3 ـ وقال العلامة الحلّي : « التعزير يكون بالضرب أو الحبس أو التوبيخ أو بما يراه الإمام ، وليس فيه قطع شيء منه ، ولا جرحه ولا أخذ ماله. والتعزير فيـما يسوغ فيه التعزير واجب ، ولا يجب ضمانه لو تلف بالتعزير السايغ. »(4)
4 ـ وقال أيضاً : « التعزير يجب في كل جناية. لا حدّ فيها ... وهو يكون : بالضرب والحبس والتوبيخ من غير قطع ولا جرح ولا أخذ مال ; والتعزير
[
(1) مهذّب الاحكام 27 : 271.
(2) المبسوط 8 : 66 ـ ومثله : الطرابلسي في المهذب 2 : 596.
(3) المبسوط 4 : 232.
(4) تحرير الاحكام 2 : 227.
[25]
واجب فيما يُشرَّع فيه التعزير ، ولا ضمان لمن مات به. »(1).
5 ـ وقال في القواعد : « ثم يَنظر ـ أي القاضي ـ أوّل جلوسه في المحبوسين ، فيطلق كلَّ مَن حُبِسَ بِظُلم أو تعزير. »(2).
6 ـ وقال في التذكرة : « فيمن أسلمَ على ثمان زوجات ـ فإن اختار أربعاً ، واِلّا حبسه الحاكم تعزيراً عليه في ترك الواجب. »(3).
7 ـ وقال ابن فهد : « التعزير موكول الى نظر الامام ... وهو يكون بالضرب وبالحبس وبالتوبيخ من غير جرح ولا قطع ولا تخسير. »(4).
وقال أيضاً : « والمعتمد اختصاص كل عقوبة بما عينت له شرعاً ومع فقده يرجع الى تأديب الامام له بما يراه من تعزير أو حبس أو غيره »(5).
8 ـ وقال المجلسي الأوّل : « وهذا ـ أي الحبس ـ أيضاً احدُ أنواع التعزير. »(6).
9 ـ وقال الشيخ محمد حسن النجفي ـ في مسألة من أزال شعر رأس المرأة ـ : « ولعلّ ما فيه من الحبس والضرب على الوجه المزبور ، محمول على ضرب من التعزير الّذي هو على حسب ما يراه الحاكم. »(7).
10 ـ وقال أيضاً : « نعم قد تحصل مصلحة في بعض المقامات تقتضي جواز حبس الحاكم. »(8).
11 ـ وقال أيضاً : « كما أنّ ما عن المقنعة ، والنهاية ، والسرائر ، والوسيلة ، والتحرير ، مِن شَهر المحتال ليحذر منه الناس ; محمول على ما إذا رأى الحاكم
[
(1) تحرير الاحكام 2 : 239، انظر 2 : 182.
(2) قواعد الاحكام 2 : 204.
(3) تذكرة الفقهاء 2 : 656 ـ انظر القواعد والفوائد للشهيد الأول 2 : 142 ـ الرقم 204.
(4) و (6) المهذب البارع 5 : 73 و 89 و 90 .
(6) روضة المتقين 9 : 163.
(7) جواهر الكلام 41 : 249 (الحدود).
(8) جواهر الكلام 42 : 249 « الحدود ».
[26]
ذلك ، لمصلحة. »(1).
12 ـ وقال أيضاً في نفي واطىء البهيمة : « والنفي المذكور في موثق سماعة محمول على ما إذا رآه الحاكم في التعزير. »(2).
13 ـ وقال السيد جواد العاملي في عقوبة الواجد للدين : « وفي نقل آخر : وحبسه بدل عقوبتهِ ، ولا تفاوت ، اِذ العقوبة بعض أنواعها الحبس. »(3).
14 ـ وقال الفيض : « والتعزير موكول اِلى رأي الإمام (عليه السلام) يقيّمه في كل موضع ، بما يراه المصلحة فيه. »(4).
15 ـ وقال أيضاً في نفي علي (عليه السلام) رجلين من الكوفة : « لعلَّ الغرض من النفي ، الإذلال والصغار. »(5).
16 ـ وقال السيد الگلپايگاني : « يجوز التعزير بالحبس في بعض الموارد. »(6).
17 ـ ويبدو من كلام الإمام الخميني (رحمه الله) : « أنّ للحاكم الشرعي ، أو نائبه عقوبة المتخلِّف ، بالحبس والتغريب عن بلده وتعطيل محل كسبه ، وفصله عن عمله ـ فيما لو كان موظفاً حكومياً ـ لكن هذا كلّهُ في مثل الاحتكار و و ... مما فيه جانب اجتماعي. »(7).
18 ـ قال الشيخ المنتظري بعد أن ذكر موارد التغريب والحبس وحلق الرأس والإطافة والتشهير : « ولعلَّ المتتبِّع يقِفُ على موارد كثيرة من هذا القبيل ، وهذهِ كلِّها من باب التعزير قطعاً ; اِذ لا ثالث للحدِّ والتعزير فيكون مفهومه أعمَّ من
[
(1) جواهر الكلام 41 : 598.
(2) جواهر الكلام 41 : 639.
(3) مفتاح الكرامة 10 : 86.
(4) الوافي 15 : 307 و 309.
(5) الوافي 15 : 288 ذيل ح 15074.
(6) مجمع المسائل 3 : 213 ـ المسألة : 99.
(7) انظر الموازين القضائية عند الإمام الخميني 1 : 171.
[27]
الضرب ، وهو المطلوب ، فتأمّل. »(1).
« ويحتمل البعض منّا أن يكون سمل العينين ، من باب أحد أفراد التعزير ، فلا يكون حدّاً، فللحاكم أن يعزِّر من لم يدافع عن المسلم المقتول، بما يراه صلاحاً»(2).
والحاصل من مجموع هذهِ الفتاوى والكلمات أنّ التعزير لم ينحصر بالضرب ، بل هو أعمّ منه ، والملاك هو الاذلال والتحقير ، وامّا نوعية التعزير فهي منوطة بما يراه الحاكم من المصلحة ، والنفي من أظهر مصاديق التذليل والتحقير ، فيعزّر به إن رآه الحاكم.
د ـ آراء المذاهب الاخرى :
1 ـ قال الماوردي : « ... ثم هذهِ الغاية ـ أي التسعة وثلاثين سوطاً ـ لا يجب استعمالها في كلِّ مُعزَّر ، لأنَّ التعزير يختلف باختلاف حال المعزَّر ، ويكون موقوفاً على الاجتهاد فمن أدّى الاجتهاد اِلى تعزيره بالضرب اجتهد في عدده ... وإن أدّى الاجتهاد اِلى تعزيره بالحبس ، لم يعدل به إلى الضرب ، وإن أدّى الاجتهاد الى تعزيره بالقول والزجر لم يعدل به إلى ضرب ولا حبس ... »(3).
2 ـ وقال في الاحكام السلطانية : « ثمّ يُعدل بمن دون ذلك إلى النفي والابعاد ، إذا تعدّتْ ذنوبه إلى اجتلاب غيره إليها ، واستضراره بها ، وعامة نفيه مقدّرٌ بما دون الحول ولو بيوم ، لئلا يصير مساوياً لتغريب الحول في الزنا.
أقول : وظاهر مذهب مالك : أنـّه يجوز أن يزاد فيه على الحول بما يرى من أسباب الزجر. »(4).
[
(1) ولاية الفقيه 2 : 326.
(2) انظر حدود الشريعة 4 : 379 ـ و 3 : 484.
(3) أدب القاضي 2 : 364.
(4) الاحكام السلطانية : 279 ـ انظر : الاحكام السلطانية للفراء : 236 ـ معالم القربة : 191 ـ الفروق 4 : 177 ـ حاشية الشيخ سليمان 5 : 344 ـ الجمل على شرح المنهج 5 : 162.
[28]
3 ـ وقال البهوتي : « ويكون التعزير أيضاً بالحبس والصفع والتوبيخ والعزل عن الولاية وإقامته في المجلس حسبما يراه الحاكم ويصلبه حيّاً ، ولا يمتنع مِن أكل ووضوء. ويصلّي بالايماء ... وفي « الفنون » : للسلطان سلوك السياسة ، وهو الحزم عندنا ، ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع ... »(1).
4 ـ وقال علي ناصف : « التعزير بالضرب والحبس والنفي »(2).
5 ـ وقال الجزيري : « ... اِنَّ التعزير باب واسع يمكن للحاكم أن يقضي به على كل الجرائم الّتي لم يضع الشارع لها حدَّاً أو كفّارة ، على أن يضع العقوبة المناسبة لكلِّ بيئة ، ولكلِّ جريمة : من سجن أو ضرب ، أو نفي ، أو توبيخ ، أو غير ذلك ...»(3).
6 ـ وقال الزحيلي : « والتعزير : يكون إمّا بالضرب ، أو بالحبس ، أو الجلد ، أو النفي ، أو التوبيخ ، أو التغريم المالي ، ونحو ذلك مـمّا يراه الحاكم رادعاً للشخص بحسب اختلاف حالات الناس ، حتّى القتل سياسة كما قرّر فقهاء الحنفية والمالكية. »(4).
[
(1) شرح منتهى الارادات 3 : 361.
(2) التاج 3 : 32.
(3) الفقه على المذاهب الاربعة 5 : 400.
(4) الفقه الاسلامي وأدلته 4 : 287 ـ انظر : المغني 8 : 326 ـ المبسوط للسرخسي 9 : 38 ـ بدائع الصنائع 7 : 64 ـ تحفة الفقهاء 3 : 148 ـ معالم القربة : 285 ـ عيون الازهار : 485 ـ المنهاج للنووي : 532.
[31]
الفصل الرابع
التعزير المالي
أمّا التعزير المالي ، فقد أنكره العلّامة الحلّي في التحرير(1) ، والسيد الگلپايگاني في المجمع(2) ، ومن اهل السنة : ابن قدامة في المغني(3) ، وأجازه بعض المعاصرين(4) ، وبعض الحنفية(5) ، على أن يُردَّ له إذا تاب.
هذا ولم يرد دليل على الجواز، مع ما فيه من المخالفة لتسلّط الناس على اموالهم(6)ولعدم حلِّ مال الغير الّا باذنه(7) نعم ، روي عن علي (عليه السلام) أ نّه أمر بإحراق الطعام
[
(1) تحرير الاحكام 2 : 227 و 239 ـ انظر المهذب البارع 5 : 73.
(2) مجمع المسائل 3 : 213 ـ المسألة : 99.
(3) المغني 8 : 328.
(4) ولاية الفقيه 2 : 329 ـ 345.
(5) الفقه على المذاهب الاربعة 5 : 401.
(6) غوالي اللآلي 1 : 222 و 457 ـ و ج 2 : 138 ـ و ج 3 : 208 ـ وعنه البحار 2 : 271 ح 7 .
(7) الوسائل 2 : 425 ب 3 ح 3.
[32]
المحتَكر(1) ، وروي أيضاً أنه (عليه السلام) أمر بإحراق قرية يُصنع فيها الخمر ، وذلك حينما « نظر (عليه السلام) إلى قرية ، فقال : ما هذهِ القرية ؟ قالوا : قريةٌ تُدعى زرارةُ يُلحَمُ فيها ويباع الخمر ، فأتاها بالنيران ، فقال : اضرموها فيها ، فإنَّ الخبيث يأكُلُ بعضُهُ بعضاً فاحترقت »(2) ولكنهما ضعيفتا المأخذ.
وأمّا ما ورد عن بعض الصحابة ، أنـّه أحرق بيت رويشد الثقفي ، وكان حانوتاً للشراب(3) ، لعلّه أحرق الخمر المتَواجد فيه ، لعدم ماليَّته ، فضلاً عن أنّ الحُجّة عندنا عملُ المعصوم فقط. وما يقال إنـّه كان بمرأى ومنظر الإمام المعصوم (عليه السلام) ، فنقول : لم يثبت رضاؤه (عليه السلام) بكلِّ ما يحدث بمرآى ومنظر منه (عليه السلام).
[
(1) المحلّى 9 : 65 ـ المسألة 1567.
(2) كنز العمّال 5 : 504 ح 13744 ـ عن ربيعة بن زكار. لم نعثر على ترجمته.
(3) مصنف عبد الرزاق 9 : 230 ح 17039 ـ كنز العمال 5 : 499 ح 13737.
[33]
الفصل الخامس
النفي قبل الاسلام
مقتضى بعض الروايات أنّ النفي ـ بمعناه العرفي واللغوي ـ كان متداوَلاً في المجتمعات قبل الاسلام ، بالنسبة إلى بعض الجناة. فانهم كانوا ينفون الزاني عن مجالسهم ويطردونه ، ويشتمونه ، ويؤذونه ... وكان الامر على هذا المنوال حتّى بعد الإسلام إلى مدّة بمصداق الآية الكريمة : (وَاللَذانِ يَأتِيَانِها منِكُمْ فَآذُوهُما ... )(1) الى أن نزلت آية الجلد. فنسخت الآية الاولى.
وقد ذهب الى هذا الرأي ، عكرمة ، وعبادة بن الصامت.
هذا : ولكنَّ الإمام الخوئي قال : « لا نسخ في الآية ، وليس المراد من الضمير في الآية (يَأتِيَانِها ) الزنا ، بل المراد : اللواط ، ومعه : فموضوع الآية أجنبيُّ عن موضوع آية الجلد. »(2).
ونحن نورد الرواية الواردة في النفي :
روى الحر العاملي : « عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، عن آبائه ،
[
(1) النساء : 16.
(2) انظر : البيان في تفسير القرآن : 329 ـ 332.
[34]
عن أمير المؤمنين في حديث الناسخ والمنسوخ قال : فكان مِن شريعتهم في الجاهلية ، أنَّ المرأة إذا زنت حُبست في بيت واُقيم بِأَودها(1) حتّى يأتيها الموت ، وإذا زنى الرَّجل نفوه عن مجالسهم وشتموه وآذوه وعيَّروه ولم يكونوا يعرفون غير هذا. قال الله تعالى في اوّل الإسلام : (واللاتي يأتِينَ الفاحِشةَ من نّسائِكُم فاستَشهِدُوا عليهِنَّ أربَعَةً مِنكُم فَإن شَهدُوا فأَمسِكُوهُنَّ في البُيُوت حتَّى يتَوَفَّاهُنَّ الموتُ أو يجعلَ اللَّهُ لَـهُنَّ سَبيلاً واللَذَانِ يأتِيَانِها منِكُم فآذُوهما فإن تَابا وأَصلحَا فأَعرِضُوا عنهُمَا إنَّ اللَّه كَانَ توَّاباً رَّحيماً )(2).
فلمّا كثر المسلمون وقويَ الإسلام واستوحشوا اُمور الجاهلية ، أنزل الله تعالى : (الزَّانيَةُ والزَّاني فاجلدُوا كُلَّ واحد منهُما مائـَة جلدة ... )(3) فنسخت هذهِ ، آية الحبس والأذى. »(4).
اقول روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : (فَآذُوهُما ) هو التعيير باللسان والضرب بالنعال(5).
[
(1) الأود : العوج، أقام إوَدهُ : أي عوجه مجمع البحرين 3 : 9 (مادة أود).
(2) النساء 15 ـ 16.
(3) النور : 2.
(4) الوسائل 18 : 351 ح 19 ـ نقلاً عن المحكم والمتشابه ص 8، بتفاوت، وتفسير القمّي 1 : 133 ـ وعنه البحار 76 : 59 ح 56.
(5) تفسير التبيان 3 : 144.
[35]
الفصل السادس
النفي غير الشرعي
لم نقصد بالنفي والتغريب ـ في هذا الكتاب ـ ما ارتكبه بعض الصحابة بحقِّ الرعيِّة تعنُّتاً وظلماً ، ولأغراض سياسية محضة.
ولم نرد أن نجعله مدركاً نستند إليه في الفتاوى الفقهية ، بل رأْيُنا فيه أنـّه جريمةٌ وذنبٌ بحقِّ المسلمين ; صدَرَ عن جهل أو ظلم ، أو كليهما.
فقد نفى عثمان ، أبا ذر الصحابىَّ الكبير إلى الشام ، ثمَّ الى الربذة ، وغرَّبَ كعبَ بن عبده اِلى بعض الجبال ، وغرَّبَ عبادةَ بن الصامت مِن الشام ، وغرَّبَ كعباً من المدينةِ الى الـري ، وغرَّبَ عـامرَ بن عبد قيس اِلى الشـام ، وغرَّبَ حمـرانَ بن أبان اِلى البصـرة ، وغرَّبَ عبد الرحمن الجمحي الى القمـوس(1) ، وغرَّبَ عمـروَ بن زرارة من الكـوفة اِلى الشـام(2) ، وغرَّبَ عبد الرحمن بن
[
(1) كذا في لفظ اليعقوبي. وفي الاصابة : الغموص. ولعلّ الصحيح : القموص : وهو جبل بخيبر عليه حصن أبي الحُقيق اليهودي. (معجم البلدان 4 : 398).
(2) الغدير 8 : 381 ـ و 9 : 392.
[36]
حنبل(1) اِلى خيبر بعد أن ضربه(2) ، ونفى هشامُ ، جنيداً اِلى السند(3).
فهذهِ الاعمال ليست فقهاً ، ولا هي اُمورٌ شرعيّة يمكن الاستناد إليها ، بل هي مجرّد الاستبداد بالرأي وديكتاتورية محضة صدرت من اولئك الحكّام الّذين تسلّطوا على رقاب المسلمين ، ولابدَّ من الوقوف أمام هذه التيارات ولا يحقُّ لحاكم أن يرتكب هذه الجريمة بحق أحد من الرعية.
وقد وقف امير المؤمنين علي (عليه السلام) أمامَ هذهِ النعراتِ الجاهلية ، التي كانت تطلب منه تهجير قوم ، وطرْدهم من الكوفة ، عاصمة الخلافة الاسلامية آنذاك ، لأنـّهم كانوا من الموالي ، فقد اتَّخذَ الامام علي (عليه السلام) موقفاً حاسماً ، وقال : « فَأكون مِنَ الجاهلين ، أو من الظالمين ». فالطرد لا عن سبب شرعي ، يُعَدّ جهلاً من الحاكم ، بأحكام الشرع ، وظلماً بحقِّ الرعيّة.
وفيما يلي موقف الامام علي (عليه السلام) ، مـمّن طلب طرد الموالي من الكوفة ، ونماذج من طرد بعض الحكام ، للمؤمنين وتهجيرهم لا عن وجه شرعي :
ففي كتاب الغارات : « عن عبّاد بن عبد الله الأسدي قال : كنت جالساً يوم الجمعة ، وعلي (عليه السلام) يخطب على منبر من آجر ، وابن صوحان جالس ; فجاء الأشعث فجعل يتخطّى الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، غَلَبتْنا هذه الحمراء على وجهكَ ! فغضب ، فقال ابن صوحان : ليبيّن اليوم من أمرِ العربِ ما كان يخفى ، فقال علي (عليه السلام) : مَن يعذرني مِن هولاء الضياطرة ، يقيل(4) أحدهم يتقلَّبُ على حشاياه ، ويَهْجَر(5) قومٌ لذكر الله ، فيأمرني أن أطردهم فَأكونَ من الظالمين ؟!
[
(1) وفي نسخة ابن حبان، او : ابن حسان.
(2) شرح الاخبار 2 : 19 ح 406.
(3) الغدير 9 : 392.
(4) أي ينام القيلولة ـ أي الضحى ـ .
(5) يهجر : من الهجير، اي الحرّ، اي يتعرض لحرِّ الشمس.
[37]
والَّذي فَلَق الحبَّة وَبرأَ النسمةَ لقد سمعتُ محمداً يقول : ليضربنّكم ـ والله ـ على الدِّين عَوْداً كما ضربتموهم عليه بدءاً ... »(1).
الشرح : الحمراء : العجم والروم ، لأن العرب تسمي الموالي الحمراء.
الضيطار : وهو الضخم الّذي لا منفعة فيه ، ولا غناء.
الحشايا : الفراش المحشو.
نماذج من النفي غير الشرعي
1 ـ نفي عثمان أبا ذر (رحمه الله) :
عن الواقدي : « عن صهبان مولى الأسلميين ، قال : رأيتُ أبا ذر يوم دُخِلَ به على عثمان ، فقال له : أنت الّذي فعلتَ ما فعلتَ ؟ فقال له أبو ذر : نصحتُكَ فاستغششتني ، ونصحتُ صاحبكَ فاستغشّني. فقال عثمان : كذبتَ ولكنَّك تريد الفتنةَ وتُحِبُّها ، قد إنفلتَ الشامُ علينا ! فقال له ابو ذر : اتَّبع سُنَّة صاحبكَ لا يكن لأحد عليك كلام. قال عثمان : مالك وذلك ؟ ـ لا أمّ لك ـ قال ابو ذر : والله ما وجدتُ لي عذراً اِلّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فغضب عثمان. وقال : أشيروا عليَّ في هذا الشيخ الكذّاب ، إمّا أن أضربه ، أو أحبسه ، أو أقتله ، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمين ، أو أنفيه من أرض الإسلام ... فقال : أخرج عنّا من بلادنا ، فقال أبو ذر : ما ابغض إليَّ جوارك فإلى أين أخرج ؟
قال : حيثُ شِئْتَ. قال : فَأَخرج اِلى الشام ـ أرض الجهاد ـ قال : إنمّا جلبتُكَ مِن الشام ، لما قد أفسدْتها ، أفأردَّكَ إليها ؟ قال : فَاخرج إلى العراق ، قال : لا. قال : فإلى أين أخرج ؟ قال : حيثُ شِئْتَ. قال أبو ذر : فهو إذَنْ التعرُّب بعد الهجرة ، أخرج إلى نجد. فقال عثمان
[
(1) الغارات 2 : 498 ـ بحار الانوار 34 : 319 ـ شرح ابن ابي الحديد 20 : 284 ـ سفينة البحار 8 : 605، مادّة « وَلَي ».
[38]
الشرف الأَبعد أقصى فالأقصى امضِ على وجهِك هذا ، ولا تَعْدونَّ الرَّبذة ، فَسِرْ إليها ، فخرج اليها. »(1)
2 و 3 ـ نفي عبادة وكعب :
قال الحلبي : « من جملةِ ما انتُقم به على عثمان : أنه ... أشخص عبادة بن الصامت من الشام لمّا شكاهُ معاوية ، وضرب عمار بن ياسر ، وكعب بن عبده ، ضرَبَه عشرين سوطاً ونفاهُ الى بعض الجبال. »(2)
4 ـ نفي عثمان، للأشتر وجماعة من صلحاء الكوفة :
قال البلاذري : « فكتب سعيد بن العاص بذلك ـ أي وثوب الأشتر بابن خنيس ، صاحب الشرطة ـ إلى عثمان ، وقال : اِني لا أَملِكُ من الكوفة مع الأشتر واصحابه الذين يُدعون القرّاء ، وهم السفهاء ، شيئاً. فكتب اليه : أن سيِّرهم إلى الشام. وكتب اِلى الأشْتَر : إني لأراك تُضمِر شيئاً لو أظهرتَهُ لحلَّ دمكَ ، وما أظنُّكَ منتهياً حتّى يصيبكَ قارعةُ لا بقياً بعدها ، فإذا أتاك كتابي هذا فَسِرْ اِلى الشام ، لإفسادكَ مَنْ قِبلك ، وأنَّكَ لا تألوهم خبالاً ، فسيَّر سعيدٌ الأشتَر ومن كانَ وثبَ مع الأشتر وهم : زيد وصعصعة إبنا صوحان وعائذ بن حملة الطُهوي ـ من بني تميم ـ وكُميل بن زياد النخعي ، وجندب بن زهير الأزدي ، والحارث بن عبد الله
[
(1) الغدير 8 : 298 ـ اُنظر : الأنساب 5 : 52 ـ طبقات ابن سعد 4 : 168 ـ مُروج الذهب 1 : 438 ـ تأريخ اليعقوبي 2 : 148 ـ شرح ابن ابي الحديد 1 : 240 ـ فتح البارىء 3 : 213 ـ عمدة القارىء 4 : 291.
(2) السـيرة الحلـبية 2 : 87 ـ عنـه الغـدير 9 : 6 ويقال إن عثمان أمر بكعب فجرِّد وضرب عشرين سوطاً وسيَّره اِلى دباوند، ويقال الى جبل الدّخان. انظر تأريخ الطبري 5 : 137 ـ الرياض النضرة 2 : 140 ـ شرح ابن ابي الحديد 1 : 168 ـ الغدير 9 : 48.