر
معرفته حتى بالمشاهدة ـ كاللبن
في الضرع، والجنين في بطن
الحيوان، والسمك في الماء
المملوك ـ إن علم بسلامة شيء منه
جاز بيعه، وإلا وجب ضم شيء إليه
معلوم الحصول، ويكون البيع
للمجموع، ولا يضر فيه الجهالة
حينئذٍ. كما لا يجب حينئذٍ وجود
المبيع عند البيع، بل يكفي وجوده
بعد ذلك، كبيع صوف قطيع غنم قبل
ظهوره، وبيع أولادها قبل أن تحمل
بها. ويستثنى من ذلك الزرع
والثمر، حيث يأتي الكلام فيهما
في فصل بيع الثمار إن شاء الله تعالى.
(مسألة 33): يعتبر في
المبيع أن يكون بحيث يقدر
المشتري على تحصيله، فلو لم يكن
كذلك لم يجز بيعه، كالعبد الآبق
والجمل الشارد والمال الضائع.
نعم إذا كان المال
محفوظاً في نفسه إلا أن عدم
تحصيله لقصور في البائع ـ
كالسجين الذي لا يعلم بإطلاق
سراحه قبل تلف المال ـ فالظاهر
جواز بيعه وصحته، غاية الأمر أن
المال لو تلف قبل قبض المشتري
كان على البائع، ورجع الثمن
للمشتري، كما يأتي في أحكام
القبض إن شاء الله تعالى.
كما أنه يجوز في
القسم الأول بيعه مع الضميمة
المضمونة الحصول نظير ما تقدم في
المسألة السابقة، وحينئذٍ لو
تلف المال غير المضمون حين البيع
لم يكن على البائع، ولم يرجع
المشتري بشيء من الثمن، بل يكفي
أخذه للضميمة.
(مسألة 34): الأحوط
وجوباً جريان ذلك في الثمن
أيضاً، فلابد من كونه بحيث يقدر
البائع على تحصيله، على التفصيل
المتقدم.
(مسألة 35): يعتبر في كل
من العوضين أن يكون طلقاً ويترتب
على ذلك اُمور..
الأول: أنه لا يجوز
بيع ما تعلق به حق الغير، ولا
جعله ثمناً في البيع إذا كان
البيع منافياً للحق، كبيع العين
المرهونة، والعين المشروط عدم
بيعها، ونحو ذلك. ولو وقع البيع
في ذلك كان من بيع الفضولي
الموقوف نفوذه على إجازة صاحب
الحق، نظير ما تقدم في شروط
المتبايعين.
الثاني: أنه لا
يجوز بيع العين المنذورة لجهة
خاصة ينافيها البيع، مثل نذر
التصدق بها، أو صرفها في جهة
خاصة راجحة. وكذا نذر عدم بيعها
إذا كان نافذاً لكون البيع
مرجوحاً شرعاً، فإن البيع يبطل
في الجميع. وأما اليمين والعهد
اللذان يجب الوفاء بهما فهما
يوجبان حرمة البيع ووجوب
الكفارة به من دون أن يكون
باطلاً.
الثالث: أنه لا
يجوز بيع الوقف، على تفصيل يأتي
في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى، ولا
بيع أم الولد وهي الجارية التي
يستولدها المالك، على تفصيل لا
مجال لاستقصائه لندرة الابتلاء
بذلك في عصورنا هذه.