كتاب الطهارة لمؤلفه العلامة الاكبر و الاستاذ الاعظم آية الله العظمى مولانا الامام الحاج آقا روح الله الموسوي الخميني أدام الله ظله العالي اشرف على طبعه و عنى بتصحيحه السيد هاشم الرسولي المحلاتي يشتمل هذا الجزء على مباحثت التيمم
(2)
منها عدم اتصاف الطهارات الثلاث بالوجوب النفسى والغيرى
بيان امور : التأمل في كون التيمم من ضروريات الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم أجمعين .و بعد فلما أنجر بحثنا إلى الطهارة الترابية أحببت أن افرد فيها رسالة لذكر مهمات احكامها ، و لما كان التيمم مهية ذات اضافة إلى المتيمم و إلى ما يتيمم به و لها أحكام صارت المباحث فيها أربعة : بحث في مهيته ، و آخر في المتيمم ، و ثالث فيما يتيمم به ، و رابع في الاحكام ، و نحن نذكر المباحث على ترتيب الشرايع لكون بحثنا موافقا له و ان كان الترتيب الطبيعي يقتضى ذلك ، و قبل الورود في المباحث لا بأس بذكر امور : منها انه لا اشكال في مشروعية التيمم كتابا ، و سنة و إجماعا ، و اما كونه من ضروريات الدين ففيه تأمل ، و ان لا يبعد في الجملة كما ان كون منكر الضروري كافرا محل اشكال يأتى الكلام فيه في مباحث النجاسات ان ساعدنا التوفيق انشاء الله ، و الاشكال فيه ناش من ان إنكار الضروري هل هو بنفسه موجب للكفر ، أو اذا لزم منه إنكار الله أو توحيده أو رسالة النبي صلى الله عليه و اله و الاظهر هو الثاني ، و لا مجال لتفصيل ذلك .و منها ان التحقيق عدم اتصاف الطهارات الثلث بالوجوب لا نفسيا و لا غيريا و لا بعنوان آخر كالنذر و شبهه .اما عدم الوجوب النفسي فلقصور الادلة عن إثباته ، لان الظاهر من كل مارود فيها من الاوامر و غيرها هو الاشارد إلى الشرطية ، لان الاوامر المتعلقة بالاجزاء و غيرها من متعلقات المركبات لا ظهور لها في المولوية بحسب فهم العرف ، فقوله
(3)
تعالى : إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم الخ لا يدل الاعلى ان تلك المهيات أو أثرها شرط للصلوة و الاوامر المتعلقة بها للارشاد إلى الشرطية .لا أقول باستعمال الهيئة في غير ما وضعت له ، فان التحقيق ان هيئة الامر الموضوعة لنفس البعث و الاغراء استعملت في مثل المقام فيما وضعت له ، لكن البعث لداعي افادة الشرطية كما ان النهى في مثل المقام كقوله : " لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه " استعمل في الزجر ، لكن لافادة ما نعيته للصلوة ، بل الظاهر من قول أبى جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة : " الوضوء فريضة " ( 1 ) ايضا كونه فريضة في الصلوة و هو لا يفيد الاالشرطية و الدليل عليه صحيحته عن أبى جعفر عليه السلام ايضا بالسند المتقدم " قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلوة ؟ فقال : الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء " ( 2 ) فعد الوقت من فرائض الصلوة في عرض الطهور ، و لا اشكال في ان الوقت فرض فيها بالمعني الذي ذكرنا .و كيف كان لا اشكال في عدم الوجوب النفسي في الطهارات كما يدل عليه بعض الروايات ، كرواية الكاهلي و غيرها ، كما ان التحقيق عدم الوجوب الغيري ايضا لما ذكرنا في محله من عدم وجوب المقدمة شرعا ، بل عدم إمكان وجوبها ، بل لو قلنا بوجوب المقدمة ايضا لا يلزم منه وجوب تلك العناوين بما هى ، لما حقق من وجوب المقدمة الموصلة اى عنوان الموصل بما هو موصل ، فلا يسرى الوجوب منه إلى ما يتحدمعه وجودا فلا تقع الطهارت الثلث الاعلى وجه واحد هو الاستحباب ، و انما جعلت شرطا و مقدمة للصلوة بما هى متسحبات و عبادات ، فما هو شرط له هو الوضوء العبادي و التيمم العبادي ، فتكون عباديتها قبل تعلق الامر الغيري بها على فرض تصوير الامر الغيري ، فلا يمكن أن تكون عباديتها لاجل الامر الغيري المتعلق بها ، لان الامر الغيري لا يتعلق الا بما هو شرط للصلوة ، فان كان الشرط ذات تلك الافعال بلا اعتبار 1 - الوسائل : أبواب الوضوء ، ب 1 ح 2 2 - الوسائل : أبواب الوضوء ، ب 1 ، ح 3
(4)
منها - عدم وجوب حفظ عنوان موضوع التكليف
قيد العبادية و القربة لكان اللازم صحتها و صحة الصلوة مع إتيانها بلا قصد التقرب ، كما ان الامر كذلك في الستر و التطهير من الخبث ، و هو كما ترى و ان كان الشرط هى مع قيد العبادية فلازمه كون عباديتها مقدمة على شرطيتها المتقدمة على الامر الغيري ، و كون عباديتها للامر النفسي المتعلق بالصلوة اسوء حالا منه و التفصيل موكول إلى محله .فتحصل مما ذكر ان التيمم بما هو عبادة جعل شرطا للصلوة فلا بدران يكون مستحبا نفسيا مثل الوضوء ، مع ان الاصحاب لم يلتزموا باستحبابه النفسي على حذو الوضوء ، و يحسم الاشكال بإمكان أن يكون التيمم مستحبا نفسيا في ظرف خاص هو ظرف وجوب الاتيان بما هو مشروط به ، أو إرادة ذلك أو يكون مستحبا نفسيا بحسب ذاتها مطلقا لكن عرض له عنوان مانع عن التعبد به في الظرف الكذائي هذا .لكن التحقيق ان الوضوء ايضا ليس مستحبا نفسيا الا باعتبار حصول الطهارة به ، و اما نفس الافعال باهى فلا تستحب و التيمم مع تلك الغاية ايضا مستحب و سيأتي التفصيل في بعض المباحث الاتية .و اما عدم وجوبها بساير العناوين فلان النذر و شبهه إذا تعلق بعنوان لا يوجب الا وجوب الوفاء به و هو لا يوجب سراية الوجوب من عنوان الوفاء به إلى عنوان آخر بل لا يعقل ذلك و ان كان متحدا معه في الوجود ، فالواجب في النذر هو الوفاء به لا الوضوء المنذور المتحدمعه وجودا لا عنوانا .و منها انه لا اشكال في ان التكليف إذا تعلق بعنوانين متقابلين مثلا كالمسافر و الحاضر و الواجد للماء و الفاقد ، و كذا إذا كان التعلق مشروطا كما إذا قيل إذا كنت في السفر كذا ، و ان كنت في الحضر كذا ، لا يجب على المكلف حفظ العنوان في الغرض الاول ، و حفظ الشرط في الثاني ، فيجوز تبديل أحد العنوانين بالاخر و رفع الشرط ، سواء كان قبل تحقق التكليف و تنجزه أولا لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه و لا المشروط حفظ شرطه ، فيجوز للحاضر السفر قبل الوقت و بعده .و للواجد
(5)
منها - هل الطهارة الترابية والمائية عدلان او الاولى مصداق اضطرارى للثانية
اراقة الماء قبله و بعده .كما لا ريب في انه إذا توجه التكليف بنحو الاطلاق بالمكلف لا يجوز تعجيز نفسه ، لان القدرة ليست من القيود و العناوين المأخوذة في المكلف ، و لا شرطا للتكليف لا شرعا و لا عقلا ، لكن العاجز معذور في ترك التكليف المطلق الفعلى ، فلو قال يجب على الناس إنقاذ الغرقي لا يكون هذا التكليف المتعلق بالعنوان الكلى مشروطا بحال القدرة شرطا شرعيا ، و الا لكان للمكلف تعجيز نفسه ، و لما وجب عليه الاحتياط في الشك في القدرة و ليس للعقل تقييد حكم الشرع ، بل هو حاكم بمعذورية العبد عند مخالفة التكليف في صورة عجزه ، و عدم معذوريته مع قدرته .و توهم لزوم تعليق التكليف و البعث على العاجز قد فرغنا من دفاعه في الاصول كما انه لو فرض استفادة وجود اقتضاء التكليف من الادلة في صورة عروض عنوان على المكلف يوجب تعلق تكليف آخر به يكون حكمه حكم العجز العقلي ، كما لو فرض استفادة اقتضاء لزومى للطهارة المائية أو الصلوة معها ، حتى في حال عروض فقدان الماء ، فلا يجوز إراقته أو تحصيل العجز في هذه الصورة ايضا ، هذا كله مما لا اشكال فيه .انما الاشكال في ان حال الطهارة المائية و الترابية ماذا ؟ و هل التكليف متعلق بالواجد و بالفاقد كتعلقه بالحاضر و المسافر أو يكون التكليف بالطهارة المائية مطلقا و له اقتضاء حتى في صورة فقدان الماء ، و الطهارة الترابية مصداق اضطرارى سوغه العجز عن المائية مع بقاء الاقتضاء اللزومي ، فلا يجوز تحصيل الاضطرار ؟ فاللازم صرف الكلام أولا إلى الاية الشريفة ثم إلى مقتضى الروايات قال تعالى في المائدة : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين و ان كنتم جنبا فاطهروا و ان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أولا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم و أيديكم منه ما يريد الله
(6)
ليجعل عليكم من حرج و لكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .امر تعالى شأنه بالوضوء أولا ، و مع فرض الجنابة بالغسل لظهور قوله : " فاطهروا " بعد قوله " فاغسلوا " و قبل فرض العجز عن الماء في التطهير بالماء و إطلاقها يقتضى مطلوبيتهما مطلقا ، و اقتضائهما كذلك حتى في فرض العجز و الفقدان ، و ليس لاحد أن يقول ان عدم ذكر قيد الوجدان لحصوله غالبا و ندرة فقدانه ، فان ندرة فقدانه في تلك الازمان و الاسفار ممنوعة ، و لو سلم ندرته لكن العجز المطلق المستفاد من الآية بذكر المرض و إلقاء الخصوصية بالنسبة إلى ساير الاعذار كما يأتى بيانه ليس بنادر ، كما ان كونها بصدد بيان كيفية الوضوء لا ينافى الاطلاق من جهة اخرى ، فال آية الشريفة بصدد بيان تكليف صنوف المكلفين من الواجد و الفاقد و الجنب و غيره ، و قوله تعالى : " فلم تجدوا " لا يصلح لتقييد الصدر بحيث صار معنونا بعنوان الواجد ، فيكون العنوانان عدلين كالحاضر و المسافر .اما أولا : فلان العرف يفهم من عنوان الفاقد و عدم الوجدان و نظيرهما من العناوين الاضطراية ان الحكم المتعلق به انما هو في فرض الاضطرار و العجز عن المطلوب الاصلى ، و فى مثله لا يكون التكليفان في عرض واحد على عنوانين .و اما ثانيا : فلان جعل المرضي قرين المسافر ، دليل على ان الحكم كما في المرضي اضطرارى الجائى كذلك في ساير الاصناف .و اما ثالثا : فلان التذييل بقوله : " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " الظاهر عرفا في كونه مربوطا بالتيمم في حال المرض و السفر ، و ان الامر بالتيمم لاجل التسهيل و رفع الحرج ، فان الامر بالمرضى بالطهارة المائية ، و بالمسافر بتحصيل الماء كيف ما اتفق حرجى ، و ما يريد الله ذلك يدل على التيمم سوغ لاجل التسهيل و رفع الوضوء و الغسل للحرج ، و لا يكون ذلك الا مع تحقق الاقتضاء فيفهم منه ان التكليف الاولى الاصلى هو الطهارة المائية ، و له اقتضاء حتى في صورة العجز