الفصل الرابع
في
الخيارات
البيع من العقود
اللازمة سواء كان إنشاؤه
باللفظ، أم بغيره، كالمعاطاة.
وحينئذٍ لا يصح فسخه إلا
بالتقايل برضا الطرفين، أو
بثبوت الخيار لهما أو لأحدهما،
والخيار حق يقتضي السلطنة على
فسخ العقد برفع مضمونه أو إقراره
والرضا به وإلزامه بحيث يمتنع
بعده الرد، والخيارات عشرة..
الأول
ما يسمى بخيارالمجلس
والمدار فيه على
بقاء المتبايعين مجتمعين
بأجسامهما من حين إيقاع عقد
البيع، سواء بقيا في مكانهما، أم
انتقلا عنه مصطحبين، ماشيين أو
راكبين أو غير ذلك، فإذا افترقا
سقط هذا الخيار.
(مسألة 1): الظاهر أن
الموت بحكم الافتراق، فيسقط به
الخيار.
(مسألة 2): إذا أوقع
المتبايعان العقد وهما متفرقان
فلا خيار لهما، كما لو أوقعاه
وهما في مكانين متباعدين باتصال
هاتفي، أو بالمراسلة بأن وقّع
أحدهما على ورقة البيع فأرسلت
للآخر فوقّعها، أو غير ذلك.
(مسألة 3): إذا كان
المباشر للعقد الوكيل أو الولي
فالخيار للموكل أو المولى عليه،
وقيام الوكيل والولي بإعمال
الخيار إنما يكون بدلا ًعمن له
الخيار، لا لأن الخيار له، فيجب
عليه ملاحظة مصلحة الأصيل في
إعمال حق الخيار لا مصلحة نفسه،
ولذا إذا كانت وكالة الوكيل تقصر
عن إعمال حق الخيار لم يكن له
إعماله، ولا ينفذ فسخه.
(مسألة 4): المدار في
الاجتماع والافتراق على المباشر
للبيع، أصيلاً كان أو ولياً أو
وكيلاً. نعم إذا كان الوكيل
وكيلاً على إجراء الصيغة فقط من
دون أن تكون المعاملة منوطة به
فلا أثر لاجتماعه وافتراقه، بل
المدار على اجتماع وافتراق
المتولي، أصيلاً كان أو غيره.
وحينئذٍ إذا كان المتوليان
للمعاملة مفترقين حين إيقاع
البيع فلا خيار من أول الأمر،
نظير ما تقدم في المسألة (2).
(مسألة 5): إذا أوقع
الوكيل أو الولي البيع فمات
المالك قبل افتراق المباشرين
للبيع ففي انتقال حق الخيار
لوارثه وقيام وكيل المورث أو
وليه مقامه إشكال، فالأحوط
وجوباً التراضي بين الأصيلين في
الفسخ وعدمه، أما إذا افترق
المباشران فلا خيار قطعاً، كما
أنه لو كان المباشر هو الأصيل
فمات فقد سبق أن موته بمنزلة
الافتراق مسقط للخيار.
(مسألة 6): إذا كان
المتولي للعقد شخصاً واحداً
أصالةً عن نفسه ونيابةً عن الطرف
الآخر، أو نيابةً عن الطرفين فلا
خيار من أول الأمر.
(مسألة 7): يسقط هذا
الخيار باُمور:
الأول: اشتراط
عدمه في ضمن العقد أوفي ضمن عقد
آخر.
الثاني: إسقاطه
بعد العقد قبل التفرق.
الثالث: إقرار
العقد والرضا به، ولو بفعل ما
يدل على ذلك مما لا يصدر ممن هو
متردد في الإمضاء والفسخ كتقطيع
الثوب، وطبخ الطعام، وعرض ما
اشتراه للبيع، ونحو ذلك.
(مسألة 8): إذا تلف أحد
العوضين أو كلاهما قبل التفرق أو
خرج عن ملك صاحبه بوجه لا يظهر في
إمضائه للعقد وإقراره له
فالظاهر سقوط الخيار. أما إذا
تعيب أو نقص ففي بقاء الخيار
إشكال، وعلى تقدير بقائه ففي
ضمانه على من وقع النقص أو
التعيب عنده إشكال. بل الظاهر
عدم ضمانه إذا كان الفاسخ هو
الطرف الآخر. نعم إذا كان العوض
فردياً ودفع فرد منه فتلف أو
تعيب أو خرج عن الملك قبل التفرق
فالظاهر عدم سقوط الخيار، بل يجب
على صاحبه عند الفسخ دفع فرد آخر.
(مسألة 9): يختص هذا
الخيار بالبيع، ولا يجري في غيره
من العقود المعاوضية ـ كالإجارة
ـ فضلاً عن غيرها كالهبة.
الثاني
خيار الحيوانوهو يثبت لمن
انتقل إليه الحيوان بالبيع،
سواء كان الحيوان مبيعاً أم
ثمناً، فلو بيع الحيوان
بالحيوان كان الخيار للمتبايعين
معاً.
(مسألة 10): المراد
بالحيوان هو الحي دون الميت
المذكى، فلا يثبت في بيعه هذا
الخيار، بل الظاهر عدم ثبوته في
الحيوان الحي غير مستقر الحياة
الذي يباع للحمه، كالمذبوح،
والصيد المجروح جرحاً قاتلاً،
والسمك الذي أخرج من الماء إذا
كانت فيها الحياة حين البيع. بل
يشكل ثبوته في مستقر الحياة إذا
ابتنى البيع على عدم إبقاء
الحيوان على حياته، بل على
المبادرة بإزهاق روحه، كالسمك
المصيد المجعول في الماء للحفاظ
على حياته ليؤكل طازجاً، إذا بيع
للأكل لا للحفظ، والهدي الذي
يشترى ليذبح حين الشراء،
ونحوهما. فالأحوط وجوباً في مثل
ذلك التراضي من المتبايعين معاً
في فسخ البيع وعدمه في مدة
الخيار.
(مسألة 11): مدة هذا
الخيار ثلاثة أيام من حين إيقاع
عقد البيع، ولو ملفقةً، كما لو
وقع البيع في أثناء اليوم، حيث
لا ينتهي إلا في نفس الوقت من
اليوم الرابع والليلتان
المتوسطتان داخلتان في مدة
الخيار، وكذا الليلة الثالثة
المتوسطة لو وقع البيع في أثناء
النهار، وكذا الليلة المتطرفة
الاُولى لو وقع البيع في أول
الليل أو أثنائه. وأما الليلة
المتطرفة الأخيرة أو أبعاضها لو
وقع البيع في أول النهار أو في
أثناء الليل فالأحوط وجوباً
التراضي من المتبايعين معاً في
فسخ البيع وعدمه فيها.
(مسألة 12): يسقط هذا
الخيار بما يسقط به خيار المجلس
الذي تقدم في المسألة (7).
(مسألة 13): إذا بيع
الحيوان فتلف قبل القبض جرى عليه
ما يأتي في تلف المبيع قبل قبضه،
وإذا تعيب قبل القبض جرى عليه ما
يأتي في خيار العيب، وأما إذا
تلف أو تعيب بعد القبض فله صور..
الاُولى: أن يكون
بمقتضى الوضع الطبيعي للحيوان،
كما لو مرض فمات أو عثر فانكسر.
فمع التلف يرجع المشتري على
البائع بالثمن، ومع التعيب يكون
للمشتري الفسخ من دون أن يدفع
أرش النقص، وليس له مطالبة
البائع بالأرش مع عدم الفسخ.
الثانية: أن يكون
بفعل البائع، ويتخير المشتري
حينئذٍ بين الفسخ وأخذ الثمن
وعدمه مع مطالبة البائع بضمان ما
حدث بمثله أو قيمته السوقية.
الثالثة: أن يكون
بفعل المشتري، فإن كان فعله
ظاهراً في رضاه بالعقد وإقراره
له فليس له الفسخ ولا المطالبة
بالأرش، وإن لم يكن ظاهراً فيه ـ
لصدوره منه غفلةً أو لنحو ذلك ـ
ففي جواز الفسخ له ورجوعه بالثمن
وضمانه لما حدث بالمثل أو القيمة
السوقية أو عدم جواز الفسخ
إشكال، فالأحوط وجوباً التراضي
منهما معاً بالفسخ أو عدمه.
الرابعة: أن يكون
بفعل أجنبي، وحينئذٍ يكون
للمشتري الرجوع على الأجنبي
ومطالبته بضمان ما حدث بمثله أو
قيمته السوقية، وفي جواز الفسخ
له ورجوعه على البائع بالثمن، ثم
مطالبة البائع الأجنبي بضمان ما
حدث بمثله أو قيمته السوقية
إشكال، فالأحوط وجوباً التراضي
من البائع والمشتري معاً بالفسخ
أو عدمه، كما سبق في الصورة
الثالثة.
الخامسة: أن يكون
بآفة سماوية، كما لو أخذ السيل
الحيوان، أو سقط عليه جدار فهلك
أو تعيب ففي جواز الفسخ للمشتري
ورجوعه بالثمن وضمانه لما حدث
بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم
جواز الفسخ له إشكال، فالأحوط
وجوباً التراضي منهما معاً
بالفسخ أو عدمه.
ثم إن هذه الصور
الخمس تجري فيما إذا كان الحيوان
ثمناً، غاية الأمر أنه يجري على
البائع هنا حكم المشتري هناك
وعلى المشتري حكم البائع.
(مسألة 14): يختص هذا
الخيار بالبيع ولا يجري في غيره
من العقود، نظير ما تقدم في خيار
المجلس.
(مسألة 15): إذا مات
صاحب الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام
من البيع انتقل الخيار لوارثه،
ومع تعدد الورثة لابد من اتفاقهم
على فسخ البيع أو إقراره والرضا
به، ومع اختلافهم لا يترتب الأثر
على فعل كل منهم ويبقى البيع
نافذاً ما لم يتفقوا على الفسخ،
فإذا اتفقوا عليه انفسخ البيع،
وإن سبق من بعضهم إقرار البيع
والرضا به.
(مسألة 16): إذا باع في
عقد واحد الحيوان مع غيره صفقة
واحدة، فإن ابتنى البيع على
اشتراط عدم الخيار فهو، وإلا ثبت
الخيار لصاحب الحيوان فيه، فإن
فسخ ثبت لهما معاً في غير
الحيوان خيار تبعض الصفقة الذي
يأتي الكلام فيه في التاسع من
الخيارات إن شاء الله تعالى.
الثالث
خيار الشرطوهو الخيار
المجعول من قبل المتعاقدين
باشتراطه في ضمن العقد لكل
منهما، أو لأحدهما بعينه دون
الآخر.
(مسألة 17): إذا جعل
الخيار لأحد الطرفين، فكما يمكن
جعله بنحو يكون هو المباشر للفسخ
الصادر عن نظره كذلك يمكن جعله
بنحو يقوم شخص آخر في الفسخ عنه،
بحيث يصدر الفسخ من الشخص الآخر
بنظره بدلاً عنه، وأما جعل حق
الخيار للشخص الآخر استقلالاً
بحيث يكون له، من دون أن يقوم به
عن أحد المتعاقدين، بل يكون
قهراً عليهما فلا يخلو عن إشكال.
(مسألة 18): ليس لهذا
الخيار مدة معينة، بل لهما أن
يشترطا ما شاءا من مدة طويلة أو
قصيرة، متصلة بالعقد أو منفصلة
عنه، فكما يجوز أن يجعلا الخيار
إلى سنة من العقد مثلاً لهما أن
يجعلاه على رأس سنة من العقد.
(مسألة 19): لا يجوز جعل
الخيار مدة مرددة لا تعين لها في
الواقع، بل لابد من تعين المدة،
سواء كانت مستمرة باستمرار أثر
العقد، أم محددة بحد معلوم كشهر،
أم مجهول قابل للضبط، كموسم
الحصاد، وأيام نزول المطر، وإلى
مجيء الحاج، ووضع المرأة الحمل،
ونحو ذلك.
(مسألة 20): من أفراد
هذا الخيار خيار رد الثمن بعينه
أو بمثله، بأن يشترط البائع على
المشتري أنه له الفسخ متى جاء
بالثمن، أو إن جاء به في وقت خاص
معلوم المقدار، أو مجهول
المقدار قابل للضبط على ما تقدم،
بحيث لو جاء الوقت المذكور ولم
يأت بالثمن فلا خيار له، ويسمى
ببيع الخيار. ولعل بيع خيار
الشرط بإطلاقه ينصرف إلى ذلك،
ولا يعم صورة عدم رد الثمن في
الوقت المشروط فيه الخيار إلا
بالتنصيص على ذلك.
(مسألة 21): المنصرف من
إطلاق البيع مع خيار رد الثمن هو
تهيئة البائع للثمن، بحيث لو كان
المشتري قابلاً لأخذه وأراد
أخذه لأخذه، فالمعيار فيه على
الاقدار من جانب البائع ورفع
المانع من قبله، لا على فعلية
أخذ المشتري للثمن، فلا يخل به
امتناع المشتري عن أخذ الثمن،
ولا عجزه عن أخذه لمرض أو غيبة،
أو عدم سلطنته عليه بجنون أو سفه
أو غيرهما، بل يكفي مع امتناعه
من قبضه التخلية بينه وبين
الثمن، ومع عجزه أو عدم سلطنته
يكفي تسليمه لوكيله أو وليه ولو
كان هو الحاكم الشرعي. بل لو تعذر
قبض الولي حينئذٍ كان للبائع
الفسخ إذا كان قادراً على
التسليم. نعم إذا صرحا في عقد
البيع بما يخرج عن الإطلاق
المذكور كان العمل عليه عملاً
بالشرط.
(مسألة 22): المنصرف من
إطلاق بيع خيار الشرط للبائع
اشتراط بقاء المبيع، وعدم إخراج
المشتري له عن ملكه أو إتلافه
وعدم تصرفه فيه تصرفاً مغيراً
لصورته، كهدم الدار وتقطيع
الثوب وكسر المصاغ ونحو ذلك،
ومقتضى ذلك عدم نفوذ التصرف
المُخرج عن الملك، وحرمة
الإتلاف والتصرف المغير للصورة،
فلو أتلف المشتري المبيع أو غيّر
صورته كان ضامناً له أو للأرش
على تقدير إعمال البائع للخيار
بفسخ البيع. نعم لو صرحا في عقد
البيع بجواز التغيّر المذكور
فلا حرمة، ولو صرحا بعدم الضمان
فلا ضمان، كما أنه لو صرحا فيه
بجواز إخراج المشتري له عن ملكه
نفذ إخراجه له، وكان عليه ضمانه
ـ بالمثل أو القيمة ـ لو أعمل
البائع حق الخيار وفسخ البيع.
(مسألة 23): لو تلف
المبيع أو تغيّرت صورته قهراً
على المشتري فالظاهر عدم ضمانه،
فلا يبقى موضوع للفسخ مع التلف،
ولا ضمان مع تغيّر الصورة، بل
ليس للبائع إلا العين على ما هي
عليه من غير أرش، إلا مع التصريح
أو قيام القرينة على الضمان
حينئذٍ، فيتعين بقاء الخيار مع
الضمان في التلف وتغيّر الصورة.
(مسألة 24): المنصرف من
إطلاق بيع خيار الشرط العموم
لصورة موت المشروط عليه الخيار،
فيقوم وارثه مقامه في جواز رجوع
من له الخيار عليه، فإذا اشترط
البائع الخيار على المشتري
مثلاً فمات المشتري لم يسقط خيار
البائع، ويقوم وارث المشتري
مقامه في ثبوت الخيار عليه، وأما
بالإضافة إلى من له الخيار فلا
يقتضي الإطلاق قيام وارثه
مقامه، فإذا مات سقط خياره، نعم
مع التصريح بخلاف ذلك أو قيام
القرينة عليه يتعين العمل على
النحو المصرح به، أو الذي اقتضته
القرينة.
(مسألة 25): إذا ابتنى
الشرط على كون حق الخيار مطلقاً
غير مقيد بحياة صاحبه كان
موروثاً، ومع تعدد الورثة يجري
ما تقدم في خيار الحيوان في
المسألة (15) كما أن الظاهر
حينئذٍ عدم اختصاص الإرث بمن يرث
أحد العوضين، بل يعم غيره، فمن
باع أرضاً بخيار أو اشترى أرضاً
بخيار فمات كانت زوجته شريكة في
الخيار وان كانت لا ترث من الأرض.
وكذا من باع أو اشترى شيئاً من
الحبوة بخيار، فإن جميع الورثة
يشترك في الخيار، ولا يختص به من
يرث الحبوة.
(مسألة 26): إذا كان أحد
العوضين من سنخ الأثمان التي
يهتم بماليتها لا بخصوصياتها ـ
كالنقود والذهب الموزون ونحوهما
ـ وكان الخيار لمن دخل ذلك العوض
في ملكه فمقتضى إطلاق البيع
المشتمل على خيار الشرط بقاء
الخيار مع خروج العين عن ملكه أو
تلفها عنده، فله الفسخ مع إرجاع
البدل. وإذا لم يكن من سنخ
الأثمان فيشكل شمول الإطلاق
لصورة خروجه عن ملك من له الخيار
أو تلفه عنده، بل يشكل شموله
لصورة تغير العين، كتقطيع الثوب
وانهدام الدار، فيحتاج بقاء
الخيار في الجميع إلى عناية من
تصريح أو قرينة على العموم لذلك،
ومعهما يتعين ثبوت الخيار له،
وإرجاع البدل من المثل أو القيمة
مع التلف، وضمان الأرش مع
التغير، إلا مع التصريح بعدم
الأرش حينئذٍ.
(مسألة 27): يجوز
اشتراط الفسخ بالإضافة إلى خصوص
بعض المبيع إذا كان ورود البيع
على الأبعاض بنحو الانحلال
عرفاً، كما لو تضمن العقد مقابلة
كل جزء من المبيع بجزء من الثمن،
كما لو باعه مثلاً في عقد واحد
الثوب بدينار والحصير بدينار،
أو باعه الثوبين كل منهما بدينار.
وأما إذا كان ورود البيع على
تمام المبيع بنحو المجموعية ففي
صحة اشتراط الخيار في البعض
إشكال.
(مسألة 28): يسقط هذا
الخيار بإسقاطه بعد العقد،
وبإقرار العقد والرضا به، ولو
بفعل ما يدل على ذلك، نظير ما
تقدم في خيار المجلس.
(مسألة 29): يصح اشتراط
الخيار في جميع العقود اللازمة
عدا النكاح، وكذا الصدقة على
الأحوط وجوباً. والظاهر صحة
اشتراطه في الهبة اللازمة، وكذا
في عقد الضمان إن كان برضا
المدين. ولا يصح اشتراطه في
العقود الجائزة، ولا في
الإيقاعات حتى الوقف، ويبطل
الوقف باشتراطه فيه. وأما بقية
الإيقاعات ففي بطلانها باشتراطه
إشكال، فاللازم الاحتياط
بإعادتها من دون شرط.
(مسألة 30): المنصرف من
إطلاق العقد عدم أخذ خصوصية
البائع في إعمال الخيار ودفع
الثمن مقدمة للفسخ، فيقوم وكيله
ووليه مقامه في إعمال الخيار وفي
دفع الثمن ـ مع عموم الولاية
والوكالة لذلك ـ سواء كان موقع
المعاملة هو الأصيل أم الوكيل أم
الولي. ولو خرجا عن الولاية
والوكالة كان للأصيل إعمال
الخيار، ولو تبدل الوكيل أو
الولي كان للبديل القيام بذلك.
نعم لو صرح في العقد المتضمن
للشرط المذكور بخصوصية الأصيل
أو الوكيل أو الولي، أو بخصوصية
وكيل خاص أو ولي خاص تعين العمل
على مقتضى الشرط. بل لو أخذت
خصوصية الشخص الخاص حتى لو خرج
عن الوكالة أو الولاية تعين
العمل على ذلك، غاية الأمر أنه
ليس له إعمال حق الخيار بالفسخ
رغماً على من جعل له الخيار في
العقد، نظير ما تقدم في المسألة (17).
الرابع
خيار الغبنوهو يثبت للمشتري
مع الشراء بأكثر من القيمة
السوقية، وللبائع مع البيع بأقل
منها.
(مسألة 31): إنما يثبت
هذا الخيار مع غفلة الموقع
للمعاملة عن التفاوت بين المسمى
والقيمة السوقية، فلا خيار لو
علم بالفرق أو احتمله وأقدم على
المعاملة على كل حال، لاهتمامه
بتحصيل المبيع أو الثمن من دون
اهتمام بالحفاظ على المالية.
(مسألة 32): إنما يثبت
هذا الخيار إذا ابتنت المعاملة
على عدم الخروج عن القيمة
السوقية، كما هو الغالب في نوع
المعاملات. ولا يثبت إذا لم تبتن
على ذلك، كما هو الغالب في مثل
بيع المزاد المبتني على إعمال
النظر الشخصي من أطراف
المزايدة، وكذا مثل بيع
التحفيات والنوادر التي يكون
المعيار فيها على الرغبة
الشخصية من دون نظر للقيمة
السوقية.
(مسألة 33): إذا كانت
القيمة السوقية مرددة بين الأقل
والأكثر تبعاً لاختلاف البائعين
من حيثية الصعوبة والسهولة، أو
المشترين من حيثية المكس وعدمه
فلا يكون الغبن إلا بالزيادة على
أعلى القيم، أو النقص عن أدنى
القيم، ولو كانت القيمة محددة
بالدقة ـ كما في موارد التسعيرة
الرسمية إذا كان مبنى الناس على
العمل بها وعدم الخروج عنها ـ
صدق الغبن بالزيادة عليها أو
النقص عنها وإن كان الفرق قليلاً.
(مسألة 34): لو اختلفت
القيم باختلاف البلدان أو
المناطق أو الأسواق ـ كما يتعارف
كثيراً في زماننا ـ كان المعيار
في القيمة ـ التي يكون الغبن
بلحاظها ـ على الموضع الذي يقع
فيه البيع، ولا عبرة بغيره من
المواضع.
(مسألة 35): المعيار في
هذا الخيار على حصول الغبن
واقعاً، لا على العلم به، فإذا
فسخ المغبون البيع وهو جاهل
بحصول الغبن ثم علم به انكشف صحة
فسخه.
(مسألة 36): المعيار في
الغبن على اختلاف السعر حين
البيع، ولا أثر لارتفاع السعر أو
نزوله بعد البيع ولو بزمان قليل.
(مسألة 37): يتخير
المغبون بين الفسخ والقبول
بتمام الثمن، وليس له ترك الفسخ
والمطالبة بالتفاوت. ولو بذل له
الغابن التفاوت، على أن لا يفسخ
لم يجب عليه القبول. نعم لو
تصالحا على بذل التفاوت في مقابل
عدم الفسخ أو إسقاط الخيار صح
منهما ذلك، ولزمهما العمل عليه.
(مسألة 38): إذا ظهر
الغبن كان للمغبون الخيار
والفسخ مع بقاء العوضين على
حالهما وفي ملك من صارا له
بالبيع وأما مع تلف أحدهما أو
خروجه عن ملك من صار له بالبيع ـ
بعتق أو هبة أو بيع أو غيرها ـ
فإن كان العوض المذكور من سنخ
الأثمان التي لا يهتم إلا
بماليتها عرفاً فالظاهر بقاء
الخيار، ومع الفسخ يتعين إرجاع
البدل، وإن كان من سنخ العروض
الذي يهتم بتحصيله زائداً على
ماليته أشكل بقاء الخيار ونفوذ
الفسخ. وكذا الحال في تغير
الصورة، كتقطيع الثوب وخياطته،
وكسر المصاغ، وبناء الدار
وإجارتها، ومزج الشيء بغيره
بنحو لا يتيسر تصفيته، ونحو ذلك،
فالأحوط وجوباً التراضي من
المتبايعين بالفسخ أو عدمه، أو
إسقاط الخيار ولو بالمصالحة
ببذل شيء من المال. نعم لا يرتفع
الخيار باشتباه العين بغيرها من
دون امتزاج، فيتعين بعد الفسخ
تعيين العين المسترجعة بالقرعة
أو بالمصالحة.
(مسألة 39): الظاهر أن
خيار الغبن ليس فورياً، سواء علم
المغبون بالغبن وبثبوت الخيار
له أم لم يعلم، فله تأخير الفسخ
بانتظار استيضاح الأصلح
باستشارة أو استخارة أو تفكر، أو
بانتظار العثور على البائع، أو
غير ذلك.
(مسألة 40): إذا اشترى
شيئين في عقد واحد كل منهما بثمن
يخصه، وحصل الغبن في أحد البيعين
دون الآخر فله صورتان..
الاُولى: أن يبتني
العقد على الارتباط بين
البيعين، وحينئذٍ إن ابتنت
المعاملة على عدم الخروج عن
القيمة السوقية في كل من البيعين
كان للمغبون الخيار في البيع
الغبني، فإن فسخ ثبت خيار تبعض
الصفقة لمن أخذ الارتباطية
شرطاً له في المعاملة. وإن ابتنت
المعاملة على عدم ملاحظة القيمة
السوقية في كل من البيعين ـ كما
لعله الغالب ـ فلا خيار للمغبون،
على ما تقدم.
الثانية: أن يبتني
العقد على الانحلال بين
البيعين، وحينئذٍ لو ثبت الخيار
للمغبون في البيع الغبني ـ
لابتناء المعاملة على عدم
الخروج عن القيمة السوقية ـ فلا
يثبت خيار تبعض الصفقة.
(مسألة 41): يسقط هذا
الخيار باشتراط سقوطه في ضمن
العقد، وبإسقاطه بعد العقد وإن
كان قبل ظهور الغبن، كما يسقط
بإقرار العقد والرضا به، ولو
بفعل ما يدل على ذلك مع العلم
بالغبن أو احتماله، نظير ما تقدم
في خيار المجلس.
(مسألة 42): الظاهر
ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة
مبنية على ملاحظة القيمة
السوقية من صلح أو إجارة أو
غيرهما. نعم في ثبوتها في
الإجارة ونحوها بعد استيفاء
المنفعة إشكال، نظير الإشكال
المتقدم في البيع مع تلف أحد
العوضين إذا لم يكن من سنخ
الأثمان.
(مسألة 43): الظاهر أن
خيار الغبن يورث على النهج
المتقدم في خياري الحيوان
والشرط.
الخامس
خيار التأخيرإطلاق العقد يقتضي
تعجيل كل من المتبايعين تسليم
العوض الذي استحقه الآخر بالبيع
مع تسليم صاحبه له ما استحقه هو
بالبيع، فالعقد مبني على
التسليم والتسلم. نعم إذا لم
يسلم أحدهما ما عليه ـ عصياناً
أو عجزاً ـ لم يجب على الآخر
التسليم. ولو امتنع أحد
المتبايعين من التسليم مع حضور
الآخر له كان للآخر إجباره عليه.
ومع عدم تسليم أحد الطرفين لما
عنده ـ عصياناً أو عن عذر ـ يثبت
للطرف الآخر الخيار في فسخ
العقد، ولا يختص ذلك بالبيع، بل
يجري في جميع المعاوضات، وهو
داخل في خيار تخلف الشرط الذي
يأتي التعرض له في الخيار الثامن
إن شاء الله تعالى.
نعم يختص البيع
بأنه مع عدم تسليم المبيع وعدم
تسليم الثمن لا يثبت الخيار إلا
بعد ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري
بالثمن وقبض المبيع فهو وإلا كان
للبائع الخيار والفسخ بعد
الثلاثة، ولو تلف المبيع قبل
تسليمه ضمنه البائع وكان من ماله
على ما يأتي في أحكام القبض إن
شاء الله تعالى. والمتيقن
من ذلك ما إذا رضي البائع
بالتأخير في الجملة، وإن كان
الأحوط وجوباً العموم لما إذا لم
يرض بالتأخير من أول الأمر، من
دون أن يشترط التعجيل صريحاً في
العقد.
هذا والظاهر جريان
ذلك بالإضافة إلى عدم قبض المبيع
وحده، فلو قبض البائع الثمن ولم
يقبض المشتري المبيع مع بذل
البائع له يكون البيع لازماً إلى
ثلاثة أيام، ويثبت الخيار بعدها
للبائع. نعم لو ابتنى عدم قبض
المشتري للمبيع على إيداعه عند
البائع، بحيث يكون المشتري
وكيلاً عن البائع في القبض،
ويبقى المبيع عنده وديعة فلا
خيار، وليس له الفسخ. ولو تلف
المبيع عنده من دون تفريط منه لم
يضمنه حينئذٍ، وكان من مال
المشتري. بل الأحوط وجوباً ذلك
في الثمن أيضاً فلو لم يقبضه
البائع لم يكن له الفسخ إلا بعد
ثلاثة أيام، فإن لم يدفعه
المشتري كان للبائع الفسخ بعد
الثلاثة، وإن كان المشتري قد قبض
المبيع.
هذا كله مع عدم
التصريح باشتراط التعجيل قبل
الثلاثة أو التأخير عنها. أما
معه فاللازم العمل عليه، ويثبت
الخيار مع مخالفة شرط التعجيل
ولو قبل الثلاثة، كما لا خيار
بعد الثلاثة مع اشتراط التأخير
أكثر من ذلك.
(مسألة 44): المراد من
الأيام الثلاثة هنا هو المراد
منها في خيار الحيوان، وقد تقدم
توضيحه.
(مسألة 45): لا فرق في
المبيع بين أن يكون شخصياً ـ مثل
كيس خاص من الحنطة ـ وأن يكون
كلياً، كمائة كيلو من الحنطة غير
معينة، وكذا الحال في الثمن.
(مسألة 46): ما يفسده أو
يضر به المبيت ـ كبعض الخضر
والبقول واللحم ـ إذا لم يقبضه
المشتري ولم يسلم الثمن يلزم
البيع فيه إلى دخول الليل، فإذا
لم يجئ المشتري حتى دخل الليل
كان للبائع الخيار، فإذا فسخ جاز
له أن يتصرف في المبيع كيف يشاء.
ويختص هذا الحكم بالمبيع
الشخصي، وأما في غيره فالمرجع
فيه ما سبق.
(مسألة 47): لو لم يفسخ
البيع بدخول الليل فيما يفسده أو
يضره المبيت، فإن تلف أو تضرر
كان عليه ضمانه للمشتري، لما
أشرنا إليه ويأتي من أن تلف
المبيع قبل قبضه من مال بايعه.
نعم له بيعه عن المشتري عند خوف
تلفه أو تضرره إذا كان بيعه أنفع
لصاحبه من الفسخ، ولابد من
الاستئذان من الحاكم الشرعي مع
إمكانه.
(مسألة 48): يجري ما سبق
في كل ما يكون تحت يد المكلف
لغيره ويتعرض للتلف مما ثبت له
فيه الخيار له ولم يفسخ. أما إذا
لم يثبت له فيه الخيار ـ إما
لكونه أمانة ابتدائية أو لكونه
مبيعاً ببيع لازم ـ فاللازم
الحفاظ على ماليته مهما أمكن،
ببيعه أو بغير ذلك، واللازم
مراجعة الحاكم الشرعي فيه مع
الإمكان. وإن كان مضموناً عليه ـ
كالمغصوب ـ كان عليه ضمان الفرق
بين قيمته الأصلية وما أمكن
الحفاظ عليه ـ بالبيع أو غيره ـ
من ماليته.
(مسألة 49): يسقط خيار
التأخير باُمور:
الأول: إسقاطه بعد
ثبوته، ولا يسقط بإسقاطه قبل
ذلك، وعلى هذا يسقط في غير البيع
بإسقاطه بعد العقد، ولا يسقط في
البيع إلا بإسقاطه بعد الأيام
الثلاثة أو بعد الليل فيما يفسد
ليومه.
الثاني: إقرار
البيع والرضا به من قبل من له
الخيار إذا كان بعد ثبوت الخيار
أيضاً. الثالث: اشتراط سقوطه في
ضمن العقد. وأما بذل المشتري
للثمن وحضوره لأخذ المبيع بعد
ثبوت الخيار فهو لا يسقط الخيار.
(مسألة 50): الظاهر أن
هذا الخيار ليس فورياً، فلو لم
يعجل صاحب الخيار بالفسخ لم يسقط
خياره إلا بأحد المسقطات
المتقدمة.
(مسألة 51): يقوم
الوارث مقام المورث في استحقاق
هذا الخيار، على النهج المتقدم
في الخيارات السابقة.
السادس
خيار الرؤيةتقدم عند الكلام
في شروط العوضين الكلام في
اشتراط العلم بمقدار العوضين.
وتقدم في المسألة (30) من الفصل
السابق أنه لا يعتبر رؤية
العوضين إذا لم يتوقف عليها
العلم بمقدارهما. نعم إذا توقف
عليها العلم بصفات المبيع التي
تختلف باختلافها القيمة أو
الرغبة الشخصية فالبيع وإن كان
صحيحاً إلا أنه يثبت للمشتري فيه
الخيار. وأما الصفات التي لا
تظهر بالرؤية فلا تتوقف صحة
البيع على العلم بها، كما لا
يكون تخلفها موجباً للخيار، إلا
أن يكون عيباً، أو تكون مشروطة
في البيع ولو ضمناً، فيثبت في
الأول خيار العيب، وفي الثاني
خيار تخلف الشرط، ويأتي الكلام
فيهما إن شاء الله تعالى.
(مسألة 52): الأحوط
وجوباً ثبوت خيار الرؤية للبائع
بالإضافة إلى الثمن إذا كان
شخصياً، فلابد من التراضي بين
المتبايعين بالفسخ أو عدمه.
(مسألة 53): يسقط هذا
الخيار بما يسقط به خيار المجلس.
(مسألة 54): يقوم
الوارث مقام المورث في استحقاق
هذا الخيار على النهج المتقدم.
(مسألة 55): الظاهر أن
هذا الخيار ليس فورياً، نظير ما
تقدم في غيره من الخيارات.
السابع
خيار العيبويثبت للمشتري
فيما إذا اشترى شيئاً فظهر به
عيب، فإنه يتخير بين الرضا
بالبيع بتمام الثمن والفسخ،
وليس له الرضا بالبيع مع الأرش
إلا أن يتعذر الرد، وذلك باُمور..
الأول: تلف العين،
وبحكمه تعذر إرجاعها للبائع
بضياع أو غصب أو غرق أو نحوها،
ولو ارتفع التعذر قبل أخذ الأرش
فليس له المطالبة بالأرش، بل ليس
له إلا الفسخ.
الثاني: خروجها عن
الملك ببيع أو هبة أو عتق أو نحو
ذلك، ولو عاد للملك ففي امتناع
الفسخ ولزوم الأرش إشكال،
فاللازم الاحتياط بالتراضي
بينهما في الفسخ أو الأرش.
الثالث: التصرف
الاعتباري اللازم الذي يوجب
اختلاف الرغبة فيه، كإجارة
العين ورهنها. ولو فسخ التصرف
المذكور أو انتهت مدته قبل أخذ
الأرش جرى فيه ما تقدم فيما لو
عاد للملك.
الرابع: تغير صورة
المبيع بما يوجب اختلاف الرغبة
فيه، كتقطيع الثوب وصبغه
وخياطته وبناء الدار والتغيير
فيها وانهدامها ونحو ذلك. نعم لو
كان التغير مضموناً على البائع
كمرض الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام
لم يمنع من الرد، وكذا إذا كان
بفعل البائع من دون إذن من
المشتري.
الخامس: وطء
الجارية، فإنه يمنع من ردها
بالعيب إلا أن تكون حبلى، فعليه
حينئذٍ ردها إن كان الحبل من
المولى ويرد معها نصف عشر
قيمتها، وإن كان الحبل من غير
المولى فالأمر لا يخلو عن إشكال،
وهو غير مهم لندرة الابتلاء
بالمسألة أو عدمه.
(مسألة 56): لو رضي
البائع برجوع العين في
الأخيرين، فإن أضر الرد
بالمشتري ـ كما لو صبغ الثوب ـ لم
يسقط الأرش، وإلا فالأحوط
وجوباً التراضي بينهما في الفسخ
أو الأرش.
(مسألة 57): إذا تعذر
الرد كان للمشتري الأرش، وهو فرق
ما بين الصحيح والمعيب نسبته
للثمن كنسبة الفرق بين الصحيح
والمعيب في القيمة السوقية،
فإذا كان قيمة المعيب ثلثي قيمة
الصحيح ـ مثلاً ـ كان نسبة الأرش
للثمن الثلث، وإذا لم يكن بين
الصحيح والمعيب فرق في القيمة
السوقية ـ كما قد يدّعى في
الخصاء في الحيوانات ـ فلا أرش
وإن تعذر الرد.
(مسألة 58): المرجع في
معرفة نسبة المعيب للصحيح أهل
الخبرة من أهل الأمانة والثقة،
ومع اختلافهم يتعين الأخذ بمن هو
أخبر وأعرف بالنحو المعتد به عند
العقلاء، ومع عدم الترجيح يجزي
البائع دفع الأقل.
(مسألة 59): يجب على
البائع إخراج الأرش من الثمن مع
وجوده، لكن لا بنحو يكون المشتري
شريكاً معه فيه بالنسبة، بحيث لا
يتصرف فيه كل منهما إلا برضا
الآخر، بل يكون للبائع وحده
التصرف فيه، غايته أنه يجب عليه
أن يدفع مقدار الأرش للمشتري،
وعليه لا يجوز له بعد امتناع
الرد إتلاف الثمن أو إخراجه عن
ملكه بتمامه، بل لا ينفذ تصرفه
فيه حينئذٍ إلا بإذن المشتري،
نعم له ذلك فيما عدا مقدار الأرش.
ولو لم يكن الثمن قابلاً للقسمة
كان عليه دفع قيمته، ولو تلف
الثمن أو خرج عن ملك البائع أو
نحو ذلك مما يتعذر معه إخراج
الأرش منه لزمه ضمان مقدار الأرش
بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن
كان قيمياً.
(مسألة 60): إذا كان
المبيع المعيب ربوياً وثمنه من
جنسه وبقدره لم يمنع ذلك من
استحقاق الأرش من الثمن، ولا
يلزم منه الربا، وإنما يلزم
الربا إذا نقص الثمن أو المبيع
حين البيع.
(مسألة 61): الظاهر أن
العيب الحادث بعد البيع قبل
القبض بحكم العيب الحاصل قبل
البيع، فيثبت للمشتري فيه الرد،
فإذا قبضه وحدث عنده ما يمنع من
الرد كان له الأرش، وإن كان
الأحوط استحباباً التراضي بين
الطرفين في الجميع.
(مسألة 62): لا فرق في
حكم المسألة السابقة بين العيب
الحادث بأمر سماوي والحادث بفعل
البائع والحادث بفعل الغير،
غايته أنه في الأخير للبائع بعد
دفع الأرش الرجوع على ذلك الغير
بأرش العيب، والأحوط وجوباً له
الاقتصار على الأقل في الفرق بين
الصحيح المعيب مما دفعه للمشتري
ومن القيمة السوقية، كما أن
للمشتري عدم الرجوع بالأرش على
البائع والرجوع به على ذلك
الغير، فيأخذ منه فرق ما بين
الصحيح والمعيب بحسب القيمة
السوقية، لا بنسبته من الثمن.
وأما إذا كان العيب بفعل المشتري
فلا رد ولا أرش.
(مسألة 63): إذا اشترى
شيئين بثمنين صفقةً، فظهر عيب في
أحدهما دون الآخر فإن حصل ما
يمنع من الرد استحق الأرش لا
غير، وإن لم يحصل ما يمنع من الرد
ثبت له خيار العيب، فإن لم يبتن
بيعهما على الارتباطية كان له رد
المعيب وحده، وإن ابتنى بيعهما
على الارتباطية بين المبيعين
ثبت خيار تبعض الصفقة ـ الذي
يأتي الكلام فيه في التاسع من
الخيارات ـ لمن أخذت الارتباطية
شرطاً له في المعاملة، فله
الرجوع في الآخر أيضاً وإن لم
يكن معيباً. نعم إذا حدث في الآخر
نقص أو زيادة أو تبدل حال يوجب
اختلاف الرغبات فالأحوط وجوباً
التصالح بينهما في الفسخ وعدمه
ولو ببذل مال.
(مسألة 64): يجري
التفصيل المتقدم لو كانا معاً
معيبين فرد أحدهما ولم يرد الآخر
لرضاه به على عيبه، أو لحدوث ما
يمنع من الرد فيه.
(مسألة 65): إذا اشترى
شيئين بثمن واحد وكان أحدهما
معيباً دون الآخر كان له الخيار
في المعيب، فإن فسخ فيه ثبت في
الثاني لهما خيار تبعض الصفقة
كما تقدم.
(مسألة 66): العيب هو
الخروج عن الوضع المتعارف للشيء
بما يعد نقصاً فيه عرفاً،
لإخلاله بالغرض المقصود منه
نوعاً ـ كالمرارة في المطعوم ـ
أو لكونه سبباً في مؤنة زائدة ـ
كشرود الحيوان المقتضي للالتزام
بربطه ـ أو لترتب ضرر عليه، أو
لتشوه صورته، أو لكونه ناشئاً عن
نقص في طبيعته ومزاجه ـ كعدم
نبات الشعر في المواضع المعهود
فيها نباته ـ أو لغير ذلك. أما
إذا كان الخروج عن الوضع
المتعارف فيه راجعاً إلى كماله
عرفاً فلا خيار فيه، كحدة ذكاء
الحيوان وقوة بصره، وكثرة رواء
الفاكهة ونحو ذلك، إلا أن يستلزم
أمراً يرغب عنه نوعاً، كما إذا
كانت قوة الذكاء مستلزمة لقصر
العمر، أو كانت قوة البصر بنحو
تقتضي اختراق النظر لما وراء
الثياب ـ كما يحكى في زماننا عن
بعض الشواذ ـ أو نحو ذلك، فتكون
عيباً يثبت به الخيار.
(مسألة 67): إذا تعارف
وجود العيب في صنف المبيع، أو في
زمان البيع، أو مكانه، بحيث لا
يبتني البيع على السلامة من
العيب ارتكازاً فلا يقتضي
الخيار. وكذا إذا قامت القرينة
الخاصة في البيع على عدم ابتنائه
على السلامة من العيب، كما قد
يكون فيما إذا ابتنى شراء الطعام
أو الخضر والفاكهة على أن تجعل
علفاً للحيوان، أو شراء الذهب
المصوغ على الإذابة والتصفية،
حيث لا يكون العيب المغير للطعم
في الأول، والكسر في المصوغ في
الثاني سبباً للخيار.
(مسألة 68): إنما يثبت
خيار العيب فيما إذا كان المبيع
عيناً شخصية معيبة، أما إذا كان
المبيع كلياً ودفع البائع
معيباً وفاءً له فلا خيار، بل
للبائع حينئذٍ إبدال المعيب
بالصحيح، فلو باعه طناً من
الحنطة، فدفع إليه حنطة معيبة
استرجعها وأخذ حنطة غير معيبة،
وإذا امتنع كان له خيار عدم
تسليم المبيع الذي تقدم الكلام
فيه في الخامس من الخيارات، وكذا
الحال في الثمن الكلي لو سلم
المشتري معيباً وفاءً له.
(مسألة 69): يسقط خيار
العيب باُمور:
الأول: علم
المشتري بالعيب حين البيع.
الثاني: براءة
البائع من العيب حين البيع ـ
الراجعة لاشتراط عدم ثبوت
الخيار به ـ إما صريحاً، أو
ضمناً لابتناء المعاملة على
ذلك، كما يكون كثيراً في بيع
الأشياء المستعملة المعروضة
بالمزاد. الثالث: إسقاط الخيار
المذكور بعد البيع.
الرابع: إقرار
البيع والرضا به بعد العلم
بالعيب، ولو بالتصرف في المبيع
تصرفاً ظاهراً في عدم إرادة
الفسخ والرد، سواء كان تصرفاً
مانعاً من الرد، أم لم يكن، وفي
جميع ذلك لا يجب الأرش، فإنه
إنما يجب بحصول ما يمنع من الرد
حال ثبوت الخيار، لا مع سقوطه
بأحد هذه المسقطات.
(مسألة 70): إذا زال
العيب قبل علم المشتري به، فإن
كان زواله بفعل البائع من دون
إذن من المشتري لم يمنع من الرد،
وإلا منع من الرد واستحق المشتري
الأرش. نعم إذا كان زواله لعدم
استحكامه ـ كالمرض الطارئ في
الحيوان الذي يزول من قبل نفسه ـ
فقد يكشف ارتفاعه عن عدم كونه
عيباً أو كونه عيباً لا أرش له،
ولا ضابط لذلك، بل المرجع فيه
العرف.
(مسألة 71): الظاهر أن
هذا الخيار ليس على الفور، فلو
لم يبادر المشتري ـ بعد اطلاعه
على العيب ـ للفسخ لم يسقط حقه
فيه، كما أنه لو لم يبادر لطلب
الأرش بعد امتناع الرد لم يسقط
حقه فيه.
(مسألة 72): الظاهر
جريان جميع ما تقدم فيما لو كان
العيب في الثمن، إلا أن الخيار
في الرد وثبوت الأرش هنا للبائع.
(مسألة 73): يقوم
الوارث مقام المورث في استحقاق
هذا الخيار على النهج المتقدم في
الخيارات السابقة. أما لو سقط
الرد فإن كان سقوطه في حياة
المورث اشترك جميع الورثة في
الأرش، وإن كان سقوطه بعده ففي
اشتراك جميع الورثة في الأرش أو
اختصاصه بمن يرث المبيع المعيب
إشكال، فاللازم الاحتياط
بالتراضي بين جميع الورثة.
الثامن
خيار تخلفالوصف
العنوان المأخوذ
في أحد العوضين إن كان مقوماً له
بحسب وضع المعاملة كان تخلفه
موجباً لبطلان البيع، وإن لم يكن
مقوماً له، بل كان وصفاً زائداً
فيه فتخلفه موجب للخيار. والأحوط
وجوباً الاقتصار في الخيار على
ما إذا ابتنى البيع على الوصف
لاهتمام أحد المتبايعين به، حتى
لو كان اهتمامه شخصياً من دون أن
يهتم به عامة الناس.
(مسألة 74): المرجع في
تمييز العنوان المقوم من الوصف
الزائد هو العرف، وهو يختلف
باختلاف المعاملات، فالشيء
الواحد قد يكون عنواناً مقوماً
للمبيع في حال ووصفاً زائداً
عليه في حال آخر، فالجنس مثلاً ـ
كالصوف والذهب والحنطة ونحوها ـ
قد يكون مقوماً للمبيع، بحيث
يكون تخلفه موجباً لبطلان
البيع، وقد يكون وصفاً زائداً
عليه لا يلزم من تخلفه إلا
الخيار مع كون العنوان المقوم
للمبيع هو العنوان المنتزع من
الهيئة الخاصة، كالثوب والبساط
والمصاغ والخبز ونحوها، كما قد
يكون المقوم للمبيع كلا الأمرين
من الجنس والهيئة، فيكون تخلف كل
منهما موجباً للبطلان ولا ضابط
لذلك.
(مسألة 75): لا يعتبر في
الوصف الذي يكون تخلفه موجباً
للخيار أن يكون مصرحاً به في
العقد، بل يكفي أخذه ضمناً
اعتماداً على قرينة عامة
ارتكازية ـ نظير وصف السلامة في
المبيع ـ أو خاصة، لظهور الحال
المستفاد من خصوصية السوق أو
خصوصية العين المبيعة، ومنه
الغش المظهر للمبيع على خلاف
حاله، كترطيب الخضر الموهم
لجدتها أو جودتها، كتجليل
المبيع بالجيد منه وإخفاء
الرديء تحته ونحو ذلك، فإن ذلك
كله موجب للخيار، وإن لم يصدق
العيب على الواقع المخفي، كما لو
أخفى نوعاً من التمر لا عيب فيه
في نوع آخر أجود منه.
(مسألة 76): إذا حدث في
المبيع عند المشتري أحد موانع
الرد المتقدمة في خيار العيب ففي
بقاء خيار تخلف الوصف إشكال،
فالأحوط وجوباً التراضي بين
المتبايعين في الفسخ ـ مع الأرش
أو بدونه ـ وعدمه. وأما رجوع
المشتري بالأرش حينئذٍ فلا مجال
له إذا لم يرجع تخلف الوصف
للعيب، وكذا الحال لو حدث أحد
موانع الرد المذكورة في الثمن.
(مسألة 77): يختص هذا
الخيار بما إذا كان العوض
الموصوف شخصياً، أما إذا كان
كلياً وكان المدفوع فاقد الوصف
فلا خيار، بل يجب إبدال الفاقد
للوصف بالواجد له، نظير ما تقدم
في خيار العيب.
(مسألة 78): يسقط هذا
الخيار بإسقاط المشتري له بعد
البيع، وبإقرار البيع والرضا به
بعد العلم بتخلف الوصف، كما أنه
ينتقل للوارث، نظير ما تقدم في
الخيارات السابقة.
التاسع
خيار تبعضالصفقة
ويثبت فيما إذا لم
يتم البيع في بعض المبيع، إما
لعدم كونه مما يصح بيعه ـ كالوقف
والحر والخمر ـ أو لعدم سلطان
البائع على بيعه ـ فيكون البيع
فيه فضولياً ـ من دون أن يجيزه من
له السلطنة عليه، أو لثبوت
الخيار فيه ـ كالمعيب والحيوان
في الأيام الثلاثة ـ مع فسخ صاحب
الخيار، فإنه يصح لكل من
المتبايعين الفسخ في تمام
المبيع.
(مسألة 79): إذا لم يفسخ
من له خيار تبعض الصفقة ورضي
بالبيع في البعض أخذه بحصته من
الثمن. وحينئذٍ فله صورتان..
الاُولى: أن لا
يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة
الأجزاء ولا في نقصها، وحينئذٍ
يقوّم ما تم البيع فيه وما لم يتم
البيع فيه، ويبقى للبائع من
الثمن بنسبة قيمة ما تم فيه
البيع لمجموع القيمتين، فإذا
كانت قيمة ما تم فيه البيع نصف
مجموع القيمتين أخذ البائع نصف
الثمن، وإذا كانت قيمته ربع
مجموع القيمتين أخذ ربع الثمن،
وهكذا.
الثانية: أن يكون
للاجتماع دخل في زيادة قيمة
الأجزاء، أو في نقصها، وحينئذٍ
قد تتفق الأجزاء في نسبة الدخل
المذكور فيكون الحكم كما في
الصورة الاُولى، كنسبة قيمة كل
من النصفين المشاعين لقيمة
المجموع، وقد تختلف، كما لو كان
الاجتماع موجباً لزيادة قيمة
بعض الأجزاء ونقص قيمة بعضها،
مثل الجارية وبنتها الرضيعة،
حيث تنقص قيمة الأم إذا كانت
معها ابنتها، وترتفع قيمة البنت
إذا كانت مع أمها، أو كان
الاجتماع موجباً لزيادة قيمة
بعض الأجزاء أو نقصها من دون أن
يكون دخيلاً في بعضها، أو كان
الاجتماع موجباً لزيادة قيمة
بعض الأجزاء بنسبة تختلف عن نسبة
الزيادة في الأجزاء الاُخر... إلى
غير ذلك من الصور.
ويتردد الأمر هنا
بين وجهين:
الأول: ملاحظة
نسبة قيمة ما تم فيه البيع
منفرداً لقيمة المجموع ويأخذ
البائع من مجموع الثمن بتلك
النسبة. فإذا كان الثمن عشرين،
وكانت قيمة ما تم فيه البيع
منفرداً ثلاثة، وقيمة المجموع
اثني عشر أخذ البائع خمسة من
العشرين.
الثاني: ملاحظة
نسبة قيمة ما تم فيه البيع في حال
انضمامه للمجموع لقيمة المجموع،
ويأخذ البائع من مجموع الثمن
بتلك النسبة، ففي المثال السابق
إذا كانت قيمة ما تم فيه البيع في
حال انضمامه للمجموع ستة أخذ
البائع عشرة من العشرين،
فاللازم على المتبايعين
الاحتياط والتصالح بين الوجهين.
(مسألة 80): كما يثبت
خيار تبعض الصفقة مع عدم تمامية
البيع في بعض المبيع يثبت مع عدم
تماميته في أحد المبيعين ـ كما
إذا باع شيئين بثمنين لكل منهما
ثمن يخصه فلم يتم بيع أحدهما ـ
لكن بشرط أن يبتني بيعهما معاً
على الارتباطية، لا على
الانحلال. وحينئذٍ لو اختار عدم
الفسخ فيما تم فيه البيع لزم
الثمن الذي عيّن في البيع، ولا
تلحظ نسبة قيمة أحدهما لقيمة
المجموع.
العاشر
خيار تخلفالشرط
على تفصيل يأتي
عند الكلام في الشروط إن شاء الله تعالى.
تذنيب :
size="5" face="Monotype Koufi">ينفذ العقد ويترتب
أثره بوقوعه، ولا يتوقف على مضي
زمن الخيار، فالمبيع في مدة
الخيار في ملك المشتري والثمن في
ملك البائع. ويترتب على ذلك
أمران..
الأول: أن ضمان
المبيع لو تلف بعد قبضه في مدة
الخيار على المشتري وضمان الثمن
على البائع. لا بمعنى لزوم
دفعهما المثل أو القيمة مطلقاً
ولو مع عدم فسخ البيع، بل بمعنى
أنه مع عدم فسخ البيع تكون خسارة
التالف على من تلف في ملكه ولا
يرجع على الآخر، كما يرجع
المشتري على البائع لو تلف
المبيع قبل القبض. أما مع فسخ
البيع ـ في فرض بقاء الخيار مع
التلف ـ فيتعين على من تلف أو نقص
عنده أحد العوضين دفع بدل العين
أو أرش النقص إلى الآخر. نعم في
خيار الحيوان يكون ضمان الحيوان
إلى من انتقل عنه، على تفصيل
تقدم، كما تقدمت بعض التفصيلات
عند الكلام في بعض الخيارات
الأخر.
الثاني: أن نماء
العين ومنفعتها يكونان لمالك
العين، نعم إذا ردت العين بالفسخ
رد معها من النماء ما كان ملحقاً
بها عرفاً، كاللبن في الضرع. بل
يستحب أن يرد المشتري بدل اللبن
الذي يشربه في الأيام الثلاثة ـ
التي هي مدة خيار الحيوان ـ
ثلاثة أمداد من الطعام.